حاشية الدسوقي - ج ٣

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٥٣٨

١

٢

٣

الفن الثانى

علم البيان

٤

الفن الثان

علم البان

تعريف علم البيان :

قدمه على البديع للاحتياج إليه فى نفس البلاغة وتعلق البديع بالتوابع ، (وهو علم)

______________________________________________________

الفن الثانى علم البيان

الفن عبارة عن الألفاظ كما هو مقتضى ظاهر قول المصنف أول الكتاب ورتبته على مقدمة إلخ ، فإن جعل علم البيان عبارة عن المسائل احتيج لتقدير مضاف أى : مدلول الفن الثانى علم البيان أو الفن الثانى دال علم البيان ، وإن جعل علم البيان عبارة عن الملكة أو الإدراك احتيج لتقدير مضاف آخر وهو متعلق. (قوله : قدمه على البديع) أى : أتى به مقدما عليه لا أنه كان مؤخرا عنه ثم قدمه ، وتقدم فى أول الفن الأول وجه تقديمه على البيان ، وحاصله أنه قدم المعانى على البيان لكونه منه بمنزلة المفرد من المركب ؛ لأن رعاية المطابقة لمقتضى الحال التى هى مرجع علم المعانى معتبرة فى علم البيان مع زيادة شىء آخر وهو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة (قوله : للاحتياج إليه فى نفس البلاغة) الأنسب بما بعده أن يقول : لتعلقه بالبلاغة وتعلق البديع بتوابعها وإنما كان علم البيان محتاجا إليه فى نفس البلاغة ؛ لأنه يحترز به عن التعقيد المعنوى كما سبق وهو شرط فى الفصاحة وهى شرط فى البلاغة وشرط الشرط شرط ، والحاصل أن الاحتراز عن التعقيد المعنوى مأخوذ فى مفهومها بواسطة أخذ الفصاحة فيه والاحتراز المذكور لا يتيسر لغير العرب العرباء إلا بهذا العلم ، فما قاله بعضهم من أن علم البيان يحتاج إليه فى نفس البلاغة فى الجملة لا أنه لا تتم بلاغة كلام بدون أعمال علم البيان ، إذ الكلام المركب من الدلالة المطابقية لا يحتاج فى تحصيل بلاغته إلا إلى علم المعانى ، إذ لا حاجة إلى علم البيان فى الدلالة المطابقية كما ستعرف فليس بشىء ؛ لأن المقصود احتياج بلاغة الكلام إلى علم البيان لا إلى أعماله ، ولا شك أن الاحتراز عن التعقيد المعنوى لا يمكن إلا بعلم البيان (قوله : وتعلق البديع بالتوابع) أى : توابع البلاغة ؛

٥

أى : ملكة يقتدر بها على إدراكات جزئية ، أو أصول وقواعد معلومة ...

______________________________________________________

وذلك لأن البديع علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة كما يأتى ، فلا جرم أنه لا تعلق له بالبلاغة ، وإنما يفيد حسنا عرضيّا للكلام البليغ ، وكلام الشارح المذكور يشير إلى أن البديع من توابع البلاغة وهو ما جزم به بعضهم خلافا لمن قال : إنه من تتمة علم المعانى ، ولمن قال : إنه قال من تتمة علم البيان.

(قوله : أى ملكة) هى كيفية راسخة فى النفس حاصلة من كثرة ممارسة قواعد الفن (قوله : يقتدر بها إلخ) الإتيان بهذا نظرا لشأن الملكة فى ذاتها وإن كان متروكا فى الملكة الواقعة فى التعريف ؛ لئلا يلزم التكرار مع قوله : يعرف به إلخ (قوله : أو أصول وقواعد معلومة) عطف على ملكة إشارة إلى أن المراد بالعلم هنا إما الملكة أو الأصول بمعنى القواعد المعلومة ؛ لأن بها يعرف إيراد المعانى بطرق مختلفة فى الوضوح والخفاء وإنما قيد القواعد بالمعلومة ؛ لأنه لا يطلق عليها علم بدون كونها معلومة من الدلائل وإنما كان المراد بالعلم هنا أحد الأمرين المذكورين ؛ لأن العلم مقول بالاشتراك على هذين المعنيين فيجوز إرادة كل منهما ، ولا يقال : يلزم على ذلك استعمال المشترك فى التعريف بلا قرينة معينة وذلك لا يجوز ؛ لأنا نقول : محل منع استعمال المشترك فى التعريف إذا أريد أحد معنييه أو معانيه فقط ، وأما إذا صح أن يراد به كل معنى فإنه يجوز كما هنا فإنه يجوز إرادة كل من الملكة والأصول كما أشار إليه الشارح ؛ لأن علة المنع الوقوع فى الحيرة من جهة أنه لا يدرى المعنى المراد من المشترك ، وهذا ينافى الغرض من التعريف من البيان والكشف على أن محل منع استعمال المشترك فى التعريف إذا لم يكن بين المعنيين مثلا استلزام ، وأما إذا كان بينهما ذلك فإنه يجوز كما هنا ؛ لأن تعريف كل منهما يستلزم الآخر ؛ لأن الملكة كيفية راسخة فى النفس يقتدر بها على إدراكات جزئية والإدراكات الجزئية ينشأ عنها القواعد ؛ لأن القواعد شأنها أن تحصل من تتبع الجزئيات ، والقاعدة قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها والقضايا المذكورة ينشأ عنها الملكة بسبب ممارستها فقد استلزم كل منهما الآخر فكانا بمنزلة الشىء الواحد ، فالمقصود حينئذ بالتعريف الذى يؤتى به لبيان الحقيقة واحد فكأنه لا اشتراك

٦

(يعرف به إيراد المعنى الواحد) ...

______________________________________________________

وحصل المقصود من التعريف ؛ لأن المقصود منه حصول البصيرة بالمعرف وقد وجد ، ثم إن الشارح سوى بين إرادة المعنيين وإن رجح إرادة المعنى الأول فى الفن الأول ، لكن الأرجح المعنى الثانى ؛ لأن الكتاب فى بيان المسائل والقواعد والعلم المذكور جزئى منه فإن قلت : إن العلم كما يطلق على الملكة والقواعد يطلق على الإدراك فلم لم يذكره الشارح؟ قلت : لاحتياج الكلام معه إلى تقدير المتعلق بلا ضرورة داعية إلى تقدير ذلك ولكن الذى اختاره العلامة السيد أن المراد بالعلم هنا الإدراك والتزم التقدير المذكور ؛ لأن الإدراك هو المعنى الأصلى للعلم ؛ لأنه مصدر واستعمال العلم فى المعانى الأخر إما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجاز مشهور. قال العلامة عبد الحكيم : العلم حقيقة هو الإدراك ، وقد يطلق على متعلقه وهو المعلوم إما مجازا مشهورا أو حقيقة اصطلاحية وعلى ما هو تابع له فى الحصول ووسيلة إليه فى البقاء وهو الملكة كذلك ، ثم المراد الإدراك الحاصل عن الدلائل ، والمسائل المعلومة من الدلائل والملكة الحاصلة عن التصديقات بالمسائل المدللة لما تقرر أن علم المسائل بدون الدلائل يسمى تقليدا لا علما ، ولا يصح أن يراد بالعلم هنا اعتقاد مسائل الفن ؛ لأن مجرد اعتقادها لا يعرف به أحكام الجزئيات ما لم تحصل الملكة.

(قوله : يعرف به إيراد المعنى الواحد) أى : كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم ، فاللام للاستغراق العرفى ، والمراد بقوله يعرف به يعرف برعايته ؛ لأنه إذا لم يراع لا يعرف إيراد المعنى الواحد الوارد على قصد المتكلم بطرق مختلفة ، وخرج بتقييد المعنى بالواحد إيراد المعانى المتعددة بطرق موزعة على تلك المعانى مختلفة فى الوضوح بأن يكون هذا الطريق مثلا فى معناه أوضح من الطريق الآخر فى معناه فلا تكون معرفة إيرادها كذلك من علم البيان ، واعلم أن الغرض من معرفة هذا الإيراد أن يحترز المتكلم عن الخطأ فى تأدية الكلام بحيث لا يورد من الكلام ما يدل على مقصوده دلالة خفية عند اقتضاء المقام دلالة واضحة أو واضحة عند اقتضائه دلالة خفية ، أو أوضح عند اقتضائه دلالة متوسطة فى الوضوح والخفاء ، أو متوسطة عند اقتضائه أوضح أو أخفى

٧

أى : المدلول عليه بكلام مطابق لمقتضى الحال (بطرق) وتراكيب (مختلفة فى وضوح الدلالة عليه) أى : على ذلك المعنى ؛ ...

______________________________________________________

(قوله : أى المدلول عليه إلخ) قيد بهذا إشارة إلى أن اعتبار علم البيان إنما هو بعد اعتبار علم المعانى ، وأن هذا من ذاك بمنزلة المفرد من المركب ؛ لأن علم المعانى علم يعرف به إيراد المعنى بكلام مطابق لمقتضى الحال وعلم البيان علم يعرف به إيراد المعنى بكلام مطابق لمقتضى الحال بطرق مختلفة ، مثلا إذا كان المخاطب ينكر كون زيد مضيافا ، فالذى يقتضيه الحال بحسب المقام جملة مفيدة لرد الإنكار سواء كان إفادتها إياه بدلالة واضحة أو أوضح أو خفية أو أخفى ، نحو : إن زيدا لمضياف ، أو لكثير الرماد ، أو لمهزول الفصيل ، أو لجبان الكلب ، فإفادتها لذلك المعنى بدلالة المطابقة كالمثال الأول من وظيفة علم المعانى وإفادتها له بغيرها من وظيفة علم البيان (قوله : بطرق إلخ) يستفاد منه أنه لا بد فى البيان بالنسبة لكل معنى من طرق ثلاثة على ما هو مفاد الجمع ولا بعد فيه ؛ لأن المعنى الواحد الذى نحن بصدده له مسند ومسند إليه ونسبة لكل منها دال يجرى فيه المجاز ، فيحصل للمركب طرق ثلاثة لا محالة ، واختلاف الطرق فى الوضوح والخفاء كما يكون باعتبار قرب المعنى المجازى وبعده من المعنى الحقيقى يكون بوضوح القرينة المنصوبة وخفائها ، فتقييد إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة بقولنا على تقدير أن يكون له طرق مما لا حاجة له. اه. أطول.

(قوله : وتراكيب) عطف تفسير (قوله : مختلفة فى وضوح الدلالة عليه) أى : سواء كانت تلك الطرق من قبيل الكناية أو المجاز أو التشبيه ، فمثال إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح من الكناية أن يقال فى وصف زيد مثلا بالجود : زيد مهزول الفصيل ، وزيد جبان الكلب ، وزيد كثير الرماد ، فهذه التراكيب تفيد وصفه بالجود من طريق الكناية ؛ لأن هزال الفصيل إنما يكون بإعطاء لبن أمه للضيفان ، وجبن الكلب لإلفه للواردين عليه من الأضياف بكثرة فلا يعادى أحدا ، وكثرة الرماد من كثرة إحراق الحطب للطبخ من أجل كثرة الضيفان ، وهذه الطرق مختلفة فى الوضوح ، فكثرة الرماد أوضحها فيخاطب به عند المناسبة كأن يكون المخاطب لا يفهم بغير ذلك ، ومثال

٨

بأن يكون بعض الطرق واضح الدلالة عليه ، وبعضها أوضح ، والواضح خفى بالنسبة إلى الأوضح فلا حاجة إلى ذكر الخفاء ، ...

______________________________________________________

إيراده بطرق مختلفة الوضوح من الاستعارة أن يقال فى وصفه مثلا به : رأيت بحرا فى الدار فى الاستعارة التحقيقية ، وطم زيد بإنعامه جميع الأنام فى الاستعارة المكنية ؛ لأن الطموم وهو الغمر بالماء من أوصاف البحر ، فدل ذلك على أنه أضمر تشبيهه بالبحر فى النفس وهو الاستعارة بالكناية على ما يأتى ، ولجة زيد تتلاطم بالأمواج ؛ لأن اللجة والتلاطم بالأمواج من لوازم البحر ، وذلك مما يدل على إضمار تشبيهه به فى النفس أيضا ، وأوضح هذه الطرق الأول ، وأخفاها الوسط ومثال إيراده بطرق مختلفة الوضوح من التشبيه : زيد كالبحر فى السخاء وزيد كالبحر وزيد بحر ، وأظهرها ما صرح فيه بوجه الشبه كالأول ، وأخفاها ما حذف فيه الوجه والأداة معا كالأخير فيخاطب بكل من هذه الأوجه الكائنة من هذه الأبواب بما يناسب المقام من الوضوح والخفاء.

بقى شىء آخر وهو أن قول المصنف : مختلفة فى وضوح الدلالة عليه ، فيه إشكال وهو أن الدلالة ـ كما يأتى ـ كون اللفظ بحيث يلزم من العلم به العلم بشىء آخر ولا معنى لوصف ذلك الكون بالوضوح والخفاء ، وأجيب عن ذلك بأجوبة ، منها : أن وصف ذلك الكون بهما من وصف الشىء بما لمتعلقه ، والمراد وضوح المدلول أو خفاؤه بأن يكون قريبا بحيث يفهم بسرعة أو لا يفهم بسرعة وكأنه قيل : بطرق مختلفة الدلالة الواضح مدلولها أو الخفى مدلولها. ومنها : أن وصف الكون بذلك باعتبار أن ثبوت ذلك الكون للفظ معلوم بسرعة أو بدون سرعة وعلامة ذلك سرعة الانتقال من اللفظ إلى المدلول أو بطؤه.

(قوله : بأن يكون إلخ) يحتمل أن تكون الباء للسببية ويحتمل أنها للتصوير أى : واختلاف تلك الطرق فى وضوح الدلالة بسبب كون بعض تلك الطرق أوضح أو مصور بكون بعض تلك الطرق أوضح (قوله : فلا حاجة إلخ) أى : وإذا علمت أن المراد باختلاف الطرق فى وضوح الدلالة ما ذكرناه بقولنا : بأن يكون إلخ ، تعلم أنه لا حاجة إلى ما قاله الخلخالى حيث قدر الخفاء بعد قول المصنف : فى وضوح الدلالة عليه ، فقال : وخفائها ،

٩

وتقييد الاختلاف بالوضوح ليخرج معرفة إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى اللفظ والعبارة ، واللام فى" المعنى الواحد" للاستغراق العرفى ، ...

______________________________________________________

وحاصل ما رد به الشارح عليه أنه لا حاجة لقوله : وخفائها ؛ وذلك لأن الاختلاف فى الوضوح يقتضى أن بعضها أوضح من بعض مع وجود الوضوح فى كل ، ومن المعلوم أن الواضح بالنسبة إلى الأوضح خفى ، فالاختلاف فى الوضوح يستلزم الاختلاف فى الخفاء ، وحينئذ فلا حاجة لذكر الخفاء. على أن إسقاط لفظ الخفاء فيه فائدة وهى الإشارة إلى أن الخفاء الحقيقى ـ أعنى : الخفاء فى نفس الأمر وهو الذى ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق ـ لا بد من انتفائه عن تلك الطرق ، وإلا كان فيما وجد فيه تعقيد ، والخفاء الموجود فيها إنما هو بحسب إضافة بعضها إلى بعض فكلها واضحة والتفاوت إنما هو فى شدة الوضوح وضعفه.

(قوله : وتقييد) مبتدأ ، وقوله : " ليخرج" خبر (قوله : ليخرج معرفة إيراد المعنى الواحد) أى : ليخرجها عن كونها مشمولة لعلم البيان وجزءا من مسماه ، وإلا فالمعرفة بالنسبة إلى معنى واحد لا يصدق عليه الحد بطريق الاستقلال أصلا ؛ لأن المراد بالمعنى جميع المعانى الداخلة تحت القصد والإرادة (قوله : إيراد المعنى الواحد) أى : ككرم زيد وكالحيوان المفترس ، وقوله : " بطرق مختلفة" فى اللفظ والعبارة أى : مع كونها متماثلة فى الوضوح ، وذلك كالتعبير عن كرم زيد بقولنا : زيد كريم وزيد جواد ، وكالتعبير عن الحيوان المفترس بالأسد والغضنفر ، فمعرفة إيراد هذا المعنى بهذه الطرق ليست من البيان فى شىء ، وعطف العبارة على اللفظ من عطف المرادف ، وحاصل ما ذكره الشارح أن تقييد المصنف الاختلاف بوضوح الدلالة مخرج لمعرفة إيراد المعنى الواحد بتراكيب مختلفة فى اللفظ متماثلة فى الوضوح ، وذلك بأن يكون اختلافها بألفاظ مترادفة ، إذ التفاوت فى الوضوح لا يتصور فى الألفاظ المترادفة ؛ لأن الدلالة فيها وضعية فإن عرف المخاطب وضعها تماثلت وإلا لم يعرف منها أو من بعضها شيئا والتوقف فى تصور معنى بعضها ليس اختلافا فى الوضوح ؛ إذ لا وضوح قبل تذكر الوضع ومعرفته ضرورة أن المخاطب لا يدرك شيئا حتى يتذكر الوضع وبعد تذكره لا تفاوت (قوله : للاستغراق العرفى)

١٠

أى : كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم وإرادته ، فلو عرف أحد إيراد معنى قولنا : زيد جواد بطرق مختلفة لم يكن بمجرد ذلك عالما بالبيان ، ثم لما لم يكن كل دلالة قابلا للوضوح والخفاء ، أراد أن يشير إلى تقسيم الدلالة ، وتعيين ما هو المقصود هنا فقال : ...

______________________________________________________

أى : لا الحقيقى ؛ لأن القوى البشرية لا تقدر على استحضار جميع المعانى ؛ لأنها لا تتناهى ولا يصح جعلها للعهد ؛ إذ لا عهد ولا للجنس للزوم كون من له ملكة الاقتدار على معرفة إيراد معنى واحد فى تراكيب مختلفة فى الوضوح عالما بالبيان ، ولا يقال جعلها للاستغراق العرفى يقتضى أن كل من عرف علم البيان يتمكن من إيراد أى معنى أراده بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة مع أنه ممتنع فيما ليس له لازم بين أوله لازم واحد ؛ لأنا نقول : هذا لا يرد إلا إذا أريد باللازم ما يمتنع انفكاكه كما هو مصطلح المناطقة ، وسيأتى أن المراد أعم من ذلك ووجود ما ليس له لازم بالمعنى الأعم ممنوع (قوله : أى كل معنى إلخ) فإن قلت : المعانى التى يقصدها المتكلم غير متناهية عرفا ، وكما أن الإحاطة بما لا يتناهى عقلا محال كذلك الإحاطة بما لا يتناهى عرفا ، فكيف يقدر بعلم البيان على إحاطتها. قلت : لا استحالة فى الإحاطة بما لا يتناهى إجمالا كما فى سائر العلوم (قوله : فلو عرف إلخ) تفريع على كون اللام للاستغراق ، وقوله : " فلو عرف أحد" أى : ممن ليس له تلك الملكة.

(قوله : بمجرد ذلك) أى : بل لا بد من معرفة إيراد كل معنى دخل تحت قصده وإرادته (قوله : قابلا) فى نسخة : قابلة للوضوح والخفاء أى : بل منها ما لا يكون إلا واضحا كالوضعية ، ومنها ما يكون قابلا للوضوح والخفاء وهو العقلية ، وقد علمت أن وصف الدلالة بهما إما بحسب المدلول أو بحسب سرعة الانتقال من اللفظ وعدمه ، فعلى الأول يكون وصف الدلالة بهما مجازا وعلى الثانى يكون وصفها بهما حقيقة (قوله : أراد أن يشير إلخ) أراد بالإشارة الذكر أى : أراد أن يذكر تقسيم الدلالة والقصد من ذكر هذا التقسيم التوصل إلى بيان المقصود ، فقوله : " وتعيين" عطف على" أن يشير" أو على" تقسيم" عطف مسبب على سبب (قوله : ما هو المقصود هنا) أى : فى هذا الفن وهو قوله الآتى : والإيراد المذكور إلخ.

١١

(ودلالة اللفظ) يعنى : دلالته الوضعية ؛ وذلك لأن الدلالة هى كون الشىء بحيث يلزم من العلم به العلم بشىء آخر ، ...

______________________________________________________

(قوله : ودلالة اللفظ) احترز بإضافة الدلالة إلى اللفظ عن الدلالة الغير اللفظية ، سواء كانت عقلية كدلالة تغير العالم على حدوثه ، أو وضعية كدلالة الإشارة على معنى نعم ، أو طبيعية كدلالة الحمرة على الخجل ، والصفرة على الوجل ، والنبات على المطر ، فإنها لا تنقسم إلى الأقسام الآتية ، ثم إنه لما كان المتبادر من المصنف أن مراده بدلالة اللفظ هنا الدلالة المفهومة من قوله السابق فى وضوح الدلالة وهى اللفظية العقلية دفع الشارح ذلك بقوله : يعنى دلالته الوضعية ، فخرج دلالة اللفظ العقلية كدلالة الكلام على حياة المتكلم ، واللفظية الطبيعية كدلالة" أح" على وجع الصدر ، فلا ينقسم شىء منهما إلى الأقسام الآتية ، وظهر لك من هذا أن فى كلام المصنف شبه استخدام حيث ذكر الدلالة أولا بمعنى ، ثم ذكرها ثانيا بمعنى آخر ، واعترض على الشارح بأن الدلالة اللفظية الوضعية خاصة بالمطابقة فى اصطلاح البيانيين ، وحينئذ فيلزم على تقسيمها للأقسام الآتية تقسيم الشىء إلى نفسه وإلى غيره لكون المقسم أخص من الأقسام ، وأجيب بأن المراد بالوضعية ما للوضع فيها مدخل سواء كان العلم بالوضع كافيا فيها لكونه سببا تامّا كما فى المطابقية ، أو لا بد معه من انتقال عقلى كما فى التضمنية والالتزامية ، وهذا وجه جعل المناطقة الدلالات الثلاث وضعيات ، كذا قرر شيخنا العدوى. (قوله : وذلك) أى : وبيان ذلك أى : بيان تقسيم الدلالة وتعيين ما هو المقصود منها هنا.

(قوله : لأن الدلالة) أى : من حيث هى لا خصوص دلالة اللفظ (قوله : كون الشىء) ليس المراد بالشىء خصوص الموجود كما هو اصطلاح المتكلمين ، بل مطلق الأمر الأعم من ذلك كما أنه ليس المراد بالعلم ما قابل الظن وهو الجزم ، بل مطلق الإدراك والحصول فى الذهن الأعم من ذلك (قوله : بحيث) أى : بحالة والباء للملابسة وإضافة حيث لما بعدها بيانية أى : كون الشىء ملتبسا بحالة هى أنها يلزم إلخ ، والضمير فى" به" للشىء على حذف مضاف أى : يلزم من العلم بحاله مثلا اللفظ الموضوع دال على

١٢

والأول : الدال ، والثانى : المدلول ، ثم الدال إن كان لفظا فالدلالة لفظية ، وإلا فغير لفظية كدلالة الخطوط والعقد والإشارات والنّصب ، ثم الدلالة اللفظية إما أن يكون للوضع مدخل فيها ، أو لا ؛ ...

______________________________________________________

معناه ودلالته كونه ملتبسا بحالة وهى أن يلزم من العلم بوضعه لذلك المعنى العلم بذلك المعنى ، وكذلك تغير العالم فإنه دال على حدوثه ودلالته كونه (١) ملتبسا بحالة وهى أن يلزم من العلم بثبوته للعالم العلم بحدوثه ، وقوله : " يلزم إلخ" أى : سواء كان اللزوم بواسطة أو لا (قوله : والأول) أى : الشىء الأول وهو ما يلزم من العلم به العلم بشىء آخر ، وأما الشىء الثانى فهو ما يلزم من العلم بشىء آخر العلم به (قوله : فالدلالة لفظية) أى : وهى ثلاثة أقسام ؛ لأنها إما عقلية بألا يمكن تغيرها كدلالة اللفظ على وجود لافظه ، وإما طبيعية بأن يكون الربط بين اللفظ والمدلول يقتضيه الطبع كدلالة" أح" على الوجع ، فإن طبع اللافظ يقتضى التلفظ به عند عروض الوجع ، وإما وضعية بأن يكون الربط بين اللفظ الدال والمدلول بالوضع كدلالة الأسد على الحيوان المفترس (قوله : وإلا فغير لفظية) أى : وإلا يكن الدال لفظا ، فالدلالة غير لفظية ، وهى ثلاثة أقسام أيضا ؛ لأنها إما عقلية لا يمكن تغيرها كدلالة التغير على الحدوث ، وإما طبيعية بأن يكون الربط بين الدال والمدلول يقتضيه الطبع كدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل أى : الخوف ، وإما وضعية بأن يكون الربط بين الدال والمدلول بالوضع كدلالة الإشارة المخصوصة مثلا على معنى" نعم" أو على معنى" لا" (قوله : كدلالة الخطوط والعقد والإشارات والنصب) أمثلة للدلالة الوضعية الغير اللفظية ، وأدخل بالكاف أمثلة العقلية والطبيعية الغير اللفظيتين كما تقدم ، والمراد بالخطوط الكتابة أو الخطوط الهندسية كالمثلث والمربع ، والنّصب جمع نصبة كغرف جمع غرفة ، وهى العلامة المنصوبة على الشىء كالعلامة المنصوبة على محل الطهارة من النجاسة (قوله : إما أن يكون للوضع مدخل فيها) وهى اللفظية الوضعية كدلالة الأسد على الحيوان المفترس ، وقوله : " إما أن يكون للوضع مدخل فيها" أى : دخول ، بأن كان سببا تامّا فيها كما فى المطابقية أو جزء سبب كما فى التضمنية والالتزامية (قوله : أو لا) بأن كانت باقتضاء العقل وهى اللفظية

__________________

(١) في النسخة المطبوعة : كون.

١٣

فالأولى : هى المقصودة بالنظر هاهنا ؛ وهى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى عند الإطلاق بالنسبة إلى العالم بوضعه ، وهذه الدلالة ...

______________________________________________________

العقلية أو باقتضاء الطبع وهى اللفظية الطبيعية كدلالة اللفظ على وجود لافظه ودلالة" أح" على الوجع (قوله : المقصود بالنظر هاهنا) أى : من حيث تقسيمها إلى مطابقية وتضمنية والتزامية ـ كما يأتى ـ وهذا لا ينافى أن المقصود بالذات فى هذا الفن هو الدلالة العقلية لا الوضعية ؛ لأن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة لا يتأتى بالوضعية كما يأتى فى قول المصنف ، والإيراد المذكور لا يتأتى بالوضعية ؛ لأن السامع إلخ ، ومن هذا تعلم أن المراد بالدلالة السابقة فى التعريف الدلالة العقلية (قوله : وهى) أى : الدلالة اللفظية التى للوضع فيها مدخل (قوله : كون اللفظ إلخ) جنس فى التعريف خرج عنه الدلالة الغير اللفظية بأقسامها الثلاثة ، وقوله : " بحيث" أى : ملتبسا بحالة هى أن يفهم منه المعنى أى : المطابقى أو التضمنى أو الالتزامى ، وقوله : " عند الإطلاق" أى : إطلاق اللفظ عن القرائن وتجرده عنها ، وقوله : " بالنسبة إلخ" متعلق ب" يفهم" وخرج به اللفظية العقلية ، وكذلك اللفظية الطبيعية فإنهما يحصلان للعالم بوضع اللفظ ولغيره ، لعدم توقفهما على العلم بوضعه ، ولا يقال : إن توقفهما على العلم بالوضع وإن كان منتفيا عنهما إلا أنهما لا ينافيانه ؛ إذ كل منهما متحققة سواء وجد العلم بالوضع أو لم يوجد ، وحينئذ فكيف يصح الاحتراز عنهما بهذا القيد ؛ لأنا نقول : المتبادر من قول الشارح بالنسبة إلى العالم بوضعه الحصر والقيود التى تذكر فى التعاريف يجب أن تحمل على المتبادر منها مهما أمكن ، فلهذا صح الاحتراز عن الطبيعية والعقلية اللفظيتين بهذا القيد ، كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : وهذه الدلالة) أى : اللفظية التى للوضع مدخل فيها إما على تمام إلخ ، إن قلت : هذا الكلام يقتضى حصر الدلالة المذكورة فى هذه الأقسام الثلاثة ، وفيه نظر ؛ لأن دلالة اللفظ الفصيح على فصاحة المتكلم خارجة عن الأقسام المذكورة ؛ لأن فصاحة المتكلم ليست تمام ما وضع له اللفظ المذكور كما هو ظاهر ، وليست جزءا من الموضوع له ، وليست خارجة عنه ، بل هى فرد من أفراد الفصاحة التى هى جزء الفصيح الذى هو جزء ما وضع له اللفظ المذكور مع مدخلية الوضع فيها. قلت : لا مدخلية للوضع

١٤

(إما على تمام ما وضع) اللفظ (له) كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق (أو على جزئه) كدلالة الإنسان على الحيوان ، أو الناطق (أو على خارج عنه) ...

______________________________________________________

فيها ؛ لأن المراد بمدخلية الوضع أن يوضع اللفظ لنفس المعنى كما فى الدلالة الوضعية ، أو لما يتعلق بذلك المعنى من الكل والملزوم كما فى دلالة التضمن والالتزام ، واللفظ المذكور لم يوضع لفصاحة المتكلم ولا لكله ولا لملزومه ، بل وضع لمركب فصاحة المتكلم فرد من جزء جزئه ، فخروجها من الأقسام لعدم وجود المقسم فيها ، والظاهر أنها من قبيل الدلالة العقلية ؛ لأنه يستحيل وجود لفظ فصيح بدون فصاحة المتكلم فتكون كدلالة اللفظ على حياة اللافظ.

(قوله : على تمام إلخ) أى : على مجموع ما وضع له ، والمراد بالمجموع ما قابل الجزء فدخل فى ذلك المعنى البسيط والمركب ، فاندفع ما يقال : الأولى حذف تمام ؛ لأنه يخرج دلالة اللفظ على الماهية البسيطة الموضوع هو لها ، فإن قلت : هلا حذف قوله : " تمام" ، واكتفى بقوله : " إما على ما وضع له" وهو شامل للمعنى البسيط والمركب ، قلت : ذكر لفظة" تمام" لأجل حسن مقابلته بالجزء ، وقد تبين لك مما قلناه أن" تمام" لا محترز له ، وما قيل من أنه احترز به عن دلالة اللفظ على نفسه نحو : زيد ثلاثى ففيه نظر ؛ وذلك لأنه على مذهب الشارح من أن دلالة اللفظ على نفسه وضعية وضعا نوعيّا ويكتفى بالمغايرة بين الدال والمدلول بالاعتبار ، تكون تلك الدلالة مطابقية ، فلم يكن" تمام" احترازا عن شىء ، وعلى أن تلك الدلالة عقلية ـ كما اختاره العلامة السيد ـ كانت خارجة عن المقسم وهو دلالة اللفظ الوضعية وحيث كانت خارجة عن المقسم فلا يكون تمام احتراز عنها لعدم دخولها (قوله : ما) أى : المعنى الذى وضع أو معنى وضع ، و" اللفظ" نائب فاعل وضع ، وجملة" وضع" صفة ، أو صلة جرت على غير من هى له ، لأن الموصوف بالوضع اللفظ لا المعنى وكان الواجب إبراز الضمير ، ولعل المصنف ترك الإبراز جريا على المذهب الكوفى الذى يرى عدم وجوب الإبراز عند أمن اللبس كما هنا (قوله : الناطق) الأولى : والناطق بالعطف (قوله : أو على جزئه) أى : جزء ما وضع له (قوله : على الحيوان) أى : فقط أو الناطق فقط ، إذ كل منهما جزء من الموضوع له (قوله : أو على خارج عنه)

١٥

كدلالة الإنسان على الضاحك. (وتسمى الأولى) أى : الدلالة على تمام ما وضع له (وضعية) لأن الواضع إنما وضع اللفظ لتمام المعنى (و) يسمى (كل من الأخيرتين) أى : الدلالة على الجزء والخارج (عقلية) لأن دلالة اللفظ على كل من الجزء والخارج إنما هى من جهة حكم العقل ...

______________________________________________________

أى : عن تمام ما وضع له اللفظ (قوله : كدلالة الإنسان على الضاحك) أى : وكدلالة السقف على الحائط (قوله : أى الدلالة على تمام ما وضع له) أى : الدلالة على تمام المعنى الذى وضع اللفظ له (قوله : وضعية) مفعول ثان لتسمى (قوله : لأن الواضع إنما وضع اللفظ لتمام المعنى) أى : لا لجزئه ولا للازمه ، وحينئذ فالسبب فى حصولها عند سماع اللفظ أو تذكره هو معرفة الوضع فقط دون حاجة لشىء آخر ، بخلاف الأخيرتين فإنه انضم فيهما للوضع أمران عقليان توقف فهم الكل على الجزء وامتناع انفكاك فهم الملزوم عن اللازم (قوله : وكل من الأخيرتين عقلية) لتوقف كل منهما على أمر عقلى زائد على الوضع.

(قوله : إنما هى من جهة حكم العقل إلخ) هذا الحصر يقتضى أن الوضع لا مدخل له فيهما وليس كذلك إذ هو جزء سبب ؛ لأن كلّا من التضمنية والالتزامية يتوقف على مقدمتين : إحداهما وضعية والأخرى عقلية ، وهما كلما فهم اللفظ فهم معناه وكلما فهم معناه فهم جزؤه أو لازمه ، ينتج أنه كلما فهم اللفظ فهم جزء معناه أو لازمه ، والمقدمة الأولى متوقفة على الوضع ؛ لأن فهم المعنى متوقف على العلم بوضع اللفظ لذلك المعنى ، والمقدمة الثانية متوقفة على العقل ؛ لأن فهم الجزء أو اللازم متوقف على انتقال العقل من الكل إلى الجزء من الملزوم إلى اللازم بواسطة حكم أنه كلما وجد الكل وجد جزؤه وكلما وجد الملزوم وجد لازمه ، فمن نظر إلى المقدمة الأولى سمى التضمنية والالتزامية وضعيتين كالمناطقة ، ومن نظر للثانية سماها عقليتين كالبيانيين ، وأجيب بأن هذا حصر إضافى أى : إنما هى من جهة حكم العقل لا من جهة الوضع وحده للجزء أو اللازم ، فلا ينافى أنه من جهة العقل والوضع معا ، وإنما اقتصر على العقل فى بيان التسمية ؛ لأنه سبب قريب بخلاف الوضع فإنه سبب بعيد وهو غير ملتفت إليه عند أهل هذا الفن ، قرر ذلك شيخنا العلامة العدوى.

١٦

بأن حصول الكل ، أو الملزوم يستلزم حصول الجزء ، أو اللازم. والمنطقيون يسمون الثلاثة وضعية باعتبار أن للوضع مدخلا فيها ، ويخصون العقلية بما يقابل الوضعية والطبيعية كدلالة الدخان على النار (وتقيد الأولى) من الدلالات الثلاث (بالمطابقة) ...

______________________________________________________

وقوله من جهة حكم العقل أى : من جهة هى منشأ حكم العقل المصور بأن .. إلخ سواء تحقق الحكم بالفعل أو لا كذا ذكر العلامة عبد الحكيم (قوله : بأن حصول الكل) أى : وهو المعنى المطابقى ، والمراد حصوله فى الذهن أو فى الخارج (قوله : يستلزم حصول الجزء) هذا راجع للكل ، وقوله : أو اللازم يرجع إلى الملزوم (قوله : والمنطقيون) أى : أكثرهم وإلا فبعضهم كأثير الدين الأبهرى يسمى الأخيرتين عقليتين كالبيانيين ، واختار الآمدى وابن الحاجب أن التضمنية وضعية كالمطابقية وأن الالتزامية عقلية. قال سم : والظاهر أن كلا من الدلالتين الأخيرتين سواء قلنا إنها لفظية أو عقلية لا يصدق عليها أنها مجاز ، إذ ليس اللفظ مستعملا فى غير ما وضع له العلاقة مع قرينة (قوله : باعتبار أن للوضع مدخلا فيها) أى : سواء كان دخوله قريبا كما فى المطابقية ؛ لأنه سبب تام فيها إذ لا سبب لها سوى العلم به أو كان بعيدا كما فى الأخيرتين ؛ لأنه جزء سبب فيهما ؛ وذلك لأن كل واحدة منهما متوقفة على أمرين ، فالتضمنية متوقفة على وضع اللفظ للكل وعلى انتقال العقل من الكل للجزء ، والالتزامية متوقفة على وضع اللفظ للملزوم ، وعلى انتقال العقل من الملزوم للازم فقد اعتبروا فى تسميتهما وضعيتين السبب البعيد وهو مدخلية الوضع (قوله : ويخصون العقلية) أى : سواء كانت لفظية أو لا ، وكذا يقال فى الاثنين بعدها (قوله : بما يقابل الوضعية والطبيعية) أى : فتكون الدلالة عندهم ثلاثة أقسام : عقلية كدلالة الدخان على النار ، ووضعية كالدلالات الثلاث ، وطبيعية كدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل. فقوله كدلالة الدخان مثال للعقلية ، وقوله ويخصون .. إلخ أى : بخلاف البيانيين فإن العقلية عندهم لا تقابل الوضعية ، إذ الوضعية قد تكون عقلية ـ فتأمل (قوله : وتقيد الأولى) أى : تقييدا إضافيّا لا وصفيّا فيقال دلالة مطابقة بالإضافة لا دلالة مطابقة بالوصف ، وكذا يقال فى التضمن والالتزام

١٧

لتطابق اللفظ والمعنى (والثانية بالتضمن) لكون الجزء فى ضمن المعنى الموضوع له (والثالثة بالالتزام) لكون الخارج لازما للموضوع له ، ...

______________________________________________________

ـ كذا نقل الحفيد عن الشارح فى حواشى المطول ، وذكر العلامة يس : أن المراد بالتقييد ما يشمل تقييد الإضافة كأن يقال : دلالة المطابقة وتقييد الصفة كما يقع فى عباراتهم من قولهم الدلالة المطابقية ، ولا ينافى ذلك قول المصنف بالمطابقة ؛ لأن المراد بهذه المادة فيشمل نحو المطابقية لا بهذا اللفظ ، وفى بعض النسخ وتختص الأولى وهى بمعنى النسخة الأولى ؛ لأن تختص من الخصوص لا من الاختصاص ، وحينئذ فالمعنى تختص الأولى بالمطابقة ولا يطلق هذا الاسم على غيرها (قوله : الأولى) أى : وهى الدلالة على تمام ما وضع له اللفظ (قوله : لتطابق اللفظ والمعنى) أى : توافقهما بمعنى أن اللفظ انحصرت داليته على هذا المعنى ولم يزد بالدلالة على غيره ، كما أن المعنى انحصرت مدلوليته لهذا اللفظ فلا يكون مدلولا لغيره (قوله : والثانية) أى : وهى الدلالة على جزء ما وضع له اللفظ (قوله : لكون الجزء) أى : المفهوم من اللفظ وذلك كالحيوان ، وقوله فى ضمن المعنى الموضوع له وذلك المعنى هو مجموع الناطق ، وحيث كان الجزء فى ضمن المعنى الموضوع له فيفهم عند فهمه ، وكلام الشارح هذا يشير إلى أن دلالة التضمن فهم الجزء فى ضمن الكل ، ولا شك أنه إذا فهم المعنى فهمت أجزاؤه معه فليس فيها انتقال من اللفظ إلى المعنى ومن المعنى إلى الجزء بل هو فهم واحد.

يسمى بالقياس إلى تمام المعنى مطابقة وبالقياس إلى جزئه تضمنا فيكون اللفظ مستعملا فى الكل أعنى مجموع الجزأين مثلا ، وأما إذا استعمل اللفظ فى الجزء مجازا كان فهمه منه مطابقة ؛ لأنه تمام ما عنى به بالوضع الثانوى المجازى ، وقال بعضهم : إن التضمن فهم الجزء من اللفظ مطلقا سواء استعمل اللفظ فيه أو فى الكل ، واختاره العلامة السيد ضرورة أنك إذا استعملته فى الجزء فلعلاقة الجزئية فما زالت الجزئية ملاحظة ، واعلم أن هذا الخلاف جار فى دلالة الالتزام أيضا ، فقيل أنها فهم اللازم فى ضمن الملزوم ، وقيل فهم اللازم مطلقا ، وقد تعلمت ما يترتب على الخلاف ، فإن قلت : إن الفهم وصف للشخص الفاهم والدلالة التضمنية والالتزامية وصف اللفظ الدال ، فكيف تعرف دلالة

١٨

فإن قيل : إذا فرضنا لفظا مشتركا بين الكل وجزئه ولازمه كلفظ الشمس المشترك ـ مثلا ـ بين الجرم والشعاع ومجموعهما ، فإذا أطلق على المجموع مطابقة ، واعتبر دلالته على الجرم تضمنا ، والشعاع التزاما ...

______________________________________________________

التضمن بفهم الجزء فى تضمن الكل أو بفهم الجزء مطلقا ، وتعرف الالتزامية بفهم اللازم فى ضمن الملزوم أو بفهم اللازم مطلقا ، وهذا تعريف للشىء بما يغايره؟ قلت : المراد بالفهم الانفهام ، أو هو مصدر المبنى للمفعول ، فالمراد انفهام الجزء أو اللازم فى ضمن الكل أو الملزوم أو انفهامهما مطلقا أو كون الجزء أو اللازم فهم فى ضمن الكل أو الملزوم أو مطلقا ، أو يقال : إن الدلالة وإن كانت حالة للفظ لكن لما كان سبببها يفهم الجزء فى ضمن الكل أو مطلقا أو ينتقل من الملزوم لللازم تسمحوا فى التعبير عنهما بما ذكر ؛ تنبيها على أن الثمرة المقصودة من تلك الحالة هى الفهم والانتقال ـ فتأمل (قوله : فإن قيل .. إلخ) الغرض من هذا الاعتراض إفساد تعاريف الدلالات الثلاث المستفادة من التقسيم المذكور بأنها غير مانعة ؛ وذلك لأنه يستفاد منه أن المطابقة تعرف بأنها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له والتضمن دلالته على جزء ما وضع له ، والالتزام دلالته على الخارج عن معناه لازم له فيرد على كل تعريف منها أنه فاسد الطرد لدخول فرد من أفراد كل منها فى الآخر فقول الشارح ، فإن قيل أى : بسبب تعريف الدلالات بما استفيد مما نقدم (قوله : كلفظ الشمس) فيه أنه لا يصدق عليه أنه مشترك بين الكل وجزئه ولازمه ، إذ الكل المجموع والشعاع غير لازم له بل للجرم ، وأجبيب بأنه إذا كان لازما للجرم كان لازما للمجموع قطعا ـ قاله سم.

ومبنى هذا الإشكال على رجوع ضمير لازمه إلى المجموع وهو غير متعين ، إذ يصح رجوعه للجزء وعليه فلا إشكال ـ اه.

(قوله : المشترك) أى : اشتراكا لفظيا (قوله : بين الجرم) أى : القرص ، وقوله الشعاع أى : الضوء. أى : إن فرض أن لفظ شمس موضوع لمجموع القرص والشعاع بوضع وللقرص الذى هو أحد الجزأين بوضع وللشعاع الذى هو أحد الجزأين ولازم للقرص بوضع.

(قوله : فإذا أطلق) جواب إذا وضمير أطلق راجع للفظ شمس (قوله : والشعاع التزاما) أى : لا باعتبار هذا الوضع أعنى الوضع للمجموع ، إذ هو باعتباره جزء لا لازم ،

١٩

فقد صدق على هذا التضمن والالتزام أنها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له ، وإذا أطلق على الجرم أو الشعاع مطابقة صدق عليها أنها دلالة اللفظ على جزء الموضوع له ، أو لازمه ، ...

______________________________________________________

بل باعتبار وضع آخر وهو وضع الشمس للجرم فقط فقوله : واعتبر دلالته على الجرم تضمنا أى : باعتبار الوضع للمجموع ، وقوله : وعلى الشعاع التزاما أى : باعتبار الوضع للجرم فقط فاستقامت عبارة الشارح وإن كان هذا التأويل بعيدا من كلام الشارح ؛ لما فيه من الخروج عن الموضوع وهو إطلاق الشمس على المجموع (قوله : فقد صدق .. إلخ) جواب إذا الثانية ، وقوله : صدق أنها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له أى : وإن كان ذلك الصدق بالنظر لوضع آخر وهو الوضع لكل واحد منهما على حدته أى : وإذا صدق على هذا التضمن والالتزام أنه دلالة اللفظ على تمام ما وضع له صار تعريف المطابقة منتقضا منعا لدخول فردين من أفراد التضمنية والالتزامية فيه ، وهاتان صورتان (قوله : وإذا أطلق على الجرم أو الشعاع مطابقة) عطف على قوله : فإذا أطلق على المجموع (قوله : صدق عليها) أى : على دلالة الشمس على الجرم مطابقة ، أو على الشعاع مطابقة (قوله : أنها دلالة اللفظ على جزء الموضوع له) أى : نظرا لوضع الشمس للمجموع.

(قوله : أو لازمه) أى : بالنظر لوضع الشمس للجرم وحده أى : وحيث صدق على دلالة الشمس على الجرم أو الشعاع مطابقة أنها دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له أو لازمه ، فتكون المطابقة داخلة فى تعريف كل من التضمن والالتزام ، فيكون تعريف كل منهما غير مانع لدخول المطابقة فيه وهاتان صورتان أيضا ، فجملة ما ذكره الشارح من الصور أربعة وهى : انتقاض المطابقة بكل من التضمن والالتزام ، وانتقاض كل من التضمن والالتزام بالمطابقة ، وبقى على الشارح انتقاض التضمن بالالتزام وعكسه ، فكان عليه أن يقول زيادة على ما تقدم : وإذا أطلق الشمس على الشعاع التزاما بالنظر لوضعه للجرم وحده فقد صدق عليه أنها دلالة اللفظ على جزء معناه بالنظر لوضع الشمس للمجموع فيكون الالتزام داخلا فى تعريف التضمن ، وإذا أطلق

٢٠