حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

كأنّ عيون الوحش حول خبائنا ...) أى : خيامنا (وأرحلنا الجزع الذى لم يثقّب).

الجزع [بالفتح] : الخرز اليمانى الذى فيه سواد وبياض ؛ شبه به عيون الوحش ، وأتى بقوله : لم يثقب تحقيقا للتشبيه لأنه إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون. قال الأصمعى : الظبى ، والبقرة إذا كانا حيين فعيونهما ...

______________________________________________________

فإنّكما إن تنظرانى ساعة

من الدّهر تنفعنى لدى أمّ جندب

ألم تر أنّى كلّما جئت طارقا

وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب

عقيلة أخدان لها لا ذميمة

ولا ذات خلق إن تأملت جانب

(قوله : كأن عيون الوحش) أى : المصادة لنا ، والمراد به الظباء وبقر الوحش (قوله : خبائنا) واحد الأخبية وهو ما كان من وبر أو صوف ولا يكون من شعر وهو على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك يقال له بيت (قوله : وأرحلنا) جمع رحل عطف على خبائنا عطف تفسير ؛ لأن المراد بالخباء جنس الخيام الصادق بالكثير (قوله : الجزع) خبر كأن ، وقوله لم يثقب : بضم الياء وفتح الثاء وتشديد القاف وكسر الموحدة (قوله : بالفتح) أى : بفتح الجيم ، وحكى أيضا كسرها ، وعلى كل حال فالزاى ساكنة ، وأما الجزع بفتح الجيم والزاى فهو ضد الصبر (قوله : الخرز اليمانى) أى : وهو عقيق فيه دوائر البياض والسواد (قوله : شبه به عيون الوحش) أى بعد موتها (قوله : تحقيقا للتشبيه) أى : لبيان التساوى فى وجه الشبه ، وتوضيح ذلك أن تشبيه عيون الوحش بعد موتها بالجزع فى اللون والشكل ظاهر لكن الجزع إذا كان مثقبا يخالف العيون فى الشكل مخالفة ما لأن العيون لا تثقيب فيها ، فزاد الشاعر قوله لم يثقب : ليحقق التشابه فى الشكل بتمامه أى : ليبين أن الطرفين متساويان فى الشكل الذى هو وجه الشبه مساواة تامة فهذه الزيادة لتحقيق التشبيه أى : لبيان التساوى فى وجه الشبه ، وليس هذا من المبالغة السابقة كما قد يتوهم ، إذ لم يقصد بذلك علو المشبه به فى وجه الشبه ليعلو بذلك المشبه الملحق به ، فقد ظهر لك الفرق بينهما كما تقدم.

(قوله : كان أشبه بالعيون) لعل الأولى كانت العيون أشبه به ؛ لأن الجزع اعتبره الشاعر مشبها به واعتبر العيون مشبهة (قوله : الظبى) أى الغزال وقوله والبقرة أى الوحشية

٧٠١

كلها سواد ، فإذا ماتا بدا بياضها ، وإنما شبهها بالجزع ؛ وفيه سواد وبياض بعد ما موتت ، والمراد كثرة الصيد ؛ يعنى : مما أكلنا كثرت العيون عندنا ؛ كذا فى شرح ديوان امرئ القيس ؛ ...

______________________________________________________

(قوله : كلها سواد) أى : بحسب الظاهر وإن كانت لا تخلو فى نفس الأمر من بياض لا يظهر إلا بعد الموت (قوله : بدا) هو بالقصر بمعنى ظهر أى : ظهر بياضها الذى كان غطى بالسواد زمن حياتها فأشبهت الجزع وفى كلامه إشارة إلى أن البياض فى حال الحياة موجود فيها فى الواقع إلا أنه خفى كما قلنا (قوله : وإنما شبهها) أى : العيون (قوله : وفيه سواد وبياض) جملة حالية (قوله : بعد ما موتت) أى : ماتت وهذا ظرف لقوله شبهها ، أى : أن تشبيهه العيون بالجزع ، والحال أن فيه السواد والبياض لا يصح إلا بعد الموت لأجل أن يتم وجه الشبه ، وقرر بعض الأشياخ أنه يصح قراءة موتت بفتح الميم والواو على صيغة المبنى للفاعل بمعنى صارت ميتة وبضم الميم وكسر الواو على صيغة المبنى للمفعول أى : موتها الغير ، وأما قول بعضهم : إنه على الوجه الأول يكون معناه كثر موتها ؛ لأن صيغة التفعيل تأتى للتكثير ففيه تأمل (قوله : مما أكلنا) متعلق بقوله بعد ذلك كثرت ، وحاصله أنهم كانوا يصطادون الوحش كثيرا ويأكلونها ويطرحون أعينها حول أخبيتهم فصارت أعينها بتلك الصفة (قوله : كذا فى شرح ديوان امرئ القيس) أى : خلافا لمن زعم أن المراد من البيت أن الوحش الفهم لطول سفرهم واستقرارهم فى الفيافى فلا تفر منهم فتظهر أعينها بتلك الصفة حول أخبيتهم ، ورد هذا القول بأن عيون الظباء حال حياتها سود فلا تشبه الخرز اليمانى الذى فيه سواد وبياض ، بقى شىء آخر لا بد من التنبيه عليه وهو أن قوله فى رأسه نار ، وقوله الذى لم يثقب كل منهما ذكر لإفادة معناه على أنه وصف لما قبله كسائر النعوت التى تراد لمعانيها ، وليس معنى كل منهما مستفادا مما قبله ، فإن كان الإتيان بالنعت عند الحاجة إليه مساواة فهذان منه وإلا لزم كون النعت إطنابا إن كان لفائدة أو تطويلا إن لم يكن لفائدة ، ويلزم كون سائر الفضلات كذلك ، وأجيب بأن النعت وشبهه من سائر الفضلات إن أتى به لإفادة المعنى الذى وضع له فقط وكان مدركا للأوساط من الناس

٧٠٢

فعلى هذا التفسير يختص الإيغال بالشعر (وقيل : لا يختص بالشعر) بل هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها.

(ومثل) لذلك فى غير الشعر (بقوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(١)) فقوله : (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) مما يتم المعنى بدونه ؛ لأن الرسول مهتد لا محالة إلا أن فيه زيادة حث على الاتباع

______________________________________________________

كان مساواة وإن أتى به لمعنى دقيق مناسب للمقام لا يدركه إلا الخواص ولا يستشعره إلا أهل الرعاية لمقتضيات الأحوال كالمبالغة فى التشبيه المناسبة فى قوله : فى رأسه نار كان إطنابا ، ولا نسلم أن ما أتى به للإطناب يجب أن يكون مستفادا مما قبله ، بل إذا أتى بالشىء لمعناه وفيه دقة فى المقام مناسبة لا يأتى به لأجلها الأوساط من الناس ، وإنما يتفطن له البلغاء وأهل الفطنة وقصد الإتيان به لذلك كان إطنابا ، ولو أوجبنا فى الإطناب أن يكون معناه مدلولا لما قبله خرج كثير مما أوردوه فى هذا الباب عن معنى الإطناب ، وبهذا يجاب عن كل ما كان من هذا النمط مما يذكره المصنف بعد (قوله : فعلى هذا التفسير) أعنى قول المصنف ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها.

(قوله : وقيل لا يختص بالشعر) الباء داخلة على المقصور عليه أى : أن الإيغال ليس مقصورا على الشعر ، بل يتعداها لغيره (قوله : بل هو ختم الكلام) أى : سواء كان شعرا أو نثرا (قوله : مما يتم المعنى بدونه) أى : بدون التصريح به كما هو المناسب للتعليل ، وليس المراد أنه يتم المعنى بدونه رأسا (قوله : لأن الرسول مهتد لا محالة) أى : وحينئذ فيكون قوله (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) تصريحا بما علم التزاما ، وقد يقال : كما أن الرسول مهتد غير طالب للأجر لا محالة ينبغى أن يجعل المثال مجموع قوله (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (قوله : إلا أن فيه) أى : فى التصريح به (قوله : زيادة حث على الاتباع) أى : فالنكتة فى الإيغال الكائن فى هذه الآية زيادة الحث على الاتباع ، وأما أصل الحث والترغيب فقد حصل بقوله (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) لدلالته على اهتدائهم وطلب اتباعهم ، وإنما كان قوله : وهم مهتدون مفيدا لزيادة الحث على الاتباع من جهة

__________________

(١) يس : ٢١ ، ٢٠.

٧٠٣

وترغيب فى الرسل.

(وإما بالتذييل ؛ وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها) أى : معنى الجملة الأولى ...

______________________________________________________

التصريح بوصفهم الذى هو الاهتداء ، فإن التصريح بالوصف المقتضى للاتباع فيه مزيد التأثير على ذكره ضمنا (قوله : وترغيب فى الرسل) أى : زيادة ترغيب فى الرسل فهو عطف على حث ووجه إفادته ذلك أن الرسل إذا كانوا مهتدين واتبعهم الإنسان فلا يخسر معهم شيئا لا من دينه ولا من دنياه ، بل ينضم له خير الدنيا والآخرة.

(قوله : بالتذييل) هو لغة جعل الشىء ذيلا للشىء (قوله : تعقيب الجملة بجملة) أى : جعل الجملة عقب الأخرى ، وقوله : بجملة أى : لا محل لها من الإعراب كما صرح بذلك الشارح فى مبحث الاعتراض الآتى قريبا (قوله : تشتمل على معناها) صفة للجملة المجعولة عقب الأخرى أى : تشتمل تلك الجملة المعقب بها على معنى الأولى المعقبة ولو مع الزيادة ، فالمراد باشتمالها على معناها إفادتها بفحواها لما هو المقصود من الأولى ، وليس المراد إفادتها لنفس معنى الأولى بالمطابقة وإلا كان ذلك تكرارا ، وحينئذ فلا يكون على هذا قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(١) تذييلا ، ولذا قال العلامة اليعقوبى : لا بد أن يقع اختلاف بين نسبتى الجملتين فيخرج التكرار كما تقدم فى (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فإن قوله تعالى : (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا)(٢) مضمونه أن آل سبأ جزاهم الله تعالى بكفرهم ، ومعلوم أن الجزاء بالكفر عقاب كما دلت عليه القصة ومضمون قوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٣) أن ذلك العقاب المخصوص لا يقع إلا للكفور ، وفرق بين قولنا جزيته بسبب كذا ، وقولنا : ولا يجزى بذلك الجزاء إلا من كان بذلك السبب ولتغايرهما يصح أن يجعل الثانى علة للأول فيقال جزيته بذلك السبب ؛ لأن ذلك الجزاء لا يستحقه إلا من

__________________

(١) التكاثر : ٣ ، ٤.

(٢) سبأ : ١٧.

(٣) يجازى قرأ الجمهور بضم الياء وفتح الزاى وحمزة والكسائى بالنون وكسر الزاى (البحر المحيط لأبى حيان الأندلسى) ص ٢٦١ ج ٧.

٧٠٤

(للتأكيد) فهو أعم من الإيغال من جهة أنه يكون فى ختم الكلام وغيره ، وأخص من جهة أن الإيغال قد يكون بغير الجملة ، ولغير التوكيد (وهو) أى : التذييل (ضربان :

______________________________________________________

اتصف بذلك السبب ، ولكن اختلاف مفهومهما لا يمنع تأكيد أحدهما بالآخر للزوم بينهما معنى (قوله : للتأكيد) أى : لقصد التوكيد بتلك الجملة الثانية عند اقتضاء المقام للتوكيد والمراد به هنا التوكيد بالمعنى اللغوى وهو التقوية (قوله : فهو أعم من الإيغال) أى : عموما وجهيا وحاصله أن الإيغال والتذييل بينهما من النسب العموم والخصوص الوجهى فيجتمعان فيما يكون فى ختم الكلام لنكتة التأكيد بجملة كما يأتى فى قوله تعالى : (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(١) فهو إيغال من جهة أنه ختم الكلام بما فيه نكتة يتم المعنى بدونها وتذييل من جهة أنه تعقيب جملة بأخرى تشتمل على معناها للتأكيد ، وينفرد الإيغال فيما يكون بغير جملة وفيما هو لغير التأكيد سواء كان بجملة أو بمفرد كما تقدم فى قوله الجزع الذى لم يثقب وينفرد التذييل فيما يكون فى غير ختم الكلام للتأكيد بجملة : كقولك مدحت زيدا أثنيت عليه بما فيه فأحسن إلى ومدحت عمرا أثنيت عليه بما ليس فيه فأساء إلى (قوله : من جهة أن يكون فى ختم الكلام وغيره) أى بخلاف الإيغال فإنه لا يكون إلا فى ختم الكلام (قوله : وغيره) أى : غير ختم الكلام يعنى فى الأثناء ، وقد فهم بعضهم أن المراد بالكلام النثر ، وأن قول الشارح وغيره بأن يكون فى الشعر وهو فهم فاسد عند التأمل لما سيأتى فى الشارح صريحا أن التذييل يكون فى أثناء الكلام (قوله : وأخص من جهة الإيغال إلخ) الأنسب أن يقول وأخص من جهة أنه لا يكون إلا بالجملة وللتأكيد بخلاف الإيغال ، فإنه قد يكون بغير جملة كالمفرد وقد يكون لغير التأكيد ، وإنما كان هذا أنسب ؛ لأن الكلام فى التذييل ، إذ هو المحدث عنه لا فى الإيغال (قوله : وهو ضربان) الضمير للتذييل لا بالمعنى المتقدم وهو المعنى المصدرى ، بل بالمعنى الحاصل بالمصدر ففيه استخدام ، وهذا يفيد أنه يطلق بالمعنيين.

__________________

(١) سبأ : ١٧.

٧٠٥

ضرب لم يخرج مخرج المثل) بأن لم يستقل بإفادة المراد ، بل يتوقف على ما قبله (نحو : (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(١) على وجه) وهو أن يراد : وهل يجازى ذلك الجزاء المخصوص إلا الكفور ؛ فيتعلق بما قبله.

أما على الوجه الآخر ؛ وهو أن يراد : وهل يعاقب إلا الكفور ؛ ...

______________________________________________________

(قوله : لم يخرج مخرج المثل) هو مبنى للمفعول بدليل قوله بعد ذلك وضرب أخرج إلخ (قوله : بأن لم يستقل إلخ) أى : أو استقل بإفادة المراد ولم يفش أى : لم يكثر استعماله وإلا كان من الضرب الثانى كما نبه عليه الشارح بعد ذلك ، والشارح لم ينبه على دخول هذه الصورة فى هذا الضرب فيعترض عليه بأنه يلزم على كلامه خروج ما إذا استقل ولم يفش عن القسمين مع أن تعريف التذييل شامل لهذه الصورة ، وقد يجاب بأن الباء فى قوله بأن لم يستقل بمعنى الكاف التمثيلية ، وحينئذ فتدخل تلك الصورة المذكورة فى الضرب الأول (قوله : بل يتوقف على ما قبله) إنما كان للتوقف على ما قبله ليس خارجا مخرج المثل ؛ لأن المثل وصفه الاستقلال ؛ لأنه كلام تام نقل عن أصل استعماله لكل ما يشبه حال الاستعمال الأول كما يأتى فى الاستعارة التمثيلية كقولهم الصيف ضيعت اللبن فإنه مستقل فى إفادة المراد وهو مثل يضرب لمن فرط فى الشىء فى أوانه وطلبه فى غير أوانه (قوله : على وجه) متعلق بمحذوف أى : وإنما يكون هذا المثال من هذا الضرب على وجه (قوله : المخصوص) أى : وهو المذكور فيما قبل وهو إرسال سيل العرم عليهم وتبديل جنتيهم (قوله : فيتعلق بما قبله) أى : فإذا أريد هذا المعنى صار قوله : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) متعلقا بما قبله ، وهو قوله فأرسلنا عليهم ، وحينئذ فلا يجرى مجرى المثل فى الاستقلال.

(قوله : وهو أن يراد وهل يعاقب) أى : بمطلق عقاب لا بعقاب مخصوص فإن قيل يلزم على هذا أن تكون الجملة الثانية غير مشتملة على معنى الأولى لتضمن الأولى عقابا مخصوصا وتضمن الثانية لمطلق عقاب ، وحينئذ فلا يصدق عليها تعريف التذييل ـ قلت : المقصود من الجملة الأولى إنما هو مكافأتهم على كفرهم بالعقاب ، وذكر فرد من

__________________

(١) سبأ : ١٧.

٧٠٦

بناء على أن المجازاة هى المكافأة إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ـ فهو من الضرب الثانى.

(وضرب أخرج مخرج المثل) بأن يقصد بالجملة الثانية حكم كلى منفصل عما قبله جار مجرى الأمثال فى الاستقلال ...

______________________________________________________

أفراد ما يعاقب به لا ينظر إليه ـ كذا أجاب يس ، أو يقال : إن مطلق العقاب الذى تضمنته الجملة الثانية يصدق بالعقاب المتقدم ولو لم يتقيد به وصدقه به يوجب تأكيده فى الجملة (قوله : بناء على أن المجازاة هى المكافأة) أى : مطلق المكافأة الشاملة للثواب والعقاب ويتعين المراد منهما من القرينة كقوله هنا : " إلا الكفور" ، وقوله بناء إلخ أى : وأما على الوجه الأول فليس بناء على ذلك بل بناء على أن الجزاء بمعنى العقوبة كما فى المطول ، والحاصل أن الجزاء يطلق بمعنى العقاب ويطلق بمعنى المكافأة الشاملة للثواب والعقاب ، فجعل الآية من الضرب الأول مبنى على الإطلاق الأول وجعلها من الضرب الثانى مبنى على الإطلاق الثانى ـ هذا محصل كلام الشارح هنا وفى المطول ، وهذا البناء لا تظهر له صحة لصحة أن يكون المعنى على أن الجزاء يراد به العقاب وهل يعاقب ذلك العقاب فيكون من الضرب الأول ، أو يكون المعنى وهل يعاقب مطلق العقاب إلا الكفور فيكون من الثانى ، ولصحة أن يكون المعنى على أن الجزاء يراد به المكافأة وهل يكافؤ بتلك المكافأة المخصوصة إلا الكفور فيكون من الضرب الأول أيضا ، أو يكون المعنى وهل يكافؤ بالشر مطلقا إلا الكفور فيكون من الضرب الثانى ، والحاصل أن كلا من الإطلاقين يصح أن يكون التذييل فى الآية معه من الضرب الأول وأن يكون من الضرب الثانى فما قاله المصنف مما لا وجه له (قوله : فهو من الضرب الثانى) أى : الذى أخرج مخرج المثل لعدم توقف المراد حينئذ على ما قبله فيصح أن يكون مثلا وأورد أن الجزاء وإن فسر بالمكافأة الشاملة للثواب والعقاب ، إلا أن المراد منه خصوص العقاب وتخصيصه بالعقاب إنما يفهم من قوله جزيناهم الذى هو بمعنى عاقبناهم ، وحينئذ فيكون قوله : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) غير مستقل بإفادة المراد فيكون من الضرب الأول ، وأجيب بأن كون جزيناهم قرينة على المراد لا ينافى الاستقلال بالإفادة على أن ذلك يفهم من الكفور أيضا (قوله : منفصل عما قبله) أى : بأن يكون غير متقيد بالجملة

٧٠٧

وفشو الاستعمال (نحو : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(١)).

(وهو أيضا) أى : التذييل ينقسم قسمة أخرى ، وأتى بلفظة [أيضا] تنبيها على أن هذا التقسيم للتذييل مطلقا ، لا للضرب الثانى منه : ...

______________________________________________________

الأولى (قوله : وفشو الاستعمال) أى : شيوع استعمال اللفظ الدال على كل منهما قال ابن يعقوب : الحق أن المشترط فى جريانه مجرى الأمثال هو الاستقلال ، وأما فشو الاستعمال فلا دليل على اشتراطه فيه وحينئذ فالأولى للشارح حذفه.

(قوله : (جاءَ الْحَقُ)) أى : الإسلام ، وقوله (وَزَهَقَ الْباطِلُ) أى : زال الكفر (قوله : (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)) لا يخفى أن هذه الجملة لا توقف لمعناها على معنى الجملة الأولى مع تضمنها معنى الأولى وهو زهوق الباطل أى : اضمحلاله وذهابه ومفهوم النسبتين مختلف ؛ لأن الثانية اسمية مع زيادة تأكيد فيها فصدق عليها ضابط الضرب الثانى وتأكيد زهوق الباطل مناسب هنا لما فيه من مزيد الزجر عنه والإياس من أحكامه الموجبة للاغترار به ، وقد اجتمع الضربان فى قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٢) فجملة كل نفس ذائقة الموت من الضرب الثانى لاستقلالها وذلك ظاهر ، وجملة أفإن مت فهم الخالدون من الأول لارتباطها بما قبلها ؛ لأن الفاء للترتيب على الأولى ، فكأنه قيل أينتفى ذلك الحكم الذى هو أن لا خلود لبشر بالنسبة إليهم فيترتب أنك إن مت فهم الخالدون والاستفهام للإنكار أى : لا ينتفى ذلك الحكم فلا يترتب إنك إن مت فهم الخالدون.

(قوله : وأتى بلفظة أيضا إلخ) قصد شارحنا العلامة بهذا الكلام الرد على الشارح الخلخالى حيث قال قوله : وهو أيضا أى : والتذييل أو الضرب الثانى ، فقوله أو الضرب الثانى وهم ؛ لأنه يرده لفظة أيضا وهذا الوهم نشأ له من كون الأمثلة التى مثل بها المصنف من القسم الثانى وهو ما يستقل ـ قال الفنرى : فإن قلت ما ذكره الشارح

__________________

(١) الإسراء : ٨١.

(٢) الأنبياء : ٣٤ ، ٣٥.

٧٠٨

(إما) أن يكون (لتأكيد منطوق كهذه الآية) فإن زهوق الباطل منطوق فى قوله : (وَزَهَقَ الْباطِلُ).

______________________________________________________

من أن لفظة أيضا منبهة على التقسيم لمطلق التذييل تحكم لا دليل عليه ولا يذهب إليه الذوق السليم ، إذ لو رجع ضمير هو إلى الضرب الثانى لكان المعنى ، والضرب الثانى. ينقسم إلى قسمين كما أن مطلق التذييل ينقسم إلى قسمين وهذا معنى صحيح بل لا يبعد أن يقال لفظ أيضا بعد ذكر الضمير يدل على أن التقسيم للضرب الثانى وإلا وجب أن يقدم هو على الضمير كما لا يخفى على الذوق السليم (قلت) أجاب عن ذلك العلامة القاسمى بمنع التحكم ؛ وذلك لأن معنى أيضا الرجوع لما تقدم كالتقسيم هنا ، والرجوع إلى التقسيم مع اتحاد المقسم أبلغ فى معنى الرجوع وأظهر وإن أمكن أنه تقسيم للثانى ومعنى أيضا كما انقسم التذييل المطلق ، وحينئذ فيتم ما قاله شارحنا من التنبيه (قوله : لتأكيد منطوق) أى : لتأكيد منطوق الجملة الأولى والمراد بالمنطوق هنا المعنى الذى نطق بمادته ، والمراد بالمفهوم المعنى الذى لم ينطق بمادته وليس المراد بهما هنا ما اصطلح عليه الأصوليون ، ولذا قال العلامة اليعقوبى : المراد بتأكيد المنطوق هنا أن تشترك ألفاظ الجملتين فى مادة واحدة مع اختلاف النسبة فيهما بأن تكون إحداهما اسمية مؤكدة والأخرى فعلية لا أن يكون لفظ الجملة الأولى نفس لفظ الثانية كما فى : " كلا سوف تعملون ثم كلا سوف تعلمون" ؛ لأن هذا ليس تذييلا فضلا عن كونه مؤكدا للمنطوق ، والمراد بتأكيد المفهوم هنا ألّا تشترك أطراف الجملتين فى مادة واحدة مع اتحاد صورة الجملتين فى الاسمية والفعلية أولا وذلك بأن تفيد الجملة الأولى معنى ، ثم يعبر عنه بجملة أخرى مخالفة للأولى فى الألفاظ والمفهوم (قوله : كهذه الآية) أى : كالتذييل فى هذه الآية وهى قوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) فإن الموضوع فى الجملتين واحد وهو الباطل والمحمول فيهما من مادة واحدة وهو الزهوق (قوله : فإن زهوق الباطل) فى قوله : وزهق الباطل من ظرفية المدلول فى الدال ، وإنما لم يقل فإن زهوق الباطل المؤكد إشارة إلى أن المنظور له فى التذييل مجرد المعنى لا مع الخواص اللاحقة كالتأكيد ؛ ولأن المنطوق للجملة الأولى مجرد زهوق الباطل لخلوها من التأكيد ـ فتأمل ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

٧٠٩

(وإما لتأكيد مفهوم ؛ كقوله :

ولست) على لفظ الخطاب (بمستبق أخا لا تلمّه ...) حال من [أخا] لعمومه ، أو من ضمير المخاطب ...

______________________________________________________

(قوله : وإما لتأكيد مفهوم) أى : مفهوم الجملة الأولى (قوله : كقوله) (١) أى : النابغة الذبيانى من قصيدة من الطويل يخاطب بها النعمان بن المنذر ومطلعها :

أرسما جديدا من سعاد تجنّب

عفت روضة الأجداد منها فيثقب

عفا آية نسج الجنوب مع الصّبا

وأسحم دان مزنه يتصوّب

إلى أن قال :

فلا تتركنّى بالوعيد كأننى

إلى النّاس مطلىّ به القار أجرب

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة

يرى كلّ ملك دونها يتذبذب

كأنّك شمس والنّجوم كواكب

إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

ولست بمستبق إلخ وبعده :

فإن أك مظلوما فعبد ظلمته

وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب

أتانى أبيت اللعن أنّك لمتنى

وتلك التى أهتمّ منها وأنصب

(قوله : على لفظ الخطاب) على بمعنى الباء (قوله : بمستبق أخا) السين والتاء زائدتان فهو اسم فاعل من الإبقاء أى : لست بمبق لك مودة أخ ، أو لست بمبق أخا لنفسك تدوم لك مودته وتبقى لك مواصلته (قوله : لا تلمه) بفتح التاء وضم اللام من لم الشىء جمع بعضه إلى بعض أى : لا تضمه إليك لعدم رضاك بعيوبه وصفاته الذميمة الموجبة للتفرق (قوله : حال من أخا) أى : لا صفة له ؛ لأنه ليس مقصود الشاعر أخا معينا ، بل مطلق أخ ، والوصفية تفيد أن المعنى أنك لا تقدر على بقاء مودة أخ موصوف بكونه غير مضموم إليك مع اتصافه بالخصال الذميمة (قوله : لعمومه) أى : لوقوعه فى حيز النفى فعمومه سوغ مجىء الحال منه وإن كان نكرة ، والمعنى حينئذ لست بمبق مودة

__________________

(١) الأبيات للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ٢٧ ، ٢٨ ، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ١٦٠.

٧١٠

فى [لست] (على شعث) أى : تفرق وذميم خصال.

فهذا الكلام دل بمفهومه على نفى الكامل من الرجال ، وقد أكده بقوله : (أى الرجال المهذب) استفهام بمعنى الإنكار ؛ أى : ليس فى الرجال منقح الفعال ، مرضى الخصال.

______________________________________________________

أخ فى حال كونه غير مضموم إليك مع شعثه وخصاله الذميمة (قوله : فى لست) أى : وحينئذ فالمعنى لست بمبق مودة أخ فى حال كونك غير مضموم إليه مع شعثه قيل لا وجه لتخصيص الضمير فى لست لجواز الحالية من ضمير المخاطب فى مستبق اللهم إلا أن يبنى الكلام على الاتحاد الذاتى بين الضميرين ، أو يقال : إن وجه التخصيص أن الفعل أقوى فى العمل من الاسم ـ فتأمل. (قوله : على شعث) على بمعنى مع والشعث بفتح العين وهو فى الأصل انتشار الشعر وتغيره لقلة تعهده بالتسريح والدهن فتكثر أوساخه ، ثم استعمل فى لازمه وهو الأوساخ فى الحسية فهو مجاز مرسل علاقته اللزوم ، ثم استعير اللفظ المجازى للأوساخ المعنوية وهى الخ صال الذميمة بجامع القبح فهو استعارة مبنية على مجاز (قوله :

أى تفرق) أى : موجب تفرق أى : افتراق ، وقوله وذميم خصال : من إضافة الصفة للموصوف وعطفه على ما قبله أعنى موجب التفرق للتفسير ـ كذا قرر بعضهم ويحتمل أن المراد بالتفرق تفرق حال الأخ وتلونه وعدم انضباطه (قوله : فهذا الكلام دل إلخ) أى : لأن معنى البيت أنك إذا لم تضم أخا إليك فى حال عيبه وتتعامى عن زلته لم يبق لك أخ فى الدنيا ولا يعاشرك أحد من الناس ؛ لأنه ليس فى الرجال أحد مهذب منقح الفعال مرضى الخصال ، ولا شك أن الشطر الأول يدل بحسب ما يفهم منه على نفى الكامل من الرجال فقوله بعد ذلك : أى الرجال المهذب تأكيد لذلك المفهوم ؛ لأنه فى معنى قولك ليس فى الرجال مهذب ومن الجيد فى هذا المعنى قول ابن الحداد :

واصل أخاك ولو أتاك بمنكر

فخلوص شىء قلّما يتمكّن

ولكلّ حسن آفة موجودة

إنّ السّراج على سناه يدخّن

(قوله : نفى الكامل من الرجال) لأنه لو وجد لم يصدق أنه إن كان بهذا الوصف لم يبق لنفسه أخا (قوله : وقد أكده) أى : أكد ذلك المفهوم لا الكلام الدال بمفهومه كما قيل.

٧١١

(وإما بالتكميل ؛ ويسمى : الاحتراس أيضا) لأن فيه التوقى والاحتراز عن توهم خلاف المقصود (وهو أن يؤتى فى كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه) أى : يدفع إيهام خلاف المقصود ؛ وذلك الدافع قد يكون فى وسط الكلام ، وقد يكون فى آخره :

______________________________________________________

(قوله : وإما بالتكميل) أى : تكميل المعنى بدفع الإيهام عنه (قوله : ويسمى) أى : هذا النوع من الإطناب (قوله : الاحتراس أيضا) أى : زيادة على تسميته بالتكميل فله اسمان أما وجه تسميته بالتكميل فلتكميله المعنى بدفع إيهام خلاف المقصود عنه ، وأما وجه تسميته بالاحتراس ، فلأن حرس الشىء حفظه وهذا النوع فيه حفظ للمعنى ووقاية له من توهم خلاف المقصود ، فقول الشارح ؛ لأن فيه إلخ بيان لوجه تسميته بالاحتراس (قوله : لأن فيه التوقى) أى : لأن به يحصل التوقى أى : الحفظ ، وقوله : والاحتراز أى : التحرز والتباعد فهو عطف لازم على ملزوم (قوله : وهو أن يؤتى إلخ) ظاهره أن التكميل عبارة عن المعنى المصدرى أعنى : الإتيان المذكور والظاهر إطلاقه على المعنى الحاصل بالمصدر أيضا وهو ما يؤتى به لدفع توهم خلاف المقصود كما مر (قوله : فى كلام إلخ) فى بمعنى مع فيشمل الواقع فى وسط الكلام وفى آخره وليست للظرفية وإلا فلا يشمل ما كان فى آخره (قوله : بما يدفعه) أى : بقول يدفعه سواء كان ذلك القول مفردا أو جملة كان للجملة محل من الإعراب أولا ، فإن قلت التذييل أيضا لدفع التوهم ؛ لأنه للتأكيد فما الفرق قلت التذييل مختص بالجملة وبالآخر ولدفع التوهم فى النسبة ، والتكميل لا يختص بشىء منها ـ كذا فى السيرامى ، وظاهره اختصاص التذييل بالآخر وسيأتى فى الشارح أنه يجامع الاعتراض فيكون فى الأثناء (قوله : قد يكون فى وسط الكلام وقد يكون فى آخره) أى : وقد يكون أيضا فى أوله وفى كل إما أن يكون جملة أو مفردا ، وحينئذ فبينه وبين الإيغال عموم وخصوص من وجه لاجتماعهما فيما يكون فى الختم لدفع إيهام خلاف المقصود وانفراد الإيغال فيما ليس فيه دفع إيهام خلاف المقصود كما فى قولها : وإن صخرا إلخ ، وانفراد التكميل بما فى الوسط كما فى قوله : فسقى ديارك إلخ ، وبينه وبين التذييل عموم وخصوص من وجه

٧١٢

فالأول : (كقوله :

فسقى ديارك غير مفسدها ...) نصب على الحال من فاعل [سقى] ؛ وهو (صوب الرّبيع) أى : نزول المطر ووقوعه فى الربيع ...

______________________________________________________

إن صح أن التوكيد الكائن بالتذييل قد يدفع إيهام خلاف المراد وذلك لانفراد التكميل بما يكون بغير جملة ، وانفراد التذييل بما يكون لمجرد التأكيد الخالى عن دفع الإيهام ، وأما إن كان التوكيد الكائن بالتذييل لا يجامع دفع الإيهام فهما متباينان والحق ثبوت الفرق بين دفع ما يوهمه الكلام وبين دفع توهم السامع أن الكلام مجاز أو دفع غفلته عن السماع أو دفع السهو ، وحينئذ فلا يستلزم التذييل التكميل بل هو أعم من التذييل مطلقا وبينه وبين التكرير والإيضاح المباينة كمباينة الإيغال والتذييل لهما (قوله : فالأول) وهو ما إذا كان الدافع فى وسط الكلام أى : وهو مفرد.

(قوله : كقوله) أى : قول طرفة بن العبد من قصيدة يمدح بها قتادة بن مسلمة الحنفى ، وكان قد أصاب قومه شدة ، فأتوه فبذل لهم ، وقبل البيت المذكور (١) :

أبلغ قتادة غير سائله

نيل الثّواب وعاجل الشّكم

أنّى حمدتك للعشيرة إذ

جاءت إليك مرمّة العظم

ألقوا إليك بكلّ أرملة

شعثاء تحمل منقع البرم

ففتحت بابك للمكارم ح

ين تواصت الأبواب بالأزم

فسقى ديارك إلخ وهذه الجملة خبرية لفظا قصد بها الدعاء لذلك الممدوح (قوله : ديارك) مفعول مقدم لسقى وهو بفتح الكاف كما علمت فكسرها خطأ ، وقوله صوب الربيع : فاعل (قوله : أى نزول المطر) هذا تفسير لصوب الربيع ، فالصواب معناه النزول ، والربيع معناه المطر ـ كذا قرر بعضهم ، وفيه نظر ـ فقد ذكر ابن هشام فى شرح بانت سعاد أن الصوب فى البيت بمعنى المطر وذكر له نقلا عن أئمة اللغة أربعة معان ليس منها النزول ، وأيضا لو كان مراد الشارح أن الربيع معناه المطر لم يكن

__________________

(١) الأبيات لطرفة بن العبد فى ديوانه ص ٩٣ فى المصباح ص ٢١٠ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣٦٢ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (همى).

٧١٣

(وديمة تهمى) أى : تسيل ؛ فلما كان المطر قد يؤول إلى خراب الديار وفسادها أتى بقوله : [غير مفسدها] دفعا لذلك.

______________________________________________________

لقوله بعد ذلك ووقوعه فى الربيع معنى ، فالأحسن أن قول الشارح أى : نزول المطر من إضافة الصفة للموصوف أى : المطر النازل وهو تفسير للصوب ، وقوله ووقوعه : عطف تفسير ، وقوله فى الربيع إشارة إلى أن المراد بالربيع فى البيت الزمن ، وأن إضافة صوب للربيع فيه من إضافة المظروف إلى الظرف فالإضافة على معنى فى ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : وديمة تهمى) الديمة بكسر الدال : المطر المسترسل وأقله ما بلغ ثلث النهار أو الليل وأكثره ما بلغ أسبوعا وقيل المطر الدائم الذى لا رعد فيه ولا برق ، وتهمى بفتح التاء من همى الماء والدمع إذا سال ولم يقيد الديمة بزمن الربيع كما قيد الصوب ليكون العطف من قبيل عطف العام (قوله : فلما كان المطر قد يؤول إلى خراب الديار) أى : فربما يقع فى الوهم أن ذلك دعاء بالخراب ، وقد يقال : إن الدعاء بالسقى وقرينة المدح تدل على أن المراد ما لا يضر ، وحينئذ فلا يكون ذكر المطر موهما خلاف المقصود على أن المراد كون المطر قد يؤول إلى الخراب لا يكفى فى إيهام خلاف المقصود بل لا بد من سبق الذهن إليه ولا يسبق للذهن من السقى إلا الإصلاح لشيوعه فى ذلك ، وأجيب عن الأول بأن الكلام يستحسن فيه الاحتراس فى الجملة ولو بالنظر لأصله من غير تعويل على القرائن فيناسب الإتيان بما يدفع ما قد يتوهم لا سيما وذكر الديمة والديار يزيد الإيهام ؛ لأن السقى النافع وهو ما يكون للزرع ، وأجيب عن الثانى بأن سبق الذهن إلى الخراب حصل من قوله وديمة تهمى فإن المطر الدائم الذى لا رعد فيه ولا برق ، ولا يقال : إن تقديم غير مفسدها يمنع هذا التوجيه ؛ لأنا نقول غير مفسدها مؤخر عن قوله وديمة تهمى تقديرا أو أنه حصل من تقديم ديارك ؛ لأنه يسبق إلى الذهن منه الخراب للعادة بأن السقى المصلح إنما هو للزرع (قوله : أتى بقوله غير مفسدها) أى : فى وسط الكلام بين الفعل وفاعله (قوله : دفعا لذلك) أى : لإيهام خلاف المقصود ولهذا عيب على القائل :

٧١٤

(و) الثانى : (نحو : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(١)) فإنه لما كان مما يوهم أن يكون ذلك لضعفهم دفعه بقوله : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(٢) ...

______________________________________________________

ألا يا اسلمى يا دارمىّ على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (٣)

حيث لم يأت بهذا القيد أعنى غير مفسدها قاله السيوطى فى عقود الجمان ، وأجاب عنه بعضهم بأن الدعاء والمدح قرينة على أن المراد ما لا يضر ، فإن قلت هذا القدر موجود أيضا فى بيت الاحتراس ، وحينئذ فلا إيهام قلت : إنهم تارة يعولون على القرينة فلا يأتون بالاحتراس وتارة لا يعولون عليه فيأتون به ـ كذا ذكر شيخنا الحفنى فى حاشيته ، وأجاب ابن عصفور بجواب غير هذا ، وحاصله أن مازال فى كلامهم تدل على دوام الصفة للموصوف على حسب قبوله لها لا على سبيل الاستغراق فإذا قلت ما زال زيد يصلى أو ما زال يكرم الضيف فليس المراد استغرق أوقاته ، بل المراد اتصافة بذلك فى الزمان القابل لذلك ، وعلى هذا فقوله : لا زال منهلا بجرعائك القطر لم يرد به سائر الأوقات ، وإنما المراد حيث قبلت ذلك ، ولا شك أن قبولها لذلك إنما هو إذا كان غير مفسد لها (قوله : والثانى) أى : وهو ما كان الدافع لإيهام خلاف المقصود واقعا فى آخر الكلام (قوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) هذا صفة لقوم أبى موسى الأشعرى المشار لهم بقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أى : أذلة لهم ، فالقصد مدحهم بما يدل على موالاة المؤمنين ومعاملتهم بما يرضيهم فأذلة من التذلل والخضوع لا من الذلة والهوان (قوله : فإنه) أى : وصفهم بالذل ، وقوله : لما كان مما يوهم أن يكون ذلك أى : الوصف لضعفهم والإيهام نظرا إلى ظاهر لفظ الذل من غير مراعاة قرينة المدح أو نظرا إلى أن شأن المتذلل أن يكون ضعيفا (قوله : أعزة على الكافرين) أى : أقوياء وأشداء عليهم ، وحينئذ فتذللهم للمؤمنين ليس لضعفهم وعدم قوتهم بل تواضعا منهم للمؤمنين ، والتذلل مع التواضع إنما يكون عن رفعة فإن قلت قوله : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) يدل على معنى مستقل جديد لم يستفد مما قبله ، فكيف كان إطنابا

__________________

(١ ، ٢) المائدة : ٥٤.

(١ ، ٢) المائدة : ٥٤.

(٣) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ٥٥٩ ، والخصائص ٢ / ٢٧٨ ، ولسان العرب مادتى (يا) ، (ألا).

٧١٥

تنبيها على أن ذلك تواضع منهم للمؤمنين ؛ ولهذا عدى الذل بعلى لتضمنه معنى العطف ، ويجوز أن يقصد بالتعدية بعلى الدلالة على أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم.

(وإما بالتتميم ؛ وهو أن يؤتى فى كلام لا يوهم خلاف المقصود ...

______________________________________________________

قلت هو إطناب حيث دفع توهم غيره ، وإن كان له معنى مستقل فى نفسه لما تقدم أنه لا يشترط فى الإطناب ألّا يكون فيه معنى مستقل ، بل يجوز وجود الإطناب إذا استقل لفظه بإفادة المعنى وكان فى إفادته دقة مناسبة لا يراعيها إلا البلغاء دون الأوساط من الناس ودفع ما يتوهم بزيادة وصف العزة على الكافرين من هذا القبيل لا مما يدركه الأوساط حتى يكون مساواة على أن الوصف بالذلة حيث عديت بعلى يشير إلى أن لهم عزة ورفعة فالوصف بالعزة أفاده ما قبله نوع إفادة ـ تأمل.

(قوله : تنبيها) معمول لقوله دفعه ، وقوله على أن ذلك أى : ما ذكر من الذل ، وقوله منهم أى : من القوم الممدوحين (قوله : ولهذا) أى : لأجل كون ذلك الذل تواضعا منهم (قوله : بعلى) أى : مع أنه يتعدى باللام يقال ذل له (قوله : لتضمنه معنى العطف) أى : فكأنه قيل : فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه عاطفين على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع ، وعلى هذا فيكون التوسع بتضمين الذل معنى العطف وعلى باقية على بابها (قوله : ويجوز أن يقصد إلخ) حاصله أنه لا يراعى التضمين فى الذلة ، بل تبقى الذلة على معناها وإن فهم من القرائن أنها عن رحمة ، وإنما التجوز فى استعمال على موضع اللام للإشارة إلى أن لهم رفعة واستعلاء على غيرهم من المؤمنين وأن تذللهم تواضع منهم لا عجز ، والحاصل أن كلا من الأمرين اللذين جوزهما الشارح صحيح والفرق بينهما وجود التضمين فى الفعل على الأول وانتفاؤه على الثانى ، وإنما استعمل الحرف موضع حرف آخر لما ذكرنا وأيضا لفظ على صلة لغير مذكور على الأول وعلى الثانى صلة للمذكور (قوله : الدلالة) نائب فاعل يقصد ، وقوله إنهم أى : القوم الموصوفين بالمحبة (قوله : خافضون لهم أجنحتهم) أى : ملينون لهم جانبهم.

(قوله : وإما بالتتميم) تسمية هذا بالتتميم وما قبله بالتكميل مجرد اصطلاح إذ هما شىء واحد لغة (قوله : فى كلام) أى : مع كلام فى أثنائه أو فى آخره (قوله : لا يوهم إلخ)

٧١٦

بفضلة) مثل : مفعول ، أو حال ، أو نحو ذلك مما ليس بجملة مستقلة ، ولا ركن كلام ، ومن زعم أنه أراد بالفضلة ما يتم أصل المعنى بدونه فقد كذبه كلام المصنف فى الإيضاح ، ...

______________________________________________________

هذا مخرج لتتميم ذكر فى كلام يوهم خلاف المقصود فإن الفرق بين التتميم والتكميل بأن النكتة فى التتميم غير دفع توهم خلاف المقصود لا بأنه لا يكون فى كلام يوهم خلاف المقصود ؛ إذ لا مانع من اجتماع التتميم والتكميل اه أطول.

(قوله : بفضلة) أى : ولو كان معنى الكلام لا يتم إلا بها (قوله : أو نحو ذلك) أى : كالمجرور والتمييز (قوله : مما ليس بجملة مستقلة) بأن كان مفردا أو جملة غير مستقلة كجملة الحال والصفة لتأولهما بمفرد ، وإنما كان كلامه شاملا للمفرد وللجملة الغير المستقلة ؛ لأن السالبة تصدق عند نفى موضوعها ومحمولها (قوله : ومن زعم إلخ) أى : لأجل دخول الجملة الزائدة على أصل المراد (قوله : فقد كذبه إلخ) أى : حيث مثل له فيه بمما تحبون من قوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(١) ولا شك أن قوله مما تحبون ليس فضلة بهذا الاعتبار فلا يكون تتميما والمصنف جعله من التتميم وصاحب البيت أدرى بالذى فيه ، وإنما لم يكن فضلة بهذا الاعتبار الذى ذكره الزاعم ؛ لأن الإنفاق مما يحبون الذى هو المقصود بالحصر لا يتم أصل المراد بدونه ، إذ لا يصح أن يقال حيث أريد هذا المعنى حتى تنفقوا فقط دون مما تحبون ، فتعين أن مراده بالفضلة بعض الفضلات المذكورة ، سواء توقف تمام المعنى عليه أم لا ، ولا شك أن مما تحبون بعضها لأنه مجرور فإن قلت إذا كان قوله مما تحبون لا يتم أصل المعنى بدونه لم يكن إطنابا أصلا بل مساواة فيكون تمثيل المصنف به للإطناب فاسدا من أصله فلا يستشهد به. قلت : حيث جعل إطنابا يجب أن يدعى أن أصل المعنى حتى تنفقوا أى : يقع منكم إنفاق وزيادة مما تحبون ولو كان باعتبار القصر محتاجا إليه لا تكون من المساواة؟ لأنه فريد لأجل نكتة لا يدركها الأوساط ، وإنما يدركها ويراعيها البلغاء وهى الإشارة إلى أن فعل البر لا يكون إلا بغلبة النفس وتحملها المشاق بالإنفاق من المحبوب المشتهى

__________________

(١) آل عمران : ٩٢.

٧١٧

وأنه لا تخصيص لذلك بالتتميم (لنكتة ...

______________________________________________________

لا بمطلق إنفاق ؛ لأنه وإن كان فيه أجر لا يبلغ لهذا المعنى وقد تقدم أن هذا هو مناط الإطناب ، ومن هذا تعلم أن كون الشىء مقصودا فى الكلام بحيث لا يتم المراد من حيث إنه مراد للمتكلم إلا به لا ينافى كونه إطنابا ـ فتأمل.

(قوله : وأنه لا تخصيص إلخ) عطف على كلام المصنف أى : وكذبه عدم تخصيص ذلك بالتتميم ؛ لأن جميع أقسام الإطناب ما تقدم وما يأتى يتم المعنى بدونه فلا خصوصية للتتميم بذلك فذكر الفضلة فيه إن كان بهذا المعنى يكون مستدركا ، وأيضا الفضلة بهذا المعنى الذى قاله الزاعم تصدق بالجملة التى لا محل لها من الإعراب المشترطة فى الاعتراض ، فمقتضاه أن يكون التتميم أعم من الاعتراض ، وقد نص الشارح فيما سيأتى على تباينهما حيث قال : فالاعتراض يباين التتميم ؛ لأنه إنما يكون بفضلة ، والفضلة لا بد لها من الإعراب.

(قوله : لنكتة) هذا زيادة بيان ؛ لأن النكتة شرط فى كل ما حصل به الإطناب وإلا كان تطويلا.

قال العلامة اليعقوبى : وقد علم من حد التتميم أنه مباين للتكميل ؛ لأنه شرط فى التتميم كون الكلام معه غير موهم لخلاف المراد بخلاف التكميل وأنه مباين للتذييل إن شرطنا فى الجملة ألّا يكون لها محل من الإعراب ؛ لأن الفضله لا بد أن يكون لها محل من الإعراب وإن لم نشترط فى الجملة ألّا يكون لها محل من الإعراب كان بينه وبين التذييل عموم وخصوص من وجه لاجتماعهما فى الجملة التى لها محل من الإعراب ، وانفراد التتميم بغير الجملة وانفراد التذييل بالتى لا محل لها من الإعراب وأن بينه وبين الإيغال عموما وخصوصا من وجه لاجتماعهما فى فضلة لم تدفع إيهام خلاف المقصود ، وانفراد الإيغال بالجملة التى لا محل لها وما فيه دفع إيهام خلاف المقصود وانفراد التتميم بما يكون فى أثناء الكلام مما ليس بختم شعر ولا بختم كلام ، واعلم أن التتميم ضربان تتميم المعانى وهو ما ذكره المصنف ، وتتميم اللفظ ويسمى حشوا وهو ما يقوم به الوزن ولا يحتاج إليه المعنى ، والمستحسن منه ما احتوى على نوع من البديع كقول أبى الطبيب المتنبى :

٧١٨

كالمبالغة ؛ نحو : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ)(١) فى وجه) وهو أن يكون الضمير فى (حُبِّهِ) للطعام (أى) يطعمونه (مع حبه) والاحتياج إليه. وإن جعل الضمير لله تعالى ؛ أى يطعمونه على حب الله تعالى فهو لتأدية أصل المراد.

______________________________________________________

وخفوق قلبى لو رأيت لهيبه

يا جنّتى لوجدت فيه جهنّما (٢)

فحصل بقوله يا جنتى وزن القافية مع اشتماله على الطباق الحسن ، ولو قال : يا منيتى لكان مستهجنا (قوله : كالمبالغة) أى : فى المدح الذى سيق لأجله الكلام (قوله : نحو ويطعمون إلخ) أى : نحو قوله تعالى فى مدح الأبرار بالكرم وإطعام الطعام (قوله : فى وجه) أى : وإنما يكون زيادة الفضلة التى هى المجرور هنا من المبالغة فى وجه مذكور فى الآية (قوله : مع حبه) أى : مع حبهم له واشتهائهم إياه ، وظاهره أن على بمعنى مع.

(قوله : والاحتياج إليه) من عطف العلة على المعلول أى : الناشئ ذلك الحب عن احتياجهم إليه ، ولا شك أن إطعام الطعام مع الاحتياج إليه أبلغ فى المدح من مجرد إطعام الطعام ؛ لأنه يدل على النهاية فى التنزه عن البخل المذموم شرعا ، والحاصل أن القصد من الآية مجرد مدح الأبرار بالسخاء والكرم ، ولا شك أن هذا يكفى فيه مجرد الإخبار عنهم بأنهم يطعمون الطعام سواء كانوا يحبونه أولا ولا يتوقف ذلك على بيان كون الطعام محبوبا لهم ، وحينئذ فقوله (عَلى حُبِّهِ) إطناب نكتته إفادة المبالغة فى المدح على ما بينا ، وما قيل فى هذه الآية يقال أيضا فى قوله (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) (قوله : وإن جعل الضمير لله) أى : وجعلت على للتعليل (قوله : على حب الله) أى : لأجل حب الله لا لرياء ولا سمعة وإن كان حبهم للطعام حاصلا على ذلك الوجه ؛ لأن الشأن حبه لكنه غير ملحوظ (قوله : فهو) أى : الجار والمجرور لتأدية أصل المراد وهو مدحهم بالسخاء والكرم ؛ لأن الإنسان لا يمدح شرعا إلا على فعل لأجل الله وإذا كان الجار والمجرور على هذا الوجه لتأدية أصل المراد كان مساواة لا إطنابا فلا يكون تتميما ، وقد يقال هذا يقتضى أن إطعام الطعام إذا لم يقصد به وجه الله بأن كان جبلة وغفل عن

__________________

(١) الإنسان : ٨.

(٢) البيت لأبى الطبيب المتنبى فى الإيضاح ص ١٩٨ بتحقيقى.

٧١٩

(وإما بالاعتراض ؛ وهو أن يؤتى فى أثناء الكلام ، أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب ؛ لنكتة سوى دفع الإيهام) لم يرد بالكلام مجموع المسند إليه والمسند فقط ، بل مع جميع ما يتعلق بهما من الفضلات والتوابع. والمراد باتصال الكلامين أن يكون الثانى ...

______________________________________________________

قصد الرياء وقصد وجه الله لا يكون ممدوحا شرعا مع أنه ممدوح شرعا ؛ لأنه يثاب على ذلك ؛ لأن نية التقرب لا تشترط فى حصول الثواب إلا فى الترك لا فى الفعل ، وحينئذ فما قاله الشارح لا يتم (قوله : فى أثناء الكلام) أخرج الإيغال ؛ لأنه ختم الكلام بما يفيد نكتة لا يتم المعنى بدونها كما مر (قوله : متصلين معنى) أى : اتصالا معنويا بأن كان الثانى بيانا للأول أو تأكيدا له أو بدلا منه أو معطوفا عليه كما دل على ذلك التمثيل الآتى (قوله : لا محل لها من الاعراب) أخرج التتميم لوجود الإعراب فيه وهذا شرط فى الجملة الاعتراضية ، وكذا الجمل إذا تعددت لا بد فيها أن يكون لا محل لها من الإعراب جزما (قوله : سوى دفع الإيهام) أخرج التكميل ، فالخارج ثلاثة أمور وشمل التعريف بعض صور التذييل وهو ما إذا كانت الجملة المعترضة مشتملة على معنى ما قبلها وكانت النكتة التأكيد ؛ لأن سوى دفع الإيهام شامل للتأكيد ، ولا يقال جعل الاعتراض للتأكيد مخالف لما ذكره الشارح قدس‌سره فى حواشى الكشاف عند قوله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(١) حيث قال : إن اشتراط كون الاعتراض للتأكيد فمما لا نسمعه ؛ لأنا نقول لا مخالفة بين الكلامين ؛ لأن كلام الشارح فى تفسير الآية يفيد أن الاعتراض لا يكون للتأكيد وحده وهذا لا ينافى أنه يكون له ولغيره سوى دفع الإيهام وهذا هو المأخوذ من كلام المصنف وممن صرح بأن من فوائد الاعتراض التأكيد العلامة ابن هشام فى متن المغنى (قوله : لم يرد بالكلام) أى : المذكور فى التعريف فأل للعهد الذكرى (قوله : مجموع المسند إليه والمسند فقط) أى : والألم يشمل المثال الآتى (قوله : من الفضلات والتوابع) أى : المفردة ولو تأويلا كما فى قوله تعالى (٢)(لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) فإن كلا منهما فى قوة المفرد ، وإنما قيدنا ما ذكر بالمفرد ليغاير ما يأتى فى

__________________

(١) البقرة : ٦.

(٢) النحل : ٥٧.

٧٢٠