حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

(أن يقال : المقبول من طرق التعبير عن المراد ...

______________________________________________________

أنه ليس بصواب ؛ لأنه نظر فيه ولم يجب عنه وعدل إلى غيره ، ويقتضى أيضا أن هذا الكلام الذي أتى به ليس بصواب بل أقرب إليه من غيره وليس هذا مرادا ، وأجيب بأن أفعل ليس على بابه بل المراد القريب للصواب ، والمراد بقربه للصواب تمكنه منه ، وكثيرا ما يعبر بالقرب من الشىء عن كونه إياه كقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١) فإن العدل من التقوى داخل فيها لا أنه قريب إليها فقط (قوله : أن يقال) أى : فى ضبط الإيجاز والإطناب (قوله : المقبول من طرق التعبير إلخ) خرج الإخلال والتطويل والحشو مفسدا أو غير مفسد فإن هذه وإن كانت طرقا للتعبير عن المراد إلا أنها غير مقبولة ، وحاصل ما أشار إليه المصنف منطوقا ومفهوما أن هنا خمس طرق ؛ لأن المراد إما أن يؤدى بلفظ مساو له أولا ، والثاني إما أن يكون ناقصا عنه أو زائدا عليه ، والناقص إما واف أو غير واف ، والزائد إما لفائدة أو لا ، فهذه خمسة المقبول منها ثلاثة وهى ما أدى بلفظ مساو أو بناقص مع الوفاء أو بزائد لفائدة ، وما أدى بناقص بلا وفاء وهو الإخلال غير مقبول ، وما أدى بزائد لا لفائدة غير مقبول وفيه قسمان الحشو والتطويل فصارت الطرق ستة ثلاثة مقبولة وهى المساواة والإيجاز والإطناب وثلاثة غير مقبولة وهى الإخلال والتطويل والحشو ، ثم إن المراد بتلك الطرق مقبولة أو غير مقبولة بالنظر للتعبير عن المقصود بقطع النظر عن حال المتكلم من كونه بليغا أو من الأوساط ، فلا يرد أنه إن أريد بقبول الطرق الثلاثة الأول القبول مطلقا أى : سواء كان من البليغ أو من الأوساط ، فالزائد والناقص الوافي غير مقبولين من الأوساط ، لأنهما خروج عن طريقهم لغير داع وإن أريد القبول من البليغ فليس المساوي والناقص الوافي مقبولين منه مطلقا ، بل إذا كان ذلك لداع ، ويمكن الجواب أيضا باختيار الشق الثانى. وأن المصنف اتكل في عدم التقييد بالبليغ للعلم به من كون الكلام في أساليب البلاغة التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال.

__________________

(١) المائدة : ٨.

٦٤١

تأدية أصله بلفظ مساو له) أى : الأصل المراد (أو) بلفظ (ناقص عنه واف ، أو بلفظ زائد عليه لفائدة) ...

______________________________________________________

(قوله : تأدية أصله) أى : أصل المراد والإضافة بيانية أى : تأدية الأصل الذى هو المراد ـ اه يعقوبى ، وإنما زاد لفظ الأصل إشارة إلى أن المعتبر فى المساواة والإيجاز والإطناب المعنى الأول أعنى : المعنى الذى قصد المتكلم إفادته للمخاطب ولا يتغير بتغير العبارات واعتبار الخصوصيات ، فقولنا : جاءنى إنسان وجاءنى حيوان ناطق كلاهما من باب المساواة وإن كان بينهما تفاوت من حيث الإجمال والتفصيل ، والقول بأن أحدهما إيجاز والآخر إطناب وهم انتهى عبد الحكيم (قوله : بلفظ مساو له) وذلك بأن يؤدى بما وضع لأجزائه مطابقة وهذه التأدية أعنى تأدية المراد بلفظ مساو هى المساواة وقد اعتمد المصنف فى معرفة أن الأول مساواة ، وأن الثانى إيجاز ، وأن الثالث إطناب على إشعار المفهومات بذلك كما لا يخفى. اه أطول.

(قوله : أو بلفظ ناقص عنه) أى : عن المعنى المراد بأن يؤدى بأقل مما وضع لأجزائه مطابقة فالنقصان باعتبار التصريح (قوله : واف) أى : بذلك المعنى المراد إما باعتبار اللزوم إذا لم يكن هناك حذف ، أو باعتبار الحذف الذى يتوصل إليه بسهولة من غير تكلف ، فخرج الإخلال ، فإن التوصل إلى المحذوف فيه بتكلف وهذه التأدية أعنى تأدية المراد بلفظ ناقص واف هى الإيجاز ـ كذا قرر شيخنا العدوى ، وعبارة المولى عبد الحكيم : أو بلفظ ناقص عنه أى : عن مقدار أصل المراد إما بإسقاط لفظ منه ، أو التعبير عن كله بلفظ ناقص عن ذلك المقدار فيشمل إيجاز القصر وإيجاز الحذف ، فقولنا : سقيا له وشكرا له مساو لأصل المراد غير ناقص عنه ؛ لأن تقدير الفعل إنما هو لرعاية قاعدة نحوية : وهو أنه مفعول مطلق لا بد له من ناصب ، والعرب القح تفهم أصل المراد من ذلك وهو حمده تعالى من غير تقدير وهو متعارف الأوساط أيضا ، فالقول بأنه إيجاز عند المصنف ومساواة عند السكاكى لمخالفته مع السكاكى لا يسمع بدون سند قوى من القوم. اه كلامه.

(قوله : أو بلفظ زائد عليه) أى : بأن يكون أكثر مما وضع لأجزائه مطابقة لفائدة ، وهذه التأدية أعنى : تأدية أصل المراد بلفظ زائد عليه لفائدة هى الإطناب.

٦٤٢

فالمساواة أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد ، والإيجاز أن يكون ناقصا عنه وافيا به ، والإطناب أن يكون زائدا عليه لفائدة (واحترز بواف عن الإخلال) وهو أن يكون اللفظ ناقصا عن أصل المراد ، غير واف به (كقوله :

______________________________________________________

(قوله : فالمساواة أن يكون إلخ) المتبادر من هذا التقرير أن قول المصنف لفائدة قيد فى الإطناب وهو صريح الاحتراز الآتى فى المتن أيضا وفيه نظر ؛ لأنه يقتضى أن المساواة والإيجاز مقبولان مطلقا ـ وليس كذلك ، إذ كيف يقبلان عند البلغاء عند عدم الفائدة ، فالأولى تقييدهما بها أيضا ، ويراد بها ما يعم كون المأتى به هو الأصل ، ولا مقتضى للعدول عنه كما فى المساواة حيث لا يوجد فى المقام مناسبة سواها ، ولذا قال السبكى فى عروس الأفراح : الذى يظهر لى من كلام المصنف وهو الصواب أن قوله لفائدة يتعلق بالثلاثة من جهة المعنى ، وما اقتضته عبارته من تعلقها بالزائد فقط ـ فليس كذلك ، بل يقال : المساواة تأدية أصل المعنى بلفظ مساو له لفائدة والإيجاز تأديته بلفظ ناقص لفائدة والإطناب تأديته بلفظ زائد لفائدة (قوله : واحترز) هو بالبناء للمفعول أو بالبناء للفاعل ويكون فيه التفات ؛ لأن المقام مقام تكلم ، ويصح أن يقرأ بلفظ المضارع ، ووجه الاحتراز بما ذكره عن الإخلال أن المراد بالوفاء أن تكون الدلالة على ذلك المراد مع نقصان اللفظ واضحة فى تراكيب البلغاء ظاهرة لا خفاء فيها ، والإخلال كما قال الشارح أن يكون اللفظ ناقصا عن أصل المراد غير واف به لخفاء الدلالة حيث يحتاج فيها إلى تكلف وتعسف ، فإن قلت : إذا وجدت قرائن الدلالة اعتبرت وكانت مقبولة وإن لم توجد فلا دلالة أصلا حتى تكون مقبولة أو غير مقبولة.

قلت القرائن لا بد منها ، لكن قد يكون الفهم منها واضحا ، وقد يكون الفهم منها تعسفا وتكلفا لخفائها وبعد الأخذ منها كما يشهد بذلك صادق الذوق فى شاهد الإخلال الآتى قريبا (قوله : كقوله) أى : الحارث بن حلزة اليشكرى بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وكسرها والزاى المعجمة المفتوحة ، واليشكرى نسبة لبنى يشكر : بطن من بكر بن وائل ، والبيت المذكور من قصيدة من مجزوء الكامل المضمر المرفل ، وقبله :

٦٤٣

والعيش خير فى ظلال ... النّوك) أى : الحمق والجهالة (ممن عاش كدا) أى : مكدودا متعوبا.

(أى : الناعم ، وفى ظلال العقل) يعنى : أن أصل المراد : أن العيش الناعم فى ظلال النوك خير من العيش الشاق فى ظلال العقل. ولفظه غير واف بذلك فيكون مخلا فلا يكون مقبولا.

______________________________________________________

عيشن بجدّ لا يضر

ك النّوك ما أوليت جدّا (١)

(قوله : والعيش) أراد به المعيشة أى : ما يتعيش به من مأكل ومشرب ، وفى الكلام حذف الصفة أى : الناعم ، والمراد بنعومته كونه لذيذا ، وقيل المراد بالمعيشة : الحياة ، والمراد بنعومتها كونها مع الراحة (قوله : فى ظلال النوك) حال من ضمير خير أو من المبتدأ على رأى سيبويه وإضافة الظلال للنوك من إضافة المشبه به للمشبه بجامع الاشتمال والظلال : جمع ظلة بالضم وهى ما يتظلل به كالخيمة ، فشبه النوك الذى هو الجهل بالظلال بجامع الاشتمال وأضاف المشبه به للمشبه (قوله : أى الحمق والجهالة) تفسير للنوك بضم النون ، والمراد بالحمق والجهالة عدم العقل الذى يتأمل به فى عواقب الأمور (قوله : ممن عاش) أى : من عيش من عاش كدا حالة كونه فى ظلال العقل ؛ وذلك لأن الجاهل الأحمق يتنعم على أى وجه ولا يضيق على نفسه بشىء والعاقل يتأمل فى العواقب والآفات وخوف الفناء والممات فلا يجد للعيش لذة (قوله : أى مكدودا متعوبا) المتبادر من هذا التفسير أنه حال من ضمير عاش ولما كان مصدرا أوله ب" مكدودا" على ما هو أحد الطرق فى وقوع المصدر حالا ، ويحتمل أن يكون صفة مصدر محذوف أى : عيشا كدا ، وقوله : متعوبا : تفسير ل" مكدودا" (قوله : أى الناعم إلخ) هذا بيان لما أخل به الشاعر وتوضيحه أن البيت يفيد أن العيش فى حال الجهل سواء كان ناعما أو لا خير من عيش المكدود سواء كان عاقلا أو لا ، مع أن هذا غير مراد الشاعر ، بل

__________________

(١) البيت للحارث بن حلزة فى ديوانه ص ٤٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٠٠ ، والأغانى ١١ / ٤٤ ، وبهجة المجالس ١ / ١٨٧ ، وجمهرة الأمثال ١ / ١٢٩ ، وشعراء النصرانيّة ص ٤١٧ ، ولكنه ورد برواية أخرى :

فعش بجدّ لا يضر

ك النّوك ما لاقيت حدّا

٦٤٤

(و) احترز (بفائدة عن التطويل) وهو أن يزيد اللفظ على أصل المراد لا لفائدة ، ولا يكون اللفظ الزائد متعينا (نحو : قوله (١) :)

______________________________________________________

مراده أن العيش الناعم فقط مع رذيلة الجهل والحماقة خير من العيش الشاق مع فضيلة العقل ، والبيت لا يفى بهذا المعنى المراد ؛ لأن اعتبار الناعم فى الأول وفى ظلال العقل فى الثانى لا دليل عليه ، فنبه المصنف على أن فى المصراع الأول حذف الصفة أى : والعيش الناعم ، وفى المصراع الثانى حذف الحال أى : ممن عاش كدّا فى ظلال العقل ، وكل منهما لا يعلم من الكلام ولا يدل عليه دلالة واضحة ، إذ لا يفهم السامع هذا المراد من البيت حتى يتأمل فى ظاهر الكلام فيجده غير صحيح لاقتضائه أن العيش ولو مع النكد فى حالة الحمق خير من العيش النكد فى ظلال العقل وهذا غير صحيح لاستوائهما فى النكد وزيادة الثانى بالعقل الذى من شأنه التوسعة وإطفاء بعض نكدات العيش ، فإذا تأمل فى ظاهر الكلام ووجده غير صحيح قدر ما ذكر من الأمرين فى البيت لأجل صحة الكلام ، ولا يقال : إن المحذوف فى هذا البيت دلت عليه القرينة التى هى عدم صحة ظاهر الكلام فهى التى عرفتنا أن المراد الناعم وأن المراد فى ظلال العقل وحيث كان هناك قرينة دالة على ذلك المحذوف فلا إخلال ؛ لأنا نقول لا نسلم أن القرينة هنا تدل على تعيين ما ذكر سلمنا أنها تدل (٢) ، لكن دلالة ظنية لا يهتدى إليها إلا بمزيد نظر وتأمل فهو لا يخلو عن الخلل بهذا الاعتبار ، هذا وذكر العلامة جلال الدين السيوطى فى شرح عقود الجمان : أنه لا إخلال فى البيت بل فيه النوع البديعى المسمى بالاحتباك حيث حذف من كل ما أثبت مقابله فى الآخر ، فما ذكره فى كل محل قرينة معينة للمحذوف من المحل الآخر.

(قوله : عن التطويل) أى : وعن الإسهاب وهو أعم من الإطناب فإنه التطويل مطلقا لفائدة أو لغيرها كما ذكره التنوخى وغيره ـ كذا فى عروس الأفراح.

(قوله : نحو قوله) أى : قول عدى بن زيد العبادى من قصيدة طويلة يخاطب بها النعمان بن المنذر حين كان حابسا له ، ويذكره فيها حوادث الدهر وما وقع لجذيمة وللزباء من الخطوب ومطلعها :

__________________

(١) البيت لعدى بن زيد فى ذيل ديوانه ص ١٨٣.

(٢) كذا بالمطبوعة.

٦٤٥

وقدّدت ، الأديم لراهشيه (وألفى) أى : وجد (قولها كذبا ومينا)

والكذب والمين واحد. قوله : [قددت] أى : قطعت ، والراهشان : العرقان فى باطن الذراعين ، والضمير فى راهشيه ، وفى ألفى لجذيمة ...

______________________________________________________

أأبدلت المنازل أم عيينا

تقادم عهدهنّ فقد بلينا

إلى أن قال :

ألا يأيها المثرى المرجّى

ألم تسمع بخطب الأوّلينا

(قوله : وقددت) (١) من القد وهو القطع والتقديد مبالغة فيه والأديم الجلد (قوله : لراهشيه) اللام بمعنى إلى التى للغاية أى : قطعت الجلد الملاصق للعروق إلى أن وصل القطع للراهشين (قوله : ومينا) فى رواية مبينا وعليها فلا شاهد فى البيت ، وهذه الرواية خلاف رواية الجمهور وإن كانت موافقة لبقية القصيدة ؛ لأن أبياتها كلها مكسور فيها ما قبل الياء (قوله : والكذب والمين واحد) أى : فلا فائدة فى الجمع بينهما ، ولا يقال : فائدته التوكيد ، إذ عطف أحد المترادفين على الآخر يفيد تقرير المعنى ؛ لأنا نقول التأكيد إنما يكون فائدة إن قصد لاقتضاء المقام إياه ، وليس مقام هذا الكلام مقتضيا لذلك ؛ لأن المراد منه الإخبار بمضمون المقصود وهو أن جذيمة غدرت به الزباء وقطعت راهشيه وسال منه الدم حتى مات وأنه وجد ما وعدته به من تزوجه كذبا ، فإن قلت : إن الثانى وهو المين متعين للزيادة ؛ لأن الأول واقع فى مركزه ، والثانى معطوف عليه قلت مدار التعين وعدم التعين أنه إن لم يتغير المعنى بإسقاط أيهما كان ، فالزائد غير متعين وإن تغير المعنى بإسقاط أحدهما دون الآخر ، فالزائد هو الآخر ولا يعتبر فى ذلك كون أحدهما متقدما والآخر متأخرا ـ كذا ذكر العلامة عبد الحكيم.

(قوله : العرقان فى باطن الذراعين) ينزف الدم منهما عند القطع (قوله : لجذيمة) هو بفتح الجيم بصيغة المكبر وبضمها بصيغة المصغر كان من العرب الأولى وكنيته أبو مالك وكان فى أيام الطوائف ، وقال أبو عبيد كان بعد عيسى ـ صلوات الله

__________________

(١) البيت لعدى بن زيد فى ذيل ديوانه ص ١٨٣ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ والدرر ٦ / ٧٣ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٣٣ ، ولسان العرب (مين) ومعاهد التنصيص ١ / ٣١٠.

٦٤٦

الأبرش ، وفى قددت. وفى قولها للزباء. والبيت فى قصة قتل الزباء لجذيمة ؛ وهى معروفة.

(و) احترز أيضا بفائدة (عن الحشو) وهو زيادة معينة لا لفائدة (المفسد) للمعنى (كالندى ...

______________________________________________________

وسلامه عليه ـ بثلاثين سنة ، وتولى الملك بعد أبيه وهو أول من ملك الحيرة وكان ملكه متسعا جدا ملك من شاطئ الفرات إلى ما والى ذلك إلى السواد وكان يغير على ملك الطوائف حتى غلب على كثير مما فى أيديهم وهو أول من أوقد الشمع ونصب المجانيق للحرب (قوله : الأبرش) البرش فى الأصل نقط تخالف شعر الفرس ثم نقل للأبرص ، وقيل لذلك الرجل الأبرش لبرص كان به ، فهابت العرب أن تصفه بذلك فقالوا الأبرش والوضاح ، وقيل سمى بذلك ؛ لأنه أصابه حرق نار فبقى أثر نفطانه سودا وحمرا (قوله : وفى قولها) أى : وفى لفظ قولها (قوله : للزباء) هى امرأة تولت الملك ـ بعد أبيها (قوله : وهى معروفة) وحاصلها أن جذيمة قتل أبا الزباء وغلب على ملكه وألجأ الزباء إلى أطراف مملكتها ، وكانت عاقلة أديبة فبعثت إليه بأن ملك النساء لا يخلو من ضعف فى السلطان ، فأردت رجلا أضيف إليه ملكى وأتزوجه فلم أجد كفؤا غيرك فأقدم على لذلك فطمع فى زواجها لأجل أن يتصل ملكه بملكها ، وقيل : إنه بعث يخطبها فكتبت إليه إنى راغبة فى ذلك فإذا شئت فاشخص إلى فشاور وزراءه فأشاروا عليه بزواجها إلا قصير بن سعد فإنه قال له يأيها الملك لا تفعل فإن هذه خديعة ومكر فعصاه ، وأجابها إلى ما سألت فقال قصير عند ذلك لا يطاع لقصير أمر فصار ذلك مثلا ولم يكن قصيرا ، ولكن كان اسما له ، ثم إنه قال له : أيها الملك حيثما عصيتنى وتوجهت إليها إذا رأيت جندها قد أقبلوا إليك ، فإن ترجلوا وحيوك ثم ركبوا وتقدموا فقد كذب ظنى ، وإن رأيتهم حيوك وطافوا بك فإنى معرض لك العصا وهى فرس لجذيمة لا تدرك فاركبها وفر بها تنج وقد أعدت لأخذه فرسانا ، فلما حضر غير مستعد للحرب فى أبواب حصنها حيوه وطافوا به فقرب قصير إليه العصا فشغل عنها فركبها قصير فنجا فنظر جذيمة إلى قصير على العصا وقد حال دونه السراب فقال ما ذل من جرت به العصا

٦٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فصار مثلا ، فأدخلته الزباء فى بيتها وكانت قد ربت شعر عانتها حولا وكشفت له عن باطنها ، وقالت له : هذه عانة عروس أو عانة آخذ بالثأر ، فقال : بل آخذ بالثأر فأيس من الحياة ، فأمرت بشد عضديه كما يفعل بالمفصود وأجلس على نطع ، ثم أمرت برواهشه فقطعت وكان قد قيل لها احتفظى على دمه فإنه إن ضاعت قطرة منه طلب بثأره فقطرت قطرة من دمه فى الأرض ، فقالت : لا تضيعوا دم الملك ، فقال جذيمة : دعوا دما ضيعه أهله فلم يزل الدم يسيل إلى أن مات ، وإنما اختارت هذا الوجه فى موته لأجل اشتفاء غيظها منه باللوم وهو فى سبيل الموت ، ثم إن قصيرا أتى إلى عمرو بن سعد وهو ابن أخت جذيمة وقد كان جذيمة استخلفه على مملكته حين سار للزباء فأخبره الخبر وحضه على الثأر ، واحتال لذلك فقطع أنفه وأذنيه ولحق بالزباء وزعم أن عمرا فعل به ذلك ، وأنه اتهمه على ممالأته لها على خاله يخدعها حتى اطمأنت له وصارت ترسله إلى العراق بمال فيأتى إلى عمرو فيأخذ منه ضعفه ويشترى به ما تطلبه ، ويأتى إليها به إلى أن تمكن منها وسلمته مفاتيح الخزائن وقالت له : خذ ما أحببت فاحتمل ما أحب من مالها وأتى عمرا فانتخب من عسكره فرسانا وألبسهم السلاح واتخذ غرائر وجعل شراجها من داخل ، ثم حمل على كل بعير رجلين معهما سلاحهما وجعل يسير فى النهار حتى إذا كان الليل اعتزل عن الطريق فلم يزل كذلك حتى شارف المدينة فأمرهم بلبس السلاح ودخلوا الغرائر ليلا ، فلما أصبح دخل وسلم عليها وقال هذه العير تأتيك بما لم آتك بمثله قط فصعدت فوق قصرها وجعلت تنظر العير وهى تدخل المدينة فأنكرت مشيها وجعلت تقول :

ما للجمال مشيها وئيدا

أجندلا يحملن أم حديدا (١)

أم صرفانا باردا شديدا

أم الرجال جثّما قعودا

__________________

(١) الرجزان للزباء فى لسان العرب (صرف) ، والأول منهما ، فى الأغانى ١٥ / ٢٥٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٩٥ ، وشرح عمدة الحافظ ، وبلا نسبة فى أساس البلاغة (وأد) ، والثانى : فى تاج العروس (صرف) ، وجمهرة اللغة ص ١٢٣٧ ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ١٣ / ١٦٣.

٦٤٨

فى قوله :

ولا فضل فيها) أى : فى الدنيا (للشجاعة والنّدى .. وصبر الفتى لو لا لقاء شعوب) (١)

هى علم للمنية ؛ ...

______________________________________________________

فلما دخلت العير فى المدينة حلوا شراجهم وخرجوا بالسلاح وأتى قصير بعمرو فأقامه على سرداب كان لها كانت إذا خرجت تخرج منه ، فأقبلت لتخرج من السرداب فوجدت عمرا على بابه فجعلت تمص خاتما وفيه سم وتقول : بيدى لا بيد عمرو ، وفارقت الدنيا.

(قوله : فى قوله) أى : قول أبى الطيب المتنبى من قصيدته التى رثى بها يماك التركى غلام سيف الدولة وأولها فيه الخرم وهو حذف الحرف الأول من الوتد المجموع ومطلعها :

لا يحزن الله الأمير فإنّنى

لآخذ من حالاته بنصيب

ومن سرّ أهل الأرض ثمّ بكى أسى

بكى بعيون سرّها وقلوب

وإنّى وإن كان الدّفين حبيبه

حبيب إلى قلبى حبيب حبيبى

وقد فارق الناس الأحبّة قبلنا

وأعيا دواء الموت كلّ طبيب

سبقنا إلى الدّنيا فلو عاش أهلها

منعنا بها من جيئة وذهوب

تملّكها الآتى تملّك سالب

وفارقها الماضى فراق سليب

ولا فضل فيها ... البيت

وهى قصيدة طويلة (قوله : والندى) أى : الإعطاء (قوله : شعوب) بفتح الشين مأخوذ من الشعبة وهى الفرقة (قوله : علم للمنية) أى : علم جنس فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث وسميت المنية بذلك ؛ لأنها تشعب وتفرق بين الأحبة أى : لو لا

__________________

(١) البيت لأبى الطيب المتنبى فى شرح ديوانه ٢ / ٧٣ ، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ١٤٣.

٦٤٩

صرفها للضرورة ، وعدم الفضيلة على تقدير عدم الموت إنما يظهر فى الشجاعة والصبر ...

______________________________________________________

تيقن لقاء المنية لم يكن للأمور المذكورة فضل (قوله : صرفها) أى : جرها بالكسر من غير تنوين ، وقوله للضرورة أى : لضرورة موافقة القوافى وجعله الجر بالكسر صرفا هو أحد قولين ، والثانى أنه التنوين ، وقوله صرفها للضرورة أى : مع كونها ممنوعة من الصرف لما ذكرنا ، وانظر هل يقال : يجوز أن يكون علما على الموت وهو مذكر ، وحينئذ فيجوز فيه الصرف وعدمه باعتبارين كما قيل بذلك فى أسماء البلدان والأماكن فليحرر ـ قاله يس ، والظاهر الجواز وأنه لا فرق (قوله : وعدم الفضيلة على تقدير عدم الموت إلخ) هذا بيان لمفهوم البيت ، وتقدير لما يرد على قوله : والندى من كونه حشوا مفسدا للمعنى وللجواب عنه ؛ وذلك لأن منطوقه ثبوت الفضيلة للشجاعة وما معها على تقدير وجود الموت ؛ لأن لو لا حرف امتناع لوجود بمعنى أنها تدل على امتناع جوابها لوجود شرطها ، وقوله لا فضل فيها : هو الجواب فى الحقيقة ، لكن لكون الجواب لا يتقدم يقال فيه إنه دليل الجواب ، وأصل التركيب لو لا لقاء شعوب لا فضل فيها للشجاعة والندى والصبر وهذا الجواب منفى فى ذاته فإذا نفى بمقتضى لو لا كان إثباتا ؛ لأن نفى النفى إثبات فيصير مدلول الكلام ومنطوقه ثبوت الفضل للأمور المذكورة على تقدير وجود الموت ومفهومه عدم الفضيلة لما ذكر على تقدير عدم الموت وهذا مسلم فى غير الندى ، والحاصل أن هذا البيت يفيد بحسب المنطوق أن وجود الموت مقتض لفضل الشجاعة والصبر والكرم ويفيد بحسب المفهوم أن نفى الموت مقتض لنفى الفضل عما ذكر واستلزام وجود الموت لفضل الشجاعة واستلزام نفيه لنفى فضلها صحيح ؛ لأن الإنسان متى علم أنه لا يموت لم يبال بالقدوم على المعركة ، وهذا المعنى يستوى فيه الناس جميعا فلا فضل على تقديره لأحد على أحد ، بخلاف ما إذا علم أنه يموت ومع ذلك يقتحم المعركة فلا يكاد يوجد هذا المعنى إلا لأفراد قلائل من الناس فيثبت لهم الفضل باختصاصهم بما لا طاقة لكل أحد عليه ، وكذلك الصبر على شدائد الدنيا استلزام وجود الموت لفضله واستلزام نفى الموت لنفى فضله صحيح ؛ لأنه لو انتفى الموت

٦٥٠

لتيقن الشجاع بعدم الهلاك ، وتيقن الصابر بزوال المكروه ، بخلاف الباذل ماله إذا تيقن بالخلود وعرف احتياجه إلى المال دائما فإن بذله حينئذ أفضل مما إذا تيقن بالموت وتخليف المال. وغاية اعتذاره ما ذكره الإمام ابن جنى ؛ وهو أن فى الخلود وتنقل الأحوال فيه من عسر إلى يسر ، ومن شدة إلى رخاء ...

______________________________________________________

لم يكن له فضل ؛ لأن الناس كلهم إذا علموا أنه لا موت بتلك الشدة صبروا حرصا على تلك الفضيلة أعنى فضيلة نفى الجزع ، إذ ليست تلك الشدة مفضية إلى الموت الذى هو أعظم مصيبة وما دونها جلل ، ومع ذلك لا بد أن تزول عادة بخلاف ما إذا علم الإنسان أن تلك الشدة ربما أفضت إلى الموت الذى هو أشد الشدائد ومع ذلك يصبر عليها ، فهذا لا يتصف به إلا القليل من الناس فيثبت له الفضل باختصاصه بما لا طاقة لكل أحد عليه وأما استلزام وجود الموت لفضيلة الكرم واستلزام نفى الموت لنفى فضيلة الكرم فغير صحيح ؛ لأن المتبادر أن فضل الكرام إنما يكون عند نفى الموت لا عند وجوده ؛ لأن الإنسان إذا علم أنه لا يموت ومع ذلك يتكرم حتى يبقى معدما ، والعدم مما يؤدى إلى فضيحة ومقاساة شدائد دائمة فلا يكاد يوجد على هذه الحالة إلا النادر فيثبت له الفضل لاختصاصه بما لا طاقة لكل أحد عليه ، وأما إذا تيقن وجود الموت وترك المال هان عليه بذله وعدم بقائه للورثة بعده وهذا مما يكثر مرتكبه فلا فضل فيه (قوله : لتيقن الشجاع بعدم الهلاك) أى : فلا يكون له فضل باقتحامه الدخول فى المعركة لاستواء الناس جميعا فى ذلك (قوله : وتيقن الصابر بزوال المكروه) أى : بحسب العادة وعدم الهلاك بتلك الشدة فلا فضل فيه ؛ لأن الناس كلهم إذا تيقنوا ذلك صبروا حرصا على فضيلة عدم الجزع (قوله : فإن بذله حينئذ أفضل) أى : لأن الخلود يوجب الحاجة لزيادة المال (قوله : مما إذا تيقن بالموت وتخليف المال) أى : لأنه جدير بأن يجود بماله.

(قوله : وغاية اعتذاره) الضمير عائد على الحشو والكلام من باب الحذف والإيصال أى : غاية الاعتذار عن ذلك الحشو بحيث يخرجه عن الفساد فحذف الجار واتصل الضمير بالمصدر (وقوله ما ذكره ابن جنى) أى : فى شرح ديوان المتنبى ، وحاصل

٦٥١

ما يسكن النفوس ، ويسهل البؤس فلا يظهر لبذل المال كثير فضل.

(و) عن الحشو (غير المفسد) للمعنى ...

______________________________________________________

ذلك الاعتذار أن نفى الموت مما يوجب رجاء الانتقال من عسر إلى يسر ومن فقر إلى غنى حسبما جرت به عادة الزمان الطويل من تقرر ذلك الانتقال فيه ، وذلك مما يحمل على الكرم لكل أحد فينتفى الفضل عن الكرم على تقدير نفى الموت ؛ لأن الإنسان إذا تيقن الخلود أنفق وهو موقن بالخلف لكونه يعلم أن الله يخلفه وينقله من حالة العسر إلى حالة اليسر ، بخلاف ما إذا أيقن بالموت فإنه لا يوقن بالخلف لاحتمال أن يأتيه الموت فجأة قبل تغير حاله ، وحينئذ فيثبت الفضل للبذل على تقدير وجود الموت ، وقول الشارح وتنقل الأحوال فيه أى : فى الخلود وقوله : ما يسكن إلخ : بتشديد الكاف اسم أن ، (وقوله : ويسهل البؤس) أى : الشدة ورد ذلك الاعتذار بأمور الأول أن الشخص على تقدير الخلود يكثر خوفه من الابتلاء بالشدة والضيق حتى يكون خوفه ذلك أعظم من رجاء الخلف ، وحينئذ فلا يكون رجاؤه الخلف مسهلا للإكرام عند انتفاء الموت ، فيكون للبذل حينئذ فضل الثانى أن الشخص على تقدير الخلود يقوى احتياجه للمال فيكون لبذله مع احتياجه له فضل الثالث أن الشخص على ذلك التقدير يشتد تعلق قلبه بحوز المال ليكفى شر المهمات بصرفه فيها ، وأما رجاء عود المال إليه بتنقل الأحوال فهو فى غاية الضعف ؛ لأنه أمر معتاد يمكن تخلفه ، بل قد تخلف بالفعل فى بعض الأفراد ، وحينئذ فيكون فى البذل على ذلك التقدير فضل ، وأما مع اعتبار وجود الموت وعدم الخلود فيسهل بذل المال لتيقن أنه يموت ويخلفه لوارثه ، ومن ثم كان ترك الشاب للمال وإعراضه عن أمور الدنيا أفضل من ترك الشيخ الفانى لذلك لشدة حرص الشاب عليه لظنه طول الحياة المحتاج لكثرة المال بحسب العادة وضعف تعلق الشيخ بالمال لترقبه الموت كل لحظة ـ اللهم إلا أن يقال : إن تخريج الكلام ولو على وجه ضعيف أولى من حمله على الفساد ، وبعضهم أجاب عن البيت بأن المراد بالندى الكرم بالنفس وفيه نظر لعوده إلى الشجاعة حينئذ فيكون فى الكلام تكرار مع أن الأصل عدم استعماله لذلك المعنى ـ كذا اعترض الشارح على هذا الجواب ، وقد يقال : هذا الاعتراض إنما يرد إذا

٦٥٢

(كقوله :

وأعلم علم اليوم والأمس قبله

ولكنّنى عن علم ما فى غد عمى

فلفظ [قبله] ...

______________________________________________________

كان غرض المجيب تصحيح كلام أبى الطيب بالكلية ، وأما إذا كان مقصوده إخراجه عن رتبة الحشو المفسد فلا يرد ذلك ، إذ غاية ما لزم على ذلك الجواب كونه من التطويل ، واعترض ابن السبكى فى عروس الأفراح على المصنف فى تمثيله بالبيت المذكور بأن الندى ليس زيادة لفظ لمعنى مدلول لغيره حتى يكون حشوا ، بل إتيان بلفظ لمعناه ، إلا أنه فاسد فى المقام ، والحشو من القبيل الأول كالتطويل لما تقدم من أنه لا يفرق بينهما إلا فى التعيين وعدمه ، وأجيب : بأن المراد بالزيادة بالنسبة إلى الحشو أن يؤتى بما لا يحتاج إليه سواء كان ذلك المأتى به مدلولا على معناه بغيره أم لا ، وحينئذ فلا اعتراض على المصنف فى تمثيله بالندى فى البيت.

(قوله : كقوله) أى قول زهير بن أبى سلمى ، وهذا البيت من آخر قصيدته التى قالها فى الصلح الواقع بين عبس (١) وذبيان وأولها :

أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم

بحومانة الدّرّاج فالمتثلّم (٢)

ودار لها بالرّقمتين كأنّها

مراجيع وشم فى نواشر معصم

(قوله : علم اليوم) مصدر مبين للنوع أى : أعلم علما متعلقا بهذين اليومين أو مفعول به بناء على أن أعلم بمعنى أجعل ـ كذا فى الفنرى ، وقرر شيخنا أن جعله مفعولا به بناء على أن المراد بالعلم المعلوم أى : أعلم المعلوم أى : الأمر الواقع فى هذين اليومين ، وقوله ولكننى عن علم أى : عن الأمر المعلوم أى : الذى شأنه أن يعلم ، وقوله ما فى غد أى : الواقع فى غد بدل من علم ، وقوله عمى أى : جاهل وغير عالم به فهى صفة مشبهة بمعنى جاهل ، ومعنى البيت أن علمى يحيط بما مضى وبما هو حاضر ولكننى عم عن الإحاطة بما هو منتظر متوقع يريد لا أدرى ما ذا يكون غدا.

__________________

(١) عبس وفى المطبوع قيس.

(٢) البيتان لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ٤ ، وهى معلقة من المعلقات السبع قالها فى الصلح الواقع بين عبس وذبيان.

٦٥٣

حشو غير مفسد ، وهذا بخلاف ما يقال : أبصرته بعينى ، وسمعته بأذنى وكتبته بيدى فى مقام يفتقر إلى التأكيد.

______________________________________________________

(قوله : حشو) أى : زائد على أصل المراد لا لفائدة ؛ لأن الأمس يدل على القبلية لليوم لدخول القبلية فى مفهوم الأمس ؛ لأنه اليوم الذى قبل يومك وهو متعين للزيادة ، إذ لا يصح عطفه على اليوم كما عطف الأمس بحيث يكون التقدير ، وأعلم علم قبله بالإضافة إلا بالتعسف ، وأيضا المناسب حيث أراد الجمع بين الثلاثة أعنى الغد واليوم وغيرهما أن يذكر الأمس ؛ لأنه هو المستعمل كثيرا فى مقابلة كل من الغد واليوم لا لفظ القبل فيتعين للزيادة فلا يقال هو كالمين بالنسبة للكذب ـ قاله اليعقوبى.

(قوله : غير مفسد) أى : لأنه لا يبطل بوجوده المعنى قال فى الأطول : لك أن تقول اللام فى الأمس للاستغراق أى : كل أمس ووصفه بالقبلية من قبيل وصف الجنس بما يعم كل فرد تعيينا لعمومه وتنصيصا عليه كما ذكر فى قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(١) وحينئذ فلا يكون قبله حشوا (قوله : وهذا) أى : قبله ، (وقوله : فى مقام) متعلق بيقال (وقوله : يفتقر إلى التأكيد) أى : لدفع توهم أو خوف إنكار أى : وقبله فى البيت لم يكن للتأكيد أى : لدفع توهم أو إنكار (قوله : بخلاف إلخ) أى : فإنه ليس من الحشو ، وهذا جواب عما يقال : إن زيادة قبله فى البيت بمنزلة زيادة الأذن واليد مثلا فى قول القائل سمعته بأذنى وكتبته بيدى ؛ لأن السمع ليس إلا بالأذن والكتب ليس إلا باليد ، فكما لم يجعلوا ذلك وما أشبهه حشوا بل جعلوه تأكيدا كذلك قبله ، وحاصل الجواب أن التأكيد إنما يكون عند خوف الإنكار أو وجوده أو تجويز الغفلة أو نحو ذلك ـ ولا يصح شىء من ذلك هنا ـ فزيادة قبله ليست لقصد التأكيد لعدم اقتضاء المقام له بخلاف زيادة اليد والأذن فى المثال فإنها لقصد التأكيد ، وذلك لأن الإبصار قد يكون بالقلب فدفع بقوله بعينى إرادته ، وقد يطلق السمع على العلم فدفع بقوله : بأذنى إرادته ، وقوله : كتبت قد يستعمل بمعنى أمرت بالكتابة ، فدفع بقوله : بيدى إرادته ، والحاصل أن التأكيد إن اقتضاه المقام كما فى الأمثلة المذكورة كان فائدة لا حشوا وإلا كان حشوا كما فى البيت.

__________________

(١) الأنعام : ٣٨.

٦٥٤

(المساواة) قدمها لأنها الأصل المقيس عليه (نحو : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(١) ، ...

______________________________________________________

(قوله : المساواة) أى : أمثلتها فهذا شروع فى الأمثلة بعد الكلام على تعاريف الحقائق الثلاثة ولم يعين مقام كل منها فى كل مثال اكتفاء بما تقدم مما يفيد أن مقام المساواة هو مقام الإتيان بالأصل حيث لا مقتضى للعدول عنه ومقام الإيجاز هو مقام حذف أحد المسندين أو المتعلقات ومقام الإطناب هو مقام ذكر ما لا يحتاج إليه فى أصل المعنى كقصد البسط حيث الإصغاء مطلوب وكرعاية الفاصلة ، وقد تقدم أن المساواة عبارة عن لفظ أتى به ليدل على معناه بتمامه من غير أن يكون ناقصا عن أجزاء المعنى المراد ولا زائدا عليه.

(قوله : المقيس عليه) أى : الذى قيس عليه أى : نسب إليه الإيجاز والإطناب وهذا تفسير لما قبله ، وفيه أن الأصل الذى قيس عليه الإيجاز والإطناب إنما هو أصل المعنى المراد على ما اختاره المصنف فالوجه أنه إنما قدم المساواة لقلة مباحثها ، ولك أن تقول إنها الأصل والمقيس عليه عند السكاكى وهذا القدر كاف فى تقديمها انتهى عبد الحكيم ، وفى ابن يعقوب إنما كانت المساواة أصلا يقاس عليها مع أنها نسبة أيضا يتوقف تعقلها على تعقل غيرها ؛ لأن تصورها من حيث ذاتها لا يتوقف على تعقل شىء بمعنى أن إدراك أن هذا دال على مجموع ما وضع له فقط من غير تعرض لأكثر من هذا لا يتوقف على شىء ومن هذا الوجه يقاس عليها وإنما يتوقف تعقلها على تعقل غيرها من حيث وصفها بالمساواة المعتبرة اصطلاحا وهى أنها لفظ ليس فيه إيجاز أى : نقصان عن الأصل ولا إطناب أى : زيادة عليه ولا يصح القياس عليها من هذا الوجه (قوله : ولا يحيق) أى : لا ينزل المكر السيئ وهو فى جانب الله أن يفعل بالعبد ما يهلكه ، وقوله إلا بأهله أى : إلا بمستحقه بعصيانه وكفره ، وإنما كان هذا الكلام مساواة ؛ لأن المعنى قد أدى بما يستحقه من التركيب الأصلى والمقام يقتضى ذلك ؛ لأنه لا مقتضى للعدول عنه إلى الإيجاز والإطناب. اه يعقوبى. وفى الفنرى حاق به الشىء :

__________________

(١) فاطر : ٤٣.

٦٥٥

وقوله :

فإنّك كالليل الذى هو مدركى

وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع)

أى : موضع البعد عنك ذو سعة ، شبهه فى حال سخطه وهوله بالليل.

______________________________________________________

أحاط به ووصف المكر بالسيئ : إيماء إلى أن بعض المكر ليس سيئا كما فى قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)(١) لأن مكر الله جزاء السيئ ، وجزاء السيئ ليس سيئا. اه.

كذلك مكر المقاتل المجاهد فى حال التحرف والتحيز ، وبهذا يندفع قول ابن السبكى فى العروس اعتراضا على المصنف : إن الآية من قبيل الإطناب ؛ لأن السيئ زيادة ، إذ كل مكر لا يكون إلا سيئا (قوله : وقوله) أى : النابغة الذبيانى فى مدح أبى قابوس وهو النعمان بن المنذر ملك الحيرة حين غضب عليه وقد كان من ندمائه وأهل أنسه فمدحه بأن مطروده لا يفر منه ولو بعد فى المسافة ؛ لأن له أعوانا فى كل محل قرب أو بعد يأتون به إليه فمتى ذهب لمكان أدركه كالليل (قوله : وإن خلت) (٢) أى : ظننت والمنتأى بالنون الساكنة والتاء المفتوحة والهمزة المفتوحة الممدودة محل الانتياء وهو البعد مأخوذ من انتأى عنه أى : بعد فهو اسم مكان ، وعليه فلا يتعلق به الجار والمجرور ؛ لأن اسم المكان لا يعمل ولا فى الظرف على الصحيح ، وحينئذ فعنك متعلق بواسع لتضمنه معنى البعد ، وظاهر كلام الشارح أنه متعلق بالمنتأى حيث قال أى : موضع البعد عنك ذو سعة ، وأجيب بأنه حل معنى ، أو على رأى من جوز عمله فى الظرف.

(قوله : ذو سعة) فيه نظر ؛ لأن الموصوف بالسعة إنما هو المسافة التى بين المخاطب وموضع البعد الذى هو مقام المتكلم فكيف يوصف بها ذلك المكان؟ وأجيب بأن وصفه بها باعتبار وصف تلك المسافة التى لها به تعلق فهو من باب المجاز المرسل الذى علاقته التعلق (قوله : شبهه) أى : شبه الشاعر الممدوح ، (وقوله : فى حال سخطه) أى : عليه وهو له أى : تخويفه له ، وهذا تقييد للمشبه فهو بيان لحالته أى : شبه السلطان

__________________

(١) آل عمران : ٥٤.

(٢) البيت للنابغة فى ديوانه ص ٥٦ ، ولسان العرب (طور) ، (نأى) وكتاب العين ٨ / ٣٩٣.

٦٥٦

قيل فى الآية : حذف المستثنى منه ، وفى البيت : حذف جواب الشرط فيكون كل منهما إيجازا لا مساواة ؛ وفيه نظر ؛ لأن اعتبار هذا الحذف رعاية لأمر لفظى لا يفتقر إليه فى تأدية أصل المراد ، حتى لو صرح به لكان إطنابا ، بل تطويلا.

______________________________________________________

حال كونه فى تلك الحالة وليس هذا بيانا لوجه الشبه ؛ لأن وجه الشبه عموم الأماكن وبلوغه كل موطن فى أسرع لحظة ، وأشار الشارح بما ذكره لدفع ما يقال : إن المقام مقام مدح والمناسب له التشبيه بالأمر اللطيف فهلا شبهه بالصبح ، وحاصل الجواب أن الشاعر إنما قصد تشبيهه حال كونه فى هذه الحالة وهذه إنما يناسبها التشبيه بالليل ولو قصد تشبيهه حال كونه فى غير هذه الحالة لقال كأنك كالصبح ؛ لأن المناسب للمدح التشبيه بالأشياء اللطيفة ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : حذف المستثنى منه) أى : لأن المعنى لا يحيق المكر السيئ بأحد إلا بأهله (قوله : حذف جواب الشرط) أى : لأن التقدير وإن خلت أن المنتأى عنك واسع أى : فأنت مدرك لى فيه وجعل جواب الشرط محذوفا بناء على مذهب البصريين من أن الجواب لا يتقدم (قوله : وفيه) أى : فى هذا القيل (قوله : لأن اعتبار هذا الحذف) أى : فى الآية والبيت (قوله : رعاية لأمر لفظى) المراد بالأمر اللفظى ما لا يتوقف إفادة المعنى عليه فى الاستعمال ، وإنما جر إلى تقديره مراعاة القواعد النحوية الموضوعة لسبك تراكيب الكلام وسمى ذلك أمرا لفظيا لعدم توقف تبادر المعنى المقصود على تقديره.

(قوله : لا يفتقر إليه إلخ) أى : لأن معنى المستثنى منه مفهوم من الكلام ، وكذلك الجزاء معناه مفهوم من المصراع الأول (قوله : إطنابا) أى : إن كان لفائدة (قوله : بل تطويلا) أى : إن لم يكن فيه فائدة أصلا ، والمراد بالتطويل التطويل بالمعنى اللغوى أى : الزائد لا لفائدة وإن كان متعينا ، فاندفع ما يقال : إن الأولى أن يقول بل حشوا ؛ لأن الزائد متعين ، والحاصل أن ما جرى عرف الاستعمال بالاستغناء عنه بلا قرينة خارجة عن ذلك الكلام المأتى به يكون تقديره مراعاة للقواعد المتعلقة باللفظ ، فلا يكون حذفه إيجازا ، والمستثنى منه والجواب مستغنى عنهما فى ذلك التركيب غير محتاج إليهما فى الإفادة فلا يكون حذفهما إيجازا ، وما جرى العرف بذكره بحيث لا يستغنى عنه فى نفس التركيب إلا بقرينة خارجية يكون حذفه إيجازا للحاجة إليه فى المعنى.

٦٥٧

وبالجملة لا نسلم أن لفظ الآية والبيت ناقص عن أصل المراد.

[إيجاز القصر] :

(والإيجاز ضربان : إيجاز القصر ؛ وهو ما ليس بحذف ؛ نحو قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ؛) فإن معناه كثير ولفظه يسير) ...

______________________________________________________

[إيجاز القصر] :

(قوله : بالجملة) أى : وأقول قولا ملتبسا بالجملة أى : بالإجمال أى : وأقول قولا مجملا. (قوله : والإيجاز) أى : من حيث هو على ضربين ؛ وذلك لأن اللفظ قد ينظر فيه إلى كثرة معناه بدلالة الالتزام من غير أن يكون فى نفس التركيب حذف ، ويسمى بهذا الاعتبار إيجاز القصر لوجود الاقتصار فى العبارة مع كثرة المعنى وقد ينظر فيه من جهة أن التركيب فيه حذف ويسمى إيجاز الحذف والفرق بين إيجاز الحذف والمساواة ظاهر ، وكذا الفرق بين مقاميهما ؛ لأن مقام المساواة هو مقام الإتيان بالأصل ولا مقتضى للعدول عنه ، ومقام الإيجاز المذكور هو مقام حذف أحد المسندين أو المتعلقات ، وأما الفرق بين إيجاز القصر والمساواة وبين مقاميهما فهو أن المساواة ما جرى به عرف الأوساط الذين لا ينتبهون لإدماج المعانى الكثيرة فى لفظ يسير ، والإيجاز بالعكس ، ومقام المساواة كثير مثل أن يكون المخاطب ممن لا يفهم بالإيجاز أو لا يتعلق غرضه بإدماج المعانى الكثيرة ، ومقام الإيجاز كتعلق الغرض بالمعانى الكثيرة ويكون الخطاب مع من يتنبه لفهمها ولا يحتاج معه إلى بسط (قوله : إيجاز القصر) أى : ما يسمى بايجاز القصر بكسر القاف على وزن عنب كما حققه بعضهم ، وإن كان المشهور فيه فتح القاف وسكون الصاد كشهد (قوله : وهو ما ليس بحذف) أى : وهو الكلام الذى ليس ملتبسا بحذف فى نفس تركيبه ، ولكن فيه معان كثيرة اقتضاها بدلالة الالتزام أو التضمن فالباء للملابسة ، ويصح جعلها للسببية أى : وهو إيجاز ليس بسبب الحذف ، بل بسبب قصر العبارة مع كثرة المعنى (قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ)) (١) أى :

__________________

(١) البقرة : ١٧٩.

٦٥٨

وذلك لأن معناه : أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا له إلى أن لا يقدم على القتل ؛ فارتفع بالقتل الذى هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض ، وكان بارتفاع القتل حياة لهم.

(ولا حذف فيه) أى : ليس فيه حذف شىء مما يؤدى به أصل المراد واعتبار الفعل الذى يتعلق به الظرف رعاية لأمر لفظى حتى لو ذكر كان تطويلا.

______________________________________________________

فى نفسه ولا يقدر فى مشروعيته ، وإلا كان فيه حذف وسيأتى أنه لا حذف فيه ، وقوله : لكم : خبر أول ، وفى القصاص : خبر ثان وحياة : مبتدأ مؤخر (قوله : فإن معناه) أى : ما عنى ، وقصد أن يفيده ولو بالالتزام.

(قوله : وذلك) أى وبيان ذلك أى : كون لفظه يسيرا ومعناه كثيرا (قوله : لأن معناه إلخ) زاد معناه ولم يقل لأن الإنسان إلخ : إشارة إلى أن ما ذكره مدلول قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ ،) فلفظه يسير ومعناه كثير ، ولو قال لأن الإنسان إلخ : لكان المتبادر منه أنه دليل على دعوى تضمن القصاص للحياة فيقتضى أن كل دعوى لها دليل إيجاز وهو ممنوع ، وقوله : لأن معناه أى : الالتزامى ؛ وذلك لأن المدلول المطابقى لهذا الكلام الحكم بأن القصاص فيه الحياة للناس فيستفاد منه أن الإنسان إذا علم إلخ (قوله : حياة لهم) أى : إبقاء لحياتهم (قوله : ولا حذف فيه) هذا من تمام العلة بيان لتطبيق المثال على القاعدة الكلية (قوله : أصل المراد) أى : وهو قوله سابق : لأن الإنسان إلخ (قوله : واعتبار الفعل) المراد به الفعل اللغوى على حذف مضاف أى : واعتبار دال الفعل أى : الحدث فيشمل الاسم إن قدر متعلقا ، وهذا جواب عما يقال : إن فى الآية حذفا ، وحينئذ فلا يصح النفى فى قول المتن ولا حذف فيه (قوله : الظرف) يحتمل أنه أراد به الجنس فيشمل الطرفين أو أنه أراد الأول ، والثانى تابع له فى التعلق (قوله : لأمر لفظى) أى : لقاعدة نحوية موضوعة لأجل سبك تركيب الكلام وهى أن كل جار ومجرور لا بد له من متعلق يتعلق به ، لا أن اعتبار ذلك الفعل يتوقف عليه أصل المعنى.

(قوله : كان تطويلا) الأحسن أن يقول حشوا ؛ لأن الزائد متعين ، وأجاب بعضهم بأن مراد الشارح بالتطويل التطويل اللغوى وهو الزائد لا لفائدة وإن كان متعينا فيشمل الحشو ، وإنما لم يعبر بالحشو رعاية للأدب فى اللفظ القرآنى.

٦٥٩

(وفضله) أى : رجحان قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ) (على ما كان عندهم أوجز كلام فى هذا المعنى ؛ وهو) قولهم : (القتل أنفى للقتل ـ بقلة حروف ما يناظره) أى : اللفظ الذى يناظر قولهم : القتل أنفى للقتل (منه) أى : من قوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ؛) لأن قوله : (وَلَكُمْ) زائد على قولهم : القتل أنفى للقتل ؛ فحروف (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) مع التنوين : أحد عشر ، وحروف القتل أنفى للقتل : أربعة عشر ؛ ...

______________________________________________________

(قوله : وفضله) مبتدأ خبره قوله : بقلة إلخ ، وقوله على ما كان إلخ : متعلق بفضله ، وقوله : أوجز : خبر كان ، وقوله : عندهم : ظرف لأوجز ، وحاصل ما فى المقام أن المعنى المشار إليه فى الآية وهو كون القتل بالقتل يمنع القتل فتثبت به الحياة قد نطقت العرب بكلام قصدا لإفادته على وجه الإيجاز ، وأراد المصنف أن يفرق بين الكلام القرآنى والكلام الذى جرى فى ألسنتهم وإن كان كل من إيجاز القصر فذكر أوجها سبعة يتبين بها الفضل بين الكلامين والفرق بين العبارتين (قوله : أى رجحان قوله ولكم إلخ) إنما لم يسقط قوله : ولكم مع أنها لا دخل لها فى إفادة المعنى المراد ليستقيم كلام المصنف فى قوله ما يناظره منه (قوله : على ما كان عندهم) أى : على الكلام الذى كان عندهم أى : فى اعتقادهم ولعل نكتة التقييد به أنه ليس كذلك فى الواقع ؛ لأن أوجز شىء فى هذا المعنى فى الواقع القصاص حياة ، وقوله : فى هذا المعنى أى : وهو كون القتل بالقتل يمنع القتل فتثبت به الحياة (قوله : وهو) أى : الكلام الذى هو أوجز كلام عندهم فى هذا المعنى (قوله : القتل) أى : قصاصا ، وقوله : أنفى للقتل أى : أكثر نفيا للقتل ظلما من غيره ، ويحتمل أن أفعل ليس على بابه أى : القتل قصاصا ناف للقتل ظلما لما يترتب عليه من القصاص (قوله : أى اللفظ) تفسير لما ، وقوله : قولهم : بيان لمرجع ضمير يناظره البارز ، وأما المستتر فهو عائد على ما (قوله : منه) أى : حال كون المناظر لقولهم منه (قوله : وما يناظره منه) أى : واللفظ الذى يناظر قولهم : القتل أنفى للقتل من جملة قوله تعالى" ولكم فى القصاص حياة" هو قوله : فى القصاص حياة.

(قوله : لأن قوله إلخ) علة لقوله وما يناظره منه هو قوله إلخ (قوله : فحروف إلخ) أى : لأن حروف إلخ وهذا بيان لقلة حروف ما يناظر قولهم (قوله : من التنوين)

٦٦٠