حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

نحو : يالله ، والتعجب ، نحو : يا للماء ، والتحسر والتوجع كما فى نداء الأطلال ، والمنازل ، والمطايا ، ...

______________________________________________________

لمطلق طلب الإقبال فاستعملت فى طلب الإقبال أى : لخصوص الإغاثة (قوله : يالله) أى :يالله أقبل علينا لإغاثتنا (قوله : والتعجب) العلاقة بينه وبين النداء المشابهة من جهة أنه ينبغى الإقبال على كل من المنادى والمتعجب منه (قوله : ياللماء) يقال ذلك عند مشاهدة كثرته أو كثرة حلاوته أو برودته أو وفائه تعجبا منها فكأنه لغرابة الكثرة المذكورة يدعوه ويستحضره ليتعجب منه (قوله : والتحسر والتوجع إلخ) العلاقة بين النداء وبين هذه الأشياء المشابهة فى كون كل ينبغى الإقبال عليه بالخطاب للاهتمام به وامتلاء القلب بشأنه (قوله : كما فى نداء الأطلال) هذه أمثلة التحسر ولا يظهر أن شيئا منها مثال للتوجع ، وإن أوهم صنيعه خلاف ذلك ـ ولذلك عبر ابن يعقوب بقوله ومنها التحسر والتحزن كما فى نداء الأطلال والمنازل والمطايا ونحو ذلك كنداء المتوجع منه والمتفجع عليه. اه. ومثال التوجع : يا مرضى ، ويا سقمى ، والأطلال : جمع طلل ـ وهو ما شخص من آثار الديار ، وذلك كقوله :

ألا عم صباحا أيّها الطلل البالى

وهل يعمن من كان فى العصر الخالى (١)

(قوله : والمنازل) كما فى قولك يا منزلى ويا منزل فلان متحسرا ومتحزنا عليه ، وكما فى قول الشاعر :

أيا منازل سلمى أين سلماك

من أجل هذا بكيناها بكيناك

أى : من أجل عدم وجدان سلمى بكينا على سلمى وبكينا على المنازل ، فقوله : بكيناها أى : بكينا على سلمى ، وقوله : بكيناك أى : وبكيناك أى : بكينا عليك أيها المنازل (قوله : والمطايا) أى : الإبل ، كما فى قولك يا ناقة أبى ، ويا ناقتى تحسرا عليها ، وكما فى قوله :

__________________

(١) لامرئ القيس فى ديوانه ص ٢٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٠ وتاج العروس (طول).

٤٤١

وما أشبه ذلك. (ثم الخبر قد يقع موقع الإنشاء ؛ إما للتفاؤل) بلفظ الماضى دلالة على أنه كأنه وقع ، نحو : وفقك الله للتقوى (أو لإظهار الحرص فى وقوعه كما مر) فى بحث الشرط من أن الطالب إذا عظمت رغبته فى شىء يكثر تصوره إياه ؛ فربما يخيل إليه حاصلا ، نحو : رزقنى الله لقاءك ...

______________________________________________________

يا ناق جدّى فقد أفنت أناتك بى

صبرى وعمرى وأنساعى وأحلاسى

الأناة : كقناة التأنى ، والأحلاس : جمع حلس ، وهو كساء يطرح على ظهر البعير ، والأنساع : جمع نسع بكسر النون وهو ما ينسج عريضا للتصدير أى : للحزام فى صدر البعير (قوله : وما أشبه ذلك) عطف على الإغاثة وذلك كالندبة ، وهى نداء المتوجع منه أو المتفجع عليه كقولك : يا رأساه ويا محمداه كأنك تدعوه وتقول له تعال ، فأنا مشتاق إليك (قوله : ثم الخبر) أى : الكلام الخبرى وهو ما يدل على نسبة خارجية تطابقه أو لا تطابقه (قوله : قد يقع) أى : مجازا لعلاقة الضدية أو غيرها مما سيأتى بيانه قريبا (قوله : موقع الإنشاء) وهو الكلام الذى لم يقصد مطابقته لنسبته الخارجية ولا عدم مطابقته لما لا نسبة له خارجا ، وإنما توجد نسبته بنفسه (قوله : إما للتفاؤل) أى : إدخال السرور على المخاطب كأن يقصد طلب الشىء وصيغة الأمر هى الدالة عليه ، فيعدل عنها إلى صيغة المضى الدالة على تحقق الوقوع تفاؤلا بتحققه (قوله : بلفظ الماضى) متعلق بيقع ، وإنما قيد بلفظ الماضى ؛ لأن التفاؤل لا يكون إلا به لا بالمضارع ولا بالاسم (قوله : وفقك الله للتقوى) أى : اللهم وفقك فعبر بالفعل الماضى الدال على تحقق الحصول موضع الإنشاء لإدخال السرور على المخاطب بتحقق حصول التقوى (قوله : فى وقوعه) ضمن الحرص معنى الرغبة ، فلذا عده بفى ولم يعده بعلى ، ويشير للتضمين المذكور قول الشارح إذا عظمت رغبته (قوله : يكثر صوره إياه) بفتح ياء يكثر ورفع تصوره على الفاعلية (قوله : فربما يخيل إليه) أى : غير الحاصل حاصلا وحاصله أن الطالب لشىء إذا عظمت رغبته فيه كثر تصوره له وانقشعت صورة مطلوبة فى خياله ، فيخيل له أن مطلوبه غير الحاصل حاصل من زمان ماض ، فيعبر بالماضى المفيد للحصول

٤٤٢

(والدعاء بصيغة الماضى من البليغ) كقوله : رحمه‌الله (ـ يحتملهما) أى : التفاؤل وإظهار الحرص ، وأما غير البليغ فهو ذاهل عن هذه الاعتبارات (أو للاحتراز وعن صورة الأمر) كقول العبد للمولى : ينظر المولى إلى ساعة ؛ دون انظر ؛ لأنه فى صورة الأمر وإن قصد به الدعاء أو الشفاعة ...

______________________________________________________

للدالة على الحرص فى وقوعه ؛ لأن التعبير بصيغة الحصول يفهم منها تخيل الحصول الملزوم لكثرة التصور الملزوم لكثرة الرغبة والحرص فى وقوعه (قوله : والدعاء) مبتدأ وقوله يحتملهما خبر ، وأشار المصنف بذلك إلى أن إظهار الحرص والتفاؤل لا تنافى بينهما فللبليغ إحضارهما معا فى التعبير بصيغة الماضى عن الطلب وله استحضار أحدهما (قوله : أى التفاؤل وإظهار الحرص) أى : يحتمل أنه يريد التفاؤل بوقوع الرحمة للمخاطب قصدا لإدخال السرور عليه أو يريد إظهار الحرص فى الوقوع حيث عبر بالماضى لكثرة التصور الناشىء عن كثرة الرغبة قضاء لحق المخاطب أو يريدهما معا (قوله : فهو ذاهل عن هذه الاعتبارات) لأنه إنما يقول ما يسمع منه غير ملاحظ لشىء من الاعتبارات المناسبة لمقامات إيراد الكلام ، وعلى هذا فالمراد بالبليغ من يراعى ما ذكر لكونه له قوة على ذلك ، ولو لم يكن له قوة فى سائر الأبواب بناء على تجزى البلاغة : كالاجتهاد ـ فيكفى لاعتبار النكتتين معرفتهما وقصدهما ، ولا يلزم أن يكون لقصدهما ملكة يقدر بها على كل كلام بليغ ـ كذا فى يس ، وقوله عن هذه الاعتبارات : اعترض بأن الأولى أن يقول عن هذين الاعتبارين ، وأجيب بأن غير البليغ لما كان ذاهلا عن هذين الاعتبارين وغيرهما من كل ما يلاحظه البليغ عبر الشارح بالجمع ـ كذا قرر شيخنا العدوى ـ وتأمله.

(قوله : أو للاحتراز) أى : التحرز والتباعد ، ولا يكون هذا بلفظ الماضى ، وكذا ما بعده ، بل بلفظ المضارع (قوله : كقول العبد للمولى) أى : إذا حول عن وجهه (قوله : لأنه فى صورة الأمر) أى : المشعر بالاستعلاء المنافى للأدب (قوله : وإن قصد به) أى :

٤٤٣

(أو لحمل المخاطب على المطلوب بأن يكون) المخاطب (ممن لا يحب أن يكذب الطالب) أى : ينسب إليه الكذب كقولك لصاحبك الذى لا يحب تكذيبك : تأتينى غدا ـ مقام : ائتنى ؛ تحمله بألطف وجه على الإتيان ؛ لأنه إن لم يأتك غدا صرت كاذبا من حيث الظاهر لكون كلامك فى صورة الخبر.

______________________________________________________

بالأمر والواو للحال أى : والحال أنه قاصد بذلك الأمر الدعاء أو الشفاعة ، قال المولى عبد الحكيم : لم يذكر فى الكتب المشهورة فى الأصول الشفاعة من معانى الأمر ولعلها داخلة فى الدعاء ، فإن الطلب على سبيل التصريح إن كان لنفسه فهو دعاء ، وإن كان لغيره فهو شفاعة ، فالمراد بالدعاء هنا ما يكون لنفسه بقرينة مقابلة الشفاعة. اه.

وعلى هذا فقول الشارح : وإن قصد به الدعاء أى : كما فى هذا المثال ، وقوله : أو الشفاعة كما فى قول عمرو لسيد العبد المعرض عنه ينظر المولى إلى عبده ساعة ، وفى بعض النسخ : والشفقة ، ومعناها طلب العبد من سيده أن يشفق عليه.

(قوله : أو لحمل المخاطب على المطلوب) أى : على تحصيل المطلوب ، لكن لا بسبب إظهار الرغبة ، بل بسبب كون المخاطب لا يحب تكذيب المتكلم ، فالباء فى قوله بأن يكون للسببية ، والحاصل أنه قد يعبر بالخبر موضع الإنشاء لأجل حمل المخاطب وهو السامع على تحصيل المطلوب لكون المخاطب لا يجب تكذيب المتكلم ، فلما يلقى له الكلام الخبرى المقصود منه الإنشاء يسعى ويبادر فى تحصيل المطلوب خوفا من نسبة المتكلم للكذب ، والفرض أن المخاطب لا يحب ذلك ، وظهر لك من هذا أن المخاطب بفتح الطاء فى المحلين ؛ لأن المراد به السامع (قوله : أن يكذب الطالب) بصيغة المبنى للمفعول مع تشديد الذال ورفع الطالب على النيابة ، كما يشير لذلك قول الشارح أى : ينسب إليه الكذب (قوله : كقولك) أى : أيها المتكلم وقوله لصاحبك أى : الذى هو المخاطب ، وقوله لا يحب أى : ذلك الصاحب ، وقوله : تحمله أى : تحمل صاحبك بهذا القول (قوله : من حيث الظاهر) أى : وأما من حيث نفس الأمر فلا كذب ؛ لأن كلامك

٤٤٤

(تنبيه : الإنشاء كالخبر فى كثير مما ذكر فى الأبواب الخمسة السابقة) يعنى : أحوال الإسناد ، والمسند إليه ، والمسند ، ومتعلقات الفعل ، ...

______________________________________________________

فى المعنى إنشاء وهو لا يتصف بصدق ولا بكذب ، قال الشارح فى المطول : واستعمال الخبر فى هذه الصور يعنى الأربعة التى ذكرها المصنف مجاز لاستعماله فى غير ما وضع له ، ويحتمل أن يجعل كناية فى بعضها. اه.

قال المولى عبد الحكيم : أراد ببعضها الصورتين الأخيرتين اللتين وقع فيهما الفعل المستقبل موقع الطلب بأن يقال : إن حصول الفعل فى الاستقبال لازم لطلب الفعل فى الحال ، فذكر اللازم وأريد الملزوم بخلاف الصورتين الأوليين اللتين وقع فيهما الفعل الماضى موقع الطلب ، فإن حصول الفعل فى الزمان الماضى ليس لازما لطلب الفعل فلا يصح جعلهما كناية ، بل يتعين كونهما مجازا إما مرسلا لعلاقة الضدية ، أو بالاستعارة لعلاقة تشبيه غير الحاصل بالحاصل للتفاؤل أو للحرص على حصوله. اه.

قال ابن السبكى فى عروس الأفراح : وما ذكر من الكناية فيه نظر ؛ لأنه إذا جعل ذلك الخبر من باب الكناية كان خبرا لفظا ومعنى والفرض أنه إنشاء بصيغة الخبر ـ فتأمله.

(قوله : فى كثير إلخ) إنما قال فى كثير ولم يقل جميعه ؛ لأن المسند فى الخبر قد يكون مفردا وقد يكون جملة بخلاف المسند فى الإنشاء ؛ فإنه لا يكون إلا مفردا ـ كذا قيل ، ويرد عليه : هل زيد أبوه قائم ، فإن قيل هو فى تأويل : هل قام أبو زيد ـ قلنا : وكذلك الخبر ، وقيل إنما قال فى كثير ؛ لأن بعض ما تقدم لا يجرى فى الإنشاء ؛ لأن التأكيد فى الإنشاء لا يكون للشك أو الإنكار من المخاطب ولا ترك التأكيد لخلوه من الإيقاع والانتزاع ، بل لكونه بعيدا من الإقبال أو قريبا منه ، وقيل : إنما قال فى كثير ؛ لأن حذف المسند لا يكون فى الإنشاء بخلاف الخبر وإشارة إلى أن ما ذكر من الأحوال فى الأبواب الخمسة فى الخبر لا يتأتى فى كل باب من تلك الأبواب الخمسة بالنسبة لكل

٤٤٥

والقصر (فليعتبره) أى : ذلك الكثير الذى يشارك فيه الإنشاء الخبر (الناظر) بنور البصيرة فى لطائف الكلام ، مثلا : الكلام الإنشائى إما مؤكد ، أو غير مؤكد ، والمسند إليه فيه إما محذوف ، أو مذكور ، إلى غير ذلك.

______________________________________________________

نوع من أنواع الإنشاء وهى : الاستفهام والتمنى والأمر والنهى والنداء ، وإن كان ما ذكر يأتى فى بعضها ـ فتأمل.

(قوله : والقصر) معطوف على أحوال بخلاف ما قبله فإنه معطوف على المضاف إليه (قوله : فليعتبره الناظر) أى : فليراع الناظر فى أحوال الكلام ذلك الكثير الذى وقع فيه الاشتراك بين الخبر والإنشاء بالنسبة للإنشاء حسبما عرفه بالنسبة للخبر فيما تقدم ، فإن من له نور البصيرة وقوة الإدراك لا يخفى عليه اعتبار ذلك فى الإنشاء كالخبر (قوله : إما مؤكد) كقولك اضرب اضرب فى تأكيد الأمر بالضرب لاقتضاء المقام (قوله : أو غير مؤكد) كقولك اضرب بدون تكرار ولا يجرى فى الإنشاء التخريج على خلاف مقتضى الظاهر بالنسبة للتأكيد وتركه ، من جعل المنكر كغير المنكر وبالعكس ، وتنزيل العالم منزلة الجاهل وبالعكس (قوله : إما محذوف) كأن يقال عند السؤال عن زيد بعد ذكره : هل قائم أو قاعد.

(قوله : أو مذكور) كأن يقال الذكر لغير ذلك من كونه مقدما أو مؤخرا كقولك فى التقديم : هل زيد قائم وفى التأخير : هل قائم زيد وكونه معرفا كما مثل ، أو منكرا : كهل رجل قائم أو امرأة ، وكذلك المسند فيه ، إما اسم كقولك : هل زيد قائم ، أو فعل كقولك : هل زيد يسافر غدا مطلق كالمثالين ، أو مقيد بمفعول : كهل أنت ضارب عمرا ، أو بشرط : كهل أنت قائم إن قام عمرو ، ولا يتأتى حذف المسند فى الإنشاء بخلاف الخبر ـ كما فى عبد الحكيم ، وكذلك التعلق والنسبة فى الإنشاء إما بقصر : كلا تضرب إلا زيدا ، أو بغيره : كلا تضرب زيدا ، وليضرب زيد عمرا ، واعلم أن الاعتبارات المناسبة لهذه الأحوال السابقة فى الخبر تجرى فى الإنشاء فيقال : قدم

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المسند إليه فى الإنشاء ؛ لأن التقديم هو الأصل ، ولا مقتضى للعدول عنه وحذف لكون ذكره كالعبث لدلالة القرينة عليه كأن تقول فى السؤال عن زيد بعد ذكره : هل عالم أو جاهل ، وذكر للتعويل على أقوى الدليلين العقل واللفظ ، وعرف بالإضمار كهل أنا نائل مرادى منك ؛ لأن المقام للتكلم أو للخطاب : كهل أنت قائم أو للغيبة : كهل هو قائم ، وأكد لكون المخاطب بصدد الامتناع من الامتثال كقولك لمن يصحبك عند إبايته بادر بفعل كذا ، وعلى هذا القياس.

والله الهادى للصواب ، وإليه المرجع والمآب.

٤٤٧

الفصل والوصل]

[تعريف الفصل والوصل] :

بدأ بذكر الفصل ؛ لأنه الأصل ، والوصل طار عليه عارض ، حاصل بزيادة حرف من حروف العطف ، لكن لما كان الوصل بمنزلة الملكة ، والفصل بمنزلة عدمها ، والأعدام ...

______________________________________________________

[الفصل والوصل]

(قوله : لأنه الأصل) أى لأنه عدم العطف ، وقوله والوصل طار لأن مرجعه إلى العطف ومعلوم أن عدم العطف أصل لا يفتقر فيه إلى زيادة شىء على المنفصلين ، والعطف الذى هو الوصل يفتقر فيه إلى وجود حرف مزيد ليحصل ، وما يفتقر فيه إلى زيادة حرف فرع عما لا يفتقر فيه إلى شىء ، وأيضا العدم فى الحادث سابق على وجوده.

(قوله : حاصل إلخ) تعليل فى المعنى لما قبله ، وقوله بزيادة حرف إلخ أى على الجملتين (قوله : لكن لما كان إلخ) أى : وحينئذ فلا يقال : كان الأولى أن يقدم تعريف الفصل على تعريف الوصل ، وهذا الاستدراك لدفع ما يتوهم من الكلام السابق ، وهو أنه حيث كان الفصل الأصل فلم لم يقدمه فى التعريف كما قدمه فى الترجمة؟ (قوله : بمنزلة الملكة إلخ) اعلم أن للملكة فردين الأول : ما من شأنه أن يقوم بالشىء باعتبار جنسه ، بأن يكون جنسه شأنه أن يقوم به ذلك الأمر ، كالبصر لأفراد الحيوان والثانى : ما من شأنه أن يقوم بالشىء باعتبار شخصه ، كالعلم لأفراد الإنسان ، ولا شك أن الجملتين شأنهما الوصل جنسا ، وقد لا يكون شأنهما الوصل شخصا بأن كان بينهما كمال الانقطاع ، فقول الشارح : بمنزلة الملكة إنما زاد لفظة منزلة نظرا للفرد الثانى ، وقوله فى المطول : فبينهما تقابل العدم والملكة بإسقاط منزلة ناظر للفرد الأول ، كذا قال بعضهم ، وفيه أن هذا لا يتم إلا إذا كان المراد بما من شأنه أن اللائق به ذلك ، لكن المتبادر من كلامهم أن المراد به إمكان ذلك ، وأنت خبير بأن الجملتين إذا كان بينهما كمال الانقطاع يمكن فيهما الوصل ، وإن لم يجز بلاغة فما شأنهما الوصل بهذا المعنى ففيهما

٤٤٨

إنما تعرف بملكاتها ـ بدأ فى التعريف بذكر الوصل فقال : (الوصل عطف ...

______________________________________________________

ملكة الوصل لا ما هو بمنزلتها ، فالحاصل : أنه لا وجه لزيادة منزلة فى كلام الشارح ، سواء قلنا إن الملكة عبارة عن الأمر الذى شأنه أن يقوم بالشىء باعتبار جنسه أو باعتبار شخصه ، وقد يقال أنه قد لا يمكن فى الجملتين الوصل ؛ لفساد المعنى به كما فى آية (إِنَّا مَعَكُمْ)(١) إلخ فلا يكون الوصل ملكة لهما باعتبار شخصهما ، فتكون زيادة الشارح هنا لفظ" منزلة" نظرا إلى شخص الجملتين فى بعض الصور ، ووجه بعضهم زيادة" منزلة" فى كلام الشارح بأن تقابل العدم والملكة إنما يكون فى الأمور الوجودية الخارجية ؛ لأن الملكة معنى موجود تتصف به الذات الموجودة ، والعدم نفيه عن تلك الذات القابلة ، بخلاف الأمور الاعتبارية ، وذلك كالفصل والوصل فإنهما أمران عارضان اعتباريان لنوع من الكلام ، وإن كان متعلقهما وجوديا ، وعلى هذا فيحتاج إلى تأويل فى عبارة المطول ؛ بأن تجعل على حذف مضاف ، أى شبه تقابل العدم والملكة.

ورد شيخنا الشهاب الملوى فى شرح ألفيته هذا التوجيه بما حاصله : لا نسلم أن الملكة لا تكون إلا أمرا وجوديا ، والوصل أمر اعتبارى ؛ لأن العدم والملكة من اصطلاحات الحكماء ، وهم يقولون بوجود الإضافات ، والوصل إضافة بين الجملتين فتأمل (قوله : إنما تعرف بملكاتها) أى بعد معرفة ملكاتها (قوله : عطف إلخ) ظاهر تعريفه للفصل والوصل أنهما لا يجريان فى المفردات ، وليس كذلك ؛ بل الفصل والوصل كما يجريان فى الجمل يجريان فى المفردات ، ولا يختصان بالجمل كما يوهمه كلام المصنف ، فإن كان بين المفردين جامع وصلتهما ، كما إذا كان بينهما تقابل نحو قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ)(٢) فالوصل لدفع توهم عدم اجتماعهما أو شبه تماثل كما فى قوله :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر

__________________

(١) البقرة : ١٤.

(٢) الحديد : ٣.

٤٤٩

بعض الجمل على بعض ، والفصل تركه) أى : ترك عطفه عليه.

______________________________________________________

وإن لم يكن بينهما جامع فصلتهما كما فى قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)(١) وقد يجاب عن المصنف بأن ما ذكره تعريف لنوع من الفصل والوصل ، وهو الواقع فى الجمل لا أنه تعريف لحقيقتهما مطلقا.

(قوله : بعض الجمل) أى جنس الجمل ، فيشمل العطف الواقع بين جملتين فقط ، والواقع بين الجمل المتعددة ، كعطف جملتين على جملتين فإنه ربما لا تتناسب جمل أربع مترتبة بحيث تعطف كل واحدة على ما قبلها ؛ بل تتناسب الأوليان والأخريان فيعطف فى كل اثنتين أولا ، ويعطف الأخريان على الأوليين ؛ لأن مجموع الأخريين يناسب مجموع الأوليين ، ولو قال المصنف عطف جملة على جملة لم يشمل هذه الصورة ، واختار المصنف التعبير ببعض الجمل على الكلام ؛ لتدخل الصفة والصلة ونحوهما مما لا يشمله الكلام ، بناء على أنه لا بد أن يكون مقصودا لذاته.

(قوله : أى ترك عطفه عليه) أى ترك عطف بعض الجمل على بعض ، لا ترك العطف مطلقا ، وهذا يفهم منه عرفا وجود ما يمكن أن يعطف ، ويعطف عليه ، فترك فيه العطف ، فلا يرد أن يقال : إن التعريف يشمل ترك العطف فى الجملة الواحدة المبتدأ بها ، مع أنه لا يسمى فصلا. قال بعضهم : والمراد بقول المصنف" ترك عطف بعض الجمل على بعض" أى مما شأنها العطف ، إذ لا يقال لترك عطف الجملة الحالية على جملة قبلها أنه فصل ؛ لأنه ليس من شأن الجملة الحالية العطف على ما قبلها ورد بأنه إن أراد بقوله مما شأنها العطف ، أى فى ذلك المحل لزم أن لا يطلق الفصل فى صور كمال الاتصال والانقطاع ؛ لعدم الصلاحية فى ذلك المحل ، وإن أراد مما شأنها العطف فى نفسها ، ولو فى محل آخر ورد أن الجملة الحالية أيضا قابلة للعطف فى نفسها. فلعل الأولى عدم التقييد بهذا القيد ، والجملة الحالية لكونها قيدا لما قبلها لم يتقدمها جملة حتى يتحقق بينهما الفصل

__________________

(١) الحشر : ٢٣.

٤٥٠

[أحوال الوصل والفصل للاشتراك فى الحكم] :

(فإذا أتت جملة بعد جملة فالأولى : إما أن يكون لها محل من الإعراب ، أو لا ، وعلى الأول) أى : على تقدير أن يكون للأولى محل من الإعراب (إن قصد ...

______________________________________________________

والوصل ، ثم إنه قد تقدم أن الترك مشعر بالقصد لكونه فعلا لا نفى فعل ، وهو المناسب للأمور البلاغية ؛ لأنها لا تحصل إلا بالقصد ، وحينئذ فيشكل على ما مر من أن تقابل الفصل والوصل بمنزلة تقابل العدم والملكة فلعله مبنى على أن الترك ليس فعلا ، فتأمل.

[أحوال الوصل والفصل للاشتراك فى الحكم] :

(قوله : فإذا أتت إلخ) رتب على التعريف بيان الأحكام إشارة إلى أن معرفة الحكم بعد معرفة الشىء (قوله : فالأولى) مراده السابقة عن الآتية ليشمل كثرة الجمل فإن كلا منها سابقة عما بعدها ، ولو لم تكن أولى حقيقة بأن لم تسبق غيرها.

(قوله : إما أن يكون لها محل من الإعراب) أى محل ذى الإعراب وهو المفرد أى إما أن تكون واقعة فى محل اسم مفرد بحيث لو صرح به لكان معربا ؛ وذلك بأن تكون واقعة فى محل ذى رفع كالخبرية ، أو ذى نصب كالمفعولية ، أو ذى جر كالمضاف إليها.

وقوله إما أن يكون لها محل أى على تقدير اعتبار العطف عليها ، سواء كان المحل ثابتا لها قبل اعتبار العطف كما فى زيد يعطى ويمنع ، أو لا كما فى قوله تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(١) فإنه لو لم يعتبر العطف كان المحل للمجموع لا للأولى ؛ لكونها جزء المقول. (قوله : أو لا) أى كالاستئنافية (قوله : وعلى الأول إلخ) حاصله أن الأولى إذا كان لها محل من الإعراب ، فإن قصد تشريك الثانية للأولى فى حكم الإعراب فإن وجدت جهة جامعة جاز العطف بالواو وبغيرها ، وإن لم توجد جهة جامعة فى حكم الإعراب تعين الفصل ، فصوره خمسة كلها مأخوذة من كلام المصنف.

__________________

(١) آل عمران : ١٧٣.

٤٥١

تشريك الثانية لها) أى : للأولى (فى حكمه) أى : حكم الإعراب الذى لها ؛ مثل كونها خبر مبتدأ ، أو حالا ، أو صفة ؛ أو نحو ذلك (عطفت) الثانية (عليها) أى : على الأولى ؛ ليدل العطف على التشريك المذكور (كالمفرد) فإنه إذا قصد تشريكه لمفرد قبله فى حكم إعرابه من كونه فاعلا ، أو مفعولا ؛ أو نحو ذلك وجب عطفه عليه.

______________________________________________________

(قوله : تشريك الثانية لها) أى جعل الثانية مشاركة للأولى (قوله : أى حكم الإعراب) اعلم أن الإعراب عبارة عن الحركات وما ناب عنها على القول بأنه لفظى ، والمراد بالحكم هنا الحال الموجب للإعراب مثل كونها خبر المبتدأ فإنه يوجب الرفع ، وكونها حالا أو مفعولا فإنه يوجب النصب ، وكونها صفة فإنه يوجب الإعراب الذى فى المتبوع ، وكونها مضافا إليها فإنه يوجب الخفض فقول الشارح" مثل كونها إلخ" بيان لحكم الإعراب وذكر بعض الأفاضل : أن إضافة حكم للإعراب من إضافة المدلول للدال ، أى : الحكم المدلول للإعراب ، دلالة المقتضى بالفتح على المقتضى بالكسر ، أو من إضافة السبب للمسبب أى الحكم الذى هو سبب إعرابه ، وهو ظاهر (قوله : مثل كونها خبر مبتدأ) نحو : زيد يعطى ويمنع. (قوله : أو حالا) نحو جاء زيد يعطى ويمنع.

(قوله : أو صفة) نحو مررت برجل يعطى ويمنع. (قوله : أو نحو ذلك) أى : كالمفعولية ، نحو ألم تعلم أنّى أحبّك ، وأكرمك. (قوله : عطفت الثانية عليها) أى بالواو وغيرها ، لكن إن كان العطف بالواو فشرط قبوله أن توجد جهة جامعة فقول المصنف بعد فشرط إلخ كالاستدراك على ما قبله.

(قوله : كالمفرد) إنما شبه المصنف عطف الجملة التى لها محل من الإعراب بالمفرد ؛ لأن الأصل والغالب فى الجملة التى لها محل من الإعراب أن تكون واقعة فى موضع المفرد ، وإنما قلنا الأصل ذلك ؛ لأن الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن لها محل من الإعراب ، وليست فى محل مفرد. (قوله : من كونه فاعلا) أى كالذى قبله. (قوله : أو نحو ذلك) كأن يكون مجرورا بحرف كالذى قبله. (قوله : وجب عطفه عليه) أى فى الاستعمال الأغلب ، وإنما قلنا ذلك ؛ لأنهم جوزوا ترك العطف فى الأخبار ، وكذا فى الصفات المتعددة مطلقا قصد التشريك ، أو لم يقصد وإن وجدت الشركة فى نفس الأمر

٤٥٢

(فشرط كونه) أى : كون عطف الثانية على الأولى (مقبولا بالواو ونحوه أن يكون بينهما) أى : بين الجملتين (جهة جامعة ؛ نحو : زيد يكتب ويشعر) لما بين الكتابة والشعر من التناسب الظاهر (أو يعطى ويمنع) لما بين الإعطاء والمنع ...

______________________________________________________

بل هو الأحسن فيها ما لم يكن فيها إيهام التضاد ، وإلا كان العطف أحسن ، فالقسم الأول كقوله تعالى (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) والثانى كقوله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) وإنما استحسن العطف عند إيهام التضاد كما فى المثال الثانى ؛ ليفهم العطف الجمع ، ونفى التناقض وهذا فى المفردات ، وأما الجمل فمتى قصد التشريك وجب العطف ، والفرق بينهما كون الصفات المفردة كالشىء الواحد من الموصوف ؛ لعدم استقلالها ، بخلاف الجمل فإنها لاستقلالها لا يدل على تعلقها بما قبلها إلا العطف ، وما قيل إن الفرق وجود الإعراب فى المفردات فيدل على التشريك الذى يفيده العطف ، فلا يتحتم العطف عند قصد التشريك بخلاف الجمل فإنه ليس فيه إعراب حتى يدل على تشريك فلا بد من العطف ليدل عليه ففيه نظر ؛ فإن المفردات قد لا يظهر إعرابها وقد تكون مبنية.

(قوله : فشرط كونه مقبولا إلخ) شرط مبتدأ ، وقوله أن يكون خبر ، والفاء واقعة فى جواب شرط مقدر أى وإذا أردت بيان شرط قبول العطف فنقول لك شرط كونه إلخ (قوله : عطفت الثانية على الأولى) أى وكذا عطف مفرد على آخر ؛ لأن الحكم فيهما واحد (قوله : مقبولا) أى فى باب البلاغة (قوله : بالواو) أى حال كون العطف كائنا بالواو ونحوه. (قوله : أى بين الجملتين) أى أو المفردين فالجامع لا بد منه فى قبول العطف ، حتى فى المفردات نحو الشمس والقمر والسماء والأرض محدثة بخلاف قولك : الشمس ، ومرارة الأرنب ، ودين المجوس ، وألف باذنجانة محدثة.

(قوله : جهة جامعة) أى وصف له خصوص يجمعهما فى العقل ، أو الوهم ، أو الخيال ، ويقرب أحدهما من الآخر ، ولا يكفى مطلق ما يجتمعان فيه ؛ لأن كل شيئين لا بد من اجتماعهما فى شىء حتى الضب والنون فإنهما يجتمعان فى الحيوانية ، وعدم الطائرية مثلا ، ولا يكفى فى قبول عطفهما حتى يراعى ما هو أخص كالضدية بينهما ، وسيأتى تحقيق ذلك إن شاء الله (قوله : لما بين الكتابة إلخ) أى : وإنما كان فى هذا المثال

٤٥٣

من التضاد ، بخلاف نحو : زيد يكتب ويمنع ، أو يعطى ويشعر ، وذلك لئلا يكون الجمع بينهما كالجمع بين الضب والنون.

وقوله : [ونحوه] أراد به ما يدل على التشريك ؛ كالفاء ، وثم ، وحتى ؛ وذكره حشو مفسد ؛ ...

______________________________________________________

جهة جامعة لما بين الكتابة والشعر من التناسب الظاهر ؛ وذلك لأن كلا منهما إنشاء كلام لأن المراد بالكتابة فى هذا المقام إنشاء النثر ، كما أن الشعر إنشاء النظم ، والتناسب المذكور أمر يوجب اجتماعهما فى المفكرة عند أربابهما ، وحينئذ فيكون الجامع بين المسندين فى المثال المذكور خياليا ، وأما الجامع بين المسند إليهما فعقلى كما يعلم مما يأتى (قوله : من التضاد) أى الموجب للتلازم خطورا بالبال إذ ضد الشىء أقرب خطورا بالبال عند خطوره فهما متناسبان ، والتناسب أمر يوجب جمعهما فى المفكرة فيكون الجامع خياليا ، وذكر المصنف مثال العطف فى الجمل عند وجود الجامع ، وترك مثال عطف المفرد على مثله عند وجود الجهة الجامعة بينهما ، ومثاله : جاء زيد وابنه وتكلم عمرو وأبوه ، فالجهة الجامعة بين زيد وابنه وعمرو وأبيه التضايف وهو أمر يوجب اجتماعهما فى المفكرة ، وحينئذ فيكون الجامع بينهما خياليا (قوله : بخلاف نحو زيد يكتب ويمنع إلخ) هذا بالنسبة للجمل ؛ وبخلاف ما لو قيل فى المفردين : جاءنى زيد وحمار أو زيد وعمرو ، حيث لا صداقة بينهما ولا عداوة فإنه لا يقبل (قوله : وذلك) أى ووجه ذلك أى اشتراط الجهة الجامعة (قوله : لئلا يكون الجمع بينهما) أى عند انتفاء الجهة الجامعة (قوله : كالجمع بين الضب والنون) فى عدم التناسب ؛ لأن النون وهو الحوت حيوان بحرى لا يعيش إلا فى الماء والضب حيوان برى لا يشرب الماء ، وإذا عطش روى بالريح ، فلا مناسبة بينهما (قوله : ما يدل على التشريك) أى : فى الحكم (قوله : وحتى) أى بناء على أنه يعطف بها الجمل كما فى قولك فعلت معه كل ما أقدر عليه حتى خدمته بنفسى أو مطلقا ؛ لأن الشرط يعبر فى المفردات أيضا.

(قوله : وذكره حشو إلخ) هذا الاعتراض إنما جاء من جعل قوله" ونحوه" عطفا على قوله" بالواو" وهو غير متعين لجواز أن يكون عطفا على مقبولا فيكون التقدير ،

٤٥٤

لأن هذا الحكم مختص بالواو ؛ لأن لكل من الفاء ، وثم ، وحتى معنى محصلا غير التشريك والجمعية ، فإن تحقق هذا المعنى حسن العطف ، وإن لم توجد جهة جامعة بخلاف الواو.

______________________________________________________

وشرط كونه مقبولا ، وكونه نحو المقبول ، والمراد بنحو المقبول على هذا ألّا يبلغ النهاية فى القبول بأن يكون مستحسنا فقط ، كذا قيل وفيه نظر ؛ لأن المقبول يشمل المستحسن والكامل ، والأحسن أن يجعل قوله" ونحوه" عطفا على الضمير فى" كونه" والتقدير : وشرط كون نحوه مقبولا ويكون الضمير فى نحوه عائدا على العطف بين الجملتين ، ونحو ذلك العطف هو العطف بين المفردين فيكون إشارة لما قلناه من العطف فى المفردات ، أو يجعل عطفا على قوله" بالواو" ويراد بنحو الواو ما يستعمل مرادفا لها مجازا ، كأو والفاء فى بعض الصور ، لا ما يدل على التشريك وحينئذ فلا يكون قوله ونحوه حشوا مفسدا (قوله : لأن هذا الحكم) أى الشرط ولو عبر به كان أولى (قوله : محصلا) بفتح الصاد أى حصله الواضع ووضع له هذه الحروف ، وذلك كالترتيب مع التعقيب بالنسبة للفاء ، والترتيب مع التراخى بالنسبة لثم ، وترتيب الأجزاء فى الذهن بالنسبة لحتى (قوله : غير التشريك) أى زائدا عليه.

والمراد بالتشريك : التشريك فى حكم الإعراب ، وبالجمعية الاجتماع فى المقتضى للإعراب وحينئذ فالعطف مرادف ، والحاصل أن التشريك فى حكم الإعراب موجود فى جميع حروف العطف ، لكن ثم والفاء وحتى لها معان أخر غير التشريك (قوله : فإن تحقق هذا المعنى) أى : وقصد التشريك (قوله : وإن لم توجد جهة جامعة) أى : أمر يجمعهما فى العقل أو فى الوهم أو فى الخيال ، ويقرب أحدهما من الآخر أى غير التشريك ، إذ هو لازم لكل عطف بأى حرف كان (قوله : بخلاف الواو) أى : فإنه لا يحسن العطف بها إلا إذا وجدت الجهة الجامعة بين المسند إليهما والمسندين فى الجملتين ، ولا يكفى لصحة العطف مجرد تحقق الجامع بين المسندين فقط أو المسند إليهما فقط كما صرح به الشارح آخر بحث الجامع ، لكن المستفاد من كلام العلامة السيد أن مجرد الاتحاد أو التناسب فى الغرض المصوغ له الجملة يكفى لصحة العطف سواء اتحد المسند

٤٥٥

(ولهذا) أى : ولأنه لا بد فى الواو من جهة جامعة (عيب على أبى تمام قوله :

لا والّذى هو عالم ، أن النّوى

صبر وأنّ أبا الحسين كريم) (١)

إذ لا مناسبة بين كرم أبى الحسين ، ومرارة النوى ، فهذا العطف غير مقبول ؛ سواء جعل عطف مفرد على مفرد ؛ كما هو الظاهر ، أو عطف جملة على جملة باعتبار وقوعه موقع مفعولى عالم ؛ ...

______________________________________________________

إليه فيهما أم لا وسواء اتحد المسند فيهما أم لا فتأمل. (قوله : أى ولأنه لا بد فى الواو) أى فى قبول العطف بالواو كان العطف بها فى الجملة التى لها محل من الإعراب أو فى المفرد (قوله : عيب على أبى تمام) أى نسب إليه العيب (قوله : قوله) أى من القصيدة التى مدح بها أبا الحسين محمد بن الهيثم ومطلعها :

أسقى طلولهم أجشّ هزيم

وغدت عليهم نضرة ونعيم

جادت معاهدهم بعهد سحابة

ما عهدها عند الدّيار ذميم

سفه الفراق عليك يوم تحملوا

وبما أراه وهو عنك حليم

ظلمتك ظالمة البرىء ظلوم

والظلم من ذى قدرة مذموم

زعمت هواك عفا الغداة كما عفا

عنها طلال باللوى ورسوم

لا والذى هو عالم أنّ النوى

صبر وأن أبا الحسين كريم

ما حلت عن سنن الوداد ولا غدت

نفسى على إلف سواك تحوم

(قوله : أن النوى صبر) النوى بالقصر الفراق ، ثم يحتمل أن الشاعر أراد نواه أو أراد نوى غيره أو ما هو أعم ، والصبر بكسر الباء الدواء المر ، وهو المراد هنا وحينئذ فالكلام من باب التشبيه البليغ بحذف الكاف ، أى أن فراق الأحبة كالصبر فى المرارة ، وأما الصبر بسكون الباء فهو تحمل المكاره والمشاق (قوله : إذ لا مناسبة إلخ) علة للمعلل مع علته (قوله : فهذا العطف) أى : فى قوله وأن أبا الحسين كريم (قوله : كما هو الظاهر) أى : لأن أن تؤول مع خبرها بمفرد مضاف لاسمها (قوله : باعتبار وقوعه موقع مفعولى عالم) أى وسده مسدهما ، والمفعولان أصلهما المبتدأ والخبر ، وعلى هذا يكون فى

__________________

(١) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص ٣ / ٢٩٠ ، ودلائل الإعجاز ص ١٧٣.

٤٥٦

لأن وجود الجامع شرط فى الصورتين.

[الفصل لعدم الاشتراك فى الحكم] :

وقوله : [لا] نفى لما ادعته الحبيبة عليه من اندراس هواه ؛ بدلالة البيت السابق ...

______________________________________________________

تأويل عطف الجملة على أخرى باعتبار الأصل (قوله : لأن وجود إلخ) هذا تعليل للتعميم أى وإنما عيب عليه سواء كان العطف من قبيل عطف المفرد أو الجملة ؛ لأن وجود الجامع شرط فى الصورتين أى شرط فى قبول العطف فى الصورتين ، وهما عطف المفرد وعطف الجملة ، يعنى ولا جامع هنا بين المتعاطفين ، وقد انتصر بعض الناس لأبى تمام فقال الجامع : خيالى لتفاوتهما فى خيالى أبى تمام ، أو وهمى وهو ما بينهما من شبه التضاد ؛ لأن مرارة النوى كالضد لحلاوة الكرم ؛ لأن كرم أبى الحسين حلو ، ويدفع بسببه ألم احتياج السائل والصبر مر ، ويدفع به بعض الآلام أو التناسب ؛ لأن كلّا دواء فالصبر : دواء العليل ، والكرم دواء الفقير. وكل هذه تكلفات باردة إذ المعتبر المناسبة الظاهرة القريبة فإن قلت حيث كان بين المتعاطفين هنا مناسبة ؛ وإن كانت بعيدة كيف يصح نفى الشارح للمناسبة من أصلها بقوله : إذ لا مناسبة بين كرم أبى الحسين ومرارة النوى؟ قلت مراده نفى المناسبة الظاهرة لا مطلقا ففى كلامة حذف الصفة أى إذ لا مناسبة ظاهرة بين كرم إلخ فلا ينافى أن هناك مناسبة خفية بعيدة ، كذا قرر شيخنا العلامة العدوى.

[الفصل لعدم الاشتراك فى الحكم] :

(قوله : وقوله لا) أى وقول أبى تمام فى أول البيت لا فلا مقول القول فى محل نصب ، وقوله نفى خبر المبتدأ الذى هو قوله (قوله : من اندراس هواه) أى وده ومحبته ، وهذا بيان لما ادعته (قوله : بدلالة إلخ) متعلق بنفى أى إنما كان نفيا لما ادعته ، بسبب دلالة البيت السابق وهو قوله :

زعمت هواك عفا الغداة كما عفا

عنها طلال باللوى ورسوم

فاعل زعمت الحبيبة ، وهواك : مفعول أول ، والخطاب للذات التى جردها من نفسه ، أو أنه التفت من التكلم للخطاب ، وجملة عفا : مفعول ثان بمعنى اندرس ، والغداة

٤٥٧

(وإلا) أى : وإن لم يقصد تشريك الثانية للأولى فى حكم إعرابها (فصلت) الثانية (عنها) لئلا يلزم من العطف التشريك الذى ليس بمقصود (نحو : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) ...

______________________________________________________

ظرف لعفا ، وعنها بمعنى منها أى من الديار حال من طلال مقدمة عليه ، والطلال بكسر الطاء : جمع طلل كجبل وجبال ما شخص من آثار الديار وهو فاعل عفا الثانى ، واللوى بالقصر : اسم موضع والباء فيه بمعنى فى ، والرسوم بضم الراء جمع رسم كفلوس جمع فلس ما التصق بالأرض من آثار الديار ، وهو عطف على طلال وجواب القسم فى البيت الذى ذكره المصنف قوله بعد :

ما حلت عن سنن الوداد ولا غدت

نفسى على إلف سواك تحوم

السنن الطريقة ، والألف : المألوف وهو متعلق بتحوم وغدت بمعنى صارت وتحوم أى تدور وتطوف خبر غدت.

ومعنى هذه الأبيات الثلاثة : زعمت الحبيبة أن هواك يا أبا تمام قد اندرس كما اندرس آثار ديارها التى بهذا الموضوع ، فقلت لها : ليس الأمر كذلك وأقسم بالله الذى هو عالم بأن الفراق مر المذاق ، وأن أبا الحسين الممدوح كريم ما بعدت عن طريق المحبة ، ولا صارت نفسى تلتفت إلى غيرك (قوله : وإلا فصلت) أى : وجوبا وظاهره كان بينهما جهة جامعة أم لا ، والمراد بوجوب الفصل ترك العطف لا ترك الحرف الذى قد يكون عاطفا إذ لا مانع من الإتيان بالواو على أنها للاستئناف فإنها تكون له ، وكان ينبغى للمصنف أن يقول" وإلا لم تعطف" لمناسبة قوله سابقا" عطفت عليها" أو يبدل قوله سابقا" عطفت" بوصلت لمناسبة قوله هنا" فصلت" (قوله : فى حكم إعرابها) أى فى موجبه (قوله : لئلا يلزم إلخ) أى لأن عطف الشىء على الشىء بالواو وشبهها يوجب التشريك فى الحكم فإذا لم يقصد وجب تركه ، لاقتضائه خلاف المراد (قوله : الذى ليس بمقصود) أى لأن القصد الاستئناف (قوله : (وَإِذا خَلَوْا) إلخ) ضمن خلوا معنى أفضوا فعدى بإلى ، وإلا فكان حقه التعدية بالباء ، أى وإذا أفضى المنافقون إلى شياطينهم من الكافرين فى خلوة عن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو أن قوله : إلى شياطينهم

٤٥٨

(قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(١) لم يعطف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على (إِنَّا مَعَكُمْ ؛) لأنه ليس من مقولهم فلو عطف عليه لزم تشريكه له فى كونه مفعول (قالُوا) فيلزم أن يكون مقول قول المنافقين ؛ وليس كذلك ، وإنما قال : على (إِنَّا مَعَكُمْ) دون (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ؛) لأن قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بيان لقوله : (إِنَّا مَعَكُمْ ...)

______________________________________________________

متعلق بمحذوف أى وإذا خلا المنافقون من المؤمنين ورجعوا إلى شياطينهم أى رءوسائهم من الكافرين كذا قرر شيخنا العدوى (قوله : (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ)) أى بقلوبنا من حيث الثبات على الكفر وعداوة المسلمين (قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)) أى بالمسلمين فيما نظهر لهم من المداراة (قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)) أى يجازيهم بالطرد من رحمته فى مقابلة استهزائهم بالمؤمنين ، ودين الإسلام ، ففى الكلام مشاكلة ، وإلا فالاستهزاء مستحيل على الله (قوله على : (إِنَّا مَعَكُمْ)) أى الذى هو محكى بالقول وقضيته أن إنا معكم وحده له محل من الإعراب ؛ لأن الكلام فى العطف على ما له محل مع أنه جزء المقول ، فقضية كلامه أن جزء المقول له محل وسيأتى للشارح كلام يتعلق بذلك عند قوله : (وقال رائدهم أرسوا نزاولها) وكلام السيد فيما يأتى يشعر بأن له محلا ويحتمل أن مراد المصنف على (إِنَّا مَعَكُمْ) إلخ هذا وجعل (إِنَّا مَعَكُمْ) له محل ، أو ليس له محل إنما هو بالنظر للحكاية ، لا بالنظر للمحكى ؛ لأن جملة (إِنَّا مَعَكُمْ) مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، وجملة (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) تابعة لها فلا محل لها أيضا (قوله : لأنه) أى لأن قوله الله يستهزئ بهم (قوله : ليس من مقولهم) أى : حتى يعطف على مقولهم ، بل من مقول الله سبحانه وتعالى ، (قوله : فيلزم أن يكون) أى : الله يستهزئ بهم (قوله : وليس كذلك) أى ليس الواقع ذلك أى كونه مقولا لهم ، ويصح أن يكون الضمير فى ليس للكون ، والإشارة للواقع ونفس الأمر ، والكاف زائدة على كلا الاحتمالين (قوله : وإنما قال إلخ) أى وإنما قال المصنف لم يعطف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على (إِنَّا مَعَكُمْ) ولم يقل لم يعطفه على (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ). (قوله : بيان لقوله إنا معكم إلخ)

__________________

(١) البقرة : ١٤ ، ١٥.

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه نظر ؛ لأن عطف البيان فى الجمل لا بد فيه من وجود الإبهام الواضح فى الجملة الأولى كما سيأتى فى قول المصنف أو بيانا لها لخفائها ، ولم يوجد هنا فى الجملة الأولى إبهام واضح ، ومن ثم ذهب بعضهم إلى أن جملة (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) تأكيد للجملة الأولى ، أو بدل اشتمال منها ، أو مستأنفة استئنافا بيانيا ، ووجه الأولى أن الاستهزاء بالإسلام يستلزم نفيه ، ونفيه يستلزم الثبات على الضلال الذى هو الكفر ، وهو معنى قوله (إِنَّا مَعَكُمْ) ووجه الثانى : ـ وهو كون الثانية بدل اشتمال ـ أن الثبات على الكفر يستلزم تحقير الإسلام والاستهزاء به فبينهما تعلق وارتباط. ووجه الثالث : أن الجملة الثانية واقعة فى جواب سؤال مقدر تقديره إذا كنتم معنا فما بالكم تقرون لأصحاب محمد بتعظيم دينهم وباتباعه فقالوا (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) وليس ما ترونه منا باطنيا.

فعلى هذا الاحتمال لو عطف عليها أيضا قوله (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) كانت الجملة مقولا لهم ؛ لأن الجملة الاستئنافية لا تكون إلا مقولة لقائل المستأنف عنها.

وأجيب بأن مراد الشارح بالبيان البيان اللغوى وهو الإيضاح لا الاصطلاحى ولا شك أن كلا من التأكيد ، وبدل الاشتمال ، والاستئناف يحصل به البيان المذكور ، وأما التأكيد : فلأن فيه رفع توهم التجوز أو السهو والبدل فيه بيان المشتمل عليه بالصراحة. والاستئناف : فيه بيان المسئول عنه المقدر كذا ذكر أرباب الحواشى لكن كلام الشارح فى شرح المفتاح يقتضى أن المراد بالبيان هنا الاصطلاحى ؛ وذلك لأنه قال الفرق بين الجمل الثلاث : أن فى الجملة البدلية استئناف القصة ، ومزيد الاعتناء بالشأن ، وفى الجملة البيانية مجرد إزالة الخفاء ، وفى الجملة المؤكدة إزالة توهم التجوز أو السهو أو الغفلة ، فنقول (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) إن اعتبر أنه باعتبار لازمه يقرر الثبات على اليهودية تكون مؤكدة ، وإن اعتبر اشتماله على أمر زائد على الثبات على اليهودية ، وهو تحقير الإسلام وتعظيم الكفر فيكون الاعتناء بشأنه أزيد تكون بدلا ؛ لكونها وافية بتمام المراد دون الأولى ، وإن اعتبر مجرد إزالة الخفاء عن المعية ، وأن المراد منها المعية فى القلب لا فى الظاهر تكون عطف بيان ، وإن اعتبر السؤال مقدرا كانت

٤٦٠