حاشية الدسوقي - ج ٣

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٥٣٨

على معنى بنفسه) أى : ليدل بنفسه لا بقرينة تنضمّ إليه. ومعنى الدلالة بنفسه : أن يكون العلم بالتعيين كافيا فى فهم المعنى عند إطلاق اللفظ ، وهذا شامل للحرف أيضا ؛ لأنا نفهم معانى الحروف عند إطلاقها بعد علمنا بأوضاعها إلا أن معانيها ليست تامّة فى أنفسها ، بل تحتاج إلى الغير ، ...

______________________________________________________

(قوله : على معنى) أى : ولو كان لفظا كمدلول كلمة (قوله : أى ليدل بنفسه) أشار إلى أن قوله : بنفسه متعلق بقوله : للدلالة كما يدل عليه قول المصنف فى المجاز ؛ لأن دلالته بقرينة وليس متعلقا بالتعيين وإلا لقدّمه على قوله للدلالة دفعا للإلباس (قوله : لا بقرينة تنضمّ إليه) أى : بحيث تكون تلك القرينة محصلة للدلالة على المعنى وهذا ـ أى : قوله : لا بقرينة تنضم إليه ـ محصلة للدلالة صادق بأن لا يكون هناك قرينة أصلا أو كان هناك قرينة غير محصلة للدلالة على المعنى ، بل معينة للمعنى المراد عند مزاحمة المعانى كما فى المشترك (قوله : ومعنى الدلالة بنفسه) أى : ومعنى دلالة اللفظ المقيدة بكونها بنفسه ، (وقوله : أن يكون العلم بالتعيين) أى : أن يكون علم المخاطب بتعيين اللفظ لذلك المعنى ، (وقوله : كافيا فى فهم المعنى) أى : من ذلك اللفظ (وقوله : عند إطلاق اللفظ) أى : عند ذكره مطلقا عن القرائن المذكورة والظرف متعلق بقوله : كافيا (قوله : وهذا) أى : تعريف وضع اللفظ الذى ذكره المصنف (قوله : شامل للحرف) أى : شامل لوضع الحرف كما يشمل وضع الاسم والفعل.

كلامه عن الحروف ومعانيها

(قوله : لأنا نفهم معانى الحروف) أى : الإفرادية كالابتداء والاستفهام والتعريف ، (وقوله : عند إطلاقها) أى : عند ذكرها مطلقة (وقوله : بعد علمنا بأوضاعها) أى : بأوضاع الحروف لتلك المعانى مثلا إذا علمنا أن" من" موضوعة للابتداء فهمناه منها عند سماعها (قوله : إلا أن معانيها) أى : التى تستعمل فيها (وقوله : ليست تامّة فى أنفسها) أى : ليست مستقلّة بالمفهومية ، بل هى معان جزئية (قوله : بل تحتاج) أى : تلك المعانى المستعملة فيها إلى الغير أى : إلى ذكر الغير وهو المتعلق مع الحروف لفهم تلك المعانى الجزئية ، والحاصل : أن الحرف على مذهب الشارح موضوع لمفهوم كلىّ ولا يستعمل إلا فى جزئىّ من جزئيات

٢٤١

بخلاف الاسم والفعل. نعم ، لا يكون هذا شاملا لوضع الحرف عند من يجعل معنى قولهم : الحرف ما دل على معنى فى غيره ـ أنه مشروط فى دلالته ...

______________________________________________________

هذا المفهوم فهو يدل بنفسه على ما وضع له من المفهوم وذكر المتعلق لفهم الجزئى الذى يستعمل فيه ، وهذا مبنىّ على ما قاله العلّامة الرضى فى قولهم : الحرف كلمة دلت على معنى فى غيرها إن" فى" ظرفية أى : كلمة دلت بنفسها على معنى ثابت فى غيرها فاللام فى قولنا : الرجل مثلا يدل بنفسه على التعريف الذى هو فى الرجل أى : متعلق به وهل فى قولنا : هل قام زيد؟ يدل بنفسه على الاستفهام الذى هو فى جملة قام زيد ، ومن فى قولنا : سرت من البصرة يدل على الابتداء الذى هو فى البصرة وهكذا (قوله : بخلاف الاسم والفعل) أى : فإن معنى كلّ منهما الذى يستعمل فيه تامّ فى نفسه فلا يحتاج فى فهمه منه إلى انضمام الغير له (قوله : لا يكون هذا) أى : تعريف الوضع.

(قوله : عند من يجعل .. إلخ) أى : وهو ابن الحاجب ، وحاصل ذلك : أن ابن الحاجب جعل فى للسببية فى قولهم : الحرف كلمة دلت على معنى فى غيرها أى : بسبب غيرها وهو المتعلق ، فعنده دلالة الحرف على معناه مشروط فيها ذكر متعلقه ، وحينئذ فلا يكون العلم بتعيين الحرف لمعناه كافيا فى فهم معناه منه ، بل لا بدّ من ذكر المتعلق ، فعلى هذا القول لا يكون تعريف الوضع الذى ذكره المصنف شاملا لوضع الحرف ، والحاصل : أن الحرف فيه مذهبان ـ أحدهما : أنه يدل بنفسه ، والثانى : أنه لا يدل إلا بضميمة غيره ، فعلى الأول يكون تعريف المصنف للوضع شاملا لوضع الحرف لا على الثانى ، ومنشأ هذا الخلاف قول النحاة : الحرف : ما دل على معنى فى غيره ، فقال الرضى : إن فى للظرفية وأن المعنى ما دل بنفسه على معنى قائم بغيره ، فالحرف دالّ على المعنى بنفسه إجمالا ، ولكن ذلك المعنى الذى دلّ عليه الحرف لا يتم ولا يتعين إلا بذكر المتعلق لقيامه به ، وقال ابن الحاجب : إن" فى" سببية وأن المعنى ما دل على معنى بسبب غيره فهو لا يدل على المعنى بذاته ، بل حتى يذكر المتعلق فمن مثلا يفهم منها الابتداء ، ولكن لا يعلم تعينه إلا بذكر السير والبصرة مثلا على الأول ، وعلى الثانى الدالّ على الابتداء من بشرط ذكر السير والبصرة مثلا.

٢٤٢

على معناه الإفرادى ذكر متعلقه.

(فخرج المجاز) عن أن يكون موضوعا بالنسبة إلى معناه المجازى (لأن دلالته) على ذلك المعنى إنما تكون (بقرينة) لا بنفسه (دون المشترك) فإنه لم يخرج ؛

______________________________________________________

الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

(قوله : على معناه الإفرادى) أى : كدلالة من على الابتداء ولم على النفى وهل على الاستفهام ، وقيد بالإفرادى ؛ لأن اشتراط الغير فى الدلالة على المعنى التركيبى مشترك بين الحرف والاسم ـ ألا ترى أن دلالة زيد فى قولك : جاءنى زيد على الفاعلية بواسطة جاءنى ودلالة الضمير على المفعولية بواسطة ذكر الفعل والفاعل ، والحاصل : أن اشتراط الغير فى الدلالة على المعنى الإفرادى مختصّ بالحرف ، وأما اشتراطه فى الدلالة على المعنى التركيبى فهو مشترك بين الاسم والحرف ؛ فلذا قيد الشارح المعنى بكونه إفراديّا ـ ا. ه فنرى.

والمعنى التركيبى : هو ما دلّ عليه اللفظ بسبب التركيب (قوله : فخرج المجاز) هذا مفرع على التقييد بقوله : بنفسه أى : فباعتبار هذا القيد خرج اللفظ المجازىّ عن كونه موضوعا بالنسبة لمعناه المجازى أى : وإن كان موضوعا بالنسبة لمعناه الحقيقىّ وفى كلام المصنف مسامحة ، إذ الخارج بالقيد المذكور فى الحقيقة إنما هو تعيين المجاز عن كونه وضعا ، فقول المصنف : فخرج المجاز على حذف مضاف أى : خرج تعيين المجاز ، وقول الشارح : عن أن يكون موضوعا مجاراة لظاهر المصنف من أن الخارج نفس المجاز ـ فتأمل.

وكما خرج تعيين المجاز عن كونه وضعا خرج أيضا تعيين الكناية بناء على أنها غير حقيقة ؛ لأن كلّا من المجاز والكناية إنما يدل على المعنى بواسطة القرينة ، وإن كانت القرينة فى المجاز مانعة وفى الكناية غير مانعة.

(قوله : إنما تكون بقرينة) أى : بواسطة قرينة فالدالّ اللفظ بواسطة القرينة (قوله : دون المشترك) حال من المجاز أى : حالة كون المجاز مغاير للمشترك (قوله : فإنه لم يخرج) أى : فهو حقيقة ولو استعمل فى معنييه بناء على جوازه ، وقال بعضهم : إنه يكون مجازا فى هذه الحالة فإن كان المصنف يقول بذلك حمل قوله دون المشترك على ما

٢٤٣

لأنه قد عين للدلالة على كلّ من المعنيين بنفسه ، وعدم فهم أحد المعنيين لعارض الاشتراك لا ينافى ذلك ؛ فالقرء ـ مثلا ـ عيّن مرة للدلالة على الطهر بنفسه ، ومرة أخرى للدلالة على الحيض بنفسه فيكون موضوعا ، وفى كثير من النسخ بدل قوله : دون المشترك : دون الكناية ، وهو سهو ؛ لأنه إن أريد أن الكناية بالنسبة إلى معناها الأصلى موضوعة فكذا المجاز ضرورة أن الأسد فى قولنا : رأيت أسدا يرمى ـ موضوع للحيوان المفترس ، وإن لم يستعمل فيه. وإن أريد أنها موضوعة بالنسبة إلى معنى الكناية ـ أعنى : لازم المعنى الأصلى ـ ففساده ظاهر ؛ لأنه لا يدل عليه بنفسه ، بل بواسطة القرينة.

______________________________________________________

إذا استعمل فى أحدهما ، والمراد بالمشترك ما وضع لمعنيين أو أكثر وضعا متعددا اتحد واضعه أو تعدد (قوله : لأنه قد عين للدلالة على كلّ من المعنيين بنفسه) أى : لفهمهما منه بدون القرينة وحينئذ فقرينته إنما هى لتعيين المراد وفهمه بخصوصه بخلاف المجاز ، فإن القرينة فيه محتاج إليها فى نفس الدلالة على المعنى المجازىّ (قوله : أحد المعنيين) أى : على أنه مراد (قوله : بالتعيين) أى : حالة كون ذلك الأحد ملتبسا بالتعيين (قوله : لعارض الاشتراك) إضافته بيانية أى : لعارض هو اشتراك المعانى فى ذلك اللفظ الذى عيّن للدلالة عليها وهو علّة لعدم الفهم (قوله : لا ينافى ذلك) أى : تعيينه للدلالة على كلّ من المعنيين بنفسه ، والجملة خبر عن قوله : وعدم فهم .. إلخ (قوله : فيكون موضوعا) أى : فيكون المشترك موضوعا لكلّ منهما بوضعين على وجه الاستقلال فإذا استعمل فى أحدهما واحتيج إلى القرينة المعينة للمراد لم يضرّ ذلك فى كونه حقيقة ؛ لأن الحاجة إلى القرينة فيه لتعيين المراد لا لأجل وجود أصل الدلالة على المراد (قوله : وهو سهو) أى : من الناسخ أو من المصنف (قوله : إن أريد أن الكناية) أى : اللفظ الكنائى.

(قوله : فكذا المجاز) أى : وحينئذ فلا وجه لخروج المجاز عن كونه موضوعا دون الكناية (قوله : وإن أريد أنها) أى : الكناية بمعنى اللفظ الكنائىّ (قوله : لأنه لا يدل عليه بنفسه) أى : لأنه لو كانت الكناية موضوعة للازم المذكور لكانت الكناية خارجة عن فن البيان ؛ لأن دلالتها حينئذ ليست عقلية ، بل وضعية (قوله : بل بواسطة القرينة) أى :

٢٤٤

لا يقال : معنى قوله : بنفسه أى : من غير قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له ، أو من غير قرينة لفظية ؛ فعلى هذا يخرج من الوضع المجاز دون الكناية ؛ لأنا نقول : أخذ الموضوع فى تعريف الوضع فاسد للزوم الدور ، ...

______________________________________________________

فالقرينة فى الكناية من جملة الدالّ كالمجاز ، وحينئذ فلا وجه لإخراج أحدهما دون الآخر (قوله : لا يقال) أى : فى الجواب عن المصنف على هذه النسخة أولا يقال فى دفع السهو عليها ، وحاصله جوابان : ـ تقرير الأول : أن يقال : نختار الاحتمال الثانى ولا نسلم ما ذكره من الفساد ، ومعنى قوله : فى تعريف الوضع بنفسه أى : من غير قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له وليس معناه من غير قرينة مطلقا كما تقدم ، وحيث كان معناه ما ذكر فيخرج المجاز دون الكناية ؛ لأن المجاز فيه تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بواسطة القرينة المانعة عن إرادة الموضوع له ، وأما الكناية ففيها تعيين اللفظ ليدل بنفسه لا بواسطة القرينة المانعة ؛ لأن القرينة فيها ليست مانعة عن إرادة الموضوع له ، فيجوز فيها أن يراد من اللفظ معناه الأصلى ولازم ذلك المعنى فقول المعترض : لأنه لا يدل عليه بنفسه ، بل بواسطة القرينة ممنوع. وتقرير الثانى : أن يقال : نختار الثانى ولا نسلم ما ذكر من الفساد ومعنى قوله : فى تعريف الوضع بنفسه أى : من غير قرينة لفظية ، وحينئذ فيخرج المجاز دون الكناية ؛ لأن المجاز قرينته لفظية والكناية قرينتها معنوية فقول المعترض : لأنه لا يدل عليه بنفسه ، بل بواسطة القرينة مسلم ، لكن المراد القرينة المعنوية لا اللفظية المعتبرة فى المجاز ـ فتأمل.

(قوله : فعلى هذا) أى : ما ذكر من الجوابين (قوله : لأنا نقول .. إلخ) هذا ردّ للجواب الأول (وقوله : وكذا حصر .. إلخ) رد للجواب الثانى.

(قوله : أخذ الموضوع) أى : اللازم من كون المراد قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له (قوله : للزوم الدور) وذلك لتوقف معرفة الوضع على معرفة الموضوع لأخذه جزءا فى تعريفه ، وتوقف معرفة الموضوع على معرفة الوضع ؛ لأن الموضوع مشتق من الوضع ومعرفة المشتق متوقفة على معرفة المشتق منه ، نعم لو قيل : إن معنى قوله بنفسه أى : من غير قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلى لاندفع الدّور لكن ذلك لا يفهم

٢٤٥

وكذا حصر القرينة فى اللفظى ؛ لأن المجاز قد تكون قرينته معنوية.

لا يقال : معنى الكلام : أنه خرج عن تعريف الحقيقة المجاز دون الكناية ، فإنها أيضا حقيقة ـ على ما صرح به صاحب المفتاح ـ ؛ لأنا نقول هذا فاسد ...

______________________________________________________

من عبارة التعريف ـ كذا فى الأطول. قال العلّامة القاسمى : التعريف المذكور لا يفهم منه بطريق المخالفة سوى نفى الوضع عن تعيين اللفظ للدلالة على معنى لا بنفسه ، بل بانضمام شىء آخر إلى النفس ، وهذا المقدار لك أن تعبر عنه بعبارات شتّى منها أن تقول : معنى قوله بنفسه أى : من غير انضمام شىء آخر إليه ، أو من غير انضمام قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلى ، أو من غير قرينة مانعة مما عين له أولا ، ونحو ذلك مما لم يعبر فيه بالموضوع له الذى عبّر به الشارح اللازم عليه الدّور على أن لك أن تقول : إن الدور مدفوع ، ولو صرح بالموضوع فى التعريف ؛ لأن المراد به ذات الموضوع لا مع وصف الوضع فالواجب لضرورة التعريف بالموضوع إدراكه ، لكن إدراكه ممكن بغير وصف الموضوعية وهذا الدفع للدور نظير الدفع فى تعريف العلم بأنه معرفة المعلوم (قوله : وكذا حصر القرينة فى اللفظى) أى : الذى هو مقتضى قولكم من غير قرينة لفظية لإخراج المجاز دون الكناية فإنه يقتضى أن قرينة المجاز دائما لفظية وهو فاسد ؛ لأن قرينة المجاز قد تكون معنوية ، وحينئذ فيكون داخلا فى التعريف فكيف يخرجه؟ أى : والكناية قد تكون قرينتها لفظية ، وحينئذ فتكون خارجة منه فكيف يدخلها فيه؟ والحاصل : أن الجواب الثانى يستلزم انحصار قرينة المجاز فى اللفظية ، وكذا يستلزم انحصار قرينة الكناية فى غير اللفظية وكلّ منهما ممنوع ؛ فقد تكون قرينة المجاز معنوية فيكون داخلا فى التعريف فلا يصح إخراجه حينئذ منه وقد تكون قرينة الكناية لفظية فتكون خارجة من التعريف فلا يصح إدخالها حينئذ فيه (قوله : لا يقال) أى : فى الجواب عن المصنف على نسخة فخرج المجاز دون الكناية إن معنى كلامه أنه خرج .. إلخ ، وحاصله : أن معنى قوله : فخرج المجاز دون الكناية على التوجيه السابق : أنه خرج التعيين الذى فى المجاز عن تعريف الوضع دون التعيين الذى فى الكناية فإنه لم يخرج وقد تبيّن فساده ، وأما على هذا التوجيه فمعناه فخرج المجاز عن تعريف الحقيقة دون الكناية فإنها لم تخرج من

٢٤٦

على رأى المصنف ؛ لأن الكناية لم تستعمل فيما وضع له ، بل إنما استعملت فى لازم الموضوع له مع جواز إرادة الملزوم ، وسيجىء لهذا زيادة تحقيق.

______________________________________________________

تعريفها ؛ لأنها من أفراد الحقيقة لاستعمالها فى الموضوع له عند السكاكى وهذا الجواب مبنىّ على أن قوله : فخرج مفرع على تعريف الحقيقة لا على تعريف الوضع بخلاف الجواب الأول (قوله : على رأى المصنف) أى : وإن كان صحيحا على رأى السكّاكى.

(قوله : لم تستعمل فيما وضع له) أى : عند المصنف خلافا للسكاكى ؛ لأنه يقول : الكناية لفظ استعمل فى معناه مرادا منه لازم ذلك المعنى فهى عنده حقيقة لاستعمال اللفظ فى معناه وإن أريد منه لازم ذلك المعنى ، وأما عند المصنف فهى واسطة بين الحقيقة والمجاز (قوله : مع جواز إرادة الملزوم) أى : الموضوع له ، ومن المعلوم أن مجرد جواز إرادة الملزوم لا يوجب كون اللفظ مستعملا فيه (قوله : وسيجىء) أى : فى باب الكناية تحقيق ذلك أى : تحقيق أن إرادة الملزوم ـ وهو المعنى الحقيقى ـ فى الكناية جائز لا لازم ، والمفتاح يفيد ذلك فى مواضع وفى موضع آخر يفيد اللزوم.

(قوله : والقول .. إلخ) قال فى الأطول لما عرف المصنف الوضع بتعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه ، واقتضى ذلك إثبات الوضع وينافيه ما ذهب إليه البعض من أن دلالة اللفظ على المعنى لذاته ؛ لأنه يلغو الوضع ، بل فى تعريفه بتعيين اللفظ للدلالة تحصيل الحاصل عقبه بقوله : والقول .. إلخ. فقول الشارح فى المطول : هذا ابتداء بحث ليس كذلك ، وحاصل ما فى المقام : أن دلالة اللفظ على معنى دون معنى لا بدّ لها من مخصص لتساوى نسبته إلى جميع المعانى ، فذهب المحققون إلى أن المخصص لوضعه لهذا المعنى دون ذاك هو إرادة الواضع ، والظاهر : أن الواضع هو الله تعالى على ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعرى : من أنه تعالى وضع الألفاظ ووقف عباده عليها تعليما بالوحى أو بخلق الأصوات والحروف فى جسم وإسماع ذلك الجسم واحدا أو جماعة من الناس ، أو بخلق علم ضرورىّ فى واحد أو جماعة ، وذهب عباد بن سليمان الصيمرى ومن تبعه إلى أن المخصص لدلالة هذا اللفظ على هذا المعنى دون غيره من المعانى ذات الكلمة يعنى أن بين اللفظ والمعنى مناسبة طبيعية تقتضى دلالة اللفظ على هذا المعنى ، فكل من سمع اللفظ

٢٤٧

[إنكار الوضع] :

(والقول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد) يعنى : ذهب بعضهم إلى أن دلالة الألفاظ على معانيها لا تحتاج إلى الوضع ، بل بين اللفظ والمعنى مناسبة طبيعية تقتضى دلالة كل لفظ على معناه لذاته. فذهب المصنف وجميع المحققين إلى أن هذا القول فاسد ما دام محمولا على ما يفهم منه ظاهرا ؛ لأن دلالة اللفظ على المعنى لو كانت لذاته ، كدلالته على اللافظ لوجب أن لا تختلف اللغات باختلاف الأمم ، وأن يفهم كل أحد معنى كل لفظ لعدم انفكاك المدلول عن الدليل ،

______________________________________________________

فهم معناه لما بينهما من المناسبة الذاتية ولا يحتاج فى دلالته على معناه للوضع للاستغناء عنه بالمناسبة الذاتية التى بينهما. قال المصنف : وهذا القول ظاهره فاسد وسيأتى تأويله (قوله : بدلالة اللفظ) أى : على معناه (وقوله : لذاته) أى : لا لوضعه له إذ لا وضع (قوله : ذهب بعضهم) أى : وهو عباد بن سليمان الصيمرى من المعتزلة (قوله : لا تحتاج للوضع) أى : التعيين (قوله : طبيعية) أى : ذاتية (قوله : على ما يفهم منه) أى : وهو عدم الاحتياج للوضع ؛ لأن دلالة اللفظ لذاته (قوله : كدلالته على اللافظ) أى : على وجوده وحياته ، فإن هذه الدلالة لذات اللفظ ؛ لأنها عقلية لا تنفكّ أصلا (قوله : لوجب أن لا تختلف اللغات) أى : فى معنى اللفظ الواحد ؛ لأن ما بالذات لا يختلف ، لكن اللازم باطل فبطل الملزوم ، وبيان بطلان اللازم : أن لفظ" سو" معناه بالتركية ماء وبالفارسية جانب آب وبالعربية قبيح ، فلو كان بين هذا اللفظ وبين معنى من هذه المعانى مناسبة ذاتية تغنى عن وضعه لما اختلفت اللغات فى معناه ، بل كانت تتفق على المعنى الموجود فيه المناسبة.

(قوله : وأن يفهم كل أحد) عطف على قوله : أن لا تختلف أى : ولوجب أن يفهم كل أحد معنى كل لفظ أى .. بحيث إنه متى سمع إنسان أىّ لفظ كان فهم معناه ولا يتعسر عليه ولا يحتاج لسؤال الترك مثلا عن معنى كلامهم ، لكن اللازم باطل فبطل الملزوم (وقوله : لعدم .. إلخ) بيان للملازمة التى احتوت عليها الشرطية (قوله : لعدم انفكاك المدلول عن الدليل) أى : لأن الدليل ما يلزم من العلم به العلم بشىء آخر الذى هو

٢٤٨

ولامتنع أن يجعل اللفظ بواسطة القرينة بحيث يدل على المعنى المجازى دون الحقيقى ؛ لأن ما بالذات لا يزول بالغير.

ولامتنع نقله من معنى إلى معنى آخر بحيث لا يفهم منه عند الإطلاق إلا المعنى الثانى.

(وقد تأوله) أى : القول بدلالة اللفظ لذاته (السكاكى) أى : صرفه عن ظاهره ، ...

______________________________________________________

المدلول (قوله : ولامتنع أن يجعل اللفظ .. إلخ) يعنى أن لفظ المجاز مع القرينة يمتنع فهم المعنى الحقيقى منه ، فإن أسدا مع يرمى لا يفهم منه المعنى الحقيقى أصلا فلو كان اللفظ دالّا بذاته فلا يكون أسد دالّا إلا على المعنى الحقيقى (قوله : ولامتنع نقله .. إلخ) أى : لأنه يدل على معناه بذاته وطبيعته بالذات لا يزول (قوله : بحيث لا يفهم .. إلخ) كما فى الأعلام المنقولة وغيرها من المنقولات الشرعية والعرفية كزيد والصلاة والدابّة ، فلو كانت دلالة اللفظ على المعنى لذاته لامتنع نقل لفظ زيد من المصدرية للعلمية ، ونقل لفظ صلاة من الدعاء إلى الأفعال والأقوال المخصوصة ، ونقل لفظ دابّة من كل ما دبّ على وجه الأرض لذوات الأربع ، لكن اللازم باطل فكذا الملزوم ، والحاصل : أن دلالة اللفظ على معناه لو كانت لذاته للزم عليه أمور أربعة كلها باطلة ، واعلم أن اللازم الأول : نظر فيه للغة ، والثانى : نظر للأشخاص وإن كان لازما لما قبله ، والثالث : نظر فيه للقرائن ، والرابع : نظر فيه للحقائق المنقولة ، وإذا علمت أن اللوازم أربعة تعلم أنه كان الأولى للشارح إعادة اللازم فى قوله : وأن يفهم كل أحد .. إلخ كما فعل فى بقية المعطوفات ؛ لأن ترك إعادته يشعر بأن قوله وأن يفهم .. إلخ من تتمّة ما قبله تفسير له كما قيل ـ اه سم.

(قوله : أى صرفه عن ظاهره) أى : حمله على خلاف الظاهر منه ؛ وذلك لأنه قال معنى قوله : يدل لذاته أن فيه وصفا ذاتيّا يناسب أن يوضع بسببه لمعنى دون آخر ، لا أن المناسبة بسببها يدل اللفظ على المعنى بدون الوضع كما هو ظاهر ، واعلم أن هذا التأويل خلاف المصحح نقله عن عباد والمصحح فى النقل عنه هو ظاهر من كلامه.

٢٤٩

وقال : إنه تنبيه على ما عليه أئمة علمى الاشتقاق والتصريف من أن للحروف فى أنفسها خواصّ بها تختلف ، كالجهر والهمس ، ...

______________________________________________________

قال فى جمع الجوامع وشرحه للعلّامة المحلى ما نصه : ولا يشترط مناسبة اللفظ للمعنى خلافا لعباد الصيمرى حيث أثبتها بين كل لفظ ومعناه. قال : وإلا فلم اختص به؟ فقيل : بمعنى أنها حاملة على الوضع على وفقها فيحتاج إليه ، وقيل : بل بمعنى أنها كافية فى دلالة اللفظ على المعنى فلا يحتاج إلى الوضع يدرك ذلك من خصّه الله تعالى به كما فى القافة ويعرفه غيره منه ، قال القرافى : حكى أن بعضهم يدّعى أنه يعرف المسميات من الأسماء فقيل له : ما مسمى" آدغاغ" وهو من لغة البربر؟ فقال : أجد فيه يبسا شديدا وأراه اسم الحجر وهو كذلك. قال الأصفهانى : والثانى هو الصحيح عن عباد ـ اه. بلفظهما ، فأنت تراه كيف نقل القولين وصحح الثانى منهما عن عباد وهو يخالف تأويل السكاكى؟ (قوله : وقال : إنه) أى : القول المذكور (قوله : تنبيه) أى : ذو تنبيه أو المصدر بمعنى اسم الفاعل (قوله : علمى الاشتقاق والتصريف) هذا يدل على أن كلّا منهما علم على حدته وهو الحق لامتياز موضوع كل منهما عن موضوع الآخر بالحيثية المعتبرة فى موضوعات العلوم ، فعلم التصريف يبحث عن مفردات الألفاظ من حيث أصالة حروفها وزيادتها وصحتها واعتلالها وهيئاتها ، وعلم الاشتقاق يبحث عن مفردات الألفاظ من حيث انتساب بعضها إلى بعض بالأصالة والفرعية ـ كذا ذكره السيد فى شرح المفتاح. قال الفنرى : وفيه أن هذا منقوض بالكلمات المغيرة عن أصلها بالإبدال ونحوه كما يقال فى قال أصله : قول ، فإن هذا من علم الصرف مع أن فيه البحث عن انتساب أحدهما إلى الآخر بالأصالة والفرعية ، وأجيب بأن مراده الأصالة والفرعية المخصوصان أى : اللذان بحسب اللفظ والمعنى ولا يوجدان فى : قال وقول ، وأمليت وأمللت لاتحاد معناهما بخلاف الفعل والمصدر تأمل.

[كلامه عن صفات الحروف] :

(قوله : من أن للحروف .. إلخ) هذا بيان لما عليه أئمة الاشتقاق (قوله : فى أنفسها) أى : باعتبار ذواتها (قوله : خواصّ) أى : صفات (وقوله : بها) أى : بسببها (قوله : كالجهر)

٢٥٠

والشدة والرخاوة ، والتوسط بينهما ، وغير ذلك. وتلك الخواص تقتضى أن يكون العالم بها إذا أخذ فى تعيين شىء مركب منها لمعنى لا يهمل التناسب بينهما قضاء لحق الحكمة ، كالفصم [بالفاء] الذى هو حرف رخو ، ...

______________________________________________________

هو خروج الحرف بصوت قوىّ ويعلم ذلك بالوقف على الحرف بعد همزة : كأب وأخ ، والهمس : هو خروج الحرف بصوت غير قوىّ ، والحروف المهموسة يجمعها قولك : " فحثه شخص سكت" وما عداها مجهور (قوله : والشدة والرخاوة) الشدة : انحصار صوت الحرف عند إسكانه فى مخرجه انحصارا تامّا فلا يجرى فى غيره ، والرخاوة : عدم انحصار صوت الحرف فى مخرجه عند إسكانه فيجرى الصوت فى غير مخرجه جريا تامّا ، والتوسط : أن لا يتم الانحصار والجرى ، والحروف الشديدة يجمعها قولك : " أجد قط بكت" ، والمتوسطة بين الشديدة والرخوة يجمعها قولك" لن عمر" وما عداها حروف رخوة (قوله : وغير ذلك) أى : كالاستعلاء والاستفال والتصحيح والإعلال.

(قوله : وتلك الخواص) أى : الأوصاف (قوله : إذا أخذ فى تعيين شىء) أى : إذا أخذ فى وضع لفظ وقوله مركب منها أى : من هذه الحروف (قوله : لمعنى) متعلق بتعيين (قوله : بينهما) أى : بين الحروف ، والمعنى : فيضع مثلا اللفظ المبدوء بحرف فيه رخاوة لمعنى فيه رخاوة وسهولة : كالفصم [بالفاء] الذى هو حرف رخو ، فإنه قد وضع لكسر الشىء بلا بينونة وانفصال ؛ لأنه أسهل مما فيه بينونة ، ويضع اللفظ المبدوء بحرف فيه شدة لمعنى فيه شدة كالقصم [بالقاف] الذى هو حرف شديد فإنه قد وضع لكسر الشىء مع بينونة ؛ لأن الكسر مع البينونة أشد من الكسر بلا بينونة ويضع ما فيه حرف استعلاء لما فيه علو وضده لضده وعلى هذا القياس (قوله : قضاء لحق الحكمة) الإضافة بيانية أى : أداء لحكمة اتّصاف الحروف بتلك الخواصّ وليست هذه الخواصّ علّة مقتضية لذاتها هذه المعانى فإنه خرق للإجماع. قال العلّامة الفنرى : ولا يخفى أن اعتبار التناسب بين اللفظ والمعنى بحسب خواصّ الحروف والتركيبات إنما يظهر فى بعض الكلمات كما ذكره ، وأما اعتباره فى جميع كلمات لغات واحدة فمتعذر فما ظنك باعتباره فى كلمات جميع اللغات!! قال الشيخ يس : وعبارة الجوينى فى المسألة : هل للحروف فى الكلمات خواصّ

٢٥١

لكسر الشىء من غير أن يبين ، والقصم [بالقاف] : الذى هو حرف شديد لكسر الشىء حتى يبين.

وأن لهيئات تركيب الحروف أيضا خواصّ ؛ كالفعلان والفعلى [بالتحريك] لما فيه حركة ، كالنّزوان والحيدى ، وكذا باب : فعل [بالضم] مثل : شرف ، وكرم للأفعال الطبيعية اللازمة.

______________________________________________________

تحمل على وضعها لمعانيها أو وضعت لمعانيها اتفاقا؟ فوضع الباب لمعنى والناب [بالنون] لمعنى آخر ولو عكس لم يمتنع ، ونبنى المسألة على مسألة حكمية وهى أن الفاعل المختار هل يشترط فى اختياره وجود مرجح أو لا؟ والأظهر لا. كاختيار الجائع لدفع جوعه أحد الرغيفين (قوله : لكسر الشىء) أى : الذى وضع لكسر الشىء (وقوله : من غير أن يبين) أى : ينفصل ذلك الشىء (قوله : حتى يبين) أى : ولا شكّ أن كسر الشىء مع البينونة أشد وأقوى من الكسر الذى لا بينونة فيه (قوله : وأن لهيئات .. إلخ) عطف على قوله : أن للحروف فى أنفسها خواص ، (فقوله : أيضا) أى : كما أن للحروف فى أنفسها خواص وهذا بيان لما عليه أئمة التصريف (قوله : بالتحريك) أى : تحريك العين (قوله : لما فيه حركة) أى : فإنهما وضعا لما فيه حركة (قوله : كالنزوان) أى : فإنه مشتمل على هيئة حركات متوالية فيناسب ما فيه حركة ؛ ولذلك وضع لضراب الذكر ونزوه على الأنثى وهو من جنس الحركة (قوله : والحيدى) أى : فإنه مشتمل على هيئة حركات متوالية فلذا وضع للحمار الذى له نشاط فى حركاته وخفته حتى إنه إذا رأى : ظلّه ظنّه حمارا حاد منه أى : فر منه ليسبقه لنشاطه ، وفى الفنرى : الحيدى : صفة مشتقة من حاد إذا مال ـ يقال ـ حمار حيدى أى : مائل عن ظلّه لنشاطه (قوله : وكذا باب فعل) عطف على قوله كالفعلان (قوله : للأفعال الطبيعية) أى : الذى وضع للأفعال الطبيعية ؛ وذلك لأن الضمّ يناسب عدم الانبساط فجعل دالّا على أفعال الطبيعة اللازمة لذواتها ـ قاله ابن يعقوب ، وفى شرح السيد للمفتاح : وقيل الضم يحتاج إلى انضمام الشفتين فناسب أن يكون مدلوله مضمونا مع الشخص أى : لازما له.

٢٥٢

(والمجاز) فى الأصل [مفعل] من : جاز المكان يجوزه ، إذا تعداه ، نقل إلى الكلمة الجائزة ـ أى : المتعدية ـ مكانها الأصلى ، أو المجوز بها [على معنى أنهم جازوا بها وعدوها مكانها الأصلى] ـ كذا فى أسرار البلاغة.

وذكر المصنف : أن الظاهر من قولهم : جعلت كذا مجازا إلى حاجتى ـ أى : طريقا لها ، ...

______________________________________________________

بداية الكلام عن المجاز

(قوله : فى الأصل مفعل) أى : أنه باعتبار أصله مصدر ميمىّ على وزن مفعل ، فأصله مجوز نقلت حركة الواو للساكن قبلها ، ثم تحركت الواو بحسب الأصل ، وانفتح ما قبلها بحسب الآن فصار مجازا ؛ لأن المشتقات تتبع الماضى المجرد فى الصحة والإعلال وهم قد أعلّوا فعله الماضى وهو جاز فلذلك أعلّوا المجاز (قوله : من جاز المكان) أى : مشتق من جاز المكان ، وهذا ظاهر على أن الاشتقاق من الأفعال كما يقول الكوفيون ، وأما على مذهب البصريين من أن الاشتقاق من المصدر فيقدر مضاف أى : مشتق من مصدر جاز وهو الجواز ؛ لأن المصدر المزيد يشتق من المجرد ويصح أن يقدر مأخوذ من جاز المكان ، ودائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق (قوله : نقل) أى : لفظ مجاز فى الاصطلاح إلى الكلمة .. إلخ ، وحاصله : أن لفظ مجاز فى الأصل مصدر معناه الجواز والتعدية ، ثم إنه نقل فى الاصطلاح من المصدرية إلى الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له باعتبار أنها جائزة ومتعدية مكانها الأصلى فيكون اسم فاعل ، أو باعتبار أنها مجوز بها ومتعدىّ بها مكانها الأصلى فيكون اسم مفعول ، إذا علمت هذا فقول الشارح الجائز بيان للمناسبة بين المنقول والمنقول إليه لا أنه من تتمّة المنقول إليه ؛ لأن المنقول إليه الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له ، فمراد الشارح : أنه نقل إلى الكلمة باعتبار كونها جائزة ومتعدية مكانها الأصلى ، وكذا يقال فى قوله الآتى : أو المجوز بها أى : أو نقل إلى الكلمة باعتبار كونها مجوزا بها (قوله : على معنى .. إلخ) أى : حالة كون الكلمة المجوز بها ملتبسة بمعنى أنهم .. إلخ وأتى الشارح بهذا إشارة إلى أن الباء فى قوله : المجوز بها للتعدية لا للسببية (قوله : وذكر المصنف .. إلخ) حاصله : أن لفظ مجاز فى الأصل مصدر ميمىّ بمعنى مكان

٢٥٣

على أن معنى" جاز المكان" : سلكه ، فإن المجاز طريق إلى تصور معناه.

______________________________________________________

الجواز والسلوك وهو نفس الطريق مأخوذ من قولهم : جعلت كذا مجازا لحاجتى أى : طريقا لها ، ثم نقل ذلك اللفظ فى الاصطلاح إلى الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له باعتبار كونها طريقا إلى تصور المعنى المراد منها لاتصافها بمعناها الأصلى ؛ لأن المجاز بمعنى الكلمة المذكورة طريق إلى تصور المعنى المراد منها ، والحاصل : أن لفظ مجاز مصدر ميمى يصلح للزمان والمكان والحدث ـ فاتفق المصنف والشيخ عبد القاهر على أنه لا يصلح أن يكون المجاز المستعمل فى الزمان منقولا هنا ؛ لعدم المناسبة بينه وبين المنقول إليه ـ أعنى : الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له ـ ثم اختلفا ، فقال المصنف : المنقول هنا هو المستعمل اسم مكان ، وقال الشيخ عبد القاهر : المنقول هنا هو المستعمل فى الحدث ، وإنما استظهر المصنف ما ذكره ؛ لأن استعمال المصدر الميمىّ بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول مجاز بخلاف استعماله اسم مكان.

(قوله : أنه) أى : لفظ مجاز مشتق أو مأخوذ من قولهم على ما مرّ (قوله : على أن معنى) أى : بناء على أن معنى جاز المكان سلكه ووقع جوازه فيه لا بمعنى أنه جاوزه وتعداه ، وحينئذ فالمجاز معناه محل الجواز والسلوك وهو نفس الطريق (قوله : فإن المجاز .. إلخ) علّة لمحذوف أى : ثم نقل للكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له ؛ لأن المجاز بمعنى الكلمة المذكورة طريق .. إلخ فهذا إشارة لبيان المناسبة بين المنقول عنه والمنقول إليه ، والحاصل : أنه على هذا القول لم يعتبر فى الكلمة المنقول إليها كونها جائزة أو مجوزا بها ، بل كونها محلّا للجواز بخلاف القول الأول ، لا يقال الحقيقة كذلك طريق إلى تصور معناها فلتسمّ مجازا بهذا الاعتبار ؛ لأنا نقول ما ذكر وجه للتسمية وترجيح لهذا الاسم فى هذا المعنى على غيره وهو لا يقتضى اطّراد التسمية فى كل ما وجد فيه ذلك الوجه المعتبر ؛ لأنه إنما اعتبر لإنشاء التسمية على وجه الخصوص بالمسمى كما لا يلزم انتفاء ذلك الوجه ، بخلاف اعتبار المعنى فى وصف شىء بشىء ، فإنه يقتضى اطّراد الوصف فى كل ما وجد فيه ذلك المعنى وينتفى وصفه به عند انتفاء ذلك المعنى ؛ لأن ذلك المعنى اعتبر لصحة إطلاق الوصف والحقيقة ، وإن وجد فيها المعنى المذكور وهو كونها طريقا

٢٥٤

أنواع المجاز :

فالمجاز (مفرد ومركب) وهما مختلفان. فعرفوا كلّا على حدة.

(أما المفرد : فهو الكلمة المستعملة) احترز بها عن الكلمة قبل الاستعمال ؛ فإنها ليست بمجاز ولا حقيقة ...

______________________________________________________

إلى تصور معناها لا تسمى مجازا ، إذ لا يطلق المجاز على معناه ليشعر بالمعنى الذى اشتق منه فيتبعه ثبوتا ونفيا كما فى الأوصاف ، بل اعتبر المعنى فيه لترجيح الاسم للتسمية من غير قصد وضعه للمعنى الوضعى ، وملخّصه : أن اعتبار المعنى فى تسمية شىء بشىء يغاير اعتبار المعنى فى وصف شىء بشىء كتسمية شىء له حمرة بأحمر ووصفه بأحمر فاعتبار المعنى فى التسمية إنما هو لترجيح الاسم على غيره حال وضعه للمعنى وبيان أنه أولى بذلك المعنى من غيره ، وفى الوصف لصحة إطلاق الوصف على الشىء الموصوف ، ولهذا شرط بقاء المعنى فى الموصوف عند إطلاق الوصف عليه ، ولم يشترط بقاء المعنى فى المسمى عند إطلاق الاسم عليه ، فعند زوال الحمرة لا يصح وصفه بأحمر حقيقة ويصح تسميته بذلك أى : استمرار إطلاق ذلك الاسم عليه.

أقسام المجاز

(قوله : وهما) أى : المجاز المفرد والمجاز المركب مختلفان أى : حقيقة كلّ منهما تخالف حقيقة الآخر.

(قوله : فعرّفوا كلّا على حدة) أى : لأن الحقائق المتباينة لا يمكن جمعها فى تعريف واحد على سبيل التفصيل لكلّ منها بحيث يحصل معرفة حقيقة كلّ منها بخصوصه ، وأما على سبيل الإجمال فيمكن كأن يعبر هنا بدل الكلمة باللفظ أو القول ، وكأن يقال فى تعريف الإنسان والفرس : الجسم النامى الحساس المتحرك بالإرادة (قوله : الكلمة) أى : سواء كانت اسما أو فعلا أو حرفا وخرج عنها المركب ، ولا يقال خرج بها ؛ لأنها جنس والجنس لا يخرج به ـ وكذا قيل ، ولك أن تقول : لا فرق بين خرج به وعنه إنما الذى يناسب أخرج به الهمزة ـ فتأمل.

(قوله : احترز بها) أى : بالمستعملة عن الكلمة قبل الاستعمال أى : وبعد الوضع كما احترز بها عن الكلمة المهملة التى لم توضع أصلا حتى إنها تستعمل (قوله : فإنها)

٢٥٥

(فى غير ما وضعت له) احترز عن الحقيقة ؛ مرتجلا كان أو منقولا ، أو غيرهما.

______________________________________________________

أى : الكلمة التى وضعت ولم تستعمل لا من الوضع ولا من غيره ليست بمجاز ولا حقيقة (قوله : فى غير ما وضعت له) أى : فى معنى مغاير للمعنى الذى وضعت الكلمة له ، فضمير وضعت ليس راجعا لما فكان الواجب إبراز الضمير لجريان الصلة على غير من هى له ، ثم أنه إن أريد الوضع الشخصى خرج عن التعريف التجوز فيما هو موضوع لمعناه الأصلى بالنوع كالمشتقات ، وإن أريد الوضع النوعى خرج عن التعريف التجوز فيما كان الوضع فيه لمعناه الأصلى شخصيّا : كالأسد مثلا ، وإن أريد ما هو أعم من الشخصىّ والنوعىّ لم يشمل شيئا من أفراد المجاز ، إلا أن يجاب بأن المراد الوضعان ويرتكب التوزيع أى : فى غير ما وضعت له وضعا شخصيّا فى الموضوعة بالوضع الشخصى وفى غير ما وضعت له وضعا نوعيّا فى الموضوعة بالوضع النوعى ـ فتأمل.

ويرد على التعريف اللفظ المشترك إذا استعمل فى أحد معانيه فإنه يصدق عليه أنه كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له : كالعين مثلا إذا استعملت فى الباصرة كان معناها مغايرا لمعناها إذا استعملت فى عين الشمس مثلا ، اللهم إلا أن يحمل ما فى التعريف على العموم ، والمعنى حينئذ : المستعملة فى مغاير كلّ وضعت له ، وحينئذ فلا يرد المشترك ـ فتأمل.

(قوله : مرتجلا كان .. إلخ) تعميم فى الحقيقة فضمير كان المستتر يعود على الحقيقة ، وذكر الضمير باعتبار أن الحقيقة لفظ ، والضمير المستتر اسم كان ، ومرتجلا خبر مقدّم ، ومنقولا عطف عليه ، والمرتجل : هو اللفظ الموضوع لمعنى ابتداء من غير نقل عن شىء : كسعاد وأدد وأسد ، والمنقول : هو اللفظ الموضوع لمعنى بعد وضعه لآخر لمناسبة مع هجران المعنى الأول : كالدابّة والصلاة ، فإن دابّة اسم لكل ما دبّ على الأرض ، ثم نقل لذات القوائم ، والصلاة : اسم للدعاء ، ثم نقلت للأركان المخصوصة والمناسبة موجودة فيهما ، وقد هجر المعنى الأول (قوله : أو غيرهما) أى : ما ليس منقولا ولا مرتجلا كالمشتقات ، فإنها ليست مرتجلة محضة لتقدم وضع موادّها ، ولا منقولة لعدم وضعها بنفسها قبل ما اشتقت له أى : وكالمشترك فإنه تعدد فيه وضع اللفظ من غير ملاحظة

٢٥٦

وقوله : (فى اصطلاح التخاطب) متعلق بقوله : وضعت ؛ قيد بذلك ليدخل المجاز المستعمل فيما وضع له فى اصطلاح آخر ، كلفظ : الصلاة إذا استعمله المخاطب بعرف الشرع فى الدعاء مجازا ؛ فإنه ...

______________________________________________________

مناسبة بين المعنيين مثلا ولا يشترط فيه هجران المعنى الأول فهو مغاير للمرتجل والمنقول كالمشتق (قوله : فى اصطلاح التخاطب) أى : فى الاصطلاح الذى يقع بسببه التخاطب والتكلم (قوله : متعلق بقوله وضعت) يعنى أن المعنى الذى وضع له اللفظ فى اصطلاح التخاطب بذلك اللفظ إذا استعمل المخاطب ذلك اللفظ فى غيره كان مجازا. قال الفنارى : ليس المراد من تعلقه بوضعت أن يعتبر حدوث الوضع فى ذلك الاصطلاح ، وإلا لزم ألا يكون لفظ الأسد ـ الذى وضع فى اللغة للحيوان المفترس وأقرّ ذلك الوضع فى الاصطلاح والعرف عند ما استعمله النحوىّ أو غيره من أهل الاصطلاحات الخاصّة ـ حقيقة ، بل المراد بذلك كونه موضوعا له فى ذلك الاصطلاح سواء حدث الوضع فى ذلك أو لا ، هذا وما ذكره من تعلق الظرف بقوله : وضعت غير متعين ، بل يصح تعلقه بالغير لاشتماله على معنى المغايرة وبالمستعملة بعد تقييده بقوله : فى غير ما وضعت له ، والمعنى حينئذ : أن الكلمة المقيدة بكونها استعملت فى غير ما وضعت له إذا استعملت فى ذلك الغير بسبب اصطلاح التخاطب بمعنى : أن مصحح استعمالها فى ذلك الغير والسبب فى كونه غيرا هو اصطلاح التخاطب تكون مجازا ، ولكن هذا الوجه لا يخلو عن تمحل ـ كما تقدم فى تعريف الحقيقة (قوله : ليدخل) أى : فى التعريف على كلّ من الاحتمالات الثلاثة التى ذكرناها فى متعلق الظرف ، (وقوله : المجاز المستعمل فيما وضع له فى اصطلاح آخر) أى : غير اصطلاح المستعمل أى : والحال أنه مستعمل فى غير ما وضع له فى اصطلاحه (قوله : المخاطب) بكسر الطاء أى : المتكلم بهذه الكلمة (قوله : مجازا) أى : لأن الدعاء غير الهيئة المخصوصة الموضوع لها لفظ الصلاة فى عرف الشرع لاشتمالها عليه ، وكذا إذا استعمله المخاطب بعرف اللغة فى الأركان المخصوصة فإنه يكون مجازا ، والحاصل : أنه يصدق على كلّ منهما أنه كلمة مستعملة فى معنى مغاير لما وضعت له فى اصطلاح التخاطب ـ كما أشار لذلك الشارح بقوله : أى : فليس بمستعمل .. إلخ.

٢٥٧

وإن كان مستعملا فيما وضع له فى الجملة (فليس بمستعمل فيما وضع له فى الاصطلاح الذى وقع به التخاطب ـ أعنى : الشرع) وليخرج من الحقيقة ما يكون له معنى آخر باصطلاح آخر ، كلفظ : الصلاة المستعملة بحسب الشرع فى الأركان المخصوصة ؛ فإنه يصدق عليه أنه كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له ، لكن بحسب اصطلاح آخر ـ وهو اللغة ـ لا بحسب اصطلاح التخاطب ـ وهو الشرع (على وجه يصح) متعلق بـ المستعملة ...

______________________________________________________

(قوله : وإن كان مستعملا .. إلخ) جملة حالية معترضة بين اسم إن وخبرها وهو قوله : فليس بمستعمل .. إلخ ، والفاء فيه زائدة (قوله : فيما) أى : فى معنى (قوله : فى الجملة) أى : فى بعض الاصطلاحات وهو اللغة (قوله : فليس بمستعمل فيما وضع له فى الاصطلاح الذى وقع به التخاطب ـ أعنى : الشرع) أى : وإن كان مستعملا فيما وضع له فى اصطلاح اللغة فهو مجاز شرعى بمقتضى اصطلاح الشرع ، وإن كان حقيقة لغوية بمقتضى اصطلاح أهل اللغة ، فإن قلت : إذا وقع ذلك الاستعمال من لغوىّ جريا على اصطلاح الشرع هل يكون مجازا لغويا؟ قلت : أجاب العلّامة ابن قاسم فى شرح الورقات بما نصه : لا نسلم أنه مجاز لغوىّ بل هو شرعىّ ولو حكما ـ اه.

(قوله : وليخرج) عطف على قوله : ليدخل أى : وليخرج من تعريف المجاز ما يكون له معنى آخر باصطلاح آخر الذى هو من أفراد الحقيقة فصلة يخرج بمحذوف ، وقوله من الحقيقة : بيان لما بعدها وهو قوله : ما يكون .. إلخ ، والحاصل : أن المصنف زاد قوله فى اصطلاح التخاطب لأجل أن يدخل فى التعريف بعض أفراد المجاز ولأجل أن يخرج من التعريف بعض أفراد الحقيقة ـ وهو اللفظ المستعمل فى غير ما وضع له ـ لكن ليس غيرا فى اصطلاح التخاطب وإنما عبّر باصطلاح آخر (قوله : لا بحسب اصطلاح التخاطب) يعنى فلا تكون الصلاة المستعملة فى الأركان المخصوصة بحسب الشرع من المجاز ، إذ تعريفه ليس صادقا عليها (قوله : على وجه يصح) يؤخذ منه أنه لا بدّ فى المجاز من ملاحظة العلاقة ؛ لأن صحة استعمال اللفظ فى غير ما وضع له تتوقف على ملاحظتها ، ولذا صحّ تفريع قوله. بعد فلا بدّ .. إلخ عليه.

٢٥٨

مع (قرينة عدم إرادته) أى : إرادة الموضوع له.

(فلا بدّ) للمجاز (من العلاقة) ليتحقق الاستعمال على وجه يصح ، وإنما قيد بقوله : على وجه يصح ،

______________________________________________________

(قوله : مع قرينة عدم إرادته) أى : حال كون تلك الكلمة المستعملة فى الغير مصاحبة لقرينة دالّة على عدم إرادة المتكلم للمعنى الموضوع له وضعا حقيقيّا فقرينة المجاز مانعة من إرادة الأصل ، واشتراط القرينة المذكورة فى المجاز وإخراج الكناية بها فيما يأتى إنما هو عند من لم يجوّز الجمع بين الحقيقة والمجاز كالبيانيين ، أما من جوّزه كالأصوليين فلا يشترط فى القرينة أن تكون مانعة عن إرادة المعنى الحقيقى ـ كما صرّح بذلك العلّامة المحلى ، فعند هؤلاء يجب إسقاط القيد المذكور من التعريف لأجل سلامته وصدقه على المعرف ، وإذا سقط القيد المذكور لأجل إدخال المعرف دخلت الكناية أيضا (قوله : من العلاقة) المراد بها هنا : الأمر الذى به الارتباط بين المعنى الحقيقى والمعنى المجازى وبه الانتقال من الأول للثانى : كالمشابهة فى مجاز الاستعارة ، وكالسببية والمسببية فى المجاز المرسل (وقوله : فلا بدّ من العلاقة) أى : من ملاحظتها ، فلا يكفى فى المجاز وجودها من غير أن يعتبرها المستعمل ويلاحظها فالمصحح لاستعمال اللفظ فى غير ما وضع له ملاحظتها لا مجرد وجودها والمعتبر من العلاقة نوعها ، ولذا صح إنشاء المجاز فى كلام المولدين ، فإذا عرفنا أن العرب استعملوا لفظا فى سبب معناه أو فى المسبب عن معناه أو فى المشابه لمعناه ـ جاز لنا أن نستعمل لفظا مغايرا لما استعملوه لمثل تلك العلاقة ؛ لأن العرب قد اعتبروها رابطا ولا نقتصر على خصوص اللفظ الذى استعملوه ، ولو كان المعتبر شخص العلاقة لتوقف استعمال اللفظ فى معناه المجازى على النقل عن العرب فى تلك الصورة مع أنه ليس كذلك ، والعلاقة ـ بفتح العين ـ سواء كانت فى المعانى كعلاقة المجاز والحب القائم بالقلب ، أو المحسوسات كعلاقة السيف والسوط ، وقيل : إنها بالفتح فى المعانى وبالكسر فى الحسيات ، وإنما اشترط فى المجاز ملاحظة العلاقة بين المعنى المجازى والمعنى الأصلى ، ولم يصح أن يطلق اللفظ عليه بلا علاقة ويكتفى بالقرينة الدالّة على المراد ؛ لأن إطلاق اللفظ على غير معناه الأصلى ونقله له على أن يكون الأول أصلا

٢٥٩

واشتراط العلاقة (ليخرج الغلط) من تعريف المجاز ، كقولنا : خذ هذا الفرس ـ مشيرا إلى كتاب ؛ لأن هذا الاستعمال ليس على وجه يصح (و) إنما قيد بقوله : مع قرينة عدم إرادته لتخرج (الكناية) لأنها مستعملة فى غير ما وضعت له ...

______________________________________________________

والثانى فرعا تشريك بين المعنيين فى اللفظ وتفريع لأحد الإطلاقين على الآخر ، وذلك يستدعى وجها لتخصيص المعنى الفرعى بالتشريك والتفريع دون سائر المعانى وذلك الوجه هو المناسبة ، وإلّا فلا حكمة فى التخصيص فيكون تحكما ينافى حسن التصرف فى التأصيل والتفريع.

(قوله : واشتراط العلاقة .. إلخ) يؤخذ من هذا : أن المراد بالغلط الخارج من التعريف ما استعمل فى غير ما وضع له لا لعلاقة من غير تعمّد لذلك الاستعمال وهو الغلط اللسانى : كما إذا أشار إلى كتاب وأراد أن يقول : خذ هذا الكتاب فسبق لسانه وقال : خذ هذا الفرس ، وأما الغلط فى الاعتقاد فإن استعمل اللفظ فى معناه بحسب اعتقاده كأن يقول : انظر إلى هذا الأسد معتقدا أنه الحيوان المفترس المعلوم ، فإذا هو فرس فهو حقيقة لاستعماله فى معناه الأصلى فى اعتقاده وإن لم يصب ، وإن استعمل فى غير معناه بحسب اعتقاده كأن يقول : انظر إلى هذا الأسد مشيرا للفرس معتقدا أنه رجل شجاع صدق عليه حد المجاز ؛ لأنه فى اعتقاده الذى هو المعتبر استعمله فى غير معناه لعلاقة وإن لم يصب فى ثبوت العلاقة فى المشار إليه ـ كذا فى ابن يعقوب ، وبه يتبيّن رد ما فى الشيخ يس نقلا عن بعضهم : أن الغلط الخارج من التعريف لا يقصر على اللسانى أو غيره (قوله : واشتراط العلاقة) تفسير لقوله قيد .. إلخ بيّن به أن معنى قولهم : على وجه يصح أنه لا بدّ من العلاقة فيكون فيه دفع لبحث وهو أن قيد على وجه يصح كما يخرج الغلط يخرج مجازا لم يلاحظ فيه علاقة ؛ لأن استعماله على هذا الوجه لا يصح ، وحاصل الجواب : أن عرفهم تخصيص قولهم : على وجه يصح فى تعريف المجاز بما تحققت معه العلاقة ـ فتأمل.

(قوله : ليس على وجه يصح) أى : لعدم ملاحظة العلاقة بين الفرس والكتاب (قوله : والكناية) إخراجها بناء على أنها واسطة لا حقيقة ولا مجاز ، أما إنها ليست حقيقة ؛

٢٦٠