حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

ما ضرب أحد ، وفى نحو : ما كسوته إلا جبة : ما كسوته لباسا ، وفى نحو : ما جاء إلا راكبا : ما جاء كائنا على حال من الأحوال ، وفى نحو : ما سرت إلا يوم الجمعة : ما سرت وقتا من الأوقات ؛ وعلى هذا القياس (و) فى (صفته) يعنى : الفاعلية ، والمفعولية ، والحالية ؛ ونحو ذلك. وإذا كان النفى متوجها إلى هذا المقدر العام المناسب للمستثنى فى جنسه وصفته (فإذا أوجب منه) أى : من ذلك (المقدر شىء بإلا جاء القصر) ضرورة بقاء ما عداه على صفة الانتفاء (وفى إنما يؤخر المقصور عليه ؛ تقول : إنما ضرب زيد عمرا) ...

______________________________________________________

جنسه يقتضى أن الجنس غير المقدر مع أنه نفس المقدر ، وحاصل الجواب أن فى الكلام حذفا أى : فى كونه جنسه ـ كذا قرر شيخنا العدوى ـ رحمه‌الله.

(قوله : ما ضرب أحد) أى : فأحد عام شامل لزيد وغيره ومناسب له من حيث إنه جنس له أى : صالح لأن يحمل عليه ـ وكذا يقال فيما بعده. (قوله : وعلى هذا القياس) أى : فيقدر فى : ما صليت إلا فى المسجد ما صليت فى مكان إلا فى المسجد ، وفى : ما طاب زيد إلا نفسا ما طاب زيد شيئا إلا نفسا ، وفى : ما أعطى إلا درهما ما أعطى شيئا إلا درهما ، وفى : ما مررت إلا بزيد : ما مررت بأحد إلا بزيد ، وفى : ما زيد إلا قائم ـ ما زيد حقيقة من الحقائق التى يظن كونه إياها إلا قائم أى : إلا حقيقة قائم ويقدر فى مثل : ما اشتريت من الجارية إلا نصفها ما اشتريت جزءا منها ، ثم إن ما ذكر من التقدير فى المفردات واضح ، وأما فى الجمل كما إذا قيل : ما جاء زيد إلا وهو يضحك ، فيحتمل أن يؤول المستثنى بالمفرد أى : ما جاء كائنا على حال إلا كائنا على حال الضحك أو يقدر ما جاء وهو يفعل شيئا من الأشياء إلا وهو يضحك.

(قوله : ونحو ذلك) أى : كالظرفية (قوله : فإذا أوجب) أى : أثبت من ذلك المقدر ، والفاء رابطة لهذا الكلام بالشرط الذى قدره الشارح (قوله : بإلا) أى : بواسطة إلا (قوله : بقاء ما عداه) أى : ما عدا ذلك الشىء المثبت ، وقوله على صفة الانتفاء الإضافة فيه بيانية ، ولا شك أن نفى الحكم عن غير الموجب وإثباته لذلك الموجب هو عين القصر (قوله : وفى إنما إلخ) عطف على قوله ففى الاستثناء أى : وفى القصر بإنما (قوله : يؤخر المقصور عليه) أى : يكون المقصور عليه هو الجزء الأخير ، والمراد بالجزء

٣٠١

فيكون القيد الأخير بمنزلة الواقع بعد إلا فيكون هو المقصور عليه (ولا يجوز تقديمه) أى : تقديم المقصور عليه بإنما (على غيره للإلباس) كما إذا قلنا فى إنما ضرب زيد عمرا : إنما ضرب عمرا زيد ، بخلاف النفى والاستثناء ؛ فإنه لا إلباس فيه ؛ إذ المقصور عليه هو المذكور بعد إلا سواء قدم أو أخر ، وهنا ...

______________________________________________________

الأخير ما يكون فى الآخر جزاء بالذات عمدة أو فضلة لا ما كان مذكورا فى آخره فقط ، فإن الموصول المشتمل على قيود متعددة جزء واحد ، وكذلك الموصوف مع صفته فالمقصور عليه فى قولنا : إنما جاءنى من أكرمته يوم الجمعة أمام الأمير هو الفاعل أعنى الموصول مع الصلة وفى قولنا : إنما جاءنى رجل عالم هو الموصوف مع صفته ، وإنما أخر المقصور عليه دون المقصور ؛ لأن المقصور مقدم طبعا فقدم وضعا ليوافق الوضع الطبع ومحل تأخير المقصور عليه فى إنما حيث استفيد القصر منها فقط ولم يعرض عارض لتقديمه ، وإنما قيدنا بقولنا حيث يستفاد منها القصر فقط احترازا من نحو : قولنا : إنما زيدا ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد فقد تقدم المقصور عليه على المقصور مع إنما ؛ لأنها غير مفيدة للقصر ، بل المفيد للقصر هنا التقديم وقولنا ولم يعرض عارض لتقديمه لإخراج نحو قولك : إنما قمت أى : لا أنى قعدت ، فإن الفاعل هنا محصور فى الفعل ، وقدم الفعل عليه لعدم صحة تقديم الفاعل عليه ، فعلم من هذا أن المقصور معها قد يؤخر ويقدم المقصور عليه لعارض ، فإن قلت لم لم يكن المثال المذكور من حصر الفعل فى الفاعل فيكون جاريا على الأصل فى إنما من تقديم المحصور وتأخير المحصور فيه؟ قلت : لأن الضمير مع إنما يجب فصله إذا قصد الحصر فيه ، فإن اتصل تعين أن يكون مقصورا (قوله : فيكون القيد الأخير) يعنى ما أخر من فاعل أو مفعول لما تقدم أن كلا من الفاعل والمفعول قيد للفعل والفعل مقيد بهما.

(قوله : للإلباس) أى : إفهام خلاف المراد فى التقديم ؛ وذلك لأن كلا من الفاعل والمفعول الواقعين بعد الفعل يجوز أن يكون هو المقصور عليه دون الآخر ولم يقترن أحدهما بقرينة تدل على كونه هو المقصور عليه فقصدوا أن يجعلوا التأخير علامة القصر على ذلك المؤخر فالتزموه فى مواطن مع إنما فلو قلت : إنما ضرب زيد عمرا كان عمرا

٣٠٢

ليس إلا مذكورا فى اللفظ بل متضمنا.

(وغير كإلا فى إفادة القصرين) قصر الموصوف على الصفة ، وقصر الصفة على الموصوف ؛ إفرادا ، وقلبا ، وتعيينا (و) فى (امتناع مجامعة لا) العاطفة لما سبق ؛ فلا يصح : ما زيد غير شاعر لا كاتب ، ولا ما شاعر غير زيد لا عمرو.

______________________________________________________

المحصور فيه ولو قدمت عمرا كان زيد هو المحصور فيه ، وانعكس المعنى المراد ؛ لأن المقصود حصر ضرب زيد فى عمرو وتقديم عمرو يفيد حصر مضروبية عمرو فى زيد ولم يجعلوا تقديم أحدهما على إنما أمارة على أن ما بعدها هو المقصور عليه كما تقدم فى النفى والاستثناء لكون إنما لا تقع إلا فى صدر الكلام ، ولا يقال : إن دفع الإلباس كما يحصل باشتراط كون المقصور عليه هو المؤخر يحصل باشتراط كونه هو المقدم فلم اشترط تأخيره ؛ لأنا نقول الترتيب الطبيعى يقتضى تقديم المقصور على المقصور عليه كما مر ، فتعين أن يكون طريقة القصر بإنما أن يذكر المقصور بعدها ويذكر بعده المقصور عليه (قوله : ليس إلا مذكورا فى اللفظ) أى : ليس لفظ إلا مذكورا فى الكلام وقوله بل متضمنا أى : بل تضمنه معنى الكلام.

(قوله : وغير كإلا) أى : ولفظ غير كلفظ إلا أى الاستثنائية لأنها هى التى تفيد القصرين بخلاف إلا التى تقع صفة ، وإنما خص غير بالذكر دون بقية أدوات الاستثناء ؛ لأنه لا يستعمل فى التفريغ من أدوات الاستثناء غير إلا غيرها وهذا مبنى على أن سوى ملازمة للنصب على الظرفية وإلا فهى كغير فى إفادة القصرين (قوله : قصر الموصوف إلخ) نحو : ما زيد غير عالم وما كريم غير زيد فقد قصر فى الأول زيد على العلم وفى الثانى الكرم على زيد (قوله : إفرادا وقلبا وتعيينا) ظاهره أنها لا تستعمل للقصر الحقيقى ؛ لأن الإفراد والقلب والتعيين أقسام للإضافى ـ وليس كذلك ، فكان الأولى أن يقول ويكون حقيقيا نحو لا إله غير الله وما خاتم الأنبياء غير محمد وغير حقيقى إفرادا إلخ (قوله : لما سبق) أى : من أن شرط المنفى بلا أن لا يكون منفيا قبلها بغيرها (قوله : فلا يصح ما زيد إلخ) أى : فلا يصح أن يقال فى قصر الموصوف : ما زيد شاعر لا كاتب ، ولا يصح أن يقال فى قصر الصفة : ما شاعر غير زيد لا عمرو ، وذلك لفقد الشرط السابق ، والله أعلم.

٣٠٣

القول فى الإنشاء] :

[الإنشاء] :

اعلم أن الإنشاء قد يطلق على نفس الكلام الذى ليس لنسبته خارج تطابقه ، أو لا تطابقه. وقد يقال على ما هو فعل المتكلم ؛ أعنى : إلقاء مثل هذا الكلام ؛ ...

______________________________________________________

[الإنشاء]

هذه ترجمة وهو الباب السادس من الأبواب الثمانية المذكورة أول الكتاب ، فهو اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعانى المخصوصة. (قوله : اعلم أن الإنشاء إلخ) أعاد المظهر إشارة إلى أنه ليس المراد الإنشاء بالمعنى المتقدم ، بل بمعنى اللفظ أى : اعلم أن لفظ إنشاء ، وقوله يطلق أى : اصطلاحا ، وأما لغة : فهو الابتداع والاختراع.

(قوله : الذى ليس لنسبته) أى : ليس للنسبة المفهومة منه وهى النسبة الكلامية ، وقوله خارج أى : نسبة خارجية (قوله : تطابقه) هو محط النفى وإلا فالإنشاء لا بد له من نسبة خارجية تارة لا تكون مطابقة لنسبته الكلامية ، وتارة تكون مطابقة لها إلا أنه لا يقصد مطابقتها لها ، فاضرب مثلا نسبته الكلامية طلب الضرب ولا بد له من نسبة خارجية ، فإن كان المتكلم طالبا للضرب فى نفسه كانت الخارجية طلب الضرب أيضا وكانت مطابقة الكلامية إلا أنه لم يقصد مطابقتها لها وإن كان المتكلم غير طالب له فى نفسه كانت الخارجية عدم الطلب فلم يكونا متطابقين ، فإن قصد المتكلم المطابقة فى القسم الأول كان من باب استعمال الإنشاء فى الخبر لقصد حكاية تحقق النسبة الحاصلة فى الخارج كما مر أول الكتاب فى التنبيه. إذا علمت هذا فقوله تطابقه أعنى أى : تقصد مطابقته أو لا تقصد مطابقته فلا بد من هذا (قوله : وقد يقال) أى : وقد يطلق الإنشاء على ما أى : على شىء هو فعل المتكلم أعنى : الإتيان بالكلام الذى ليس لنسبته خارج إلخ ، وليس المراد فعل المتكلم المطلق ، وقول الشارح أعنى إلقاء مثل هذا الكلام لفظ مثل ـ فيه مقحمة ؛ لأن الكلام الذى ليس لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه أمر كلى لا

٣٠٤

كما أن الإخبار كذلك. والأظهر أن المراد هاهنا هو الثانى ؛ بقرينة تقسيمه إلى الطلب ، وغير الطلب ، وتقسيم الطلب إلى التمنى ، والاستفهام ، وغيرهما ؛ والمراد بها معانيها المصدرية ...

______________________________________________________

مثل له ، ولذا أسقطها فى المطول (قوله : كما أن الإخبار كذلك) أى : يطلق على الكلام الخبرى الذى لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه أمر كلى لا مثل له ، ولذا أسقطها فى المطول (قوله : كما أن الإخبار كذلك) أى : يطلق على الكلام الخبرى الذى لنسبته خارج تطابقه أولا تطابقه وعلى إلقاء نفس هذا الكلام المذكور ، وانظر ما وجه الجمع بين كما وكذلك ، مع أن اللفظ الأول يقتضى تشبيه الإنشاء بالإخبار ولفظ كذلك يقتضى العكس ؛ لأن مقتضى كما أن الإنشاء مشبه والخبر مشبه به ومفاد قوله كذلك العكس (قوله : والأظهر أن المراد) أى : بالإنشاء هاهنا أى : فى قول المصنف الآتى إن كان طلبا ، وليست الإشارة للترجمة كما يوهمه كلام الشارح ؛ لأن الإنشاء الواقع ترجمة لا يصح أن يراد به واحد من هذين الأمرين ، وقوله هو الثانى أى : فعل المتكلم لا الكلام الذى ليس لنسبته خارج ، فمحصله أن فى كلام المصنف استخداما حيث ذكر الإنشاء أولا ، على أنه ترجمة بمعنى الألفاظ المخصوصة الدالة على المعانى المخصوصة ، ثم أعاد عليه الضمير بمعنى : آخر وهو فعل المتكلم أعنى : إلقاء الكلام الإنشائى والتلفظ به (قوله : بقرينة تقسيمه) أى : تقسيم المصنف الإنشاء (قوله : وغير الطلب) إظهار فى محل الإضمار ، فالأولى : وغيره ، والمراد بذلك الغير ما ذكره الشارح من أفعال المقاربة وأفعال المدح والذم وصيغ العقود إلخ (قوله : وتقسيم الطلب) من إضافة المصدر لمفعوله أى : وتقسيم المصنف الطلب إلخ (قوله : وغيرهما) أى : كالأمر والنهى والنداء (قوله : والمراد بها) أى : بالتمنى والاستفهام وغيرهما وهذا فى معنى العلة أى لأن المراد بها إلخ أى إنما كان ذلك التقسيم قرينة دالة على ما ذكر ؛ لأن المراد إلخ أى : وإذا كانت هذه الأقسام بمعانيها المصدرية كان المقسم كذلك لئلا يكون بين المقسم والأقسام تباين (قوله : معانيها المصدرية) أعنى : الإلقاآت ، فسياقه يقتضى أن التمنى بالمعنى المصدرى إلقاء عبارة التمنى ، والاستفهام كذلك : إلقاء عبارة الاستفهام ، وهكذا فيكون التمنى والاستفهام

٣٠٥

لا الكلام المشتمل عليها ؛ بقرينة قوله : واللفظ الموضوع له كذا وكذا ؛ لظهور أن لفظ ليت مثلا مستعمل لمعنى التمنى ، لا لقولنا : ليت زيدا قائم ؛ فافهم. فالإنشاء

______________________________________________________

وغيرهما تطلق على إلقاآت التراكيب المخصوصة ، كما تطلق على الأحوال القلبية كطلب الأمر المحبوب بالنسبة للتمنى ، وطلب التفهيم بالنسبة للاستفهام ، وهكذا ، ولا مانع من ذلك (قوله : لا الكلام المشتمل عليها) أى : على أدواتها (قوله : بقرينة قوله واللفظ الموضوع له كذا) فيه أن هذا لا يصح أن يكون قرينة لما ادعاه ؛ لأن المتبادر أن اللام فى قوله الموضوع له للتعدية ، ومن المعلوم أن الذى وضع له ليت مثلا الطلب القلبى لا إلقاء الكلام المخصوص وهو الذى فيه ليت اللهم إلا أن يتكلف بجعل اللام للعلة الغائبة لا للتعدية ، والمعنى : أن اللفظ الموضوع لأجل القاء وإيجاد كلام التمنى ليت ، والمراد بكلام التمنى الكلام الذى فيه أداته ، وكذا يقال فى قوله : واللفظ الموضوع للاستفهام هل وهذا (قوله : لظهور إلخ) أى : وإنما كان قوله واللفظ الموضوع له كذا قرينة على أن المراد بالتمنى والاستفهام وغيرهما معانيها المصدرية وهو إلقاء كلامها ، لا الكلام المشتمل على أدواتها لظهور أن لفظ ليت إلخ.

(قوله : مستعمل لمعنى التمنى) أى : فى معنى التمنى وإضافة معنى للتمنى بيانية أى : مستعمل فى معنى هو التمنى الذى هو بالمعنى المصدرى أعنى : إلقاء نحو : ليت زيدا قائم هذا ما يقتضيه سياقه وهو غير مسلم ، فإن ليت لم تستعمل فى فعل المتكلم الذى هو إلقاء هذا الكلام ، وإنما تستعمل فى نفس التمنى الذى هو الحالة القلبية ، ولذلك يقال : إن ليت تتضمن معنى أتمنى ، إن قلت نجعل اللام فى قوله لمعنى التمنى للعلة لا للظرفية والمعنى لظهور أن ليت تستعمل لأجل إلقاء التمنى قلت : هذا التأويل وإن صح به كلام الشارح هنا ، لكنه لا يناسب قوله : بعد لا لقولنا إلخ ـ تأمل.

(قوله : لا لقولنا ليت إلخ) أى : لا فى قولنا أى : مقولنا إلخ (قوله : فالإنشاء) أى : إلقاء الكلام الإنشائى وتقسيمه للطلب وغيره ظاهر ؛ لأن الإلقاء عين الطلب فى الخارج وإن اختلفا مفهوما ، فإن قلت : إن تقسيم المصنف فى أول الفن الكلام التام إلى الخبر والإنشاء يقتضى أن المراد بالإنشاء المقسم لما ذكره الكلام الإنشائى كالخبر لا إلقاء

٣٠٦

إن لم يكن طلبا كأفعال المقاربة ، وأفعال المدح والذم ، وصيغ العقود ، والقسم ، ورب ؛ ونحو ذلك فلا يبحث عنها هنا لقلة المباحث البيانية المتعلقة بها ، ولأن أكثرها فى الأصل أخبار ...

______________________________________________________

الكلام المذكور ، وإلا لزم أن هذا الفن باحث عن غير أحوال اللفظ العربى ؛ لأن الإلقاء من أحوال الشخص. قلت : المقصود هنا البحث عن أحوال إلقاء الكلام الإنشائى وهو يجر للبحث عن أحوال اللفظ العربى ؛ لأن علل الإلقاء المذكور تجر إلى علل الملقى (قوله : إن لم يكن طلبا إلخ) أشار بهذا إلى أن قسيم قول المصنف إن كان طلبا محذوف لعدم البحث عنه هاهنا (قوله : كأفعال المقاربة) أى : كإلقاء أفعال المقاربة ، وكذا يقال فيما بعده ، وإنما احتيج لذلك ؛ لأن الإلقاء المذكور هو الذى يصبح جعله قسما من الإنشاء بمعنى إلقاء الكلام الإنشائى ، وقوله كأفعال المقاربة أى : كبعض أفعال المقاربة أى : كبعض أفعال المقاربة ، إذ الإنشاء إنما يظهر فى أفعال الرجاء وهى : عسى ، وحرى ، واخلولق ـ ولا يظهر فى غيرها من أفعال الشروع والمقاربة (قوله : وأفعال المدح والذم) أى : كإلقاء نعم وبئس لإفادة المدح والذم (قوله : وصيغ العقود) أى : كبعت لإنشاء البيع ونكحت لإنشاء التزوج ، ولم يقل وأفعال : ليتناول المشتقات كأنا بائع وكالعقود الفسوخ (قوله : والقسم) أى : وكإلقاء جملة القسم كأقسم بالله لإفادة إنشاء القسم (قوله : ورب) أى وكإلقاء رب لإفادة إنشاء التكثير بناء على أنها للإنشاء باعتبار أنك إذا قلت مثلا : رب جاهل فى الدنيا فالمراد أنك تظهر كثرة الجاهلين ولا يعترضك تكذيب ولا تصديق فى ذلك الاستكثار ، وإن كان يعترض باعتبار وجودهم فى الدنيا نظرا لمدلول قولك فى الدنيا ، والحاصل أنه باعتبار نسبة الظرف إلى الجهال كلام خبرى يحتمل الصدق والكذب ، وأما باعتبار استكثار المتكلم إياهم فلا يحتملهما ؛ لأنه إنما استكثرهم ولم يخبر عن كثرتهم ، لكن المتبادر أنها للإخبار وأن الغرض الإخبار بالكثرة لا مجرد إظهار الاستكثار ، وحينئذ فيعترضه التصديق والتكذيب (قوله : ونحو ذلك) مثل فعلى التعجب وكم الخبرية المفيدة لإنشاء التكثير (قوله : لقلة المباحث البيانية المتعلقة بها) وذلك لقلة دورها على الألسنة ، وقد أطلق البيان على ما يعم المعانى (قوله : ولأن أكثرها)

٣٠٧

نقلت إلى معنى الإنشاء و (إن كان طلبا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب) لامتناع طلب الحاصل فلو استعمل صيغ الطلب لمطلوب حاصل امتنع إجراؤها على معانيها الحقيقية ، ...

______________________________________________________

أى : أكثر هذه الأشياء الإنشائية الغير الطلبية ، والمراد بذلك الأكثر ما عدا أفعال الترجى والقسم (قوله : نقلت إلى معنى الإنشاء) أى نقلت عن الخبرية إلى الإنشائية ، وحينئذ فيستغنى بأداتها الخبرية عن الإنشائية ؛ لأنها تنقل مستصحبة لما يرتكب فيها فى الخبرية.

(قوله : وإن كان طلبا استدعى إلخ) المناسب للمقابلة أن يقول : وإن كان طلبا فيبحث عنه هنا ، ولذا قال : إن كان إلخ ، والمراد بالطلب معناه الاصطلاحى أعنى : إلقاء الكلام المخصوص لا اللغوى الذى هو من فعل القلب ـ قاله الفنرى.

(قوله : استدعى مطلوبا) أى : استلزم مطلوبا أى : لأن الطلب نسبة بين الطالب والمطلوب ، فطلبك بدون أن يكون لك مطلوب مما هو محال عند العقل ، وأما كون غير المطلوب غير حاصل وقت الطلب فلما قال الشارح (قوله : غير حاصل) أى : فى اعتقاد المتكلم فيدخل فيه ما إذا طلب شيئا حاصلا وقت الطلب لعدم علم المتكلم بحصوله (قوله : وقت الطلب) لم يقل وقته لئلا يتوهم كونه فاعل حاصلا والضمير راجع للمطلوب ، وقوله غير حاصل إلخ صفة لمطلوب أى اقتضى مطلوبا من وصفه أنه غير حاصل وقت الطلب سواء طلب حصوله فيما مضى كما فى تمنى حصول ما لم يحصل كقولك ليتنى جئتك بالأمس أو فى المستقبل وهو ظاهر (قوله : لامتناع طلب الحاصل) فيه أن الممنوع تحصيل الحاصل لا طلب ذلك إلا أن يقال : المراد بالامتناع عدم اللياقة لا الامتناع العقلى ـ كذا قرر شيخنا ، وهو مبنى على أن المراد بالطلب الطلب اللفظى الذى كلامنا فيه ، ولك أن تحمله على الامتناع العقلى ، ويراد بالطلب الطلب القلبى ولا شك أن طلب تحصيل الحاصل بالطلب القلبى محال ؛ لأن الطلب القلبى : إما الإرادة أو المحبة والشهوة ، والإرادة لا تتعلق بالواقع والشهوة فى حصول المشتهى لا تبقى بعد حصوله ، وإنما تبقى شهوة دوامه ، وإن أريد بالطلب القلبى الكلام النفسانى فهو تابع لأحد هذين وينتفى بانتفائهما (قوله : لمطلوب) أى : لطلب مطلوب حاصل (قوله : امتنع إجراؤها)

٣٠٨

ويتولد منها بحسب القرائن ما يناسب المقام.

[أنواع الإنشاء] :

[الطلب] :

(وأنواعه) أى : الطلب (كثيرة ؛ منها : التمنى) وهو طلب حصول شىء على سبيل المحبة ...

______________________________________________________

أى : إجراء تلك الصيغ (قوله : ويتولد منها) أى : من تلك الصيغ ما يناسب المقام كطلب دوام الإيمان والتقوى فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ)(١) و (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ)(٢) ، ثم إن الغرض من ذكر هذه المقدمة التى ذكرها المصنف التمهيد لبيان المعانى المتولدة من صيغ الطلب المستعملة فى مطلوب حاصل.

(قوله : وأنواعه كثيرة) هى على ما ذكره المصنف خمسة : التمنى والاستفهام والأمر والنهى والنداء ، ومنهم من يجعل الترجى قسما سادسا ، ومنهم من أخرج التمنى والنداء من أقسام الطلب بناء على أن العاقل لا يطلب ما يعلم استحالته ، فالتمنى ليس طلبا ولا يستلزمه وأن طلب الإقبال خارج عن مفهوم النداء الذى هو صوت يهتف به الرجل وإن كان يلزمه ـ أ. ه فنرى.

[ومن أنواع الطلب : التمني] :

(قوله : منها التمنى) قدمه لعمومه ؛ لجريانه فى الممكن والممتنع ، وعقبه الاستفهام بكثرة مباحثه ، ثم بالأمر لاقتضائه الوجود ، ثم بالنهى لمناسبته له فى الأحكام. (قوله : وهو طلب إلخ) هذا يخالف مقتضاه سياق الشارح السابق وموافق لما قلناه سابقا من أن المراد الطلب القلبى ـ اللهم إلا أن يحمل الطلب فى التعريف على الطلب اللفظى وهو إلقاء الكلام ، فكأنه قال : وهو إلقاء كلام يدل على حصول شىء إلخ ، وقوله : وهو طلب حصول شىء أى : ولو على جهة النفى على سبيل المحبة إن قيل هذا التعريف غير مانع ؛ لأن طلب حصول الشىء على سبيل المحبة موجود فى بعض أقسام الأمر والنهى وغيره

__________________

(١) النساء : ١٣٦.

(٢) الأحزاب : ١.

٣٠٩

(واللفظ الموضوع له : ليت ولا يشترط إمكان المتمنى) ...

______________________________________________________

مما معه المحبة ، وبيان ذلك أن طلب حصول الشىء على سبيل المحبة إن كان مع طمع فى حصوله من المخاطب فأمر ، وإن كان مع طمع فى الترك معه فنهى ، إن كان مع الطمع فى إقباله فنداء ، وإن لم يكن طمع أصلا فهو التمنى فهذا تعريف بالأعم ، وهو وإن أجازه بعض المتقدمين ، لكن الأكثر من الناس على منعه قلت المحبة هنا الواقعة فى التعريف مقيدة بالتجرد عن الطمع ، وحينئذ فتخرج الأوامر والنواهى والنداآت التى وجدت المحبة فيها ، فإنها مصحوبة بالطمع ، أو أن المراد بقوله على سبيل المحبة أى : على طريق يفهم منه المحبة أو أن قيد الحيثية المعتبر فى التعريف يكفى فى دفع النقض ، إذ المعنى طلب حصول الشىء من حيث إنه محبوب ، ولذا يطلب المحال وهذا يخرج الأوامر والنواهى والنداء ؛ لأنها ليست طلبا لحصول الشىء من حيث إنه محبوب ، بل من حيث قصد وجوده أو عدم وجوده أو إقباله ـ تأمل.

(قوله : واللفظ الموضوع له) أى : للتمنى بالمعنى المصدرى أعنى : إلقاء كلامه كما فى سياق كلام الشارح ، والمعنى واللفظ الموضوع لأجل إلقائه وإيجاد كلام التمنى ليت ، فاللام فى قوله له للتعليل لا صلة للموضوع ؛ لأن ليت لم توضع لفعل المتكلم الذى هو إلقاء كلام التمنى ، وإنما وضعت لنفس التمنى الذى هو الحالة القلبية أعنى : الطلب القلبى المتعلق بالنسبة ، فإذا قيل : ليت لى مالا استفيد منه أن المتكلم تمنى وجود المال وليس إخبارا عن وجود التمنى مثل قولك : أتمنى ونحوه وإلا كانت ليت جملة ، بل هى حرف تصير به نسبة الكلام إنشاء بحيث لا يحتمل الصدق والكذب ، وتفيد أن المتكلم طالب لتلك النسبة ، وحينئذ فلا يقال للمتكلم بقولنا : ليت لى مالا أحج به إنه صادق أو كاذب فى نسبة الثبوت للمال ؛ لأنه متمن لتلك النسبة لا حاك لتحققها فى الخارج ، وإن كانت باعتبار ما وضعت له مستلزمة لخبر وهو أن هذا المتكلم يتمنى تلك النسبة ، ولهذا يقال : الإنشاء يستلزم الإخبار.

(قوله : ولا يشترط) أى : فى صحة التمنى (قوله : إمكان المتمنى) أى : إمكانه لذاته بأن يكون جائز الوجود والعدم ، بل يصح مع استحالته لذاته ، وأما وجوبه فقد

٣١٠

بخلاف المترجى (تقول : ليت الشباب يعود) ولا تقول : لعله يعود ، لكن إذا كان المتمنى ممكنا يجب أن لا يكون لك توقع وطماعية فى وقوعه ، وإلا لصار ترجيا

______________________________________________________

تقدم أن الحاصل يستحيل طلبه والواجب حاصل (قوله : بخلاف المترجى) أى : فإنه يشترط إمكانه كما أن الأمر والنهى والاستفهام والنداء يشترط فيها أن يكون المطلوب ممكنا فلا تستعمل صيغها إلا فيما كان كذلك ـ كما قال بعضهم ، ولعل مراده أن الأصل ذلك وإلا فالأمر بالمحال ، بل التكليف به واقع ، ثم إن قوله بخلاف المترجى يقتضى أن بين التمنى والترجى مشاركة فى مطلق الطلب ، وأنه لا فارق بينهما إلا اشتراط إمكان المترجى دون اشتراط إمكان المتمنى ـ وليس كذلك ، إذ الترجى ليس من أقسام الطلب على التحقيق ، بل هو ترقب الحصول.

قال الشيخ يس : إن كان المراد بالإمكان المنفى اشتراطه فى المتمنى الإمكان الخاص الذى هو سلب الضرورة عن الجانبين فهذا باطل ؛ لأنه حين نفى اشتراطه صدق بالواجب ، مع أنه لا يقع فيه التمنى ـ فلا يقال : ليت الله عالم ، ولا ليت الإنسان ناطق ويصدق بالممتنع ويقع فيه التمنى ، وإن كان المراد به الإمكان العام وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للنسبة ، فكذلك يصدق بالواجب ؛ لأن نفى اشتراط العام يستلزم نفى اشتراط الخاص ؛ لأن نفى الأعم يستلزم نفى الأخص ، والحاصل أنه يرد على كل من الاحتمالين أنه يصدق بالواجب مع أنه لا يتمنى ، وقد يقال : المراد الإمكان الخاص ولا يرد على الاحتمالين أنه يصدق بالواجب لخروجه بقوله قبل غير حاصل وقت الطلب ـ تأمل.

(قوله : تقول) أى : فى التمنى ليت الشباب يعود أى : مع أن عوده محال عادة ـ كذا فى ابن يعقوب ، وهو مبنى على أن المراد بالشباب قوة الشبوبية ، فإن عودها بالنوع محال عادة ممكن عقلا ، وفى عبد الحكيم : أن الشباب عبارة عن زمان ازدياد القوى النامية ـ كما مر فى المجاز العقلى ، وإعادة الزمان محال عقلا لاستلزامه أن يكون للزمان زمان (قوله : يجب أن لا يكون إلخ) لما تقدم أن المتمنى يجب أن لا يكون فيه طماعية (قوله : وإلا لصار ترجيا) أى وإلا بأن كان هناك طماعية فى الوقوع صار ترجيا ، وحينئذ

٣١١

(وقد يتمنى بهل ؛ نحو : هل لى من شفيع ؛ حيث يعلم أن لا شفيع) لأنه حينئذ يمتنع حمله على حقيقة الاستفهام لحصول الجزم بانتفائه. والنكتة فى التمنى بهل ، والعدول عن ليت ـ هو إبراز المتمنى ...

______________________________________________________

لا يستعمل فيه إلا الألفاظ الدالة على الترجى : كلعل وعسى مثلا إذا كنت تطلب حصول مال فى العام متوقعا وطامعا فى حصوله ، قلت : لعل لى مالا فى هذا العام أحج به ، وإن كان غير متوقع ولا طماعية لك فيه ـ قلت : ليت لى مالا ـ كذا قرر شيخنا العدوى ، وفى الفنرى : أنه إذا كان الأمر الممكن متوقعا يستعمل فيه : لعل ، وإن كان مطموعا فيه تستعمل فيه : عسى ، والفرق بين التوقع ، والطمع ـ أن الأول أبلغ من الثانى ، ولذا أخر الطماعية عن التوقع. ا ه كلامه.

ويؤخذ من قول الشارح لكن إن كان إلخ : التباين بين التمنى والترجى ؛ لأنهما وإن اشتركا فى طلب الممكن ، لكنهما متمايزان بما ذكره وعلى ما فى المطول وهو التحقيق من أن الترجى ليس بطلب ، بل هو ترقب الحصول يكون التباين بينهما أظهر والطماعية بتخفيف الياء ككراهية مصدر يقال : طمع فيه طمعا وطماعية.

(قوله : وقد يتمنى بهل) أى : على سبيل الاستعارة التبعية بأن شبه التمنى المطلق بمطلق استفهام بجامع مطلق الطلب فى كل شىء ، فسرى التشبيه للجزئيات ، فاستعيرت هل الموضوعة للاستفهام الجزئى للتمنى الجزئى أو على سبيل المجاز المرسل من استعمال المقيد فى المطلق ، ثم استعماله فى المقيد بيان ذلك أن هل لطلب الفهم ، فاستعملت فى مطلق الطلب ، ثم استعملت فى طلب حصول الشىء المحبوب من حيث اندراجه تحت المطلق فيكون مجازا بمرتبة أو من حيث خصوصه فيكون مجازا بمرتبتين لخروجه بقوله قبل غير حاصل وقت الطلب ـ تأمل.

(قوله : حيث يعلم إلخ) حيث ظرف لمحذوف أى : وإنما يقال هذا لقصد التمنى حيث يعلم إلخ ، وهذا إشارة لقرينة المجاز (قوله : لأنه حينئذ) أى : حين يعلم أنه لا شفيع وقوله لحصول الجزم بانتفائه أى : والاستفهام يقتضى عدم الجزم بالانتفاء ، بل الجهل بالشىء فلو حمل على الاستفهام الحقيقى لحصل التناقض ، والحاصل أنه حيث كان يعلم

٣١٢

لكمال العناية به فى صورة الممكن الذى لا جزم بانتفائه (و) قد يتمنى (بلو ؛ نحو : لو تأتينى فتحدثنى ؛ بالنصب) على تقدير : فأن تحدثنى ؛ ...

______________________________________________________

أنه لا شفيع يطمع فيه لا يصح حمل الكلام على الاستفهام المقتضى لعدم العلم بالمستفهم عنه ثبوتا أو نفيا ، فحمل الكلام على الاستفهام يؤدى إلى التناقض فتعين الحمل على التمنى ، وقد يقال : هذا إنما يفيد عدم صحة حمل الكلام على الاستفهام ، وأما حمله على خصوص التمنى فيفتقر إلى قرينة أخرى معينة له ، ولا تكفى الصارفة ، بدليل أن مثل هذا الكلام يقال : عند العلم بنفى الشفيع لمجرد التحسر والتحزن ، فإنه يقال : ما أعظم الحزن لنفى الشفيع ، ولك أن تقول : لما كان التحسر والتحزن على نفى الشىء الذى لا يطمع فيه الآن ولا فى المستقبل يستلزم كون الموصوف بذلك يتمنى ما فات والألم يتحزن عليه كان ذلك الكلام تمنيا فى المعنى ، ولو أمكن أن يقصد معه التحزن ، فصح التمثيل لمجرد ما ذكر (قوله : لكمال العناية به) أى : لإظهار الرغبة فيه (قوله : فى صورة الممكن إلخ) أى : والممكن الذى لا جزم بانتفائه حاصل مع الاستفهام ؛ لأن المستفهم عنه لا بد أن يكون ممكنا لا جزم بانتفائه بخلاف المتمنى ؛ فإنه قد يكون مجزوما بانتفائه وإن كان ممكنا.

(قوله : وقد يتمنى بلو) أى : على طريق التجوز ؛ لأن أصل وضعها الشرطية والتجوز فيها مثل ما تقدم فى هل ، ولم يذكر الشارح نكتة العدول عن التمنى بليت إلى التمنى بلو كما ذكر فى هل ، وقد يقال : إن نكتته الإشعار بعزة متمناه حيث أبرزه فى صورة ما لم يوجد ؛ لأن لو بحسب أصلها حرف امتناع لامتناع ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : نحو لو تأتينى فتحدثنى) أى : ليتك تأتينى فتحدثنى (قوله : بالنصب) أى :بنصب تحدثنى بأن مضمرة بعد الفاء فى جواب التمنى ، وأما تأتينى فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل والفعل المنصوب فى تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم والمعنى أتمنى إتيانا منك فتحديثا لى ، وسمى ما بعد الفاء جوابا ، والحال أنه فى تأويل مفرد نظرا لمعنى الكلام ؛ لأن المعنى إن وقع منك إتيان فإنه يقع تحديث فقد تضمن الكلام جواب

٣١٣

فإن النصب قرينة على أن لو ليست على أصلها ؛ إذ لا ينصب المضارع بعدها بإضمار أن ، وإنما يضمر بعد الأشياء الستة ، والمناسب هاهنا هو التمنى ، قال (السكاكى : كأن حروف التنديم والتحضيض ؛ وهى : هلا ، وألا ؛ بقلب الهاء همزة ، ولو لا ، ولوما ؛ ...

______________________________________________________

شرط اقتضاه المعنى (قوله : فإن النصب قرينة إلخ) أى : قرينة لفظية والظاهر أنه لو رفع الفعل بعدها إن كان هناك قرينة تدل على التمنى عمل بها وإلا فلا (قوله : ليست على أصلها) أى : وهو الشرطية والتعليق (قوله : بعد الأشياء الستة) وهى الاستفهام والتمنى والعرض ودخل فيه التحضيض لقربه منه والأمر والنهى والنفى ، وأما الترجى فساقط ؛ لأنه لا ينتصب فى جوابه عند البصريين ، بل عند الكوفيين والدعاء داخل فى الأمر والنهى ، فاندفع ما يقال : إن الأشياء التى ينصب المضارع بعد الفاء بأن فى جوابها تسعة لا ستة (قوله : والمناسب هاهنا هو التمنى) أى : والأولى بالحمل عليه هنا فى المثال هو التمنى دون غيره من هذه الأشياء ، وذلك لشيوع استعمال لو لذلك ؛ لأنها فى الأصل تدخل على المحال والممنوع والمحال يتمنى كثيرا ، وإن احتملت الاستفهام والنفى ، لكن الأكثر شيوعا التمنى والحمل على الشائع أولى وما استفيد من كلام المصنف من أن المضارع ينصب فى جواب التمنى بلو ـ نقل السيوطى فى النكت عن ابن هشام عن السفاقسى خلافه ، ثم إن المستفاد من كلام الشارح أن لو التمنية هى لو الشرطية إلا أنها أشربت معنى التمنى ، وحينئذ فلا بد لها من جواب ، لكنه التزم حذفه ، وعليه فإذا قيل لو تأتينى فتحدثنى فالمعنى لو حصل ما يتمنى وهو الإتيان ، فالتحديث لسرنا ذلك وقيل : إنها نقلت من الشرط للتمنى مستقلة من غير أن يبقى فيها معنى الشرطية ، وقيل : إنها هى التى تستعمل مصدرية ، وعلى هذين القولين فلا جواب لها لخروجها عن معنى الشرطية والتعليق ، والخلاف مبسوط فى كتب النحو.

(قوله : كأن حروف إلخ) الأولى أحرف بصيغة جمع القلة إلا أن يقال : إنه مبنى على أن مبدأ جمع الكثرة من ثلاثة ، وأورد لفظ كأن لعدم الجزم بما ذكره من التركيب لجواز أن يكون كل كلمة برأسها ؛ لأن التصرف فى الحروف بعيد وسميت حروف التنديم ؛

٣١٤

مأخوذة منهما) خبر كأن ؛ أى : كأنها مأخوذة من هل ولو اللتين للتمنى حال كونهما : (مركبتين مع لا وما المزيدتين لتضمينهما) ...

______________________________________________________

لأنها إذا دخلت على الفعل الماضى أفادت جعل المخاطب نادما على ترك الفعل وسميت حروف التحضيض ؛ لأنها إذا دخلت على المضارع أفادت حض المخاطب وحثه على الفعل (قوله : مأخوذ منهما مركبتين) الضمير فى منهما لهل ولو ومركبتين حال من الضمير المجرور بمن كما أشار له الشارح ، وقوله : مع لا وما ظرف لقوله مركبتين ، وذلك بأن ضمت لا مع هل فصارت هلا ، ثم أبدلت الهاء همزة فصارت ألا وضمت مع لو فصارت لو لا فحصل من التركيب مع لا ثلاثة أحرف وضمت ما مع لو فصارت لوما فلا تكون مع هل ومع لو وما تكون مع لو خاصة ، لكن قد اشتهر أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد على الآحاد كما فى ركب القوم دوابهم ، والأمر هنا ليس كذلك ، ووزان هذا التركيب الواقع فى المتن أن تقول أكل الزيدان مع عمرو وبكر على معنى أن عمرا صاحب كلا من الزيدين فى الأكل ، وإن بكرا صاحب أحدهما فقط ، وقد يقال : إن ما اشتهر هذا أمر أغلبى لا كلى فلا منع فى مخالفته ـ كما صرح بذلك حواشى الأشمونى ، واعترض على المصنف بأن هذه الحروف إنما أخذت من هل ولو قبل التركيب لا فى حالة التركيب ؛ لأنه يلزم عليه اتحاد المأخوذ والمأخوذ منه ؛ لأنه قيد المأخوذ منه بالتركيب المذكور فالمأخوذ هلا وألا ولو لا ولوما والمأخوذ منه هل ولو فى حال تركيبهما مع لا وما المزيدتين وذلك بعينه : هلا وألا ولو لا ولو ما فيتحد المأخوذ والمأخوذ منه ، ولا يخفى فساده ؛ لأن فيه أخذ الشىء من نفسه ، وأجيب بأن قوله مركبتين حال مقدرة والمعنى أنها مأخوذة من لو وهل حال كونهما مقدرتى التركيب مع ذكر لا حال محققة بحيث يكون المعنى أنها مأخوذة منهما حال كونهما مركبتين عند الأخذ ـ كذا فى الفنرى ورد بأنه لا حصول لهذه الكلمات فى حال التقدير ، فالأولى ما أجاب به سم : بأن معنى كلام المصنف أن هذه الأربعة حال كون كل منها مجعولا كلمة واحدة لمعنى واحد مأخوذة من نفسها حال كونها غير مجعولة كذلك ، بل حال كونها كلمتين فتغايرا بهذا الاعتبار وهو معنى قول عبد الحكيم : إن المأخوذ الكلمات

٣١٥

علة لقوله : مركبتين ، والتضمين : جعل الشىء فى ضمن الشىء ، تقول ضمنت الكتاب ...

______________________________________________________

الأربعة والمأخوذ منه هل ولو حال التركيب مع لا وما لا بعده فلم يتحد المأخوذ والمأخوذ منه على ما وهم ، والعجب الجواب بجعل الحال مقدرة مع أنه لا حصول لهذه الكلمات فى حال التقدير. ا ه.

والحاصل أنه على الجواب الأول المأخوذ محقق التركيب بالفعل والمأخوذ منه مقدر التركيب ، وعلى الجواب الثانى المأخوذ مركب تركيبا جعل فيه الكلمات كلمة واحدة بمعنى واحد والمأخوذ منه مركب تركيبا ليس بهذه المثابة ، بل هو ضم إحدى الكلمتين إلى أخرى ـ فتأمل.

(قوله : علة لقوله مركبتين) أى : فالمعنى أن تركب هل ولو مع ما ذكر إنما هو لأجل تضمينهما أى : جعلهما متضمنتين أى : مشتملتين دالتين على معنى التمنى ، فالمراد بالتضمين هنا جعل الشىء مدلولا للفظ لا جعله جزء من المدلول الذى هو التضمن اصطلاحا ، ونظير ذلك قولك : ضمنت هذا الكتاب كذا كذا بابا ، فليس المراد أنى جعلت الأبواب جزءا من أجزاء الكتاب ، بل جعلت الأبواب نفس أجزاء الكتاب لا مع زائد عليها ، فإن قلت أن معنى التمنى حاصل قبل التركيب فكيف يكون علة غائية وغرضا من التركيب مع أن الغرض والعلة الغائية لا يسبقان ما ترتبا عليه أجيب بأن المراد بتضمينهما معنى التمنى على جهة النص واللزوم ، فالتمنى مدلول لهما قبل التركيب على جهة الجواز وبعده على جهة الوجوب بمعنى أنهما قبل التركيب يجوز أن يراد بهما التمنى بخلافهما بعده فإنه معناهما نصا فكان التركيب قرينة على ذلك ، وربما كان تعبير المصنف بالمصدر المضاف للمفعول مشيرا لقصد هذا المعنى ؛ لأن تضمينهما التمنى إلزامهما إياه أى جعلهما ملزومين بإفادته ولم يعبر بالتضمن بحيث يكون المصدر مضافا للفاعل لئلا يوهم أن تضمنهما معنى التمنى بعد التركيب ليس بلازم كما كان فى الأصل ؛ لأن التضمن عبارة عن الاشتمال كان هناك إلزام أو لا بخلاف التضمين فإنه الإلزام كما عرفت (قوله : جعل الشىء فى ضمن الشىء) أى : محتويا عليه ومفيدا له

٣١٦

كذا كذا بابا إذا جعلته متضمنا لتلك الأبواب ؛ يعنى : أن الغرض المطلوب من هذا التركيب والتزامه هو جعل هل ولو متضمنتين (معنى التمنى ليتولد) علة لتضمينهما ؛ يعنى : أن الغرض من تضمينهما معنى التمنى ليس إفادة التمنى ، بل أن يتولد (منه) أى : من معنى التمنى المتضمنين هما إياه (فى الماضى التنديم ؛ ...

______________________________________________________

(قوله : كذا كذا بابا) أى : أحد عشر بابا مثلا أو إثنى عشر وكذا الثانية توكيد للأولى (قوله : إذا جعلته متضمنا لتلك الأبواب) أى : مشتملا عليها من اشتمال الكل على أجزائه (قوله : والتزامه) هو بالجر عطف على التركيب أى : الاعتراف به والقول به مع أن الأصل فى كل كلمة أن تكون بسيطة ، ويحتمل أن المراد بالتزامه جعله لازما وأخذ الشارح هذا من القيد أعنى : الحال ، فإنها قيد وشأن القيد اللزوم ـ كذا قرره شيخنا العدوى.

(قوله : متضمنتين) أى : مستلزمتين (قوله : معنى التمنى) الإضافة بيانية (قوله : ليس إفادة التمنى) فالتمنى ليس مقصودا بالذات ، بل ليتوصل به إلى التنديم والتحضيض (قوله : بل أن يتولد إلخ) فإن قلت ما المانع من جعل تركيبهما للتحضيض والتنديم من أول الأمر من غير توسط التمنى قلت : لو لم يضمنا معنى التمنى بعد التركيب للزم بناء مجاز على مجاز وهو ممنوع عند بعضهم وهذا منفى عند التضمين المذكور ؛ لأن التمنى بالوضع التركيبى معنى حقيقى لهما بالوضع الثانى ، وأجيب أيضا : بأن التنديم متعلق بالمضى والتحضيض بالمستقبل وهما مختلفان ، فارتكب معنى التمنى واسطة ؛ لأنه طلب فى المضى والاستقبال ليكون كالجنس لهما فيكون استعمال هذين الحرفين فى هذين المعنيين كاستعمال الكلى فى إفراده فيكون فى الحروف شبه تواطؤ ، ولو جعل الحرفان المذكوران من أول الأمر للتنديم والتحضيض لاقتضى أنهما موضوعان لكل منهما بالاشتراك والتواطؤ أقرب من الاشتراك ؛ لأن الأصل عدم تعدد الوضع ، وإنما قلنا شبه إلخ ؛ لأن التواطؤ الحقيقى إنما يتصور فى غير الحروف (قوله : المتضمنين) بصيغة اسم الفاعل صفة للتمنى جرت على غير من هى له فلذا أبرز الضمير ولو قال أى : من معنى التمنى الذى تضمنتاه لكان أوضح (قوله : فى الماضى) أى : مع الفعل الماضى (قوله : التنديم)

٣١٧

نحو : هلا أكرمت زيدا) ولو ما أكرمته ؛ على معنى : ليتك أكرمته ؛ قصدا إلى جعله نادما على ترك الإكرام (وفى المضارع التحضيض ؛ نحو : هلا تقوم) ولو ما تقوم على معنى : ليتك تقوم ؛ قصدا إلى حثه على القيام. والمذكور فى الكتاب ليس عبارة السكاكى ؛ لكنه حاصل كلامه. وقوله : لتضمينهما مصدر مضاف إلى المفعول الأول ، ومعنى التمنى مفعوله الثانى ، ووقع فى بعض النسخ : لتضمنهما على لفظ التفعل ؛ وهو ...

______________________________________________________

أى : جعل المخاطب نادما ووجه التولد أن التمنى إنما يكون فى الأمور المحبوبة ، فإذا فات الأمر المحبوب له ندم المخاطب عليه وإن كان مستقبلا حضه عليه ، فإن قلت : إن محبة المتكلم للشىء لا تقتضى تنديم المخاطب عليه فكيف يتولد من طلب المحبوب التنديم ـ قلت : إن المتكلم إنما يحث المخاطب على الشىء لأجل شفقته عليه ، فإذا ترك المخاطب ما هو محبوب للمتكلم ندمه عليه شفقة عليه ـ وكذا يقال فى التحضيض.

(قوله : نحو هلا أكرمت زيدا) أى : نحو قولك لمخاطبك بعد فوات إكرامه زيدا (قوله : على معنى) أى : بمعنى ليتك أكرمته ؛ وذلك لأن الفعل بعد فوات وقته لا يمكن طلب فعله فى وقته حقيقة نعم يمكن تمنيه لصيرورته محال ، ولما فات وقت إمكانه مع ما فيه من الحكمة المقتضية للفعل المعلومة للمخاطب صار فى الكلام إشارة إلى أنه كان مطلوبا من المخاطب فعله فيصير المخاطب بسماع هذا الكلام المفيد لهذا المعنى نادما فقوله على معنى إلخ : إشارة إلى أصل التمنى ، وقوله قصدا إلخ إشارة إلى تولد التنديم (قوله : وفى المضارع) أى : ويتولد منه مع الفعل المضارع وكان المناسب أن يقول وفى المستقبل ؛ لأن صيغة المضارع مع هذه حروف تحتمل الحال والاستقبال والتحضيض إنما يكون فى المستقبل ، وأيضا صيغة المضارع إذا كانت بمعنى الماضى كانت تلك الحروف معها للتنديم (قوله : التحضيض) أى : الحث على الفعل لإمكان وجوده (قوله : نحو هلا تقوم إلخ) أى : نحو قولك فى حض المخاطب على القيام هلا تقوم (قوله : على معنى) أى : بمعنى ليتك تقوم ، وهذا إشارة إلى أصل التمنى ، وقوله قصدا إلخ : إشارة إلى تولد التحضيض (قوله : فى الكتاب) أى : المتن (قوله : مصدر مضاف إلخ) أى : وتقدير الكلام

٣١٨

لا يوافق معنى كلام المفتاح وإنما ذكر هذا بلفظ كأن لعدم القطع بذلك (وقد يتمنى بلعل فتعطى حكم ليت) وينصب فى جوابه المضارع على إضمار أن (نحو : لعلى أحج فأزورك بالنصب ؛ لبعد المرجو عن الحصول) ...

______________________________________________________

لتضمين المتكلم هل ولو معنى التمنى أن لإلزامهما إفادة ، ذلك لأن التضمين هو الإلزام (قوله : لا يوافق معنى كلام المفتاح) أى : لأن التضمن عبارة عن الاشتمال ، سواء كان على وجه الإلزام ، أو لا وصاحب المفتاح عبر بالإلزام حيث قال مطلوبا بإلزام التركيب التنبيه على إلزام هل ولو معنى التمنى ـ كذا قرر بعضهم ، وعبارة يس : عدم الموافقة من جهة أن صيغة التفعل تقتضى أن هلا ولو لا يدلان على أمر زائد على التمنى بطريق الوضع ـ وليس كذلك ، بل هما لا يدلان بطريق الوضع إلا على التمنى كما يدل عليه كلام المفتاح ، ويحتمل أن عدم الموافقة من جهة أن كلام المفتاح يدل على أن دلالة هل ولو على التمنى بفعل فاعل وجعل جاعل ، فيوافق النسخة التى فيها التضمين على لفظ التفعيل ؛ لأن الإلزام فى كلامه فعل الملزم وهو المتكلم بخلاف التضمن على وزن التفعل ، فإنه يقتضى أن دلالتهما على التمنى أمر ذاتى لا بفعل فاعل ، فلا تكون هذه النسخة موافقة لكلام المفتاح (قوله : لعدم القطع بذلك) أى : بالأخذ المذكور المقتضى لتركيبها لجواز أن يكون كل كلمة برأسها ؛ لأن التصرف فى الحروف بعيد (قوله : وقد يتمنى بلعل) التى هى موضوعة للترجى وهو ترقب حصول الشىء سواء كان محبوبا ، ويقال له طمع نحو : لعلك تعطينا ، أو مكروها ويقال له إشفاق نحو : لعلى أموت الساعة ، فليس الترجى من أنواع الطلب فى الحقيقية ؛ لأن المكروه لا يطلب (قوله : وينصب فى جوابه المضارع إلخ) بيان لإعطائه حكم ليت ، فلو استعملت لعل فى موضعها الأصلى وهو الترجى لم ينصب المضارع بعدها ، ثم إن نصب المضارع بعد لعل لا يدل على أنها مستعملة فى التمنى إلا على مذهب البصريين الذين لا ينصبون المضارع فى جواب الترجى ، إذ لا جواب له عندهم لا على مذهب الكوفيين الذين يثبتون له جوابا ويجوزون نصب المضارع فى جوابه (قوله : لبعد المرجو) أى : وإنما يتمنى بلعل إذا كان المرجو كالحج فى المثال المذكور بعيد الحصول فاللام فى قوله لبعد المرجو متعلقة بقوله

٣١٩

وبهذا يشبه المحالات والممكنات التى لا طماعية فى وقوعها فيتولد منه معنى التمنى.

(ومنها) أى : من أنواع الطلب (الاستفهام) وهو طلب حصول صورة الشىء فى الذهن ، ...

______________________________________________________

يتمنى بلعل كما يدل عليه كلام الشارح بعد (قوله : وبهذا) أى : وبسبب هذا البعد أشبه ذلك المرجو البعيد الحصول المحال بجامع عدم الحصول فى كل (قوله : فيتولد منه) أى : من ذلك البعد أو الشبه المذكور معنى التمنى لما مر من أنه طلب محال أو ممكن لا طمع فى وقوعه ، فقد ظهر لك من هذا أن التمنى فى هل ولو معنى مجازى وفى لعل من مستتبعات التركيب وليس معنى مجازيا لها ـ كذا فى عبد الحكيم ، والحاصل أن لعل مستعملة فى مرجو شبيه بالتمنى فى البعد ، فتولد من ذلك الشبه تمنيه.

[ومن أنواع الطلب : الاستفهام] :

(قوله : طلب حصول صورة الشىء فى الذهن) أى : طلب حصول صورة الشىء المستفهم عنه فى ذهن المستفهم ، وفى هذا التعريف إشارة إلى أن السين والتاء فى الاستفهام للطلب أى : طلب الفهم وأن الفهم هو العلم ؛ لأن الحصول هو الإدراك ، واعترض هذا التعريف بأنه غير مانع ؛ وذلك لأنه يشمل مثل علمنى على صيغة الأمر فإنه دال على طلب حصول صورة فى الذهن ، مع أنه أمر لا استفهام فكان على الشارح أن يزيد بأدوات مخصوصة ليخرج نحو : علمنى وفهمنى ، وأجيب بأنه تعريف بالأعم ، أو أن الإضافة للعهد أى : طلب معهود وهو ما كان بالأدوات المخصوصة ، أو أن أل فى الذهن عوض عن المضاف إليه أى : فى ذهن المتكلم ، وأما علم وفهم فإن كلا منهما يدل على طلب حصول صورة فى أى : ذهن كان ، ولا يقال : إن علمنى ، وكذا فهمنى يدل على طلب حصول صورة فى ذهن المتكلم ؛ لأن هذا ليس من صيغة علم وفهم ، بل من الإتيان بضمير المتكلم ، وأجاب الحفيد بجواب آخر ، وحاصله أن المقصود بالذات فى الاستفهام المعلوم من حيث صورته المسماة بالوجود الظلى أى : الذهنى لا المعلوم من حيث ذاته فقولك : هل قام زيد المقصود بذلك الاستفهام حصول صورة القيام فى الذهن لتعذر وجوده فيه والمقصود بالذات فى الأمر المذكور هو العلم من حيث ذاته ،

٣٢٠