حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

لأغراض تتعلق بذلك كقوله : (لا يألف الدرهم المضروب ...

______________________________________________________

أصل الوضع ، وقد أشار الشارح إلى ذلك بقوله الآتى قال الشيخ عبد القاهر إلخ : فإنه أفاد أنه لا دلالة للاسم على الدوام بحسب الوضع ، فكلام الشارح يشير إلى أنه ينبغى أن يحمل كلام المصنف على أن إفادته للدوام من خارج ، جمعا بينه وبين كلام الشيخ ودفعا للتعارض بينهما ، فنقله لكلام الشيخ إشارة إلى الجمع ، وحاصله أن كلام الشيخ باعتبار الوضع وما فسر به كلام المصنف باعتبار القرائن الخارجية ، لا إلى الاعتراض على المصنف وإن احتمل ذلك ، ثم إنه كان الأولى للشارح تقديم الثبوت على الدوام ؛ لأنه يلزم من الدوام الثبوت ولا عكس ، فذكر الثبوت آخرا لا فائدة فيه ؛ لأنه معلوم مما قبله وأيضا قوله : لأغراض ، متعلق بإفادة الدوام لا بإفادة الثبوت لما علمت أن إفادة الاسم الثبوت بحسب الوضع بخلاف إفادته الدوام فتقديم الدوام يوهم تعلقه بإفادة الثبوت ، ثم ما تقرر من أن الاسم إنما يفيد الثبوت دون الحدوث أى : الحصول بعد العدم يخالفه ما ذكره ابن الحاجب فى تعريف اسم الفاعل من أنه ما اشتق لغرض الحدوث فقد اعتبر الحدوث فى مفهومه ، فإما أن يرى أن النحويين يخالفون أهل المعانى ، وإما أن يقال مراده أنه يفيد الحدوث غالبا بقرائن خارجية (قوله : لأغراض) أى : كما إذا كان المقام يقتضى كمال الذم أو المدح ، أو نحو ذلك مما يناسبه الدوام والثبات.

(قوله : كقوله) أى النضر بن جؤية يتمدح بالغنى والكرم ، وقبل البيت المذكور : (١)

قالت طريفة ما تبقى دراهمنا

وما بنا سرف فيها ولا خرق

إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا

ظلّت إلى طرق الخيرات تستبق

لايألف ...

 ... البيت

وبعده :

حتى يصير إلى نذل يخلّده

يكاد من صرّه إيّاه ينمزق

__________________

(١) البيتان للنضر بن جؤية فى الإشارات والتنبيهات ٦٥ ، ودلائل الإعجاز ١٧٤ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٧ ، وشرح الواحدى على ديوان المتنبى / ١٥٧.

٤١

صرتنا) (١) وهو ما يجتمع فيه الدراهم (لكن يمر عليها وهو منطلق) يعنى : أن الانطلاق من الصرة ثابت للدرهم دائما ، قال الشيخ عبد القاهر : موضوع الاسم على أن يثبت به الشىء للشىء من غير اقتضاء أنه يتجدد ويحدث شيئا فشيئا ، فلا تعرض فى : زيد منطلق لأكثر من إثبات الانطلاق فعلا له ، كما فى : زيد طويل وعمرو قصير.

______________________________________________________

(قوله : صرتنا) المشهور نصبه على أنه مفعول لقوله : لا يألف والأحسن نصب الدرهم المضروب ليكون عدم الألفة من جانب صرته. ا ه عصام.

(قوله : وهو منطلق) أى : فتعبيره بمنطلق للإشعار بأن انطلاق الدراهم من الصرة أمر ثابت دائم لا يتجدد ، وأن الدراهم ليس لها استقرار ما فى الصرة وهذا مبالغة فى مدحهم بالكرم ، وفى قوله : لكن يمر عليها إلخ : تكميل حسن إذ قوله لا يألف إلخ : ربما يوهم أنه لا يحصل له جنس الدراهم ، فأزال ذلك التوهم بهذا الاستدراك (قوله : ثابت للدرهم دائما) أى : لأن مقام المدح يقتضى دوام ذلك (قوله : موضوع الاسم) أى : الاسم المسند فى التركيب موضوع لأجل أن يثبت إلخ أى : إنه إنما وضع لأجل هذا المعنى وهو ثبوت الشىء للشىء ، وأما إفادته للدوام والاستمرار فإنما هو من قرينة خارجية (قوله : من غير اقتضاء إلخ) إن قلت الاسم كما يحمل على الدوام بواسطة القرائن يصح أن يحمل على الاستمرار التجددى باعتبار القرائن الخارجية كالفعل فلأى شىء خص الفعل بالدلالة على الاستمرار التجددى دون الاسم؟ قلت : وجه ذلك مناسبة الاستمرار التجددى للفعل لاشتماله على الزمان المتجدد (قوله : فلا تعرض إلخ) أى : وأما إفادته الدوام فمن المقام كغرض المدح أو الذم فلا منافاة بينه وبين كلام الشارح المتقدم ؛ لأن كلام الشارح بحسب الاستعمال لاعتبار القرائن الخارجية وكلام الشيخ بحسب أصل الوضع.

(قوله : كما فى زيد طويل) هذا تنظير للنفى فى قوله فلا تعرض إلخ أى : كما لا تعرض لقولنا زيد طويل لغير إثبات الطول صفة لزيد وإثبات القصر صفة لعمرو ولا

__________________

(١) صدر بيت للنضر بن جؤية فى الاشارات والتنبيهات / ٦٥ ، ودلائل الإعجاز ١٧٤ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٧ ، وشرح الواحدى على ديوان المتنبى / ١٥٧ ، والبيت بتمامه :

لا يألف الدرهم المضروب صرّتنا

لكن يمرّ عليها وهو منطلق.

٤٢

أغراض تقييد الفعل بمفعول ونحوه ، وترك تقييد الفعل :

(وأما تقييد الفعل) وما يشبهه من اسم الفاعل والمفعول وغيرهما (بمفعول) مطلق ، أو به ، أو فيه ، أو له ، أو معه (ونحوه) : من الحال والتمييز والاستثناء ...

______________________________________________________

تجدد فيه ، واعترض بأن الطول والقصر لازمان له فهما دائمان ، وأجيب بأنهما وإن كانا دائمين ، لكن استفادة دوامهما ليست من جوهر اللفظ ، بل من حيث إن الصفة المشبهة لا تدل على زمان معين ، وليس بعض الأزمنة أولى من بعض فتحمل على الجميع ، فالحاصل أن الدوام إنما استفيد من قرينة خارجية وهو الترجيح بلا مرجع عند الحمل على خلافه ـ تأمل.

تقييد الفعل بمفعول ونحوه

(قوله : وأما تقييد الفعل) أى الواقع مسندا ، وكذا يقال فيما أشبهه لا يقال إن تقييد الفعل بما ذكر من مباحث متعلقات الفعل فذكره هنا من ذكر الشىء فى غير محله ؛ لأنا نقول : لا يلزم من كون ذلك من مباحث متعلقات الفعل أن لا يكون من مباحث المسند حتى يكون ذكره هنا من ذكر الشىء فى غير محله (قوله : وما يشبهه من اسم الفاعل إلخ) واقتصر المصنف على الفعل ؛ لأنه الأصل ولك أن تحمل الفعل فى كلامه على الفعل اللغوى فيكون شاملا لما ذكر (قوله : وغيرهما) أى : كأفعل التفضيل والصفة المشبهة ، وإنما كانت هذه المذكورات شبيهة بالفعل لمماثلتها له فى الاشتقاق فيكون لها متعلقات مثله (قوله : بمفعول مطلق إلخ) أى : فلفظ المفعول متناول لها جميعا لاشتراكها فى مطلق المفعولية ، وقوله بمفعول مطلق أى : غير مؤكد ، وإلا فهو لا يفيد تربية الفائدة ؛ وذلك لأن الفعل يحتمل الحقيقة والمجاز والمصدر المؤكد أفاد نفس الحقيقة ، والذى أفاده هو أحد محتملى الفعل وهو الظاهر منهما ، إلا أن يقال التعيين فائدة لم تكن ـ فتأمل.

وأمثلة المذكورات : أكرمت إكرام أهل الحسب ، وحفظت حديث البخارى ، وقرأت بمكة وجلست أمام الروضة الشريفة ، وسرت وطريق المدينة ، وتطهرت تعظيما للحديث ، وتصدقت مخلصا وطبت نفسا بالتوفيق ، ولا أحب إلا الصالحين ، واعترض

٤٣

فلتربية الفائدة) لأن الحكم كلما ازداد خصوصا زاد غرابة ، وكلما زاد غرابة زاد إفادة كما يظهر بالنظر إلى قولنا : شىء ما موجود ، وفلان بن فلان حفظ التوراة سنة كذا فى بلد كذا ، ولما استشعر سؤالا وهو أن خبر كان من ...

______________________________________________________

على الشارح فى ذكره الاستثناء أى : المستثنى بأنه إما أن يكون مستثنى من الفاعل فهو من تتمته ، أو من المفعول به أو غيره من المفاعيل أو الحال ، فكذلك ففى الأول لا يكون مربيا للفائدة وفى غيره التربية حصلت بالمستثنى وحينئذ فلا معنى لتقييد الفعل به ، لكن فى الرضى أن المنسوب إليه الفعل أو شبهه هو المستثنى منه مع المستثنى ، وإنما أعرب المستثنى منه بما يقتضيه المنسوب دون المستثنى ؛ لأنه الجزء الأول والمستثنى صار بعده فى حيز الفضلات فأعرب بالنصب ـ ا. ه كلامه.

وبهذا ظهر كون المستثنى قيدا للفعل ، واندفع ما ذكر من الاعتراض (قوله : فلتربية الفائدة) أى : تكثيرها فإن قلت : إن الفعل المتعدى متى ذكر أفاد أن هناك مفعولا به ؛ لأن تعقل الفعل المذكور يتوقف على تعقله ، وأفاد أن هناك مفعولا فيه ومعه وله ، فلا يكون ذكر تلك الأشياء مربيا للفائدة إذ ليس ذكرها مفيدا لشىء زائد. قلت : إن ذكر الفعل المتعدى يقتضى هذه الأشياء على العموم وتعين الشخص أمر زائد فبذكره بشخصه تعظم الفائدة ، والحاصل أن الفعل المتعدى يتوقف تعقله على تعقل كل من الفاعل والمفعول إلا أنه فرق بينهما من جهة أن تعقل الفعل المذكور يقتضى تعقل الفاعل بخصوصه ؛ لأنه اعتبر فى مفهومه النسبة للفاعل الخاص ، فذكره محصل لأصل الفائدة وتعقل الفعل المذكور يتوقف على تعقل مفعول ما وهو معقول لكل أحد لا على تعقل مفعول مخصوص فبذكره بخصوصه يحصل تربية الفائدة.

(قوله : لأن الحكم) أى : المطلق ، وقوله : كلما ازداد خصوصا أى : قيدا وقوله زاد غرابة أى : بعدا عن الذهن وقلة خطور بالبال ، وقوله وكلما زاد غرابة أى : بالنسبة للسامع زاد إفادة له ، والحاصل أن الحكم المطلق الخالى عن القيود لا يزيد على فائدة نسبة المحمول للموضوع ، وربما كان ذلك الحكم معلوما عند السامع فلا يفيد ، فإذا زيد قيد كان فيه فائدة غريبة والحكم الغريب مستلزم للإفادة للجهل به غالبا ، وكلما كثرت غرابته بكثرة قيوده فقد كثرت فوائده (قوله : شىء ما موجود) الإخبار عن شىء

٤٤

مشبهات المفعول والتقييد به ليس لتربية الفائدة لعدم الفائدة بدونه ـ أشار إلى جوابه بقوله : (والتقييد فى نحو : كان زيد منطلقا هو منطلقا لا كان) لأن منطلقا هو نفس المسند وكان قيد له للدلالة على زمان النسبة ، كما إذا قلت : زيد منطلق فى الزمان الماضى (وأما تركه :) أى : ترك التقييد (فلمانع منها) أى : تربية الفائدة ،

______________________________________________________

بالوجود غير مفيد ؛ لأنه معلوم بالضرورة ، وذلك لأن الشىء يشمل الموجود والمعدوم عند اللغويين والإخبار بالنظر لعرفهم فهى قضية مهملة فى قوة الجزئية أى : بعض الشىء ـ أى : الأشياء ـ موجود ، ومن المعلوم ضرورة وجود بعض الأشياء ، وهذا المثال ليس فيه خصوص فهو خال عن الفائدة الزائدة على أصل الحكم بخلاف المثال الذى بعده وهو فلان إلخ ، فإن فيه غرابات بكثرة القيود وبذلك كثرت فوائده كما لا يخفى (قوله : مشبهات المفعول) أى : من حيث انتصابه.

(قوله : أشار إلى جوابه بقوله إلخ) حاصل ذلك الجواب أنا لا نسلم أن هذا من قبيل تقييد الفعل بمفعول الذى كلامنا فيه ، بل هو من قبيل تقييد شبه الفعل بفعل وهذا لا كلام لنا فيه ، وحينئذ فلا اعتراض (قوله : لا كان) أى : كما فهم المعترض (قوله : لأن منطلقا هو نفس المسند) أى : لأنه هو الدال على الحدث والمسند إنما هو الدال على الحدث بخلاف كان فإنها إنما تدل على الزمان ولا دلالة لها على الحدث كما قال السيد وغيره ، وحينئذ فيقيد ذلك المسند بمفاد كان وهو الزمان الماضى فيفيد الكلام أن الانطلاق لزيد كان فيما مضى فكأنك قلت : زيد منطلق فى الزمان الماضى ، والحاصل أن منطلقا نفس المسند ؛ لأن أصل التركيب زيد منطلق وكان إنما ذكرت لدلالتها على زمان النسبة فهى باعتبار دلالتها على الزمان قيد لمنطلقا ، وحينئذ فقولنا كان زيد منطلقا فى معنى قولنا : زيد منطلق فى الزمان الماضى ، وإلى هذا أشار بقوله وكان قيد له للدلالة على زمان النسبة كما إذا قلت : زيد منطلق فى الزمان الماضى ، وما ذكره المصنف من أن الخبر فى باب كان هو المسند والفعل قيد له طريقة مخالفة لما اختاره الرضى من دلالة كان على الحدث وأنها المسندة لزيد ، حتى إن معنى كان زيد حصل شىء ما لزيد ، وقوله بعد منطلقا أو نحوه تفصيل وتبيين لذلك الشىء المبهم فأول الكلام إجمال وآخره تفصيل ، وعلى هذا فمنطلقا تقييد وتبيين للاتصاف بمضمونها مرب للفائدة والمعنى شىء ما ثبت لزيد فى الزمن الماضى مبين بالانطلاق (قوله : وكان قيد له)

٤٥

مثل : خوف انقضاء الفرصة ، أو إرادة أن لا يطلع الحاضرون على زمان الفعل ، أو مكانه ، أو مفعوله ، أو عدم العلم بالمقيدات ، ...

______________________________________________________

مبتدأ وخبر وهو صريح فى أن المقيد نفس المسند وهو منطلقا وهو صريح كلام المصنف أيضا ، ويحتمل أن فى العبارة حذفا أى : وكان قيد لنسبته ويدل لهذا ما بعده ، وعلى هذا فالمقيد إنما هو النسبة والأمر قريب ؛ لأن تقييد كل يؤول لتقييد الآخر.

[ترك تقييد الفعل] :

(قوله : مثل خوف إلخ) هذا مثال للمانع وذلك كقول الصياد لمخاطبه : الصيد محبوس أو حبس من غير أن يقول : محبوس فى الشرك لأجل أن ينتهز فرصة التأكيد المقتضى لمبادرة المخاطب لإدراكه قبل فواته بالفرار أو بالموت حتف أنفه (قوله : أو إرادة أن يطلع إلخ) عطف على خوف انقضاء الفرصة ، وذلك كقولك لآخر : زيد فعل كذا ، ولم تقل يوم كذا ، ولا فى مكان كذا خوفا من الاطلاع على زمان الفعل أو مكانه والمقام مقتض لإخفائه ، واعترض بأن الفعل يدل صراحة على زمان معين من الماضى والحال والاستقبال ، فالاطلاع على الزمان موجود عند ترك التقييد ، وحينئذ فلا يصح الترك لأجل إرادة عدم الاطلاع على الزمان ، وأجيب بأن المراد بالزمان زمان مخصوص بذلك الفعل مثل المساء والصباح ، فتقول : جاء زيد أو يجىء ومرادك أمس أو ليلا أو غدا أو صباحا ، فتترك التقييد المذكور لئلا يعلم الحاضرون الوقت المخصوص وإلا لو قيل جاء زيد صباحا أو مساء أو وقت الظهر. اطلع الحاضرون على ذلك الزمان المخصوص (قوله : أو مفعوله) عطف على زمان الفعل وذلك كما لو وقع ضرب من زيد على عمرو فقلت ضرب زيد ، ولم تقل عمرا خوفا من الاطلاع على ذلك فيحصل لعمرو فضيحة بين الناس أو يحصل منه ضرر لزيد (قوله : أو عدم العلم) عطف على خوف انقضاء إلخ أى : عدم علم المتكلم المقيدات كقولك : ضربت ولم تقل زيدا مثلا لعدم علمك بمن وقع عليه ضربك ، واعترض على الشارح فى جعله عدم العلم مانعا ، لأن المانع لا يكون إلا وجوديا وهذا أمر عدمى ؛ ولأن المانع من الشىء هو المنافى له وعدم العلم بالمقيدات لا ينافى التربية وإن كانت متعذرة معه ، وأجيب بأن المراد بالمانع

٤٦

أو نحو ذلك.

[أغراض تقييد الفعل بالشرط : إن وإذا ولو] :

(وأما تقييده :) أى : الفعل (بالشرط) مثل : أكرمك إن تكرمنى ، وإن تكرمنى أكرمك ...

______________________________________________________

هنا المانع اللغوى وهو ما لا يتأتى تحصيل الشىء معه وجوديا كان أو عدميّا منافيا كان أولا (قوله : أو نحو ذلك) أى : كمجرد الاختصار حيث اقتضاه المقام لضيق أو ضجر من المتكلم أو خوف سآمة السامع.

[تقييد الفعل بالشرط] :

(قوله : وأما تقييده بالشرط) كان الأولى للمصنف أن يقدم هذا على حالة ترك التقييد ، ويؤخر ترك التقييد عن هذا لأجل أن يجرى التقييد بالقيود الوجودية على سنن واحد ، وكيف يؤخر هذا والتقييد بالشرط فى قوة التقييد بالمفعول فيه كما يعلم من قول الشارح الآتى بمنزلة قولك : أكرمك وقت مجيئك إياى ، وأجيب بأنه لما كان التقييد بالشرط محتاجا إلى بسط ما أخره عن الترك ، وإن كان المناسب ذكره مع ما قبله (قوله : أى الفعل) أى : الواقع مسندا فى جملة الجزاء نحو : إن جئتنى أكرمتك فالشرط مقيد لأكرمتك ، وقوله : أى الفعل أى : أو ما يشبهه أو ما هو مؤول بما يشبهه الواقع مسندا فى جملة الجزاء نحو كلما كانت الشمس طالعة ، فالنهار موجود ، ونحو : إن كان زيد أبا لعمرو فأنا أخ له ، ففى المثال الأول ثبوت الوجود للنهار مقيد بطلوع الشمس ، إذ المعنى وجود النهار ثابت فى كل وقت من أوقات طلوع الشمس ، وفى المثال الثانى ثبوت أخوة عمرو للمتكلم مقيد بأبوة زيد لعمرو (قوله : بالشرط) أراد به جملة لشرط ، وأعاد المصنف الضمير على الشرط فى قوله أدواته بمعنى التعليق أعنى : عقد السببية والمسببية على طريق الاستخدام ، واعلم أن إطلاق الشرط على الجملة الشرطية أعنى : مجموع فعل الشرط والجزاء غير معهود ، وكذلك إطلاقه على مجموع الأداة وفعل الشرط فقط إنما المعهود إطلاقه على فعل الشرط وأداته والتعليق (قوله : مثل أكرمك إن تكرمنى إلخ) لم يقصد الشارح بذلك أن التقييد كما يكون للجزاء المذكور يكون للمحذوف ؛

٤٧

(فلاعتبارات) وحالات تقتضى تقييده به (لا تعرف إلا بمعرفة ما بين أدواته) يعنى حروف الشرط وأسماءه (من التفصيل وقد بين ذلك) أى : التفصيل (فى علم النحو) ...

______________________________________________________

لأن البصريين جعلوا أكرمك إن تكرمنى محذوف الجزاء لعدم صحة تقديم الجزاء على الشرط ؛ لأن حروف الشرط لها الصدارة ، بل قصد أن الشرط كما يكون قيدا للجزاء المتأخر يكون قيدا للجزاء المتقدم ، فإن علماء المعانى لا يجعلون المتقدم على الشرط دالا على الجزاء ، بل يجعلونه نفس الجزاء كما صرح به الشارح فى بحث الإيجاز والإطناب والمساواة وفاقا للكوفيين. هذا والجمهور من النحويين شرطوا أن يكون الشرط ماضيا إذا تقدم عليه ما هو جزاء فى المعنى نحو : أنت ظالم إن فعلت كذا ، واختار بعضهم عدم الاشتراط فهذا المثال مبنى عليه ـ أفاده الفنارى.

(قوله : فلاعتبارات) أى : نكات معتبرات لكون المقام يقتضى التقييد بما يفيدها ، وإنما فسرنا الاعتبارات بما ذكر بدليل قوله وحالات ؛ لأن الحالات معتبرات لاعتبارات وتلك الحالات هى تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى إما فى الماضى كما فى لو ، وإما فى الاستقبال : إما مع الجزم كما فى إذا أو مع الشك كما فى إن ، أو فى جميع الزمان كما فى مهما ، أو المكان كما فى أين (قوله : يعنى حروف الشرط وأسماءه) دفع بهذا ما يتوهم من لفظ أدوات أنها كلها حروف (قوله : من التفصيل) بيان لما أى إلا بمعرفة التفصيل الذى بين أدواته الحاصل ببيان ما بينها من الفرق المعنوى. وفى الأطول : ما بين أدواته من التفصيل أى : مما ذكر مفصلا ككون إن وإذا للشرط فى الاستقبال ، لكن مع الجزم فى إذا ومع الشك فى إن ، وكون لو للشرط فى الماضى ، وكون مهما ومتى لعموم الزمان ، وأين لعموم المكان ، ومن لعموم من يعقل ، وما لعموم غير العاقل فيعتبر فى كل مقام ما يناسبه من معانى تلك الأدوات ، فإذا كان المخاطب مثلا يعتقد أنه إن كرر المجىء إليك مللت منه واستثقلته فتقول نفيا لذلك : كلما جئتنى ازددت فيك حبّا ، وكذا إذا كان يعتقد أن الجائى فى وقت كذا لا يصادف طعاما عند زيد مثلا قلت نفيا لذلك : متى جئت زيدا وجدت عنده طعاما ، أو كان يعتقد أنك لا

٤٨

وفى هذا الكلام إشارة إلى أن الشرط ـ فى عرف أهل العربية ـ : قيد لحكم الجزاء مثل المفعول ، فقولك : إن جئتنى أكرمك ـ بمنزلة قولك : أكرمك وقت مجيئك إياى ، ولا يخرج الكلام بهذا التقييد عما كان عليه من الخبرية والإنشائية ، ...

______________________________________________________

تجالسه إلا بالمسجد مثلا قلت أينما تجلس أجلس معك ، أو يعتقد أنك لا تكرم إلا من كان من بنى فلان فتقول له نفيا لذلك : من جاءنى أكرمته أو كان يعتقد أنك لا تشترى إلا الحاجة الفلانية ، ولو اشترى هو غيرها قلت نفيا لذلك ما تشتر أشتره وعلى هذا فقس.

(قوله : وفى هذا الكلام) أعنى : قول المصنف وأما تقييده بالشرط إلخ حيث جعل الشرط قيدا (قوله : لحكم الجزاء) أراد بالحكم النسبة كثبوت الإكرام أو أن الإضافة بيانية أى : قيد للجزاء فالجزاء هو الكلام المقصود بالإفادة ، وأما جملة الشرط فليست كلاما مقصودا لذاته ، بل مذكورة على أنها قيد فيه بمنزلة الفضلات كالمفعول والظرف ، فإذا قلت إن جئتنى أكرمتك فالمعتبر لأصل الإفادة هو الإخبار بالإكرام وأما الشرط فهو قيد فكأنك قلت أكرمك وقت مجيئك ، واعلم أن ما ذكر ـ من أن الكلام المقصود بالإفادة هو الجزاء والشرط قيد له ـ ينبغى أن يستثنى من ذلك ما إذا كانت أداة الشرط اسما مبتدأ وجعل خبره الجزاء أو مجموع فعل الشرط والجزاء ، فإن الكلام حينئذ مجموع الجملتين ؛ لأن الخبر من حيث هو خبر ليس بكلام ، وكذا جزؤه من باب أولى ، فإن جعل الخبر فعل الشرط كما هو الأصح عند النحاة كان الكلام هو الجزاء (قوله : ونحوه) أى : كالظرف فى أنه يقيد به كضربت أو صمت يوم الخميس (قوله : بمنزلة قولك أكرمك إلخ) استفيد الوقت من التعليل ؛ لأن الشرطية قيد فى الجزاء فهو بمنزلة العلة وزمان المعلول والعلة واحد فالمعنى فى هذا المثال أكرمتك لأجل مجيئك إياى وفى زمانه (قوله : ولا يخرج الكلام) الذى هو الجزاء. وقوله : بهذا التقييد أى : بجملة الشرط.

وقوله : عما كان عليه أى قبل التقييد بالشرط ؛ لأن أداة الشرط إنما تخرج الشرط عن أصله ولا تسلط لها على الجزاء بل هو باق على حاله.

٤٩

بل إن كان الجزاء خبرا فالجملة الشرطية خبرية نحو : إن جئتنى أكرمك ، وإن كان إنشائيا فإنشائية نحو : إن جاءك زيد فأكرمه ، وأما نفس الشرط فقد أخرجته الأداة عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب ، وما يقال من ...

______________________________________________________

(قوله : بل إن كان الجزاء خبرا) أى : قبل التقييد بجملة الشرط ، وقوله فالجملة الشرطية أعنى مجموع الشرط والجزاء ، وقوله خبرية أى : بسبب خبرية الجزاء ، واعترض على الشارح بأن الجزاء فى قوله أإن ضربتك تضربنى خبر مع أن الجملة إنشائية. ورد بأن حرف الاستفهام داخل فى المعنى على الجزاء كما صرح به الرضى ، وحينئذ فهو ليس بخبر (قوله : وإن كان) أى : الجزاء إنشائيا أى : قبل التقييد بالشرط ، وقوله فإنشائية أى : فالجملة الشرطية إنشائية بسبب إنشائية الجزاء (قوله : وأما نفس الشرط) أى : الجملة الشرطية وحدها بدون الجزاء وهذا مقابل فى المعنى لقوله ولا يخرج (قوله : عن الخبرية) أى عن كونه كلاما خبريا ؛ لأنه صار مركبا ناقصا ، وقوله : واحتمال الصدق والكذب عطف لازم على ملزوم وكما أخرجته الأداة عن الخبرية أخرجته أيضا عن الإنشائية لما علمت أنه صار بالأداة مركبا ناقصا والمحصور عندهم فى الخبر والإنشاء إنما هو المركب التام ، وأما قول الشارح فى المطول : لأن الحرف قد أخرجه إلى الإنشاء ففيه حذف مضاف بقرينة السياق أى : إلى حكم الإنشاء. وهو عدم احتمال الصدق والكذب ، وإن كان ليس بإنشاء حقيقة ، والحاصل أن الشرط وحده كالمفعول الذى قيد به الفعل فكما أن المفعول لا يحتمل صدقا ولا كذبا فكذلك الشرط (قوله : وما يقال إلخ) قائله الشارح العلامة فى شرح المفتاح ، وهذا شروع فى دفع التناقض بين ما قاله شارحنا سابقا ، وما قاله الشارح العلامة ، وحاصل ذلك الإيراد كيف يقال : إن الكلام عند أهل العربية هو الجزاء والشرط لا دخل له فيه ، وإنما هو قيد له ، مع أن هذا يخالفه ما قاله الشارح العلامة من أن كل واحد من الشرط والجزاء ليس خبرا محتملا للصدق والكذب ، لأن كل واحد منهما أخرجته الأداة عن أصله فليس المعتبر فى القضية حكم الجزاء لذلك ، وإنما الكلام الخبرى المحتمل للصدق والكذب هو مجموع الشرط والجزاء فكل واحد منهما مذكور قصدا لتوقف الكلام عليه ؛ لأنه جزء منه وحاصل الجواب أن

٥٠

أن كلا من الشرط والجزاء خارج عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب ، وإنما الخبر هو مجموع الشرط والجزاء المحكوم فيه بلزوم الثانى للأول ـ فإنما هو اعتبار المنطقيين ، فمفهوم قولنا : كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ـ باعتبار أهل العربية ـ الحكم بوجود النهار فى كل وقت من أوقات طلوع الشمس ، فالمحكوم عليه هو النهار والمحكوم به هو الوجود ، وباعتبار المنطقيين الحكم بلزوم وجود النهار لطلوع الشمس فالمحكوم عليه طلوع الشمس والمحكوم به وجود النهار فكم من فرق بين الاعتبارين.

______________________________________________________

ما قاله الشارح العلامة اصطلاح للمناطقة وما تقدم لشارحنا اصطلاح لأهل العربية ولا يعترض باصطلاح على اصطلاح (قوله : أن كلا من الشرط والجزاء) أى : كلا منهما على حدته لا مجموعهما كما هو ظاهر (قوله : واحتمال) أى : وخارج عن احتمال الصدق إلخ وهو عطف لازم على ملزوم (قوله : وإنما الخبر) أى : وإنما الكلام الخبرى سواء كان الجزاء فى الأصل خبرا أو إنشاء حتى إنك إذا قلت إن جاءك زيد فأكرمه ، فالمراد الحكم باللزوم بين المجئ والإكرام ، ولو كانت صورة الجزاء إنشاء (قوله : المحكوم فيه) أى : فى ذلك الخبر (قوله : فإنما هو اعتبار المنطقيين) أى : فهم يعتبرون اللزوم بين الشرط والجزاء سواء كان اللزوم بينهما حقيقيا أو اتفاقيا فمتى ثبت اللزوم بينهما صدقت القضية ولو لم يقع واحد منهما (قوله : الحكم بوجود النهار) الأولى أن يقول الحكم على النهار بالوجود لأجل أن يدل على المحكوم عليه ، وبه يتضح التفريع ، فالمقصود عند أهل العربية الإخبار بوجود النهار والتقييد ليس مقصودا لذاته (قوله : والمحكوم به وجود النهار) لعل الأولى أن يقول لزوم وجود النهار ؛ لأنهم إنما يحكمون باللزوم لا بالوجود (قوله : فكم من فرق بين الاعتبارين) أى : كم فرق أى : إن هناك فروقا كثيرة بين الاعتبارين لاختلاف الكلام والحكم والمحكوم به والمحكوم عليه باختلاف هذين الاعتبارين.

وعبارة المطول : والتحقيق فى هذا المقام أن مفهوم الجملة الشرطية بحسب اعتبار المنطقيين غيره بحسب اعتبار أهل العربية ؛ لأنا إذا قلنا : إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، فعند أهل العربية النهار محكوم عليه وموجود محكوم به والشرط قيد له ، ومفهوم

٥١

(ولكن لا بد من النظر هاهنا فى إن وإذا ولو) لأن فيها أبحاثا كثيرة لم يتعرض لها فى علم النحو (فإن وإذا للشرط ...

______________________________________________________

القضية أن الوجود يثبت للنهار على تقدير طلوع الشمس ، وظاهر أن الجزاء باق على ما كان عليه من احتمال الصدق والكذب وصدقها باعتبار مطابقة الحكم بثبوت الوجود للنهار حينئذ وكذبها بعدمها ، وأما عند المنطقيين فالمحكوم عليه هو الشرط والمحكوم به هو الجزاء ومفهوم القضية الحكم بلزوم الجزاء للشرط وصدقها باعتبار مطابقة الحكم باللزوم وكذبها بعد مهما فكل من الطرفين قد انخلع عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب ، وقالوا إنها تشارك الحملية فى أنها قول موضوع للتصديق والتكذيب ، وتخالفها فى أن طرفيها مؤلفان تأليفا خبريا ، وإن لم يكونا خبريين وبأن الحكم فيها ليس بأن أحد الطرفين هو الآخر بخلاف الحملية ، ألا ترى أن قولنا : كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود مفهومه عندهم أن وجود النهار لازم لطلوع الشمس ، وعند النحاة أن التقدير النهار موجود فى كل وقت من أوقات طلوع الشمس وظاهر أنه جملة خبرية قيد مسندها مفعول فيه فكم من فرق بين المفهومين ، وتحقيق هذا المقام على هذا الوجه من نفائس المباحث ـ انتهى.

قال عبد الحكيم : فإن قلت فما الفرق بين مذهبى أهل العربية وأهل الميزان ، فإن المآل واحد؟ قلت : الفرق أن الشرط عند أهل العربية مخصص للجزاء ببعض التقديرات حتى أنه لو لا التقييد بالشرط كان الحكم الذى فى الجزاء عاما لجميع التقديرات فيكون التقييد مفهومه مفهوم مخالفة كما ذهب إليه الشافعية وعند أهل الميزان كل واحد من الشروط والجزاء بمنزلة جزء القضية الحملية لا يفيد الحكم أصلا فلا يكون الشرط مخصصا للجزاء ببعض التقديرات فلا يتصور مفهوم المخالفة ، بل مسكوت عنه كما هو مذهب الحنفية (قوله : ولكن لا بد إلخ) لما أحال معرفة الاعتبارات المفادة لأدوات الشرط على تبيينها ببيان معانيها فى علم النحو أشار إلى أن ثلاثة منها لا يكفى فى بيان الأغراض المفادة لها بيان معانيها المذكورة فى علم النحو فقال : ولكن إلخ.

(قوله : فى إن وإذا ولو) أى : فى معانى هذه الثلاثة (قوله : للشرط) المراد به تعليق حصول مضمون جملة على حصول مضمون جملة أخرى بخلافه فى قوله بوقوع

٥٢

فى الاستقبال لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشرط) ...

______________________________________________________

الشرط ، فإن المراد به فعل الشرط (قوله : فى الاستقبال) متعلق بالحصول الثانى الذى تضمنه لفظ الشرط ـ كما فى عبد الحكيم ، أو بالشرط نظرا لما فيه من معنى الحصول ؛ لأن الشرط تعليق حصول مضمون جملة الجزاء على حصول مضمون الشرط الكائن فى الاستقبال ، ويلزم من حصول مضمون الشرط فى الاستقبال حصول مضمون الجزاء فيه ؛ لأن الحصول المعلق بحصول أمر فى المستقبل يلزم أن يكون مستقبلا ، وليس متعلقا بالشرط أعنى التعليق باعتبار ذاته ؛ لأنه حالى لا استقبالى ، ويصح أن يكون متعلقا بوصف محذوف أى : للشرط الموجود فى الاستقبال ويراد بالشرط التعليق وبضمير الوصف : الشرط بمعنى فعل الشرط وهو المعلق عليه وحينئذ ففيه استخدام.

(قوله : لكن أصل إن) أى : المعنى الأصلى لها الذى تستعمل فيه بالحقيقة اللغوية ، وسيأتى مقابل ذلك الأصل فى قوله : وقد تستعمل (قوله : عدم الجزم) أى : عدم جزم المتكلم ، وقوله بوقوع الشرط أى : فى المستقبل والمراد بعدم الجزم بوقوعه فى المستقبل الشك فى وقوعه فى المستقبل وتوهم وقوعه فيه ، وإن كان يصدق بظن الوقوع وبالجزم بعدم وقوعه ، والحاصل أن الفعل له خمسة أحوال : إما أن يجزم المتكلم بوقوعه فى المستقبل ، أو يظن وقوعه فيه وهاتان الحالتان تستعمل فيهما إذا ، وتارة يتردد فى وقوعه فى المستقبل على حد سواء ، أو يظن عدم وقوعه فيه ويتوهم وقوعه وهاتان الحالتان تستعمل فيهما إن ، وتارة يجزم بعدم الوقوع لكون الفعل محالا وهذه الحالة لا يستعمل فيها شىء منهما ، إذ لا معنى للتعليق فتحصل من هذا أن إذا تشارك إن فى عدم الدخول على المستحيل وهو المجزوم بعدم وقوعه إلا لنكتة على ما سيأتى فى قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ)(١) إلخ ، وتنفردان بالمشكوك والمتوهم وقوعه ، وتنفرد إذا بالمتيقن والمظنون الوقوع ، وسائر أدوات الشرط كإن فى حكمها المذكور ، إذا علمت هذا فقول المصنف : عدم الجزم بوقوع الشرط ، صادق بالشك فى الوقوع وتوهمه وظنه والجزم بعدمه ، ولكنه محمول على الحالتين الأوليين دون الأخيرتين وإن شملهما كلامه ،

__________________

(١) الزخرف : ٨١.

٥٣

فلا تقع فى كلام الله تعالى على الأصل إلا حكاية ، أو على ضرب من التأويل (وأصل إذا الجزم بوقوعه) فإن وإذا يشتركان فى الاستقبال بخلاف لو ، ويفترقان بالجزم بالوقوع وعدم الجزم به ، وأما عدم الجزم بلا وقوع الشرط فلم يتعرض له لكونه مشتركا بين إذا وإن والمقصود بيان وجه الافتراق (ولذلك) أى : ولأن أصل إن عدم الجزم بالوقوع ...

______________________________________________________

وأورد على هذا إن مات زيد فافعل كذا مع أن الموت مجزوم بوقوعه ، وأجاب الزمخشرى بأن وقت الموت لما كان غير معلوم استحسن دخول إن عليه انتهى فترى.

(قوله : فلا تقع فى كلام الله تعالى على الأصل) أى : وهو عدم الجزم بوقوع الشرط ؛ لأنه تعالى عالم بحقائق الأشياء على ما هى عليه فيستحيل فى حقه تعالى الشك والتردد فى شىء ما (قوله : إلا حكاية) أى : عن الغير كما فى (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ)(١) إلخ ، (وقوله : أو على ضرب من التأويل) أى : بأن يفرض أن هذا الكلام واقع على لسان شخص عربى تكلم بهذا الكلام كما سيأتى فى قوله (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ)(٢) فهى حينئذ باقية على أصلها من الشك أو التوهم فقوله إلا حكاية أو على ضرب إلخ أى : فتقع حينئذ فى كلام الله على الأصل (قوله : وأصل إذا) أى : معناها الأصلى الذى تستعمل فيه على سبيل الحقيقة اللغوية (قوله : الجزم بوقوعه) أى : جزم المتكلم بوقوعه فى المستقبل بحسب اعتقاده ؛ لأن الشرط مطلقا مقدر الوقوع فى المستقبل ، وقوله الجزم بوقوعه أى : أو ظن وقوعه ففيه حذف أو أن مراده بالجزم الرجحان فيشمل اعتقاد الوقوع وظنه (قوله : يشتركان فى الاستقبال) أى : فى أن كلا منهما شرط فى الاستقبال (قوله : بخلاف لو) أى : فإنها شرط فى الماضى (قوله : بالجزم بالوقوع) أى : بالنسبة لإذا (وقوله : وعدم الجزم به) أى بالنسبة لإن.

(قوله : وأما عدم الجزم) جواب عن سؤال مقدر وحاصله كما أن إن لعدم الجزم بوقوع الشرط كذلك هى لعدم الجزم بلا وقوعه كما صرح به النحاة من أنها إنما تستعمل فى المعانى المحتملة المشكوكة ، وكما أن إذا للجزم بوقوع الشرط هى أيضا لعدم الجزم بلا وقوعه ، بل ذلك لازم للجزم بوقوعه فعدم الجزم باللاوقوع مشترك بينهما ،

__________________

(١) يوسف : ٧٧.

(٢) النساء : ٧٨.

٥٤

(كان) الحكم (النادر) لكونه غير مقطوع به فى الغالب (موقعا لإن و) لأن أصل إذا الجزم بالوقوع (غلب لفظ الماضى) لدلالته على الوقوع قطعا نظرا إلى نفس اللفظ وإن نقل هاهنا إلى معنى الاستقبال (مع إذا نحو : (فَإِذا جاءَتْهُمُ)) (١) ...

______________________________________________________

فيشترط فيهما أن يكون مدخولهما غير مجزوم بعدم وقوعه ، إذ لو حصل الجزم بعدم وقوعه لم يستعمل فيه لا هذا ولا هذا لكونه محالا ، فكان على المصنف أن يتعرض لبيان ذلك بحيث يقول : لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشرط وبلا وقوعه ، وأصل إذا الجزم بوقوعه وعدم الجزم بلا وقوعه ، وحاصل الجواب أن المصنف بصدد بيان الفرق بينهما ولا وجه لدخول ما كان مشتركا فى مقام الافتراق ، قال الشيخ يس : لكن يبقى هنا شىء وهو أن عدم الجزم بلا وقوع الشرط فى إذا بمعنى أنه منتف ، وفى إن بمعنى أنه يجوز فلا اشتراك بينهما فى الحقيقة ـ فتأمل. ا ه.

وحاصله أن عدم الجزم بلا وقوع الشرط فى إن لوجود الشك ، وفى إذا لوجود الجزم بوقوعه فبينهما فرق (قوله : كان الحكم النادر) أى : القليل الوقوع وقوله لكونه غير مقطوع به علة لكونه نادرا ، ثم إن غير المقطوع بوقوعه إما محتمل للوقوع وعدمه على حد سواء فيكون مشكوكا فيه ، وإن للشك ، وإما أن يكون مترجحا عدمه على وجوده فيكون متوهما وهى تستعمل فى المتوهم (قوله : فى الغالب) متعلق بكونه وإنما قيد به ؛ لأن النادر قد يقطع بوقوعه كيوم القيامة فإنه نادر ومع ذلك مقطوع به ، وإنما كان يوم القيامة نادرا ؛ لأنه لا يحصل إلا مرة ولا تكرر لوقوعه ، والنادر هو ما يقل وقوعه جدا كأن يقع مرة أو مرتين ، وإن كان وقوعه لا بد منه (قوله : ولأن أصل إذا) أى : ولكون أصل إذا إلخ ، وقوله غلب عطف على كان (قوله : إلى نفس اللفظ) أى : الموضوع للدلالة على الوقوع فى الزمان الماضى (قوله : هاهنا) أى مع إذا وقوله إلى معنى الاستقبال أى : لأن إذا الشرطية تقلب الماضى إلى معنى المستقبل.

(قوله : فإذا جاءتهم الحسنة إلخ) استشهد بالآية على استعمال إذا فى المقطوع به ، واستعمال إن فى المشكوك فيه ، نظرا لكون كلامه تعالى واردا على أساليب كلامهم

__________________

(١) الأعراف : ١٣١.

٥٥

أى : قوم موسى (الْحَسَنَةُ) كالخصب والرخاء (قالُوا لَنا هذِهِ) أى : هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أى : جدب وبلاء (يَطَّيَّرُوا) أى : يتشاءموا (بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) من المؤمنين. جىء فى جانب الحسنة بلفظ الماضى مع إذا (لأن المراد الحسنة المطلقة) التى حصولها مقطوع به (ولهذا عرفت) الحسنة (تعريف الجنس) ...

______________________________________________________

وآتيا على نمط ما ينبغى أن يعتبر أن لو عبر به مخلوق يجوز عليه الشك والتردد والجزم ، وإلا فالله تعالى لا يتصور منه جزم ولا شك ؛ لأنه علام الغيوب والشىء عنده تعالى ، إما معلوم الوقوع أو معلوم عدمه (قوله : أى قوم موسى) كان الصواب أن يقول قوم فرعون ؛ لأن أصحاب تلك المقالة قوم فرعون لا قوم موسى الذين هم بنو إسرائيل ، فما ذكره الشارح سبق قلم ـ كذا اعترض. وأجيب بأن المراد بقوم موسى قومه الذين أرسل إليهم وإن لم يذعنوا له ، ولا شك أن من أرسل إليهم النبى ، وإن لم يذعنوا يقال لهم قومه كما يشهد بذلك القرآن. (قوله : الحسنة) اى : الأمر المستحسن (قوله : كالخصب) بكسر الخاء يقال للسنة الكثيرة المطر ، فعطف الرخاء عليه من عطف اللازم على الملزوم وإتيانه بالكاف إشارة إلى أن الحسنة لا تنحصر فيهما أى : ونمو الأموال وصحة البدن وكثرة الأولاد وغير ذلك (قوله : مختصة) أخذه من تقديم المعمول أى : لنا ؛ لأنه خبر لهذه والخبر معمول للمبتدأ (قوله : ونحن مستحقوها) أخذ ذلك من جعل لام لنا للاستحقاق أى : ونحن نستحقها لكمال سعادتنا فى ديننا وبركة مجدنا لا من بركة وجود موسى ودينه ، وفى قوله : ونحن مستحقوها إشارة إلى أنهم ادعوا اختصاص الحسنة بحسب الاستحقاق لا بحسب الوقوع ، فإن الحسنة لم تكن مختصة بهم (قوله : أى جدب وبلاء) لم يأت بالكاف إشارة إلى انحصار السيئة فى هذين فيكون المراد بها نوعا مخصوصا (قوله : أى يتشاءموا إلخ) التشاؤم ترقب حصول المكروه وقوله بموسى أى : بسبب وجود موسى ، ومن معه لعدم سعادتهم ودينهم ، ولو لا وجودهم فينا لما أصابنا ذلك هذا قولهم ، ولم يفهموا أن الأمر بخلافه ، وأن السيئة من شؤم عصيانهم ، وأن الحسنة من رحمة الله الواسعة (قوله : الحسنة المطلقة) أى : الغير المقيدة بنوع مخصوص كما يشير إليه إتيان الشارح بالكاف فى قوله : كالخصب (قوله : ولهذا) أى : لأجل كون الحسنة

٥٦

أى : الحقيقة لأن وقوع الجنس كالواجب لكثرته واتساعه لتحققه فى كل نوع بخلاف النوع ، وجىء فى جانب السيئة بلفظ المضارع مع إن لما ذكره بقوله : (والسيئة نادرة بالنسبة إليه) أى : إلى الحسنة المطلقة (ولهذا نكرت) السيئة لتدل على التقليل.

______________________________________________________

مطلقة عرفت إلخ (قوله أى : الحقيقة) أى : فى ضمن فرد غير معين فأل فى الحسنة للعهد الذهنى ؛ لأن المراد من مدخولها الحقيقية فى ضمن فرد مبهم ومجئ الحقيقة ، لا من حيث هى لعدم وجودها فى الخارج ، بل مجيئها فى ضمن مجئ أى فرد من أفراد أى نوع من أنواعها.

(قوله : لأن وقوع الجنس إلخ) علة لقوله مقطوع به ومراده بالجنس الأمر المطلق الغير المقيد بنوع مخصوص ، وقوله كالواجب أى : فى القطع بوقوعه عادة ، وإن كان يمكن عقلا عدم وقوعه (قوله : لكثرته واتساعه) علة للعلة أعنى قوله : لأن وقوع إلخ : فالحسنة جنس يشمل أنواع الحسنات مثل إعطاء الحياة والصحة والأموال والأولاد والخصب والرخاء وغير ذلك ، فكل هذه أنواع للحسنة والحسنة شاملة لها (قوله : لتحققه فى كل نوع) أى : لأن كل جنس يتحقق فى أفراده وهى الأنواع المتدرجة تحته ، بل فى كل فرد من أى نوع من أنواعه ، وهذا علة لقوله لكثرته (قوله : بخلاف النوع) أى : المعين كالجدب ؛ فإنه ليس مقطوعا بوقوعه فقد لا يحصل ذلك النوع بأن يحصل نوع آخر (قوله : نادرة بالنسبة إليها) أى : لأن المراد بالسيئة نوع مخصوص معين وهو الجدب والبلاء ، والنوع المعين ليس محقق الوقوع ، إذ النوع المعين قد لا يقع بأن يقع نوع آخر غيره (قوله : ليدل على التقليل) فيه إشكال ، وذلك لأن التقليل المدلول للتنكير هو قلة الشىء فى نفسه بقلة أفراده بمعنى أنه شىء يسير واحد مثلا لا كثير ، والتقليل المؤذن بعدم الجزم هو قلة وقوع الشىء ، وإن كان عند وقوعه كثيرا ففرق بين التقليلين ، فلا يصح أن يكون ما دل على أحدهما علة فى الآخر ، وأجيب بأن قلة الأفراد تؤذن أيضا بعدم الجزم بالوقوع ضرورة قرب ارتفاع القليل عن الوجود بخلاف الكثير ، فأحد التقليلين لازم للآخر فصح أن يكون ما دل عليه فى الآخر.

٥٧

(وقد تستعمل إن فى) مقام (الجزم) بوقوع الشرط (تجاهلا) كما إذا سئل العبد عن سيده : هل هو فى الدار ؛ وهو يعلم أنه فيها ـ فيقول : إن كان فيها أخبرك ؛ فيتجاهل خوفا من السيد ...

______________________________________________________

(قوله : وقد تستعمل إن إلخ) هذا مقابل لقوله سابقا : أصل إن عدم الجزم بوقوع الشرط ، وحينئذ فكان عليه أن يذكر أيضا مقابل قوله : وأصل إذا الجزم بوقوعه فيقول ، وقد تستعمل إذا فى مقام الشك للإشعار بأن الشك فى ذلك الشرط مما لا ينبغى كقولك لمن قال : لا أدرى هل يتفضل على الأمير بهذا النوال أو لا إذا تفضل عليك كيف يكون شكرك إشعارا بأن الأمير لا ينبغى الشك فى تفضله ، ولعله لم يذكره لقلته بالنسبة لخروج إن عن أصلها (قوله : فى مقام الجزم) أى : فى حالته وقدر مقام ؛ لأن إن لم تستعمل فى الجزم (قوله : بوقوع الشرط) فى التقييد بوقوع الشرط إشكال ؛ لأن إن قد تستعمل أيضا على خلاف الأصل فى مقام الجزم بعدم وقوع الشرط الذى هو خلاف أصلها ؛ لأن أصلها أن تستعمل فى الأمور المحتملة كما فى آية : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ)(١) وكأن يقال : للخصم : أرأيت إن كان العالم قديما ، فإنه يلزم استغناؤه عن الفاعل فلا يكون ممكنا ، وأنت تقول إنه ممكن ، والحاصل أن كلا من الجزم بالوقوع والجزم باللاوقوع قد يستعمل فيهما إن على خلاف الأصل ، وحينئذ فلا وجه لتقييد الشارح بوقوع الشرط ، فكان الأولى للشارح أن يقول : وقد تستعمل فى الشرط المجزوم بثبوته أو نفيه ، والجواب أنه إنما قيد بذلك نظرا للأمثلة المذكورة (قوله : تجاهلا) أى : لأجل تكلف الجهل أى عند اقتضاء المقام التجاهل (قوله : وهو يعلم أنه فيها) أى : ولكن أوصاه أنه لا يعلم أحدا بوجوده فى الدار إلا بعد مشاورته (قوله : خوفا من السيد) أى : لكونه أوصاه أن لا يعلم أحدا بوجوده فى الدار ، وهذا التجاهل يعد من نكات علم المعانى حيث اقتضاه الحال كما فى المثال ، فإن كان إيراده لمجرد الظرافة كان من البديع فلا يرد ما قيل إن تجاهل العارف من قبيل سوق المعلوم مساق غيره وهو من أنواع البديع فيكون ذكره هنا تطفلا.

__________________

(١) الزخرف : ٨١.

٥٨

(أو لعدم جزم المخاطب) بوقوع الشرط فيجرى الكلام على سنن اعتقاده (كقولك لمن يكذبك : إن صدقت فما ذا تفعل) مع علمك بأنك صادق (أو تنزيله) أى : تنزيل المخاطب ...

______________________________________________________

(قوله : أو لعدم جزم إلخ) عطف على قوله تجاهلا أى : تستعمل إن فى مقام الجزم للتجاهل أو لعدم جزم المخاطب إلخ ، وإنما جر عدم جزم المخاطب باللام لفقد شرط نصب المفعول لأجله ؛ لأن العدم ليس مصدرا قلبيا ، وليس فعلا لفاعل الفعل المعلل بخلاف التجاهل ، فإنه مصدر قلبى موافق لفعله فى الوقت وفى الفاعل ، إذ فاعلهما واحد وهو المستعمل فلذا جرد من اللام (قوله : أو لعدم جزم المخاطب بوقوع الشرط) أى : والحال أن المتكلم عالم بوقوعه (قوله : على سنن) أى : على مقتضى اعتقاد المخاطب ، واعلم أن هذا وما بعده قد اعتبر فيهما حال المخاطب لكن على سبيل الحقيقة هنا ، وعلى سبيل التنزيل فيما بعد لا يقال اعتبار حال المخاطب يخالف ما تقدم من اعتبار حال المتكلم وهو عدم جزمه بوقوع الشرط ؛ لأنا نقول اعتبار حال المتكلم إنما هو إذا استعملت إن على سبيل الحقيقة ، وإلا اعتبر حال المخاطب على سبيل الحقيقة أو التنزيل كما هنا.

(قوله : كقولك لمن يكذبك) اعترض على المصنف بأن المكذب جازم بعدم وقوع الشرط وهو الصدق ، وحينئذ فليس التعبير بإن للجرى على سنن ما عند المخاطب ؛ لأنها للأمور المشكوكة والذى عند المخاطب الجزم بعدم الوقوع ، والجواب أن المراد بقوله من يكذبك أى : من يجوز كذبك فهو متردد والتردد محل إن ، وليس المراد بقوله لمن يكذبك من كان جازما بكذبك ، أو المراد بمن يكذبك من قال لك كذبت ولا يخفى أنه لا يلزم من قوله لك كذبت أن يكون جازما بأنك كاذب ، أو يقال التكذيب كناية عن عدم التصديق ؛ لأنه لازم التكذيب فقوله لمن يكذبك أى : لمن لا يعتقد صدقك بأن شك فى صدقك ، وتردد فيه ونسب إليك الكذب إن قلت إن الشاك لا اعتقاد عنده ، وحينئذ فلا يناسب قوله على سنن اعتقاده أجيب بأن المراد باعتقاده حاله الذى هو عليه وهو الشك قرر ذلك شيخنا العدوى.

(قوله ؛ فماذا تفعل) الاستفهام للتقرير أى : لا تقدر على ما يدفع خجلتك. ا ه أطول.

٥٩

العالم بوقوع الشرط (منزلة الجاهل لمخالفته مقتضى العلم) كقولك لمن يؤذى أباه : إن كان أباك فلا تؤذه (أو التوبيخ) أى : تعبير المخاطب على الشرط (وتصوير أن المقام لاشتماله على ما يقلع الشرط عن أصله لا يصلح إلا لفرضه) أى : فرض الشرط (كما يفرض المحال) لغرض من الأغراض (نحو : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ)) (١) ...

______________________________________________________

(قوله : العالم بوقوع الشرط) أى : أو بلا وقوعه ، واقتصر على العلم بالوقوع نظرا للمثال.

(قوله : كقولك لمن يؤذى أباه إن كان أباك فلا تؤذه) أى : فعلم المخاطب بأنه أبوه محقق ومقتضاه أنه لا يؤذيه ، لكنه لما آذاه نزله المتكلم منزلة الجاهل بالأبوة ، فعبر بإن لأجل أن يجرى الكلام على سنن اعتقاده تنزيلا قال الفنرى لك أن تعتبر فى هذه الصورة تنزيل المتكلم نفسه منزلة الشاك ؛ لأن فعل المخاطب من إيذاء أبيه كأنه أوقعه فى الشك وفى هذا الاعتبار ملاحظة حال المتكلم كما هو الأصل فى إن ا. ه.

(قوله : أى تعبير المخاطب) يمكن أن التقييد بالمخاطب لملاحظة المثال المذكور ونحوه ، وإلا فالتعبير قد يكون لغير المخاطب نحو : إن كان هذا أبا زيد فلا يؤذه (قوله : على الشرط) أى : على وقوع الشرط منه أو اعتقاده إياه (قوله : وتصوير) أى : تبيين وهو من عطف السبب على المسبب أى : تصوير المتكلم للمخاطب وقوله : إن المقام أى : الذى أورد فى شأنه الكلام (قوله : لاشتماله) علة لقوله لا يصلح مقدمة على المعلول وقوله على ما يقلع أى على أدلة تحقق زوال الشرط من أصله (قوله : إلا لفرضه) أى : إلا لأن يفرض ويقدر ذلك الشرط كما يفرض المحال وكما أن المحال المحقق استعمال إن فيه كثير تستعمل هنا فى ذلك المحال المقدر ـ كذا فى عبد الحكيم.

(قوله : لغرض) متعلق بيفرض المحال أى : وفرض المحال يكون لغرض من الأغراض : كالتبكيت وإلزام الخصم والمبالغة ونحو ذلك (قوله : أفنضرب عنكم الذكر) أى : أفنضرب عنكم القرآن بترك إنزاله لكم ، وترك إنزال ما فيه من الأمر والنهى

__________________

(١) الزخرف : ٥.

٦٠