حاشية الدسوقي - ج ٣

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٥٣٨

لظهور وجهه فى بادى الرأى) أى : فى ظاهره إذا جعلته من بدا الأمر يبدو ، أى : ظهر ، وإن جعلته مهموزا من [بدأ] فمعناه : فى أول الرأى. وظهور وجهه فى بادى الرأى يكون لأمرين (إما لكونه أمرا جمليّا) لا تفصيل فيه (فإن الجملة أسبق إلى النفس) من التفصيل. ألا ترى أن إدراك الإنسان ...

______________________________________________________

وفكر دقيق (قوله : لظهور .. إلخ) علّة للانتقال من غير تدقيق نظر (قوله : أى فى ظاهره) وعلى هذا فالمعنى : لظهور وجه الشبه حالة كونه من جملة المرئيات البادية أى : الظاهرة ، وذكر بعضهم : أن قوله فى بادى الرأى على حذف مضافين أى : فى وقت حدوث بادى الرأى ، أو أنه ظرف تنزيلى (قوله : مهموزا) أى : فى الحال ، أو بحسب الأصل بأن تكون الهمزة قلبت ياء لانكسار ما قبلها (قوله : فى أول الرأى) وعلى هذا فالمعنى : لظهور وجه الشبه حالة كونه من جملة المرئيات أولا (قوله : وظهور وجهه) أى : الشبه فى بادى الرأى .. إلخ ، أشار بهذا إلى أن (قوله : إما لكونه) علّة لظهور وجه الشبه فهو علّة للعلة (قوله : أمرا جمليّا) بسكون الميم نسبة إلى الجملة أى : لكونه أمرا مجملا والمجمل يطلق على ما لم يتضح معناه وعلى المركب وعلى ما لا تفصيل فيه ، وأشار الشارح بقوله : لا تفصيل فيه إلى أنه ليس المراد بالمجمل هنا ما لم يتضح معناه ولا المركب بل الأمر الذى لا تفصيل فيه سواء كان أمرا واحدا لا تركيب فيه كقولك : زيد كعمرو فى الناطقية أو زيد كالفحم فى السواد ، أو مركبا لم ينظر فيه إلى أجزائه نحو : زيد كعمرو فى الإنسانية (قوله : فإن الجملة) علّة للعلّة أى : وإنما كان الأمر الجملى أظهر من التفصيلى ؛ لأن الجملة أى : لأن الأمر المجمل أسبق للنفس من التفصيل أى : من ذى التفصيل أو من المفصل (وقوله : أسبق إلى النفس) أى : من حيث الحصول فيها أو أن فى الكلام حذف مضاف أى : إلى إدراك النفس ، وإنما كان المجمل أسبق إلى النفس من المفصل ؛ لأن المجمل يحتاج إلى ملاحظة واحدة بخلاف المفصل فإنه يحتاج إلى ملاحظات متعددة ، فكلّما كثرت التفاصيل كثرت الملاحظات والاعتبارات وكلما كثرت الاعتبارات فى الشىء زادته خصوصا وكلّما كثر التخصيص فى الشىء قلّت أفراده فتقلّ ملابسة وجوده فيكون غريبا لبعده عن الجملة التى تسبق إلى النفس لعمومها وكثرة أفرادها ،

٢٠١

من حيث إنه شىء أو جسم ، أو حيوان ـ أسهل وأقدم من إدراكه من حيث إنه جسم نام ، حساس ، متحرك بالإرادة ، ناطق.

(أو) لكون وجه الشبه (قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به فى الذهن عند حضور المشبه لقرب المناسبة) بين المشبه والمشبه به ؛ إذ لا يخفى أن الشىء مع ما يناسبه أسهل حضورا منه مع ما لا يناسبه ...

______________________________________________________

ولذا كان العامّ أعرف من الخاصّ ووجب تقديمه عليه فى التعريفات الكاملة وهى المركبة من الجنس والفصل ، وكان التعريف بالأخصّ تعريفا بالأخفى (قوله : من حيث إنه شىء) هو أعمّ من جسم وجسم أعمّ من حيوان فهذه الثلاثة كلها مجملة لكنها متفاوتة الرتب فى الإجمال (قوله : أسهل وأقدم) أما كونه أسهل فإنه إدراك من وجه واحد بخلاف ذلك ، وأما كونه أقدم ـ أى : أسبق ـ فلأن التفصيل بتحليل أمر مجمل فالجملة أسبق منه (قوله : حسّاس) أى : مدرك بالحواسّ واحترز به عن الجماد (قوله : ناطق) أى : مدرك للكليات ، وإذا علمت أن الجملة أسبق إلى النفس من التفصيل فوجه الشبه إذا كان أمرا جمليّا كان أمرا ظاهرا سهل التناول فيلزم أن يكون التشبيه مبتذلا على ما تقدم ، فإذا فرض أن إنسانا شبه زيدا بعمرو فى الإنسانية ، وآخر شبهه به فى الإنسانية الموصوفة بشرف الحسب وكرم الطبع وحسن العشرة ودقة النظر فى الأمور ، فإن نظر الثانى أخفى من نظر الأول ، وبهذا تعلم أن التشبيه الواحد يكون مبتذلا بما اعتبر فيه من جملة الوجه وغير مبتذل بما اعتبر فيه من تفصيله.

(قوله : أو لكون وجه الشبه قليل التفصيل) هذا معطوف على قوله إما لكونه أمرا جمليّا وهو العلّة الثانية لظهور الوجه يعنى : أن ظهور الوجه إما لكونه أمرا جمليّا وإما لكونه ليس جمليّا بل فيه تفصيل ولكنه قليل (قوله : مع غلبة .. إلخ) أى : حالة كون قلّة التفصيل مصاحبة لغلبة .. إلخ وهذا مصبّ العلّة (قوله : عند حضور المشبه) ظرف لغلبة حضور المشبه به (قوله : لقرب المناسبة) علّة لغلبة حضور المشبه به عند حضور المشبه (قوله : إذ لا يخفى .. إلخ) علّة للعلية أى : إنما كان قرب المناسبة موجبا لغلبة حضور المشبه به عند حضور المشبه ؛ لأنه لا يخفى .. إلخ (وقوله : أن الشىء) أى : المشبه به (وقوله : مع ما

٢٠٢

(كتشبيه الجرّة الصغيرة بالكوز فى المقدار والشكل) فإنه قد اعتبر فى وجه الشبه تفصيل ما ، أعنى : المقدار والشكل ، إلا أن الكوز غالب الحضور عند حضور الجرة (أو مطلقا) ...

______________________________________________________

يناسبه) أى : مع المشبه الذى يناسبه بأن كانا من واد واحد كالأوانى والأزهار (وقوله : أسهل حضورا منه) أى : من نفسه مع المشبه الذى لا يناسبه ؛ لأنهما إذا كانا متناسبين اقترنا فى الخيال ، فيسهل الانتقال فى التشبيه لظهور الوجه غالبا مما يحضر كثيرا مع غيره ، وهذا التفاوت الذى أوجبه كثرة الاجتماع فى الوجود هو الجامع الخيالى كما تقدم.

(قوله : كتشبيه الجرّة) أى : أن التشبيه المبتذل لظهور وجه الشبه لكون وجه الشبه قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به فى الذهن عند حضور المشبه : كتشبيه الجرّة الصغيرة بالكوز فى المقدار والشكل ، وكذلك تشبيه الإجاصة بالسفرجلة فى اللون والشكل والطعم فى بعض الأحيان ، وتشبيه العنبة الكبيرة بالبرقوقة فى الشكل واللون والطعم ، فإن وجه الشبه فى هذه الأشياء فيه تفصيل أى : اعتبار أشياء ، لكن تلك الأشياء ظاهرة تتكرر موصوفاتها على الحس عند إحضار ما يراد تشبيهه بها فيلزم ظهور أوصافها ، ثم إن مراد المصنف بالجرة المشبهة بالكوز. الجرة الصغيرة التى فى حلقها اتساع ولها أذنان ، إذ هى المشابهة للكوز فى الشكل والمقدار وليس مراد المصنف الجرة الكبيرة التى ليس فى حلقها اتساع ، فاندفع ما قيل : أنه لا مناسبة بين الجرة والكوز فى الشكل ، ولا حاجة للجواب بأن المراد مطلق الشكل مع مطلق التجويف والانفتاح لجهة مخصوصة (قوله : والشكل) أى : فإن شكل كلّ منهما كرى مع استطالة (قوله : إلا أن الكوز غالب الحضور) أى : فى الذهن عند حضور الجرة ـ هذا عند من يشرب بالكوز من الجرة كما هو عادة بعض الناس يفرغون من الجرة فى الكوز ويشربون ـ فإذا حضرت الجرة فى الذهن حضر الكوز فيه ، واعترض بأن الكوز متكرر على الحس ، وحينئذ فهو غالب الحضور فى الذهن حضرت الجرة فيه أو لا ، وحينئذ فلا يصح التمثيل بهذا المثال لوجه الشبه القليل التفصيل المصاحب لغلبة حضور المشبه به فى الذهن عن حضور المشبه ، وأجيب بأن فى الكوز غلبة الحضور مع الجرة وغلبة الحضور على الإطلاق فمثل

٢٠٣

عطف على قوله : عند حضور المشبه ، ثم غلبة حضور المشبه به فى الذهن مطلقا تكون (لتكرره) أى : المشبه به (على الحس) فإن المتكرر على الحس كصورة القمر غير منخسف أسهل حضورا مما لا يتكرر على الحس كصورة القمر منخسفا (كالشمس) أى : كتشبيه الشمس (بالمرآة المجلوة فى الاستدارة والاستنارة) فإن فى وجه الشبه ...

______________________________________________________

به هنا بالاعتبار الأوّل ، والحاصل : أن الكوز والمرآة المجلوة فى المثال الآتى كلّ منهما مما يغلب حضوره عند حضور المشبه كالجرة فى المثال الأول والشمس فى المثال الثانى ، ومطلقا لتكرر كلّ على الحسّ ، فيصح التمثيل بأيّهما لغلبة حضور المشبه به عند حضور المشبه ، وكذلك يصح التمثيل بأيهما لغلبة حضور المشبه به مطلقا فتمثيل كل قسم بأحدهما خاصّة على سبيل الاتفاق (قوله : عطف على قوله عند حضور المشبه) أى : والمعنى حينئذ : أو لكون وجه الشبه قليل التفصيل مصاحبا لغلبة حضور المشبه به فى الذهن غلبة مطلقة أى : غير مقيدة بحضور المشبه ، واعترض على المصنف بأن هذه المقابلة لا تحسن ؛ لأن غلبة حضور المشبه به عند حضور المشبه تجامع غلبة حضور المشبه به مطلقا ، وأجيب بأن" أو" لمنع الخلو لا لمنع الجمع كما أفاد ذلك العصام (قوله : لتكرره على الحس) علّة لغلبة حضور المشبه به مطلقا كما أشار لذلك الشارح بقوله : ثم غلبة .. إلخ (وقوله : على الحس) أى : على أى حسّ من الحواسّ الخمس ، والمراد بالحس القوة الحاسّة (وقوله : لتكرره على الحس) أى : أو لكونه لازما لما يتكرر على الحس (قوله : كصورة القمر غير منخسف) أى : فإنها تتكرر على الحس ؛ لأن الإنسان كثيرا ما يراه غير منخسف ، وأما صورته منخسفا فإنه لا يراها الإنسان إلا بعد كل حين ، وحينئذ عند سماع لفظ القمر كما فى قولك : وجه زيد كالقمر تحضر فى الذهن صورته غير منخسف لا منخسفا ، مع أن لفظ قمر : اسم لذلك الجرم فى حالتيه ، وكذلك صورة المرآة عند سماع لفظها تحضر فى الذهن مجلوة لا غير ؛ وذلك لأن المتكرر على صورة الحس يغلب حضوره مطلقا وإذا غلب حضوره مطلقا تحققت سرعة الانتقال إليه عند سماع لفظه وظهور وجه الشبه ولزم ابتذال التشبيه (قوله : فى الاستدارة) يرجع إلى الشكل

٢٠٤

تفصيلا ما ، لكن المشبه به ـ أعنى : المرآة ـ غالب الحضور فى الذهن مطلقا (لمعارضة كلّ من القرب والتكرار التفصيل) أى : وإنما كانت قلّة التفصيل فى وجه الشبه مع غلبة حضور المشبه به بسبب قرب المناسبة ، أو التكرار على الحس سببا لظهوره المؤدى إلى الابتذال ، ...

______________________________________________________

والاستنارة ترجع إلى الكيف (قوله : تفصيلا ما) أى : لاعتبار شيئين فيه وهما الشكل والاستنارة (قوله : غالب الحضور فى الذهن مطلقا) أى : لكثرة شهود المرآة وتكررها على الحسّ.

(قوله : لمعارضة كلّ من القرب .. إلخ) أى : لمعارضة مقتضى كلّ من قرب المناسبة الذى هو سبب للغلبة المقيدة بحضور المشبه والتكرر على الحس الذى هو سبب للغلبة مطلقا لمقتضى التفصيل ؛ وذلك لأن مقتضى قرب المناسبة والتكرر على الحس ظهور وجه الشبه وابتذاله لسرعة الانتقال معهما من المشبه إلى المشبه به ، ومقتضى التفصيل عدم ظهور وجه الشبه للاحتياج معه إلى التأمل ، (فقول المصنف : من القرب) أى : من مقتضى قرب المناسبة كما فى الجرة والكوز (وقوله : التكرار) أى : تكرار المشبه به على الحس كما فى الشمس والمرآة المجلوة.

(وقوله : التفصيل) معمول لمعارضة وفيه حذف مضاف أى : مقتضى التفصيل (قوله : أى : وإنما كان .. إلخ) أشار الشارح بهذا إلى أن قول المصنف لمعارضة .. إلخ : علّة لمحذوف وهو جواب عما يقال : كيف جعل التفصيل القليل علة لظهور وجه الشبه مع أن التفصيل فى ذاته يقتضى عدم الظهور؟ وحاصل الجواب : أن مقتضى التفصيل قد عورض بما يقتضى الظهور وهو قرب المناسبة فى الصورة الأولى والتكرار على الحس فى الصورة الثانية ، فكأن التفصيل غير موجود فعلم من هذا أن قرب المناسبة والتكرار إذا تعارض واحد منهما مع التفصيل القليل بأن وجد معه فى محل واحد فإنه يسقط مقتضاه ، وأن التفصيل القليل عند انتفاء قرب المناسبة والتكرار العارضين له يكون من أسباب الغرابة (قوله : بسبب) متعلق بغلبة (وقوله : قرب المناسبة) أى : فى التشبيه الأول ، (وقوله : أو التكرار) أى : فى التشبيه الثانى (قوله : سببا) خبر كان ، (وقوله : لظهوره) أى :

٢٠٥

مع أن التفصيل من أسباب الغرابة ؛ لأن قرب المناسبة فى الصورة الأولى ، والتكرار على الحس فى الثانية يعارض كل منهما التفصيل بواسطة اقتضائهما سرعة الانتقال من المشبه إلى المشبه به ؛ فيصير وجه الشبه كأنه أمر جملى لا تفصيل فيه ؛ فيصير سببا للابتذال.

(وإما بعيد غريب) عطف على قوله : إما قريب مبتذل (وهو بخلافه) أى : ما لا ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر وتدقيق نظر (لعدم الظهور) أى : لخفاء وجهه فى بادى الرأى ، وذلك ـ أعنى : عدم الظهور ـ (إما لكثرة التفصيل ، كقوله :

والشمس كالمرآة فى كفّ الأشلّ)

فإن وجه الشبه فيه من التفصيل ما قد سبق ؛ ...

______________________________________________________

وجه الشبه (قوله : مع أن التفصيل) أى : مطلقا ولو كان قليلا (قوله : فى الصورة الأولى) أى : وهى غلبة حضور المشبه به فى الذهن عند حضور المشبه (قوله : فى الثانية) أى : وهى غلبة حضور المشبه به فى الذهن مطلقا حضر المشبه أم لا (قوله : يعارض) خبر أن (قوله : وإما بعيد) مقابل لقوله سابقا : إما قريب (وقوله : غريب) تفسير لما قبله لا للإخراج وهو فى مقابلة قوله سابقا : مبتذل (قوله : عطف .. إلخ) أى : والعاطف الواو على الصحيح لا" إما" كما هو مبيّن فى النحو (قوله : وهو بخلافه) أى : بخلاف القريب أى : ملتبس بمخالفته فى المفهوم ، فالباء للملابسة متعلق بمحذوف كما علمت ، أو أن المعنى وهو يعرف بخلاف ما تقدم ، فقوله بخلافه متعلق بيعرف المفهوم من المقام (قوله : لعدم الظهور) أى : فى وجه الشبه وهذا علّة لمخالفته للقريب (قوله : ـ أعنى : عدم الظهور ـ إمّا .. إلخ) أى : أن عدم الظهور يكون لأمرين : إما لكثرة التفصيل أى : فى أجزاء وجه الشبه ، وظاهره ولو مع الغلبة ، وإما لندور حضور المشبه به فى الذهن ، والأول : وهو كثرة التفصيل محترز عدم التفصيل وقلّة التفصيل المعارضة بالمناسبة والتكرر على الحس المعلل بهما ظهور وجه الشبه فى المبتذل ، وأشار الشارح بقوله : وذلك إلى أن قوله : إما لكثرة .. إلخ : علّة للعلّة (قوله : من التفصيل) بيان لما سبق مقدم عليه ، وفيه خبر مقدم ، وما قد

٢٠٦

ولذلك لا يقع فى نفس الرائى للمرآة الدائمة الاضطراب إلا بعد أن يستأنف تأمّلا ، ويكون فى نظره متمهّلا.

(أو ندور) أى : أو لندور (حضور المشبه به ؛ إما عند حضور المشبه لبعد المناسبة كما مرّ) فى تشبيه البنفسج بنار الكبريت (وإما مطلقا).

وندور حضور المشبه به مطلقا يكون (لكونه وهميّا) كأنياب الأغوال

______________________________________________________

سبق مبتدأ مؤخر ، والذى سبق هو الهيئة الحاصلة من الحركة السريعة مع الإشراق فكأنه يهم .. إلخ فهو هيئة مشتملة على كثرة التفصيل (قوله : ولذلك) أى : لأجل كثرة التفصيل فى وجه تشبيه الشمس بالمرآة (قوله لا يقع) أى : لا يحصل ذلك الوجه وهو الهيئة المعتبر فيها التفصيل المذكور فيما سبق (قوله : الدائمة الاضطراب) إنما قيد ؛ بذلك لأن وجه الشبه المذكور سابقا لا يتأتى إلا مع دوام الحركة (وقوله : إلا بعد أن يستأنف) أى : يحدث ، ولو قال : إلا بعد أن يتأمّل لا بمجرد نظره إليها كان أوضح (قوله : أى : أو لندور .. إلخ) أشار بذلك إلى أن قوله : أو ندور عطف على كثرة أى : أو لقلة التفصيل مع ندور حضور المشبه به ، وهذا محترز الغلبة فيما تقدم (قوله : إما عند حضور المشبه) أى : فقط (وقوله : لبعد المناسبة) أى : بين المشبه والمشبه به ، وحينئذ فلا يحصل الانتقال بسرعة ، وهذا علّة للعلّة أى : وإنما ندر حضور المشبه به عند حضور المشبه لبعد المناسبة بينهما (قوله فى تشبيه البنفسج بنار الكبريت) أى : فإن نار الكبريت فى ذاتها غير نادرة الحضور فى الذهن لكنها تندر عند حضور البنفسج ، فإن قلت : يمكن أن الشاعر حضر عنده حال التشبيه فلا يكون الانتقال غير سريع فيكون التشبيه غير غريب بالنسبة إليه. قلت : المراد ببعد الانتقال الموجب للغرابة أن يكون الشأن فى ذلك الشىء ، ولو اتفق الانتقال بسرعة لعارض فيمدح التشبيه لذلك ؛ لأنه لا يتضح الانتقال فيه ممن يعرض له ذلك العارض إلا برويّة وبصيرة (قوله : وإما مطلقا) أى : وإما أن يكون ندوره مطلقا أى : سواء كان المشبه حاضرا فى الذهن أو غير حاضر فيه.

(قوله : لكونه) أى : المشبه به أمرا وهميّا أى : يدركه الإنسان بوهمه لا بإحدى الحواس الظاهرة لكونه هو ومادته غير موجودين فى الخارج ، وإذا كان المشبه به أمرا

٢٠٧

(أو مركبا خياليّا) كأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد (أو) مركبا (عقليّا) كمثل الحمار يحمل أسفارا ، وقوله (كما مرّ) إشارة إلى الأمثلة التى ذكرناها آنفا (أو لقلة تكرره) أى : المشبه به (على الحس ، كقوله : والشمس كالمرآة) فى كفّ الأشلّ ؛ فإن الرجل ربما ينقضى عمره ولا يتفق له أن يرى مرآة فى يد الأشل (فالغرابة فيه) أى : فى تشبيه الشمس بالمرآة فى كفّ الأشلّ (من وجهين) أحدهما : كثرة التفصيل فى وجه الشبه ، والثانى : قلة التكرر على الحس.

فإن قلت : كيف تكون ندرة حضور المشبه به ...

______________________________________________________

وهميّا فلا يدركه ليشبه به إلا المتسع فى المدارك فيستحضره فى بعض الأحيان فيكون إدراك تعلق وجه الشبه نادرا غير مألوف ، وكذا القول فى المركب الخيالى (قوله خياليّا) وهو المعدوم الذى فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها يدرك بالحس (قوله : كأنياب الأغوال) أى : فى تشبيه السهام المسنونة الزرق بها (قوله : كمثل الحمار .. إلخ) أى : فإن المراد بالمثل الصفة كما تقدم ، والصفة اعتبر فيها ـ كما تقدم ـ كون الحمار حاملا لشىء وكون المحمول أبلغ ما ينتفع به وكونه مع ذلك محروم الانتفاع به وكون الحمل بمشقة وتعب ، وهذه الاعتبارات المدلولة للصفة عقلية وإن كان متعلقها حسيّا ، وإنما ندر حضور المركب مطلقا ؛ لأن الاعتبارات المشار إليها فيه لا يكاد يستحضرها مجموعة إلا الخواص فلا تحصل سرعة الانتقال إلا نادرا فيكون التشبيه غريبا (قوله : آنفا) أى : قريبا والآنف : هو الوقت القريب من وقتك (قوله : أو لقلة تكرره) أى : أو لكونه حسيّا ولكن كان قليل التكرر على الحس فهو عطف على قوله : لكونه أمرا وهميّا أى : من أسباب ندور حضور المشبه به فى الذهن قلّة تكرره على الحس أى : على القوة الحاسة وأولى عدم تعلق الحس به كالعرش والكرسى ودار الثواب والعقاب ، ويمكن إدخاله فى قليل التكرر بأن يراد عدم كثرته الصادق بعدم الإحساس به ـ قاله فى الأطول.

(قوله : كقوله) أى : كندرة حضور المشبه به فى التشبيه الواقع فى قوله : والشمس ..إلخ (قوله : أن يرى مرآة .. إلخ) أى : وعلى تقدير رؤيتها فى كفه فلا يتكرر ، وعلى تقدير التكرر فلا يكثر ، فالمحقق هو قلة التكرار (قوله : فإن قلت .. إلخ) حاصله : أن

٢٠٨

سببا لعدم ظهور وجه الشبه؟ قلت : لأنه فرع الطرفين ، والجامع المشترك الذى بينهما إنما يطلب بعد حضور الطرفين ، فإذا ندر حضورهما ندر التفات الذهن إلى ما يجمعهما ، ويصلح سببا للتشبيه بينهما (والمراد بالتفصيل أن ينظر ...

______________________________________________________

وجه الشبه يغاير المشبه به فندور أحدهما لا يقتضى ندور الآخر ، وكذا ظهور أحدهما لا يقتضى ظهور الآخر (قوله سببا لعدم ظهور وجه الشبه) أى : مع أنهما متغايران فلا يلزم من ندرة أحدهما ندرة الآخر (قوله : قلت .. إلخ) حاصله : أن وجه الشبه من حيث إنه وجد بين الطرفين فرع عنهما فلا يتعقل إلا بعد تعقلهما ومنهما ينتقل إليه لكونه المشترك والجامع بينهما ، فلا بد وأن يخطر الطرفان أوّلا ثم يطلب ما يشتركان فيه ، وإذا كان أحد الطرفين نادرا كان الوجه نادرا ، وكونه فرعا عن الطرفين من حيث إنه وجد بينهما لا ينافى أنه من حيث ذاته قد يوجد مع غيرهما فلا يتوقف تعقله على تعقل المشبه به حتى تكون ندرة المشبه به سببا لخفاء وجه الشبه ؛ لأن ذلك لا من حيث إن وجه الشبه جامع بين هذين الطرفين ، فإن قلت : لم لم يعلّلوا عدم ظهور وجه الشبه بندور حضور المشبه كما علّلوه بندور حضور المشبه به مع أن مقتضى ما تقدم من الجواب أن ندرة كل من المشبه والمشبه به تقتضى عدم ظهور وجه الشبه؟ قلت : لأن المشبه به عمدة التشبيه الحاصل بين الطرفين فظهور وجه الشبه وعدمه إنما يسند إليه ـ فتأمل.

(قوله : إنما يطلب بعد حضور الطرفين) أى : فتعلقه بعد تعلقهما (قوله : فإذا ندر حضورهما) أى : أو حضور المشبه به بل هو المدعى ، وأما ندور حضور الطرفين فأمر زائد على المدعى ، وقد يقال : المراد : وإذا ندر حضورهما أى : حضور مجموعهما.

(قوله : والمراد بالتفصيل) أى : فى وجه الشبه الذى هو سبب فى غرابة التشبيه فأل للعهد الذكرى (قوله : أن ينظر) أى : أن يعتبر أكثر من وصف واحد إما من جهة وجود الكل أو من جهة عدم الكل أو من جهة وجود البعض وعدم البعض كانت تلك الأوصاف ثابتة لموصوف واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر فالصور اثنتا عشرة صورة ، ولذا قال المصنف فيما يأتى ويقع التفصيل على وجوه كثيرة ـ أى : اثنى عشر ـ أعرفها ـ أى : أشدها قبولا عند أولى العرفان ـ أن يعتبر وجود البعض وعدم البعض أو يعتبر وجود

٢٠٩

فى أكثر من وصف) واحد لشىء واحد أو أكثر ، بمعنى : أن يعتبر فى الأوصاف وجودها أو عدمها ، أو وجود البعض وعدم البعض ، كلّ من ذلك فى أمر واحد ، أو أمرين ، أو ثلاثة ، أو أكثر ؛ فلذا قال : (ويقع) أى : التفصيل (على وجوه) كثيرة ...

______________________________________________________

الجميع ، فهاتان صورتان كلّ منهما مضروب فى أحوال الموصوف الأربع تكون صور الأعرف ثمانية ، وحينئذ فغير الأعرف أربعة وهى أن تعتبر جميع الأوصاف من حيث عدمها كان الموصوف بتلك الأمور واحدا أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر (قوله : فى أكثر من وصف واحد) فيه أن الواحد ليس فيه كثرة كما يقتضيه أفعل التفضيل (قوله : لشىء واحد) أى : أن الأكثر من وصف واحد إما أن يكون ثابتا لشىء واحد ـ أى : لموصوف واحد ـ كما فى تشبيه المفرد بالمفرد ، أو ثابتا لأكثر كما فى غير تشبيه المفرد بالمفرد ، ودخل تحت الأكثر ثلاث صور ما إذا كان الأكثر من وصف ثابتا لموصوفين أو لثلاثة أو لأكثر (قوله : بمعنى : أن يعتبر فى الأوصاف وجودها) أى : وجودها كلها كتشبيه الثريّا بعنقود الملّاحية المنور ، فإنه قد اعتبر فى وجه الشبه وجود أوصاف وهى التضامّ وتشكل الأجزاء واللون ومقدار المجموع (قوله : أو عدمها) أى : أو يعتبر عدم الأوصاف كلها كتشبيه الشخص العديم النفع بالعدم فى نفى كل وصف نافع (قوله : أو وجود البعض وعدم البعض) أى : بأن يعتبر فى وجه الشبه التركيب من وجود بعض أوصاف وعدم بعض أوصاف : كتشبيه سنان الرماح بسنا لهب كما يأتى (قوله : كلّ من ذلك) أى : المذكور من الأحوال الثلاثة السابقة (قوله : فى أمر واحد) أى : فى موصوف واحد كما فى تشبيه مفرد بمفرد مقيدين ، أو غير مقيدين كتشبيه الثريّا بعنقود الملّاحية المنور (قوله : أو أمرين أو ثلاثة) أى : كما فى تشبيه مركب بمركب كما فى تشبيه مثار النقع مع الأسياف بالليل الذى تهاوى كواكبه ، وكالتشبيه الواقع فى قوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ ...)(١) إلخ ، أو مركب بمفرد أو مفرد بمركب.

(قوله : أو أكثر) أى : فالجملة اثنتا عشرة صورة ، وهى المراد بالوجوه الآتية فى كلامه (قوله : فلذا قال) أى : ولأجل الاعتبار المذكور.

__________________

(١) يونس : (٢٤).

٢١٠

(أعرفها : أن تأخذ بعضا) من الأوصاف (وتدع بعضا) أى : تعتبر وجود بعضها ، وعدم بعضها (كما فى قوله : حملت ردينيّا) يعنى : رمحا منسوبا إلى ردينة (كأن سنانه سنا لهب لم يتّصل بدخان).

فاعتبر فى اللهب الشكل ، واللون ، واللمعان ، وترك الاتصال بالدخان ونفاه ...

______________________________________________________

(قوله أعرفها) أى : أعرف الوجوه التى يقع التفصيل عليها بمعنى أشدها قبولا عند أهل المعرفة لحسنه (قوله : وعدم بعضها) أى : وتعتبر عدم بعضها وهذا تفسير لقول المصنف : وتدع بعضا إشارة إلى أن المراد بترك بعضها اعتبار عدم البعض لا عدم اعتباره وإن كان كلام المصنف صادقا بذلك ؛ لأن عدم اعتبار الأوصاف لا يعتبر فى تشبيه من التشبيهات.

(قوله : إلى ردينة) هى امرأة كانت بخط هجر تقوّم الرماح أى : تعدّلها وتحسّن صنعتها وهى امرأة السّمهر ـ بفتح السين وسكون الميم وبعدها هاء مفتوحة فراء مهملة ـ كان أيضا يحسن صنع الرماح (قوله : كأن سنانه) أى : حديدته التى فى طرفه (قوله : سنا لهب) أى : ضوء لهب أى لهب مضىء ومشرق فهو من إضافة الصفة للموصوف كما يؤخذ من كلام الشارح ، واللهب : النار ، والمعنى : كأن سنانه نار مضيئة مشرقة (وقوله : لم يتصل) أى : ذلك اللهب بدخان ، وإذا كان كذلك كان شديد اللمعان.

(قوله : فاعتبر فى اللهب) أى : وهو موصوف واحد ، وأشار بذلك إلى أن المشبه به هو اللهب كما أن المشبه سنان الرمح ، وحينئذ فقوله : سنا لهب بمعنى لهب ذو سنا فإضافة سنا للهب من إضافة الصفة للموصوف كما قلناه ، والتشبيه المذكور باعتبار الشكل واللون وعدم الاتصال بالسواد ، ولو كان المقصود تشبيه سنان الرمح بسنا اللهب فات اعتبار هذه الأوصاف إلا أن تكون تبعا ، ومع ذلك يحتاج إلى تقدير المضاف أى : كأن إشراق سنانه سنا لهب (قوله : والشكل) أى : المخروطى الذى طرفه دقيق (قوله : واللون) أى : الزرقة الصافية (قوله : ونفاه) عطف على تركه ولما كان الترك صادقا بالترك قصدا وبالترك بدون قصد ، بيّن أن المراد الترك قصدا بقوله : ونفاه ، فهو

٢١١

(وأن تعتبر الجميع ، كما مرّ من تشبيه الثريّا) بعنقود الملّاحية المنورة باعتبار اللون ، والشكل ، وغير ذلك (وكلّما كان التركيب) خياليّا كان أو عقليّا ...

______________________________________________________

عطف تفسير أى : اعتبر عدمه ؛ لأن اعتباره يقدح فى التشبيه المقصود ولا يتم التشبيه بدون اعتبار عدمه ، ثم إن ظاهر كلام المصنف : أنه متى اعتبر فى الوجه عدم بعض الأوصاف كان أعرف حتى إذا قيل مثلا : زيد كعمرو فى مجموع الجبن وعدم الكرم كان من جملة الأعرف وليس كذلك ، بل إنما يكون أعرف إن كان فيما قصده الشاعر دقة تحتاج إلى مزيد تنبّه كما مرّ فى البيت ، وحينئذ يكون معنى الكلام : أن التفصيل المعتبر يزداد حسنا واعتبارا عند تدقيق النظر فى إسقاط بعض الأوصاف ؛ لأن الأقرب مناسبة اجتماع وجودات لا اجتماع وجود وعدم ـ فليتأمل ـ اه يعقوبى.

(قوله : وأن تعتبر الجميع) أى : وجود جميع الأوصاف وهو عطف على قوله : أن تأخذ بعضا .. إلخ ، فهذا من جملة الأعرف ، إن قلت : إن جميع أوصاف الشىء ظاهرة وباطنة لا يطّلع عليها أحد حتى يتأتّى أن يعتبرها فى التشبيه ، قلت : ليس المراد باعتبار جميع الأوصاف اعتبار جميع الأوصاف الموجودة فى المشبه به بحيث لا يشذّ منها شىء ، بل المراد اعتبار جميع الأوصاف الملحوظة فى وجه الشبه من حيث الوجود والإثبات (قوله : وغير ذلك) أى : كاجتماعهما على مسافة مخصوصة من القرب ، وكالوضع لأجزائها من كون المجموع على مقدار مخصوص ـ كما تقدم (قوله : وكلّما كان التركيب) ما مصدرية ظرفية أى : كل وقت من أوقات كون التركيب فى وجه الشبه ، (وقوله : خياليّا كان .. إلخ) خياليّا خبر لكان مقدم عليها ، وذلك بأن كان هيئة معدومة مفروضا اجتماعها من أمور كل واحد منها يدرك بالحس كقوله : (وكأن محمر الشقيق) (١) .. إلخ (وقوله : أو عقليّا) وهو المركب المعدوم هو ومادته كما فى قوله : ومسنونة زرق كأنياب أغوال ، ولم يقل : أو حسيّا ؛ لأن المقسم التركيب لا المركب ، والظاهر أنه لا يكون حسيّا ـ قاله يس.

__________________

(١) البيت للصنوبرى والمصباح ص ١١٦ ، وأسرار البلاغة ص ١٥٨ ، والطراز ١ / ٢٧٥ ، وفى شرح عقود الجمان بلا نسبة ٢ / ١٥ ، وفى الإشارات والتنبيهات ص ١٧٥ بلا نسبة كذلك.

٢١٢

(من أمور أكثر كان التشبيه أبعد) لكون تفاصيله أكثر (و) التشبيه (البليغ ...

______________________________________________________

قال العلامة عبد الحكيم : إنما قابل الخيالى بالعقلى مع أن المقابل للعقلى إنما هو الحسى ؛ لأن التركيب لا يكون حسيا (قوله : من أمور) خبر كان (قوله : أبعد) أى : عن الابتذال (قوله : لكون تفاصيله أكثر) فيبعد تناوله لمطلق الناس ، وإنما يتناوله حينئذ الأذكياء وذلك كما فى قوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ ...) الآية ، فإنها عشر جمل مرتبط بعضها ببعض قد انتزع وجه الشبه من مجموعها ، وبيان ذلك يظهر بتلاوة الآية : قال الله تعالى : (١)(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) فالمشبه به مركب من عشر جمل بعدّ" وظن أهلها" جملة ، " وأنهم قادرون عليها" جملة أخرى ، تداخلت تلك الجمل حتى صارت كأنها جملة واحدة ، ومعنى فاختلط به نبات الأرض : فاشتبك به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام من الزرع والبقول ، وقوله : حتى إذا أخذت الأرض زخرفها أى : حتى إذا تزّينت بزخرفها ، والزخرف فى الأصل : الذهب ، وقوله : وازّيّنت أى : تزيّنت تفسير لما قبله ، وقوله : وظن أهلها أى : أهل النبات وأنث ضميره لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه ، وقوله : قادرون عليها أى : على حصدها ورفع غلّتها ، وقوله : فجعلناها أى : النبات حصيدا أى : شبيها بما حصد ، وقوله : كأن لم تغن بالأمس أى : كأنها لم تنبت ولم تكن قبل ذاك من زمان قريب غاية القرب ، يقال غنى بالمكان : أقام به ، فقد شبّه فى الآية مثل الحياة الدنيا أى : حالتها العجيبة الشأن وهى تقضيها بسرعة وانقراض نعمها بغتة بالكلية بعد ظهور قوتها ، واغترار الناس بها واعتمادهم عليها ـ بزوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما لم يبق له أثر أصلا بعد ما كان غضّا طريّا قد التفّ بعضه ببعض وزيّن الأرض بأنواره وطراوته وتقوّيه بعد ضعفه ، بحيث طمع الناس فيه وظنّوا سلامته من الجوائح ، ووجه الشبه : هيئة منتزعة من

__________________

(١) يونس : ٢٤.

٢١٣

ما كان من هذا الضرب) أى : من البعيد الغريب دون القريب المبتذل (لغرابته) أى : لكون هذا الضرب غريبا غير مبتذل (ولأن نيل الشىء بعد طلبه ألذّ) ...

______________________________________________________

تلك الأمور وهى حصول شىء يترتب عليه المنافع ، فيحصل السرور به وتنسى عاقبة أمره ، ثم يذهب ذلك الأمر بسرعة.

(قوله : ما كان من هذا الضرب) لم يقل منه ؛ لأن المتبادر من الضمير عوده إلى خصوص ما كان التركيب فيه من أمور كثيرة ، فلذا أظهر ، والحاصل : أن بلاغة التشبيه منظور فيها إلى كونه بعيدا غريبا سواء كان وجه الشبه فيه تركّب من أمور كثيرة أو لا وسواء ذكرت الأداة أو حذفت ، وحينئذ فإطلاق البليغ على التشبيه الذى حذفت أداته إطلاقا شائعا طريقة لبعضهم ، وإلّا فهو يسمى مؤكّدا كما يأتى.

وقول المصنف : ما كان من هذا الضرب : ليس المراد أنه من أفراد هذا الضرب ، بل المراد أنه نفس هذا الضرب كما علمت ، وحينئذ فالأوضح أن يقول : والتشبيه البليغ هو هذا الضرب ، ثم إن المراد بالبليغ هنا : الواصل لدرجة القبول فهو من البلوغ بمعنى الوصول ، أو اللطيف الحسن مأخوذ من البلاغة بمعنى اللطف والحسن مجازا لا من البلاغة المصطلح عليها ؛ لأنه إنما يوصف بها الكلام والمتكلم لا التشبيه ، ولا يقال : يصح إرادة المصطلح عليها باعتبار الكلام الذى فيه التشبيه ؛ لأنا نقول بلاغته حينئذ باعتبار المطابقة لمقتضى الحال ، ولا وجه لاختصاص الغريب بالبليغ حينئذ ، إذ ربما كان القريب المبتذل مطابقا لمقتضى الحال كما إذا كان الخطاب مع شخص يقتضى حاله تشبيها مبتذلا لبلادته وسوء فهمه ، فلا يكون الغريب بليغا بل القريب المبتذل ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : لغرابته) علّة لتسمية هذا الضرب بليغا ، فالغرابة موجبة للبلاغة فكل ما كان غريبا كان بليغا ، إذ لا يخفى أن المعانى الغريبة أبلغ وأحسن من المعانى المبتذلة (قوله : ولأن نيل الشىء) أى : حصوله بعد طلبه ألذّ أى : والغريب المذكور لا ينال إلا بعد التأمل والطلب ، وهذا عطف على قوله لغرابته (قوله : ألذّ) أى : من حصوله بلا طلب ، ثم إن هذا لا ينافى ما تقدم فى باب حذف المسند من أن حصول النعمة الغير المترقبة ألذ لكونه رزقا من حيث لا يحتسب ؛ لأن الطلب لا ينافى ؛ الحصول الغير المترقب ، لأنه يمكن

٢١٤

وموقعه فى النفس ألطف ، وإنما يكون البعيد الغريب بليغا حسنا إذا كان سببه لطف المعنى ودقته ، أو ترتيب (بعض المعانى على بعض ، وبناء ثان على أول ، وردّ تال إلى سابق فيحتاج إلى نظر وتأمل (وقد يتصرف فى) التشبيه (القريب) المبتذل

______________________________________________________

حصول المطلوب قبل وقت ترقبه أو من غير موضع يطلب منه ويترقب فيه ، فإذا اجتمع الطلب وعدم الترقب فقد بلغ المرتبة العليا من اللذة.

(قوله : وموقعه فى النفس) أى : ووقوعه عند النفس (قوله : وإنما يكون .. إلخ) جواب عما يقال : إن الغرابة تقتضى عدم الظهور وخفاء المراد لاقتضائها قلة الوجود المقتضية لعدم إدراك كل أحد فيحتاج إلى مزيد التأمل والنظر ، ولا شكّ أن عدم الظهور وخفاء المراد يوجب التعقيد وقد تقدم أول الكتاب أنه مخلّ بالفصاحة والإخلال بالفصاحة يخلّ بالبلاغة ، وحينئذ فلا تكون الغرابة موجبة لبلاغة التشبيه ، فبطل قول المصنف والتشبيه البليغ ما كان من هذا الضرب ، وحاصل الجواب : أن الخفاء وعدم الظهور تارة ينشأ عن لطف المعنى ودقته ، وهذا محقق للبلاغة وهو المراد هنا ، وتارة ينشأ عن سوء تركيب الألفاظ وعن اختلال الانتقال من المعنى الأول إلى المعنى الثانى ، وهذا هو المحقق للتعقيد المخلّ بالفصاحة (قوله : إذا كان سببه لطف المعنى) أى : لا إن كان سببه سوء ترتيب الألفاظ كما فى قوله :

وما مثله فى النّاس إلا مملّكا

أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه (١)

أو كان سببه اختلال الانتقال من المعنى المذكور إلى المعنى المقصود كما فى قوله :

سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا

وتسكب عيناى الدّموع لتجمدا (٢)

على ما تقدم تقريره (وقوله : ودقته) عطف تفسير ، والغريب الذى سبب غرابته لطف المعنى ودقته كما فى تشبيه البنفسج بأوائل النار فى أطراف كبريت (وقوله : أو ترتيب

__________________

(١) البيت للفرزدق فى لسان العرب (ملك) ومعاهد التنصيص ١ / ٤٣ ، وبلا نسبة فى الخصائص ١ / ١٤٦ ، ٣٢٩ ، ٣٩٣.

(٢) البيت للعباس بن الأحنف الشاعر الغزلى المشهور ، وهو فى ديوانه ١٠٦ ودلائل الإعجاز ٢٦٨ والإشارات والتنبيهات ص ١٢.

٢١٥

(بما يجعله غريبا) ويخرجه عن الابتذال (كقوله :

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا

إلا بوجه ليس فيه حياء)

فتشبيه الوجه بالشمس مبتذل ...

______________________________________________________

بعض المعانى على بعض) أى : كالترتيب فى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ)(١) الآية ، فإن خضرة النبات مرتبة على الماء واليبس مرتب على الخضرة (وقوله : وبناء ثان .. إلخ) عطف على ترتيب بعض المعانى على بعض عطف تفسير أو لازم على ملزوم ، وكذا (قوله : وردّ تال إلى سابق) (وقوله : وتأمل) تفسير لنظر.

(قوله : بما يجعله) أى : بتصرف يجعله غريبا ، وذلك بأن يشترط فى تمام التشبيه وجود وصف لم يكن موجودا أو انتفاء وصف موجود ولو بحسب الادّعاء (قوله : ويخرجه عن الابتذال) أى : إلى الغرابة ، وهذا عطف لازم على ملزوم (قوله : كقوله) أى : قول القائل وهو أبو الطيب المتنبى من قصيدة من الكامل يمدح فيها هارون بن عبد العزيز الأوراجى ، وأولها

أمن ازديارك فى الدّجى الرّقباء

إذ حيث كنت من الظلام ضياء (٢)

(قوله : لم تلق هذا الوجه .. إلخ) (٣) هذا الوجه : مفعول ، وشمس نهارنا فاعل ، والمراد بهذا الوجه وجه الممدوح أى : لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا فى حال من الأحوال إلا ملتبسة بوجه لا حياء فيه (فقوله : إلا بوجه) استثناء مفرغ من الحال يعنى : أن الشمس دائما وأبدا فى حياء وخجل من الممدوح لما أن نور وجهه أتم من النور والإشراق الذى فيها ، فلا يمكن أن تلاقى وجهه إلا إذا انتفى عنها الحياء ، أما عند وجوده كما هو حق الأدب منها فلا يمكن أن تلقاه ، ويصح رفع الوجه على الفاعلية ونصب شمس نهارنا على المفعولية ، والمعنى : أن الشمس لا يمكن أن يلقاها وجه الممدوح إلا إذا كانت متجردة عن الحياء الذى ينبغى لها أن لا ترتكبه ، إذ لو كان فيها حياء لامتنعت من أن يلقاها وجه الممدوح لكونه أعظم منها (قوله : فتشبيه الوجه) أى : وجه

__________________

(١) الكهف : (٤٥).

(٢) البيت من مطلع قصيدة لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه ١ / ١٦٩ ، يمدح أبا على هارون بن عبد العزيز الأوراجى الكاتب ، ووقعت فى المطبوع الأدراجى والبيت فيه" ازديادك" مكان ازديارك والتصويب من شرح الديوان وغيره كمعاهد التنصيص ، والوساطة بين المتنبى وخصومه.

(٣) البيت للمتنبى فى عقود الجمان ٢ / ٣٠ ، والإيضاح ص ٢٣٨ والتلخيص ص ٧١.

٢١٦

إلا أن حديث الحياء ، وما فيه من الدقة والخفاء أخرجه إلى الغرابة ، وقوله : لم تلق إن كان من : لقيته ، بمعنى : أبصرته فالتشبيه مكنّى غير مصرّح به ، وإن كان من لقيته ، بمعنى : قابلته ...

______________________________________________________

الممدوح بالشمس مبتذل أى : كثير العروض للأسماع ؛ لجريان العادة به ، فإن قلت : إن المفاد من البيت أن الوجه أعظم منها فى الإشراق والضياء فملاقاتها له وظهورها عند وجوده إنما هو من قلّة حيائها ومن قلّة أدبها ، وحينئذ فلا تشبيه فى البيت لا مصرّح به ولا مقدّر.

قلت : إن التشبيه فى البيت ضمنىّ كما أشار فى الوجه الأول فى" لم تلق" ؛ وذلك لأن وجه الممدوح إذا كان أعظم من الشمس فى الإشراق والضياء يستلزم اشتراكهما فى أصل الإشراق فيثبت التشبيه ضمنا ، فكأنه يقول : هذا الوجه كالشمس فى أصل الحسن فقط ، ثم إن جعل الشارح الوجه مشبها بالنظر لمقصود الشاعر وإن كان المفاد من البيت بعد جعل التشبيه ضمنيا أن المشبه الشمس بسبب ذكر عدم الحياء ؛ لأن الوجه أتم فى وجه الشبه فيكون هو المشبه به ، والحاصل : أن المفاد من البيت قلب التشبيه ولكن المقصود للشاعر تشبيه الوجه بالشمس كما قال الشارح ـ فتأمل ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : إلا أن حديث الحياء) أى : ذكر نفى الحياء عن وجه الشمس فى لقيّها وجه المحبوب (قوله : وما فيه من الدقة) أى : من حيث إفادة المبالغة فى الممدوح وأن وجهه أعظم إشراقا وضياء من الشمس (قوله : والخفاء) عطف تفسير (قوله : أخرجه إلى الغرابة) خبر أنّ أى : أخرج التشبيه المذكور من الابتذال إلى الغرابة والحسن ؛ لأن إدراك وجه المحبوب فى غاية الإشراق والضياء عن وجه الشمس فيه غرابة (قوله : بمعنى أبصرته) أى : والمعنى لم تبصر هذا الوجه شمس نهارنا والإسناد حينئذ مجازىّ ؛ لأن الشمس لا تبصر حقيقة (قوله : مكنّى) أى : لأن قوله ليس فيه حياء يدل على أن وجه الممدوح أعظم منها إشراقا وضياء ، وهذا يستلزم اشتراكهما فى أصل الإشراق والضياء ، فيثبت التشبيه ضمنا لا صريحا ، (فقول الشارح : غير مصرّح) به تفسير لمكنّى ، وليس المراد الكناية

٢١٧

وعارضته فهو فعل ينبئ عن التشبيه ، أى : لم تقابله فى الحسن والبهاء إلا بوجه ليس فيه حياء.

(وقوله : عزماته مثل النجوم ثواقبا) أى : لوامعا (لو لم يكن للثاقبات أفول).

______________________________________________________

بالمعنى المشهور ؛ لأن المذكور فى البيت ملزوم التشبيه وهو نفى الحياء المستلزم لكون الوجه أعظم إشراقا ـ كذا فى يس ـ تأمله.

(قوله : وعارضته) أى : ماثلته وهو مرادف لقابلته (قوله : فهو فعل ينبئ عن التشبيه) أى : يدل على التشبيه الواقع بعد أداة الاستثناء ؛ لأن المعنى لم تقابله إلا بوجه ليس فيه حياء فتقابله وتماثله ، فالتشبيه حينئذ مأخوذ من الفعل المنفى المصرّح به فيكون مصرحا به على هذا ، بخلاف الأول فإنه ليس فيه لفظ ينبئ عن التشبيه.

(قوله : أى لم تقابله) أى : لم تماثله فى الحسن والبهاء إلا بوجه لا حياء فيه.

(قوله : وقوله) أى : قول رشيد الدين الوطواط بفتح الواوين (قوله : (١) عزماته) أى : إراداته المتعلقة بمعالى الأمور فهو جمع عزمة وهى المرة من العزم وهى إرادة الفعل مع القطع (قوله : ثواقبا) حال من النجوم ؛ لأن مثل النجوم فى معنى مماثلة للنجوم ، فصح مجىء الحال من المضاف إليه ، والثواقب : النوافذ فى الظلمات بإشراقها مأخوذة من الثقوب وهو النفوذ. سمى لمعان النجوم ثقوبا لظهورها به من وراء الظلمة فكأنها ثقبتها ؛ ولذلك فسّر الشارح الثواقب باللوامع (قوله : أى : لوامعا) بالصرف محاكاة لثواقبا المفسر الواقع فى البيت مصروفا للضرورة (قوله : لو لم يكن .. إلخ) جواب لو محذوف أى : لتمّ التشبيه لكن لها أفول ، فلم يتم التشبيه لكون المشبه به أنقص.

(قوله : أفول) أى : غروب وغيبة (قوله : فتشبيه العزم) أى : الإرادة بالنجم أى :فى الثقوب وهو النفوذ الذى هو فى كليهما تخييلى ؛ لأنه فى العزم بلوغه المراد وفى النجم نفوذه فى الظلمات بإشراقها أمر مشهور ومعلوم لظهور وجه الشبه وعدم توقفه على نظر وفكر دقيق ، ولكن ادعى أن مع ثقوب الإرادة وصفا زائدا وهو عدم الأفول أى :

__________________

(١) البيت للوطواط فى الإشارات ص ١٩٨.

٢١٨

فتشبيه العزم بالنجم مبتذل ، إلا أن اشتراط عدم الأفول أخرجه إلى الغرابة (ويسمى) مثل (هذا) التشبيه : (التشبيه المشروط) لتقييد المشبه ، أو المشبه به ، أو كليهما بشرط وجودىّ ، أو عدمىّ يدل عليه بصريح اللفظ ، أو بسياق الكلام.

أقسام التشبيه باعتبار أداته :

(وباعتبار) أى : والتشبيه باعتبار (أداته : إما مؤكد ، وهو ما حذفت أداته ، مثل : ...

______________________________________________________

عدم الغيبة فصار غريبا ، فكأنه قال : هذا التشبيه بين الطرفين تامّ لو لا أن المشبه اختص بشىء آخر عن المشبه به (قول : مبتذل) أى : لظهور وجه الشبه وعدم توقفه على نظر وتأمل.

(قوله : مثل هذا التشبيه) أى : المتصرف فيه بما يصيّره غريبا (قوله : المشروط) أى : المقيد ، إذ ليس المراد خصوص الشرط النحوىّ بل ما هو أعمّ.

(قوله : لتقييد المشبه .. إلخ) مثال تقييد المشبه به : ما تقدم من قوله : عزماته مثل النجوم .. إلخ ، فإنه قيد المشبه به بعدم الأفول فلم يتم التشبيه بدونه ، ومثال تقييد المشبه : ما لو عكس المثال بأن قيل : النجوم كعزماته لو لا أنه لا أفول لها ، ومثال تقييدهما معا ما لو قيل : زيد فى علمه بالأمور إذا كان غافلا كعمرو فى علمه إذا كان يقظان ، ومثال الشرط المدلول عليه بصريح اللفظ ما ذكر ، ومثال المدلول عليه بسياق الكلام ما لو قيل : هذه القبّة كالفلك فى الأرض ؛ لأن المعنى كالفلك لو كان فى الأرض ، وكقولهم : هى بدر يسكن الأرض أى : هى كالبدر لو كان البدر يسكن الأرض (قوله : بشرط وجودىّ) كقولك : هذه القبّة كالفلك لو كان الفلك فى الأرض ، فإن هذا الشرط أمر وجودىّ ، ومثال العدمّى ما سبق فى البيتين ، فإن قوله : ليس فيه حياء ، وقوله : لو لم يكن للثاقبات أفول كلّ منهما عدمىّ (قوله : يدل عليه) أى : على الشرط. (قوله : إما مؤكد) أى : لأنه أكّد بادعاء أن المشبه عين المشبه به (قوله : ما حذفت أداته) أى : تركت بالكلية وصارت نسيا منسيّا بحيث لا تكون مقدرة فى نظم الكلام لأجل الإشعار بأن المشبه عين المشبه به بخلاف ما لو كانت الأداة مقدرة فلا يفيد الاتحاد فلا يكون التشبيه

٢١٩

وهى تمرّ مرّ السّحاب) أى : مثل مرّ السحاب (ومنه) أى : ومن المؤكد : ما أضيف المشبه به إلى المشبه بعد حذف الأداة (نحو قوله : والريح تعبث بالغصون) أى : تميلها إلى الأطراف والجوانب (وقد جرى ذهب الأصيل) هو الوقت بعد العصر إلى الغروب ، يعدّ من الأوقات الطيبة ، كالسّحر ، ...

______________________________________________________

مؤكدا ، ففى قوله تعالى (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ)(١) إن قدرت الأداة كان التشبيه مرسلا ، وإن لم تقدر كان مؤكدا ، وتفسير الشارح بقوله أى : مثل مرّ السحاب بيان لحاصل المعنى ـ كما أفاد ذلك العصام وعبد الحكيم.

(قوله : وهى تمرّ) أى : الجبال يوم القيامة تمرّ مرّ السحاب أى : إنها بعد النفخة الأولى تسير فى الهواء كسير السحاب الذى تسوقه الرياح ، ثم تقع على الأرض كالقطن المندوف ، ثم تصير هباء (قوله : بعد حذف الأداة) أى : وتقديم المشبه به على المشبه ، فإن قلت : كيف يكون هذا من التشبيه المؤكد مع أن توجيهه بأنه يشعر بحسب الظاهر بأن المشبه عين المشبه به لا يتأتى هنا أى : فيما إذا أضيف المشبه به إلى المشبه؟ قلت : تجعل الإضافة فيه بيانية وهى تقتضى الاتحاد فى المفهوم (قوله : نحو قوله) أى : القائل. قال فى شرح الشواهد : ولا أعرف قائله (قوله : تعبث) (٢) أى : تلعب أى : تحرك الأغصان تحريكا كفعل اللاعب العابث ، وإلا فالريح لا تعقل (قوله : أى تميلها) أى : تمييلا رقيقا لا عنيفا ، ففيه إشارة إلى اعتدال الريح فى ذلك الوقت (قوله : والجوانب) عطف تفسير (قوله : وقد جرى) أى : ظهر والجملة حالية (قوله : ذهب الأصيل) أى : صفرته التى كالذهب والإضافة على معنى فى أى : وقد ظهرت الصفرة فى الوقت المسمّى بالأصيل على لجين الماء (قوله : هو الوقت بعد العصر) تفسير للأصيل ـ بفتح الهمزة ـ على وزن أمير (قوله : يعدّ من الأوقات الطيبة) لاعتداله بين الحرارة والبرودة

__________________

(١) النمل : ٨٨.

(٢) البيت قائله ابن خفاجة الأندلسى : إبراهيم بن عبد الله الشاعر الوصاف المتوفى سنة ٥٢٣ ه‍ ، وذلك فى الإيضاح ص ٢٤١ ، وبلا نسبة فى عقود الجمان ٢ / ٣٢ ، والتخليص ص ٧١.

٢٢٠