حاشية الدسوقي - ج ٣

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٥٣٨

بطريق التأويل قسمين :

أحدهما : المتعارفا ، وهو الذى له غاية الجراءة ، ونهاية القوة فى مثل تلك الجثة المخصوصة.

والثانى : غير المتعارف : وهو الذى له تلك الجراءة لكن لا فى تلك الجثة المخصوصة ، والهيكل المخصوص ، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف ؛ فاستعماله فى غير المتعارف استعمال فى غير ما وضع له ، والقرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعين المعنى الغير المتعارف. وبهذا يندفع ما يقال : إن الإصرار على دعوى الأسدية للرجل الشجاع ينافى نصب القرينة المانعة عن إرادة ...

______________________________________________________

من ادعاء ثبوت المشبه به له حقيقة حتى يكون لفظ المشبه به فيه استعمال لما وضع له والتجوّز فى أمر عقلى وهو جعل غير المشبه به مشبها به ، بل معناه : جعل المشبه به مؤولا بوصف مشترك بين المشبه والمشبه به ، وادعاء أن لفظ المشبه به موضوع لذلك الوصف ، وأن أفراده قسمان : متعارف وغير متعارف ، ولا خفاء فى أن الدخول بهذا المعنى لا يقتضى كونها مستعملة فيما وضعت له ؛ لأن الموضوع له هو المفرد المتعارف والمستعمل فيه هو المفرد الغير المتعارف.

(قوله : بطريق التأويل قسمين) متعلق بجعل. إن قلت : إن الذى بطريق التأويل إنما هو أحد القسمين وهو غير المتعارف ، وأما الآخر وهو المتعارف فبطريق التحقيق ـ فكيف يقول الشارح على أنه جعل أفراد الأسد قسمين بطريق التأويل؟ قلت : جعل الأفراد قسمين مبنىّ على كون الأسد موضوعا للقدر المشترك بينهما الصادق على كلّ منهما وهو مجترىء ، وكونه موضوعا لذلك ليس إلا بطريق التأويل وأما بطريق التحقيق فهو منحصر فى قسم واحد وهو المتعارف. اه يس.

(قوله : فى مثل) أى : المودعين فى مثل .. إلخ (قوله : والهيكل المخصوص) عطف تفسير (قوله : والقرينة مانعة عن إرادة .. إلخ) أى : لا عن إرادة الجنس بقسميه (قوله : وبهذا يندفع .. إلخ) أى : ببيان أن القرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعين غير المتعارف ، فيندفع ما يقال : إن الإصرار على دعوى الأسدية للرجل ينافى القرينة المانعة من إرادة الأسدية ، ووجه الاندفاع : أن

٣٠١

السبع المخصوص.

(وأما التعجب والنهى عنه) كما فى البيتين المذكورين (فللبناء على تناسى التشبيه قضاء لحق المبالغة) ودلالة على أن المشبه بحيث لا يتميز عن المشبه به أصلا حتى إن كل ما يترتب على المشبه به من التعجب والنهى عن التعجب يترتب على المشبه أيضا.

______________________________________________________

الإصرار على دعوى الأسدية بالمعنى الغير المتعارف ، ونصب القرينة إنما يمنع من إرادة الأسدية بالمعنى المتعارف ، وحينئذ فلا منافاة (قوله : السبع المخصوص) الأنسب أن يقول : عن إرادة الأسد ويحذف قوله المخصوص ؛ لأن ذكره فى السؤال يشير إلى الجواب ـ تأمل.

(قوله : وأما التعجب .. إلخ) هذا إشارة إلى جواب عن سؤال نشأ من الجواب المتقدم ، وهو إذا كان الادعاء لا يقتضى استعمال الاستعارة فيما وضعت له فلا يصح التعجب والنهى عنه فى البيتين السابقين ؛ لأنهما لا يتمّان إلا بجعل المشبه من أفراد المشبه به حقيقة ، وحاصل الجواب الذى أشار له المصنف : أن التعجب والنهى عنه لتناسى التشبيه ، وجعل الفرد الغير المتعارف مساويا للمتعارف فى حقيقته ، حتى إن كل ما يترتب على المتعارف يترتب عليه ، وبما تقرر من جعل كلام المصنف إشارة لجواب سؤال مقدر ، اندفع ما ذكره العلّامة العصام : من أن التعجب والنهى لم يجعلا دليلا على كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له ، بل استدل بهما على الادعاء ، فلما سلم المجيب الادعاء ومنع اقتضاءه كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له ، فلا حاجة إلى المنازعة فى كون التعجب والنهى مبنيّين على الادعاء ، إذ بناؤهما عليه لا ينافى مجازا لغويّا ، فالأولى إسقاط قوله : وأما التعجب والنهى عنه (قوله : وأما التعجب) أى : من المشبه (وقوله : والنهى عنه) أى : عن التعجب (قوله : فللبناء) أى : فلبناء الاستعارة (قوله : على تناسى التشبيه) أى : إظهار التناسى ، والمراد بالتناسى النسيان أى : على إظهار نسيان التشبيه (قوله : قضاء .. إلخ) وإنما تنوسى فيه التشبيه توفية لحق المبالغة فى دعوى الاتحاد (قوله : ودلالة .. إلخ) عطف تفسير على قوله : قضاء لحق المبالغة.

٣٠٢

[مفارقة الاستعارة للكذب] :

(والاستعارة تفارق الكذب بالبناء على التأويل) فى دعوى دخول المشبه فى جنس المشبه به بأن يجعل أفراد المشبه به قسمين : متعارفا ، وغير متعارف ـ كما مرّ ـ ولا تأويل فى الكذب.

(ونصب) أى : وبنصب (القرينة على إرادة خلاف الظاهر) فى الاستعارة لما عرفت أنه لا بدّ للمجاز من قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له ، بخلاف الكذب ؛ فإن قائله لا ينصب قرينة على إرادة خلاف الظاهر ، بل يبذل المجهود فى ترويج ظاهره (ولا تكون) الاستعارة (علما) لما سبق من أنها تقتضى إدخال المشبه فى جنس المشبه به بجعل أفراده قسمين : متعارفا ، وغير متعارف ، ...

______________________________________________________

(قوله : والاستعارة تفارق الكذب) أى : والكلام الذى فيه الاستعارة يفارق الكلام الكاذب أى : لا يشتبه به بسبب ما ذكر من الأمرين. فقولك : جاءنى أسد يشتبه بالكلام الكاذب لو لا الوجهان ، فاندفع ما يقال : إن الاستعارة تكون فى المفرد ؛ لأنها الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له ، والكذب يكون فى الحكم ، فالمتصف بالكذب الكلام المركب المستعمل فى غير ما وضع له ، فلا اشتباه بينهما حتى يحتاج للفرق (قوله : بالبناء على التأويل) أى : بسبب بنائها على التأويل وعدم بناء الكذب عليه (قوله : فى دعوى .. إلخ) متعلق بمحذوف صفة للتأويل أى : المتحقق فى دعوى .. إلخ من تحقق العامّ فى الخاصّ ، أو أن" فى" بمعنى" من" البيانية.

(قوله : بل يبذل المجهود .. إلخ) يقال : بذل يبذل كنصر ينصر ، والمراد بالمجهود : الجهد والوسع والطاقة ، والمراد بترويج ظاهره : إظهار صحته عند السامع ومحل كون الكذب يبذل المتكلم وسعه وطاقته فى ترويج ظاهره إذا عرف عدم مطابقته وقصد إظهار صحته ، لا إن لم يقصد ذلك واعتقد الصحة (قوله : ولا تكون علما) أى : شخصيّا ؛ لأنه المتبادر من إطلاق العلم ؛ ولأن علم الجنس تجرى فيه للاستعارة كاسم الجنس ، بخلاف علم الشخص ، فلا يصح أن يشبه زيد بعمرو فى الشكل والهيئة مثلا ويطلق عليه اسمه ، وتخصيص المصنف الاستعارة بالذكر فى الامتناع يفهم منه : أن الامتناع

٣٠٣

ولا يمكن ذلك فى العلم (لمنافاته الجنسية) لأنه يقتضى التشخص ومنع الاشتراك ، والجنسية تقتضى العموم وتناول الأفراد ...

______________________________________________________

فى العلمية مخصوص بها ، وأما المجاز المرسل فيجوز فى العلمية ، إذ لا مانع من كون المجاز المرسل علما لصحة أن يكون للعلم لازم ولو غير مشتهر يستعمل فيه لفظ العلم ، كما إذا أطلق قيار" علم فرس" على زيد مرادا منه لازمه وهو شدة العدو ـ أى : الجرى ـ ثم إن جملة" ولا تكون علما" عطف على قوله : والاستعارة تفارق الكذب عطف جملة فعلية على اسمية ، ولك أن تجعله عطفا على قوله : تفارق الكذب ، فيكون التناسب مرعيّا.

(قوله : ولا يمكن ذلك فى العلم) أى : الشخصى (وقوله : لمنافاته الجنسية) أى : التى تقتضيها الاستعارة (وقوله : لأنه) أى : العلم (وقوله : يقتضى التشخص) أى :تشخص معناه وتعيّنه خارجا ، وهذا ظاهر فى علم الشخص لا فى علم الجنس ؛ لإمكان العموم فى معناه لكونه ذهنيّا ، والمعنى الذهنى لا ينافى تعدد الأفراد له.

(قوله : وتناول الأفراد) عطف تفسير ، وما ذكره العلامة الشارح ـ من أن الاستعارة تقتضى إدخال المشبه فى جنس المشبه به ، بجعل أفراده قسمين : متعارف وغير متعارف ، وذلك غير ممكن فى العلم الشخصى ـ هو طريقة صاحب المفتاح ، حيث قال فيه : والذى قرع سمعك من أن مبنى الاستعارة على إدخال المستعار له فى جنس المستعار منه هو السرّ فى امتناع دخول الاستعارة فى الأعلام الشخصية ، إلا إذا تضمنت نوع وصفية ، وقال السيد فى شرحه للمفتاح : لا نسلّم أن الاستعارة تعتمد على الإدخال المذكور ؛ لأن المقصود من الاستعارة المبالغة فى حال المشبه بأنه يساوى المشبه به فيه ، وذلك يحصل بجعل المشبه من جنس المشبه به إن كان اسم جنس أو جعله عينه ادعاء إن كان علم شخص ، فإن المقصود من قوله : رأيت اليوم حاتما : أنه رأى عين ذلك الشخص ، لا أنه رأى فردا من أفراد الجواد ـ اه.

قال العلامة عبد الحكيم : وفيما قاله السيد بحث ـ أما أولا : فلأن القول بالإدخال فى اسم الجنس مما لا داعى إليه ، فإن المبالغة تحصل فيه أيضا بادعاء الاتحاد ، وأما ثانيا : فلأن جعله عينه فيما إذا كان علما شخصيّا إن كان لا عن قصد فهو غلط.

٣٠٤

(إلا إذا تضمن) العلم (نوع وصفية) بواسطة اشتهاره بوصف من الأوصاف (كحاتم) المتضمن الاتصاف بالجود ، ومادر بالبخل ، ...

______________________________________________________

وإن كان قصدا ، فإن كان بإطلاقه عليه ابتداء فهو وضع جديد ، وإن كان بمجرد ادعاء من غير تأويل فهو دعوى باطلة وكذب محض ، وحينئذ فلا بدّ من التأويل وهو إنما يكون بإدخاله فيه ، والحاصل : أن استعمال اسم المشبه به فى المشبه ليس بحسب الوضع الحقيقى وهو ظاهر ، فلو لم يعتبر الوضع التأويلى لم يصح استعماله فيه (قوله : إلا إذا تضمن العلم نوع وصفية) استثناء من عموم الأحوال (وقوله : تضمن) أى : استلزم نوع وصفية ، وليس المراد أنه دلّ دلالة تضمنية على نوع من الأوصاف كالكرم (قوله : نوع وصفية) الأولى نوع وصف ؛ لأن الوصف مصدر لا يحتاج فى إفادة المعنى المصدرى إلى إلحاق الياء ـ كذا فى الأطول.

(قوله : بواسطة) متعلق بتضمن (وقوله : اشتهاره) أى : العلم أى : اشتهار مدلوله وهو الذات ، فالعلم المتضمن نوع وصفية هو أن يكون ـ كمدلوله ـ مشهورا بوصف بحيث متى أطلق ذلك العلم فهم منه ذلك الوصف ، فلما كان العلم المذكور بهذه الحالة جعل كأنه موضوع للذات المستلزمة لذلك الوصف فيكون كليا تأويلا ، فإذا أطلق ذلك العلم على غير مدلوله الأصلى صح جعله استعارة بسبب ادعاء أنه من أفراد ذلك الكلى ، مثلا حاتم موضوع للذات المعينة ، ثم إنه بواسطة اشتهارها بالكرم بحيث متى أطلق حاتم يفهم منه الجواد صار حاتم كأنه موضوع للجواد وهو معنى كلى ، فيصح أن يطلق لفظ حاتم على زيد الكريم بأن تقول عند رؤيتك لزيد : رأيت اليوم حاتما بسبب تشبيه زيد بحاتم فى الجود ، وملاحظة أن حاتما كأنه موضوع للجواد وأن زيدا فرد من أفراده ـ وكذا يقال فى غيره.

(قوله : كحاتم المتضمن الاتصاف بالجود) أى : المستلزم للاتصاف به ، فيجعل ذلك الوصف لازما له وهو وجه الشبه فى الاستعارة. وحاتم فى الأصل : اسم فاعل من الحتم بمعنى الحكم ، نقل لحاتم بن عبد الله بن الحشرج الطائى (قوله : ومادر بالبخل) أى : ومادر المتضمن الاتصاف بالبخل ، وهو رجل من بنى هلال بن عامر بن صعصعة ، قيل إنما

٣٠٥

وسحبان بالفصاحة ، وباقل بالفهاهة ؛ فحينئذ يجوز أن يشبه شخص بـ حاتم فى الجود ، ويتأول فى حاتم فيجعل كأنه موضوع للجواد ؛ سواء كان ذلك الرجل المعهود ، أو غيره ـ كما فى : الأسد ـ فبهذا التأويل يتناول حاتم الفرد المتعارف المعهود ، والفرد الغير المتعارف ، ويكون إطلاقه على المعهود ـ أعنى : حاتما الطائى ـ حقيقة ، وعلى غيره ممن يتصف بالجود استعارة ، نحو : رأيت اليوم حاتما.

(وقرينتها) يعنى : أن الاستعارة لكونها مجازا لا بدّ لها من قرينة مانعة عن إرادة المعنى الموضوع له. وقرينتها : ...

______________________________________________________

سمىّ مادرا ؛ لأنه سقى إبلا له من حوض فلما فرغت الإبل من الشرب بقى فى أسفل الحوض ماء قليل فسلح فيه ومدر الحوض به ـ أى : حرك ماءه به ـ بخلا خوفا من أن يستقى من حوضه أحد (قوله : وسحبان) هو فى الأصل صيّاد يصيد ما مرّ به ، ثم جعل علما للبليغ المشهور والمناسبة ظاهرة ـ ا. ه أطول.

(قوله : وباقل بالفهاهة) أى : وباقل المتضمن الاتصاف بالفهاهة ـ أى : العجز عن الإفصاح عما فى الضمير ـ وهو اسم رجل من العرب كان شديد العىّ فى النطق ، وقد اتفق أنه كان اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فقيل له : بكم اشتريته ففتح كفيه ، وفرّق أصابعه ، وأخرج لسانه ليشير بذلك إلى أحد عشر ، فانفلت منه الظبى ، فضرب به المثل فى العىّ (قوله : فحينئذ) أى : فحين إذ تضمن العلم كحاتم نوع وصفية يجوز .. إلخ (قوله : ويتناول فى حاتم .. إلخ) أى : فالتأويل بعد التشبيه ولا يتوقف هو على التشبيه ، وبهذا اندفع ما يقال : إنه إذا كان فردا من أفراده فكيف يصح التشبيه حينئذ؟! (قوله : وقرينتها) أى : والقرينة الثابتة لها ، وإنما ثبتت لها لكونها مجازا كما أشار له الشارح. قال العلّامة عبد الحكيم : وأشار الشارح بهذا الدليل العامّ الجارى فى كل مجاز سواء كان مرسلا أو استعارة إلى أن تخصيص قرينة الاستعارة بالبيان إنما هو للاعتناء بشأنها وإلا فالقرينة لازمة فى كل مجاز ـ اه.

وفى الأطول : أن ما ذكره المصنف من التقسيم غير مختصّ بقرينتها ، بل يجرى فى قرينة المجاز المرسل والمكنية ، ولا داعى إلى جعل قرينة المكنية واحدا والزائد عليه ترشيحا ـ اه.

٣٠٦

(إما أمر واحد ـ كما فى قولك : رأيت أسدا يرمى ـ أو أكثر) أى : أمران ، أو أمور يكون كل واحد منها قرينة (كقوله : فإن تعافوا) أى : تكرهوا (العدل والإيمان فإن فى أيماننا نيرانا) (١)

أى : سيوفا تلمع كشعل النيران ...

______________________________________________________

(قوله : إما أمر واحد) أى : من ملائمات المشبه فى المصرحة كيرمى ، ومن ملائمات المشبه به فى المكنية كالأظفار (قوله : يرمى) أى : بالسهم وليس المراد مطلق رمى ؛ لأنه يكون حتى فى الأسد الحقيقى ـ تأمل.

(قوله : يكون كل واحد منها قرينة) أى : وليس واحد منها ترشيحا ولا تجريدا لعدم ملاءمته للطرفين ملاءمة شديدة ، وما ذكره المصنف مبنىّ على جواز تعدد القرينة وهو الحق ، وقال بعضهم : لا يجوز تعدد قرينة الاستعارة ؛ لأنه إن كان الصرف عن إرادة المعنى الحقيقى بجميع تلك الأمور ، فلا نسلم تعدد القرينة ، وإن كان بكل واحد فلا حاجة لما عدا الأول ، وحينئذ فيجعل ترشيحا أو تجريدا (قوله (٢) : كقوله فإن تعافوا .. إلخ) قال فى معاهد التنصيص : هذا البيت لبعض العرب ولم يعيّنه ، وقوله : فإن تعافوا مأخوذ من : عاف يعاف بمعنى كره ، وأصل عاف يعاف عوف يعوف : كعلم يعلم ، يقال : عاف الرجل طعامه وشرابه أى : كرهه أى : إن تكرهوا العدل والإنصاف وتميلوا للجور وتكرهوا التصديق بالنبى ، فإن فى أيدينا سيوفا تلمع كالنيران نحار بكم ونلجئكم إلى الطاعة بها ، والعدل : هو وضع الشىء فى محلّه فهو مقابل للظلم ، والإيمان الأول فى البيت [بكسر الهمزة] تصديق النبى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ فيما جاء به عن الله ، والأيمان الثانى بفتح الهمزة جمع يمين يطلق على القسم وعلى الجارحة المعلومة وهو المراد ، ويصح أن يقرأ الأيمان فى الموضعين بفتح الهمزة جمع يمين ، والمراد منه القسم فى الأول ، والجارحة فى الثانى (قوله : أى سيوفا تلمع .. إلخ) أى : فقد شبه السيوف بالنيران بجامع

__________________

(١) تعافوا : تكرهوا. نيرانا ـ أى : سيوفا تلمع كأمثال نيران.

الإيضاح ص ٢٦٠.

(٢) انظر الإيضاح ص ٢٦٠.

٣٠٧

فتعلق قوله : تعافوا بكل من العدل والإيمان قرينة على أن المراد بالنيران السيوف لدلالته على أن جواب هذا الشرط : تحاربون وتلجأون إلى الطاعة بالسيوف (أو معان ملتئمة) مربوط بعضها ببعض يكون الجميع قرينة ، لا كل واحد. وبهذا ظهر فساد قول من زعم أن قوله : أو أكثر شامل لقوله : معان فلا يصح جعله مقابلا له وقسيما (كقوله :

______________________________________________________

اللمعان فى كلّ واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة المصرحة (قوله : فتعلق) أى : ارتباط قوله تعافوا بكل .. إلخ ، ظاهره : أن القرينة على أن المراد بالنيران السيوف تعلق الإعافة بكلّ من العدل والإيمان ، وفيه أن الكلام فى القرينة المتعددة وهى لا تكون إلا لفظية والتعلق والارتباط ليس كذلك ، فالأولى أن يقول : فكل واحد من العدل والإيمان باعتبار تعلق الإعافة به قرينة على أن المراد بالنيران السيوف ، وإنما جعل كل واحد قرينة ولم يجعل أحدهما قرينة والآخر تجريدا ؛ لأن مجموع الأمرين بمنزلة الشرط فهما بمنزلة الشرط شىء واحد لكن لو انفرد كل واحد منهما لصح قرينة (قوله : لدلالته) أى : تعلق تعافوا بكل من العدل والإيمان (قوله : تحاربون) أى : محذوف تقديره تحاربون ، وأما قوله : فإن فى أيماننا نيرانا ـ فهو علّة لذلك الجواب المحذوف أقيمت مقامه ، ولو حذف النون من تحاربون وتلجأون لكان حسنا ؛ لأن رفع الجواب إذا كان الشرط مضارعا ضعيف. قال فى الخلاصة :

وبعد ماض رفعك الجزا حسن

ورفعه بعد مضارع وهن

إن قلت : إن المحاربة تكون أيضا بالنار الحقيقية فهلا حملت النيران على حقيقتها ، فيكون القصد تخويفهم بالإحراق. قلت : إن القائل يرى الأخذ بالشريعة وليس فيها إحراق كاره العدل والإيمان ، بل تعذيبه بالسيف (قوله : مربوط) تفسير لملتئمة (وقوله : يكون الجميع) أى : المجموع (وقوله : لا كل واحد) أى : فظهرت مقابلته لقوله : أو أكثر (قوله : فلا يصح جعله مقابلا له) أى : لأنه من أفراده (قوله : وقسيما) عطف مرادف (قوله : كقوله) أى : البحترى من قصيدة من الطويل ، وبعد البيت :

يكاد النّدا منها يفيض على العدا

لدى الحرب تثنى فى قنا وقواضب (١)

__________________

(١) ديوان البحترى ١ / ١٧٩.

٣٠٨

وصاعقة من نصله) أى : من نصل سيف الممدوح (تنكفى بها) من : انكفأ ـ أى : انقلب ـ والباء للتعدية ، والمعنى : رب نار من حدّ سيفه يقلبها (على أرؤس الأقران ...

______________________________________________________

الثنى مصدر ثنيت الشىء أى : ضاعفته ، والقنا : جمع قناة وهى الرمح والقواضب : القواطع (قوله : وصاعقة) يروى بالجر على إضمار رب ، وبالرفع على أنه مبتدأ موصوف بقوله من نصله ، وخبره قوله تنكفى بها ، والصاعقة فى الأصل نار سماوية تهلك ما أصابته تحدث غالبا عند الرعد والبرق (قوله : من نصله) بيان لصاعقة أى : صاعقة هى نصله فجعله صاعقة ، أو المراد صاعقة ناشئة من نصله فكأن لنصله صاعقة تحرق الأعداء ، والأوّل أظهر ، وإلى الثانى ذهب الشارح (قوله : أى : من نصل سيف الممدوح) أشار به إلى أن ضمير نصله للممدوح وفى الكلام حذف مضاف ، ويجوز أن يرجع الضمير للممدوح ولا حذف والإضافة لأدنى ملابسة. قال فى الأطول : والنصل هو حد السيف كما فى الصحاح ، أو نفس السيف الخالى عن المقبض كما فى القاموس ، فقد اختفى المقبض فى يده ـ اه.

وكلام الشارح ظاهر على الأول لا على الثانى إلا أن تجعل إضافة نصل للسيف للبيان ، وعليه فيحتاج لتقدير حدّ ـ تأمل.

(قوله : رب نار) هذا تفسير للصاعقة (وقوله : من حدّ سيفه) فيه إشارة إلى أن النصل هو حد السيف (وقوله : يقلبها) أى : تلك النار وهى نفس السيف ولذا لم يقل يقلب أصلها الذى هو السيف وقوله يقلبها توضيح لكون الباء للتعدية (قوله : على أرؤس الأقران) الأرؤس جمع رأس ، والأقران : جمع قرن وهو المكافئ والمماثل وكلاهما جمع قلّة ، وآثره على جمع الكثرة لما فيه من الإشارة إلى قلّة أكفائه فى الحرب وقلّة أمثاله فيها ، أو إلى الاستخفاف بأمرهم وتقليلهم فى مقابلته ، ولا يخفى ما فيه من اللطف ، أو المراد بأرؤس الأقران جمع الكثرة بقرينة المدح ، إذ كل من الجمعين يستعار للآخر ـ كذا قيل ، وهذا مبنىّ على أن جمع الكثرة موضوع لما فوق العشرة ، أما على أنه موضوع لما فوق الاثنين ، وإن الجمعين إنما يفترقان فى الغاية لا فى المبدأ فلا يستعار جمع الكثرة

٣٠٩

خمس سحائب) (١)

أى : أنامله الخمس التى هى فى الجود وعموم العطايا كالسحائب ، أى : يصبها على أكفائه فى الحرب فيهلكهم بها ، ولما استعار السحائب لأنامل الممدوح ذكر أن هناك صاعقة ، وبيّن أنها من نصل سيفه ، ثم قال : على أرؤس الأقران ، ثم قال : خمس فذكر العدد الذى هو عدد الأنامل فظهر من جميع ذلك أنه أراد بالسحائب الأنامل.

[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين] :

(وهى) أى : الاستعارة (باعتبار الطرفين) المستعار منه ، والمستعار له (قسمان ؛ لأن اجتماعهما) أى : اجتماع الطرفين (فى شىء إما ممكن ، نحو : (فَأَحْيَيْناهُ) فى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٢) أى : ضالّا فهديناه) ...

______________________________________________________

للقلّة. نعم ، يستعار جمع القلّة للكثرة كما هنا (قوله : خمس سحائب) فاعل تنكفى بها وهو من إضافة الصفة للموصوف كما أشار له الشارح بقوله أى : أنامله الخمس ، والمراد العليا فقط ، وإلا فالأنامل كثيرة ، وعبّر الشارح بالأنامل دون الأصابع مع أن الذى يقبض على السيف وينقلب به على الأعداء الأصابع لا الأنامل للمبالغة فى شجاعة الممدوح أى : إنه لشجاعته وقوته لا كلفة عليه ولا مشقّة فى قلب السيف على الأقران بالأنامل ، وهذا إذا أريد بالأنامل حقيقتها ، ويحتمل أنه أراد بالأنامل الخمس الأصابع مجازا وعلى هذا فلا مبالغة (قوله : التى هى فى الجود .. إلخ) أشار بهذا إلى أن البيت فيه من المحسّنات البديعية والاستتباع ، حيث ضمن الشاعر مدح الممدوح بالشجاعة مدحه بالسخاوة (قوله : وعموم العطايا) أخذ العموم من السحائب.

(قوله : فذكر العدد) بتخفيف الكاف أى : ولا شك أن ذكر العدد قرينة على أن المراد بالسحائب الأنامل ، إذ السحائب الحقيقية ليست خمسا فقط (قوله : فظهر من جميع ذلك) أى : من ذكر الصاعقة ومن كونها ناشئة من حدّ سيفه ومن انقلابها على

__________________

(١) للبحترى فى ديوانه ١ / ١٧٩ ، الطراز ١٣ / ١ / ٢٣١ ، ورواية الديوان :

وصاعقة من كفه ينكفى بها

على أرؤس الأعداء خمس سحائب

(٢) الأنعام : ١٢٢.

٣١٠

استعار الإحياء من معناه الحقيقى ـ وهو جعل الشىء حيّا ـ للهداية ـ التى هى الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب ـ ، والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما فى شىء واحد ، وهذا أولى من قول المصنف : إن الحياة والهداية مما يمكن اجتماعهما فى شىء واحد ؛ لأن المستعار منه هو الإحياء ، لا الحياة ، وإنما قال : نحو : أحييناه ؛ لأن الطرفين فى استعارة الميت للضالّ ...

______________________________________________________

أرؤس الأقران ومن كون المنقلب بها خمسا ـ وفى كون مجموع ما ذكر هو الدالّ على أن المراد بالسحائب أنامل الممدوح نظر ، إذ لو أسقط بعضها كلفظ الخمس وأرؤس الأقران بأن يراد بالقلب تحريك السيف باليد فهم المراد على أن إضافة الصاعقة لنصل السيف كاف فى القرينة المذكورة ، فيخالف ما مرّ من قوله : مربوط بعضها ببعض يكون الجميع قرينة ، اللهم إلا أن يراد الدلالة الواضحة البالغة فى الوضوح ، والحاصل : أن الدلالة الواضحة على المراد متوقفة على الجميع ، وهذا لا ينافى كفاية بعضها فى أصل الدلالة على المراد ، وحينئذ فقول الشارح سابقا : مربوط بعضها ببعض يكون الجميع قرينة .. إلخ ناظر للدلالة الواضحة البالغة فى الوضوح لا لأصل الدلالة ـ فلا منافاة.

(قوله : استعار الإحياء) أى : استعار هذه اللفظ (وقوله : للهداية متعلق باستعار) أى : استعاره لها بعد تشبيه الهداية بمعنى الدلالة على طريق توصل بالإحياء بمعنى جعل الشىء حيّا ، وادعاء أنه فرد من أفرادها ، ووجه الشبه بين الإحياء والهداية ترتب الانتفاع والمآثر على كلّ منهما ، كما أن وجه الشبه بين الإماتة والإضلال ترتب نفى الانتفاع على كلّ منهما ، وإنما قال استعار الإحياء مع أن المستعار الفعل أعنى أحييناه ؛ لأن استعارته تبعية لاستعارة المصدر أعنى الإحياء (قوله : مما يمكن اجتماعهما) أى : من الشيئين اللذين يمكن اجتماعهما فى شىء أى : فقد اجتمعا فى الله سبحانه وتعالى فإنه محيى وهادى (قوله : وهذا) أى : قولنا والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما (قوله : أولى من قول المصنف) أى : فى الإيضاح (قوله : لأن المستعار منه هو الإحياء لا الحياة) إن قلت : مقتضى هذا التعليل أن يكون ما قاله المصنف خطأ ، وأن ما قاله الشارح هو الصواب ـ قلت : إنما قال الشارح : وهذا أولى لإمكان أن يقال : مراد المصنف بالحياة الإحياء لكونها أثرا له (قوله : وإنما قال : نحو أحييناه) أى : ولم يقل نحو (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً

٣١١

مما لا يمكن اجتماعهما فى شىء إذ الميت لا يوصف بالضلال.

(ولتسمّ) الاستعارة التى يمكن اجتماع طرفيها فى شىء (وفاقية) لما بين الطرفين من الاتفاق.

(وإما ممتنع) عطف على : إما ممكن (كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم غنائه) ...

______________________________________________________

فَأَحْيَيْناهُ)(١) حتى يكون ميتا داخلا فى التمثيل أيضا (قوله : مما لا يمكن اجتماعهما) أى : فقد اجتمع فى الآية الاستعارتان الوفاقية والعنادية (قوله : إذ الميت لا يوصف بالضلال) أى : لأن الموت عدم الحياة والضلال هو الكفر والميت العادم للحياة لا يتصف بالكفر إلا باعتبار ما كان ، لا حقيقة ؛ لأن الكفر جحد الحق ، والجحد لا يقع من الميت لانتفاء شرطه وهو الحياة (قوله : ولتسم وفاقية) إنما سموها وفاقية لا اتفاقية ؛ لأن وفاقية أنسب بعنادية ، واللام فى قوله : ولتسم : لام الأمر ـ أى : أدع إلى تسميتها وفاقية ، وإنما لم يقل : وتسمى إشعارا بأن هذه التسمية من جهة المصنف لا قديمة (قوله : لما بين الطرفين من الاتفاق) أى : الاجتماع وعدم المباينة ، وكان الأولى أن يقول : لما بين الطرفين من الوفاق ؛ لأن المفاعلة على بابها ، إذ كلّ من الطرفين وافق صاحبه فى الاجتماع معه فى موصوف واحد.

(قوله : كاستعارة اسم المعدوم) أى : وكاستعارة الميت للضالّ ، إذ لا يجتمع الموت والضلال فى شىء ، ثم إن إضافة استعارة للاسم بيانية ، وأما إضافة اسم للمعدوم فيصح جعلها بيانية أيضا ، ويصح جعلها حقيقية بأن يراد بالمعدوم الأمر الغير الموجود ، ويراد باسمه اللفظ الدالّ عليه وهو لفظ معدوم ، وذلك بأن تقول فى زيد الذى لا نفع به : رأيت اليوم معدوما فى المسجد ، أو تقول : جاء المعدوم ونحو ذلك ، فشبه الوجود الذى لا نفع فيه بالعدم ، واستعير العدم للوجود ، واشتق من العدم معدوم بمعنى موجود لا نفع فيه فهو استعارة مصرحة تبعية عنادية ؛ لأن من المعلوم أن الوجود والعدم لا يجتمعان فى شىء. قال فى الأطول : ولا تتوقف استعارة اسم المعدوم للموجود على عدم نفعه أصلا ،

__________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

٣١٢

هو بالفتح : النفع ـ أى : لانتفاء النفع فى ذلك الموجود ـ كما فى المعدوم ، ولا شك أن اجتماع الوجود والعدم فى شىء ممتنع ، وكذلك استعارة اسم الموجود لمن عدم وفقد لكن بقيت آثاره الجميلة التى تحيى ذكره ، وتديم فى الناس اسمه.

(ولتسمّ) الاستعارة التى لا يمكن اجتماع طرفيها فى شىء (عنادية) لتعاند الطرفين وامتناع اجتماعهما.

(ومنها) أى : من العنادية : الاستعارة (التهكّمية ، والتمليحية ـ وهما ما استعمل فى ضده) أى : الاستعارة التى استعملت ...

______________________________________________________

بل يمكن الاستعارة للنافع فى أمر غير نافع فى أمر آخر باعتبار عدم نفعه (قوله : هو بالفتح) أى : والمد وإما بكسر الغين مع المد فهو الترنم بالصوت ، وبكسر الغين مع القصر فاسم لليسار والاستغناء ، وأما بالفتح مع القصر فهو لفظ مهمل (قوله : ولا شك أن اجتماع الوجود) وهو المستعار له أصالة (وقوله : والعدم) أى : وهو المستعار منه أصالة (قوله : وكذلك استعارة اسم الموجود .. إلخ) هذا عكس مثال المصنف فيشبه عدم الشىء مع بقاء آثاره الجميلة بوجوده ويستعار الوجود للعدم ، ويشتق من الوجود موجود بمعنى معدوم بقيت آثاره الجميلة فهو استعارة مصرحة تبعية عنادية ؛ لأن اجتماع الوجود والعدم فى شىء ممتنع.

(قوله : لتعاند الطرفين) أى : تنافيهما (قوله : وامتناع اجتماعهما) عطف تفسير.

إن قلت : إن الوفاق بين الطرفين والعناد بينهما كما يتأتّيان فى الاستعارة يتأتّيان فى التشبيه ، فلم لم يذكرا هناك؟ أجيب بأن المقصود المبالغة ، ولا يخفى أن جعل أحد المتعاندين من جنس الآخر متحدا به أشد مبالغة وغرابة من تشبيه أحدهما بالآخر ـ اه يس.

(قوله : التهكّمية) أى : ما كان الغرض منها التهكّم والهزء والسخرية (قوله : والتمليحية) أى : ما كان الغرض منها إيراد القبيح بصورة شىء مليح للاستظراف (قوله : أى : الاستعارة التى استعملت .. إلخ) أشار بهذا الضابط إلى كلّ من التهكمية والتمليحية ، وحاصله : أن يطلق اللفظ الدال على وصف شريف على ضده : كإطلاق

٣١٣

فى ضد معناها الحقيقى (أو نقيضه ؛ لما مرّ) أى : لتنزيل التضادّ ، أو الناقض منزلة التناسب بواسطة تمليح ، أو تهكم ـ على ما سبق تحقيقه فى باب التشبيه ـ (نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١) أى : أنذرهم ، استعيرت البشارة ـ التى هى الإخبار ...

______________________________________________________

الكريم على البخيل ، والأسد على الجبان ، ولا يصح فيهما إطلاق البخيل على الكريم ، ولا إطلاق الجبان على الأسد ، وقد علمت من هذا أن التهكمية والتمليحية بمعنى ، إلا أن الفارق بينهما من جهة أنه إن كان الغرض الحامل على استعمال اللفظ فى ضد معناه الهزء والسخرية بالمقول فيه كانت تهكمية ، وإن كان الغرض الحامل على ذلك الغرض الحامل على ذلك بسط السامعين وإزالة السآمة عنهم بواسطة الإتيان بشىء مليح مستظرف كانت تمليحية ، فإذا أطلق الأسد على الجبان فقد نزل التضادّ منزلة التناسب تهكّما أو تمليحا ، وشبه الجبان بالأسد بجامع الشجاعة الموجودة فى المشبه ـ وهو الجبان ـ تنزيلا والموجودة فى المشبه به ـ وهو الأسد ـ حقيقة ، واستعير اسم الأسد للجبان استعارة مصرحة (قوله : فى ضدّ معناها الحقيقى أو نقيضه) الضدّان : هما الأمران الوجوديان اللذان لا يجتمعان وقد يرتفعان ، والنقيضان : الأمران اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، وأحدهما وجودىّ والآخر عدمّى (قوله : أى لتنزيل .. إلخ) تفسير لما مرّ (قوله : بواسطة تمليح) أى : الإتيان بشىء مليح مستظرف (وقوله : أو تهكّم) أى : استهزاء وسخرية (قوله : فبشّرهم بعذاب أليم) نزل التضادّ منزلة التناسب فشبه الإنذار بالبشارة بجامع إدخال السرور فى كلّ وإن كان تنزيليّا بالنسبة للمشبه ، واستعير اسم البشارة للإنذار بسبب إدخال الإنذار فى جنس البشارة ، واشتق من البشارة بشّر بمعنى أنذر على طريق الاستعارة التصريحية التبعية التهكمية أو التمليحية العنادية ، فقول الشارح : استعيرت البشارة للنذارة أى : بعد تشبيه النذارة بالبشارة ، ثم إنه إن أريد بالبشارة لفظها لم يصح وصفها بقوله التى هى .. إلخ ، وإن أريد معناها لم يصح الحكم باستعارتها إذ المستعار إنما هو اللفظ ، وقد يجاب بأن المراد الثانى ، لكن فى الكلام حذف مضاف ، والأصل : استعير اسم البشارة الذى هو لفظ البشارة.

__________________

(١) التوبة : ٣٤.

٣١٤

بما يظهر سرورا فى المخبر به ـ للإنذار الذى هو ضده بإدخال الإنذار فى جنس البشارة على سبيل التهكم والاستهزاء وكقولك : رأيت أسدا ـ وأنت تريد جبانا ـ على سبيل التمليح والظرافة ، ولا يخفى امتناع اجتماع التبشير والإنذار من جهة واحدة ، وكذا الشجاعة والجبن.

[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع] :

(و) الاستعارة (باعتبار الجامع) ...

______________________________________________________

(قوله : بما يظهر) أى : بخبر يظهر سرورا (وقوله : فى المخبر به) أى : فى وجه الشخص المخبر بذلك الخبر (قوله : للإنذار) متعلق باستعيرت ، وقوله : الذى هو ضده أى : فهو الإخبار بما يظهر عبوسا فى وجه الشخص المخبر به (قوله : الذى هو ضده) أى : ضد البشارة وتذكير الضمير نظرا لكونها إخبارا أو ضد الإخبار (قوله : بإدخال الإنذار) متعلق باستعيرت أى : بسبب إدخال الإنذار فى جنس البشارة لتنزيل التضادّ منزلة التناسب بواسطة التهكّم أو التمليح (قوله : على سبيل التهكم والاستهزاء) العطف للتفسير وكان عليه أن يزيد" والتمليح" ، وكذا قوله : بعد على سبيل التمليح والظرافة العطف فيه للتفسير ، وكان عليه أن يزيد والاستهزاء ؛ لأن كلا من مثال المتن ومثال الشارح يصلح للتهكم وللتمليح كما علمت (قوله : ولا يخفى : إلخ) هذا بيان لكون الاستعارة فى" وبشّرهم" عنادية (قوله : من جهة واحدة) أى : بحيث يكون المبشر به هو المنذر به والمبشر هو المنذر ، وأما من جهتين فيتأتى بأن يخبرك مخبر بأن فلانا يريد ضربك وكسوتك بعد ذلك (قوله : وكذا الشجاعة والجبن) أى : لا يمكن اجتماعهما من جهة واحدة ، وأما من جهتين فهو ممكن ـ ألا ترى قول الشاعر :

أسد علىّ وفى الحروب نعامة

(قوله : وباعتبار الجامع قسمان) قد يقال : ينبغى أن تكون الاستعارة باعتبار الجامع أربعة أقسام ؛ لأنه إما داخل فى مفهوم الطرفين أو خارج عنهما ، أو داخل فى مفهوم أحدهما وخارج عن مفهوم الآخر ، ويمكن أن يقال : إن المصنف آثر الاختصار فجعلهما قسمين يندرج فيها الأقسام الأربعة.

٣١٥

أى : ما قصد اشتراك الطرفين فيه (قسمان ؛ لأنه) أى : الجامع (إما داخل فى مفهوم الطرفين) المستعار له ، والمستعار منه (نحو : قوله : صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : " خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه (كلّما سمع هيعة طار إليها) أو رجل فى شعفة فى غنيمة له يعبد الله تعالى حتى يأتيه الموت".

______________________________________________________

الأول : أن يكون داخلا فى مفهوم الطرفين ، والثانى : أن لا يكون داخلا فى مفهومهما وهو شامل لما يكون خارجا عنهما وما يكون داخلا فى مفهوم أحدهما خارجا عن مفهوم الآخر ؛ ولعلّه لذلك عبّر فى الثانى بغير داخل لا بخارج عن مفهومهما (قوله : أى ما قصد اشتراك .. إلخ) وهو الذى يسمى فى التشبيه وجه الشبه ؛ لأنه سبب للتشبيه ، وسموه هنا جامعا ؛ لأنه أدخل المشبه تحت جنس المشبه به ادعاء وجمعه مع أفراد المشبه به تحت مفهومه ، واعلم : أن الجامع فى الاستعارة هو متعلق العلاقة ؛ وذلك لأن العلاقة فى قولك : رأيت أسدا لإنسان هو المشابهة فى الشجاعة فالجامع هو الشجاعة ؛ لأن بسببها أدخل المشبه فى جنس المشبه به ادّعاء وجمع مع أفراده تحت مفهومه (قوله : إما داخل فى مفهوم الطرفين) أى : بأن يكون جزءا من مفهومهما لكونه جنسا أو فصلا لذلك المفهوم (قوله : بعنان) هو [بكسر العين] اللجام (قوله : طار إليها) أى : عدا إليها فشبه العدو ـ الذى هو قطع المسافة بسرعة فى الأرض ـ بالطيران ـ الذى هو قطع المسافة بسرعة فى الهواء ـ واستعار اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من الطيران طار بمعنى عدا ، والجامع قطع المسافة بسرعة وهو داخل فى مفهوم كلّ من المستعار له ـ وهو العدو ـ والمستعار منه ـ وهو الطيران ـ ؛ لأنه جنس لكلّ منهما ، وفصل العدو المميز له عن الطيران كونه فى الأرض كما أن الفصل المميز للطيران كونه فى الهواء ، وإسناد الطيران فى الحديث للرجل مجاز عقلى ، والأصل طار فرسه بسعيه إليها (قوله : أو رجل .. إلخ)" أو" للتقسيم فخير الناس مقسم لهذين القسمين ، وليست للترديد.

(قوله : فى شعفة) بفتح الشين المعجمة وتحريك العين المهملة وبعدها فاء (قوله : فى غنيمة) فى بمعنى مع وهو حال من الضمير المستتر فى الظرف ، أو أنها باقية على حالها

__________________

(١) رواه أحمد والترمذي بلفظ فيه اختلاف ، وصححه الألبانى في صحيح الجامع (٢٦٠١).

٣١٦

قال جار الله : الهيعة : الصيحة التى يفزع منها ، وأصلها من : هاع ، يهيع ، إذا جبن. والشّعفة : رأس الجبل ، والمعنى : خير الناس رجل آخذ بعنان فرسه ، واستعد للجهاد فى سبيل الله ، أو رجل اعتزل الناس وسكن فى رؤوس بعض الجبال فى غنم له قليل يرعاها ، ويكتفى بها فى أمر معاشه ، ويعبد الله حتى يأتيه الموت.

استعار الطيران للعدو ، والجامع داخل فى مفهومها (فإن الجامع بين العدو والطيران هو قطع المسافة بسرعة ، وهو داخل فيهما) أى : فى العدو والطيران ، ...

______________________________________________________

بدل من شعفة بدل اشتمال ، والرابط محذوف والتقدير له (قوله : قال جار الله) أى : جار بيت الله الحرام ، والمراد به العلّامة محمود الزمخشرى (قوله : الصيحة) هى الصوت المفزع أى : الموجب للفزع والخوف (فقوله : التى يفزع منها) أى : يخاف من أجلها (قوله : إذا جبن) أى : فالهيعة فى الأصل معناها الجبن ، واستعمالها فى الصيحة مجاز مرسل من استعمال اسم المسبب فى السبب ؛ وذلك لأن الصيحة لما أوجبت الخوف ـ الذى هو الجبن ـ سميت باسمه وهو الهيعة (قوله : واستعد للجهاد) أى : بحيث إذا سمع أصوات المسلمين المجاهدين عند المحاربة والمقاتلة قدم لهم بسرعة ، وأخذ قوله : واستعد للجهاد من قوله : ممسك بعنان فرسه ـ فهو كناية عن الاستعداد للجهاد لاستلزامه إياه (قوله : آخذ بعنان فرسه) يصح قراءته بصيغة اسم الفاعل ، ويرشحه قوله فى الحديث : ممسك ، ويصح قراءته فعلا ماضيا ، ويرشحه قوله بعد : واستعد للجهاد (قوله : فى بعض رؤوس الجبال) أخذ البعضية من المعنى ؛ لأن قوله فى الحديث فى شعفة المراد منه فى أى شعفة ، وليس المراد منه فى كل شعفة لاستحالة ذلك (قوله : قليل) أخذ القلّة من التصغير (قوله : للعدو) أى : عدو الفرس وهو ذهابها للحرب بسرعة.

(قوله : فإن الجامع بين العدو) أى : الذى هو المستعار له (وقوله : والطيران) أى :الذى هو المستعار منه (قوله : وهو) أى : قطع المسافة بسرعة داخل فيهما أى : لأنه جنس من مفهوم كلّ منهما ؛ لأن الطيران قطع المسافة بسرعة فى الهواء ، والعدو : قطع

٣١٧

إلا أنه فى الطيران أقوى منه فى العدو ، والأظهر : أن الطيران هو قطع المسافة بالجناح والسرعة لازمة له فى الأكثر ، لا داخلة فى مفهومه. فالأولى : أن يمثل باستعارة التقطيع الموضوع لإزالة الاتصال بين الأجسام الملتزقة بعضها ببعض ...

______________________________________________________

المسافة بسرعة فى الأرض (قوله : إلا أنه) أى : ذلك الجامع ـ الذى هو قطع المسافة بسرعة ـ فى الطيران أقوى منه فى العدو ، فلذا جعل الطيران مشبها به ، والعدو مشبها لوجوب كون المشبه به أقوى من المشبه فى وجه الشبه الذى هو الجامع (قوله : والأظهر .. إلخ) قصد الشارح المناقشة فى قول المصنف : فإن الجامع هو قطع المسافة بسرعة حيث جعل السرعة جزءا من الجامع الواقع جنسا للطرفين (قوله : والسرعة لازمة له) أى : للطيران (وقوله : فى الأكثر) أى : بالنظر للغالب ، ومن غير الغالب يكون الطيران قطع المسافة بالجناح من غير سرعة (قوله : لا داخلة فى مفهومه) أى : وليست السرعة داخلة فى مفهوم الطيران ، بحيث إنه لا يوجد بدونها بخلاف العدو ، فإن السرعة لازمة له فهو عبارة عن قطع المسافة بسرعة بقوائم ، وحيث كانت السرعة لازمة للطيران وداخلة فى مفهوم العدو فلا يكون الجامع داخلا فى مفهوم الطرفين ؛ لأنه فى أحدهما لازم لا جنس ، وحينئذ فلا يتم ما قاله المصنف من التمثيل ولا ما ذكره بعد ، وإنما عبّر الشارح بالأظهر لإمكان الجواب بأن الملتفت له فى الجامع قطع المسافة فى كلّ لا نفس السرعة ، ولا شك أن قطع المسافة داخل فى مفهوم الطرفين ، أو للإشارة إلى أن كون الطيران ما ذكر ليس قطعيّا (قوله : فالأولى إلخ) عبّر بالأولى لما مرّ من أن مبنى الاعتراض ليس قطعيّا ولإمكان الجواب عنه بما مرّ ؛ ولأن المشاحة فى الأمثلة ليست من دأب المحصلين ؛ لأنها تذكر لإيضاح القاعدة على تقدير صحتها ، لكن الأولى أن تكون صحيحة (قوله : أن يمثل) أى : للاستعارة التى فيها الجامع داخل فى مفهوم الطرفين (قوله : باستعارة التقطيع) أى : باستعارة هذا اللفظ (وقوله : الموضوع لإزالة الاتصال بين الأجسام الملتزقة بعضها ببعض) المناسب لقوله بعد : والجامع إزالة الاجتماع .. إلخ ـ أن يقول الموضوع لإزالة الاجتماع بقيد كون الأشياء المجتمعة ملتزقا بعضها ببعض لأجل أن يظهر كون الجامع المذكور داخلا فى مفهوم التقطيع وإن كان إزالة الاتصال هو فى معنى إزالة الاجتماع ـ تأمل من

٣١٨

لتفريق الجماعة ، وإبعاد بعضها عن بعض فى قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً)(١) ، والجامع إزالة الاجتماع الداخلة فى مفهومها ، وهى فى القطع أشد ،

______________________________________________________

تقرير شيخنا العدوى. (قوله : لتفريق الجماعة وإبعاد بعضها عن بعض) أى : الموضوع لإزالة الاجتماع بقيد كون الأشياء المجتمعة غير ملتزق بعضها ببعض ، والعطف فى قول الشارح : وإبعاد بعضها عن بعض للتفسير.

(قوله : الداخلة فى مفهومهما) أى : فى مفهوم التقطيع والتفريق ، وذلك لما علمت أن مفهوم التقطيع : إزالة الاجتماع بقيد كون الأشياء المجتمعة ملتزقا بعضها ببعض ، وأن مفهوم تفريق الجماعة وإبعاد بعضها عن بعض : إزالة الاجتماع بقيد كون الأشياء المجتمعة غير ملتزقة ، فقد أخذ الجامع ـ وهو إزالة الاجتماع ـ فى حد كلّ منهما على أنه جنس له ، وقيد كون الأشياء المجتمعة ملتزقا بعضها ببعض فصلا فى الأول مميزا له عن الثانى ، وقيد كونها غير ملتزقة فصلا فى الثانى مميزا له عن الأول (قوله : وهى) أى : إزالة الاجتماع فى القطع ـ أشد أى : أقوى لتأثيرها فى الاتصال الأشد ، وتقرير الاستعارة فى الآية المذكورة أن يقال : اعتبر تشبيه التفريق بالتقطيع بجامع إزالة الاجتماع فى كلّ واستعير التقطيع للتفريق ، واشتق من التقطيع قطّعنا بمعنى فرّقنا فهى استعارة تصريحية تبعية (قوله : والفرق .. إلخ) هذا جواب عما يقال : إنهم جعلوا إطلاق التقطيع على تفريق الجماعة استعارة ، وجعلوا إطلاق المرسن ـ الذى هو : اسم لمحل الرسن ـ أعنى : أنف الدابة على أنف الإنسان ـ مجازا مرسلا ، مع أنه قد اعتبر فى كلّ من المعنى الحقيقى للتقطيع ، والمرسن وصف خاصّ به غير موجود فى المعنى المستعمل فيه اللفظ مجازا ؛ وذلك لأن المرسن اعتبر فى المعنى الذى وضع له ذلك اللفظ خصوص كونه أنفا لبهيمة يجعل فيه الرسن ، والتقطيع اعتبر فى المعنى الذى وضع له الالتزاق فى الأشياء التى زال اجتماعها ، وحيث اعتبر فى المعنى الحقيقى لكلّ من اللفظين وصف خاص به لم يوجد فى معناه المجازى فلم جعل إطلاق التقطيع على تفريق الجماعة استعارة وإطلاق المرسن على أنف الإنسان مجازا مرسلا؟ وهلّا جعل كل منهما مجازا مرسلا أو استعارة ، وما الفرق بينهما؟

__________________

(١) الأعراف : ١٦٨.

٣١٩

والفرق بين هذا وبين إطلاق المرسن على الأنف مع أن فى كلّ من المرسن والتقطيع خصوص وصف ليس فى الأنف وتفريق الجماعة ـ هو أن خصوص الوصف الكائن فى التقطيع مرعى فى استعارته لتفريق الجماعة ، بخلاف خصوص الوصف فى المرسن. والحاصل : أن التشبيه هنا منظور ...

______________________________________________________

(قوله : والفرق بين هذا) أى : إطلاق التقطيع على تفريق الجماعة ، حيث جعل استعارة (قوله : وبين إطلاق المرسن على الأنف) أى : على أنف الإنسان حيث جعل مجازا مرسلا (قوله : خصوص وصف) أى : وصفا خاصّا (وقوله : ليس فى الأنف) أى : ليس فى أنف الإنسان ، وهذا راجع لقوله : فى المرسن (وقوله : وتفريق الجماعة) راجع لقوله : والتقطيع ، وأصل العبارة : مع أن فى المرسن وصفا خاصا ليس فى أنف الإنسان ، وكذلك فى التقطيع وصف خاصّ ليس فى تفريق الجماعة ، وقد علمت أن الوصف الخاصّ فى المرسن كونه أنفا لبهيمة يجعل فيه الرسن ، ولا شك أن هذا غير موجود فى أنف الإنسان ، والوصف الخاصّ فى التقطيع التزاق الأجسام التى زال اجتماعها ، ولا شك أن هذا غير موجود فى تفريق الجماعة لما علمت أن التفريق : إزالة الاجتماع بين الأجسام غير الملتزقة (قوله : هو أن خصوص الوصف .. إلخ) هذا خبر عن قوله : والفرق ، وتوضيح ذلك : أن الاستعارة تعتمد التشبيه ، والتشبيه الذى تبنى عليه الاستعارة يقتضى قوة المشبه به عن المشبه فى وجه الشبه ، فالوصف الخاصّ الكائن فى التقطيع لما روعى ولوحظ صار التقطيع بمراعاته أقوى من التفريق فى إزالة الاجتماع ، فصح أن يشبه التفريق ـ الذى هو أضعف ـ بالتقطيع ـ الذى هو أقوى ـ ويدعى أنه من أفراده واستعارة اسمه له ، وأما الوصف الخاص الذى فى المرسن لما لم يلاحظ ، وإنما لوحظ الإطلاق والتقييد لم يكن استعارة ، بل مجازا مرسلا لعدم التشبيه ، فلو لوحظ ذلك الوصف الخاص بحيث يجعل المرسن مشبها به لأجل ذلك الوصف لكان أيضا استعارة كما أن الوصف فى التقطيع إذا لم يلاحظ كان مجازا مرسلا أيضا ، وربما أوهم كلام الشارح أن كون المرسن مجازا مرسلا ، وأن كون التقطيع استعارة أمر لازم وليس كذلك.

(قوله : والحاصل) أى : وحاصل الفرق بين التقطيع والمرسن (قوله : أن التشبيه) أى : أن المشابهة التى هى علاقة الاستعارة ، فاندفع ما يقال : إن الاستعارة مبنية على تناسى التشبيه (قوله : هنا) أى فى استعارة التقطيع لتفريق الجماعة (قوله : منظور) أى :

٣٢٠