حاشية الدسوقي - ج ٣

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٥٣٨

حركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام (والحلم) وهو أن تكون النفس مطمئنة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة ، ولا تضطرب عند إصابة المكروه (وسائر الغرائز) جمع : غريزة وهى الطبيعة ؛ أعنى ملكة تصدر عنها صفات ذاتية ...

______________________________________________________

كيفية نفسانية (قوله : حركة للنفس مبدؤها) أى : سببها وعلتها (إرادة الانتقام) اعتراض بأن هذا التعريف لا يلائم قوله فى تفسير الحلم لا يحركها الغضب حيث جعل الغضب محركا للنفس ، لا أنه نفس حركتها ، وأجيب بأن قوله : لا يحركها الغضب على حذف مضاف أى : لا يحركها أسباب الغضب ، وبعد هذا كله فيردّ عليه أن تفسير الغضب ينافى كونه من الكيفيات ، فإن الشارح نفسه تقدم له الاعتراض على المصنف فى جعله الحركات من الكيفيات فالأحسن أن يقال : الغضب كيفية توجب حركة النفس مبدأ تلك الكيفية إرادة الانتقام (قوله : أن تكون النفس .. إلخ) فيه أن هذا يقتضى أن الحلم كون النفس مطمئنة ، فيفيد أنه ليس من الكيفيات مع أنه منها كما ذكره المصنف ، فالأولى أن يقول : وهو كيفية توجب اطمئنان النفس بحيث لا يحركها الغضب ، وهذا يرجع لقول بعضهم : إن الحلم كيفية نفسانية تقتضى العفو عن الذنب مع المقدرة على الانتقام.

(قوله : بسهولة) متعلق بالغضب والباء للملابسة أى : لا يحركها الغضب الملتبس بسهولة ، وإنما يحرك الحليم الغضب القوىّ ، ولذلك يقال : انتقام الحليم أشد على قدر الغضب ، وإذا أريد التشبيه باعتبار الحلم والغضب قيل : هو كعنترة فى غضبه وهو كمعاوية فى حلمه (قوله : ولا تضطرب) أى : بسهولة والعطف لازم (قوله : وهى الطبيعة) أعنى : السجية التى عليها الإنسان سميت غريزة ؛ لأنها لملازمتها للشخص صارت كأنها مغروزة فيه فهى فعيلة بمعنى مفعولة (قوله : أعنى) أى : بالغريزة التى هى الطبيعة (قوله : تصدر عنها صفات ذاتية) أى : منسوبة للذات ، والمراد هنا بالصفات الذاتية الأفعال الاختيارية لا المعنى المصطلح عليه عند المتكلمين وهو الصفات القائمة بالذات الموجبة لها حكما ـ كذا قرر شيخنا العدوى ، وفى عبد الحكيم : أن المراد بالصفات الذاتية الصفات التى لا يكون للكسب فيها مدخل فملكة الكتابة لا تسمى

١٠١

مثل الكرم ، والقدرة ، والشجاعة ، وغير ذلك (وإما إضافية) عطف على قوله : إما حقيقية ، ونعنى بالإضافية : ما لا تكون هيئة متقررة فى الذات ، بل تكون معنى متعلقا بشيئين (كإزالة الحجاب فى تشبيه الحجة بالشمس) فإنها ليست هيئة متقررة فى ذات الحجة والشمس ، ولا فى ذات الحجاب ...

______________________________________________________

غريزة ؛ لأن ما يصدر عنها من الكتابة للكسب فيها مدخل ، والكرم الذى يصدر عنه بذل المال والنفس والجاه إن كان صدوره بالاعتياد والممارسة فلا يسمى غريزة بل خلقا ـ بالضم ـ وإن كان صدوره بالذات يسمى غريزة ، وعلى هذا فالفرق بين الغريزة والخلق أن الأفعال الصادرة عن الملكة لا مدخل للاعتياد فيها فى الغريزة وله مدخل فيها بالنسبة للخلق (قوله : مثل الكرم) أى : فإنه كيفية يصدر عنها بذل المال والجاه ، وهذا مثال للملكة التى يصدر عنها الأفعال (قوله : والقدرة) أى : فإنها كيفية يصدر عنها الأفعال الاختيارية من العقوبة وغيرها (قوله : والشجاعة) أى : فإنها كيفية يصدر عنها بذل النفس بسهولة واقتحام الشدائد (قوله : وغير ذلك) أى : كأضدادها وهى البخل وهو كيفية يصدر عنها المنع لما يطلب وهو فعل ، والعجز وهو كيفية يصدر عنها تعذر الفعل عند المحاولة وهو فعل يسند لصاحب العجز ، والجبن وهو كيفية يصدر عنها الفرار من الشدائد المتعلقة ، ويقال عند التشبيه باعتبار ما ذكر مثلا : هو كحاتم فى الكرم وهو كعنترة فى الشجاعة وهو كالمعتصم فى القدرة ، ثم إن ظاهر الشارح يقتضى اختصاص الغرائز بالكيفيات التى تصدر عنها الأفعال أو ما يجرى مجرى الأفعال ، فلو فرضت كيفية لا يصدر عنها فعل لم تكن غريزة كالبلادة ـ فتأمل (قوله : ما لا تكون هيئة) أى : ما لا تكون صفة متقررة فى الذات أى : متقررة فى ذات الطرفين المشبه والمشبه به.

(قوله : متعلقا بشيئين) أى : بحيث يتوقف تعلقه على تعلقهما وذلك كالأبوة والبنوة ، فإنه ليس شىء منهما متقررا فى ذات بقطع النظر عن الغير ، بل بالقياس إلى الغير ، وكإزالة الحجاب فإنها إنما تتصور متعلقة بشيئين هما الحجاب والشمس أو الحجاب والحجة (قوله : فإنها) أى : الإزالة (قوله : ولا فى ذات الحجاب) الأولى حذفه ؛ لأن الكلام

١٠٢

وقد يقال الحقيقى على ما يقابل الاعتبارى الذى لا تحقق له إلا بحسب اعتبار العقل. وفى المفتاح ...

______________________________________________________

فى كون وجه الشبه خارجا عن الطرفين والحجاب ليس واحدا منهما ، وإنما هو متعلق الإزالة ولا التفات لكون الإزالة قائمة به ومتقررة فيه أو لا ، والحاصل : أنك إذا قلت هذه الحجة كالشمس كان وجه الشبه بينهما إزالة الحجاب عما من شأنه أن يخفى ، إلا أن الشمس مزيلة عن المحسوسات والحجة مزيلة عن المدارك المعقولة ، وإذا زال الحجاب ظهر المزال عنه والوجه المذكور ليس صفة متقررة فى الحجة ولا فى الشمس ، بل أمر نسبى يتوقف تعلقه على تعلق المزال وهو الحجاب وتعلق المزيل (قوله : وقد يقال .. إلخ) هذا مقابل لما ذكره المصنف من مقابلة الحقيقى بالإضافى وتوضيح ما فى المقام : أن الصفة إما أن تكون متقررة فى ذات الموصوف لكونها موجودة فى الخارج كالكيفيات الجسمانية المدركة بالحواس الخمس الظاهرة ، وكالكيفيات النفسانية المدركة بالعقل كالعلم وتسمى هذه الصفة حقيقية ، وإما أن تكون غير موجودة فى الخارج ، وهى إما ثابتة فى خارج الذهن اعتبرها المعتبر أم لا ككون الشىء كذا وتسمى إضافية واعتبارية نسبية ، وإما غير ثابتة فى خارج الذهن بل ثبوتها فى ذهن المعتبر فقط ، فإن اعتبرها كانت ثابتة فيه ، وإن لم يعتبرها لم يكن لها ثبوت فيه كالصور الوهمية مثل صورة الغول والصورة المشبهة بالمخالب أو الأظفار للمنية وكرم البخيل وبخل الكريم ، وتسمى هذه اعتبارية وهمية ، فالاعتبارية أعم من الإضافية ؛ لأن الاعتبارية إما نسبية وهى الإضافية وإما وهمية وهى غيرها ؛ إذا علمت هذا فالمصنف قابل الحقيقية بالإضافية فتكون الاعتبارية الوهمية غير داخلة فى كلامه أما عدم دخولها فى الإضافية فظاهر ، وأما عدم دخولها فى الحقيقية فلأنه قسم الحقيقية إلى حسية وعقلية ، فدل على أنه أراد بالحقيقية ما كانت متحققة فى ذات الموصوف بدون اعتبار العقل سواء كانت مدركة بالحس أو بالعقل ، وحيث كانت الاعتبارية الوهمية غير داخلة فى كل من الحقيقية والإضافية فيكون فى حصر المصنف الصفة فى الحقيقية والإضافية قصور. نعم لو أريد بالحقيقية ما قابل الإضافية كانت الاعتبارية

١٠٣

إشارة إلى أنه مراد هاهنا حيث قال : الوصف العقلى منحصر بين حقيقى كالكيفيات النفسانية ، وبين اعتبارى ونسبى ؛ ...

______________________________________________________

الوهمية داخلة فى الحقيقية ، إلا أنه يمنع من ذلك تقسيمه الحقيقية إلى حسية وعقلية فقط ، وقول الشارح : وقد يقال : أى يطلق الحقيقى على ما يقابل الاعتبارى الذى لا تحقق له إلا بحسب اعتبار العقل أى : وهو الاعتبارى الوهمى وعلى هذا الإطلاق يكون الحقيقى شاملا للإضافيات فيراد به الأمر الذى له ثبوت فى نفسه سواء كان متصفا بالوجود الخارجى أو لا ، فالحقيقى على هذا الإطلاق أعم منه على كلام المصنف حيث أريد بالحقيقى منه ما له وجود خارجى كما هو الظاهر من تقسيمه السابق للحسى والعقلى ، فالإضافى من قبيل الحقيقى على الإطلاق الثانى ، وغير حقيقى على إطلاق المصنف (قوله : إشارة إلى أنه) أى : الإطلاق الثانى وهو أن الحقيقى ما قابل الاعتبارى الوهمى (وقوله : مراد هاهنا) أى : فى مقام تقسيم الصفة إلى حقيقية وغيرها ، فيراد بالغير الاعتبارية الوهمية ، ويراد بالحقيقية ما يشمل الاعتبارية بالإضافية (قوله : حيث قال) أى : لأنه قال الوصف العقلى أى : الذى هو وجه الشبه (وقوله : منحصر) أى : متردد على وجه الحصر (قوله : كالكيفيات النفسانية) أى : مثل العلم والذكاء (قوله : وبين اعتبارى) أى : وهمى (وقوله : ونسبى) أى : وبين اعتبارى ونسبى ، واعلم أن المفهوم من عبارة المفتاح تقسيم الوصف العقلى إلى ثلاثة أقسام حقيقى ، واعتبارى ، ونسبى ، وقضية ذلك أن الحقيقى ما ليس باعتبارى ولا نسبى فلا يشمل النسبى ، وهذا خلاف المفهوم من قوله وقد يقال الحقيقى .. إلخ ، إذ قضيته تناوله للنسبى ، وأجيب بأن استدلاله بكلام المفتاح مبنى على رأى المتكلمين من أن الأمور الإضافية لا وجود لها فى الخارج وأنها اعتبارية أى : مما وجوده بحسب اعتبار العقل فيكون قوله اعتبارى ونسبى من عطف الخاص على العام ويكون قوله على ما يقابل الاعتبارى الذى .. إلخ ، شاملا للإضافى والوهمى ، وإنما قال : وفى المفتاح إشارة .. إلخ ؛ لأن قوله : ونسبى يحتمل أن يكون معطوفا على اعتبارى أى : وبين اعتبارى غير نسبى ونسبى اعتبارى أيضا فيكون الوصف العقلى قسمين فقط ، ويحتمل أن يكون قوله : ونسبى عطفا على حقيقى ، فتكون الأقسام ثلاثة ،

١٠٤

كاتصاف الشىء بكونه مطلوب الوجود ، أو العدم عند النفس ، أو كاتصافه بشىء تصورى وهمى محض.

[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى] :

(وأيضا) لوجه الشبه تقسيم آخر وهو أنه (إما واحد ، وإما بمنزلة الواحد ؛ لكونه مركبا من متعدد) تركيبا حقيقيّا بأن يكون حقيقة ملتئمة من أمور مختلفة ، أو اعتباريّا بأن يكون هيئة انتزعها العقل من عدة أمور (وكل منهما) أى : من الواحد ، وما هو بمنزلته (حسى أو عقلى ، وإما متعدد) ...

______________________________________________________

وحينئذ فلا دليل فيه ـ اه (قوله : كاتصاف الشىء بكونه مطلوب الوجود) أى : إذا كان أمرا مرغوبا فيه محبوبا للطالب ، وهذا المعنى أعنى كون الشىء مطلوبا أمر نسبى يتوقف تعقله على تعقل الطالب والمطلوب (قوله : أو العدم) أى : كون الشىء مطلوب العدم أى : إذا كان مكروها مرغوبا عنه (قوله : أو كاتصافه .. إلخ) هذا تمثيل للاعتبارى الوهمى وذلك مثل اتصاف السنة وكل ما هو علم بما يتخيل فيها من البياض والإشراق واتصاف البدعة وكل ما هو جهل بما يتخيل فيها من السواد والإظلام (قوله : محض) أى : خالص من الثبوت خارج الأذهان (قوله : إما واحد) أى : إما أن يكون واحدا ، والمراد بالواحد ما يعد فى العرف واحد إلا الذى لا جزء له أصلا ، وذلك كقولك : خده كالورد فى الحمرة فهذا واحد وإن اشتملت الحمرة على مطلق اللونية ومطلق القبض للبصر ـ اه يعقوبى (قوله : بأن يكون) أى : ذلك المركب (قوله : ملتئمة) أى : مركبة من أمور مختلفة ، والمراد بالجمع ما فوق الواحد وذلك كالحقيقة الإنسانية الواقعة وجه شبه فى قولك : زيد كعمرو فى الإنسانية فهى حقيقة مركبة تركيبا حقيقيّا من أمرين مختلقين ، وإنما كان التركيب حقيقيّا ؛ لأن الجزأين صارا به شيئا واحدا فى الخارج فتأثير هذا التركيب فى تقريب المركب من الواحد أحق وأقوى ، والغرض من التركيب إفادة هذا المعنى فكان باسم التركيب أحق وأولى (قوله : انتزعها العقل) أى : استحضرها العقل ، (وقوله : من عدة أمور) أى : ملاحظة عدة أمور أى : وتلك الأمور لم يصر مجموعها حقيقة واحدة بخلاف أمور التركيب الحقيقى ، وحاصله : أن المركب تركيبا اعتباريّا لا حقيقة له

١٠٥

عطف على قوله : إما واحد ، وإما بمنزلة الواحد ، والمراد بالتعدد : أن ينظر إلى عدة أمور ، ويقصد اشتراك الطرفين فى كل منها ليكون كل منها وجه شبه ، بخلاف المركب المنزل منزلة الواحد ؛ فإنه لم يقصد اشتراك الطرفين فى كل من تلك الأمور ،

______________________________________________________

فى حد ذاته ، بل هو هيئة يلاحظها من اجتماع أمور بحيث لا يصح التشبيه إلا باعتبار تعلقها بمجموع الأجزاء كالهيئة المنتزعة فى قول الشاعر :

كأنّ مثار النقع فوق رءوسنا

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه (١)

فإن وجه الشبه على ما يأتى هو الهيئة الحاصلة من هوى أجرام مشرقة على وجه مخصوص فى جنب شىء مظلم ، فإن من المعلوم أنه يلتئم من المجموع حقيقة واحدة ، ولكن تلك الهيئة وإن اعتبر فيها متعدد ، لكنها كالشىء الواحد فى عدم استقلال كل جزء منها فى التشبيه ، ثم إن ما ذكره الشارح من التعميم فى المركب من متعدد هو ظاهر المصنف ويشعر به كلام المفتاح الذى هو أصل لهذا المتن. قال فى المطول : وما يشعر به كلام المفتاح من التعميم فيه نظر ستعرفه ، وحاصله : أن المركب تركيبا حقيقيّا كالحقيقة الملتئمة من عدة أمور من قبيل الواحد لا من قبيل ما هو منزل منزلة الواحد ، فالأولى قصر المركب من متعدد على المركب تركيبا اعتباريّا (قوله : عطف على قوله إما واحد وإما بمنزلة الواحد) ظاهره أنه عطف على مجموع الأمرين ؛ وذلك لأنهما بمنزلة شىء واحد ، فكأنه قيل وجه الشبه إما غير متعدد وإما متعدد وغير المتعدد صادق بالأمرين أعنى الواحد والمنزل منزلته ، فلما كان بمنزلة الشىء الواحد صح العطف على مجموعهما ـ كذا قرر شيخنا العدوى ، والذى فى المطول : أن قوله وإما متعدد عطف على قوله : إما بمنزلة الواحد ، وحينئذ تؤول تلك المنفصلة ذات الأجزاء الثلاثة إلى منفصلتين ذاتى جزئين ، لأن الحكم الانفصالى لا يمكن أن يتحقق إلا بين أمرين فكأنه قال وجه الشبه إما بواحد أو غيره ، وغير الواحد إما بمنزلة الواحد أو متعدد (قوله : أن ينظر) أى : ذو (٢) أن ينظر (قوله : إلى عدة أمور) أى : اثنين فأكثر (قوله : ليكون كل منها وجه شبه) أى : وهذا إنما يكون إذا كان التشبيه فى أمور كثيرة لا يتقيد

__________________

(١) البيت لبشار بن برد ، ديوانه ١ / ٣١٨ ، والمصباح ص ١٠٦.

(٢) كذا بالمطبوعة.

١٠٦

بل فى الهيئة المنتزعة ، أو فى الحقيقة الملتئمة منها (كذلك) أى : المتعدد أيضا حسى ، أو عقلى (أو مختلف) بعضه حسى ، وبعضه عقلى (والحسى) من وجه الشبه سواء كان بتمامه حسيّا ، أو ببعضه (طرفاه حسيان لا غير) أى : لا يجوز أن يكون كلاهما ، أو أحدهما عقليّا (لامتناع أن يدرك ...

______________________________________________________

بعضها ببعض ، بل كل واحد منها منفرد بنفسه أى : بحيث لو حذف البعض واقتصر على البعض لم يختل التشبيه كقولنا : هذه الفاكهة مثل هذه الفاكهة فى شكلها ولونها وحلاوتها وطعمها وريحها ، وزيد كعمرو فى علمه وحلمه وأدبه وإيمانه وشجاعته (قوله : بل فى الهيئة المنتزعة) أى : إذا كان مركبا تركيبا اعتباريّا (وقوله : أو فى الحقيقة الملتئمة) أى : فيما إذا كان مركبا تركيبا حقيقيّا نحو : زيد كعمرو فى الإنسانية ، فالذى قصد اشتراك الطرفين فيه الإنسانية وهى حقيقة مركبة من الحيوانية والناطقية (قوله : كذلك) خبر لمبتدأ محذوف كما قال اليعقوبى أى : وهو كذلك أى : مثل المذكور من الواحد وما هو بمنزلته فى التقسيم إلى حسىّ وعقلىّ ، وهذا هو الأنسب بما قبله ، وجعله فى الأطول صفة لمتعدد (قوله : أو مختلف) عطف على ما تضمنه قوله كذلك ، والتقدير المتعدد إما حسى كله أو مختلف أى : بعضه حسى وبعضه عقلى فهو مرتبط بالمتعدد ، وهذا يقتضى أن الاختلاف لا يكون فى القسمين السابقين ، مع أنه يتأتى فى الثانى وهو المركب المنزل منزلة الواحد باعتبار الأجزاء التى انتزعت منها الهيئة إلا أن يقال لما كان وجه الشبه فى الثانى هو المجموع المركب وهو إما حسىّ فقط أو عقلىّ فقط لم يلتفت إلى تقسيمه ـ كذا فى العروس (قوله : والحسى) أى : ووجه الشبه الحسى (قوله : سواء كان بتمامه حسيّا) أى : كان واحدا أو مركبا أو متعددا (قوله : أو ببعضه) أى : أو كان بعضه حسيّا وذلك بأن كان متعددا مختلفا واحد منه حسى والآخر عقلى ، وفى كلامه تنبيه على أن الحسى هنا مأخوذ بالمعنى الأعم من الحسى فيما قبل ؛ لأنه فيما قبل يقابل المختلف بخلافه هنا فإنه يشمل المختلف.

(قوله : أى لا يجوز أن يكون كلاهما أو أحدهما عقليّا) أما إذا كان وجه الشبه بتمامه حسيّا فظاهر ، لأن الحسى لا يقوم إلا بالحسى ، وأما إذا كان وجه الشبه متعددا

١٠٧

بالحس من غير الحسى شىء) فإن وجه الشبه أمر مأخوذ من الطرفين ، موجود فيهما ، والموجود فى العقلى إنما يدرك بالعقل دون الحس ؛ إذ المدرك بالحس لا يكون إلا جسما ، أو قائما بالجسم (والعقلىّ) من وجه الشبه (أعم) من الحسى (لجواز أن يدرك بالعقل من الحسىّ شىء) أى : لجواز أن يكون طرفاه حسيين أو عقليين ، أو أحدهما حسيّا والآخر عقليّا ؛ ...

______________________________________________________

مختلفا فلأنه لا بد من انتزاع كل واحد من ذلك المتعدد من الطرفين ، ويمتنع انتزاع الذى هو حسى من العقلى بخلاف وجه الشبه المركب من الحسى والعقلى فإنه عقلى ، وإن كان بعض أجزائه حسيّا فيجوز أن يكون طرفاه أحدهما عقليّا مركبا من الحسى والعقلى ـ فتدبر ـ قاله عبد الحكيم (قوله : بالحس) أى : الظاهرى كالسمع والبصر .. إلخ (قوله : من غير الحسى) أى : من الطرف غير الحسى وهو العقلى (وقوله : شىء) هو وجه الشبه (قوله : من غير الحسى) من للابتداء متعلقة ب" يدرك" على تضمنه معنى يوجد فلذا عداه بمن أى :لامتناع أن يوجد شىء من غير الحسيات وهى العقليات مدركا بالحواس وليست" من" بيانا لشىء ، وقد أشار لذلك الشارح (قوله : والموجود) أى : والوصف الموجود من وجه الشبه فى الطرف العقلى (قوله : لا يكون إلا جسما) هذا بناء على قول أهل السنة (وقوله : أو قائما بالجسم) بناء على قول الحكماء : إن الحواس لا تدرك الأجسام ، بل الأعراض القائمة بها فأوفى كلامه لتنويع الخلاف ، ثم إن الجسم عبارة عن الجوهر المركب فيفيد أن الجوهر المفرد لا يدرك بالحس (قوله : والعقلى من وجه الشبه) أى : سواء كان عقليّا صرفا أو بعض أجزائه عقليّا وبعضها حسيّا (قوله : أعم) أى : من حيث الطرفين ، أو فى العبارة مضاف محذوف والتقدير : وطرف العقلى من وجه الشبه أعم من طرفه الحسى ، وإنما جعلنا العموم والخصوص فيهما باعتبار محليهما أى : طرفيهما لا باعتبار ذاتيهما لتباينهما ، إذ لا يتصور تصادق بين حسى وعقلى ؛ لأن الوجه الحسى هو الذى لا يدرك أولا إلا بالحس والوجه العقلى هو الذى لا يدرك أوّلا إلا بالعقل ، وليس المراد بالعقلى مطلق المدرك بالعقل ، إذ لو أريد ذلك لم تصح مقابلته بالحسى فى التقسيم ضرورة أن كل مدرك بالحس مدرك بالعقل ولا ينعكس فيكون العقلى على هذا أعم فلا يقابله الحسى (قوله : أو عقليين) أى : صرفين

١٠٨

إذ لا امتناع فى قيام المعقول بالمحسوس ، وإدراك العقل من المحسوس شيئا (ولذلك يقال : التشبيه بالوجه العقلى أعم) من التشبيه بالوجه الحسى ؛ بمعنى : أن كل ما يصح فيه التشبيه بالوجه الحسى يصح بالوجه العقلى من غير عكس (فإن قيل هو) أى : وجه الشبه ...

______________________________________________________

أو مركبين من المحسوس والمعقول (قوله : لجواز .. إلخ) علة لقوله أعم أى : لجواز أن يدرك بالعقل شىء من الأمر الحسى كما يجوز أن يدرك بالعقل شىء من الأمر العقلى.

(قوله إذ لا امتناع فى قيام المعقول بالمحسوس) أى : اتصاف المحسوس بالمعقول كاتصاف الإنسان بالإيمان والعلم والجهل والشجاعة والكرم ـ وغير ذلك ، فالقيام على جهة الاتصاف (قوله : وإدراك العقل) عطف على قيام ، وإضافة الإدراك لما بعده من إضافة المصدر لفاعله ، وشيئا بعده مفعوله (قوله : ولذلك يقال) أى : لأجل ما قلناه من أن وجه الشبه إذا كان عقليّا يكون أعم من وجه الشبه الحسى باعتبار الطرفين لجواز كون طرفى العقلى عقليين دون الحسى.

قال علماء البيان : التشبيه حال كونه كائنا بالوجه العقلى أعم من التشبيه حال كونه كائنا بالوجه الحسى (قوله : بمعنى .. إلخ) أشار بهذا إلى أن العموم باعتبار التحقق أى : أن كل طرفين يتحقق فيهما التشبيه بوجه حسى يتحقق فيهما بوجه عقلى ، وليس كل طرفين يتحقق فيهما التشبيه بوجه عقلى يتحقق فيهما بوجه حسى (قوله : أن كل ما يصح) أى : كل موضع يصح فيه التشبيه بالوجه الحسى بأن يكون الطرفان حسيين (قوله : من غير عكس) أى : بالمعنى اللغوى ، وأما عكس ذلك عكسا منطقيّا فهو صحيح (قوله : فإن قيل) هذا وارد على قوله وكل منهما حسى أو عقلى ، وحاصل ما ذكره المصنف : قياس مفصول النتائج مركب من قياسين : أولهما من الشكل الأول مؤلف من موجبتين كليتين ينتج موجبة كلية ، وثانيهما من الشكل الثانى مؤلف من موجبة كلية صغرى هى نتيجة القياس الأول ، وسالبة كلية كبرى تنتج سالبة كلية هى المطلوب وهى أنه لا شىء من وجه الشبه بحسى وهى مناقضة لما تقدم من أن وجه الشبه يكون حسيّا ، وتقرير السؤال أن تقول : كل وجه شبه فهو مشترك فيه وكل مشترك فيه فهو

١٠٩

(مشترك فيه) ضرورة اشتراك الطرفين فيه (فهو كلى) ضرورة أن الجزئى يمتنع وقوع الشركة فيه (والحسى ليس بكلى) قطعا ضرورة أن كل حسى فهو موجود فى المادة ، حاضر عند المدرك ، ومثل هذا لا يكون إلا جزئيّا ضرورة ؛ فوجه الشبه لا يكون حسيّا فقط (قلنا : المراد) بكون وجه الشبه حسيّا (أن أفراده) أى : جزئياته (مدركة بالحس) كالحمرة التى تدرك بالبصر جزئياتها الحاصلة فى المواد ، فالحاصل أن وجه الشبه إما واحد ، أو مركب ، أو متعدد ، وكل من الأوّلين إما حسى ، أو عقلى ، ...

______________________________________________________

كلىّ ينتج كل وجه شبه فهو كلى ، ثم تضم إليها كبرى القياس الثانى وتقول : لا شىء من الحسى بكلى ينتج ولا شىء من وجه الشبه بحسى وهو المطلوب (قوله : مشترك فيه) أى : محكوم عليه بالاشتراك فيه (وقوله : ضرورة اشتراك الطرفين فيه) أى : فى الواقع فلم يلزم تعليل الشىء بنفسه لاختلاف العلة والمعلول (وقوله : ضرورة .. إلخ) الأول دليل للصغرى ، والثانى دليل للكبرى فى القياس الأول (وقوله : ضرورة أن كل حسى ..

إلخ) هذا دليل للكبرى فى القياس الثانى القائلة ولا شىء من الحسى بكلى وتقرير دليلها الذى ذكره كل حسى فهو موجود فى المادة خاص عند المدرك ، وكل ما هو موجود فى المادة وخاص عند المدرك فهو جزئى ينتج كل حسى فهو جزئى (قوله : فهو موجود فى المادة) أى : فى الجزئيات المادية أى : أن كل ما يدرك بإحدى الحواس موجود فى مادة معينة أى : فى جسم معين كالحمرة القائمة بالخد والقائمة بالورد (قوله : قولنا .. إلخ) حاصله جواب بالتسليم أى : سلمنا ما قلت : وهو أن وجه الشبه لا يكون حسيّا ولكن إطلاقنا عليه حسيّا تسامح نظرا لكون جزئياته حسية لا أنه فى ذاته حسى ، بل هو عقلى لكونه كليّا (قوله : الحاصلة فى المواد) أى : فى الأجسام المادية المعينة كحمرة هذا الخد وهذا الورد فإنها مدركة بالحس ، وأما الحمرة الكلية من حيث هى حمرة فغير مدركة بالبصر ولا بغيره من الحواس ؛ لأن الماهية من حيث هى أمر كلى معقول لا مدخل للحس فيه ، وإنما يدرك بالعقل (قوله : أو مركب) وهو المعبر عنه فيما تقدم بالمنزل منزلة الواحد (قوله : وكل من الأولين) أى : الواحد والمركب (وقوله : إما

١١٠

والأخير إما حسى ، أو عقلى ، أو مختلف ؛ تصير سبعة ، والثلاثة العقلية طرفاها إما حسيان ، أو عقليان ، أو المشبه حسى والمشبه به عقلى ، أو بالعكس ؛ صارت ستة عشر قسما.

(الواحد الحسى كالحمرة) من المبصرات (والخفاء) يعنى خفاء الصوت من المسموعات (وطيب الرائحة) من المشمومات (ولذة الطعم) من المذوقات (ولين الملمس) من الملموسات (فيما مر) أى : فى تشبيه الخد بالورد ، والصوت الضعيف بالهمس ، والنكهة بالعنبر ، والريق بالخمر ، والجلد الناعم بالحرير ، وفى كون الخفاء من المسموعات والطيب من المشمومات واللذة من المذوقات ...

______________________________________________________

حسى أو عقلى) أى : فتصير أربعة (قوله : والأخير) أى : المتعدد من وجه الشبه إما حسى بتمام جزئياته أو عقلى بجميع جزئياته ، أو مختلف بعض جزئياته حسى وبعضها عقلى (قوله : تصير سبعة) أى : حاصلة من مجموع الأربعة الأول والثلاثة الأخيرة (قوله : والثلاثة والعقلية) وهى الواحد العقلى والمركب العقلى والمتعدد العقلى ، واحترز بالعقلية عن الحسية لوجوب كون الطرفين فيها حسيينو وعن المختلف أيضا ؛ لأنه يقتضى حسية الطرف بالتمام (وقوله : طرفاها إما حسيان .. إلخ) أى : فإذا ضربت الثلاثة العقلية فى أحوال الطرفين الأربعة صارت اثنى عشر ، ويضاف إلى ذلك الأربعة الباقية من السبعة : وهى وجه الشبه الواحد الحسى ، والمركب الحسى ، والمتعدد الحسى ، والمتعدد المختلف بعضه حسى وبعضه عقلى ، وهذه الأربعة لا يكون طرفاها إلا حسيين كما تقدم فصار المجموع ستة عشر كما ذكر الشارح.

(قوله : الواحد الحسى) أى : وجه الشبه الواحد الحسى وهذا شروع فى تمثيل الأقسام المذكورة ، وقد علمت أن الواحد الحسى لا يكون طرفاه إلا مفردين حسيين ، وحينئذ فمقتضاه أن يقتصر فى التمثيل له على مثال واحد لكن المصنف مثّل له بأمثلة خمسة نظرا لتعدد الحواس وكونها خمسة (قوله : من المبصرات) حال من الحمرة أى : حالة كونها من المبصرات وكذا يقال فى نظائره الآتية (قوله : فيما مر) أى : فى تشبيهات مرت بينّها الشارح بقوله أى : فى تشبيه الخد .. إلخ ، فيقال : خده كالورد فى الحمرة وصوت زيد كالهمس

١١١

تسامح. (و) الواحد (العقلى كالعراء عن الفائدة ، والجرأة) على وزن الجرعة ـ أى : الشجاعة ، وقد يقال : جرؤ جراءة ـ بالمد (والهداية) أى : الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب ...

______________________________________________________

فى الخفاء ونكهته كالعنبر فى طيب الرائحة وريقه كالخمرة فى لذة الطعم وجلده كالحرير فى لين الملمس (قوله : تسامح) وجهه : أن الخفاء والطيب واللذة أمور عقلية غير مدركة بالحواس ، وإنما المدرك بالسمع الصوت الخفىّ لا الخفاء وبالشم رائحة الطيب لا الطيب وبالذوق طعم الخمر لا لذته ، فقد أثبت ما للموصوف للصفة أو عبّر باسم اللازم عن الملزوم ، فأطلق الخفاء وأراد الصوت الخفى ، وطيب الرائحة وأراد الرائحة الطيبة ، وبلذة الطعم عن الطعم اللذيذ (قوله : والواحد العقلى) أى : ووجه الشبه الواحد العقلى وتحته أربعة ؛ لأن طرفيه إما حسيان أو عقليان أو المشبه به حسى والمشبه عقلى أو عكسه ؛ فلذا مثل له المصنف بأمثلة أربعة (قوله : كالعراء) بالمد أى : الخلو (قوله : على وزن الجرعة) بضم الجيم ـ كحسوة وزنا ومعنى وهو ملء الفم من الماء ، والجرأة مصدر جرؤّ كظرف ، ويقال فى مصدره أيضا : جراءة ـ بالمد وفتح الجيم ـ كما قال الشارح : ككراهة ، ويقال فيه أيضا جرائية ككراهية ، ويقال فيه أيضا جرة ككرة ، وأما جراءة ـ بضم الجيم والمد ـ فهو لحن.

(قوله : أى الشجاعة) تفسير الجرأة بالشجاعة مبنىّ على اصطلاح اللغويين من ترادفهما ، وأن اقتحام المهالك سواء كان صادرا عن رويّة أو لا يقال : جرأة وشجاعة ، وهذا خلاف اصطلاح الحكماء من أن الجرأة أعم من الشجاعة ؛ لأن الاقتحام المذكور إن كان عن رويّة فهو شجاعة ، وأما الجرأة فهى اقتحام المهالك مطلقا ، واعلم أن الشجاعة كما تطلق على الملكة كما تقدم تطلق على آثارها من اقتحام المهالك ، وحينئذ فلا اعتراض ، وإنما عبر المصنف بالجرأة دون الشجاعة مع اشتهار جعلها وجه شبه فى تشبيه الإنسان بالأسد لأجل صحة المثال على كل من اصطلاح الحكماء واللغويين ولو عبر بالشجاعة لورد عليه أن المثال إنما يصح على مذهب اللغويين لا على مذهب الحكماء لاختصاص الشجاعة بالعقلاء ـ تأمل.

(قوله : أى : الدلالة) قال عبد الحكيم : فسر الهداية على مذهب الاعتزال متابعة للسكاكى ولأنه الأنسب فى تشبيه العلم بالنور فى كون كلّ منهما موصلا إلى شىء

١١٢

(واستطابة النفس فى تشبيه وجود الشىء العديم النفع بعدمه) فيما طرفاه عقليان ؛ إذ الوجود والعدم من الأمور العقلية (و) تشبيه (الرجل الشجاع بالأسد) فيما طرفاه حسيان (و) تشبيه (العلم بالنور) فيما المشبه عقلى ، والمشبه به حسى ، فبالعلم يوصل إلى المطلوب ، ويفرق بين الحق والباطل ، كما أن بالنور يدرك المطلوب ، ويفصل بين الأشياء ، فوجه الشبه بينهما الهداية (و) تشبيه (العطر بخلق) شخص (كريم) فيما المشبه حسى ، والمشبه به عقلى ، ولا يخفى ما فى الكلام من اللف والنشر ، وما فى وحدة بعض الأمثلة من التسامح ...

______________________________________________________

(قوله واستطابة) مصدر مضاف للفاعل يقال : استطاب الشىء أى : وجده طيبا (قوله : فى تشبيه) متعلق بالظرف المتقدم الواقع خبرا عن الواحد العقلى (قوله : العديم النفع) أى : الذى لا نفع له يعنى ولا ضرر كرجل هرم ، أو لا عقل له فيقال : وجود هذا كعدمه فى العراء عن الفائدة. قال الشيخ يس : العديم بمعنى فاعل فهو من عدم ككرم بمعنى انعدم ، والانعدام لحن لم يثبت فى اللغة والمتكلمون يستعملونه مع عدم ثبوته وإن كان بمعنى مفعول فهو من عدمه كعلمه أى : فقده ـ اه.

(قوله : بعدمه) متعلق بتشبيه (قوله : فيما طرفاه) أى : فى تشبيه طرفاه .. إلخ ، وكذا يقال فى نظائره الآتية (قوله : إذ الوجود والعدم من الأمور العقلية) أى : سواء كان العدم عاريا عن الفائدة أم لا (قوله : وتشبيه الرجل الشجاع بالأسد) أى : فيقال : زيد ـ مثلا ـ كالأسد فى الجرأة.

(قوله : وتشبيه العلم بالنور) أى : فيقال : العلم كالنور فى الهداية به (قوله : فبالعلم يوصل إلى المطلوب) أى : وهو السلامة فى الدنيا والآخرة ؛ وذلك لأنه يدل على الحق ويفرق بينه وبين الباطل ، فإذا اتبع الحق وصل إلى المطلوب الذى هو السلامة المذكورة فقد صدق على العلم أنه يدل على الطريق الموصلة للمطلوب وكذلك النور يفرق ويميز بين طريقى السلامة والهلاك ، فإذا سلك الطريق الأول حصل المطلوب الذى هو السلامة فقد ظهر أن كلّا من العلم والنور يدل على الطريق الموصلة للمطلوب وتلك الدلالة هى الهداية كما مر (قوله : ويفرق) أى : لأنه يفرق .. إلخ (وقوله : ويفصل) أى : يميز (قوله : وتشبيه العطر .. إلخ) أى : فيقال : العطر كخلق شخص كريم فى استطابة

١١٣

كالعراء عن الفائدة مثلا (والمركب الحسى) من وجه الشبه طرفاه إما مفردان ، أو مركبان ، أو أحدهما مفرد والآخر مركب ، ومعنى التركيب هاهنا أن تقصد إلى عدة أشياء مختلفة فتترع منها هيئة وتجعلها مشبها أو مشبها بها ؛ ولهذا صرح صاحب المفتاح فى تشبيه المركب بالمركب بأن كلّا من المشبه والمشبه به هيئة منتزعة ، وكذا المراد بتركيب وجه الشبه أن تعمد إلى عدة أوصاف لشىء ...

______________________________________________________

النفس لكلّ أى : ميلها لكلّ أو عدّها لكلّ منهما طيبا بالتشديد (قوله : كالعراء عن الفائدة) أى : واستطابة النفس وذلك لما فيها من شائبة التركيب لتقييد الأول بالظرف والثانى بالمضاف إليه وفى دعوى الشارح التسامح نظر ؛ لأن المراد بالواحد ما ليس هيئة منتزعة من عدة أمور ولا أمورا كل واحد منها وجه شبه لا ما ليس فيه تركيب أصلا ، وحينئذ فالتقييد بأمر لا يقتضى التركيب ولا يخرج المقيد عن كونه شيئا واحدا ـ كذا فى السيرامى.

(قوله : والمركب الحسى من وجه الشبه) قد علمت مما سبق أن وجه الشبه متى كان حسيّا سواء كان واحدا أو مركبا أو متعددا لا يكون طرفاه إلا حسيين ، فلذا قسم الشارح الطرفين هنا إلى المفرد والمركب ، ولم يقسمهما إلى الحسى والعقلى ، إذ لا يكونان إلا حسيين كما تقدم ولم يتعرض الشارح لهذا التقسيم فى وجه الشبه الواحد الحسى لكون الطرفين المركبين لا يتأتيان فيه وكذلك المفرد والمركب ؛ وذلك لأن تركيب الطرفين هو أن يقصد إلى متعددين فينتزع منهما هيئتين ، ثم يقصد اشتراك الهيئتين فى هيئة تعمّهما ، وإنما يكون ذلك إذا كان وجه الشبه مركبا ليمكن انتزاع الهيئة التى تعمّهما منه بقى شىء آخر وهو أن تقسيم وجه الشبه إلى واحد ومركب يتوقف على تقسيم الطرفين إلى مفردين ومركّبين ومختلفين ، وسيأتى ذلك فى كلام المصنف فهلّا قدّمه على الكلام على وجه الشبه وتقسيمه وذكره عند تقسيم الطرفين إلى حسيين وعقليين ومختلفين خصوصا وفى ذلك جمع يشمل تقسيمات الطرفين ـ تأمل.

(قوله : هاهنا) أى : فى الطرفين إذا كان وجه الشبه مركبا (قوله : أن تقصد .. إلخ) أى : فالمراد به هنا أحد مسمى ما هو بمنزلة المفرد وهو الذى تركيبه اعتبارى ، والحاصل :

١١٤

فتنتزع منها هيئة ، وليس المراد بالمركب هاهنا ما يكون حقيقة مركبة من أجزاء مختلفة ؛ بدليل أنهم يجعلون المشبه والمشبه به فى قولنا : زيد كالأسد مفردين لا مركبين ، ووجه الشبه فى قولنا : زيد كعمرو فى الإنسانية واحدا ، لا منزلا منزلة الواحد ، (فالمركب الحسى فيما) أى : فى التشبيه الذى (طرفاه مفردان كما فى قوله :

______________________________________________________

أن المراد بالمركب هنا ـ أى : فى تقسيم الطرفين ـ أخص منه فيما سبق ـ أى : التركيب فى وجه الشبه ؛ لأنه فيما سبق المراد به ما كان حقيقة ملتئمة وما كان هيئة والمراد هنا الثانى (قوله : فتنتزع منها هيئة) أى : وهى لا وجود لها خارجا ، وحينئذ فمعنى كون الطرفين اللذين هما الهيئتان محسوسين أن تكون الهيئة منتزعة من أمور محسوسة (قوله : ولهذا) أى : لأجل أن المراد بالتركيب ما ذكر (قوله : أن تعمد إلى عدة أوصاف .. إلخ) بيان للمراد بتركيب وجه الشبه (قوله : وليس المراد بالمركب هاهنا) أى : فى الطرفين ووجه الشبه (قوله : ما يكون حقيقة مركبة من أجزاء مختلفة) أى : كحقيقة زيد الحسية وهى ذاته فإنها مركبة من أجزاء مختلفة وهى أعضاؤه ، أو عقلية وهى ماهيته فإنها مركبة من أجزاء مختلفة وهى الحيوانية والناطقية (قوله : مفردين لا مركبين) مع أن زيدا فيه حيوانية وناطقية وتشخص والأسد فيه الحيوانية والافتراس ، فلو أريد بالمركب ما يكون حقيقة مركبة من أجزاء مختلفة ما ساغ جعل هذين مفردين.

(قوله : لا منزلا منزلة الواحد) أى : وإن كانت الإنسانية مركبة من أمور مختلفة ، وبما ذكره الشارح هنا من أن المركب سواء كان طرفا أو وجه شبه لا يكون إلا هيئة منتزعة لا حقيقة مركبة من أجزاء ـ تعلم أن جعل الشارح سابقا عند قول المصنف أو منزلا منزلة الواحد الحقيقة الملتئمة من أمور مختلفة من قبيل المركب المنزل منزلة الواحد ـ فيه نظر كما نبهنا عليه سابقا (قوله : كما فى قوله) أى : كوجه الشبه الذى فى قول أحيحة بن الجلّاح ـ بضم الهمزة وبحاءين مهملتين مفتوحتين بينهما ياء ساكنة ـ والجلّاح ـ بضم الجيم وتشديد اللام ـ وقيل : إن البيت لأبى قيس بن الأسلت

١١٥

وقد لاح فى الصّبح الثّريّا كما ترى

كعنقود ملّاحيّة (١)

بضم الميم ، وتشديد اللام : عنب أبيض فى حبه طول ؛ وتخفيف اللام أكثر (حين نوّرا) أى : تفتح نوره.

______________________________________________________

(قوله : وقد لاح) أى : ظهر (وقوله : الثريا) اسم لجملة أنجم مجتمعة (قوله : كما ترى) الكاف لتشبيه مضمون جملة" قد لاح" بمضمون جملة" ترى" كما فى تشبيه مفرد بمفرد ولا فعل يتعلق به الجارّ هنا كما نص عليه الرضى ، والمعنى : الثريا الشبيهة بعنقود الملّاحية لاحت فى الصبح كما ترى أى : لاحت على حالة شبيهة بالحالة التى تراها عليها بقطع النظر عن صغرها أو كبرها ، ويصح جعل قوله" كما ترى" حالا من الثريا أو صفة لها والكاف بمعنى" على" أى : قد ظهر فى الصبح الثريا حالة كونها كائنة على الحالة التى تراها عليها كعنقود .. إلخ ، فهو يشير إلى أن التشبيه بحسب الرؤية لا بحسب الحقيقة ؛ لأنها فى نفس الأمر كواكب كبار ، ويصح جعل قوله" كما ترى" صفة لمصدر محذوف أى : قد ظهرت الثريا ظهورا مثل ما تراه من المرئىّ المحسوس حالة كونها مماثلة لعنقود الملّاحية (قوله : كعنقود ملاحية) الإضافة بيانية (قوله : فى حبه طول) ليس المراد بحبه بذره ، بل المراد بحبه وحداته كما يدل له قول القاموس الملّاحية عنب أبيض طويل (قوله : وتخفيف اللام أكثر) أى : وإن كانت الرواية فى البيت التشديد ـ قال ابن قتيبه : لا أعلم هل التشديد فيه ضرورة أو لغة فيه (قوله : حين نوّرا) أى : حالة كون العنقود حين نور ، وفى هذا تنبيه على أن المقصود تشبيه الثريا بالعنب فى حال صغره ؛ لأنه فى حال تفتح نوره يكون صغيرا ـ كذا قرر بعضهم ، وفيه أنه حين تفتح نوره يكون أخضر لا أبيض فيلزم إلغاء البياض فى التشبيه ، وقد اعتبره الشاعر ، وأيضا يكون صغيرا جدّا كالكزبرة أو الحمص وهو أصغر فى المرأى بالنسبة للأنجم ، ولذا قرر شيخنا العدوى أن المراد بقوله : حين نوّر حين قارب الانتفاع به لا حقيقته كما يتبادر من الكلام وعبر عن ذلك المراد بنوّر أى : تفتح نوره ؛ لأن انفتاح النور يحصل معه ويلابسه الانتفاع فى الجملة والنور الزهر ونور العنب أبيض مستدير خلافا لمن وهم ، وقال : إنه لا نور له

__________________

(١) البيت لأبى قيس بن الأسلت أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ١٨٠.

١١٦

(من الهيئة) بيان لما كما فى قوله : (الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير فى المرأى) وإن كانت كبارا فى الواقع حال كونها (على الكيفية المخصوصة) أى : لا مجتمعة اجتماع التضامّ ، والتلاصق ، ...

______________________________________________________

(قوله : بيان لما) أى : الواقعة على وجه الشبه ، فالهيئة المذكورة هى وجه الشبه المركب الحسى لانتزاع تلك الهيئة من محسوس وهذه الهيئة قائمة بطرفين مفردين كما يأتى.

(قوله : الحاصلة) أى : المتحققة ـ قال اليعقوبى : وفسرنا الحاصلة بالمتحققة إشارة إلى أن حقيقة الهيئة متحققة خارجا بالتقارن كتحقق الأعم بالأخص وأنها نفس ذلك التقارن ، ويحتمل أن يحمل الكلام على ظاهره من كون التقارن سببا لحصول هيئة أخرى وهى كون تلك الأجرام متقارنة على الوجه المخصوص على قاعدة حصول الحال لموجبها (قوله : من تقارن الصور)" من" ابتدائية أى : الحاصلة حصولا ناشئا من الصور المتقارنة فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمراد بالصور المتقارنة : صور النجوم فى الثريا وصور حبات العنب فى العنقود (وقوله : البيض) أراد القائم بها مطلق البياض أى : الصفاء الذى لا يشوبه حمرة ولا سواد وإن كان بياض النجوم فى المرأى أشد ـ تأمل.

(قوله : المستديرة) فيه أن هذا يخالف ما مر من أن العنب الملاحى فيه طول ، وأجيب بأن الطول يحدث فيه بعد طيبه ، وأما فى حال صغره فهو مستدير والتشبيه به فى حال صغره أى : حين مقاربة الانتفاع به لا فى حال كبره بدليل قوله حين نوّر.

(قوله : الصغار المقادير) أى : التى مقاديرها صغيرة (قوله : فى المرأى) قيد فى التقارن والبيض والمستديرة والصغار ؛ لأنه لا تقارن فى الحقيقة ، ولأنه لا لون للفلكيات أو لا نعلم لونها ولا نعلم استدارتها وهى فى الواقع كبار فما أشعر به (قول الشارح : وإن كانت .. إلخ) من أنه قيد فى قوله الصغار فقط فهو قصور ـ قاله العصام فى الأطول.

(قوله : حال كونها) أى : الصور كائنة على الكيفية المخصوصة ، وأشار الشارح بهذا إلى أن قوله على الكيفية المخصوصة حال من الصور (قوله : أى : لا مجتمعة .. إلخ)

١١٧

منضمة (إلى المقدار المخصوص) من الطول والعرض فقد نظر إلى عدة أشياء ، وقصد إلى هيئة حاصلة منها ، والطرفان مفردان ؛ لأن المشبه هو الثريا ، والمشبه به هو العنقود ؛ مقيدا بكونه عنقود الملاحية فى حال إخراج النور ، والتقييد لا ينافى الإفراد ، كما سيجىء إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

تفسير للكيفية المخصوصة وعطف التلاصق على ما قبله عطف تفسير (وقوله : ولا شديدة الافتراق) أى : بل تلك الصور متقاربة مجتمعة اجتماعا متوسطا بين التلاصق وشدة الافتراق.

(قوله : منضمة إلى المقدار المخصوص) أى : حال كون تلك الكيفية السابقة منضمة إلى مقدار كل منهما القائم بمجموعه من الطول والعرض ، ولا يقال لا حاجة لهذا مع قوله أولا الصغار المقادير ؛ لأن ذلك باعتبار كل حبة وكل نجمة ، والمراد هنا المقدار القائم بالمجموع ، وأشار الشارح بقوله : منضمة إلى تقدير متعلق الجار والمجرور ، ولك أن تجعل" إلى" بمعنى" مع" أى : حال كون تلك الكيفية مصاحبة للمقدار المخصوص ولا يحتاج حينئذ لتقدير" منضمة" لفهم الانضمام من المصاحبة ، وهذا أعنى قوله : إلى المقدار المخصوص تصريح بما علم التزاما ؛ لأن الكيفية من لوازمها مصاحبتها للمقدار ـ تأمل.

ولا يلزم على جعل قوله إلى المقدار حالا من الكيفية مجىء الحال من الحال ؛ لأن الكيفية فى الجملة الظرفية مفعول بالواسطة فصح مجىء الحال منها ـ قاله العصام ، وما اقتضاه كلامه من أن الحال لا تأتى من الحال صحيح كما هو مصرح به فى متن الكافية ، وكذلك التمييز والمفعول المطلق (قوله : فقد نظر) أى : فى وجه هذا التشبيه (قوله : إلى عدة أشياء) أى : وهى الصفات القائمة بالثريّا والعنقود من التقارن والاستدارة والصغر وإن كان ذلك بحسب المرأى والكيفية المخصوصة والمقدار المخصوص (قوله : والطرفان) أى : المشبه والمشبه به (وقوله : مفردان) أى : حسيان (قوله : مقيدا) أى : كما أن المشبه مقيد بكونه فى الصبح ، فقوله بعد والتقييد أى : فى كل من المشبه والمشبه به (قوله : لا ينافى الأفراد) أى : لأن المراد بالمفرد هنا ما ليس هيئة منتزعة

١١٨

(وفيما) أى : والمركب الحسى فى التشبيه الذى (طرفاه مركبان كما فى قول بشار(١):

كأنّ مثار النقع) من : أثار الغبار : هيجه (فوق رءوسنا وأسيافنا ليل ...

______________________________________________________

من متعدد فيصدق حتى على مجموع المقيد والقيد خلافا لما يفهم من الشارح ، وأتى بقوله : والتقييد لا ينافى : إلخ دفعا لما يتوهم من أن المشبه به هو عنقود الملّاحية حين كان كذا فهو مركب لا مفرد (قوله : أى والمركب الحسى) أى : ووجه الشبه المركب الحسى فى التشبيه الذى طرفاه مركبان (قوله : كما فى قول بشار) أى : كوجه الشبه الذى فى قول بشار بن برد (قوله : كأن مثار النقع) مثار ـ بضم الميم ـ اسم مفعول من أثار الغبار : هيجه وحركه ، والنقع : الغبار ، والإضافة من إضافة الصفة للموصوف أى : كأن الغبار المثار أى : المهيج والمحرك من أسفل لأعلى بحوافر الخيل (وقوله : فوق رءوسنا) أى : المنعقد فوق رءوسنا ، وأنشد ابن جنى فى مجموعه" فوق رءوسهم وأسيافنا" ، وكذلك أنشده الخفاجى فى سر الفصاحة ، وابن رشيق فى العمدة ، وهذه الرواية أحسن من جهة المعنى ؛ لأن السيوف ساقطة على رءوسهم فلا بد أن يكون النقع على رءوسهم ليحصل التشبيه ـ كذا فى عروس الأفراح ، وفى الأطول : مثار النقع اسم مفعول وإضافته لما بعده بيانية ولو جعل كأن للتشبيه لم يكن المحذوف من أركان التشبيه إلا الوجه ، وإن جعل للظن كانت أداة التشبيه أيضا محذوفة ويكون كقولهم : أظن زيدا أسدا فيكون أبلغ ، وهكذا كل تشبيه مشتمل على كلمة كأن ـ اه.

(قوله : وأسيافنا) الواو بمعنى مع فأسيافنا مفعول معه والعامل فيه مثار ؛ لأن فيه معنى الفعل وحروفه ولم تجعله منصوبا بـ كأن عطفا على اسمها وهو مثار لئلا يتوهم أنهما تشبيهان مستقلّان كل منهما تشبيه مفرد بمفرد ، وأن المعنى : كأن النقع المثار ليل وكأن أسيافنا كواكبه ، وهذا لا يصح الحمل عليه لما صرحوا به من أنه متى أمكن حمل التشبيه على المركب فلا يعدل عنه إلى الحمل على المفرد ؛ لأنه تفوت معه الدقة التركيبية المرعية فى وجه الشبه ، ولأن قوله : " تهاوى كواكبه" تابع لليل ؛ لأنه صفة له فتكون الكواكب

__________________

(١) البيت لبشار بن برد ، ديوانه ١ / ٣١٨ ، والمصباح ١٠٦ ، ويروى [رءوسهم] بدل [رءوسنا].

١١٩

تهاوى كواكبه) أى : يتساقط بعضها إثر بعض ، والأصل تتهاوى ؛ حذفت إحدى التاءين (من الهيئة الحاصلة من : هوى) بفتح الهاء ؛ أى : سقوط (أجرام مشرقة

______________________________________________________

مذكورة على سبيل التبع غير مستقلة فى التشبيه باعتبار الصناعة قطعا فيكون مقابلها الذى يتوهم كونه مشبها به تبعا لغيره أيضا (قوله : تهاوى كواكبه) أى : طائفة بعد طائفة لا واحدا بعد واحد ـ قاله فى الأطول.

(قوله : حذفت إحدى التاءين) وهل المحذوف الأولى أو الثانية خلاف وإنما لم يجعله فعلا ماضيا مذكرا لإسناده للاسم الظاهر المجازىّ التأنيث لما يلزم عليه من الإخلال بكثير من اللطائف والأحوال التى قصدها الشاعر من العلو تارة والسفل أخرى ـ وغير ذلك مما قاله الشاعر ، وتوضيح ذلك أن صيغة المضارع تدل على الاستمرار التجددىّ والتجدد الاستمرارىّ يدل على كثرة الحركات والتساقط فى جهات كثيرة من العلو والسفل واليمين واليسار والتدخل والتلاقى ، فيكون مشعرا باللطائف المشار لها بقول الشارح وهى تعلو وترسب بخلاف الماضى ، فإنه يدل على وقوع التساقط مرة فى الزمان الماضى ، ولا يشعر بكونه فى الجهات كثيرة فيكون مخلّا بتلك اللطائف وإن كان صحيحا أيضا ، لأن التهاوى يشعر بتعددها وسقوط بعضها إثر بعض فيؤخذ منها هيئة ـ هذا محصل ما فى المطول من توجيه عدم جعل الفعل ماضيا.

وفى الأطول توجيه آخر وحاصله : أن قوله" ليل تهاوى كواكبه" : يفيد وصف الليل بالخلوّ عن الكواكب ، فيلزم تشبيه مثار النقع والسيوف بالليل الخالى عن الكواكب بخلاف ليل تتهاوى كواكبه فإنه يفيد وصفه بكونه ذا كواكب تسقط بالتدريج وهذا هو المطابق لوجود الليل والمناسب للمشبه (قوله : من الهيئة) بيان لما فى قوله كما فى قول بشار الواقعة على وجه الشبه.

(قوله : بفتح الهاء) أى : وكسر الواو وتشديد الياء أى : سقوط ، وأما الهوى ـ بضم الهاء ـ فمعناه الصعود كما فى الأساس ، وفى القاموس كل من الفتح والضم للسقوط أو بالضم للسقوط وبالفتح للصعود ، فعلى كلامه المناسب أن يقول : بضم الهاء (قوله : أجرام مشرقة) وهى السيوف والنجوم فإن كلّا منهما مشرق بالبياض.

١٢٠