حاشية الدسوقي - ج ٤

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٣٨٦

فى موضع المصدر أى مسجوعا سجعة ؛ لأن الشطر نفسه ليس بسجعة ، أو هو مجاز تسمية للكل باسم جزئه (كقوله : تدبير معتصم بالله منتقم ... لله مرتغب فى الله (١)) أى راغب فيما يقربه من رضوانه (مرتقب) أى منتظر ثوابه أو خائف عقابه فالشطر الأول سجعة مبنية على الميم والثانية سجعة مبنية على الباء.

______________________________________________________

الشطر فقرتين ، فعلم أن قوله : سجعة مصدر مؤكد بمعنى سجعا ، ومن المعلوم أنه يلزم من جعل كل شطر مسجعا سجعا أن يكون كل شطر فيه فقرتان ليتحقق معنى السجع فيه (قوله : فى موضع المصدر) أى : معنى المصدر (قوله : لأن الشطر إلخ) علة لمحذوف أى : وليس مفعولا ثانيا لجعل ؛ لأن الشطر إلخ (قوله : أو هو مجاز إلخ) جواب بالتسليم ، وكأنه يقول : سلمنا أن سجعه مفعول ثان لجعل ، لكنه أطلق السجعة على مجموع الشطر الذى وجدت فيه تجوزا من إطلاق اسم الجزء على الكل ، وإطلاق اسم الجزء على الكل يرجع لتسمية الكل باسم الجزء الذى قاله الشارح.

(قوله : كقوله) أى : قول الشاعر وهو أبو تمام فى مدح المعتصم بالله حين فتح عمورية بلدة بالروم والبيت المذكور من قصيدة من البسيط مطلعها :

السّيف أصدق إنباء من الكتب

فى حدّه الحدّ بين الجدّ والّلعب (٢)

(قوله : تدبير معتصم بالله) هذا مبتدأ وخبره فى البيت الثالث بعده وهو قوله :

لم يرم قوما ولم ينهد إلى بلد

إلّا تقدّمه جيش من الرّعب

أى : لم يقصد تدبيره قوما ولم يتوجه إلى بلد إلا تقدمه الرعب (وقوله : معتصم بالله) هو الممدوح (وقوله : منتقم لله) أى أنه إذا أراد أن ينتقم من أحد فلا ينتقم منه إلا لأجل الله أى : لأجل انتهاك حرماته لا لحظ نفسه وذلك لعدالته (وقوله : مرتغب فى الله) بالغين المعجمة أى : راغب فيما يقربه من رضوان الله (وقوله : مرتقب) بالقاف أى : من الله أى :منتظر الثواب من الله وخائف منه إنزال العذاب عليه فهو خائف راج كما هو صفة المؤمنين الكمل (قوله : فالشطر الأول سجعة) جعل الشطر سجعة بناء على ما مر له من

__________________

(١) البيت لأبى تمام يمدح المعتصم حين فتح عمورية برواية" لله مرتقب في الله مرتغب" في شرح ديوانه ص ٢٠.

(٢) لأبى تمام فى شرح ديوانه ص ١٨.

٢٠١

[الموازنة] :

(ومنه) أى ومن اللفظى (الموازنة وهى تساوى الفاصلتين) أى الكلمتين الأخيرتين من الفقرتين أو من المصراعين (فى الوزن دون التقفية نحو : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(١) فإن مصفوفة ومبثوثة متساويتان فى الوزن لا فى التقفية إذ الأولى على الفاء والثانية على الثاء ولا عبرة بتاء التأنيث فى القافية على ما بيّن فى موضعه ...

______________________________________________________

التجوز ، والمراد أن الشطر الأول محتو على سجعتين مبنيتين على الميم ، والثانى محتو على سجعتين مبنيتين على الباء ، قال ابن يعقوب : وقد وجد السجع فى البيت بلا سكون ، وبه يعلم أن العدول إلى السكون فى السجع إنما هو عند الحاجة إليه ، وذلك عند اختلاف الحركات الإعرابية فى أواخر الفواصل ـ كما مر.

[الموازنة] :

(قوله : أى الكلمتين الأخيرتين إلخ) أشار الشارح بهذا التفسير إلى أن إطلاق المصنف الفاصلتين على ما ذكر من قبيل استعمال الكلمة فى حقيقتها ومجازها ، ودفع الشارح بهذا ما اعترض به بعضهم على المصنف من أن ظاهر قوله : الفاصلتين أن الموازنة لا تكون إلا فى النثر ؛ لأن الفاصلة مختصة بالنثر مع أنها كما تكون فى النثر كالآية التى مثل بها تكون أيضا فى الشعر كما مثلوا لذلك بقول الشاعر :

هو الشّمس قدرا والملوك كواكب

هو البحر جودا والكرام جداول

فالكواكب والجداول متفقتان فى الوزن مختلفتان فى التقفية ، والجداول : جمع جدول ، وهو النهر الصغير ، فكأن الكرام تستقى منه.

(قوله : دون التقفية) هى اتفاق المزدوجين فى الحرف الأخير (قوله : ونمارق) جمع نمرقة بضم النون وفتحها ، وهى الوسادة الصغيرة ، والزرابى البسط الفاخرة جمع زربية (وقوله : مبثوثة) أى : مفروشة (قوله : على ما بيّن فى موضعه) أى : وهو علم القوافى

__________________

(١) الغاشية : ١٦ ، ١٥.

٢٠٢

وظاهر قوله دون التقفية أنه يجب فى الموازنة عدم التساوى فى التقفية حتى لا يكون نحو : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(١) من الموازنة ويكون بين الموازنة والسجع مباينة إلا على رأى ابن الأثير فإنه يشترط فى السجع التساوى فى الوزن والتقفية ، ويشترط فى الموازنة التساوى فى الوزن ...

______________________________________________________

فإنهم ذكروا هناك أن تاء التأنيث ليست من حروف القافية إن كانت تبدل هاءا فى الوقف وإلا فتعتبر كتاء بنت وأخت (قوله : وظاهر قوله إلخ) الحاصل أن قول المصنف دون التقفية يحتمل أن يكون على ظاهره ، وأن المعنى أن تتفق الفاصلتان فى الوزن ولا يتفقا فى التقفية فيجب فى الموازنة عدم الاتفاق فى التقفية ـ بخلاف السجع ـ فإنه يشترط فيه الاتفاق فى التقفية فهما متباينان ، وعلى هذا فالموازنة لا تصدق على نحو قوله تعالى : (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) لوجود التوافق فى التقفية ، وشرط الموازنة : عدم الاتفاق فيها ، وتباين اللوازم يقتضى تباين الملزومات ، قال فى المطول : ويحتمل أن يكون مراد المصنف دون التقفية ، فلا يشترط التوافق فيها ، وإذا لم يشترط فى الموازنة التوافق فى التقفية جاز أن تكون مع التقفية ومع عدمها بشرط اتحاد الوزن ، وعلى هذا فيكون بينها وبين السجع عموم وخصوص من وجه ؛ لأنه شرط فيه اتحاد التقفية ولم يشترط فيه اتحاد الوزن فيصدقان فى نحو : (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) من وجود الوزن والتقفية معا وينفرد السجع بنحو (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(٢) لوجود التقفية ، فيكون سجعا دون الوزن فلا يكون موازنة وتنفرد الموازنة بنحو : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) لوجود الوزن ، فيكون موازنة دون التقفية فلا يكون سجعا (قوله : حتى لا يكون إلخ) أى : لأنه وجد فيه التساوى فى التقفية ، وقوله ويكون عطف على النفى وهو لا يكون وقوله مباينة أى : لأنه شرط فى السجع التساوى فى التقفية ، وفى الموازنة عدم التساوى فيها (قوله : إلا على رأى ابن الأثير) أى : فليتباينان ، وحاصله أن ابن الأثير شرط فى السجع : التوافق فى الوزن ، وفى التقفية أى :

__________________

(١) الغاشية : ١٤ ، ١٣.

(٢) نوح : ١٤ ، ١٣.

٢٠٣

دون الحرف الأخير ، فنحو شديد وقريب ليس بسجع وهو أخص بالموازنة وإذا تساوى الفاصلتان فى الوزن دون التقفية.

(فإن كان ما فى إحدى القرينتين) من الألفاظ (أو أكثره مثل ما يقابله من) القرينة (الأخرى فى الوزن) سواء ماثله فى التقفية أولا (خص) هذا النوع من الموازنة (باسم المماثلة) وهى لا تختص بالنبر كما توهم البعض من ظاهر قولهم تساوى الفاصلتين ، ولا بالنظم على ما ذهب إليه البعض ، ...

______________________________________________________

الحرف الأخير ، وشرط فى الموازنة التوافق فى الوزن ولم يشترط فيها التوافق فى الحرف الأخير وهو التوافق فى التقفية ، فالموازنة عنده : الكلام الذى يقع فيه التوافق فى الوزن ـ سواء كان مع ذلك متفقا فى التقفية أم لا ، فالسجع عنده أخص من الموازنة ، لأنه شرط فيه ما فى الموازنة وزيادة ، فنحو : " سرر مرفوعة وأكواب موضوعة" سجع وموازنة ، ونحو شديد وقريب إذا ختم بهما قرينتان لا يكون من السجع لعدم التقفية ، ويكون من الموازنة لوجود الوزن ، واعترض عليه بأنه يلزم على كلامه أن نحو : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) ليس من السجع لعدم الوزن ولا من الموازنة لذلك أيضا فيكون خارجا عن النوعين وهو فى غاية البعد (قوله : دون الحرف الأخير) أى : ولا يشترط فى الموازنة تساويهما فى الحرف الأخير الذى هو التقفية.

(قوله : أو أكثره) أى : أو كان أكثر ما فى إحدى القرينتين من الألفاظ (قوله : من القرينة الأخرى) أى : من الألفاظ التى فى القرينة الأخرى (قوله : سواء مماثلة إلخ) هذا التعميم إنما هو فيما عدا الفاصلتين ، لأن ما عداهما هو المحدث عنه ، وأما الفاصلتان فيشترط فيهما عدم التقفية كما حل به الشارح أولا ، فالتعميم ظاهر على كلام المصنف (قوله : خص هذا النوع) جواب إن ، والمراد بهذا النوع ما تساوت المتقابلات التى فى قرينتيه أو جلها ، وقوله باسم المماثلة أى : فيقال هذه الموازنة مماثلة ، فالمماثلة نوع من مطلق الموازنة فهى بمنزلة الترصيع من السجع (قوله : وهى) أى : الموازنة لا تختص إلخ ويلزم من عدم اختصاص الموازنة بقبيل عدم اختصاص المماثلة بقبيل ، لأن المماثلة نوع للموازنة وكل ما ثبت لجنس ثبت لنوعه (قوله : على ما ذهب إليه البعض) أى : نظرا إلى

٢٠٤

بل يجرى فى القبيلين ، فلذلك أورد مثالين (نحو) قوله تعالى : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(١) وقوله : مها الوحش) جمع مهاة وهى البقرة الوحشية (إلا أنّ هاتا) أى هذه النساء (أوانس ... قنا الخطّ إلا أنّ تلك) القنا (ذوابل) ...

______________________________________________________

أن الشعر لوزنه أنسب باسم الموازنة (قوله : بل يجرى) أى : اسم المماثلة وقوله فى القبيلين أى : النثر والنظم (قوله : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ)) (٢) هذه قرينة ، وقوله وهديناهما الصراط المستقيم : قرينة ثانية مقابلة لما قبلها وفى كل من القرينتين أربع كلمات غير الفاصلة ، والتوافق بينهما فى ثلاثة من الأربعة وهى : الفعل وفاعله ومفعولاه ، ولا تخالف إلا فى الفعل فهذا مثال لما تساوى فيه الجل فى الوزن ولم يوجد هنا تساو فى التقفية ، ومثال التساوى فى الكل فى النثر قوله تعالى : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(٣) كما تقدم.

(قوله : وقوله) أى : قول الشاعر وهو أبو تمام فى مدح نسوة (قوله : (٤) مها الوحش) أى : هن كمها الوحش فى سعة الأعين وسوادها وأهدابها ، والمها بضم الميم كما فى معاهد التنصيص ، وبفتحها كما فى سم.

(قوله : إلا أن هاتا) فيه أن هاتا للمفردة المؤنثة ، والنساء ليس مفردا ، وأجيب بأنه مفرد حكما (قوله : أوانس) أى : يأنس بهن العاشق بخلاف مها الوحش فإنها نوافر (قوله : قنا الخط) أى : هن كقنا الخط فى طول القد واستقامته ، والقنا : جمع قناة وهى الرمح ، والخط بفتح الخاء موضع باليمامة تصنع فيه الرماح وتنسب إليه الرماح المستقيمة.

(قوله : ذوابل) جمع ذابل من الذبول وهو ضد النعومة والنضارة يقال : قنا ذابل أى : رقيق الصق القشر ـ قاله فى الأطول.

__________________

(١) الصافات : ١١٨ ، ١١٧.

(٢) فصلت : ١١٧.

(٣) الغاشية ١٦ ، ١٥.

(٤) شرح عقود الجمان للمرشدى ٢ / ١٦٠.

٢٠٥

وهذه النساء نواضر ، والمثالان مما يكون أكثر ما فى إحدى القرينتين مثل ما يقابله من الأخرى ، لعدم تماثل آتيناهما وهديناهما وزنا ، وكذا هاتا وتلك.

ومثال الجميع قول أبى تمام :

فأحجم لمّا لم يجد فيك مطمعا

وأقدم لمّا لم يجد عنك مهربا (١)

______________________________________________________

(قوله : وهذه النساء نواضر) أى : لا ذبول فيها ، وحاصله أن الشاعر يقول : إن هؤلاء النساء كمها الوحش وزدن بالأنس وكالقنا وزدن بالنضارة والنعومة (قوله : لعدم تماثل آتيناهما إلخ) فيه مسامحة لأن التخالف بين الفعلين فقط ، وأما الضميران فلا تخالف فيهما (قوله : وكذا هاتا وتلك إلخ) حاصله أن مها من المصراع الأول موازن لقنا من المصراع الثانى وأوانس من الأول موازن لذاوبل من الثانى وإلا أن فيهما متفق ، وأما هاتا فى الأول وتلك فى الثانى فهما غير متوازنين ، وحينئذ فهذا المثال من الشعر لما تساوى فيه الجل (قوله : ومثال الجميع) أى : ومثال ما تساوى فيه جميع ما فى إحدى القرينتين لجميع ما فى الأخرى (قوله : قول أبى تمام) أى : فى مدح الفتح بن خاقان ويذكر مبارزته للأسد فالضمير فى أحجم وأقدم للأسد ، والمعنى أن هذا الأسد لما لم يجد طمعا فى تناولك لقوتك عليه أحم وتباعد عنك ، ولما عرف أنه لا ينجو منك أقدم دهشا فإقدامه تسليم منه لنفسه لعلمه بعدم النجاة لا للشجاعة ، فأقدم فى المصراع الثانى موازن لأحجم فى المصراع الأول ، ولما لم يجد فى الثانى موازن لنظيرتها فى المصراع الأول وعنك موازن لفيك ومهربا موازن لمطمعا وليس فى البيت موافقة فى التقفية ، قال فى الأطول : والتمثيل بهذا البيت للموافقة فى الجميع فيه نظر ، لأن لما لم يجد المكرر فى البيت لا يقال فيه تماثل ، بل هو عينه ، وحينئذ فتكون المماثلة فى البيت باعتبار الأكثر هذا ، وما ذكره الشارح هنا من نسبة هذا البيت لأبى تمام هو الصواب خلافا لما فى المطول من نسبته للبحترى ـ قاله شيخنا.

__________________

(١) البيت لأبى تمام.

٢٠٦

وقد كثر ذلك فى الشعر الفارسى وأكثر مدائح أبى الفرج الرومى من شعراء العجم على المماثلة وقد اقتفى الأنورى أثره فى ذلك.

[القلب] :

(ومنه) أى ومن اللفظى (القلب) وهو أن يكون الكلام بحيث لو عكسته وبدأت بحرفه الأخير إلى الأول كان الحاصل بعينه هو هذا الكلام ويجرى فى النثر والنظم (كقوله :

مودّته تدوم لكلّ هول

وهل كلّ مودّته تدوم) (١)

فى مجموع البيت وقد يكون ذلك فى المصراع كقوله :

أرانا الإله هلالا أنارا

______________________________________________________

(قوله : وقد كثر ذلك) أى : تساوى جميع ما فى إحدى القرينتين لجميع ما فى الأخرى فى الوزن (قوله : على المماثلة) أى : مشتملة على المماثلة فى الجميع (قوله : الأنورى) بفتح الهمزة وسكون النون من شعراء الفرس.

[القلب] :

(قوله : بحيث لو عكسته) أى : عكست قراءته الأولى بأن بدأت بحرفه الأخير ، ثم بما يليه ، ثم بما يلى ما يليه ، وهكذا إلى أن وصلت إلى الحرف الأول (قوله : كان الحاصل بعينه هو هذا الكلام) أى : كان الحاصل هو الكلام الأول بعينه ولا يضر فى القلب المذكور تبديل بعض الحركات والسكنات ، ولا تخفيف ما شدد أولا ، ولا تشديد ما خفف أولا ، ولا قصر ممدود ، ولا مد مقصور ، ولا تصيير الألف همزة ، ولا الهمزة ألفا (قوله : كقوله) أى : الشاعر وهو القاضى الأرجانى (قوله : وهل كل إلخ) استفهام إنكارى بمعنى النفى والمقصود وصف خليله من بين الأخلاء بالوفاء (قوله : فى مجموع البيت) أى : حال كون القلب فى مجموع البيت لا فى المصراع منه ، وحاصله أن القلب الواقع فى النظم تارة يكون بحيث يكون كل من المصراعين قلبا للآخر كما فى :

أرانا الإله هلالا أنارا (٢)

__________________

(١) البيت للأرجانى ، وقبله :

أحبّ المرء ظاهره جميل

لصاحبه وباطنه سليم

(٢) فى شرح المرشدى ٢ / ١٦٣.

٢٠٧

(وفى التنزيل : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ)(١)(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)(٢) والجرف المشدد فى حكم المخفف ، لأن المعتبر هو الحروف المكتوبة ، وقد يكون ذلك فى المفرد نحو سلس وتغاير القلب بهذا المعنى ...

______________________________________________________

فإن هذا بيت من مشطور المتقارب ، وإذا قلبت المصراع الأخير خرج المصراع الأول ، وإذا قلبت المصراع الأول خرج المصراع الأخير وتارة لا يكون كذلك ، بل يكون مجموع البيت قلب المجموعة ، وأما كل مصراع فلا يخرج من قلب الآخر كما فى قوله : مودته تدوم إلخ.

(قوله : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)) أى : بإلغاء حرف العطف وهو الواو لخروجه عن ذلك ، ومن قبيل القلب الواقع فى الآية قولهم : قلع مركب ببكر معلق.

(قوله : والحرف المشدد فى حكم المخفف) أى : لأن المنظور له فى القلب الحرف المكتوب فلا يضر فى القلب اختلاف لامى كل وفلك مثلا تشديدا وتخفيفا والحرف المقصور فى حكم الممدود ، ولذا تحقق القلب فى أرض خضراء ولا اعتداد بالهمزة ، ولذا لم يضر ذلك ، ولا يضر اختلاف الحركات ولا انقلاب المحرك ساكنا وعكسه ، ولهذا استشهدوا بقول العماد الفاضل : سر فلا كبا بك الفرس ، وجواب الفاضل له : دام علا العماد ، ولا يضر سقوط ألف علا فى الوصل ، وعود ألف الفرس الساقطة فى الوصل (قوله : وقد يكون ذلك) أى : القلب (قوله : نحو سلس) هو بفتح اللام وكسرها ، فالأول مصدر ، والثانى وصف ودخل بنحو كشك وكعك وخوخ وباب وشاش وساس ، واعلم أن ما ذكره المصنف من القلب المراد به قلب الحروف ، ومن القلب نوع آخر يقال له قلب الكلمات وهو : أن يكون الكلام بحيث لو عكسته بأن ابتدأت بالكلمة الأخيرة منه ، ثم بما يليها ، وهكذا إلى أن تصل إلى الكلمة الأولى منه يحصل كلام مفيد مغاير للأول المقلوب كقوله :

عدلوا فما ظلمت لهم دول

سعدوا فما زالت لهم نعم

__________________

(١) الأنبياء : ٣٣.

(٢) المدثر : ٣.

٢٠٨

لتجنيس القلب ظاهر فإن المقلوب هاهنا يجب أن يكون عين اللفظ الذى ذكر بخلافه ثمة ، ويجب ثمة ذكر اللفظين جميعا بخلافه هاهنا.

[التشريع] :

(ومنه) أى ومن اللفظى (التشريع) ويسمى التوشيح وذا القافيتين (وهو بناء البيت على قافيتين ...

______________________________________________________

بذلوا فما شحّت لهم شيم

رفعوا فما زلّت لهم قدم (١)

فهو دعاء لهم ، ولو عكس صار دعاء عليهم ـ هكذا :

نعم لهم زالت فما سعدوا

دول لهم ظلمت فما عدلوا

قدم لهم زلّت فما رفعوا

شيم لهم شحّت فما بذلوا

فليس الخارج بالقلب هنا الكلام الأول بعينه (قوله : لتجنيس القلب) وهو أن يقدم فى أحد اللفظين المتجانسين بعض الحروف ويؤخر ذلك البعض فى اللفظ الآخر أى مثل : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا" ، وكما فى رقم هذا الكتاب فى القمر (قوله : بخلافه ثمة) أى : بخلاف تجنيس القلب ، فإنه لا يجب أن يكون أحد المتجانس فيه نفس مقلوب الآخر إذا قرىء من آخره ، ألا ترى إلى القمر والرقم ، فإن الجمع بينهما تجنيس القلب ، ولو قرئ أحدهما من آخره على الترتيب لم يكن نفس الآخر (قوله : ويجب ثمة إلخ) أى : يجب فى تجنيس القلب أن يذكر اللفظ الذى هو المقلوب مع مقابله بخلاف القلب هنا فيذكر اللفظ المقلوب وحده

[التشريع] :

(قوله : التشريع) أى : النوع المسمى بالتشريع ، قيل : إن تسميته بهذا لا تخلو عن قلة أدب ؛ لأن أصل التشريع تقرير أحكام الشرع وهو وصف للبارى أصالة ووصف لرسوله نيابة فالأولى أن يسمى ببعض ما يسمى به من غير هذه التسمية فإنه يسمى التوشيح وذا القافيتين والتسمية الأخيرة أصرح فى معناها ، والتوشيح فى الأصل التزيين

__________________

(١) بلا نسبة فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٣).

٢٠٩

يصح المعنى عند الوقوف على كلّ منهما) أى من القافيتين فإن قيل كان عليه أن يقول يصح الوزن والمعنى عند الوقوف على كلّ منهما ؛ لأن التشريع هو أن يبنى الشاعر أبيات القصيدة ذات قافيتين على بحرين أو ضربين من بحر واحد ، فعلى أى القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما قلنا : القافية إنما هى آخر البيت فالبناء على قافيتين لا يتصور ، إلا إذا كان البيت بحيث يصح الوزن ويحصل الشعر عند الوقوف على كل منهما وإلا لم تكن الأولى قافية (كقوله : يا خاطب الدّنيا) من خطب المرأة (الدّنية) أى الخسيسة (إنّها ... شرك الرّدى) أى حبالة الهلاك (وقرارة الأكدار) أى مقر الكدوارت ، فإن وقفت على الردى فالبيت من الضرب الثامن من الكامل وإن وقفت على الأكدار فهو من الضرب الثانى منه والقافية عند الخليل ...

______________________________________________________

باللآلئ ونحوها (قوله : يصح المعنى) المراد بصحة المعنى تمامه (قوله : فإن قيل إلخ) اعتراض على المصنف ، حيث لم يشترط صحة الوزن مع اشتراط صحة المعنى ، مع أن الشعر لا يتحقق بدون صحة الوزن (قوله : ذات قافيتين) صفة لقصيدة ، فلامها للجنس ، أو حال منها (قوله : قلنا إلخ) حاصله أن لفظ القافية مشعر باشتراط الوزن ؛ لأن القافية لا تكون إلا فى البيت ، فيستلزم تحققها تحقق استقامة الوزن ضرورة أن القافية لا تسمى قافية إلا مع الوزن (قوله : كقوله) أى : الشاعر وهو الحريرى فى مقاماته (قوله : (١) يا خاطب الدنيا) أى : يا طالبها من خطب المرأة طلبها وبعد البيت :

دار متى ما أضحكت فى يومها

أبكت غدا تبّا لها من دار

غاراتها لا تنقضى وأسيرها

لا يفتدى بجلائل الأخطار

فقد بنى هذه الأبيات ، وكذا سائر القصيدة على قافيتين ، إذ يصح أن يقال فيها :

يا خاطب الدّنيا

إنّها شرك الرّدى

دار متى ما أضحكت

فى يومها أبكت غدا

غاراتها لا تنقضى

وأسيرها لا يفتدى

__________________

(١) هو لأبى القاسم الحريرى فى المقامة الثالثة والعشرين من مقاماته كما فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٧).

٢١٠

من آخر حرف فى البيت إلى أول ساكن يليه مع الحركة التى قبل ذلك الساكن فالقافية الأولى من هذا البيت هو لفظ الردى مع حركة الكاف من شرك والقافية الثانية هى من حركة الدال من الأكدار إلى الآخر وقد يكون البناء على أكثر من قافيتين وهو قليل متكلف ومن لطيف القافيتين نوع يوجد فى الشعر الفارسى وهو أن تكون الألفاظ الباقية بعد القوافى الأول بحيث إذا جمعت شعرا مستقيم المعنى.

______________________________________________________

كما يصح قراءة كل بيت على تمامه ، وكل من الوجهين على قافية وضرب ، فإن وقفت على لفظ الردى من البيت الأول ولفظ غدا فى الثانى ولفظ يفتدى فى الثالث وهو القافية الأولى كان البيت من الضرب الثامن من الكامل ، وإن وقفت على لفظ الأكدار فى البيت الأول ودار فى الثانى والأخطار فى الثالث كان البيت من الضرب الثانى منه ، وبيان ذلك أن أصل البحر الكامل متفاعلن ست مرات ، وأنه يسدس على الأصل تارة ويربع مجزوءا تارة أخرى وضربه الثانى هو مسدسه الذى عروضه سالمة وضربه مقطوع ، فالأبيات المذكورة على القافية الثانية من هذا القبيل ، وأما ضربه الثامن فهو مربعه الذى أجزاؤه الأربعة سالمة والأبيات على القافية الأولى كذلك (قوله : من آخر حرف فى البيت إلخ) فيه إدخال من على الآخر وإدخال إلى على الأول وهو خلاف المشهور فكان الأولى العكس (قوله : يليه) أى : يلى ذلك الآخر أى : قبل ذلك الآخر ، وقوله مع الحركة التى قبل ذلك الساكن أى : وأما حرف تلك الحركة فخارج عنها (قوله : وقد يكون البناء على أكثر من قافيتين) أى : فلو قال المصنف هو بناء البيت على قافيتين أو أكثر كان أحسن إن قيل إذا وجد البناء على أكثر من قافيتين فقد وجد على القافيتين ، لأن الأكثر من القافيتين لا يوجد إلا إذا وجدت القافيتان ، وقول المصنف بناء البيت على قافيتين : يحتمل فقط ويحتمل قافيتين فأكثر ، فنحن نريد الاحتمال ولا اعتراض على المصنف ، قلت : الظاهر من قوله هو بناء البيت على قافيتين أن يكون مبنيا عليهما فقط (قوله : وهو قليل) من ذلك قول الحريرى : (١)

__________________

(١) البيتان من الكامل وهما للحريرى فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٧).

٢١١

[لزوم ما لا يلزم] :

(ومنه) أى ومن اللفظى (لزوم ما لا يلزم) ويقال الإلزام والتضمين والتشديد والإعنات أيضا (وهو أن يجىء قبل حرف الروى) ...

______________________________________________________

جودى على المستهتر الصّبّ الجوى

وتعطّفى بوصاله وترحّمى

ذا المبتلى المتفكر القلب الشجى

ثم اكشفى عن حاله لا تظلمى

المستهتر : هو المولع الذى لا يبالى بما قيل فيه ، والصب : العاشق ، والجوى : هو المحروق بنار العشق أو الحزن ، فهذه الأبيات مبنية على قواف متعددة الأولى : رائية فى المستهتر والمتفكر ، فيقال من منهوك الرجز :

جودى على المستهتر

ذا المبتلى المتفكر

والثانية : بائية فى الصب والقلب ، فيقال من مشطور الرجز الأحذّ :

جودى على المستهتر الصّبّ

ذا المبتلى المتفكر القلب

والثالثة : يائية فى الجوى والشجى ، فيقال من مشطور الرجز :

جودى على المستهتر الصّبّ الجوى

ذا المبتلى المتفكر القلب الشجى

والرابعة : فائية فى تعطفى واكشفى فيقال من مجزوء الرجز :

جودى على المستهتر الصبّ الجوى وتعطفى

ذا المبتلى المتفكر القلب الشجى ثم اكشفى

والخامسة : هائية فى وصاله وحاله فيقال :

جود على المستهتر الصب الجوي وتعطى بوصاله

وتعطى بوصاله وترحمة

ذا المبتلى المتفكر القلب الشجى

ثم اكشفي عن حاله لا تظلمي

ثم اكشفى عن حاله

والسادسة : ميمية فى ترحمى ولا تظلمى (قوله : بحيث إذا جمعت إلخ) أى : بأن يؤخذ ما بعد القافية الأولى من كل بيت ويجمع المأخوذ وينظم

[لزوم ما لا يلزم] :

(قوله : الإلزام) أى : لأن المتكلم شاعرا كان أو ناثرا ألزم نفسه أمرا لم يكن لازما له (قوله : والتضمين إلخ) أى : لتضمينه قافيته ما لا يلزمها (قوله : والإعنات) أى : الإيقاع فيما فيه عنت أى : مشقة ؛ لأن إلزام ما لا يلزم فيه مشقة (قوله : قبل حرف الروى)

٢١٢

وهو الحرف الذى تبنى عليه القصيدة وتنسب إليه ، فيقال قصيدة لامية أو ميمية مثلا ، من رويت الحبل إذا فتلته ؛ لأنه يجمع بين الأبيات كما أن الفتل يجمع بين قوى الحبل ، أو من رويت على البعير إذا شددت عليه الرّواء وهو الحبل الذى يجمع به الأحمال (أو ما فى معناه) أى قبل الحرف الذى هو فى معنى حرف الروى (من الفاصلة) يعنى الحرف الذى وقع فى فواصل الفقر موقع حرف الروى فى قوافى الأبيات وفاعل يجىء هو قوله (ما ليس بلازم فى السجع) يعنى أن يؤتى قبله بشىء ،

______________________________________________________

أى : من القافية ويؤخذ من قول الشارح : لأنه يجمع بين الأبيات أن الإضافة غير بيانية ، والمعنى قبل الحرف الذى يجمع بين الأبيات ويحتمل أنها بيانية ؛ لأنهم قد يعبرون بالروى بدون حرف مرادا به الحرف المذكور (قوله : وهو الحرف) أى : الأخير من القافية (قوله : فيقال قصيدة لامية) أى : إن كان الحرف الأخير من قافيتها لاما وهكذا (قوله : من رويت الحبل) أى : مأخوذ من قولك : رويت الحبل (قوله : إذا فتلته) أى : ويلزمه الجمع (قوله : لأنه) أى الروى (قوله : بين قوى الحبل) أى طاقاته (قوله : الرواء) بكسر الراء والمد (قوله : وهو الحبل الذى يجمع به الأحمال) أى : والحرف الأخير من القافية الذى تنسب إليه القصيدة يجمع بين الأبيات (قوله : وما فى معناه) عطف على حرف الروى أى : أو يجىء قبل الحرف الذى فى معناه (قوله : يعنى إلخ) أشار الشارح إلى أن قوله من الفاصلة بيان لما فى معناه ، وأنه أطلق الفاصلة على الحرف الذى يختم به الفاصلة ، فهو من تسمية الجزء باسم الكل ، والظاهر أن الفاصلة باقية على معناها الحقيقى ، وهو الكلمة الأخيرة من الفقرة أى : حال كونه كائنا من الفاصلة.

(قوله : ما ليس بلازم فى السجع) ما عبارة عن شىء كما قال الشارح (قوله : يعنى أن يؤتى قبله) أى : قبل ما ذكر من حرف الروى أو الحرف الذى فى معناه (وقوله : بشىء) الشىء : أمور ثلاثة حرف وحركة معا ، كما فى الآية الآتية والأبيات المذكورة بعدها ، وحرف فقط : كالقمر ومستمر فى قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(١) وحركة فقط كقول ابن الرومى :

__________________

(١) القمر : ٢ ، ١.

٢١٣

لو جعل القوافى أو الفواصل أسجاعا لم يحتج إليه الإتيان بذلك الشىء ويتم السجع بدونه ، فمن زعم أنه كان ينبغى أن يقول ما ليس بلازم فى السجع أو القافية ليوافق قوله قبل حرف الروى أو ما فى معناه فهو لم يعرف معنى هذا الكلام ، ثم لا يخفى أن المراد بقوله يجىء قبل كذا ما ليس بلازم فى السجع أن يكون ذلك فى بيتين أو أكثر أو فاصلتين أو أكثر ...

______________________________________________________

لما تؤذن الدّنيا به من صروفها

يكون بكاء الطّفل ساعة يولد

وإلا فما يبكيه منها وإنّها

لأوسع مما كان فيه وأرغد

حيث التزم فتح ما قبل الدال وقوله لما تؤذن من تقدم العلة على المعلول (قوله : لو جعل القوافى أو الفواصل أسجاعا) أى : بأن حولت القوافى عن وزن الشعر وجعلت أسجاعا وكذلك الفواصل إذا غيرت عن حالها وجعلت أسجاعا أخر (قوله : لم يلزم الإتيان بذلك الشىء) أى : فى تلك الأسجاع المفروضة (قوله : ويتم إلخ) أى : لكون السجع يتم بدونه فهو فى قوة التعليل لما قبله (قوله : لم يعرف معنى هذا الكلام) أى : لم يعرف معناه المراد منه ، والحاصل أن هذا المعترض فهم أن مراد المصنف بالسجع الفواصل ، فاعترض عليه وقال : كان الأولى له أن يزيد القافية بأن يقول : ما ليس بلازم فى السجع أى :الذى يكون فى الفواصل ولا فى القافية التى تكون فى الشعر ليوافق قوله قبل حرف الروى ، أو ما فى معناه وهو حرف السجع ، فرد شارحنا على هذا المعترض بما حاصله : أن هذا المعترض لم يفهم مراد المصنف ؛ لأنه ليس مراده بالسجع الفواصل ، وإنما مراده أن الفواصل والقوافى فى لزوم ما لا يلزم فيها : هو أن يجىء شىء قبل ما ختمت به لا يلزم ذلك الشىء تلك القوافى ولا تلك الفواصل على تقدير جعلها أسجاعا وتحويلها إلى خصوص السجع ، ويدل على أن ما فهمه ذلك المعترض ليس مرادا للمصنف إتيانه بالسجع اسما ظاهرا إذ الفواصل والأسجاع من واد واحد فلو أراد المصنف ما ذكره لكان المناسب أن يقول ما ليس بلازم فيهما بالإضمار أى : فى الفاصلة والقافية ، تأمل.

(قوله : ثم لا يخفى أن المراد إلخ) حاصله أن المراد بقول المصنف أن يجىء قبل حرف الروى أو قبل ما يجرى مجراه ما ليس بلازم فى السجع أن يؤتى بما ذكر فى بيتين

٢١٤

وإلا ففى كل بيت أو فاصلة يجىء قبل حرف الروى أو ما فى معناه ما ليس بلازم فى السجع كقوله :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل (١)

قد جاء قبل اللام ميم مفتوحة وهو ليس بلازم فى السجع وقوله : قبل حرف الروى أو ما فى معناه إشارة إلى أنه يجرى فى النثر والنظم (نحو (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)) (٢) فالراء بمنزلة حرف الروى ومجىء الهاء قبلها فى الفاصلتين لزوم مالا يلزم ، لصحة السجع بدونها نحو فلا تقهر ولا يسخر ...

______________________________________________________

أو فى فاصلتين فأكثر كما سيأتى فى التمثيل ، فإنه لو لم يشترط وجوده فى أكثر من بيت أو فاصلة لم يخل بيت ولا فاصلة منه ، لأنه لا بد أن يؤتى قبل حرف الروى أو ما جرى مجراه بحرف لا يلزم فى السجع فقوله مثلا :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

قد جىء قبل الروى الذى هو اللام بميم وهى حرف لا يلزم فى السجع ، وعليه يكون البيت من هذا النوع وليس كذلك ، وإنما يكون الإتيان المذكور من هذا النوع إن التزم فى بيتين فأكثر أو فى فاصلتين فأكثر (قوله : وإلا) أى : وإلا يكن المراد أن يكون ذلك فى إلخ يكون التعريف غير مانع لشموله كل بيت على حدته ، مع أن البيت ليس من هذا النوع أى : لزوم ما لا يلزم (قوله : وهو ليس بلازم فى السجع) أى : لو حولناه وجعلناه سجعا (قوله : فالراء) أى : فى تقهر وتنهر بمنزلة حرف الروى أى : الذى فى القافية من جهة التواطؤ على الختم به (قوله : ومجىء الهاء قبلها إلخ) أى : وكذا فتحة الهاء قبلها لزوم ما لا يلزم (قوله : لصحة السجع بدونها) أى : لو حولناه إلى سجع آخر نحو فلا تقهر ولا تبصر ولا تصغر كما ذكر فى قوله تعالى : ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ

__________________

(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص ١١٠.

(٢) الضحى : ٩ ، ١٠.

٢١٥

(وقوله : سأشكر عمرا إن تراخت منيتى ، أيادى) بدل من عمرا (لم تمنّن وإن هى جلّت) أى لم تقطع أو لم تخلط بمنة وإن عظمت وكثرت.

(فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

ولا مظهر الشكوى إذا النّعل زلّت) (١)

______________________________________________________

وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (قوله : وقوله) أى : الشاعر وهو محمد بن سعيد الكاتب فى مدح عمرو بن سعيد ، وسبب مدحه له بذلك أنه دخل عليه فرأى كمه مشقوقا من تحته فبعث إليه بعشرة آلاف درهم (قوله : إن تراخت منيتى) (٢) أى : إذا تأخرت مدتى وطال عمرى شكرت عمرا أى : أديت حق شكر نعمته بالمبالغة فى إظهارها والثناء عليه بها ، والمراد بالشكر الموعود به أكمله بالمبالغة وإلا فقد شكره فى إظهارها والثناء عليه بها ، والمراد بالشكر الموعود به أكمله بالمبالغة وإلا فقد شكره بذكرها وثنائه عليه بها (قوله : بدل من عمرا) أى : بدل اشتمال من عمرا وينبغى أن يقدر الرابط أى : أيادى له لوجوبه فى بدلى البعض والاشتمال ، والأيادى : جمع أيد وهى النعم ، والأيدى جمع يد بمعنى النعمة ، فهو جمع الجمع (قوله : وإن هى جلّت) إن : وصلية ، والجملة حالية أى : وإن كانت جليلة فى نفس الأمر فهو لا يقطعها ولا يمن بها.

(قوله : أى لم تقطع) بل هى دائما مسترسلة ، فتمنن مأخوذ من المن وهو القطع (قوله : أو لم تخلط بمنة) أى : بذكرها له على وجه المنة (قوله : فتى) أى هو فتى من صفته أنه لا يحجب الغنى عن كل صديق له ولا يستقل به عن الأصدقاء (قوله : ولا مظهر الشكوى) بالرفع عطف على غير الواقع صفة للخبر (قوله : كناية إلخ) فالمعنى أن من صفته أنه لا يظهر الشكوى إذا نزلت به البلايا وابتلى بالشدة ، بل يصبر على ما ينوبه من حوادث الزمان ولا يشكو ذلك إلا لله ، فقد وصف الشاعر ذلك الممدوح بنهاية كمال المروءة وحسن الطبع حيث ذكر أن ذلك الممدوح من صفته أنه إذا كان فى غنى ويسر لم يستأثر به ، بل يشارك فيه أصحابه ، وإذا كان فى عسر وتضعضع لا يشكو من

__________________

(١) البيت تتمة للبيت السابق.

(٢) فى الإيضاح وهو لعبد الله بن الزبير فى ديوانه ص ١٤٢ ، وفى البيتان للطيبى ١ / ١٤٧ ، لكن نسبت لإبراهيم بن العباس الصولى ، فى شرح عقود الجمان للمرشدى ١ / ٥٢ ، ونسبت لأبى الأسود الدؤلى فى دلائل الإعجاز.

٢١٦

زلة القدم والنعل كناية عن نزول الشر والمحنة (رأى خلّتى) أى فقرى (من حيث يخفى مكانها) أى لأنى كنت أسترها عنه بالتجمل (فكانت) أى خلتى (قذى عينيه حتى تجلّت) أى انكشفت وزالت بإصلاحه إياها بأياديه يعنى من حسن اهتمامه جعله كالداء الملازم لأشرف أعضائه حتى تلافاه بالإصلاح ، فحرف الروى هو التاء وقد جىء قبله بلام مشددة مفتوحة وهو ليس بلازم فى السجع لصحة السجع بدونها نحو جلت ومدت ومنبت وانشقت ونحو ذلك.

______________________________________________________

ذلك إلا لله ، ولا يظهر تلك الحالة لأحد من أصحابه ، فأصدقاؤه ينتفعون بمنافعه ولا يتضررون بمضاره أصلا ، بل لا يحزنون بها ؛ لأنه يخفيها ولا يظهرها لهم (قوله : رأى خلتى) أى : أبصر أمارة فقرى وهى تقطع كم القميص (قوله : أى فقرى) هذا تفسير على مراد وإلا فالخلة بالفتح الحاجة بمعنى الاحتياج وهو أعم من الفقر وكونه يراها مع كون صاحبها يخفيها لتجمل وإظهار آثار الغنى يدل على اهتمامه بأمر أصحابه حتى يطلع على أسرارهم قصدا لرفعتهم (قوله : من حيث يخفى مكانها) خفاء المكان مبالغة فى خفاء الشىء ، أو المراد بمكانها وجودها يعنى لكمال ترقبه لحالى رأى حاجتى فى موضع أخفيها فيه (قوله : فكانت قذى عينيه) أى : فلما رأى خلتى كانت كالقذى أى : الغماص الذى فى عينيه وهو أعظم ما يهتم بإزالته ، لأنه وقع فى أشرف الأعضاء فما زال يعالجها حتى تجلت (قوله : بأياديه) أى : نعمه.

(قوله : من حسن اهتمامه) أى : اهتمام عمرو الممدوح بإزالة فقره (قوله : جعله) أى : المذكور وهو الخلة أى : فقر المادح ، ولو قال جعلها أى : الخلة كان أظهر أو أنه ذكر الضمير الراجع للخلة نظرا لكونها بمعنى الفقر (قوله : حتى تلافاه) أى : مازال يعالجه حتى تداركه بالإصلاح (قوله : وهو ليس بلازم) أى : وكل من اللام والفتح ليس بلازم فى السجع ، ففى كل من الآية والأبيات نوعان من لزوم ما لا يلزم أحدهما التزام الحرف كالهاء واللام ، والثانى التزام فتح ذلك الحرف (قوله : لصحة السجع) أى : المفروض بدونها ، أى : لو جعلت القوافى سجعا لم يلزم فيها ذلك (قوله : أصل الحسن إلخ) أى : والأمر الذى لا بد أن يحصل ليحصل الحسن بجميع المحسنات اللفظية ، كما

٢١٧

(وأصل الحسن فى ذلك كله) أى فى جميع ما ذكر من المحسنات اللفظية (أن تكون الألفاظ تابعة للمعانى دون العكس) أى لا أن تكون المعانى توابع للألفاظ بأن يؤتى بالألفاظ متكلفة مصنوعة فيتبعها المعنى كيفما كانت كما يفعله بعض المتأخرين الذين لهم شغف بإيراد المحسنات اللفظية فيجعلون الكلام كأنه غير مسوق لإفادة المعنى ، ولا يبالون ...

______________________________________________________

يقال أصل الجود الغنى أى : الأمر الذى لا بد أن يحصل ليحصل الجود الغنى ، والأمر الذى لا بد أن يحصل ليحصل الشىء شرطه وإطلاق الأصل على شرط الشىء صحيح لتوقف المشروط على الشرط كتوقف الفرع على الأصل (قوله : فى ذلك) أى : فيما ذكر من المحسنات اللفظية ، وفى بمعنى الباء أى : أن شرط حصول الحسن بتلك المحسنات اللفظية أن تكون الألفاظ تابعة للمعانى بأن تكون المعانى هى المقصودة بالذات والألفاظ تابعة لها ، وإنما أتى بقوله : كله ، لئلا يتوهم أنه مختص بالأخير منها ، وهو إلزام ما لا يلزم.

(قوله : أن تكون الألفاظ تابعة للمعانى) أى : الواقعة الحاضرة عنده بأن تلاحظ أولا مع ما يقتضيه الحال من تقديم أو تأخير أو حصر أو غير ذلك ، فإذا أتى بالمحسنات اللفظية بعد ذلك فقد تم الحسن ، وإن لم يؤت بها كفت النكات المعنوية.

(قوله : أى لا أن تكون المعانى توابع للألفاظ) تفسير لقوله : دون العكس ، لا لقوله : العكس لفساد المعنى (قوله : لا أن تكون المعانى توابع للألفاظ) لأنه لو كانت المعانى توابع للألفاظ لفات الحسن وانقلب إلى القبح ؛ لأنه إذا اختل موجب البلاغة بطل التحسين اللفظى ، وهذا الكلام تذكرة لما تقدم من أن وجود البديع إنما يعتبر بعد وجود البلاغة التى لها تعلق بالمعنى وحسن المعانى ، وعليه يقال : كان ينبغى ألا تخص المحسنات اللفظية بالذكر ، بل وكذلك البديع المعنوى إنما يعتبر إذا وجد الحسن الذاتى المتعلق بالمعنى الأصلى ، لكن لما كان الغلط فى التعلق بالمحسنات اللفظية أكثر نبه عليه دون المعنوية هذا إذا جعلت الإشارة لأقرب مذكور وهو المحسنات اللفظية كما صنع الشارح ، أما إن جعلت لمطلق البديع فلا يرد ما ذكر.

(قوله : بأن يؤتى بالألفاظ إلخ) هذا تصوير للمنفى وهو كون المعانى توابع للألفاظ (وقوله : متكلفة) أى : متكلفا فيها غير متروكة على سجيتها (قوله : مصنوعة)

٢١٨

بخفاء الدلالات وركاكة المعنى فيصير كغمد من ذهب على سيف من خشب بل الوجه أن تترك المعانى على سجيتها فتطلب لأنفسها ألفاظا تليق بها ، وعند هذا تظهر البلاغة والبراعة ويتميز الكامل من القاصر.

وحين رتب الحريرى ـ مع كمال فضله ـ فى ديوان الإنشاء ...

______________________________________________________

أى : قصد فيها إلى الصناعة وتحصيل المحسنات اللفظية ، وحاصل ذلك أنه إذا كان المحسن اللفظى أو البديعى مطلقا هو المقصود بالذات كانت الألفاظ متكلفا فيها مطلوبة ويتحقق فى ضمن ذلك الإخلال بما يطلب للمعانى من الاعتبارات المناسبة لمقتضى الحال ، فتكون تلك المطالب غير مرعية فى تلك المعانى ، إذ المقصود بالذات الألفاظ البديعية وإيجادها لا الحسن المعنوى ، فربما لم تخل الألفاظ حينئذ من خفاء الدلالة حيث تكون كناية أو مجازا ، ومن ركاكة حيث تكون حقيقة بألا يراعى فيها الاعتبار المناسب ، فتكون الألفاظ البديعية فى تلك المعانى : كغمد من ذهب ركب على سيف من خشب ، أو كثياب فاخرة على ذات مشوهة ، وأما إذا كان المقصود بالذات إفادة المعنى كانت الألفاظ غير متكلفة ، بل تأتى بها المعانى حيث تركت على سجيتها التى تنبغى لها من المطابقة لمقتضى الحال ؛ لأن ما بالذات لا تكلف فيه وإذا لم يتكلف جاء الكلام باشتماله على ما يقتضيه الحال حسنا حسنا ذاتيّا فإذا جاء حسن زائد على الذاتى وهو البديعى صار ذلك الحسن البديعى تابعا للذاتى فيزداد الحسن الذاتى بالحسن البديعى (قوله : بخفاء الدلالات) أى : إذا كانت الألفاظ مجازات أو كنايات (وقوله : وركاكة المعنى) أى : إذا كانت الألفاظ حقائق (قوله : فيصير) أى : اللفظ وفى نسخة فتصير بالتاء الفوقية أى : الألفاظ البديعية (قوله : بل الوجه) أى : الطريق (وقوله : أن تترك المعانى) أى : الواقعة والحاضرة عنده (قوله : ألفاظا تليق بها) أى : من حيث اشتمالها على مقتضى الحال (قوله : وعند هذا) أى عند الإتيان بالألفاظ التى تليق بالمعانى (قوله : والبراعة) مرادف لما قبله (وقوله : الكامل) أى : فى البلاغة (وقوله : من القاصر) أى : فيها ؛ وذلك لأن مقتضيات الأحوال التى يشتمل الكلام عليها لا تنضبط لكثرتها ، وكلّما كثرت رعايتها ازداد الكلام بلاغة (قوله : فى ديوان الإنشاء) أى : حين رتب كاتبا عند الملك يكتب المراسلات للملوك والوزراء والعلماء.

٢١٩

عجز فقال ابن الخشاب هو رجل مقاماتى ؛ وذلك لأن كتابه حكاية تجرى على حسب إرادته ، ومعانيه تتبع ما اختاره من الألفاظ المصنوعة ، فأين هذا من كتاب أمر به فى قضية؟ وما أحسن ما قيل فى الترجيح بين الصاحب والصابى أن الصاحب كان يكتب كما يريد ، والصابى كان يكتب كما يؤمر ، وبين الحالين بون بعيد ...

______________________________________________________

(قوله : عجز) أى لأنه كلف إنشاء ألفاظ مطابقة لمعان واقعية ، ومقتضيات أحوال خارجية ، وتكون تلك الألفاظ مع ذلك مصاحبة لبديعيات ، والحال أنه إنما كانت له قوة على إنشاء ألفاظ لمعان مع بديعياتها تناسب أحوالا مقدرة يختلقها كما أراد (قوله : فقال ابن الخشاب) أى : فى سبب عجزه وكان معاصرا له (قوله : رجل مقاماتى) أى : له قوة على إنشاء الألفاظ المستحسنة المطابقة للمعانى التقديرية المتخيلة لا على إنشاء الألفاظ المستحسنة المطابقة للمعانى الواقعية ؛ لأن المقامات حكايات تقديرية (قوله : وذلك) أى : ومعنى ذلك أى : كونه رجلا مقاماتيّا (قوله : لأن كتابه) أى : كتاب الحريرى المسمى بالمقامات (قوله : فأين هذا) أى : كتاب معانيه فرضية من كتاب معانيه واقعة وحاضرة (قوله : أمر به فى قضية) أى : عينية فإن هذا لا يكتب ما أراده ، بل ما أمر به وهذا أخص يلزم من القدرة عليه القدرة على الأول وهو الكتابة لما أراده دون العكس ؛ لأن كتابة ما يريده الإنسان ويخترعه سهل التناول بالتجربة ، وأما كتابة ما يؤمر به فهو صعب إلا على الأقوياء.

(قوله : فى الترجيح) أى : التفضيل (وقوله : يكتب كما يريد) أى : كالحريرى ، (وقوله : يكتب كما يؤمر) أى : كابن الخشاب (قوله : يكتب كما يريد) أى يكتب لما يريده من الألفاظ ؛ لأنه لم يقصد إفادة معنى واقعى ، فالمعانى تابعة لما أراده من تلك الألفاظ المصنوعة (قوله : كما يؤمر) أى : فألفاظه التى يكتبها تابعة للمعانى التى أمر بها بمعنى أن تلك المعانى تطلب تلك الألفاظ (قوله : بون بعيد) أى فرق بعيد وأن الحالة الثانية أشرف من الأولى ، وقد علمت أنه يلزم من القدرة على الحالة الثانية القدرة على الحالة الأولى ، دون العكس.

٢٢٠