حاشية الدسوقي - ج ٣

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٥٣٨

فقد نفوه عنه ؛ كما يقولون بلغت أترابه ؛ يريدون بلوغه ، فقولنا : ليس كالله شىء ، وقولنا : ليس كمثله شىء ـ عبارتان متعاقبتان على معنى واحد ؛ وهو نفى المماثلة عن ذاته ؛ لا فرق بينهما إلا ما تعطيه الكناية من المبالغة ، ولا يخفى هاهنا امتناع إرادة الحقيقة ؛ وهو نفى المماثلة عمن هو مماثل له ، وعلى أخص أوصافه ...

______________________________________________________

أوصافه الخاصة ملتبسا بها كالعلم والكرم لا العامة كالحيوانية أو الناطقية وهذا العطف تفسيرى ؛ لأن المماثل هو من كان مشاركا فى الأوصاف الخاصة كلها (قوله : فقد نفوه) أى البخل عنه أى : عن المخاطب وإلا لزم التحكم فى نفى الشىء عن أحد المثلين دون الآخر (قوله : بلغت أترابه) جمع ترب بكسر التاء أى : أقرانه فى السن بأن يكون ابتداء ولادة الجميع فى زمن واحد وقوله : بلغت أترابه أى : بالسن (قوله : يريدون بلوغه) أى : يريدون بلوغه بالسن فإنه يلزم من بلوغ أقرانه بالسن بلوغه بالسن وإلا لزم التحكم ـ اه. سم

(قوله : متعاقبتان على معنى واحد) أى : واردتان على معنى واحد على وجه المعاقبة والبدلية ـ فنفى المماثلة عن ذاته تعالى ـ تارة يؤدى بالعبارة الأولى على وجه الصراحة وتارة يؤدى بالعبارة الثانية على وجه الكناية ؛ وذلك لأن مؤداها بالمطابقة نفى أن يكون شىء مماثلا لمثله ، ويلزم من نفى كون الشىء مماثلا لمثله نفى كونه مماثلا له تعالى ، إذ لو كان ثم مماثلا له تعالى كان الله مماثله لمثله ضرورة أن ما ثبت لأحد المثلين فهو ثابت للآخر وإلا افترقت لوازم المثلين فثبت أن مفاد العبارتين واحد (قوله : إلا ما تعطيه الكناية) أى : وهى العبارة الثانية و (قوله : من المبالغة) أى : لإفادتها المعنى بطريق اللزوم الذى هو كادعاء الشىء ببينة ، ولما كانت الكناية أبلغ من الحقيقة كان قوله : ليس كمثله شىء أوكد فى نفى المثل من ليس كالله شىء (قوله : ولا يخفى هاهنا) أى : فى الآية وهذا محل الشاهد من نقل كلام صاحب الكشاف استدلالا على قوله : لكن قد يمتنع إلخ ، وإنما امتنع فى الآية إرادة الحقيقة لاستحالة ثبوت مماثلته ـ ا. ه سم.

فإن قلت : حيث كان يمتنع فى الآية إرادة المعنى الحقيقى لاستحالته فما المانع من جعل الآية من قبيل المجاز المرسل وقرينته حالية وهى استحالة إرادة المعنى الحقيقى ولا تكون من قبيل الكناية؟ قلت : لعلهم جعلوا الآية من قبيل الكناية لا من قبيل المجاز المرسل

٥٠١

(وفرق) بين الكناية والمجاز (بأن الانتقال فيها) أى : فى الكناية (من اللازم) إلى الملزوم ؛ كالانتقال من طول النجاد إلى طول القامة.

(وفيه) أى : فى المجاز الانتقال (من الملزوم) إلى اللازم ؛ كالانتقال من الغيث إلى النبت ، ومن الأسد إلى الشجاع. (ورد) هذا الفرق (بأن اللازم ...

______________________________________________________

نظرا إلى أن الاستحالة إنما تكون قرينة للمجاز إذا كانت ضرورية لا نظرية كما هنا ـ فتأمل.

(قوله : وفرق) بالبناء للمفعول وهو الأقرب كما قال اليعقوبى لعدم تقدم الفاعل فيما مر ـ وإن كان الفرق الذى سيذكره للسكاكى وغيره ، ويحتمل أن يكون مبنيّا للفاعل ، والفاعل ضمير عائد على السكاكى للعلم به من أن الكلام فى المباحثة غالبا معه ، والحاصل أن المصنف لما قدم الفرق المرضى عنده بين المجاز والكناية ـ وهو أن الكناية فيها جواز إرادة المعنى الحقيقى لعدم نصب القرينة المانعة ، والمجاز لا يجوز فيه ذلك ـ أشار إلى فرق آخر بينهما للسكاكى وغيره لأجل الاعتراض الذى أورده عليه (قوله : كالانتقال من طول النجاد إلى طول القامة) فطول القامة ملزوم لطول النجاد ، وطول النجاد لازم لطول القامة ، لا يقال : طول القامة لا يستلزم طول النجاد ؛ لصحة ألّا يكون لطول القامة نجاد أصلا فكيف يكون ملزوما؟! لأنا نقول اللزوم عرفى أغلبى وذلك كاف مع وجود القرينة فإن قلت :مقتضى تمثيل الشارح بهذا المثال عند قول المصنف لفظ أريد به لازم معناه أن طول القامة لازم لطول النجاد ملزوم له وهو عكس ما يفهمه كلامه هنا قلت : كل من طول النجاد وطول القامة لازم للآخر وملزوم : لأن كلا منهما مساو للآخر ، وحينئذ فالتمثيل بهذا المثال هنا لا ينافى التمثيل به فيما تقدم.

(قوله : أى فى المجاز) سواء كان مرسلا أو كان بالاستعارة ولذا عدد الشارح الأمثلة (قوله : كالانتقال من الغيث إلى النبت) أى : فإنه لازم للمطر بحسب العادة والمطر ملزوم له وكذلك الشجاعة لازمة للأسد [والأسد](١)

ملزوم لها لكن لما ناسبت الشجاعة الرجل أيضا انتقل من الأسد بواسطة القرينة إلى الرجل المقيد بالشجاعة فصار الأسد

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق.

٥٠٢

ما لم يكن ملزوما) بنفسه ، أو بانضمام قرينة إليه (لم ينتقل منه) إلى الملزوم ؛ لأن اللازم من حيث إنه لازم يجوز أن يكون أعم ، ولا دلالة للعام على الخاص.

(وحينئذ) أى : وحين إذ كان اللازم ملزوما (يكون الانتقال من الملزوم إلى اللازم) كما فى المجاز ؛ فلا يتحقق الفرق ، ...

______________________________________________________

ملزوما والرجل الشجاع لازما بانضمام القرينة (قوله : ما لم يكن ملزوما) مصدرية ظرفية أى : مدة كونه غير ملزوم بأن بقى على لازميته ولم يكن ملزوما لملزومه لكونه أعم من ملزومه (قوله : من حيث إنه لازم) أى : من حيث إنه يلزم من وجود غيره وجوده (قوله : يجوز أن يكون أعم) أى : من ملزومه ضرورة أن مقتضى لازميته أن وجود غيره لا يخلو عنه فغيره إما مساو أو أخص ، وأما كون وجوده لا يخلو عن وجود غيره حتى يكون هو مساويا أو أخص فلا دليل عليه فجاز أن يكون أعم كالحيوان بالنسبة للإنسان فلا يخلو الإنسان من الحيوان ، وقد يخلو الحيوان من الإنسان وإذا صح أن يكون اللازم أعم فلا ينتقل منه للملزوم ، إذ لا دلالة للأعم على الأخص حتى ينتقل منه إليه ، وإنما ينتقل من اللازم إلى الملزوم إذا كان ذلك اللازم ملزوما لذلك المنتقل إليه بأن يكون مساويا إما بنفسه كالناطق بالنسبة للإنسان فإنه وإن كان يتبادر منه أنه لازم للإنسان هو ملزوم له لمساواته له فيلزم من وجوده وجود الإنسان أو بواسطة انضمام قرينة إليه كالعرف ، كقولنا كناية عن المؤذن : رأيت إنسانا يلازم المنار فإن الإنسان الملازم للمنار فيما يتبادر لازم للمؤذن ، ويصح أن يكون أعم منه لجواز أن تكون ملازمته للمنار لا للأذان ، لكن قرينة العرف دالة على أنه المؤذن لأن ذلك هو الغالب المتبادر فيشكل على أنه المفهوم عرفا فهذا لازم أعم صار ملزوما بالقرينة.

(قوله : أى وحين إذ كان اللازم ملزوما) الأولى أن يقول : أى وحين إذ كان لا ينتقل من اللازم مادام لم يكن ملزوما (قوله : فلا يتحقق الفرق) أى بين المجاز والكناية ؛ لأن الانتقال فى كل منهما من الملزوم إلى اللازم ؛ لأن الانتقال من اللازم إلى الملزوم لا يحصل إلا إذا كان اللازم المنتقل منه ملزوما فينتقل منه من حيث إنه ملزوم لا

٥٠٣

والسكاكى أيضا معترف بأن اللازم ما لم يكن ملزوما امتنع الانتقال منه ، وما يقال إن مراده أن اللزوم بين الطرفين من خواص الكناية دون المجاز ، أو شرط لها دونه فمما لا دليل عليه ، وقد يجاب ...

______________________________________________________

من حيث إنه لازم (قوله : والسكاكى أيضا معترف إلخ) أى : وحينئذ فيتأكد هذا الرد عليه ، وكان الأولى للشارح أن يقدم هذا على قول المصنف : وحينئذ يكون إلخ ؛ لأجل أن يكون سند القول المتن ورد بأن اللازم إلخ وكان يقول : ورد بأن اللازم ما لم يكن ملزوما لم ينتقل منه والسكاكى معترف بذلك (قوله : وما يقال) أى : فى الجواب عن الاعتراض على السكاكى وتصحيح فرقه ، وحاصله أن مراد السكاكى بقوله : الانتقال فى الكناية من اللازم إلى الملزوم اللازم المساوى لملزومه اللزوم بين الطرفين من خواصها ومراده بقوله : والانتقال فى المجاز من الملزوم إلى اللازم مطلقا ؛ لأن اللزوم بين الطرفين لا يشترط فى المجاز ، وحينئذ فصح تعبيره فى جانب الكناية بالانتقال من اللازم ولم يصح التعبير به فى المجاز فتم ما ذكره من التفرقة بينهما (قوله : أو شرط لها) هذا تنويع فى التعبير فهو بمعنى ما قبله (قوله : فمما لا دليل عليه) أى : فيقال عليه إنه لا دليل على اختصاص الكناية باللزوم بين الطرفين دون المجاز ، بل قد يكون اللزوم فيها أعم كما يكون مساويا وكذا المجاز ، وحينئذ فالجواب المذكور ضعيف ؛ لأن فيه حمل السكاكى على ما هو تحكم محض (قوله : وقد يجاب) أى : عن الاعتراض الذى أورده المصنف على السكاكى ، وكان الأولى أن يزيد أيضا ، لأن هذا جواب ثان عن الاعتراض المذكور ، وحاصله أن مراد السكاكى باللازم فى قوله : إن الكناية ينتقل فيها من اللازم إلى الملزوم ما يكون وجوده على سبيل التبعية لوجود الغير وما يكون اعتباره فرعا عن اعتبار الغير : كطول النجاد التابع وجوده فى الغالب لطول القامة ، وكنفى مثل المثل التابع اعتباره وجريانه فى الألسن لنفى المثل فإنهما وإن تلازما فى نفس الأمر إلا أن الأول منهما أكثر اعتبارا وأسبق ملاحظة ومراده بقوله : إن المجاز ينتقل فيه من الملزوم إلى اللازم أى من المتبوع فى الوجود الخارجى ، أو فى الاعتبار إلى التابع فيه فصحت التفرقة التى ذكرها بينهما ، والحاصل أنه ليس مراده حقيقة اللازم والملزوم حتى يتوجه

٥٠٤

بأن مراده باللازم ما يكون وجوده على سبيل التبعية ؛ كطول النجاد التابع لطول القامة ؛ ولهذا جوز كون اللازم أخص ؛ كالضاحك بالفعل للإنسان. فالكناية أن يذكر من المتلازمين ما هو تابع ورديف ، ويراد به ما هو متبوع ومردوف ، والمجاز بالعكس ؛ وفيه نظر ...

______________________________________________________

عليه الاعتراض ، بل مراده بهما التابع والمتبوع وإن لم يكن بينهما لزوم عقلى كطول النجاد لطول القامة وكالضحك بالفعل للإنسان (قوله : بأن مراده) أى السكاكى (وقوله : باللازم) أى فى جانب الكناية وفى جانب المجاز (قوله : ما يكون وجوده) أى فى الخارج أو فى الاعتبار ، و (قوله : على سبيل التبعية) أى لوجود الغير ، أو لاعتبار الغير.

(قوله : ولهذا) أى : لأجل أن مراده باللازم التابع لا المتعارف جوز أى السكاكى كون اللازم المتنقل منه للمعنى الكنائى أخص ؛ لأن اللازم بمعنى التابع فى الوجود لوجود غيره أو فى الاعتبار لاعتبار غيره يجوز أن يكون أخص بخلاف اللازم المتعارف ، فإنه إنما يكون أعم أو مساويا ولا يكون أخص ، وإلا لكان الملزوم أعم فيوجد بدون اللازم وهذا محال.

(قوله : فالكناية إلخ) مفرع على الجواب المذكور أى : فالكناية على هذا أن يذكر إلخ (قوله : ورديف) عطفه على التابع إما من عطف المرادف إن أريد به نفس التابع أو من عطف المغاير إن أريد بالتابع ما يتبع وجوده وجود الغير : كطول النجاد لطول القامة ، والضحك بالفعل للإنسان ، وبالرديف ما يعتبر بعد الآخر ولو تحقق معناه من الآخر كنفى مثل المثل لنفى المثل ؛ لأن اعتبار الثانى واستعماله قبل الأول ؛ لأنه أصرح وأكثر دورا على الألسنة فيسمى رديفا لاستناده للآخر مع مساواته له فى الصحة والتحقق فى نفس الأمر و (قوله : أن يذكر من المتلازمين) المراد بهما ما بينهما لزوم ولو فى الجملة لا ما بينهما التلازم الحقيقى فقط وهو ما كان التلازم بينهما من الجانبين بدليل أنه قد ينتقل من الأخص إلى الأعم (قوله : والمجاز بالعكس) أى فيقال هو أن يذكر من المتلازمين ما هو مردوف ومتبوع ويراد به الرديف والتابع (قوله : وفيه نظر) أى : وفى هذا الجواب نظر بالنسبة لقوله والمجاز بالعكس ؛ لأن المجاز قد ينتقل فيه من التابع فى الوجود الخارجى إلى المتبوع فيه كإطلاق النبات على الغيث فى أمطرت السماء نباتا ،

٥٠٥

ولا يخفى عليك أن ليس المراد باللزوم هاهنا امتناع الانفكاك.

أقسام الكناية :

(وهى) أى : الكناية (ثلاثة أقسام ؛ الأولى) تأنيثها باعتبار كونها عبارة عن الكناية (المطلوب بها غير صفة ، ولا نسبة ؛ ...

______________________________________________________

والحاصل أن نحو النبات مما يكون تابعا مع التلازم يطلق على نحو الغيث مجازا مرسلا كما نصوا عليه فى قولك : أمطرت السماء نباتا فلو اختصت الكناية بالانتقال من التابع كان مثل ذلك من الكناية ، مع أنهم مثلوا به للمجاز ونصوا على أنه منه ، وقد يجاب عن ذلك برعاية الحيثية فى نحو النبات يستعمل فى الغيث ، وذلك بأن يقال إذا استعمل النبات فى الغيث مثلا من حيث إنه رديف للغيث ، وتابع له فى الوجود غالبا كان كناية ، وإن استعمل فيه من حيث اللزوم الغالب كان مجازا نظير ما تقدم من أن اللفظ الواحد يجوز أن يكون مجازا مرسلا واستعارة باعتبارين ، ومع هذا لا يخلو الكلام من مطلق التحكم ؛ لأن تخصيص الكناية بالتبعية والمجاز باللزوم مما لم يظهر عليه دليل ، إلا أن يدعى أن ذلك تقرر بالاستقراء وقرائن أحوال المستعملين ـ ا. ه يعقوبى.

(قوله : ولا يخفى إلخ) جواب عما يقال كيف يكون المراد باللازم ما يكون وجوده على سبيل التبعية لغيره مع إمكان انفكاكه عن غيره.

(قوله : هاهنا) أى : فى الكناية (قوله : امتناع الانفكاك) أى : الذى هو اللزوم العقلى ، بل المراد باللزوم هاهنا مطلق الارتباط ولو بقرينة أو عرف كما تقدم غير مرة (قوله : وهى ثلاثة أقسام) أى : بحكم الاستقراء وتتبع موارد الكنايات كذا فى شرحه للمفتاح ، فاختصاص القسم الثانى بالقسمة إلى القريبة والبعيدة الواضحة والخفية دون القسم الأول والثالث بالنظر إلى الاستقراء وإلا فالعقل يجوز قسمة كل منهما للأقسام المذكورة (قوله : تأنيثها) أى : هذه الكلمة وهى الأولى مع أن الظاهر تذكيرها ؛ لأن لفظ قسم مذكر (قوله : باعتبار كونها عبارة عن الكناية) أى : باعتبار كونها معبرا بها أى : بلفظها عن الكناية (قوله : المطلوب بها غير صفة ولا نسبة) أى : ولا نسبة صفة لموصوف وذلك بأن كان المطلوب بها موصوفا ، ولو قال المصنف : الأولى

٥٠٦

فمنها) أى : فمن الأولى (ما هى معنى واحد) مثل أن يتفق فى صفة من الصفات اختصاص بموصوف معين فتذكر تلك الصفة ليتوصل بها إلى ذلك الموصوف ...

______________________________________________________

المطلوب بها الموصوف لكان أحسن ، والحاصل أن المعنى المطلوب بلفظ الكناية أى : الذى يطلب الانتقال من المعنى الأصلى إليه إمّا أن يكون موصوفا أو يكون صفة والمراد بها الصفة المعنوية كالجود والكرم لا النحوية ، وإما أن يكون نسبة صفة لموصوف ، والمصنف قسم القسم الأول إلى قسمين ، والثانى إلى أربعة ، والثالث لم يقسمه والمرجع فى ذلك كله للاستقراء كما علمت ، وفى بعض الحواشى لم يقل المطلوب الموصوف كما فى المفتاح مع أنه أخصر لأجل أن يشمل ما إذا كان المكنى عنه غير الموصوف وغير الصفة وغير النسبة ، فالحاصل أن المراد بقوله : غير صفة ولا نسبة الموصوف وغير الثلاثة كما فى قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فإن المكنى عنه نفى المثل وهو ليس بموصوف لنفى مثل المثل فلا بد من إدخاله (قوله : فمنها ما هى معنى واحد) الأولى أن يقول وهى قسمان الأول كذا والثانى كذا إذ قوله : فمنها كذا ومنها كذا لا يقتضى حصر أفراد الأولى فى هذين القسمين وأن لها أفرادا أخر وليس كذلك (قوله : ما هى معنى واحد) أى فمنها لفظ وكناية وهى دالّ معنى واحد أو هى مدلولها معنى واحد ؛ لأن الكناية ليست المعنى الواحد بل دالة عليه والمراد بوحدة المعنى هنا ألّا يكون من أجناس مختلفة ، وإن كان جمعا كما فى الأضغان فى المثال الآتى وليس المراد بوحدته ما قابل التقنية والجمعية الاصطلاحية (قوله : مثل أن يتفق فى صفة من الصفات) أى : كالمجامع فى المثال الآتى ، و (قوله : اختصاص بموصوف) المراد بالاختصاص ما يعم الحقيقى كالواجب والقديم وغير الحقيقى ، كما إذا اشتهر زيد بالمضيافية مثلا وصار كاملا فيها بحيث لا يعتد بمضيافية غيره ، ثم الصفة من حيث هى صفة لا تدل على معين بل على موصوف ما فيكون اختصاصها بموصوفها لأسباب خارجة عن مفهومها فيكون عارضا (قوله : فتذكر تلك الصفة) أى : لفظ تلك الصفة ، و (قوله : ليتوصل بها) أى : يتوصل بتصور معنى ذلك اللفظ الدال على تلك الصفة إلى ذات ذلك الموصوف لا إلى أوصافه ولا إلى نسبة من النسب المتعلقة به فيصدق حينئذ أن المطلوب بلفظ تلك الصفة الذى

٥٠٧

(كقوله :

الضّاربين بكلّ أبيض مخذم

(والطاعنين مجامع الأضغان)

المخذم : القاطع ، والضغن : الحقد ، ومجامع الأضغان : معنى واحد كناية عن القلوب.

(ومنها ما هو مجموع معان) ...

______________________________________________________

جعلناه كناية غير الصفة وغير النسبة ، إذ هو ذات الموصوف وإنما اشترط فى الصفة المكنى بها الاختصاص ولو بأسباب خارجة لما علمت أن الأعم لا يشعر بالأخص ، وإنما يستلزم المطلوب ما يختص به بحيث لا يكون أعم لوجوده فى غيره (قوله : كقوله الضاربين إلخ) (١) قال فى شرح الشواهد : لا أعلم قائله (قوله : بكل أبيض) أى : بكل سيف أبيض والضاربين نصب على المدح أى : أمدح الضاربين بكل سيف أبيض مخذم أى : قاطع والمخذم بضم الميم وكسر الذال المعجمة وبينهما خاء ساكنة ـ ا. ه حفنى.

(قوله : والطاعنين) أى : وأمدح الطاعنين أى : الضاربين بالرمح مجامع الأضغان فمجامع الأضغان كناية عن القلوب كأنه يقول : والطاعنين قلوب الأقران لأجل إخراج أرواحهم بسرعة ومجامع الأضغان معنى واحد إذ ليس أجساما ملتئمة وإن كان لفظه جمعا وذلك المعنى صفة معنوية مختصة بالقلوب ؛ لأن مدلولها جمع الأضغان ، ولا شك أن هذا المعنى مختص بالقلوب ، إذ لا تجتمع الأضغان فى غيرها ، فإن قلت إن مصدوق قولنا : مجمع الضغن هو القلب وإطلاق اللفظ على مصدوقه حقيقة فليس هذا من الكناية قلت : إن مجامع وإن كان مشتقا لم يرد منه الذات الموصوفة بالصفة ، بل المراد منه خصوص الصفة وهى جمع الضغن ، وهذه لا تطعن ، وحينئذ فيكون الشاعر أطلق الصفة التى هى لازم وأراد محلها وهو الموصوف كناية (قوله : ومجامع الأضغان معنى واحد) أى : أن المضاف والمضاف إليه دال على معنى واحد وهو جمع الأضغان وهو مختص بالقلب ، فيصح أن يكنى به عنه ، وأما مجامع وحده فالمعنى الدال عليه وهو الجمع غير مختص بالقلب (قوله : ومنها ما هو) أى : قسم هو مجموع معان وفى بعض النسخ ما هى أى : كناية هى مجموع معان أى هى لفظ دال على مجموع معان بأن تكون تلك

__________________

(١) انظر معاهد التنصيص ص ٢٦ ، الموازنة ص ٢٧٩ ، الإشارات ص ٢٤٠.

٥٠٨

بأن تؤخذ صفة فتضم إلى لازم آخر ، وآخر لتصير جملتها مختصة بموصوف ؛ فيتوصل بذكرها إليه (كقولنا ـ كناية عن الإنسان ـ حى مستوى القامة عريض الأظفار) وهذا يسمى خاصة مركبة. (وشرطهما) أى : وشرط هاتين الكنايتين : (الاختصاص بالمكنى عنه) ...

______________________________________________________

المعانى جنسين أو أجناسا متعددة (قوله : بأن تؤخذ صفة) أى : كحى مثلا ، و (قوله : فتضم إلى لازم) أى : كمستوى القامة ، و (قوله : وآخر) أى : وإلى لازم آخر مثل عريض الأظفار وتعبيره أولا بالصفة وثانيا باللازم لمجرد التفنن ولو عبر بالصفة أولا وثانيا أو باللازم كذلك كان صحيحا (قوله : لتصير جملتها مختصة بالموصوف) أى : وإن كانت كل صفة بمفردها غير خاصة به ألا ترى أن حى فى المثال ليس خاصا بالإنسان لوجوده فى الحمار وكذلك مستوى القامة فإنه موجود فى النخل وعريض الأظفار موجود فى الفرس ، وأما جملة الثلاثة فهى مختصة بالإنسان وحينئذ فيتوصل بمجموع ذكرها إليه ، وذلك بأن ينتقل من مفهومها الذى هو غير مقصود بالذات إلى ذات الموصوف كما مر (قوله : كناية عن الإنسان) حال من قولنا بمعنى مقولنا والعامل فيه معنى الكاف ، وحينئذ فكناية بمعنى مكنيّا به أى : كقولنا : حى مستوى إلخ حالة كون ذلك مكنيا به عن الإنسان ، وحينئذ فقوله : حى مستوى القامة عريض الأظفار بدل من القول أو بيان له ، ويجوز أن يكون فاعلا لمحذوف أى : بدا لنا حى مثلا فلو كنى عن الإنسان باستواء القامة وحده شاركه فيه النخل ولو كنى عنه بالحى شاركه فيه الحمار ، ولو كنى عنه بهما لساواه التمساح كما قيل ، ولو كنى عنه بعريض الأظفار وحده أو بعريض الأظفار مع الحى ساواه الجمل بخلاف مجموع الأوصاف الثلاثة فإنها يختص بها الإنسان فكانت كناية نعم عرض الأظفار مع استواء القامة يغنى عن حى ، بل قيل الحى مع استواء القامة يغنى عن عرض الأظفار إذ لا يوجد حى كذلك خلاف ما قيل فى التمساح والثعبان ؛ لأن المراد بالقامة ما كان ممتدّا إلى أعلى لا ما يمتد على الأرض (قوله : وهذا) أى مجموع الصفات المختصة بالموصوف الذى ينتقل منها ، إليه يسمى عند أصحاب العلوم العقلية خاصة مركبة كما أن الصفة الواحدة التى لها اختصاص بموصوف ، وينتقل منها إليه تسمى خاصة بسيطة لعدم تركبها (قوله وشرطهما الاختصاص بالمكنى عنه) أى :

٥٠٩

ليحصل الانتقال.

وجعل السكاكى الأولى منهما ـ أعنى : ما هى معنى واحد ـ : قريبة ؛ بمعنى : سهولة المأخذ ، والانتقال فيها لبساطتها ، واستغنائها عن ضم لازم إلى آخر ، وتلفيق بينهما ، والثانية : بعيدة بخلاف ذلك ، وهذه غير البعيدة بالمعنى الذى سيجىء.

______________________________________________________

أن يكون المعنى الواحد المكنى به مختصا بالمكنى عنه وأن يكون مجموع المعانى المكنى بها مختصا بالمكنى عنه وهذا الشرط لا يختص بهاتين الكنايتين اللتين هما قسما الأولى ، بل كل كناية كذلك إذ لا يدل الأعم على الأخص ، ولا ينتقل منه إليه على أن هذا الشرط مستدرك مع ما علم مما مر أن الكناية الانتقال فيها من الملزوم للازم والملزوم مختص قطعا باللازم المكنى عنه ، ولعله نص على ذلك الشرط فيهما تذكرة لما علم لئلا يغفل فيتوهم أن مجموع الأوصاف أو الصفة ينتقل منها إلى الموصوف مع عموم مفهومها (قوله : ليحصل الانتقال) أى : منهما للمكنى عنه.

(قوله : وجعل السكاكى) أى : سمى السكاكى (قوله : بمعنى سهولة المأخذ) أى : الأخذ يعنى أن محاول الإتيان بها يسهل عليه الإتيان بها ويسهل على السامع الانتقال منها لبساطتها وعدم التركيب فيها فلا يحتاج فيها إلى ضم وصف لآخر والتأمل فى المجموع ليعلم اختصاص هذا المجموع بلا زيد ولا نقص (قوله : وتلفيق) أى : تأليف بينهما والعطف مرادف (قوله : والثانية بعيدة) أى : وجعل الثانية أعنى ما هى مجموع معان بعيدة أى : سماها بذلك الاسم (قوله : بخلاف ذلك) أى : وهى ملتبسة بخلاف ذلك أى : أنها بعيدة بمعنى أنها صعبة الأخذ والانتقال وذلك لتوقفها على جمع أوصاف يكون مجموعها مختصا بلا زيد ولا نقص وذلك يحتاج إلى التأمل فى عموم مجموع الأوصاف وخصوصه ومساواته ، وكلما توقف الإتيان أو الانتقال على تأمل كان بعيدا (قوله : غير البعيدة بالمعنى الذى سيجىء) أى : وهى ما كان فيها وسائط ، والحاصل أن المراد هنا بالقرب سهولة الانتقال والتناول لأجل البساطة والمراد بالبعد صعوبتهما لأجل التركيب ؛ لأن إيجاد المركب والفهم منه أصعب من البسيط غالبا ، وليس المراد هنا بالقرب انتفاء الوسائط والوسائل بين الكناية والمكنى عنه ، وبالبعد وجودها

٥١٠

(الثانية) من أقسام الكناية (المطلوب بها صفة) من الصفات ؛ كالجود ، والكرم ، ونحو ذلك. وهى ضربان : قريبة ، وبعيدة (فإن لم يكن الانتقال) من الكناية ...

______________________________________________________

كما سيأتى ، فالقرب والبعد هنا مخالفان لهما بهذا المعنى الآتى وإن كان يمكن مجامعتهما لصحة وجود البساطة وعدم الواسطة ووجود التركيب مع الوسائط (قوله : المطلوب بها صفة من الصفات) يعنى أن يكون المقصود إفادته وإفهامه بطريق الكناية هو صفة من الصفات ونعنى بها المعنوية وهى المعنى القائم بالغير كالجود والكرم وطول القامة لا خصوص مدلول النعت النحوى ومعنى طلب الصفة بالكناية دون النسبة : أن يكون المقصود بالذات هو إفهام معنى الصفة من صفة أخرى أقيمت مقام تلك الصفة فصار تصور المثبتة أعنى : المكنى عنها هو المقصود بالذات لا نفس إثباتها ، لأن نفس إثباتها كالمعلوم من وجود نسبة المكنى بها ، وذلك كأن يذكر جبن الكلب ، أو كثرة الرماد لينتقل منه للجود ، وأما طلب النسبة بالكناية دون الصفة ففيما إذا صرح بالصفة وقصد الكناية بإثباتها لشىء عن إثباتها للمراد فيصير الإثبات بسبب ذلك هو المقصود بالذات ، وأما طلب النسبة والصفة معا بالكناية ففيما إذا جهلا معا وقصد الانتقال لهما ، والحاصل أن النسبة إن كانت معلومة أو كالمعلومة للتعرض لها فى ضمن صفة كنى بها عن أخرى كان المطلوب تصور الأخرى التى أثبتت فى ضمن إثبات ما أفهمها ، وحينئذ فتكون الكناية لطلب الصفة ، وإن كانت الصفة معلومة أو كالمعلومة وكنى بإثباتها لشىء لينتقل لإثباتها للمراد كان المطلوب ذلك الإثبات وتكون الكناية لطلب النسبة ، وإن جهلا معا بناء على صحته وقصد الانتقال لهما كان المطلوب هما معا ، وتكون الكناية لطلب الصفة والنسبة معا على ما سيأتى فالصفة لا تخلو من النسبة والنسبة لا تخلو من الصفة ، ولكن اختلفا فى الاعتبار والقصد الأولى وعدمه فافهم ففى المقام دقة ـ اه يعقوبى.

(قوله : وهى ضربان إلخ) حاصل ما ذكر من الأقسام أن الكناية المطلوب بها صفة إما قريبة أو بعيدة والقريبة إما واضحة أو خفية والواضحة إما ساذجة أو مشوبة

٥١١

إلى المطلوب (بواسطة ـ فقريبة) والقريبة قسمان (واضحة) يحصل الانتقال منها بسهولة (كقولهم ـ كناية عن طول القامة ـ : طويل نجاده ، وطويل النجاد ، والأولى) أى : طويل نجاده ـ كناية (ساذجة) لا يشوبها شىء من التصريح (وفى الثانية) أى : طويل النجاد ...

______________________________________________________

بالتصريح فجملة الأقسام أربعة (قوله : إلى المطلوب) أى : الذى هو الصفة المكنى عنها ؛ لأن الكلام فى الكناية المطلوب بها صفة (قوله : بواسطة) أى : بين المنتقل عنه والمنتقل إليه ، وإنما يكون الانتقال المكنى عنه غير محتاج لواسطة إذا كان إدراك المكنى عنه يعقب إدراك المعنى الأصلى للفظ الكناية المشعور به منه (قوله : فقريبة) أى : فتلك الكناية تسمى قريبة لانتفاء الوسائط التى يبعد معها غالبا زمن إدراك المكنى عنه عن زمن الشعور بالمعنى الأصلى (قوله : والقريبة قسمان واضحة أو خفية) قد علمت أن المراد بالقرب هنا عدم الوسائط وعدم الوسائط يجامع كون المعنى المكنى عنه خفيا بالنسبة للأصل ويجامع كونه واضحا فلذا انقسمت القريبة للواضحة والخفية كما ذكر المصنف (قوله : يحصل الانتقال منها بسهولة) أى : لكون المعنى المنتقل إليه يسهل إدراكه بعد إدراك المنتقل عنه لكونه لازما بينا بحسب العرف أو القرينة أو بحسب ذاته (قوله : كناية) حال من القول مقدم عليه أى : كقولهم : فلان طويل نجاده كون القول كناية عن طول القامة ، ولا شك أن طول النجاد اشتهر استعماله عرفا فى طول القامة ففهم منه اللزوم بلا تكلف ، إذا لا يتعلق بالإنسان من النجاد إلا مقداره وليس بينه وبينه واسطة ، فلذا كانت تلك الكناية واضحة قريبة وكانت كناية عن الصفة ؛ لأن النسبة هنا مصرح بها وإنما المقصود بالذات صاحبها وهو الوصف ؛ فلذا كانت كناية مطلوبا بها صفة (قوله : طويل نجاده) برفع النجاد على أنه فاعل طويل ، والضمير المضاف إليه عائد على الموصوف ، والنجاد بكسر النون حمائل السيف (قوله : وطويل النجاد) أى : ومثل قولنا فلان طويل نجاده فى كونه كناية مطلوبا بها صفة هى قريبة واضحة فى (١)

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق.

٥١٢

(تصريح ما لتضمن الصفة) أى : طويل (الضمير) الراجع إلى الموصوف ضرورة احتياجها إلى مرفوع مسند إليه ؛ فيشتمل على نوع تصريح بثبوت الطول له ، والدليل على تضمنه الضمير أنك تقول : هند طويلة النجاد ، والزيدان طويلا النجاد ، والزيدون طوال النجاد ؛ فتؤنث ، وتثنى ، وتجمع الصفة البتة لإسنادها إلى ضمير الموصوف ، بخلاف : هند طويل نجادها ، والزيدان طويل نجادهما ، والزيدون طويل نجادهم. وإنما جعلنا الصفة المضافة كناية مشتملة على نوع تصريح ، ولم نجعلها تصريحا للقطع بأن الصفة ...

______________________________________________________

من شائبة التصريح بالمعنى المقصود وهو المكنى عنه ، فقول الشارح : لا يشوبها شىء من التصريح أى : بالمعنى المقصود تفسير لقوله ساذجة وإنما كانت خالية من شائبة التصريح بالمعنى المقصود ؛ لأن الفاعل بطويل هو النجاد لينتقل منه إلى طول قامة فلان (قوله : تصريح ما) أى : نوع تصريح بالمقصود الذى هو طول القامة المكنى عنه فلذا كانت كناية مشوبة بالتصريح (قوله : لتضمن إلخ) أى : وإنما كان فيها تصريح ما لتضمن الصفة التى هى لفظ طويل الضمير الراجع للموصوف لكونها مشتقة والضمير عائد على الموصوف فكأنه قيل : فلان طويل ولو قيل ذلك لم يكن كناية ، بل تصريحا بطوله الذى هو طول قامته ولما لم يصرح بطوله لإضافته للنجاد وأومئ إليه بتحمل الضمير كانت كناية مشوبة بالتصريح ولم تجعل تصريحا حقيقيا.

(قوله : ضرورة احتياجها إلى مرفوع مسند إليه) أى : لمشابهتها للفعل فى الاشتقاق ، والفعل محتاج إلى مرفوع مسند إليه فإن كان موجودا فى اللفظ فذاك ، وإلا فهو ضمير مستتر فكذلك الصفة (قوله : فيشتمل على نوع تصريح بثبوت الطول له) أى : وفى ذلك تصريح ما بالمكنى عنه وهو طول القامة (قوله : والدليل على تضمنه الضمير) أى : تضمن طويل ولو قال تضمنها أى الصفة كان أولى إلا أن يقال الضمير فى تضمنه للصفة وذكر الضمير باعتبار أنها وصف أى والدليل على تضمن تلك الصفة للضمير وتحملها له وأنه فاعل لها لفظا ، لا أنها مضافة لفاعلها لفظا ، بل لفاعلها فى المعنى أنك تقول : هند طويلة النجاد بتأنيث الصفة نظرا لهند والزيدان طويلا النجاد بتثنيتها نظرا للزيدين والزيدون طوال النجاد بجمعها نظرا للزيدين فقد أنثنا الصفة وثنيناها وجمعناها

٥١٣

فى المعنى صفة للمضاف إليه ، واعتبار الضمير رعاية لأمر لفظى ؛ وهو امتناع خلو الصفة عن معمول مرفوع بها (أو خفية) عطف على واضحة ؛ وخفاؤها بأن يتوقف الانتقال منها على تأمل وإعمال روية (كقولهم ـ كناية عن الأبله ـ عريض القفا) فإن عرض القفا ، وعظم الرأس بالإفراط مما يستدل به على البلاهة ؛ فهو ملزوم لها

______________________________________________________

لزوما وجعلناها مطابقة للموصوف ، وما ذاك إلا لإسنادها لضميره بخلاف ما إذا خلت عن ضمير الموصوف الذى جرت عليه وأسندت لاسم ظاهر فإنها لا تطابق ما قبلها ، بل يجب فيها الإفراد والتجريد من علامة التثنية والجمع وتذكر لتذكير الفاعل وهو الاسم الظاهر الذى أسندت إليه وتؤنث لتأنيثه ، وبالجملة فالصفة كالفعل إن أسندت لضمير ما قبلها وجبت مطابقتها لما قبلها فى الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وإن أسندت لاسم ظاهر وخلت عن ضمير ما قبلها وجب فيها الإفراد ولو كان الموصوف بها لفظا مثنى أو مجموعا ، وذكرت لتذكير الفاعل ولو كان الموصوف بها مؤنثا وأنثت لتأنيث الفاعل ولو كان الموصوف بها مذكرا (قوله : فى المعنى) أى : فى الحقيقة ونفس الأمر (قوله : عطف على واضحة) أى : أن الكناية المطلوب بها صفة إن لم يكن الانتقال فيها للمطلوب وهو الصفة بواسطة فهى : إما واضحة لا تحتاج فى الانتقال للمراد إلى تأمل ، أو خفية يتوقف الانتقال منها إلى المراد على تأمل وإعمال روية أى : فكر ، وذلك حيث يكون اللزوم بين المكنى به وعنه فيه غموض ما فيحتاج إلى إعمال روية فى القرائن وسير المعانى ليستخرج المقصود منها ، وليس المراد أنها خفية لتوقف الانتقال منها إلى المقصود على وسائط ؛ لأن الموضوع أن الانتقال فيها بلا واسطة.

(قوله : عن الأبله) أى : البليد وقيل هو الذى عنده خفة عقل (قوله : عريض القفا) القفا بالقصر مؤخر الرأس وعرضه يستلزم عظم الرأس غالبا والمقصود هنا العظم المفرط كما نبه عليه الشارح ؛ لأنه الدال على البلاهة ، وأما عظمها من غير إفراط ، بل مع اعتدال فيدل على الهمة والنباهة وكمال العقل (قوله : فإن عرض القفا) العرض بالفتح (١) ؛ لأن المراد به ما قابل الطول ، وأما العرض بالضم فهو بمعنى الجانب ، وقوله : وعظم الرأس من عطف اللازم على الملزوم لا أنه مثال آخر (قوله : فهو) أى :

__________________

(١) غير واضحة في المطبوعة.

٥١٤

بحسب الاعتقاد ، لكن فى الانتقال منه إلى البلاهة نوع خفاء لا يطلع عليه كل أحد ، وليس الخفاء بسبب كثرة الوسائط والانتقالات حتى تكون بعيدة (وإن كان الانتقال) من الكناية إلى المطلوب بها (بواسطة فبعيدة ؛ كقولهم : كثير الرماد ؛ ...

______________________________________________________

العرض ملزوم لها أى : البلاهة وهى لازمة له فقد انتقل من الملزوم للازم (قوله : بحسب الاعتقاد) أى : عند من له اعتقاد فى ملزوميته للبليد ، فإن قلت : من له اعتقاد لا خفاء بالنسبة إليه ومن لا اعتقاد له لا كناية باعتباره ، إذ لا يفهم المراد أصلا ، وحينئذ فجعل الكناية فى هذا المثال خفية لا يظهر ـ قلت : لا يلزم من تقدم اعتقاد اللزوم حضوره حال الخطاب ، إذ يجوز أن يكون بعض المعانى المخزونة يدرك لزومه بمطلق الالتفات فلا تخفى الكناية عنها على المتكلم عند دوام إيجادها ولا تخفى على السامع عند سماعها ، ويجوز أن يكون إدراك لزومها يحتاج إلى تصفح المعانى والدلالة بالقرائن الخفية الدالة فيحتاج المتكلم فى إيجادها إلى تأمل والسامع فى فهمها إلى روية وفكر ، وما هنا من هذا القبيل فافهم.

وظهر من هذا أن اعتقاد لزوم البلادة لعرض القفا ليس مشتركا بين الناس ، بل قد يخص به واحد دون آخر ، إذ لا سبيل إليه إلا بعد التأمل ، فإن قلت : كون عرض القفا كناية عن الأبله بلا واسطة لا يظهر ؛ لأن الأطباء يقولون إنما استلزم عرض القفا البله ؛ لأنه يدل على قوة الطبيعة البلغمية المستلزمة للبرودة المستلزمة للغفلة والبله قلت : ما ذكر تدقيق لا يعتبره أهل العرف ولا يلاحظونه ، وإنما ينتقلون منه أولا إلى الأبله وحينئذ فكون عرض القفا كناية عن البله بلا واسطة واضح باعتبار العرف ؛ لأن اللزوم بينهما متقرر حتى قيل إنه الآن لا خفاء فيه أصلا وأن الخفاء المذكور فيه لعله باعتبار العرف القديم (قوله : لا يطلع عليه) أى : لا يدركه كل أحد وإنما يدركه من أعمل فكرته ورويته حتى اطلع على الملزومية واعتقدها.

(قوله : وليس الخفاء إلخ) دفع به ما يتوهم من قوله : لا يطلع عليه كل أحد أن ذلك بسبب وجود كثرة الوسائط (قوله : إلى المطلوب بها) أى : وهو الصفة (قوله : فبعيدة) أى : فتلك الكناية تسمى فى الاصطلاح بعيدة وذلك لبعد زمن إدراك المقصود

٥١٥

كناية عن المضياف ، فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ، ومنها) أى : ومن كثرة الإحراق (إلى كثرة الطبائخ ، ومنها إلى كثرة الأكلة) جمع : آكل (ومنها إلى كثرة الضيفان) بكسر الضاد ؛ جمع : ضيف (ومنها إلى المقصود) وهو المضياف ؛ ...

______________________________________________________

فيها لاحتياجها فى الغالب إلى استحضار تلك الوسائط وظاهره أنها تسمى بعيدة ولو كانت الواسطة واحدة وهو كذلك ؛ لأن فيها بعدا ما باعتبار مالا واسطة فيها أصلا (قوله : كناية) أى : حالة كون ذلك القول كناية (قوله : عن المضياف) هو كثير الضيافة التى هى القيام بحق الضيف ، فكثرة الرماد كناية عن المضيافية بسبب كثرة الوسائط ، والحاصل أنه يلزم من كون كثير الرماد كناية عن المضياف أن تكون كثرة الرماد كناية عن المضيافية وهذه الكناية اللازمة هى المقصود بالتمثيل ؛ لأن أصل الموضوع الكناية المطلوب بها صفة من الصفات ـ فتأمل.

(قوله : فإنه ينتقل إلخ) أى : إنما قلنا إن كثرة الرماد كناية عن المضيافية لكثرة الوسائط ؛ لأنه أى الحال والشأن ينتقل من كثرة الرماد (قوله : إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور) أى : ضرورة أن الرماد لا يكثر إلا بكثرة الإحراق وربما كان مجرد كثرة الإحراق لا يفيد ، وليس بلازم فى الغالب ؛ لأن الغالب من العقلاء أن الإحراق لا يصدر منهم إلا لفائدة الطبخ ، وإنما يكون الطبخ إذا كان الإحراق تحت القدور زاده ليفيد المراد ويتحقق الانتقال.

(قوله : الطبائخ) جمع طبيخ أى : ما يطبخ (قوله : إلى كثرة الأكلة جمع آكل) أى : إلى كثرة الآكلين لذلك المطبوخ ؛ وذلك لأن العادة أن المطبوخ إنما يطبخ ليؤكل فإذا كثر الآكلون له (قوله : إلى كثرة الضيفان بكسر الضاد جمع ضيف) ؛ وذلك لأن الغالب أن كثرة الأكلة إنما تكون من الأضياف إذا الغالب أن الكثرة المعتبرة المؤدية لكثرة الرماد لا تكون من العيال.

(قوله : ومنها إلى المقصود) أى : وينتقل من كثرة الضيفان إلى المقصود وهو المضيافية ، فقول الشارح : وهو المضياف أى : مضيافية المضياف بدليل أن الكلام فى المطلوب

٥١٦

وبحسب قلة الوسائط وكثرتها تختلف الدلالة على المقصود وضوحا ، وخفاء.

(الثالثة) من أقسام الكناية (المطلوب بها نسبة) أى : إثبات أمر لأمر ، أو نفيه عنه ؛ وهو المراد بالاختصاص فى هذا المقام ...

______________________________________________________

بها صفة ، والفرق بين كثرة الضيفان والمضيافية حتى ينتقل من أحدهما للآخر أن كثرة وجود الضيفان وصف للأضياف والمضيافية وصف للمضيف بكسر الياء ، إذ هى القيام بحق الضيف كما تقدم وهما متلازمان ولشدة اللزوم بينهما ربما يتوهم اتحادهما فيقال : ليس هناك انتقال ، وقد ذكر المصنف أربع وسائط بين الكناية والمقصود ، وزاد بعضهم بعد كثرة الرماد كثرة الجمر فكانت الوسائط خمسة (قوله : وبحسب قلة الوسائط وكثرتها إلخ) ؛ وذلك لأن كثرة الوسائط من شأنها خفاء الدلالة وقلتها من شأنها وضوحها وإذا انتفت رأسا ظهرت شائبة الوضوح ؛ لأن أول ما يدرك فى الغالب عند الالتفات إلى اللوازم ما يكون منها بلا واسطة ، إذ اللازم الملاصق للملزوم أظهر ، وإنما قلنا : إن الشأن فى كل منهما ما ذكر إشارة إلى أن كلا منهما قد يكون على خلاف ذلك فيمكن فى الكناية المنتفية الوسائط الخفاء كما تقدم فى عرض القفا وفى كثيرها الوضوح لمرور الذهن بسرعة إلى المقصود إما مع إحضارها لظهورها وإما بدون الإحضار لكثرة الاستعمال فيسرع الانتقال ، ولا يقال إذا أسرع الذهن للانتقال بدون إحضار فلا واسطة ؛ لأنا نقول يكفى فى كون الكناية ذات وسائط وجودها فى نفس الأمر مع إمكان إحضارها عرفا ـ فتأمل. اه يعقوبى.

(قوله : المطلوب بها نسبة) ضابطها أن يصرح بالصفة ويقصد بإثباتها لشىء الكناية عن إثباتها للمراد وهو الموصوف بها (قوله : أى إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه) أى : إثبات صفة لموصوف أو نفى صفة عن موصوف (قوله : وهو) أى : إثبات أمر لأمر إلخ المراد بالاختصاص فى هذا المقام أى : القسم الثالث وليس المراد بالاختصاص فيه الحصر ، والحاصل أن الاختصاص المعبر به فى هذا القسم فى كلام المصنف وغيره المراد به مجرد ثبوت أمر لأمر كان على وجه الحصر أولا لا خصوص الحصر فقول المصنف : فإنه أراد أن يثبت اختصاص إلخ مراده بالاختصاص مجرد الثبوت ؛ ولذا قال الشارح : أى :

٥١٧

(كقوله : إن السماحة والمروءة) هى كمال الرجولية (والندى ... فى قبة ضربت على ابن الحشرج ؛ ...

______________________________________________________

ثبوتها له لأنه ليس فى البيت أداة حصر ، وإنما عبر بالاختصاص عن مجرد الثبوت وإن كان مجرد الثبوت أعم ؛ لأن من ثبت له شىء لا يخلو من الاختصاص به فى نفس الأمر ولو لم تقصد الدلالة عليه ، إذ لا بد من تحقق من ينتفى عنه ذلك الشىء فى نفس الأمر.

(قوله : كقوله) أى الشاعر وهو زياد الأعجم من أبيات من الكامل قالها فى : عبد الله بن الحشرج ، وكان أميرا على نيسابور فوفد عليه زياد فأمر بإنزاله ، وبعث إليه ما يحتاجه فأنشده البيت وبعده (١) :

ملك أغرّ متوّج ذو نائل

للمعتفين يمينه لم تشنج

يا خير من صعد المنابر بالتّقى

بعد النبىّ المصطفى المتحرج (٢)

لما أتيتك راجيا لنوالكم

ألفيت باب نوالكم لم يرتج

فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وكان عبد الله بن الحشرج سيدا من سادات قيس وأميرا من أمرائها ، وولى عمالة خراسان وفارس وهمذان (قوله : إن السماحة) هى بذل مالا يجب بذله من المال عن طيب نفس سواء كان ذلك المبذول قليلا أو كثيرا ، والندى : بذل الأموال الكثيرة لاكتساب الأمور الجليلة العامة كثناء كل أحد ويجمعهما الكرم ، والمروءة فى العرف : سعة الإحسان بالأموال وغيرها كالعفو عن الجناية وتفسر بكمال الرجولية كما قال الشارح ، لكن يرد عليه أنه يقتضى اختصاصها بالرجل دون المرأة مع أنها تتصف بالمروءة إلا أن يقال المراد بالرجولية الإنسانية الشاملة للذكر والأنثى ، وتفسر أيضا بالرغبة فى المحافظة على دفع ما يعاب به الإنسان وعلى ما يرفع على الأقران وهذا قريب مما قبله.

(قوله : فى قبة ضربت على ابن الحشرج) فى جعل هذه الصفات الثلاثة فى قبة مضروبة على ابن الحشرج كناية عن ثبوتها له ؛ لأنه إذا أثبت الأمر فى مكان الرجل

__________________

(١) الشعر لزياد الأعجم فى الأغانى ج ١٢ ص ٤١.

(*) وفي المطبوع : المستخرج مكان المتحرج وما أثبت كما في الأغانى ودلائل الإعجاز.

٥١٨

فإنه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات) أى : ثبوتها له (فترك التصريح) باختصاصه بها (بأن يقول : إنه مختص بها ، أو نحوه) مجرور عطفا على : أن يقول ، أو منصوب عطفا على : أنه مختص بها ؛ مثل أن يقول : ثبتت سماحة ابن الحشرج ، أو السماحة لابن الحشرج ، أو سمح ابن الحشرج ، أو حصلت السماحة له ، أو ابن الحشرج سمح ؛ كذا فى المفتاح ، وبه يعرف أن ليس المراد بالاختصاص هاهنا الحصر (إلى الكناية) أى : ترك التصريح ، ...

______________________________________________________

وحيزه فقد أثبت له (قوله : فإنه) أى : الشاعر وهذا علة لكون البيت المذكور مثالا للكناية المطلوب بها النسبة (قوله : أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات) أى : أراد أن يفيد ثبوت ابن الحشرج لهذه الصفات (قوله : أى ثبوتها له) هو بالنصب تفسير للاختصاص ، وأشار الشارح بهذا التفسير إلى أن المراد بالاختصاص مجرد الثبوت ، والحصول وأن فى عبارة المصنف قلبا ، وأن المراد منها أن الشاعر أراد أن يفيد ثبوت هذه الصفات الثلاثة لابن الحشرج (قوله : باختصاصه بها) أى ثبوتها له.

(قوله : بأن يقول إلخ) تصوير للتصريح بالاختصاص بها ، وقوله : إنه أى : ابن الحشرج ، وقوله مختص بها أى : بهذه الأوصاف الثلاثة (قوله : عطفا على أن يقول) أى : فالمعنى ترك التصريح المصور بذلك القول وبنحوه (قوله : عطفا على أنه مختص) أى :فالمعنى حينئذ بأن يقول : إنه مختص ، أو يقول نحوه أى : نحو أنه مختص بها من الطرق الدالة على ثبوت النسبة للموصوف كإضافتها له إضافة بتقدير اللام نحو : ثبتت سماحة ابن الحشرج ؛ لأن إضافتها له تفيد كونها ثابتة له وكإسنادها إليه فى ضمن الفعل نحو سمح ابن الحشرج وكنسبتها إليه نسبة تشبه الإضافة مع الإخبار بالحصول كأن يقال : حصلت السماحة لابن الحشرج أو السماحة لابن الحشرج حاصلة وكإسنادها إليه على أنها خبر فى ضمن الوصف كأن يقال ابن الحشرج سمح بسكون الميم ، وكذا يقال فى الندى والمروءة (قوله : وبه يعرف) أى : وبما ذكر من الأمثلة يعرف أنه ليس المراد بالاختصاص ـ المعبر به فى كلامهم هاهنا أى : فى هذا القسم ـ الحصر ، بل المراد به الثبوت للموصوف سواء كان على وجه الحصر أم لا و (قوله : وبه يعرف إلخ) استدلال على ما

٥١٩

ومال إلى الكناية (بأن جعلها) أى : تلك الصفات (فى قبة) تنبيها على أن محلها ذو قبة ؛ وهى تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء (مضروبة عليه) أى : على ابن الحشرج ، فأفاد إثبات الصفات المذكورة له ؛ لأنه إذا أثبت الأمر فى مكان الرجل ، وحيزه فقد أثبت له (ونحوه) أى : مثل البيت المذكور فى كون الكناية لنسبة الصفة إلى الموصوف بأن تجعل فيما يحيط به ، ويشتمل عليه (قولهم : المجد بين ثوبيه ، والكرم بين برديه) ...

______________________________________________________

قدمه من أنه ليس المراد بالاختصاص فى هذا القسم الحصر ، وحينئذ فلا تكرار بين ما هنا وما تقدم (قوله : ومال إلى الكناية) إتيان الشارح بمال يحتمل أنه إشارة إلى أن ترك فى كلام المصنف مضمن معنى مال ، فيكون العطف فى كلام الشارح تفسيريا أى ترك التصريح ومال عنه إلى الكناية ، ويحتمل أنه إشارة إلى أن قول المصنف : إلى الكناية متعلق بمحذوف عطفا على قوله : ترك التصريح (قوله : فى قبة) أى : حاصلة وواقعة فى قبة (قوله : تنبيها) علة لترك الشاعر التصريح بثبوت تلك الأوصاف للممدوح وميله للكناية بأن جعلها واقعة فى قبة مضروبة على الممدوح أى لأجل التنبيه على أن محل تلك الصفات وهو الممدوح ذو قبة وأنه من الرؤساء (قوله : وهى تكون إلخ) أى : والقبة مأوى يشبه الخيمة إلا أنها تكون فوق الخيمة فى العظم والاتساع وهى التى تسمى الآن بالصوان (قوله : فأفاد) أى : الشاعر بجعل الصفات فى قبة مضروبة على الممدوح إثباتها له والحاصل أن المصرح به نسبة الصفات للقبة حيث جعلت فيها وهى صفات لا تقوم بنفسها ، بل بغيرها ولا يصلح أن يكون ذلك الغير هو القبة فتعين أن يكون هو المضروب عليه القبة لصلاحيته لها وعدم مشاركة غيره له فى تلك القبة فيكون المقصود من تلك الكناية نسبة الصفات وثبوتها له فهذا هو المكنى عنه.

(قوله : لأنه إذا أثبت الأمر) أى : الذى لا يقوم بنفسه كما هنا (قوله : فقد أثبت له) أى : لاستحالة قيام ذلك الأمر بنفسه ووجوب قيامه بمحل ولا يصح أن يكون قائما بمحل الرجل وحيزه فيتعين إثباته للرجل ؛ لأن الأصل عدم مشاركة الغير لذلك الرجل فى مكانه وحيزه (قوله : بأن تجعل) أى : بسبب جعل الصفة و (قوله : فيما يحيط به) أى : بالموصوف فينتقل من ذلك لإثباتها للموصوف (قوله : المجد بين ثوبيه والكرم بين برديه)

٥٢٠