خطط الكوفة وشريح خريطتها

المؤلف:

لويس ماسينيون


المترجم: تقي بن محمّد المصعبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار الوراق للنشر المحدودة
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١

مسجد (١) ، وفي هذه المحلة كانت قد سكنت بنو الكاهل (الذين كان أبو الخطاب داعية الإسماعيلية والنصيرية من مواليهم) وفيها كان عمير (٢) أحد أتباع أبي الخطاب قد نصب خيمة للعبادة والاعتكاف (٣) ، وإني لأعتقد بأن كان في بني الكاهل عدد كبير من الموالي الذين كانوا قد أسسوا لهم مسجدا دعي ب (مسجد الموالي) وقد جلب كولدزيهر (٤) الانتباه حول هذه التسمية الخاصة المنفردة (٥). والروايات الشيعية تخبر بأن عند ظهور القائم (٦) سوف تنزل صاعقة من السماء فتحرق المواقع الرجسة في الكوفة المقدسة ، مبتدأة بالكناسة ثم محلة ثقيف (في شمال الجامع : وبستان زائدة بن قدّامة الثقفي ، في الثوية) وبعده تحرق دار أسعد بن همام الشيباني آل ذي الجدين سيد بكر الذي كان رهطه من الخوارج) وأخيرا داري بني أمية (ـ الوليد بن عقبة وأخيه عمارة بالقرب من الجامع) (٧). ثم

__________________

(١) ابن سعد ج ٦ ، ص ٢٣٨. والاسترابادي في المنهج ص ١٧١. والذهبي في كتاب الاعتدال ج ١ ، ص ٢١٧ وج ٣ ص ١١٩ وكتاب الأغاني الطبعة الثانية مجلد (٧) ص ١٧٤ وبالاخص مجلد (١٠) ص ٨٠.

(٢) هو عمير بن بنان العجلي الذي أصبح بعد مقتل أبي الخطاب خليفته ورئيس أتباعه ، وكان قد نصب خيمة عظيمة في الكناسة كان يجتمع فيها اتباعه ويعتكفون ، ولما بلغ خبرهم الوالي يزيد بن عمر بن هبيرة أخذ عميرا وصلبه في الكناسة.

(٣) الشهرستاني ج ٢ ، ص ١٧.

(٤) Goldziher عالم ومستشرق نمساوي له كثير من المؤلفات.

(٥) الطبري مجلد ٣ ص ٢٩٥ ـ و ١٢٠.Goldziher ,Muh stud ,I.

(٦) القائم هو محمد بن الحسن العسكري ، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية وهو المهدي المنتظر. «المترجم».

(٧) نوري الطبرسي «١٣٢٠ ه‍ ـ ١٩٠٣ م» كتاب نفس الرحمن ص ٦٩ ـ ٧٠.

٦١

يأتي القائم (١) وينزل في الجامع ويضع خزينته في مسجد السهلة ، ويعمّ بغداد الخراب ، فتصبح الكوفة ملكة الدنيا ، بعد أن كانت دار هجرة المؤمنين الحقيقيين ومحل انتظارهم.

وحسب حديث سلمان (٢) : (الكوفة قبة الإسلام : وسوف يأتي زمان لا يوجد مؤمن حق إلا من سكن الكوفة أم اشتاق إليها قلبه) لأن الكوفة مدينة الإسلام حيث تأملوا في حديث المباهلة (٣) ذي المعنى العميق فتمسكوا به بكل معناه الحقيقي الشرعي (٤)

__________________

(١) الهداية للخصيبي ص ٥٤٤ ، وكتاب الغيبة لابن زينب ص ٧٥.

(٢) البلاذري.

(٣).Cf.Salm n P k.P.٠٤ ـ ٢٤

(٤) راجع حديث المباهلة في كتابنا النبأ العظيم ج ١ ، صفحة ٢٨ ، وكتاب اعيان الشيعة للعلامة السيد محسن العاملي ج ٣ ، ص ١٧٨ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، وتفاسير الرازي والزمخشري والنيشابوري والطبرسي «في سورة آل عمران آية المباهلة» «المترجم».

٦٢

ضاحية النجف (مشهد علي)

كان اسم النجف (أو نجف بكسر النون ـ تل أوصلييان) يطلق قديما على الجزء الغربي (المطل على البحيرة المالحة) من ذلك اللسان الذي تقع الكوفة في النقطة الشمالية الشرقية منه (في جهة الفرات) وهذه الذروة صارت في عصر اللخميين تسمى ب «الغري» (١) (حيث كان الأمير ماء السماء قد نصب عليها عمودين ـ الغريين) وعلى مقربة منها تأسست القرية المسيحية التي سميت ب «دومة الحيرة» (٢).

وحوالي عام (٢٨٠ ه‍ ـ ٩٠٢ م) حظي الداعي الزيدي الديلمي زيد بن محمد (٢٧٠ ـ ٢٨٧ ه‍) بتشييد قبة إجلالا لعلي المدفون هناك (٣) ، وزاد في بنائها وعمارتها أبو الهيجاء الحمداني (+ ٣١٧ ه‍)

__________________

(١) ابن الفقيه ص ١٧٩.

(٢) البكري في المعجم ص ٣٥٤ ، المرفوع من قبل موزل ـ Musil ,Art ,des ,٧٢٩١ ,٤٤٥ ـ.٥٤٥

(٣) كان عليّ قد دفن بصورة سرّية هنا تحت سياج من العيضة أو بالأحرى من الشيح (نوع من الأشواك) وكان الإمام جعفر الصادق يقصد الغريّ من المدينة مع صفوان الأسدي

٦٣

وفي حكم البويهيين أصبحت هذه القبة كعبة الزوار ، ومنذ ذلك العهد أخذت الأسر العلمية الشيعية في الكوفة تنتقل إلى الغري وتقطنها (١). أما مقبرة النجف «وادي السلام» فمقدسة كمقبرة وادي الصفاء بكربلاء. وللنجف خريطة متقنة وضعها نيبوهرNiebuhr فأفادتني كثيرا في أيام إقامتي بالنجف من ١١ ـ ١٧ آذار ١٩٠٨. وإليك وصف محلاتها الأربع حسب ملاحظاتي حينذاك :

١ ـ محلة حقيرة تسكنها عشيرة الشمرت تسمى المشراق ، في الشمال بين باب البحر القديم (واليوم يسمى بباب الثلمة وباب الصغير).

__________________

لزيارة قبر جده (الأسترابادي ص ١٨٣ ، وابن عمير ، وقد رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج المجلد ٢ ص ٤٥ ـ ٤٦). وأما القول بأن قبر المغيرة يوجد في هذا المحل ليس إلا ضرب من الازدراء والهزل من قبل خصوم الشيعة : ـ وبما أن تعيين قبر علي الحقيقي جاء متأخرا ، فلذلك كانت الآراء متباينة في موضع قبره قبل ذاك ، فزعموا بأنه دفن في الكوفة نفسها (في إحدى زوايا الجامع على رحبة القصر بالقرب من أبواب كندة) على رأي أبي مخنف ، أو في حجرة بدار أخته أم هاني أرملة هبيرة المخزومي ، أم تحت دار عبد الله القسري (الذي صار فيما بعد واليا على الكوفة) مقابل القصر من جهة الجنوب ، أو في الكناسة ، أو في الثوية (وفي الحقيقة دفن المغيرة هنا وبعد زياد) أو في صحراء طيء (رواية أبي القاسم البلخي ـ ٣١٧ ه‍ ، ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج المجلد (١) ص ٣٦٤) وقد ذكر أحد شعراء النصارى البلحارثيين بأن جثمان علي كان قد نقل إلى القرية المسيحية «نجران» وهي القرية التي عمرها نصارى اليمن الذين أجليوا عن أوطانهم) وكانت تقع بين الكوفة وواسط (ياقوت المجلد (٤) ص ٧٥٧)(ـ نهربان بين خفان وجنبلا) ـ وراجع حديث البكتاشية حول نشور علي وظهوره متلثما على جمل وقيادته جنازته بنفسه.

(١) والنجف إحدى دور العلم الأربع للشيعة ، وتلقب أيضا ب (مرجع التقليد).

٦٤

٢ ـ ثلاث محلات واسعة لعشيرة الزكورت وهي العمارة (وتشمل الجامع وسوق القاضي في الجنوب الغربي). والحويش («الصغير والكبير» في الجنوب) والبراق (مع سوق الكبير) في الشرق.

وعند عودتي سنة ١٩٣٤ وجدت النجف لم تتأثر كثيرا من جرّاء انقطاع الزوار الإيرانيين عنها منذ سنة ١٩٢٥ بخلاف كربلاء.

والنجف بلدة بدوية محضة وعربية بحتة.

وهناك محلتان جديدتان لا زالتا في دور التشييد ، إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب وتقعان عموديا على البحيرة المالحة ؛ وبالرغم من أن البلدة القديمة لم تزل قذرة جدا ، توجد هناك أنابيب تجلب إليها الماء من الفرات بينما في سنة ١٩٠٨ لم يكن هناك سوى الآبار ومجرى صغير من الماء الكدر «جدول النجف» وكانت عديمة الزرع والخضرة (١).

__________________

(١) ويوجد في النجف نوع من العقيق الأبيض غير المنحوت يسمى «درّ النجف» وتحصل هذه الدور من أرض النجف ، ـ وقد جلبت معي من النجف في سنة ١٩٠٨ ثلاث عباءات من نوع «أم چتف» وهي عباءات نسائية تشبه حلة الشماس ، تصنع هناك من الحرير على طراز هندسي مطرزة بقصب الذهب أو الفضة.

٦٥
٦٦

المصادر

إن الكتب التي انفردت لوصف الكوفة (١) ، وبالأخص كتاب الهيثم بن عدي (+ ٢٠٧) (٢) ليست معروفة لدينا سوى عناوينها وبعض الروايات عنها ، فالجغرافيون العرب قد زهدوا كثيرا في الإسهاب عن وصف الكوفة ما خلا بضعة روايات متفرقة ، وأما المعجم الذي وضعه ياقوت وإن جاء متأخرا إلا أنه ثمين جدا ، وعدا ما ذكر فليس لدينا ما نعتمد عليه غير فصول من كتاب فتوح البلدان لأحمد بن يحيى البلاذري (+ ٢٧٩) (٣) التي عنونها ب «تمصير الكوفة» فنجد فيها (١٥٠)

__________________

(١) حسبما ذكر ابن النديم في الفهرست ونصير الدين الطوسي والكنتوري.

(٢) كتابه «خطط الكوفة» وربما أخذ ياقوت منه باختصار ، وكتابه «ولاة الكوفة» وقد استخرج منه الطبري بعض الحوادث كحادثة زيد ، وكتابه «قضاة الكوفة والبصرة» الذي استفاد منه ابن سعد في تأليف كتابه «الطبقات» وأخيرا كتابه «فخر أهل الكوفة على أهل البصرة» الذي قلّده فيه علي المدائني في وضع كتابه «مفاخرة أهل البصرة والكوفة».

(٣) عمر بن شبة البصري (ـ ٢٦٢ : كتاب الكوفة وكتاب عمار الكوفة) وإبراهيم بن محمد الثقفي (ـ ٢٨٣ كتاب الأصفهان وكتاب فضل الكوفة ومن نزلها من الصحابة) محمد بن

٦٧

اسما من أسماء الأماكن ، ثم الصحائف الثلاث لليعقوبي (+ ٢٧٨) حول اختطاط الكوفة (وهي قائمة تخص تخطيط منازل الصحابة وكثير من القبائل مع أسماء الجبانات) (١).

ولأجل البحث والتحقيق عن الجداول والقوائم التاريخية والأدبية كان ينبغي لنا التتبع المستمر والبحث الطويل ، لأن الجدول الجغرافي الموجود في كتاب الأغاني ليس فيه سوى (١٥) اسما تخصّ الكوفة ولكن الطبري يعطينا (١٢٥) اسما للأماكن الكوفية ، منها (١٠) للجبانات و (٦) للحمامات و (٤٤) للدور و (٥) للأديرة و (٧) للسكك و (١٨) للمساجد.

وكان دليلنا الوحيد للرجوع في الترسيم الطوبوغرافي هو المصدر الذي استخرج الطبري منه الحوادث التي وقعت في الكوفة ، كحركة حجر (سنة ٥١ ه‍) وقيام مسلم بن عقيل (سنة ٦٠ ه‍) وحركات المختار العسكرية (في سنتي ٦٦ و ٦٧ ه‍) (٢) وحركة شبيب (سنة ٧٦ ه‍) وقيام زيد بن علي (في سنتي ١٢١ و ١٢٢ ه‍) وابن معاوية والضحاك (سنة ١٢٧ ه‍) وهذا المصدر هو المؤرخ الزيدي لوط بن سالم الغامدي الأزدي (+ ١٥٧ ه‍) وهو أيضا المصدر الأساسي لمشاجرة الصحابة ، فهذا المؤرخ الذي يعتمد عليه الطبري ويعرفه حسب إحصاء هشام الكلبي (الذي يفضله على الهيثم بن عدي «لمناسبة زيد») كان قد

__________________

تمام الدهقان (كتاب فضل أهل الكوفة) الذي نشره ابن مجالد ثانية.

(١). Ed. De GoeJe ? , Leiden, ٦٦٨١) Hitti et Murgotten, en ont donne ? en ٦١٩١ ـ ٤٢٩١

(٢) راجع كتاب «أخبار المختار و «مختارنامه» (بالفارسية).

٦٨

استعمله نصر بن مزاحم المنقري التميمي (+ ٢١٢ ه‍) لوضع كتاب المختار بعد أن قام ببعض التعديل ، وربما كان أبو حنيفة الدينوري قد أخذ من الأخير (يعني نصر) (١). ويظهر بأن المتتبعين أخذوا يهتمون بالموضوع (أي موضوع الكوفة) فطفقوا يكتبون وينشرون ، إلا أني لم أستطع أن آخذ رأيا من بحوث الشيخ علي الشرقي التي نشرت في مجلة الاعتدال النجفية سنة ١٩٣٢ ، ولا من البحوث غير المنشورة للسيد سليم محمود الأعظمي.

ولكن كتب لي (ا. كوهنل E.Kuhnel) بأن الدكتور (طالبوت رايس Talbot Rice) كان قد عثر على بعض الأواني التي تعود إلى العصر الأموي وذلك في أثناء تنقيبه عن الآثار في الحيرة فأعطتنا بعض المعلومات عن الكوفة (٢).

__________________

(١) الأخبار الطوال (طبع مصر).

(٢) Cf. Jour. R, Central Asian soc, XIX) ٢٣٩١ (٠٥٢ ـ ٨٦٢, antiquity, VI) ٢٣٩١ ـ sept (٦٧٢, et art islamica, I) ٤٣٩١ (١٥ ـ ٣٧, Cf. Gerald Reithinger, ap GRAS, jour, ٣٣٩١. P .. ٣٠١

٦٩

الذيل ـ رقم (١)

ملاحظة حول طوبوغرافية البصره (١)

بما أن الحياة الاجتماعية والسياسية في المدينتين الشقيقتين (العراقين) كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا ، فعلينا أن نكتب بضعة أسطر عن الثانية (البصرة) ولا نقصد بالبصرة البلد الجديد الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى القرن السابع عشر الميلادي ، الذي ذكرنا شيئا عنه في الجزء الثاني من كتاب «بعثتي» عقيب زيارتي في سنة ١٩٠٧ م (من ٨ إلى ١٥ كانون الأول). بل المدينة القديمة التي تبعد مسافة ساعتين من البصرة الحالية في الجهة الجنوبية الغربية منها ، والتي لم يبق منها سوى عدة قبور متفرقة وبعض الآثار الدالّة على محيطها.

كانت البصرة قد تمصرت سنة (١٧ ه‍) من الدساكر (٢) السبع.

١ ـ البطينة في الوسط.

__________________

(١) ابن الفقيه ١٩١ ، والبلاذري ص ٣٤٦ و ٣٧٢ ، واليعقوبي.

(٢) الدسكرة هي الضيعة أو المزرعة المأهولة. (راجع فصل تمصير الكوفة) المترجم.

٧٠

٢ ـ الحدّان في الغرب.

٣ ـ هداد في الشرق.

٤ ـ الزابوقة في الشرق.

٥ ـ الخريبة في الجنوب (وهنا كانت وقعة الجمل سنة ٣٦ ه‍ بين الجبانة (المقبرة الكبرى) من الجنوب الغربي ومقبرة بني حصن والمسناة من الجنوب الشرقي.

٦ ـ السبخة في الشرق. (وكانت هذه الدسكرة تتصل بالفرضة (الپورت) القريبة من الجسر ودار الرزق بين محلات القلعة).

٧ ـ الزاوية في الجنوب.

وكان الطريق التجاري الكبير يخترق البصرة من الغرب إلى الشرق ، أي من المربد (محل إناخة الإبل وتفريغ البضائع) إلى الفرضة (ـ الپورت). والبصرة كانت منقسمة إلى خمسة مناطق عسكرية قبلية (الأخماس).

١ ـ بكر (في الوسط الشرقي : البطينة والزابوقة).

٢ ـ عبد القيس (في الشرق والشمال الشرقي ، بالقرب من البورت).

٣ ـ تميم (في الغرب والجنوب الغربي ، من المربد إلى الجامع ، مع مقبرة بني مازن (من قبيلة قيس مؤسسو البصرة) في الجنوب الغربي.

٧١

٤ ـ الأزد (في الشمال الغربي : حدّان وهداد).

٥ ـ أهل العالية (وهم أصحاب المناصب والموظفين القيسيين والقرشيين : في الوسط بين الجامع والبطينة).

وبنو سعد (من تميم) كانوا قد عقدوا حلفا مع الفرسان (ـ الأساورة) الفارسيين. كما أن بني حنظلة (من تميم أيضا) قد تحالفوا مع الزط والسيابجة (وهم الطبقات السفلى من الإيرانيين).

وبينما كانت قبائل بكر (وبالأخص) عبد القيس شيعية (١) ، نرى قبائل تميم بعد أن تنضمّ إلى القيسيين تعطي للبصرة صبغة سنية عنيفة.

__________________

(١) بكر وعبد القيس من ربيعة ، وقد مدحهم أمير المؤمنين عليه‌السلام في مواطن كثيرة ، ومن جملة ما قاله : (لكل ربيعة خير وخير ربيعة عبد القيس) وله قصيدة يمتدحهم ويثني عليهم في صفين (راجع الجزء الثالث من كتابنا النبأ العظيم) (المترجم).

٧٢

الذيل رقم (٢)

الرابطة السياسية في بطون القبائل

الكوفية (ك) والبصرية (ب)

ولدى الرؤساء من العنصر العربي

المحض

تميم ، كانت بطونها على العموم سنية وخاصة بني دارم (ك : عطارد الذي سبب عزل الوالي عمار (١) وابنه بشر كان ضد علي) وبني

__________________

(١) هو عمار بن ياسر العنسي من السابقين إلى الإسلام والمعذبين في سبيله ومن المهاجرين الأولين صديق النبي المقرّب وهو كذلك من الشيعة الأسبقين (مع المقداد وسلمان وأبي ذر) الذين لقبهم النبي بشيعة علي وأحد أركان الشيعة الأربعة كان شديد الولاء لآل البيت عظيم الطاعة والانقياد لعلي ، اشترك في جميع غزوات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبلى فيها أحسن البلاء ، وكان من الزهاد العباد ومن أهل الصفة ، ولّاه الخليفة الثاني إمارة الكوفة والقيادة العليا لأجنادها وكان القائد الأعلى في كثير من فتوح إيران وصار في عهد الخليفة الثالث أحد رؤوس المعارضة والمطالبين بالإصلاح ، ثم شهد الجمل مع علي عليه‌السلام وقد ولّاه أمرة الرجالة كلها وشهد كذلك حروب صفين معه وقاد القراء واستشهد هناك عليه رضوان الله ورحماته. (راجع

٧٣

عمرو (ب) ؛ ولكن بني سعد الذين كانت لهم أقلية في الهجر فاختلاطهم مع الإيرانيين جعلهم يميلون إلى التسوية (Radicale) أي كانوا يتطرفون إلى أحد الجانبين فإما إلى تشيع الحمراء (ك) واما إلى الخارجية (ب : حرقوص) وبنو حنظلة الذين تخالطوا كذلك مع الإيرانيين بالتحالف أمسوا مذبذبين بين هذين الجانبين (ب : صابغ بن عسل ؛ ك : ضابي بن الحارث وشبث بن ربعي الرياحي ؛ أصبغ بن نباتة).

أسد ، كانوا ضد التشيع (ك : طليحة) ولكن بني غاضرة الذين كانوا يملكون أراضي كربلاء قاموا بدفن جثمان الحسين ، وقائمة أسماء الشيعة من موالي بني أسد فطويلة جدا (ولا سيما موالي بني الكاهل).

بكر ، كانت بطونها الكوفية على الأغلب ضد الشيعة وبالعكس بطونها البصرية كانت شيعية (ك : بنو شيبان وبنو ذهل ، عدا منصور المستنير ؛ ب : وابن نصير (١) مؤسس النصيرية).

خزاعة ، كانوا من الشيعة الأسبقين (عمرو بن الحمق وسليمان بن

__________________

كتابنا الركن الرابع عمار بن ياسر) المترجم.

(١) هو محمد بن نصير النمري البصري كان رحمه‌الله شديد الحب لعلي عليه‌السلام كثير الموالاة لآل البيت شيعيا متطرفا زاهدا عالما فقيها كان معاصرا للإمام الحادي عشر الحسن العسكري عليه‌السلام وهو بابه (حسب معتقد النصيرية) وهو رئيس الفرقة التي سميت بالنصيرية أو العلوية ولا زال اتباعه من خيرة الشيعة الإمامية الاثني عشرية ولهم طريقة تسمى «الجنبلانية» وهم منتشرون اليوم في سواحل لبنان الشمالية والجزيرة وأنطاكية والاسكندرونة وولايات تركيا الجنوبية وأزمير واستنبول وبلغاريا وألبانيا السفلى وبلاد اليونان وأمريكا الجنوبية لا سيما البرازيل (المترجم).

٧٤

صرد) (١) وصاروا فيما بعد من الموالين لبني العباس لأنهم كانوا كذلك شيعة في ابتداء الأمر (قبل سنة ١٣٢ ه‍).

عبد القيس كان هؤلاء يتشيعون من قبل سنة ٣٠ ه‍ (بنو الذيل رهط أبناء صوحان) وقد ثبتوا في تشيعهم (ب : بنو العمور) (٢).

مذحج ، كانت بطونها كلها شيعية (من النخع الأشتر (٣) وكميل ،

__________________

(١) عمرو بن الحمق بن الأوبر شيخ خزاعة ورأسها وفارسها ، كان من أجلاء الصحابة ومن كبار أصحاب أمير المؤمنين ، ومن الصلحاء الأخيار زاهدا عابدا ، واشترك في فتوح سورية ومصر ثم انتقل إلى الكوفة ثم شهد الجمل وصفين والنهروان مع أمير المؤمنين وساعد حجر بن عدي في حركته كما أنه اشترك في كافة الحركات الإصلاحية في الكوفة قبلها ، وقد روى الحديث عن النبي محمد وروى عنه جبير بن نفير ورفاعة بن شداد وغيرهما وسليمان بن صرد كذلك من رؤساء خزاعة ومن أصحاب أمير المؤمنين ، كان في مقدمة أخيار أهل الكوفة وهو أول من طلب بدم الحسين السبط عليه الصلاة والسلام تولى أمرة التوابين وحارب بني أمية واستشهد رضوان الله ورحمته عليه (راجع قيام التوابين في الملحق) (المترجم).

(٢) كان عبد الله بن وهب الهمداني الشهير بابن سبأ قائدهم يوم الجمل «سنة ٣٦ ه‍».

(٣) هو مالك بن الحرث النخعي المذحجي المعروف بالأشتر أشجع شجعان العراق وفارسهم المغوار وأحد رؤوسهم العظام ، التابعي الجليل وصاحب أمير المؤمنين وصديقه ومن أشد الخلق ولاء له ، كان مصلحا اجتماعيا وقائدا عظيما وهو أحد أبطال غزوة مؤتة (وفيها شترت عينه) كما أنه اشترك في فتوح العراق وإيران وبعدها صار رأس المعارضة في الكوفة على عهد عثمان كان جريئا مع الولاة شديدا عليهم ، نفي إلى الشام مع عصبة من أصحابه ثم إلى الجزيرة وقد ترأس فيما بعد وفد الكوفة الذي سار إلى المدينة سنة ٣٥ ه‍ ، ثم شهد الجمل مع أمير المؤمنين وقد ولاه قيادة ميسرته وكذلك في صفين ، ثم بعثه أميرا على كور الموصل وسنجار والجزيرة ونصيبين ودارا ، وبعد مقتل محمد بن أبي بكر عليه الرحمة أرسله عاملا له على مصر وفي طريقه بالقلزم «ـ السويس» دسّ له السم رجل بإيعاز من معاوية فتوفي هناك رضوان الله عليه ورحماته ولما نعوه إلى أمير المؤمنين بكى عليه بكاء شديدا وقال : «رحم الله مالكا فقد كان لي كما كنت لرسول الله» وبعد كلامه عليه‌السلام نستطيع أن نعرف من هو الأشتر حقا (المترجم).

٧٥

وبطون جعفي وأود ومراد (عدا الأشعريين حيث كانوا محايدين والبلحارثيين الذين أمسوا خوارج (سنة ٤١ ه‍) ثم من أنصار بني العباس (سنة ١٣٢ ه‍).

كندة ، كانوا جميعهم شيعة (ك : حجر) ولكن تشيعا إلهيا دينيا (١).

__________________

(١) أي كان تشيعهم إطاعة لأمر الله والنبي محمد ، حيث قد نصّ القرآن بموالاة أهل البيت وطاعة علي (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥) وقد أجمع المفسرون بأن هذه الآية نزلت في علي خاصة عندما تصدّق بخاتمه للسائل بالمسجد وهو في حالة الركوع ، وهناك كثير من الآيات القرآنية وسورة كاملة (سورة هل أتى) بحق علي وزوجته وولديه ، فليراجع القارىء أي تفسير شاء ، ـ وأما وصايا النبي وأوامره فكثيرة جدا نورد منها ، قوله : «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار ويميل معه حيث مال» (أخرجه الحاكم في المستدرك وابن حنبل في مسنده) وكلامه له : عند خروجه لغزوة تبوك ، «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» (النسائي في الخصائص ومسلم والبخاري في صحيحيهما). وقوله : «ما تريدون من علي «قالها ثلاثا» إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي» (الترمذي والحاكم والطبراني) وقوله أيضا : «من أطاع عليا فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» (أخرجه أبو يعلى والبزاز عن سعد وكذلك الحاكم وابن حنبل والطبراني). وقوله له : «يا علي أنت تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» (أحمد بن حنبل والحاكم بسنده عن أبي سعيد الخدري) وقوله : «علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا وعلي» (الترمذي وابن ماجه وابن حنبل). وأخيرا كلامه يوم غدير خم بعد خطبته الشهيرة ، «ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، ثم دعاؤه له : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» الخ ...

(راجع اجتماع غدير خم وخطبة النبي في مسند أحمد بن حنبل وصحيحي النسائي ومسلم وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني وصحيح الترمذي وشرح النهج لابن أبي الحديد والصواعق المحرقة لابن حجر وكتاب الولاية لسبط ابن الجوزي وكتاب الولاية للطبري ، وكذلك رواه

٧٦

همدان :

كانت كافة بطونها شيعية على الإطلاق شديدة التشيع مشغوفة به (١)

__________________

ابن المغازلي الشافعي وابن مردويه وابن بطة وغيرهم) فالآيات والأحاديث بهذا المعنى كثيرة ، فإذا القول بأن كندة كانت تتشيع إلهيا هو أنهم قد اتبعوا وصايا النبي وامتثلوا أمر القرآن ، ولم يكونوا لينظروا إلى المآرب السياسية أو يذهبوا مذهب الحزبية أو العصبية القبلية. أما رئيس كندة وملكهم في الجاهلية الأشعث فقد كان منافقا ولم يؤمن بل أسلم لسانا وكان يظهر ما لا يضمر ولم يكن لينسى بأنه كان ملكا فأنزله الإسلام من مرتبته وساواه مع رعيته إلى غير ذلك. راجع حول الأشعث في الجاهلية والإسلام كتابنا النبأ العظيم الجزء الثالث).

(المترجم).

(١) كان النبي محمد قد أرسل خالد بن الوليد «سنة ٩ ه‍» إلى اليمن ليدعو أهلها إلى الإسلام فذهب خالد إلى اليمن ودعا همدان فكان جوابهم وابلا من النبال ، فعاد فبعث النبي عليا فسار إليهم وكلمهم ثم دعاهم فأجابوه وأسلمت بطون همدان كلها في يوم واحد ثم اتبعتهم بقية قبائل اليمن فكتب علي إلى النبي فلما بلغه ذلك قال : السلام على همدان ، ومنذ ذلك اليوم أصبح الهمدانيون شيعة لعلي رجالا ونساء وأكثر الناس موالاة له وأعظمهم تضحية في سبيل نصرته وأشد الخلق على أعدائه ، كانوا يتسابقون إلى المنايا بين يديه ونساء همدان كنّ يدخلن المعارك ويحرضن الرجال على القتال ويشجعنهم على الاستبسال ، والهمدانيون هم ذوو البلاء المشهود في حروب الجمل وصفين وغيرها ، ولقد خاطبهم أمير المؤمنين يوما بصفين قائلا : أنتم درعي ورمحي ، فكفاهم بذلك فخرا ، ومدحهم عليه الصلاة والسلام في قصيدة منها :

دعوت فلباني من القوم عصبة

فوارس من همدان غير لئام

فوارس من همدان ليسوا بعزل

غداة الوغى من يشكر وشبام

ومن أرحب الشيم المطاعن بالقنا

ورهم وأحياء السبيع ويام(*)

ومن كل حي قد أتتني فوارس

ذوو نجدات في اللقاء كرام

بكل رديني وعضب تخاله

إذا اختلف الفرسان شعل ضرام

يقودهم حامي الحقيقة منهم

سعيد بن قيس والكريم محامي

فخاضوا لظاها واصطلوا بشرارها

وكانوا لدى الهيجا كشرب مدام

جزى الله همدان الجنان فإنهم

سمام العدى في كل يوم حطام

٧٧

من بني الحوت ، الحارث ومن بني وادعة سعد بن وهب) ونساء همدان قد أقمن المآتم والمناحات على الحسين جهارا ، وكان الهمدانيون يشتركون في جميع الثورات الزيدية اشتراكا فعليا (أبو الجارود وحسن ابن صالح بن حي) كما أنهم ساهموا مع القرامطة في ثوراتهم (منصور اليمان) وفقط بطن من بطونها (بنو ناعط) صاروا ثمانية إلى أجل وذلك للكراهية التي حصلت بينهم وبين السبيعيين (ويستثنى منهم سعيد بن نمران وليلى)

بجيلة :

كانت هذه القبيلة من أوّل الأمر مخاصمة للشيعة (جرير) وكان منها رجلان شيعيان هما ، حبة العرني تلميذ عمار بن ياسر والمغيرة أحد مواليهم.

وقد عدّ الشاعر الشيعي معدان السميطي (١) «+ ١٦٠ ه‍» في بيتين من الشعر القبائل التي كانت دوما ضد الشيعة وهي باهلة (من قيس) وبطون الخلفاء الثلاث الأولين القرشيين ، وثقيف (عدا المختار وآل

__________________

لهمدان أخلاق ودين يزينهم

ولين إذا لاقوا وحسن كلام

متى تأتهم في دارهم لضيافة

تبت عندهم في غبطة وطعام

ألا إن همدان الكرام أعزّة

كما عزّ ركن البيت عند مقام

أناس يحبون النبي ورهطه

سراع إلى الهيجاء غير كهام

فلو كنت بوابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

(*) يشكر وشبام وارحب ورهم والسبيع من بطون همدان.

(١) السميطيون هم فخذ من آل الربيع بطن من طيء (السويدي. سبائك ص ٢٥٩).

٧٨

عمه سعد بن مسعود) ، وتغلب ، وهلال (١) (البيان والتبيين للجاحظ ج ٣ ص ١٧٦) (٢).

لما كان ملحقنا «أهم حوادث الكوفة في القرنين الأول والثاني الهجري» فيه من الإسهاب والتفصيل ما يجعله أضعاف حجم هذا الكتاب فقد رأيت أن أنشره على حدة ، فليترقبه القراء.

كربلاء

تقي المصعبي

__________________

(١) القول بوجود مؤلف باسم سليم الهلالي هو تلفيق واختلاق.

. Cf. notre Salm n P k, P, ٠٥ ـ No ٤

(٢) والبيتان من قصيدة :

يوم تشفى النفوس من يعصر اللو

م ويثنى بسامة الرجال

وعدي وتيمها وثقيف

وأمي وتغلب وهلال

لا حرور ولا النوائب تنجو

لا ولا صحب واصل الغزّال

غير كفت ومن يلوذ بكفت

فهم رهط الأعور الدجال

وبنو الشيخ والقتيل بفخ

بعد يحيى ومؤتم الأشبال

سنّ ظلم الإمام في القوم بشر

إن ظلم الإمام ذو عقال

٧٩
٨٠