خطط الكوفة وشريح خريطتها

المؤلف:

لويس ماسينيون


المترجم: تقي بن محمّد المصعبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار الوراق للنشر المحدودة
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١

٧ ـ إن اسم هذا الفيلق (رقم ٧) فجميع المصادر خالية منه ومما لا شك فيه بأنه (طيء) القبيلة التي قلّ شأنها بعد أن كان اسمها يطلق على العرب مطلقا باللغة الآرامية ومنها إلى اللغة الفارسية ثم الأرمنية فالصينية). وبالرغم من وجود سهم لهذه القبيلة في الغنائم والفيء منذ البداية ومع أنها كانت في صفين تشكل فيلقا مستقلا (١) فاسمها هو الوحيد الذي لا نجده عند غربلة الجداول.

وعندما قدم علي الكوفة بعد يوم الجمل سنة ٣٦ ه‍ غيّر نظام الأسباع في الكوفة وعباها على الترتيب التالي (٢).

١ ـ همدان وحمير.

٢ ـ مذحج وأشعر ومعهم طيء (ولكن رايتهم خاصة بهم) وجعل نصر بن مزاحم قبيلة طيء كفيلق سابع عند ذكره خروج جند الكوفة إلى صفين.

٣ ـ قيس (عبس وذبيان) ومعهم عبد القيس.

٤ ـ كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة.

٥ ـ الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار (والدينوري يذكرهم في الفيلق السابع مع قريش).

٦ ـ بكر وتغلب وبقية بطون ربيعة (عدا عبد القيس).

__________________

(١) راجع نهاية هذا الفصل.

(٢) البلاذري في الأنساب : وفي كتاب الكيتاني ج ٩ ، ص ١٢٩ ، والدينوري ص ١٤٨ والطبري المجلد ١ ص ٣١٧٤ ، ونصر بن مزاحم كتاب وقعة صفين.

٢١

٧ ـ قريش وكنانة وأسد وتميم وضبة والرباب.

ويعطينا الدينوري أيضا عين الأسماء حسب ترتيب البلاذري ولكن الطبري لم يذكر سوى الفيالق (٧ و ٣ و ٦ و ٢ و ٥) ويذكر نصر بن مزاحم في كتاب صفين نفس الأسماء ولكن على هذا الترتيب (٣ و ٧ و ٥ و ٤ و ٢ و ١) ثم يجعل طيء كفيلق سابع وعلى ترتيب نصر يعوز الفيلق السادس (وهم بكر وحلفاؤهم).

وقد أبدى نور الله الشوشتري ملاحظة مهمة حيث ذكر بأن (لم يكن مع علي في صفين من رؤساء قريش سوى خمسة بينما ثلاثة عشر بطنا من بطون قريش وألويتها كانت بجنب معاوية (١).

__________________

(١) إحقاق الحق لنور الله الشوشتري (بحث الإجماع).

أجل إن قريشا كانت كارهة لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وحانقة عليه (إلا من خشع منهم وكان مؤمنا حقا) لأنه هو الذي قتل أبطالهم وفلق هامات شجعانهم وأسقى رؤساءهم كأس المنون في غزوات النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلأجله كانوا قد عصبوه بتلك الدماء ويطلبونه ثأرهم مع ما كانوا يحملون في قلوبهم له من الحقد والبغضاء ولم يكونوا قد أسلموا إلا يوم فتح مكة حين أرغموا على ذلك وهم كارهون (سوى العصبة المهاجرة) فكانوا على الدوام يترقبون الفرص للانتقاض عليه والأخذ بثأرهم ولم يجدوا إلى ذلك سبيلا ولكن لما مات محمد انقلبوا على أعقابهم (إلا جماعة قليلة) وتآمروا فدفعوه عن مركزه ومقامه الشرعي ولما بويع بالخلافة صاروا يثيرون الفتن ويحدثون الخلاف ثم تألبوا فجردوا السيوف في وجهه ووجوه أبنائه (الذين عصمهم الله وأوجب موالاتهم ومودتهم وفرض النبي طاعتهم والانقياد إليهم).

ولقد وصفهم عليه‌السلام قائلا : (اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفأوا إنائي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري وقالوا إلا أن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه ، فاصبر مغموما أو مت متأسفا فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من

٢٢

أمور أربعة للملاحظة :

أولا : كانت هذه القبائل عدا القسم الحجازي (قريش) تضمّ عناصر شديدة البداوة سكان الخيام وبيوت الشعر أصحاب الإبل (بنو دارم من تميم) أو اليمانيين القدماء الذين كانوا مجاورين لهم من قبل (طيء) ثم العناصر نصف الرحالة التي كانت قد ائتلفت مع هذه الربوع قديما (ربيعة نصف متنصّرة وأسد من الغرب والشمال الغربي ، وبكر من الشرق والجنوب الشرقي) أو أولئك الذين قدموا من الجنوب الشرقي مع جموع من الإيرانيين (بنو عبد القيس الذين جاؤوا من هجر) وأخيرا العناصر العربية الجنوبية الأصلية وهم الذين نزحوا من اليمن وحضرموت وهؤلاء كانوا أكثر حضارة من غيرهم وكانوا قسمين :

١ ـ نصف متحضرة (كندة وبجيلة).

٢ ـ متحضرة حقا من سكان المدن والقرى اليمانية (مذحج ، حمير ، همدان).

فهذه الأقوام سكان جنوب شبه جزيرة العرب أهل المدن والقرى الذين كانوا متمدنين تقريبا صاروا سببا لتحضر العنصر العربي في

__________________

حزّ الشفار) نهج البلاغة شرح محمد عبده الجزء الثاني ص ٢٢٧ و ٢٢٨.

هذا وكانت الأنصار من الأوس والخزرج جميعهم معه في صفين وغير صفين إلا ثلاثة نفر (منهم اثنان كانا مع معاوية وهما النعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد) (وواحد كان قد اعتزل القتال وهو محمد بن مسلمة). (المترجم) ولأجل التفصيل راجع كتابنا النبأ العظيم الجزء الأول الفصل الأول والجزء الثالث الفصل الثاني.

٢٣

الكوفة تبعا لصفة عقلية تختلف عن البصرة التي كانت تلك العناصر فيها قليلة متراخية ومع ما نلاحظ من القابلية الخاصة للعناصر الجنوبية (١) في التمدن والتحضر وتأسيس الثقافة الإسلامية في سورية ومصر والأندلس إلا أنها ظهرت في الكوفة بأبهى معالمها ورب معترض يقول : بأن البصرة كانت إحدى منابع هذه الثقافة فنجيبه قائلين : بأن الكوفة هي التي كانت سببا لتلك الحركة ولم تكن البصرة سوى مقتبسة منها ولو أن انضمام بنو عبد القيس مع الحمراء (حلفاؤهم الفرس) في البصرة قد سهل تعريب المفردات الفارسية كما حدث في الكوفة إلا أن البصرة لم تكن حاوية على تلك المادة الموجدة للتصور والابتكار المختصة بتلك الجماعات العربية الجنوبية (أهل اليمن) التي كانت في الكوفة متفرقة على غيرها ومن هنا نستطيع أن نستنتج الاتجاهات المتباينة للمذهبين الكلاسيكيين الكوفي والبصري فالمزية الخاصة للمذهب الكوفي هي الإبداع في التصور في كافة الأدوار الثقافية العربية.

ففي الكتابة قد تطور الخط الكوفي (الليتروجي) المأخوذ من المصاحف القديمة وفي الصرف والنحو والقراءات (وكان ثلاثة من مجموع أربعة قراء من أهل الكوفة وواحد بصري) فالمذهب الكوفي يبحث عن أوضاع الشواذ.

__________________

(١) ولقد ذكر لي الأستاذ فؤاد بك كوپورلو بالأستانة بأنه قد توصل إلى نفس التحقيق في تجمع الأتراك بالأناضول وكيفية تحضرهم حيث الفضل في ذلك يرجع إلى العناصر التي كانت لها حضارة في تركستان قبل نزوحها إلى الأناضول.

٢٤

وأما في النثر ففي الكوفة تكوّنت تلك المجموعة المعتبرة النفيسة (نهج البلاغة) الحاوية على الخطب والمواعظ التي ألقاها علي (١) هناك.

وفي الشعر هي التي أبدعت في تحويل الذخائر الماضية (الحماسات والمعلقات) وكذلك أوجدت الأحاديث والسير في حب الله» Platonique «(كأحاديث بني عذرة التي يعززها الأصمعي البصري) (٢).

والشعور الديني الذي ظهر ضد الزنادقة والسبئيين قد اشتد حتى تحول إلى الإحساس بالتجلي ورؤية القديسين وذلك بإجهار التوبة العلنية (راجع قيام التوابين سنة ٦٤ ه‍) ففي الكوفة موطن البهاليل والصوفية (٣) الذين ذكر الغزالي مكانتهم وأهميتهم وذلك بإثبات شرعي (٤) وفيها كان قد ظهر الحلّاج الذي فاق جميع النساك والزهاد الأسبقين ومن أنّب إبراهيم الخواص وانتقد طريقته «إنكار الذات» فأسس الطريقة التصوفية «على ترك التكامل» أما في السياسة فكانت الكوفة ليجيتيمست (Ligitimiste) شرعية إلى أقصى درجاتها حتى أن أعظم حركاتها الإصلاحية وهي الحركة الزيدية لم تكن إلا احتجاجا ومطالبة مسلحة للعدل الاجتماعي.

__________________

(١). Cf. salm n p k p. ٩٤, n. ٣. RMM, LVII) ٤٢٩١ (. P. ٥٢١ ـ ٦٢١

(٢) رقيقة قلوب أهل اليمن (وكذا راجع كتاب الغيبة للنعماني ص ١٥ والأغاني المجلد ١ ص ١٦١ و ١٦٣)

(٣) وحديث إبراهيم بن الأدهم الذي كانت أخته تسكن الكوفة.Cf.notre Essai ٣٣١.

(٤) إحياء علوم الدين للغزالي الجزء ٤ ص ١٧٤ و ٣١٠ ، ٥٩ ،.Cf.notre passion

٢٥

وفي الحقوق فالكوفة كانت فورماليست Formaliste مذهب الاجتهاد (وهي مهد الفقهاء والمشرعين الأقدمين) والمذهب الكوفي يدعم الأقدار النهائية للأرواح على النعم الإلهية.

وكانت الحياة التعاونية (١) فيها تركن على إسناد سلمان (إسناد الشد) (وفي البصرة أناب الحسن البصري).

بينما المذهب البصري يستمد قوته من شيء من الرياليزم» Realisme «) فيقوم باستنتاجات بطيئة واستدلالات مملة فيجمع أصول الصرف وشروحه ويبالغ في التحقيق.

أما شعراء البصرة فقد طرحوا جانبا الطراز المأثور (والنثر العربي له هذه الصفة أيضا) وتناولوا مع الارتياب الأفكار الأجنبية المشابهة ، والفكرة الدينية فيها فبعد أن فنّد البصريون الفلسفة الصومالية الهندية مارسوا بتحذر البسيكولوجية الأخلاقية.

وفي السياسة كانت البصرة موطن أهل الجماعة (الذين مواقفهم للأقدار قد هيأت السنية) فالبصريون كانوا ينكرون بكل جرأة ووقاحة الخلاف بين الصحابة (٣) والبصرة كذلك مهد القدرية.

ولقد قارن الحجاج بين البصرة والكوفة حيث وصف الأولى

__________________

(١) حول الجمعيات التعاونية في الإسلام وإسناد سلمان وحديث شد الفتوة راجع كتابنا الأركان الأربعة الركن الثاني سلمان باك وكذلك كتاب المؤلف.Salm n p k المترجم.

(٢) الرياليزم هو المذهب الباحث والمؤمن بالحقائق الخارجية للأشياء.

(٣).Cf.notre Receuil ٠٢٢

٢٦

كعجوز شمطاء ترفل بالزينة وأنواع الحلي وشبه الثانية بعذراء جميلة عارية من الحلي والعقود (١).

ثانيا : إن البيوتات الأربعة لأمراء البدو لم تسكن البصرة بل سكنت الكوفة (٢) وهم (١) آل زرارة الدارميون (٣) بنو دارم بطن من تميم (٢) آل زيد الفزاريون (من قيس عيلان) (٣) آل ذي الجدين الشيبانيون (بنو شيبان بطن من بكر بن وائل) (٤) آل قيس الزبيديون (من مذحج) وحسبما يظهر بأن هؤلاء سكنوا في ضواحي الكوفة أولا ولم يقطنوا داخل البلد إلا بعد زمن ولهذا السبب قد تأخروا عن الحضارة.

ثالثا : اختلاف الإحصاءات لعدد المقاتلة التي عسكرت في الكوفة (٤) ففي القادسية كان عددهم (٠٠٠ ، ٣٦) مقاتل «٣ / ٢ يمانيون» وأما الأسهم التي سجلت لهم في الكوفة فقد بلغت (٠٠٠ ، ١٠٠) سهم

__________________

(١) ياقوت المجلد ٤ ص ٣٢٥.

(٢) ابن الفقيه ص ١٧٢.

(٣) كان أعين بن زرارة وأولاده العشرة من وجوه الشيعة ورؤوسهم نجوم يهتدى بهم في الدين والتقوى وقد خرج من أبناء هذه العشيرة غير واحد من الفقهاء والرواة والمحدثين وجميع أفرادها كانوا على ما عليه أعين من التشيع الشديد والموالاة (المترجم).

(٤) وثلاثة أمراء كانوا قد سكنوا الكوفة كذلك وهم ملك الهجر زهرة السعدي التميمي (الذي سلف ذكره) وطليحة النصري الأسدي الذي ادعى النبوة سابقا في بزاخة (نجد) وملك حمير أبرهة بن الصباح الأصبحي (الطبري المجلد ١ ص ٢٥٨٦ و ٢٣٥٦ والمجلد ٢ ص ٢١١ وعمر بن أبرهة هذا قد حافظ في الكوفة (سنة ١٢٠ ه‍) على الحلف القديم الذي كان منعقدا بين ربيعة والقحطانيين واعتبره نافذا (الدينوري ، ص ٣٣٨ وراجع أيضا العقد الفريد المجلد ٢ ص ٤٨).

٢٧

أي (٠٠٠ ، ٤٠٠) شخص على أكبر تقدير (والبلاذري يذكر في الصفحة ٣٥٠) (٠٠٠ ، ٦٠ مقاتل و ٠٠٠ ، ٨٠ حصة).

رابعا : يظهر بأن تجمع القبائل والبطون في الكوفة واتصالها قد ساعدا النسابة على وضع جداول شتى الأنساب.

وفي سنة (٥٠ ه‍) أي في إمارة زياد ابن أبيه (١) صار تكتل الأقسام العسكرية في الكوفة على غرار ما كان بالبصرة حيث أصبحت الأسباع أربعة مناطق (الأرباع) وذلك بعد ضمّ كل قسمين من الأقسام الستة الأولى وإليك كيفيتها :

الربع الأول : أهل العالية.

الربع الثاني : تميم وهمدان.

الربع الثالث : ربيعة (ـ بكر) وكندة.

الربع الرابع : مذحج وأسد (٢).

ومن رأي لامانس» Lammense «بأن هدم النظام القبلي العسكري السابق (٣) من قبل زياد وتبديله ربما كان من أجل الربع رقم (٢) حيث همدان القبيلة العظيمة الخطيرة ذات الشوكة والقوة التي كانت دوما

__________________

(١).Caetani ,III ,١٥٨

(٢) الطبري المجلد ٢ ص ١٣١ و ٢٥٥ و ٦٤٤ و ٧٠١ ، و ٨٥٧ و ١٧٠ حوادث سنة ١٢٢٤.

(٣).Lammense ,ZIAD ,٧٢١ ـ ٢٣١

٢٨

معادية ومخاصمة للولاة والأمراء لأنها كانت شديدة التشيع فأكره زياد الهمدانيين الشيعة بأن يخضعوا لقائد عسكري الذي كان يرأس قبيلة تميم التي كانت همدان تبغضها منذ سنة (٣٧ ه‍).

ولكن هذا غير صحيح وهذا التبديل جرى للربع رقم (٣) الذين كانوا قد عقدوا حلفا شهيرا مهما الذي سبّب حدوث عصيان في البصرة آنذاك. وبقي هذا النظام يعمل به حتى زوال شأن الكوفة وانحطاطها الذي تمّ في أوائل القرن الرابع الهجري.

٢٩
٣٠

السكك والنطاق والمقابر

إن القائمة الوحيدة لتخطيط منازل الكوفة التي بين أيدينا هي النسخة الأصلية القديمة والتي تصف بأن (١٥) منهجا (المنهج هنا يعني الخط الفاصل بين تصفيف الخيام) (١) التي اقطعها سعد للقبائل المختلفة وهذه المناهج قد اختطت من الجامع باعتباره مركزا لها.

أولا : في ودعة الصحن (أي في شماله) : المنهج (١ و ٢) لقبيلتي سليم وثقيف ، والمنهج (٣) لهمدان ، والمنهج (٤) لبجيلة ، المنهج (٥) لتيم اللات وتغلب.

ثانيا : في قبلة الصحن (أي في جنوبه) : المنهج (٦) لبني أسد ، والمنهج (٧) بين بني أسد والنخع ، والمنهج (٨) بين النخع وكندة ، والمنهج (٩) بين كندة والأزد.

__________________

(١) كانت المناهج حدودا فاصلة بين صفوف المخيمات الواقعة في خطط القبائل ، فكل منهج كان على جانبيه صفان من الخيام وكانت بمثابة الطرق الرئيسية (المترجم).

٣١

ثالثا : في شرقي الصحن : المنهج (١٠) للأنصار ومزينة ، المنهج (١١) لتميم ومحارب ، والمنهج (١٢) لأسد وعامر.

رابعا : في غربي الصحن : المنهج (١٣) لبجالة (من غطفان) وبجلة (من قيس) والمنهج (١٤) لجديلة واللفيف ؛ والمنهج (١٥) لجهينة واللفيف (١).

ثم كانت هناك شوارع حقيقية تسمى ب (السكك) وعرض السكة كان (٥٠) ذراعا من أذرع اليد (٢) وهذه السكك كانت تنار أحيانا بواسطة المشاعل أثناء الليل (٣) ونحن نعرف بعض هذه السكك كسكة شبث (في منازل تميم ، وسكة العلاء بن محرز (في منازل قريش) وسكة عميرة (في منازل كندة) وسكة دار الروميين (بالقرب من قصر الامارة) الخ.

وكان يطلق على كثير من السكك أسماء بطون القبائل التي كانت تسكن في جوانبها ، ومنها ما كانت تحمل أسماء بعض التجار بأشكال مستعجمة ك «حجّامة عنترة» «عنترة الحجام» وفي هذا الصدد أبدى البلاذري ملاحظة مهمة حيث قال :

إن هذه التبدلات في الأسماء العربية لم تحدث إلا في سنة (١٣٢ ه‍) عند مجيء الجيوش الخراسانية العباسية (٤) وبما أنا نجد

__________________

(١) الطبري المجلد ١ ، ص ٢٤٨٩.

(٢) ياقوت المجلد ٧ ، ص ٣١١.

(٣) الطبري المجلد ٢ ، ص ١٧٠١ (في حوادث قيام زيد).

(٤) البلاذري ص ٢٨٢ من مطبوعات دوگويجة.

٣٢

في رواية أبي مخنف عن حركة المختار (سنة ٦٦ ه‍) اسما من هذا القبيل وهو لحّامة جرير (جرير اللحام) (١) فيثبت ذلك بأن أبا مخنف كان قد جمع رواياته من بعد سنة ١٣٢ ه‍ وجرى بعض التعديل في التخطيط السابق لأن العناصر الإيرانية لم تنشأ في الكوفة بواسطة حمراء ديلم في القرن الأول بل بواسطة الخراسانيين في القرن الثاني.

وهناك طريق تهمنا بصورة خاصة وهي طريق البريد ، ولقد قمنا في تحقيق وتحديد مسلكها فاهتدينا بأنها كانت بين الجسر وبين القصر والكناسة (ذلك في سنة ٦٦ عندما كان البريد يسير نحو دمشق).

وكانت في الكوفة مفارق طرق تسمى بالفارسية «جهار سوج» (٢) وأهمها جهار سوج خنيس. وجهار سوج بجيلة «وجهار سوج همدان» (٣) ولم يكن في الكوفة في بادىء الأمر سور أم خندق بل ما أجمعوا عليه هو وجود حفرة في الجهة الشمالية الشرقية (في منازل مزينة) وكانت هذه الحفرة تسمى ب (مسناة جابر) وكذلك كان يوجد قنال في الجنوب الشرقي (وهو نهر البويب) ومنه مدّت الجداول نحو جوف العتيق (٤) حيث الحمامات والسقايات وفي سنة (١٤٥ ه‍) أمر الخليفة المنصور بحفر خندق كبير حول الكوفة وفتح له مجرى من الفرات ونصبت عليه قناطر من الزوارق ذوات أبواب بغية تسهيل

__________________

(١) الطبري المجلد ٢ ص ٦٢٤ ، ٧٧٥ ، ٩٥٩.

(٢) چهار سوج اسم فارسي مركب من كلمتين (جهار ـ أربعة وسوج ـ جهة) (المترجم).

(٣) ابن سعد الجزء ٦ ص ٢٤٢ و ٢٨٥.

(٤) اسم لغزي ، ربما كان المراد الحفرة التي كانت خلف الجامع.

٣٣

المواصلات التجارية (١) ولم تكن في الكوفة آبار صالحة للشرب طيلة الأعوام المائة الأولى بل كانوا ينقلون الماء من شريعة الفرات (٢) وبعد زمن حفروا بئرا فوجدوا ماءها صالحا للشرب فسميت ب (بئر علي) (بوستان سياحت ص ٣٨ لزين الشيرواني).

وإحدى الصفات المميزة لطوبوغرافية الكوفة جباناتها (أي مقابر العشائر والبطون) وكانت الجبانات تقع في خطط القبائل ونحن نعرف إحداها جيدا وهي جبانة كندة التي كانت فسحة واسعة ليس فيها بناء أو عمارة وكانت معدّة للحشر والتجمع العسكري وغيرها من الاجتماعات العامة وإليك قائمة لتلك الجبانات (٣).

١ ـ الجبانة باختصار ولم يكن لها اسم خاص وكانت تقع على الثوية ويجتمع فيها القرشيون والثقفيون.

٢ ـ جبانة عرزم الفزاري (كانت لبني عبس) وأما الشخص الذي سميت هذه الجبانة باسمه فكان رجلا يصنع اللبن ويجففه هناك تحت الشمس (٤).

٣ ـ جبانة بشر الخثعمي (بطن من طيء).

٤ ـ الأزد (أو جبانة مخنف) (بطن من الأزد).

٥ ـ سليم السلولي (بطن من بني عامر من قيس).

__________________

(١) الهداية للخصيبي ص ١٤٦ ، والبلاذري ص ٢٨٩.

(٢) الاعتدال للذهبي الجزء الثالث ص ١٩١.

(٣) البلاذري وابن الفقيه وياقوت.

(٤). Gorr. La tard de Hitti, The origin of islamic, State, t. I. P. ٢٤٤, ١, ٦. d\'en bas

٣٤

٦ ـ مراد (بطن من مذحج).

٧ ـ كندة (كانت هذه الجبانة لكندة وربيعة).

٨ ـ «الصائديين (أو الصيداويين وهم بطن من بني أسد) (١).

ولم تكن هذه الجبانة لأحمر همدان (٢) بل للقيسيين (لبني كلاب من قيس) (٣).

٩ ـ جبانة عثير (الأسدي) وكانت هذه الجبانة أولا لبني عبس ثم صارت للسكون «وأحرق علي الغلاة الذين كانوا يؤلهونه في هذه الجبانة وفي الموضع المسمى : (صخر الاخدود)» (٤).

١٠ ـ جبانة السبيع «أو جبانة الحشاشين» (والسبيع بطن من همدان من أصحاب الأقطاع (٥) والرئاسة). وهذه الجبانة كانت محلا للاجتماعات المهمة : وكان الوالي الحجاج قد اتخذ محل إقامته فيها ، كما أن الوزير العباسي الملقب بمولى السبيع (٦) قام بأخذ البيعة من

__________________

(١) أبو حنيفة الدينوري ، والاسترابادي ، وكليب.

(٢) ابن سعد ج ٦ ، ص ١٧٢.

(٣) الطبري المجلد (٢) ، ص ٢٤٩ ، والمجلد (١) ، ص ١٤ و ٢٥٥.

(٤) ياقوت المجلد (١) ، ص ١٢٠ ، والخصيبي في الهداية ص ٦٠٥ ، والقرآن سورة البروج.

(٥) كان السبعيون من بني حاشد يسكنون في جبل ظيبان في اليمن ، بين مساكن بني أرحب وبني خيوان وعند قدومهم الكوفة نصبوا بني ناعط كأصحاب الاقطاع والأخاذات (الهمداني كتاب الجزيرة ص ١١٠ و ١١٢ و ٢٤٣ وابن سعد ج ٦ ، ص ١٧٢ و ٢١٩ و.Mart ,Hartmann ,Arab frage ,٢٤١ ـ ٨٤١

(٦) الطبري المجلد (٢) ص ١٩١٦ أو مولى بلحارث (كتاب آثار الشيعة لعبد العزيز ص ١٣).

٣٥

أهل الكوفة في هذه الجبانة. وأما جبانات بني يشكر وبني عامر وبني ميمون ، وجبانة يعقوب فتقريبا لا نعرف عنها شيئا.

وما عدا الجبانات كانت هناك أفنية وساحات واسعة تدعى ب «الصحارى» منها صحراء عبد القيس وصحراء عثير (ـ جبانة عثير) وصحراء شبث وصحراء بردخت وصحراء سليم (ـ جبانة سليم) وصحراء بني قيرار (١).

__________________

(١) البلاذري.

٣٦

قطائع الكوفة

وبجنب الخطط «أو القطائع القبلية الجماعية» كانت هناك القطائع الشخصية ، فالخريطة رقم (١) تدلّنا على الخطط المشتركة التي لم تكن قد تغيّرت كثيرا عدا أن قبيلة تميم التي كانت في الجهة الشرقية (قطيعة عبد الله بن دارم المتصلة بدير هند الصغرى) (١) قد انتقلت إلى الجهة الغربية (قرب الكناسة وذلك قبل سنة ٧٣). كما أن قطيعة عبد القيس ألحقت بهمدان على أثر ارتحالهم إلى البصرة «بعد سنة ٤٠ ه‍». وخطة مهرة (بطن من قضاعة) يعني أنها كانت في وسط المدينة (٢) ويعطينا ياقوت للقطائع الخاصة قائمة لخمس عشرة دارا (مساكن الوجوه) منها تسع عشرة للصحابة وإليك أسماؤهم :

طلحة «أو دار الطلحيين وكانت في الكناسة» (٣) والزبير وأسامة

__________________

(١) معجم ياقوت المجلد (٤) ، ص ٣٢٤.

(٢) معجم ياقوت المجلد (٤) ، ص ٣٢٢.

(٣) المسعودي مروج المجلد ٤ ، ص ٢٥٤ وابن سعد المجلد (٦) ، ص ٣٧٩ وابن الفقيه المعارف ص ٧٩.

٣٧

«وكانت داره واقعة بين دار عمرو بن الحارث الخزاعي حمو النبي وبين الجامع» وسعد وابن أخيه هاشم بن عتبة وأبو موسى الأشعري «وأخلافه من بعده» وحذيفة العبسي وعبد الله بن مسعود وسلمان الباهلي والمسيب الفزاري وعمرو بن حريث المخزومي وجبير بن مطعم النوفلي وخالد بن عرفطة «حليف بني زهرة» والخباب الخزاعي (وكانت داره تقع على مفرق خنيس كدار هاشم بن عتبة) وعمارة بن عتبة الثقفي وعتبة بن عمرو الخزرجي وأبو جبير الأنصاري وعدي بن حاتم الطائي وجرير البجلي والأشعث الكندي وأبو عبد الله الجدلي (الذي سكن البصرة مدة منفيا حتى بعثه المختار إلى مكة) وتضاف إلى دور هؤلاء دور بعض بني أمية كدار الوليد بن عقبة ودار أخيه عمارة ، وكذلك دار الفرات بن حيان العجلي وجابر بن عبد الله الأنصاري ودار أم هاني «أرملة هبيرة المخزومي وأخت علي. أما اقطاع الأراضي الزراعية بين الفاتحين في سواد الكوفة (ولما كانت الكوفة قد فتحت عنوة فلأجله كانت من أراضي الخراج بخلاف البصرة التي كانت أراضيها من أراضي الموات) فأظن يجب أن نجعلها ثلاثة أصناف :

١ ـ الأراضي التابعة لأهل الحيرة تلك التي لم يشملها التوزيع بفضل معاهدتهم مع خالد وسعد.

٢ ـ الأراضي الممسوحة الخاضعة لنظام الجباية الساسانية قبلا «والتي ذكرنا شيئا عنها» (١) فهذه الأراضي وقراها وضياعها وزّعت بين عمدة رؤساء القبائل.

__________________

(١) راجع المقدمة.

٣٨

٣ ـ الأراضي الملكية الساسانية التي أقطعها عثمان لبعض الأشخاص ، كقرية نشستانج التي أقطعها لطلحة (حسب رواية البلاذري) وطيزناباد التي أعطاها للأشعث والجرفين (ولا شك بأنها الشومية) فصارت من حصة جرير البجلي وضيعة زرارة (١) (نسبة إلى زرارة صاحب شرطة سعد) التي صارت لوائل الحضرمي وقرية حمام أعين (نسبة إلى أعين حليف سعد) فأقطعت لخالد بن عرفطة ، واصبينا (٢) التي أخذها عمار بن ياسر وصعنبا (٣) التي صارت للخباب وهرمز التي أقطعت لسعد بن مالك (ـ أبو سعيد الخدري) (ومن المحتمل أن تكون هذه المقاطعة طسوج هرمزجرد وأما قرية الروحة (ـ العذيب) (٤) فقد أخذها عدي بن حاتم.

ويظهر بأن إقطاع هذه الصوافي قد جرى قبل أيام عثمان ، لأن أبا عبيد الثقفي بطل معركة قس الناطف (٥) (سنة ١٣ ه‍) كان مالكا لطسوج خطرنية القريبة من بابل وقد أورثها لابنه المختار. والعزم على إقطاع الملطاط قد سبب عصيان النبلاء الذين كانوا قد حرموا من الإقطاعات في الكوفة (سنة ٣٢ ه‍) (٦).

__________________

(١) القريبة من الجسر على طريق بابل (مروج الذهب المجلد (٤) ص ٢٦٦).

(٢) ومن المحتمل أن تكون إصباع خفان.

(٣) الطبري المجلد (٣) ص ٩٧٨.

(٤) وهي تسمى اليوم ب (الرحبة).

(٥) هي معركة الجسر التي قتل فيها أبو عبيد قائد جيش المسلمين.

(٦) الطبري المجلد (١) ، ص ٢٩٠٨.

٣٩
٤٠