حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

(وأما كونها) أى : الجملة الثانية (كالمنقطعة عنها) أى : عن الأولى (فلكون عطفها عليها) ـ أى : عطف الثانية على الأولى ـ (موهما عطفها على غيرها) مما ليس بمقصود ، وشبه هذا بكمال الانقطاع باعتبار اشتماله على مانع من العطف ، إلا أنه لما كان خارجا يمكن دفعه بنصب قرينة لم يجعل هذا من كمال الانقطاع ...

______________________________________________________

عطف بيان ، إذ اللازم فيه حصول البيان باجتماعهما لا كون الثانى أخص من الأول ـ قاله عبد الحكيم ، فإن قيل لم لا يجوز أن يكون القول المقيد بالمفعول بيانا للوسوسة المقيدة بكونها إلى آدم من غير اعتبار الفاعل فى كليهما فلا تكون الجملة عطف بيان للجملة؟ قلت : هذا ليس بشىء ، إذ لا معنى لاعتبار الفعل المعلوم بدون الفاعل واعتباره مع المفعول (قوله : وأما كونها كالمنقطعة عنها) فيجب فصلها عنها كما يجب الفصل بين كاملتى الانقطاع وهذا شروع فى شبه كمال الانقطاع ، وحينئذ فكان المناسب لما تقدم أن يقول ، وأما شبه كمال الانقطاع فلكون عطفها عليها إلخ (قوله : موهما لعطفها على غيرها) أى : يوقع فى وهم السامع وفى ذهنه عطفها على غيرها ولو على سبيل الرجحان (قوله : مما ليس بمقصود) أى : مما ليس بمقصود العطف عليه لأداء العطف عليه لخلل فى المعنى كما يتضح ذلك فى المثال الآتى ، (وقوله : مما ليس إلخ) بيان لغيرها (قوله : وشبه) هو بصيغة الفعل الماضى المبنى للفاعل أى : وشبه المصنف هذا أى : كون عطفها على السابقة موهما (قوله : على مانع من العطف) أى : وهو إيهام خلاف المقصود ، فإن قلت : إن كمال الاتصال فيه مانع من العطف فمقتضاه أن يسمى شبه كمال الانقطاع.

قلت : المراد أن العطف مع الإيهام مشتمل على مانع من العطف مع وجود المصحح له وهو التغاير الكلى بخلاف كمال الاتصال ، فإن المصحح فيه منتف لعدم التغاير الكلى بين الجملتين فمن قال : إن المانع فى كمال الاتصال أيضا موجود فلا بد هنا من اعتبار قيد مع التغاير فى المعنى حتى تكون صورة الإيهام شبيهة بكمال الانقطاع فقد وهم (قوله : إلا أنه) أى : ذلك المانع (قوله : لما كان خارجا) أى : عن ذات الجملتين بخلاف المانع فى كمال الانقطاع فهو أمر ذاتى لا يمكن دفعه أصلا وهو كون إحداهما خبرية والأخرى إنشائية أو لا جامع بينهما.

٥٠١

(ويسمى الفصل لذلك قطعا ، مثاله :

وتظنّ سلمى أنّنى أبغى بها

بدلا أراها فى الضّلال تهيم) (١)

فبين الجملتين مناسبة ظاهرة لاتحاد المسندين ؛ لأن معنى : [أراها] : أظنها ، وكون المسند إليه فى الأولى محبوبا ، وفى الثانية محبا ...

______________________________________________________

(قوله : ويسمى الفصل) أى : ترك العطف ، وقوله أى لأجل كون العطف موهما ، أو لأجل دفع الإيهام ، وقوله قطعا : مفعول يسمى الثانى ، والأول نائب الفاعل الذى هو الفصل ، ووجه تسميته بالقطع إما لقطعه لتوهم خلاف المراد ، وإما لأن كل فصل قطع فيكون من تسمية المقيد باسم المطلق (قوله : مثاله) أى : مثال الفصل لدفع الإيهام المسمى بالقطع وعبر بالمثال دون الشاهد لأجل قوله : ويحتمل الاستئناف ؛ لأن الاحتمال لا يضر فى المثال ويضر فى الشاهد (قوله : أبغى بها بدلا) الباء للمقابلة فما قيل : إنها بمعنى عنها متعلق بمحذوف حال من بدلا ، والمعنى : اطلب بدلا عنها تكلف مستغنى عنه (قوله : أراها) بصيغة المجهول شاع استعماله بمعنى الظن ، وأصله أرانى الله إياها تهيم فى الضلال ثم بنى للمجهول ، وحينئذ فالضمير المستتر فى أراها الذى هو نائب الفاعل مفعول أول ، والهاء مفعول ثان ، وجملة تهيم مفعوله الثالث ، وإنما جعل الشاعر ضلالها مظنونا مع أن المناسب دعوى اليقين ؛ لأنه إذا علم فساد ظنها به هذا الأمر كان متحققا لفساد ظنها رعاية لمقابلة الظن بالظن أو للتأدب عن نسبة الضلال إليها على طريق اليقين (قوله : تهيم) يقال : هام على وجهه يهيم هيما وهيمانا ذهب فى الأرض من العشق وغيره (قوله : فبين الجملتين) أى : الخبريتين أعنى قوله : وتظن سلمى ، وقوله أراها فى الضلال تهيم ، وحاصل كلامه أن هاتين الجملتين بينهما مناسبة لوجود الجهة الجامعة وهى الاتحاد بين مسنديهما وهو تظن وأرى ؛ لأن معنى أرى أظن وشبه التضايف بين المسند إليه فيهما وهو ضمير تظن وأراها المستتر فيهما ، فإن الأول عائد على سلمى وهى محبوبة ، والثانى عائد على الشاعر وهو محب ، وكل من المحب والمحبوب يشبه أن يتوقف تعقله على تعقل الآخر ، إلا أنه ترك العطف لمانع ، واعترض على الشارح فى قوله :

__________________

(١) البيت لأبى تمام ، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٩ / ٢ غير منسوب ، والمفتاح ص ٢٦١ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٧٩ ، والمصباح ص ٥٨ ، وعقود الجمان ص ١٨١.

٥٠٢

لكن ترك العاطف لئلا يتوهم أنه عطف [أبغى] فيكون من مظنونات [سلمى] (ويحتمل الاسئناف) كأنه قيل : ...

______________________________________________________

فبين الجملتين مناسبة ظاهرة بأن هذا ينافى ما تقدم له من أن الوصل يقتضى مغايرة ومناسبة ، والمناسبة لا تناسب كمال الانقطاع ولا شبهه ، وأجيب بأن المناسبة التى لا تناسبه هى المصححة للعطف بخلاف التى معها الإيهام المنافى للعطف فيصح وجودها فيه (قوله : لكن ترك العاطف لئلا يتوهم أنه) أى : الجملة الثانية وذكر الضمير باعتبار أنها كلام ، وحاصله أنه لو عطف جملة أراها على جملة تظن سلمى لكان صحيحا ، إذ لا مانع من العطف عليه ، إذ المعنى حينئذ أن سلمى تظن كذا وأظنها كذا ، وهذا المعنى صحيح ومراد للشاعر ، إلا أنه قطعها ولم يقل : وأراها لئلا يتوهم السامع أنها عطف على أبغى ، وحينئذ يفسد المعنى المراد ، إذ المعنى حينئذ أن سلمى تظن أننى أبغى بها بدلا وتظن أيضا أننى أظنها أيضا تهيم فى الضلال وليس هذا مراد الشاعر ؛ لأن مراده أننى أحكم على سلمى بأنها أخطأت فى ظنها أنى أبغى بها بدلا ويدل على أن مراده ما ذكر قوله قبل ذلك :

زعمت هواك عفا الغداة كما عفا

عنها طلال باللوى ورسوم (١)

فإن قلت هذا التوهم باق بعد القطع ؛ لأنه يجوز أن يكون أراها خبرا ؛ لأن بعد خبر أو حالا أو بدلا من أبغى ففى كل من الفصل والوصل إيهام خلاف المراد ، وحينئذ فلا يتجه تعليل الفصل بإيهام الوصل ـ خلافه ـ قلت : هذا مدفوع ؛ لأن الأصل فى الجمل الاستقلال ، وإنما يصار إلى كونها فى حكم المفرد إذا دل عليه الدليل على أن الشيخ عبد القاهر نص على أن ترك العطف بين الجمل الواقعة أخبارا لا يجوز ـ أفاده المولى عبد الحكيم.

(قوله : ويحتمل) أى : قوله أراها فى البيت المذكور الاستئناف أى : كما يحتمل أن يكون غير استئناف وعلى هذا الاحتمال فتكون من شبه كمال الاتصال ، والحاصل أن جملة أراها فى الضلال يحتمل أن تكون غير استئناف بأن يقصد الإخبار بها كالتى قبلها من غير تقدير سؤال تكون جوابا عنه فيكون المانع من العطف هو الإيهام السابق ،

__________________

(١) البيت لأبى تمام أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ١٢٩ ، غير منسوب والمفتاح ص ٢٦١ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٧٩ ، والمصباح ص ٥٨ ، وعقود الجمان ص ١٨١.

٥٠٣

كيف تراها فى هذا الظن؟ فقال : أراها تتحير فى أودية الضلال.

[الفصل لشبه كمال الاتصال] :

(وأما كونها) أى : الثانية (كالمتصلة بها) أى : بالأولى (فلكونها) أى : الثانية (جوابا لسؤال ...

______________________________________________________

ويحتمل أن تكون مستأنفة بأن يقدر سؤال تكون هى جوابا عنه فيكون المانع من العطف كون الجملة كالمتصلة بما قبلها لاقتضاء ما قبلها السؤال ، أو تنزيله منزلة السؤال والجواب ينفصل عن السؤال لما بينهما من الاتصال ، وعلى هذا الاحتمال تكون هذه الجملة من القسم الذى ذكره المصنف بعد بقوله : وأما كونها كالمتصلة إلخ (قوله : كيف تراها فى هذا الظن) أى : أهو صحيح أو لا (قوله : فقال أراها تتحير) أى : فقال أراها مخطئة تتحير فى أودية الضلال أى : فى الضلال الشبيه بالأودية فهو من إضافة المشبه به للمشبه والظن منصب على التحير.

[الفصل لشبه كمال الانقطاع] :

(قوله : وأما كونها كالمتصلة بها) أى : كمال اتصال ، والمناسب لما مر أن يقول : وأما شبه كمال الاتصال فلكونها جوابا إلخ.

(قوله : فلكونها أى الثانية جوابا إلخ) كلامه يقتضى أن وقوع الجملة جوابا لسؤال اقتضته الأولى موجب للفصل وهو كذلك ؛ لأن السؤال والجواب إن نظر إلى معنييهما فبينهما شبه كمال الاتصال كما يأتى بيانه ، وإن نظر إلى لفظيهما فبينهما كمال الانقطاع لكون السؤال إنشاء والجواب خبرا ، وإن نظر إلى قائلهما فكل منهما كلام متكلم ولا يعطف كلام متكلم على كلام متكلم آخر فعلى جميع التقدير الفصل متعين لكن هذا مخالف لما ذكره فى المطول فى آخر بحث الالتفات فى قول الشاعر : (فلا صرمة يبدو وفى اليأس راحة) حيث جعل وفى اليأس راحة جوابا لسؤال اقتضته الأولى حيث قال : فكأنه لما قال : فلا صرمة يبدو قيل له ما تصنع به ، فأجاب بقوله : وفى اليأس راحة ، وقد اشتملت الجملة على الواو والصرمة بفتح الصاد الهجر ومخالف لما ذكره فى قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ)(١) إلخ من أنه جواب لسؤال اقتضاه قوله

__________________

(١) التوبة : ١١٤.

٥٠٤

اقتضته الأولى ...

______________________________________________________

قبل : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(١) تقديره لم استغفر إبراهيم لأبيه؟ وقد اشتملت تلك الجملة الواقعة جوابا على الواو ، وأجيب بأن الواو فى البيت والآية للاستئناف لا للعطف ، وما قيل إنه لم يعهد دخول الواو على الجملة المستأنفة النحوية أعنى الجملة الابتدائية ففيه نظر ، بل قد عهد ذلك كالواو فى قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٢) برفع يذرهم كما صرح به فى المغنى ، وأجيب أيضا بأن السؤال المعتبر فيه الفصل ما كان منشوء التردد فى حال المسئول عنه بأن حاله كذا أم لا بأن كان واردا على سبيل النقض كما فى الآية ونظائرها ؛ وذلك لأن المطلوب فى الأول بيان ما أجمل فيعتبر الاتصال الموجب للفصل ، وفى الثانى دفع ما أورد فكان كل من الغرضين اللذين أديا بالسؤال والجواب من طرف فكان المقام مقام وصل يقتضى المناسبة من وجه والمغايرة من وجه آخر.

هذا محصل ما ذكره أرباب الحواشى ، إلا أن النقض على كلام المصنف بما تقدم للشارح فى المطول فى بحث الالتفات ، والجواب عنه بما ذكر ظاهر ، وأما النقض بالآية ففيه شىء منشؤه الغفلة عن سبب النزول كما قاله العلامة عبد الحكيم ، فإن الآية الأولى أعنى قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِ) إلخ نزلت فى منع الرسول عليه‌السلام من الاستغفار لعمه ومنع المؤمنين من الاستغفار لآبائهم محتجين فى ذلك بأن إبراهيم استغفر لأبيه على ما فى الكشاف ، فالآية الأولى منع لهم عن الاستغفار للآباء والأقربين والثانية جواب لتمسكهم باستغفار إبراهيم ، فعطف الثانية على الأولى للتناسب وليست جوابا عن سؤال نشأ من الآية الأولى ـ تأمل ذلك.

(قوله : اقتضته الأولى) أى : اشتملت عليه ودلت عليه بالفحوى ، وذلك لكونها مجملة فى نفسها باعتبار الصحة وعدمها كما فى المثال السابق أعنى قوله : وتظن سلمى إلخ ،

__________________

(١) التوبة : ١١٣.

(٢) الأعراف : ١٨٦.

٥٠٥

فتنزل) الأولى (منزلته) أى : السؤال ؛ لكونها مشتملة عليه ومقتضية له (فتفصل) الثانية (عنها) أى : عن الأولى (كما يفصل الجواب عن السؤال) لما بينهما من الاتصال. قال (السكاكى : فينزل ذلك) السؤال الذى تقتضيه الأولى

______________________________________________________

فإن الظن يحتمل الصحة وعدمها أو لكونها مجملة السبب أو غير ذلك مما يقتضى السؤال كما يأتى (قوله : فتنزل الأولى منزلته) أى : فبسبب اقتضاء الأولى للسؤال واشتمالها عليه تنزل تلك الجملة الأولى منزلة ذلك السؤال المقدر ؛ لأن السبب ينزل منزلة المسبب لكونه ملزوما له ومقتضيا له (قوله : ومقتضية له) عطف تفسير (قوله : فتفصل الثانية عنها) أى : عن تلك الأولى المقتضية للسؤال المقتضى للجواب الذى هو الجملة الثانية (قوله : كما يفصل الجواب عن السؤال) أى : المحقق.

(قوله : لما بينهما) أى : السؤال المحقق والجواب من الاتصال الشبيه أى : من شبه كمال الاتصال فكما أن الجملة الأولى فى الأقسام الثلاثة من كمال الاتصال مستتبعة للثانية ولا توجد الثانية بدون الأولى ـ كذلك السؤال مستتبع للجواب والجواب لا يوجد بدون السؤال ، وحينئذ فكل من صورة السؤال والجواب والاستئناف من شبه كمال الاتصال كما هو الظاهر من التشبيه ، وقيل : المراد من الاتصال فى صورة السؤال والجواب كمال الاتصال ، وفيه أن كمال الاتصال منحصر فى الأقسام الثلاثة المذكورة وليست صورة السؤال والجواب داخلة فى شىء منها ، وما قيل إنهم لم يعدوها فى أقسام الاتصال ؛ لأن السؤال والجواب لا يحتاج فى الفصل بينهما إلى اعتباره ؛ لأنهما يكونان كلامى متكلمين ولا يعطف كلام متكلم على كلام متكلم آخر ففيه نظر ؛ وذلك لأنه مع كونه غير صحيح فى نفسه ؛ لأنه يقال وعليكم السّلام معطوفا على السّلام عليكم لا ينفع فى شرح كلام المصنف ؛ لأنه غير صريح فى أن الفصل بينهما لكمال الاتصال ، وقيل : إن صورة الجواب والسؤال داخلة فى صورة البيان ؛ لأن الجواب مبين لمبهم السؤال وليس بشىء ؛ لأن الجواب لا يدفع الإبهام الذى فى السؤال ، إذ لا إبهام فيه إنما يدفع الإبهام الذى فى مورد السؤال ـ أفاد ذلك العلامة عبد الحكيم.

(قوله : قال السكاكى إلخ) اعلم أن مذهب المصنف أن الموجب للفصل بين الجملتين تنزيل الجملة الأولى منزلة السؤال فتعطى بالنسبة إلى الثانية حكم السؤال

٥٠٦

وتدل عليه بالفحوى (منزلة السؤال الواقع) ويطلب بالكلام الثانى وقوعه جوابا له فيقطع عن الكلام الأول لذلك. وتنزيله منزلة الواقع إنما يكون (لنكتة ؛ ...

______________________________________________________

بالنسبة إلى الجواب الذى هو تلك الثانية فى منع العطف ، وعلى هذا لا مدخل للسؤال فى منع العطف فى الحالة الراهنة وإن كان هو الأصل فى المنع ، وحاصل مذهب السكاكى أن السؤال الذى اقتضته الجملة الأولى ويفهم منها بالفحوى أى : بقوة الكلام باعتبار قرائن الأحوال ينزل منزلة السؤال الواقع بالفعل المحقق المصرح به وتجعل الجملة الثانية جوابا عن ذلك السؤال ، وحينئذ فتقطع تلك الجملة الثانية عن الجملة الأولى ، إذ لا يعطف جواب سؤال على كلام آخر ، وعلى هذا فالمقتضى لمنع العطف كون الكلام جوابا لسؤال لا تنزيل الجملة الأولى منزلة السؤال كما هو مذهب المصنف ، والحاصل أنه على مذهب المصنف الجملة الأولى منزّلة منزلة السؤال المقدر ، وأما على مذهب السكاكى الذى تعلق به التنزيل إنما هو السؤال المقدر الذى اقتضته الجملة الأولى فينزل منزلة السؤال الواقع ، فالجملة الثانية جواب للجملة الأولى على مذهب المصنف وللسؤال المقدر على كلام السكاكى (قوله : وتدل عليه) بيان لما قبله ، (وقوله : بالفحوى) أى : بقوة الكلام باعتبار قرائن الأحوال (قوله : الواقع) أى : المحقق المصرح به (قوله : ويطلب) أى : ويقصد بالكلام الثانى وهو الجملة الثانية ، (وقوله : وقوعه) نائب فاعل يطلب والضمير عائد على الكلام الثانى ، (وقوله : جوابا) أى : للسؤال المقدر الذى تقتضيه الأولى ، وجوابا : حال من الكلام الثانى ، ولو قال الشارح ويجعل الكلام الثانى جوابا له كان أخصر وأوضح (قوله : فيقطع) أى : الكلام الثانى (قوله : لذلك) أى : لأجل كون الكلام الثانى جوابا للسؤال المقدر ، إذ لا يعطف جواب سؤال على كلام آخر (قوله : وتنزيله منزلة الواقع) أى : وتنزيل السؤال المقدر منزلة السؤال الواقع لأجل أن يكون الكلام الثانى جوابا له إنما يكون إلخ ، وقضية كلام الشارح أن النكتة خاصة بالتنزيل على كلام السكاكى مع أن التنزيل أيضا على مذهب المصنف إنما يكون لنكتة.

٥٠٧

كإغناء السامع عن أن يسأل ، أو) مثل : (ألّا يسمع منه) أى : من السامع (شىء) تحقيرا له وكراهة لكلامه ، أو مثل ألّا ينقطع كلامك بكلامه ، أو مثل القصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ ؛ وهو تقدير السؤال وترك العاطف ، أو غير ذلك. وليس فى كلام السكاكى دلالة على أن الأولى ...

______________________________________________________

فكان الأولى للشارح أن يعمم كلامه بأن يقول : والتنزيل إنما يكون لنكتة ليشمل التنزيلين أعنى تنزيل الجملة الأولى منزلة السؤال وتنزيل السؤال المقدر منزلة السؤال الواقع ـ فتأمل قرره شيخنا العدوى.

(قوله : كإغناء السامع عن أن يسأل) أى : تعظيما له أو شفقة عليه فالبليغ شأنه إذا تكلم بكلام متضمن لسؤال يأتى بجواب ذلك السؤال ولا يحوج السامع لكونه يسأل ذلك السؤال تعظيما له أو شفقة عليه (قوله : أو مثل ألّا يسمع إلخ) قدر مثل إشارة إلى أن قوله : أو ألّا يسمع إلخ عطف على قوله : أغناه أى : ومثل إرادة ألّا يسمع إلخ لا على أن يسأل ، وإنما قدر" مثل" لا" الكاف" ؛ لأنها حرف واحد يستكره مزجها من الشارح بالمتن قال يس : لكن مثل فى كلام الشارح عطف على كإغناء (قوله : أو مثل ألا ينقطع إلخ) أى : أو مثل عدم انقطاع كلامك أيها المتكلم بكلامه أى : السامع وأنت تحب ذلك أى : مثل إرادة عدم تخلل كلامك بسؤاله لئلا يفوت انسياق الكلام الذى قصد أن لا ينسى منه شىء (قوله : بتقليل اللفظ) الباء بمعنى مع (قوله : وهو) أى : تكثير المعنى المصاحب لتقليل اللفظ تقدير السؤال إلخ ، وفيه أن التقدير المذكور سبب فى التكسير لا نفسه ، فكان الأولى أن يقول : وذلك بسبب تقدير السؤال إلخ ، والكلام من باب اللف والنشر المرتب ؛ وذلك لأن تقدير السؤال سبب لتكثير المعنى وترك العاطف سبب فى تقليل اللفظ (قوله : أو غير ذلك) عطف على إغناء أو على القصد ، وذلك مثل التنبيه على فطانة السامع وأن المقدر عنده كالمذكور أو التنبيه على بلادته وعدم تنبهه لذلك إلا بعد إيراد الجواب عنه حيث لم يرد السؤال بعد إلقاء المتكلم الجملة التى هى منشأ السؤال (قوله : وليس فى كلام السكاكى إلخ) هذا شروع فى اعتراض وارد على قول المصنف فتنزل الجملة الأولى منزلة السؤال المقدر ، وحاصله أن المصنف مختصر

٥٠٨

تنزل منزلة السؤال فكأن المصنف نظر إلى أن قطع الثانية عن الأولى مثل : قطع الجواب عن السؤال إنما يكون على تقدير تنزيل الأولى منزلة السؤال وتشبيها به ، والأظهر أنه لا حاجة إلى ذلك ، بل مجرد كون الأولى منشأ للسؤال كاف فى ذلك ؛ أشير إليه فى الكشاف ...

______________________________________________________

لكلام السكاكى وتابع له وهو لم يقل بما قاله المصنف ، وحينئذ فالمصنف مخطئ فى كلامه ، وحاصل ما أجاب به الشارح أنا نسلم أن المصنف مختصر لكلام السكاكى ، لكن لا نسلم خطأه إذ هو مجتهد فى هذا الفن ، فتارة يخالف اجتهاده اجتهاد السكاكى وتارة يوافقه (قوله : تنزل منزلة السؤال) أى : المقدر أى : وحيث لم يكن فيه دلالة على ذلك فيعترض على المصنف حيث خالفه مع أنه مختصر لكلامه.

(قوله : فكأن المصنف نظر إلخ) هذا اعتذار عن المصنف فى مخالفته للسكاكى ، وحاصله أن قطع الثانية عن الأولى لما كان كقطع الجواب عن السؤال لكونها كالمتصلة بها لزم كون الأولى منزلة منزلة السؤال ؛ لأن إلحاق القطع بالقطع يقتضى إلحاق المقطوع عنه الذى هو الأولى بالمقطوع عنه الذى هو السؤال ، وإلا كان القطع لا من جهة الاتصال المنسوب للجواب والسؤال بل من جهة أخرى (قوله : إنما يكون إلخ) خبر أن أى : إنه نظر إلى أن قطع الثانية عن الأولى مثل قطع الجواب عن السؤال إنما يكون فى تلك الحالة لا فى حالة تنزيل السؤال المقدر منزلة الواقع كما قال السكاكى ، وأما قوله : مثل قطع إلخ : فهو مفعول مطلق أى : قطعا مماثلا لقطع إلخ (قوله : والأظهر أنه لا حاجة إلى ذلك) أى : إلى ذلك التنزيل المرتب عليه قطع الثانية عن الأولى (قوله : كاف فى ذلك) أى : فى قطع الثانية عن الأولى وعدم عطفها عليها ، وأما تنزيل السؤال المقدر منزلة السؤال الواقع فللنكتة المتقدمة ، وتوضيح ذلك البحث على ما فى ابن يعقوب أن تشبيه القطع بالقطع أى : قطع الثانية عن الأولى بقطع الجواب عن السؤال لا يقتضى تشبيه المقطوع عنه بالمقطوع عنه ؛ لصحة كون القطع من حيث وجود ربط يشبه ذلك الربط مع كون المقطوع عنه فى أحد الربطين سببا والآخر سبب السبب مثلا ، ولا ينزل أحدهما منزلة الآخر إلا فى مجرد الربط وهو مستشعر من

٥٠٩

(ويسمى الفصل لذلك) أى : لكونه جوابا لسؤال اقتضته الأولى (استئنافا ، وكذا) الجملة (الثانية) نفسها تسمى استئنافا ومستأنفة.

[أنواع الاستئناف] :

(وهو) أى : الاستئناف (ثلاثة أضرب ؛ لأن السؤال) الذى تضمنته الأولى :

______________________________________________________

تشبيه القطع بالقطع من غير حاجة لتشبيه أحد المقطوع عنهما بالآخر ، ولهذا يصح هنا أن يجعل كون الجملة الأولى منشأ السؤال الذى هو سبب الجواب كافيا فى القطع ؛ لأنها سبب السبب من غير حاجة لزيادة تنزيلها منزلة السؤال وتشبيهها به كما أشار إليه صاحب الكشاف حيث جعل الاستئناف كالجارى على المستأنف عنه وكالمتصل به ، ولهذا لا يصح عطفه عليه لما بينه وبينه من الاتصال ولو كان على تقدير السؤال وتنزيل المستأنف عنه منزلة السؤال لم يصلح كون الجواب كالجارى عليه ، إذ لا يجرى الجواب على السؤال على أنه وصف له ، فقد اكتفى بمجرد الربط الحاصل بالنشأة ولم يعتبر تشبيهها بالسؤال ولا تشبيه الاستئناف بالجواب اه كلامه.

لا يقال الاكتفاء بمجرد كون الأولى منشأ للسؤال ينافيه جعل السؤال كالمذكور على ما قاله السكاكى ؛ لأنا نقول تقدم أن جعل السؤال كالمذكور ليس للقطع ، بل لنكت أخرى قد تقدمت ، ولك أن تقول : تنزيل الأولى منزلة السؤال للقطع أو كونها منشأ للسؤال للقطع أو تقدير السؤال كالمذكور للقطع مآلها واحد والاختلاف فى الاعتبار والتعبير والتلازم حاصل فى الكل ، فأى فائدة لهذا الاختلاف؟! فتأمل. (قوله : ويسمى الفصل) أى : الذى هو ترك العطف (قوله : استئنافا) تسميته بذلك من تسمية اللازم باسم الملزوم ؛ لأن الاستئناف الذى هو الإتيان بكلام مستقل فى جميع أجزاء تركيبه عما قبله يستلزم قطعه أى : ترك عطفه على ما قبله (قوله : تسمى استئنافا إلخ) تسميتها بذلك من تسمية الشىء باسم ما تعلق به ؛ لأن الجملة لابسها الاستئناف وتعلق بها ، هذا ويحتمل أن الاستئناف مشترك بين المعنى المصدرى والمعنى الاسمى (قوله : أى الاستئناف) يعنى مطلقا سواء أريد به فصل الجملة الثانية أو نفسها (قوله : لأن السؤال إلخ) هذا تعليل المحذوف أى : وإنما انحصر فى ثلاثة أضرب ؛ لأن السؤال

٥١٠

(إما عن سبب الحكم مطلقا ؛ نحو :

قال لى كيف أنت قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل (١)

أى : ما بالك عليلا؟ ...

______________________________________________________

إلخ ، وحاصله أن المنبهم على السامع إما سبب الحكم الكائن فى الجملة الأولى على الإطلاق بمعنى أنه جهل السبب من أصله فيسأل عنه ، وإما سبب خاص بمعنى أنه تصور نفى جميع الأسباب إلا سبب خاص تردد فى حصوله ونفيه فسأل عنه ، وإما غير السبب بأن ينبهم عليه شىء مما يتعلق بالجملة الأولى (قوله : عن سبب الحكم) أى : المحكوم به الكائن فى الجملة الأولى (قوله : مطلقا) حال من السبب أى : حال كون السبب مطلقا أى : لم ينظر فيه لتصور سبب معين بل لمطلق سبب ، وذلك لكون السامع يجهل السبب من أصله وذلك بأن يكون التصديق بوجود السبب حاصلا للسائل والمطلوب بالسؤال تصور حقيقة السبب كما قاله فى البيت المذكور فإن التصديق بوجود العلة يوجب التصديق بوجود السبب ، إلا أنه جاهل حقيقته فيطلب بما شرح ماهيته ولذا يسأل بما ، والتصديق الحاصل بوجود سبب معين ضمنى ليس مقصودا للسائل (قوله : عليل) خبر مبتدأ محذوف أى : أنا عليل وهذه الجملة منشأ السؤال (قوله : سهر دائم) خبر لمبتدأ محذوف أى : سبب علتى سهر دائم وهذا محل الشاهد حيث ترك العاطف لما بين الجملتين من شبه كمال الاتصال ، والمغايرة التى يقتضيها العطف لا تناسبه ، وأما قوله : عليل أى : أنا عليل فلا شاهد فيه لما نحن بصدده ؛ لأنه جواب عن سؤال ملفوظ به ، واحتمال كون عليل خبرا أولا ، وسهر خبرا ثانيا بتأويله بساهر ، وكذا حزن ، أو كون سهر مبتدأ ، ودائم خبرا ، والجملة كالبدل مما قبلها أو حالية أى : ذو سهر دائم تعسف لا يتبادر من الكلام فلا يرتكب (قوله : أى ما بالك عليلا) أى : ما حالك حال كونك عليلا ، ولا شك أن السؤال عن حال العليل بعد العلم بعلته يوجب كون المعنى ما سبب علتك ، إذ لا يبقى ما يسأل عنه من أحوال العلة بعد العلم بها إلا سببها فيقدر هذا السؤال

__________________

(١) البيت فى الإشارات والتنبيهات للجرجانى ص ٣٤ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٠٠. ودلائل الإعجاز ص ٢٣٨ ، وفى عقود الجمان ص ١٨٢.

٥١١

أو ما سبب علتك؟) بقرينة العرف والعادة ؛ لأنه إذا قيل : فلان مريض ـ فإنما يسأل عن مرضه وسببه ، لا أن يقال : هل سبب علته كذا وكذا لا سيما السهر والحزن ؛

______________________________________________________

المفيد لهذا المعنى (قوله : أو ما سبب علتك) هذا تنويع فى التعبير والمعنى واحد ؛ لأن كلا من العبارتين يفيد السؤال عن سبب العلة وإن كانت العبارة الأولى تفيد ذلك بالتلويح ، والثانية تفيده بالتصريح ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : بقرينة إلخ) مرتبط بمحذوف أى : وإنما كان السؤال عن السبب المطلق لا عن السبب الخاص بقرينة العرف وإضافة القرينة لما بعده بيانية وأشار بعطف العادة عليه إلى أن المراد العرف العادى (قوله : فإنما يسأل عن مرضه) على تقدير مضاف أى : عن سبب مرضه فعطف سببه عليه تفسير ، (وقوله : لا أن يقال هل سبب علته كذا) أى : على وجه التردد فى ثبوت سبب خاص ، وبيان ما ذكره الشارح أنه إذا قيل فلان مريض لم يتصور السامع منه إلا مجرد المرض ويبقى السبب مجهولا له فيقول : ما سبب مرضه؟ فيكون السؤال تصوريا بمعنى أنه يطلب تصور السبب لكونه جاهلا به ، لا أنه يعلم الأسباب بخصوصها ويتردد فى تعيين أحدهما ليكون السؤال عن السبب الخاص وإجابة ذلك السؤال التصورى بسبب خاص تحصل مطلوب السائل أعنى : تصور سبب المرض مع التصديق بكون السبب الخاص سببا ، إلا أن هذا التصديق لما لم يغاير التصديق الحاصل له قبل السؤال لم يكن هذا السؤال إلا لتصور ماهية السبب ، فافهم فإنه مما خفى على بعض الناظرين ـ اه عبد الحكيم.

فإن قلت : حيث كان السائل خالى الذهن من السبب وطالبا لتصور السبب المطلق فلا يؤكد الكلام الملقى إليه ؛ لأن التأكيد إنما يجىء لطالب الحكم وقد اشتمل الجواب المذكور على التأكيد ؛ لأن اسمية الجملة من المؤكدات كما مر فلا يصح أن يكون السؤال هنا عن السبب المطلق بل عن السبب الخاص ، وأجيب بأن اسمية الجملة لا تكون من المؤكدات إلا إذا انضم إليها مؤكد ، وإلا فلا تكون من المؤكدات كما هنا ، فعدم التأكيد هنا دليل على أن السائل طالب لتصور السبب مطلقا (قوله : لا سيما السهر والحزن) أى : خصوصا السهر والحزن فهما أولى بعدم القول ؛ لأنه يبعد كونهما

٥١٢

حتى يكون السؤال عن السبب الخاص.

(وإما عن سبب خاص) لهذا الحكم (نحو : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(١) كأنه قيل : ...

______________________________________________________

سببين من الأسباب المحدثة للمرض ، وحينئذ فلا يقال فى السؤال : هل سبب علته السهر أو الحزن؟ إذ لا يتوهم سببيتهما للمرض حتى يسأل عنهما ، والحاصل أنه إذا قيل فلان مريض فالعادة تمنع من أن يقال : هل سبب مرضه السهر أو الحزن؟ منعا أكثر من أن يقال : هل سبب مرضه الحمى أو البرودة؟ لأنه لا يتوهم سببية الحزن والسهر للمرض حتى يسأل عنهما لأنهما من أبعد الأسباب المحدثة للمرض ، وإنما تقضى العادة بالسؤال عن مطلق السبب بأن يقال ما سبب مرضه؟ لما مر (قوله : حتى يكون إلخ) هذا تفريع على المنفى (قوله : وإما عن سبب خاص لهذا الحكم) يسأل السائل عنه هل هو حاصل أو غير حاصل؟ فيكون المقام مقام أن يتردد فى ثبوته ، فلذا يؤتى بالجواب مؤكدا (قوله : لهذا الحكم) أى : الكائن فى الجملة الأولى كعدم التبرئة فى الآية الآتية (قوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي)) هذه الجملة منشأ السؤال ، (وقوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)) هذا هو الاستئناف قال فى الكشاف : وما أبرئ نفسى أى : من الزلل ولم أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها ، ولا يخلو : إما أن يريد فى هذه الحادثة الهم المفهوم من قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها)(٢) الذى هو فعل النفس عن طريق الشهوة البشرية عن طريق القصد والعزم ، وإما أن يريد عموم الأحوال. اه.

(قوله : كأنه قيل إلخ) أى : لأن الحكم بنفى تبرئة النفس من طهارتها من الزلل يتبادر منه أن ذلك لانطباعها من أصلها على طلب ما لا ينبغى فكأن المقام مقام أن يتردد فى ثبوت أمرها بالسوء بعد تصوره ، فكأنه قيل لم نفيت البراءة عن نفسك ، هل لأن النفس أمارة بالسوء؟ أى : إنها منطبعة على ذلك ، فالسائل متردد طالب للتعيين ـ كذا فى ابن يعقوب. (وقوله : فكأن المقام إلخ) أولى من قول الشارح : إذا كان طالبا مترددا ؛

__________________

(١) يوسف : ٥٣.

(٢) يوسف : ٢٤.

٥١٣

هل النفس أمارة بالسوء؟ فقيل : إن النفس لأمارة بالسوء) بقرينة التأكيد ، فالتأكيد دليل على أن السؤال عن السبب الخاص ؛ فإن الجواب عن مطلق السبب لا يؤكد (وهذا الضرب يقتضى تأكيد الحكم) الذى هو فى الجملة الثانية ـ أعنى : الجواب ـ لأن السائل متردد فى هذا السبب الخاص : هل هو سبب الحكم؟ أم لا؟ (كما مر) فى أحوال الإسناد الخبرى ...

______________________________________________________

لأن التردد بالفعل لم يتحقق ؛ لأن حال الأنبياء عند من عرف زكاتها يبعد التردد فى كون نفسه تأمر بالسوء ، ولكن لما نفى تبرئة النفس عن موجبات نقصانها صار المقام مقام التردد باعتبار أصل معناه ـ كذا قرر شيخنا العدوى ، وعبارة عبد الحكيم. (قوله : كأنه قيل إلخ) وليس السؤال المقدر ما سبب عدم تبرئتك لنفسك على ما سبق إليه الوهم ؛ لأنه معلوم وهو الهم المفهوم من قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها ،) فالسؤال المقدر هل جنس النفس مجبولة على الأمر بالسوء فلا براءة لهذه النفس الشريفة المزكاة ، فأجيب نعم إن جنس النفس آمرة بالسوء مجبولة عليه فيكون هو السبب لنفى التبرئة ـ اه.

(قوله : هل النفس أمارة بالسوء) أى : هل لأن النفس أمارة بالسوء أى : هل سبب التبرئة أن النفس إلخ ؛ لأن الفرض أن السؤال عن سبب خاص (قوله : بقرينة التأكيد) هذا مرتبط بمحذوف أى : فالسؤال عن سبب خاص بقرينة التأكيد بأن واللام ؛ لأنه يدل على أن السائل سأل عن سبب خاص مع التردد فيه ، فأجيب بالتأكيد على ما بينه الشارح ؛ لأن السؤال عن مطلق السبب لا يؤكد جوابه (قوله : وهذا الضرب) أى : النوع من السؤال وهو السؤال عن سبب خاص للحكم الكائن فى الجملة الأولى أو المراد هذا الضرب من الاستئناف من حيث السؤال يقتضى إلخ ، فاندفع ما يقال : إن الضرب قسم من أقسام الاستئناف وهو لا يقتضى التأكيد (قوله : يقتضى تأكيد الحكم) أى : الجواب ؛ لأن السؤال لما كان عن سبب خاص وهو طالب له لا لماهيته علم أن السؤال جملة طلبية فيقتضى تأكيد الحكم ؛ ولذا قيل فى هذا الباب إن دلت الجملة الأولى على سؤال تصديقى أى : فيه تردد فى النسبة بعد تصور الطرفين كانت الجملة الثانية مؤكدة وإلا فلا ؛ لأن التأكيد بإن إنما يكون للنسبة لا لأحد الطرفين (قوله : كما مر)

٥١٤

من أن المخاطب إذا كان طالبا مترددا حسن تقوية الحكم بمؤكد. ولا يخفى أن المراد الاقتضاء استحسانا لا وجوبا ، والمستحسن فى باب البلاغة بمنزلة الواجب.

(وإما عن غيرهما) أى : غير السبب المطلق ، والخاص (نحو : (فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ)(١)) أى : فماذا قال إبراهيم فى جواب سلامهم؟ فقيل : قال سلام ؛ أى : حياهم بتحية أحسن ؛ لكونها بالجملة الاسمية ...

______________________________________________________

الكاف تعليلية (قوله : من أن المخاطب إذا كان طالبا إلخ) الأولى أن يقول من أن المخاطب قد ينزل منزلة المتردد الطالب إذا قدم إليه ما يلوح بالخبر فيستشرف استشراف المتردد ، فحينئذ يحسن تقوية الحكم بمؤكد وما أبرئ يلوح بالخبر كما قررنا ، وإنما كان هذا أولى مما قاله الشارح لما تقدم من أن المخاطب هنا غير متردد فى الحكم طالب له ؛ لأن حال الأنبياء عند من عرف زكاتها يبعد التردد فى كون نفسه تأمر بالسوء نعم هو منزل منزلة المتردد ؛ لأن يوسف لما نفى تبرئة النفس عن موجبات نقصانها صار المقام مقام تردد باعتبار مفاده ـ تأمل.

(قوله : لا وجوبا) أى : وحينئذ فلا يكون تعبير المصنف بيقتضى المشعر بالوجوب مناسبا (قوله : بمنزلة الواجب) أى : فى طلب مراعاته والإتيان به ، وحينئذ فساغ التعبير بيقتضى.

(قوله : وإما عن غيرهما) أى : عن غير السبب الخاص وغير السبب المطلق وهو شىء آخر له تعلق بالجملة الأولى يقتضى المقام السؤال عنه إما عام كما فى الآية ، وإما خاص كما فى البيت ؛ لأن العلم حاصل بواحد من الصدق والكذب والسؤال عن تعيينه (قوله : (قالُوا)) أى : الرسل أعنى الملائكة المرسلين لقوم لوط ، (وقوله : (سَلاماً)) مفعول لمحذوف أى : نسلم عليك يا إبراهيم سلاما (قوله : (قالَ سَلامٌ)) أى : قال إبراهيم فى جواب سلام الملائكة : سلام أى عليكم فهو مبتدأ حذف خبره (قوله : أى فماذا قال إبراهيم فى جواب سلامهم) أى : سلام الملائكة عليه ولا شك أن قول إبراهيم ليس سببا لسلام الملائكة لا عاما ولا خاصا وعام فى حد ذاته.

__________________

(١) الذاريات : ٢٥.

٥١٥

الدالة على الدوام والثبات.

(وقوله : زعم العواذل) جمع : عاذلة ؛ بمعنى : جماعة عاذلة (أننى فى غمرة) وشدة (صدقوا) أى : الجماعات العواذل فى زعمهم أنى فى غمرة (ولكن غمرتى لا تنجلى) ولا تنكشف ، بخلاف أكثر الغمرات والشدائد ...

______________________________________________________

(قوله : الدالة على الدوام والثبات) أى : بخلاف تحيتهم ، فإنها بالجملة الفعلية ؛ لأنه نصب لفظ سلام بتقدير الفعل كما بيناه ، وقد يقال : إن الفعلية تدل على الحدوث والاستمرار وهو موازى الدوام والثبات وحينئذ فلا أحسنية ، وحسن الدوام على التجدد والحدوث يحتاج لبيان ـ كذا قرر شيخنا العدوى ، ثم إن التفريق بين الجملتين واعتبار النكات المذكورة إنما يراعى فى الحكاية لا فى المحكى ؛ لأنها الكلام البليغ غاية البلاغة ، فقول الفنارى ومن تبعه يحتمل أن يكون تفاوت المتخاطبين بلغة يعتبر فيها مثل ما يعتبر فى اللغة العربية ، ويحتمل أن يكون تفاوتهم بها ؛ لأنهم كانوا على ما قيل يتكلمون باللغة العربية نعم شيوع هذه اللغة إنما كان من إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ بعيد عن المقصود ـ أفاده المولى عبد الحكيم.

(قوله : زعم) (١) قال فى شرح الشواهد : لا أعرف قائله ، والزعم أكثر استعماله فى الاعتقاد الباطل ، وقد يستعمل فى الحق على ما فى القاموس ، ومن ذلك ما هنا بدليل قوله : صدقوا (قوله : بمعنى جماعة عاذلة) أى : من الذكور ولم يجعله الشارح جمع عاذلة بمعنى امرأة عاذلة لقول الشاعر : صدقوا بضمير الذكور ولم يجعله جمع عاذل ؛ لأن فاعلا لا يطرد جمعه على فواعل ، إلا إذا كان صفة لمؤنث ، أو لما لا يعقل كحائض وصاهل ، وأما إن كان صفة لمن يعقل كعاذل فلا يطرد ، بل هو سماعى بخلاف فاعلة فإنه يطرد جمعها على فواعل مطلقا ، وقد يقال : ما المانع من جعل هذا من جملة ما سمع ـ تأمل.

(قوله : وشدة) عطف تفسير كما أن قوله بعد : ولا تنكشف تفسير لما قبله (قوله : ولكن غمرتى لا تنجلى) لما كان قوله : صدقوا مظنة أن يتوهم أن غمرته مما تنكشف

__________________

(١) البيت أورده الجرجانى فى الإشارات ص ١٢٥ ، بلا عزو ، والطيبى فى التبيان ص ١٤٢ ، وفى عقود الجمان ص ١٨٢ ، وفى شرح شواهد المغنى ٢ / ٨٠٠ ومعاهد التنصيص ١ / ٢٨١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٣٨٣.

٥١٦

كأنه قيل : أصدقوا أم كذبوا؟ فقيل : صدقوا.

(وأيضا منه) أى : من الاستئناف ؛ وهذا إشارة إلى تقسيم آخر له (: ما يأتى بإعادة اسم ما استؤنف عنه) أى : أوقع عنه الاستئناف ، وأصل الكلام : ما استؤنف عنه الحديث ؛ ...

______________________________________________________

كما هو شأن أكثر الغمرات والشدائد ، استدرك على ذلك بقوله : ولكن غمرتى لا تنجلى ، والمعنى أنى كما قالوا ولكن لا مطمع فى فلاحى (قوله : كأنه قيل إلخ) هذا تقدير للسؤال الناشئ من الجملة الأولى ، فإنه لما أظهر الشكاية من جماعة العذال له على اقتحام الشدائد كان ذلك مما يحرك السائل ليسأل هل صدقوا فى ذلك الزعم أم لا؟ فالسائل متصور للصدق والكذب ، وإنما يسأل عن تعيين أحدهما لتردده فى الثابت لما زعموه هل هو الصدق أو الكذب؟ فإن قلت : حيث كان المقام مقام تردد كان الواجب فى الجواب التأكيد بأن يقال : إنهم لصادقون مثلا أجيب بأن السؤال المقدر لما كان فعلا أتى بالجواب مطابقا والتأكيد تقديرى بمثل القسم أى : صدقوا والله مثلا.

(قوله : وأيضا منه) أى : ونعود أيضا إلى تقسيم آخر منه أى : من الاستئناف أى : بمعنى الجملة الثانية (قوله : إلى تقسيم آخر) أى : باعتبار إعادة اسم ما استؤنف عنه الحديث والإتيان بوصفه المشعر بالعلية ، وإن كان الاستئناف فى ذلك لا يخلو عن كونه جوابا عن السؤال عن السبب أو غيره الذى هو حاصل التقسيم السابق (قوله : ما يأتى) أى : استئناف يأتى (قوله : بإعادة) أى : مع إعادة ، فالباء للمصاحبة بمعنى مع وإضافة اسم إلى ما من إضافة الاسم إلى المسمى أى اسم ذات ، (وقوله : استؤنف عنه) أى : لأجله أى : أوقع الاستئناف والحديث لأجله فعن بمعنى اللام ويصح أن تكون بمعنى بعد (قوله : أى أوقع عنه الاستئناف) أى : لأجله أو بعده ، وهذا بيان لحاصل المعنى المراد ، فالفعل إما مسند إلى مصدره ويؤيده شيوع هذا التقدير ، وإما إلى الجار والمجرور ويؤيده تقديم الشارح على الاستئناف.

(قوله : وأصل الكلام) أى : أصل قوله استؤنف عنه أى : أصله بعد بنائه للمجهول فهو بيان للأصل الثانى ، وإلا فالأصل الأصيل بإعادة اسم ما استأنف المتكلم

٥١٧

فحذف المفعول ونزل الفعل منزلة اللازم (نحو : أحسنت) أنت (إلى زيد ؛ زيد حقيق بالإحسان) ...

______________________________________________________

الحديث ـ أى : الكلام ـ عنه ، فبنى الفعل للمجهول بعد حذف الفاعل وإقامة المفعول به مقامه ، فصار بإعادة اسم ما استؤنف عنه الحديث ، ثم حذف المفعول الذى له الأصالة بالنيابة وهو الحديث اختصارا لظهور ذلك المراد ، ولما حذف ذلك المفعول نزل الفعل منزلة اللازم ، فأنيب المجرور أو المصدر المفهوم من استؤنف بتأويل استؤنف بأوقع كما قال الشارح (قوله : فحذف المفعول) أى : فى الأصل الأول الذى هو نائب فاعل فى هذا الأصل الثانى وهو لفظ الحديث (قوله : منزلة اللازم) أى : بالنسبة للمفعول الصريح حيث قطع النظر عن ذلك المفعول واقتصر على المفعول بالواسطة وهو قوله عنه (قوله : نحو أحسنت أنت إلى زيد) أشار الشارح بأنت إلى أن التاء فى أحسنت تاء الخطاب لا تاء المتكلم ، فالمعنى حينئذ نحو قولك : المخاطب قد أحسن إلى زيد : أحسنت إلى زيد ، وإنما جعل الشارح التاء للخطاب مع أنه يصح جعلها للمتكلم للتناسب مع أحسنت فى المثال الآتى ؛ لأنه يتعين أن تكون الثانية للخطاب ، وإلا لقال صديقى القديم وأيضا لا معنى لتعليل إحسان المتكلم إلى زيد فى المثال الثانى بصداقته للمخاطب إلا بعد اعتبار أمر خارج عن مفاد الكلام كصداقة المخاطب للمتكلم أو قرابته له ، ثم إن المقصود من هذا الكلام أعنى قولك : أحسنت إلى زيد إعلام المخاطب بأنه وقع الإحسان منه بالقياس إلى زيد لتقرير الإحسان السابق واستجلاب الإحسان اللاحق لا إفادة لازم الفائدة ـ كما قيل ، حتى يكون معنى الكلام : إنى أعلم إحسانك إلى زيد ، ويكون السؤال المقدر الواقع من المخاطب سؤالا عن سبب علمه ، ويكون الجواب عنه بأنى أعلم ذلك ؛ لأنه حقيق بالإحسان ، أو لأنه صديق لك ؛ لأن هذا مع بعده عن الفهم يرد عليه أن العلم بكونه حقيقا بالإحسان لا يستلزم العلم بإحسان المخاطب إليه ، ثم إن فعل المخاطب الأمر الحسن مع زيد إنما يتحقق كونه إحسانا إذا كان زيد محلا للإحسان ؛ لأن الفعل الحسن فى غير موقعه إساءة ، فإذا كان زيد محلا للإحسان ، وقلت لمخاطبك الذى صدر منه الإحسان له : أحسنت إلى زيد يتجه السؤال منه عن سبب

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كون زيد محسنا إليه أو عن أهليته للإحسان ، فالمخاطب بعد تصديقه للمتكلم فى قوله : أحسنت إلى زيد مصدق بكون زيد محسنا إليه لسبب ، إلا أنه تارة يكون جاهلا بنفس السبب طالبا لتصوره فيكون السؤال المقدر : لماذا أحسن إليه على صيغة الماضى المبنى للمجهول؟ أى : لأى سبب صار محسنا إليه ، وتارة يكون عالما بأسباب كونه محسنا إليه ككونه فى نفسه حقيقا بالإحسان وكونه صديقا للمخاطب وهو السائل أو قريبا له ، أو غير ذلك جاهلا بتعيينه ، فيطلب تعيين السبب ، فيكون السؤال المقدر هل هو حقيق بالإحسان؟ والجواب على التقديرين زيد حقيق بالإحسان من غير إشارة إلى سبب استحقاقه ، أو صديقك القديم أهل لذلك مع بيان سبب استحقاقه ، إلا أنه على التقدير الأول يكون مقصود السائل تصور السبب المعين والتصديق به تابع له حاصل بالعروض ، وعلى التقدير الثانى يكون مقصود السائل أولا وبالذات التصديق بالسبب الحامل ، وأما تصوره فحاصل بالعروض.

بقى شىء آخر وهو أنه على التقدير الثانى يستحسن التأكيد فى الجواب لكون السائل مترددا فى تعيين السبب ؛ لأن السؤال عن السبب الخاص بخلاف السؤال الأول وهو لماذا أحسن إليه؟ فإنه سؤال عن السبب المطلق ، والجواب أن كلام المصنف فى نفس الاستئناف وكونه على وجهين وأن الوجه الثانى أبلغ من الأول ، وأما استحسان التأكيد على التقدير الثانى وعدمه على التقدير الأول فخارج عما نحن فيه ، وبما حررناه ظهر لك اندفاع اعتراض العلامة السيد بأن المخاطب أعلم بسبب فعله الاختيارى ، وحينئذ فلا معنى لسؤاله من الغير وهو المتكلم عن سبب إحسانه ؛ وذلك لأن السؤال المقدر الواقع من المخاطب سؤال عن كون زيد محسنا إليه لا عن كون المخاطب محسنا ، وإذا علمت اندفاع ذلك الاعتراض تعلم أنه لا حاجة لما أجيب به من الجوابين اللذين أولهما أن السائل لا يتعين أن يكون المخاطب ، بل سامع آخر وثانيهما أن السائل هو المخاطب ولكن السؤال للتقرير لا للاستفهام ، وظهر لك أيضا مما قلناه أن تقدير السؤال لماذا أحسن إليه؟ أو هل هو حقيق بالإحسان؟ يصح مع كل من الجوابين اللذين

٥١٩

بإعادة اسم زيد (ومنه ما يبنى على صفته) أى : صفة ما استؤنف عنه دون اسمه ، والمراد : صفة تصلح لترتب الحديث عليه (نحو : أحسنت إلى زيد صديقك القديم ؛ أهل لذلك) والسؤال المقدر فيهما : لماذا أحسن إليه؟ أو : هل هو حقيق بالإحسان؟ (وهذا) أى : الاستئناف المبنى على الصفة (أبلغ) لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم ؛ كالصداقة القديمة فى المثال المذكور لما يسبق إلى الفهم من ترتب الحكم على الوصف الصالح للعلية أنه علة له ...

______________________________________________________

ذكرهما المصنف وأنه ليس فى الكلام لف ونشر مرتب كما قيل. اه عبد الحكيم ، مع بعض زيادة وتصرف.

(قوله : بإعادة اسم زيد) أى : الذى استؤنف الحديث والكلام لأجله (قوله : ما يبنى) أى : استئناف يبنى ويركب من تركيب الكل على أجزائه ولم يعبر بالإعادة ؛ لأن الصفة لم تذكر أولا حتى تعاد (قوله : والمراد صفة تصلح لترتب الحديث) أى : الحكم بمعنى المحكوم به فى الجملة الثانية وضمير عليه للصفة بمعنى الوصف (قوله : صديقك القديم إلخ) أى : فهذا استئناف مركب من صفة ما استؤنف الحديث لأجله ، وهذه الصفة وهى الصداقة تصلح لترتب الحديث عليها (قوله : فيهما) أى : فيما بنى على الاسم وفيما بنى على الصفة (قوله : لماذا أحسن إليه) بصيغة الماضى وهذا راجع للمثال الأول ، ويقدر السائل فيه غير المخاطب من السامعين كما علم من ضبطه بصيغة الماضى لعدم اشتمال الجواب فيه على خطاب وليس بصيغة المضارع ويقدر السائل المخاطب ؛ لأنه لا معنى لسؤال الشخص عن سبب فعله ، إلا أن يقال : السؤال لتقرير الحكم لا للاستعلام ، (وقوله : أو هل هو إلخ) راجع للمثال الثانى وتقدير السؤال فيه من المخاطب لاشتمال الجواب على الخطاب ففى كلام الشارح إشارة إلى أنه لا يتعين تقدير السؤال من المخاطب كما فى المثال الأول ، ففى كلام الشارح توزيع على طريق اللف والنشر المرتب على ما فى الفنرى ، لكن لا يخفى صحة تقدير هل هو إلخ فى المثال الأول أيضا ـ فتأمل.

(قوله : الموجب للحكم) أى : الذى تضمنه الجواب كثبوت الأهلية للإحسان للصديق القديم ، (وقوله : كالصداقة إلخ) مثال للسبب الموجب للحكم (قوله : لما يسبق علة إلخ)

٥٢٠