حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

فكل مثال يصلح لقصر الإفراد أو القلب يصلح لقصر التعيين من غير عكس.

[طرق القصر] :

(وللقصر طرق) والمذكور ههنا أربعة ، وغيرها قد سبق ذكره ، فالأربعة المذكورة ههنا

______________________________________________________

ما ليس فيه التنافى ، والحاصل أن عمومه بالنسبة للأول لوجوده فى محل الثانى وعمومه بالنسبة للثانى لوجوده فى محل الأول ، وليس عمومه بالنسبة لهما معا بأن يتحقق بدون هذا المجموع وإلا لزم وجود محل يصدق فيه وحده وهو ما ليس فيه التنافى ولا غيره ، وهذا فاسد كما لا يخفى (قوله : فكل مثال إلخ) إشارة إلى أن العموم بحسب التحقق باعتبار الصلاحية لا بحسب الصدق أو التحقق بالفعل (قوله : من غير عكس) أى : لأنه ربما صلح للتعيين ما لا يصلح للإفراد وهو القلب وربما صلح له ما لا يصلح للقلب وهو الإفراد.

[طرق القصر] :

(قوله : وللقصر) أى : سواء كان حقيقيا أو غيره (وقوله : طرق) أى : أسباب تفيده (قوله : والمذكور) أى : والطرق المذكور ففيه تذكير الطرق نظرا للفظ أل أو يقال : أراد بالمذكور الشىء وهو مذكر وقوله ههنا أى : فى باب القصر (قوله : وغيرها) أى : كضمير الفصل وتعريف المسند أو المسند إليه بأل الجنسية وتقديم ما حقه التأخير من المعمولات ، وأما التصريح بلفظ الاختصاص وما فى حكمه فلا يعد من طرق القصر اصطلاحا ، وكذا التأكيد غير الشمولى نحو : جاء زيد نفسه أى : لا غيره وإنما اقتصر المصنف على ذكر هذه الأربعة فى هذا الباب إما لأن القصر الاصطلاحى هو ما كان بهذه الأربعة وما كان بغيرها كضمير الفصل وتعريف المسند أو المسند إليه ونحو : لفظ الخصوص فليس اصطلاحى وإن كان قصرا بالمعنى اللغوى ، أو أن القصر بضمير الفصل وتعريف المسند أو المسند إليه داخل فى القصر الاصطلاحى بأن يكون عبارة عن التخصيص بأحد الطرق السبعة ، ولم يذكر هذه الثلاثة فى هذا الباب لاختصاصها بالمسند والمسند إليه ، وقد تقدم ذكرهما وعلى كلا الاحتمالين التخصيص الحاصل بصريح لفظ الخصوص والتأكيد ليس داخلا فى القصر الاصطلاحى ـ هذا حاصل ما ذكره العلامة عبد الحكيم.

٢٤١

(منها العطف كقولك فى قصره) أى : قصر الموصوف على الصفة (إفرادا : زيد شاعر لا كاتب ، أو ما زيد كاتبا بل شاعر ؛ مثل بمثالين : أولهما : الوصف المثبت فيه معطوف عليه ، والمنفى معطوف. والثانى : بالعكس ...

______________________________________________________

[طريقة العطف] :

(قوله : منها العطف) أى : بلا وبل ولكن وإنما قدم العطف على بقية الطرق ؛ لأنه أقواها للتصريح فيه بالطرفين المثبت والمنفى بخلاف غيره فإن النفى هنا ضمنى ثم النفى والاستثناء أصرح من إنما وأخر التقديم عن الكل ؛ لأن دلالته على القصر ذوقية لا وضعية ، واعلم أن العطف يكون للقصر الحقيقى والإضافى ؛ وذلك لأنه أن كان المعطوف خاصا نحو : زيد شاعر لا عمرو ، فالقصر إضافى ، وإن كان عاما نحو : زيد شاعر لا غير زيد ، فالقصر حقيقى.

(قوله : زيد شاعر لا كاتب) أى : لمن اعتقده كاتبا وشاعرا (قوله : والثانى بالعكس) وهو أن الوصف المنفى فيه معطوف عليه والمثبت معطوف ، لكن كون ثانى الاسمين معطوفا على المنفى محل نظر ؛ لأنه إن عطف بالنصب على لفظ المنصوب المنفى لزم عمل ما فى المثبت وهى إنما تعمل فى المنفى ، وإن عطف بالرفع على محل المنصوب فالعطف على محل المنصوب هنا ممنوع لزوال رعاية المحلية بوجود الناسخ ، وأما رفعه بتقدير المبتدأ ، فيخرج به عن كونه معطوفا ؛ لأن بل إذا دخلت على جملة كانت ابتدائية وإضرابية لا عاطفة ؛ لأنها إنما تعطف بالمفردات ، وكلامنا فى إفادة الحصر بالعطف ، ويمكن أن يجاب بأن العطف على المحل لا يمنع على مذهب البصريين الذين لا يشترطون وجود المحرز أى : الطالب لذلك المحل ، والمثال جار عليه ، على أن المحل وإن كان لا يبقى مع العامل المغير لكنه اعتبر هنا للضرورة ، ولكون ما ضعيفة العمل وإنما ذكر بل بعد النفى دون الإثبات ؛ لأنها بعد النفى تفيد الإثبات للتابع فتفيد القصر وبعد الإثبات لا ترفعه عن المتبوع ، بل تجعله فى حكم المسكوت عنه فلا تفيد القصر فنحو ما زيد كاتبا ، بل شاعر معناه نفى الكتابة عن زيد وإثبات الشعر له ونحو : زيد كاتب بل شاعر معناه ثبوت الشعر له مع السكوت عن نفى الكتابة وإثباتها لزيد. ا ه سيرامى.

٢٤٢

(وقلبا : زيد قائم لا قاعد ، أو ما زيد قائما بل قاعد) فإن قلت : إذا تحقق تنافى الوصفين فى قصر القلب فإثبات أحدهما يكون مشعرا بانتفاء الغير ؛ فما فائدة نفى الغير وإثبات المذكور بطريق الحصر قلت الفائدة فيه التنبيه على رد الخطأ فيه وأن المخاطب اعتقد العكس ؛ فإن قولنا : زيد قائم ؛ وإن دل على نفى القعود ...

______________________________________________________

واعلم أن إفادة بل للقصر مبنى على أن ما قبل بل فى النفى متقرر نفيه كما عليه الجمهور ، وأما على أنه مسكوت عنه كما قاله بعضهم فلا تفيده فالمصنف مشى على ما قاله الجمهور.

(قوله : وقلبا إلخ) اقتصاره على القصرين ربما يوهم عدم جريان طريق العطف فى قصر التعيين لكن المفهوم من دلائل الإعجاز جريانه فيه ، فالاقتصار لما سيصرح به الشارح فى قوله ولما كان إلخ (قوله : زيد قائم لا قاعد) أى : لمن اعتقد أنه قاعد والشرط وهو تنافى الوصفين موجود (قوله : أو ما زيد قائما بل قاعد) أى : لمن اعتقد أنه قائم ومثل بمثالين لما سبق (قوله : فإن قلت إلخ) حاصله أن قصر القلب بطريق العطف لا فائدة له على مذهب المصنف مطلقا ؛ وذلك لأنه شرط فيه تحقق تنافى الوصفين وإذا تحقق أى : ثبت تنافيهما كما فى المثالين علم من نفى أحدهما ثبوت الآخر وكذا من ثبوت أحدهما نفى الآخر ، وحينئذ فلا فائدة عطف المثبت على المنفى أو عطف المنفى على المثبت ، وكذا على مذهب غيره فى صورة تحقق التنافى فقد علمت أن هذا الإيراد بحسب مذهب المصنف ، وكذا بحسب مذهب غيره إذا تحقق التنافى ، وأما إذا لم يتحقق التنافى فالأمر ظاهر ، وقول الشارح فإثبات أحدهما يكون مشعرا بانتفاء الغير أى : وكذا نفى أحدهما يكون مشعرا بثبوت الآخر ، ولو زاد الشارح ذلك لكان أولى ليشمل المثال والجواب الذى ذكره شامل له أيضا ؛ لأن حاصله أن الجمع بين النفى والإثبات للتنبيه على رد الخطأ بالنفى سواء تقدم أو تأخر (قوله : قلت إلخ) حاصله أن فائدة التعرض لنفى الغير بعد إثبات المطلوب بطريق الحصر الإشعار بأن المخاطب اعتقد العكس ؛ لأن القيد الزائد من البليغ حيث لا يحتاج إليه تطلب له فائدة وأقرب شىء يعتبر فائدة له بالذوق السليم الرد على المخاطب ، فإن المتبادر من قولنا كان كذا لا كذا أن المعنى لا كذا

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كما تزعم أيها المخاطب وكذا قولنا ما كان كذا ، بل كذا معناه بالذوق السليم ما كان كذا كما تزعم أيها المخاطب بل كذا ، فقول الشارح : الفائدة فيه ، أى فى نفى الغير وقوله التنبيه أى : تنبيه المخاطب وغيره وقوله على رد الخطأ أى الواقع من المخاطب (وقوله : وأن المخاطب إلخ) عطف على رد عطف لازم على ملزوم أو عطف تفسير وهذا التنبيه ليس من جوهر اللفظ ، بل من الذوق كما علمت من أنه إذا وقع فى الكلام شىء مستغنى عنه بحسب الظاهر ، فإن الذهن يطلب له فائدة فإذا وجد ما يناسبه حمل عليه ؛ لأن كلام البليغ يحمل على المناسب ، وإنما قال التنبيه على رد الخطأ إلخ ؛ لأن كلامه فى قصر القلب ؛ ولأن الإيراد فيه أقوى فلا ينافى أنه قد تكون فائدة النفى التنبيه على تردد المخاطب إذا كان قصر تعيين وقد يقال يمكن أن الذهن يحمل ذلك الزائد على التنبيه على أن المخاطب متردد فإنه فائدة يصح الحمل عليها ، وحينئذ فيكون ذلك القصر من قصر التعيين فلم يتم التنبيه الذى ذكره الشارح ، ولذا أجاب بعضهم بجواب آخر وحاصله : أن فائدة نفى الغير بعد إثبات المذكور بطريق الحصر تأكيد الحكم المنكر المناسب للمقام ، وبيانه أن الحكم المقرر هنا منكر لاعتقاد المخاطب عكسه والحكم المنكر يجب تأكيده ، ففى إثبات ضد أو خلاف المعتقد نفى الحكم المعتقد فى العطف بالنفى أو الإثبات تقرير ما تقرر أولا ، فقد توصل بالعطف المفيد للحصر صراحة إلى التأكيد المناسب للمقام ، ولا يقال : قد قررت أن مقام قصر القلب مقام إنكار وبينت فيه أن العطف فيه يفيد التأكيد ، ومعلوم أن قصر الإفراد إنما يرد فى مقام الإنكار أيضا ولا تأكيد فيه أصلا ؛ لأن الحكم المثبت معلوم مسلم ولا معنى للتأكيد فيه ، والمنفى وهو المنكر بالفتح لم يشتمل على أداة تأكيد فلم يستقم فيه أن العطف فيه للتأكيد ولا جرى على قاعدة الخطاب الإنكارى ؛ لأنا نقول المنكر على المخاطب فى قصر الأفراد هو التشريك ، والعطف فيه يفيد الوحدة باللزوم ، ويفيد بالمطابقة نفى غير من انتسب له الحكم ، والكلام على تقدير الوحدة ، فإذا قيل : زيد جاء لا عمرو معناه : جاء زيد وحده لا عمرو وفيه تأكيد الوحدة المنافية للتشريك المدعى إلا أنه كثيرا ما يستغنى عن ذكر تلك الوحدة بالعطف لاستلزامه إياها ففى الكلام مع العطف تأكيد بهذا الاعتبار. ا ه يعقوبى.

٢٤٤

لكنه خال عن الدلالة عن أن المخاطب اعتقد أنه قاعد (وفى قصرها) أى : قصر الصفة على الموصوف إفرادا وقلبا بحسب المقام (زيد شاعر لا عمرو ، أو ما عمرو شاعرا بل زيد) ويجوز : ما شاعر عمرو بل زيد ؛ بتقديم الخبر ؛ لكنه يجب حينئذ رفع الاسمين لبطلان العمل ، ولما لم يكن فى قصر الموصوف مثال الإفراد صالحا للقلب لاشتراط عدم التنافى فى الإفراد وتحقق التنافى فى القلب ـ على زعمه ـ

______________________________________________________

(قوله : لكنه خال عن الدلالة على أن المخاطب اعتقد أنه قاعد) أى : فإذا جىء بالعطف دل بالذوق السليم على أنه معتقد لذلك خطأ فإن المتبادر من قولنا كان كذا لا كذا أن المعنى لا كذا كما تزعم أيها المخاطب (قوله : بحسب المقام) أى : حال المخاطب ، فإن اعتقد المخاطب شركة زيد وعمرو فى الشاعرية أو فى انتفائها كان قصر إفراد ، وإن اعتقد العكس كان قصر قلب ، ولا تغفل عن كون تنافى الوصفين إنما يشترط عند المصنف فى قصر القلب إذا كان قصر موصوف على صفة لا قصر صفة على موصوف لئلا يشكل عليك كون زيد شاعر لا عمرو قصر قلب ومثل المصنف بمثالين لما سبق (قوله : بتقديم الخبر) أى : على الاسم كما هو السياق (قوله : لبطلان العمل) أى : عمل ما لأن شرط عملها ترتيب معموليها وقد فقد الترتيب بين الاسم والخبر ؛ لأن شاعر خبر مقدم وعمرو مبتدأ مؤخر ويجوز أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعلا أغنى عن الخبر إن قلت : إن ما بعد بل مثبت فعلى تقدير لو جعل عمرو فاعلا بالصفة لم يصح عملها فى المعطوف لعدم اعتمادها على حرف النفى إذ التقدير ما شعر زيد بل شاعر عمرو ، قلت : العامل فى المعطوف ليس صفة مقدرة بل الصفة المعتمدة على حرف النفى عاملة فى المعطوف عليه أصالة وفى المعطوف تبعا (وقوله : لبطلان العمل) أى : مطلقا عند الجمهور أو إلا إذا كان الخبر ظرفا عند ابن عصفور وبعض النحاة لا يقول ببطلان العمل مع عدم الترتيب مطلقا كما فى الرضى ، فقول الشارح فى المطول : وقد أجمع النحاة على وجوب رفع الاسمين لبطلان العمل أى : أجمع أكثرهم.

(قوله : وتحقق التنافى فى القلب) أى : وتحقق التنافى وعدم التنافى لا يمكن اجتماعهما فى محل واحد ، (وقوله : على زعمه) أى : لا على مذهب السكاكى الذى

٢٤٥

أورد للقلب مثالا يتنافى فيه الوصفان ؛ بخلاف قصر الصفة فإن مثالا واحدا يصلح لهما ، ولما كان كل ما يصلح مثالا لهما يصلح مثالا لقصر التعيين لم يتعرض لذكره ؛ وهكذا فى سائر الطرق (ومنها النفى والاستثناء كقولك فى قصره) إفرادا ...

______________________________________________________

لا يشترط تحقق التنافى فيه ، وحينئذ فالمثال الواحد عنده يصلح لهما (قوله : أورد للقلب مثالا) أى : غير مثال الإفراد (وقوله : أورد) جواب لما (وقوله : مثالا) أى : واحدا فى الإثبات وآخر فى النفى وعدهما واحدا نظرا لمتعلقهما (قوله : يصلح لهما) أى : لأن ما ذكر من اشتراط التنافى وعدمه إنما يتأتى فى قصر الموصوف على الصفة ولا يتأتى فى قصر الصفة على الموصوف لظهور التنافى بين كل موصوفين والفرق بين القصرين إنما هو بحسب اعتقاد المخاطب ، فقولك : ما قائم إلا زيد صالح لهما. ا ه سيرامى (قوله : كل ما يصلح مثالا لهما) أى : للإفراد والقلب فى قصرى الموصوف والصفة (قوله : لم يتعرض لذكره) أى : لا فى قصر الموصوف ولا فى قصر الصفة (قوله : وهكذا فى سائر الطرق) أى : باقى طرق القصر وهى إنما والاستثناء والتقديم.

[ومنها النفى والاستثناء] :

(قوله : ومنها النفى والاستثناء) أى : النفى بأى أداة من أدواته كليس وما وإن وغيرها من أدوات النفى والاستثناء بإلا وإحدى أخواتها ، ولم يقل المصنف : ومنها الاستثناء ؛ لأن الاستثناء من الإثبات ، كقوله جاء القوم إلّا زيدا ، لا يفيد القصر الغرض منه الإثبات والاستثناء قيد مصحح له ، فكأنك قلت : جاء القوم المغايرون لزيد ولو كان الاستثناء المذكور من طرق القصر لكان من طرقه الصفة أيضا نحو : جاء الناس الصالحون بخلاف ما تقدم فيه النفى ، ثم أتى فيه بالاستثناء سواء ذكر المستثنى منه أم لا نحو : ما جاءنى إلا زيد ، فإن الغرض منه النفى ، ثم الإثبات المحققان للقصر وليس الغرض منه تحصيل الحكم فقط وإلا لقيل : جاءنى زيد والمحكم فى ذلك الاستعمال والذوق السليم ولذلك يستعمل النفى ، ثم الاستثناء عند الإنكار دون الإثبات ، ثم الاستثناء. ا ه يعقوبى.

٢٤٦

(ما زيد إلا شاعر ، و) قلبا : (ما زيد إلا قائم ، وفى قصرها) إفرادا ، وقلبا (ما شاعر إلا زيد) والكل يصلح مثالا للتعيين ، والتفاوت إنما هو بحسب اعتقاد المخاطب (ومنها : إنما كقولك فى قصره) إفرادا (: إنما زيد كاتب ، و) قلبا : (إنما زيد قائم ،

______________________________________________________

(قوله : ما زيد إلا شاعر) أى : لمن يعتقد اتصافه بالشعر وغيره (قوله : ما زيد إلا قائم) أى : لمن اعتقد أنه قاعد وانظر لم كرر المثال فى قصره دون قصرها وهلا اقتصر على مثال واحد لكل منهما ، ولا يقال : إنه لم يكرر المثال فى قصرها لصلاحية المثال الذى ذكره لقصر القلب والإفراد ؛ لأنه لم يشترط فى قصر الصفة عدم صحة اتصاف الموصوفين بها فى قصر القلب بخلاف قصر الموصوف ، فإنه شرط فيه إذا كان إفرادا عدم تنافى الوصفين وقلبا تنافيهما ، فمثل بمثال فيه عدم التنافى وبمثال فيه التنافى ؛ لأنا نقول هذا الغرض يحصل بمثال واحد ؛ لأن النفى هنا غير مصرح به ، فإن قدر منافيا كان للقلب وإلا كان للإفراد فقولك مثلا ما زيد إلا شاعرا إن قدرت لا مفحم كان للقلب أو لا كاتب كان للإفراد ، وكذلك قولك : ما زيد إلا قائم إن قدرت لا قاعد كان للقلب وإن قدرت لا شاعر كان للإفراد ، وهذا بخلاف العطف ، فإنه لا بد فيه من التصريح بالنفى ويستحيل أن يكون منافيا وغير مناف فلا بد فيه من المثالين ، واعلم أن هذا كله باعتبار ما حمل عليه الشارح كلام المصنف وإلا فكلام المصنف فى حد ذاته ليس فيه تصريح بإفراد ولا قلب حتى تكون الأمثلة لهما فقط (قوله : ما شاعر إلا زيد) أى : لمن اعتقد أن زيدا وعمرا شاعر أو عمرا فقط (قوله :

والكل) أى : من الأمثلة المذكورة لقصره أو لقصرها يصلح إلخ وهذا مكرر مع قوله سابقا وهكذا فى سائر الطرق (قوله : والتفاوت) أى : التغاير بين ما تقدم والتعيين وإنما هو بحسب اعتقاد المخاطب وفيه أنه لا اعتقاد فى قصر التعيين ، فكان الأولى أن يقول : بحسب حال المخاطب بأن فى الكلام حذف الواو مع ما عطفت أى : بحسب اعتقاد المخاطب وعدم اعتقاده فإن اعتقد المخاطب الاشتراك فهو إفراد ، وإن اعتقد العكس فقلب ، وإن لم يعتقد شيئا فتعيين.

(قوله : كقولك فى قصره إفرادا إنما زيد كاتب) أى : لمن اعتقد أنه كاتب وشاعر (قوله : وقلبا إنما زيد قائم) أى : لمن اعتقد أنه قاعد ويرد على تعدد المثال ما مر

٢٤٧

وفى قصرها) إفرادا وقلبا (: إنما قائم زيد) وفى دلائل الإعجاز أن إنما ولا العاطفة إنما يستعملان فى الكلام المعتد به لقصر القلب دون الإفراد ، وأشار إلى سبب إفادة إنما القصر بقوله : ...

______________________________________________________

من أن المثال الواحد يصلح للإفراد والقلب ؛ لأن القائمية قد تضاف لما ينافيها كالقاعدية فيكون القصر قلبا ، وإلى مالا ينافيها كالشعرية فيكون إفرادا ، فلا وجه لتعداد المثال (قوله : وفى قصرها إفرادا وقلبا) أى : بحسب المقام واعتقاد المخاطب فإن كان معتقدا أن القائم زيد وعمرو فإفراد وإن اعتقد أنه عمرو فقلب ، لا تغفل عما تقدم من أن الأمثلة المذكورة تصلح للتعيين (قوله : وفى دلائل الإعجاز إلخ) هذا شروع فى الاعتراض على المصنف وحاصله أن المصنف جعل إنما لقصر القلب وقصر الإفراد ، وكذلك جعل فيما تقدم لا لهما مع أن الذى فى دلائل الإعجاز أى : إنما ولا العاطفة إنما يستعملان فى الكلام البليغ فى قصر القلب دون الإفراد وهذا الاعتراض من الشارح على المصنف بالنسبة ؛ لإنما بحسب ما شرح به كلامه ، لكن يمكن أن لا يرد عليه الاعتراض بالنسبة لها لأن أمثلته لها يمكن أن تخص بقصر القلب (قوله : إنما يستعملان إلخ) إن كان الشارح نقل عبارة الدلائل بالمعنى ولفظ : إنما من الشارح ورد عليه أنه استعمل إنما فى قصر الإفراد فى نفس العبارة التى اعترض بها على المصنف ؛ لأن قوله أن إنما ولا إنما يستعملان إلخ رد على من قال إنهما يستعملان فيهما وهذا قصر إفراد فما فر منه وقع فيه إلا أن يقال : إن الشارح ليس ملتزما لحقية كلام صاحب الدلائل ، فيجوز أن يكون مرجحا لما قاله المصنف فاستعملها فى قصر الإفراد على مذهبه ، وإنما نقل كلام الدلائل ليبين المذهبين لا لإفساد كلام المصنف حتى يعترض عليه بأنه وقع فيما فر منه وإن كانت إنما وقعت فى عبارة الدلائل ، والشارح نقلها بلفظها فالاعتراض المذكور وارد على صاحبها.

(قوله : المعتد به) أى : وهو البليغ (قوله : دون الإفراد) أى : والمصنف قد استعمل لا فى الإفراد فى بحث العطف السابق ، وإنما ليس فى كلامه تصريح باستعمالها لقصر الإفراد لكن الشارح شرحه على أنها تستعمل له (قوله : وأشار إلى سبب إلخ)

٢٤٨

(لتضمنه معنى : ما وإلا) وأشار بلفظ التضمن ...

______________________________________________________

فائدة هذه التوطئة دفع توهم أن قول المصنف لتضمنه راجع لقوله وفى قصرها فقط دون ما قبله أيضا ، وإنما تعرض المصنف لبيان سبب إفادة إنما القصر لمخالفة بعضهم فى ذلك حيث قال السبب فى إفادتها القصر تركبها من إن التى هى لتوكيد الإثبات وما التى لتوكيد النفى ، ولا يجوز أن يتوجه الإثبات والنفى لما بعده لظهور التناقض فأحدهما راجع لما بعده والآخر لما عداه وكون ما راجعا لما بعده خلاف الإجماع فتعين أن الإثبات للمذكور والنفى لما سواه ، فجاء القصر ، ورد هذا التوجيه بأنه مبنى على مقدمتين فاسدتين ؛ لأن إن لتأكيد النسبة إيجابا أو سلبا نحو : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً)(١) لا لتأكيد الإثبات فقط ، وما كافة لا نافية ، وبما علمت من الخلاف فى سبب إفادة إنما القصر اندفع ما يقال إن سبب إفادة التقديم الحصر ذلك التضمن الذى ذكره المصنف فهلا تعرض لبيان السبب كما تعرض لبيان السبب فى إنما ، واعلم أن الموجب للحصر فى : إنما بالكسر موجود فى أنما بالفتح فمن قال سبب إفادة إنما الحصر تضمنها معنى ما وإلا قال بذلك فى أنما المفتوحة لوجود هذا السبب فيها ، ومن قال : إن السبب اجتماع حرف توكيد قال به فى إنما أيضا لذلك ، ومن هنا صح للزمخشرى دعواه أن أنما بالفتح تفيد الحصر كإنما ، وقد اجتمعا فى قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(٢) فالأولى لقصر الصفة على الموصوف والثانية بالعكس ، وقول أبى حيان هذا شىء انفرد به الزمخشرى مردود بما ذكرنا ، وقوله : إن دعوى الحصر هنا باطلة لاقتضائها أنه لم يوح إليه غير التوحيد مردود أيضا بأنه حصر إضافى أو أن خطاب النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان للمشركين ، فالمعنى ما أوحى إلىّ فى أمر الربوبية إلا التوحيد لا الإشراك. ا ه فنرى.

(قوله : لتضمنه معنى ما وإلا) فى ذكر التضمن إشارة إلى أن ما فى إنما ليست هى النافية ، وإلى أن إن ليست للإثبات على ما توهمه بعض الأصوليين لأن المناسب على

__________________

(١) يونس : ٤٤.

(٢) الأنبياء : ١٠٨.

٢٤٩

إلى أنه ليس بمعنى ما وإلا حتى كأنهما لفظان مترادفان ؛ إذ فرق بين أن يكون فى الشىء معنى الشىء ، وأن يكون الشىء الشىء على الإطلاق ، ...

______________________________________________________

ذلك التقدير أن يقال : لكونه بمعنى ما وإلا وبيان ذلك أن إنما لو كانت مركبة من إن التى للإثبات وما النافية لم تزد على الإثبات والنفى الموجودين فى ما وإلا فلا يحسن ذكر التضمن بل المناسب على هذا التقدير أن يقال : لكونه بمعنى ما وإلا (قوله : لتضمنه معنى ما وإلا) أى : لاشتماله على معنى ما وإلا اللتين هما فى إفادة الحصر أبين ومعناهما هو الإثبات والنفى ، وقد يقال : إن النفى والإثبات الذى هو معناهما هو عين الحصر ، فكأنه قال : إنما أفادت إنما الحصر لتضمنها الحصر الذى هو معنى ما وإلا وهذا التعليل للشىء بنفسه ، وإن أريد بمعنى ما وإلا غير الحصر كان الدليل غير مفيد أن إنما تفيد الحصر ، اللهم إلا أن يلاحظ أن معنى ما وإلا مجمل وإن كان فى الواقع هو الحصر ـ قرره شيخنا العدوى.

(قوله : إلى أنه) أى : إنما ليس ملتبسا بمعنى ما وإلا أى : أشار بلفظ التضمن إلى أن معنى : إنما ليس هو معنى ما وإلا بعينه حتى كأنها مرادفة لهما ووجه تلك الإشارة أن تضمن الشىء معنى الشىء لا يقتضى أن يكون كهو من كل وجه بخلاف كونه نفسه ، ولهذا يقال : إن إنما ولو شاركت ما وإلا فى إفادة القصر تختلف معهما فى أن إنما تستعمل فيما من شأنه أن لا ينكر وما وإلا بالعكس كما يأتى ، ولو كانت إنما معناها هو معنى ما وإلا كما فى المترادفين لم تختص عنهما بإفادة غير مفادهما هذا محصل كلامه (قوله : حتى كأنهما) أى : إنما وما وإلا لفظان مترادفان هذا تفريع على المنفى وهو كون إنما ملتبسة بمعنى ما وإلا وإنما عبر بكأن ، ولم يقل : حتى إنهما؟ لأن إنما إذا كانت بمعنى ما وإلا لا يكونان مترادفين ، بل كالمترادفين ؛ لأن من شرط المترادفين أن يتحدا معنى وإفرادا فى اللفظ وهنا ليس كذلك ؛ لأن إنما مفرد وما وإلا مركب ولهذا لا يقال الإنسان مرادف للحيوان الناطق (قوله : إذ فرق إلخ) علة للنفى ، وقوله بين أن يكون فى الشىء معنى الشىء وذلك كما فى التضمن كتضمن إنما معنى ما وإلا ، وقوله وأن يكون الشىء الشىء على الإطلاق أى : من كل وجه وذلك كما فى المترادفين ، فالأول لا يقتضى

٢٥٠

فليس كل كلام يصلح فيه : ما وإلا يصلح فيه : إنما ؛ صرح بذلك الشيخ فى دلائل الاعجاز ، ولما اختلفوا فى إفادة إنما القصر ، وفى تضمنه معنى ما وإلا ـ بينه بثلاثة أوجه ؛ فقال : (لقول المفسرين : ...

______________________________________________________

كونه كهو من كل وجه ، والثانى يقتضى (قوله : فليس كل كلام إلخ) تفريع على قوله : إنه ليس بمعنى ما وإلا وذلك كالأمر الذى شأنه أن ينكر فإنه صالح لأن يستعمل فيه ما وإلا ولا يصلح لأنما لأنها إنما تستعمل فيما شأنه أن لا ينكر وكمن الزائدة ، فإنه يصلح معها ما وإلا دون إنما نحو : ما من إله إلا الله ، ولا يصح أن يقال : إنما من إله الله ؛ لأن من لا تزاد فى الإثبات ، وكذلك أحد وعريب يصلح معها ما وإلا دون إنما ، فيقال : ما أحد إلا وهو يقول ذلك ، ولا يقال : إنما أحد يقول ذلك ؛ لأنهما لا يقعان فى حيز الإثبات فلو كان إنما بمعناهما كان كل كلام يصلح فيه ما وإلا يصلح فيه إنما (قوله : ولما اختلفوا فى إفادة إنما القصر) أى : وفى عدم الإفادة فقال بعضهم : إنها لا تفيده ، وقيل : تفيده عرفا ، وقيل : عرفا واستعمالا (قوله : وفى تضمنه إلخ) عطف سبب على مسبب (قوله : بينه) أى المذكور من إفادة إنما القصر ومن تضمنها معنى ما وإلا.

(قوله : لقول المفسرين إلخ) إن قلت : دلالة إنما على القصر بالوضع فكيف يقام عليه الدليل؟ قلت : المقصود بيان أن الواضع إنما جعلها دليلا على القصر بواسطة جعله متضمنا معنى ما وإلا ، ولما كان فى تضمنه إياه خفاء حتى تردد فيه جماعة استشهد عليه بقول النحاة وأئمة التفسير وأيده بالمناسبة المحسنة للتضمين لا المتضمنة للتركيب. ا ه سيرامى.

وفى الغنيمى فى هذا الاستدلال نظر لما فيه من الدور ؛ لأن المفسرين يستدلون بقول أهل المعانى ، فإذا استدل أهل المعانى بقول المفسرين جاء الدور ، فالمناسب الاستدلال باستعمال العرب ، وأجيب بأن المراد بالمفسرين الذين يستدلون بكلام علماء المعانى المتأخرون منهم ، والمراد بالمفسرين الذين استدل البيانيون بكلامهم المتقدمون من العرب العارفون بموضوعات الألفاظ نحو : ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ممن فسر القرآن من أكابر الصحابة قبل تدوين علم المعانى ، فالتمسك بقولهم من حيث إنهم علماء

٢٥١

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)(١) بالنصب معناه : ما حرم عليكم إلا الميتة ؛ و) هذا المعنى (هو المطابق لقراءة الرفع) أى : رفع الميتة ؛ وتقرير هذا الكلام أن فى الآية ثلاث قراآت : (حَرَّمَ) مبنيا للفاعل ؛ مع نصب (الْمَيْتَةَ ،) ورفعها ، و (حَرَّمَ) مبنيا للمفعول ؛ مع رفع (الْمَيْتَةَ) كذا فى تفسير الكواشى ؛ فعلى القراءة الأولى ما فى (إِنَّما) كافة إذ لو كانت ...

______________________________________________________

اللغة فهو من باب الاستدلال بالنقل عن اللغة ، والحاصل أن المفسرين حيث قيدوا بكونهم من أئمة اللغة والبيان الموثوق بهم فلم يقولوا إلا ما تقرر عندهم لغة وبيانا فلا يرد أن يقال لا معنى للاستدلال على معنى لفظ لغوى ؛ لأنه إنما يثبت بالنقل. ا ه.

(قوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) بالنصب) مبتدأ ومعناه خبره أى : هذا الكلام معناه إلخ (قوله : وهذا المعنى) أى : المذكور لإنما فى هذه الآية (قوله : هو المطابق إلخ) أى : الموافق لها فى إفادة القصر وإن اختلف طريق القصر فى القراءتين ، فالطريق فى القراءة الأولى : إنما ، وفى القراءة الثانية : تعريف الطرفين (قوله : أى رفع الميتة) أى : مع بناء حرم للفاعل (قوله : مع نصب الميتة) أى : على أنه مفعول حرم وقوله ورفعها أى : خبر إن أى وهى قراءة شاذة ، وقوله مع رفع الميتة أى : على أنه نائب فاعل وهى شاذة أيضا (قوله : الكواشى) بضم الكاف وتخفيف الواو نسبة إلى كواشة حصن من أعمال الموصل ، وهو الإمام موفق الدين أحمد بن يوسف بن الحسين الكواشى كان من الأكابر ينفق من الغيب وله كرامات عدة (قوله : فعلى القراءة الأولى) أى : وهو حرم مبنيا للفاعل مع نصب الميتة (قوله : لبقى إن بلا خبر) أى : وجعلها موصولة والعائد ضميرا مستترا يعود على الذى والخير محذوفا ، والتقدير : وإن الذى حرم أى : هو الميتة الله تعالى عكس للمعنى المقصود من الآيات وهو بيان المحرم بالفتح ؛ لأن الكلام حينئذ بيان للمحرم بالكسر مع ما فيه من التكلف وإيقاع ما على العالم وجعلها موصولة والعائد ضمير المفعول محذوفا والميتة بدلا منه أو مفعولا لمحذوف تقديره : أعنى ، والخبر محذوفا والتقدير : إن الذى حرمه الله الميتة ، أو أعنى الميتة ثابت تحريمه تكلف لا ينبغى ارتكابه فى كلام الله

__________________

(١) البقرة : ١٧٣.

٢٥٢

موصولة لبقى (إن) بلا خبر ، والموصول بلا عائد ، وعلى الثانية موصولة لتكون (الْمَيْتَةَ) خبرا ؛ إذ لا يصح ارتفاعها بحرم المبنى للفاعل على ما لا يخفى والمعنى : إن الذى حرمه الله تعالى عليكم هو الميتة ؛ وهذا يفيد القصر (لما مر) فى تعريف المسند من أن نحو : المنطلق زيد ، وزيد المنطلق يفيد قصر الانطلاق على زيد ، فإذا كان (إِنَّما) متضمنا معنى : ما وإلا ، وكان معنى القراءة الأولى : ما حرم الله عليكم إلا الميتة ...

______________________________________________________

تعالى مع وجود وجه صحيح واضح ، على أن فى هذا عكس المعنى المقصود ؛ لأن المقصود بيان حرمة الميتة لا بيان أن الميتة المحرمة حاصلة وثابتة.

(قوله : موصولة) أى والعائد محذوف ؛ لأنه منصوب بحرم (قوله : لتكون الميتة خبرا) أى : لأن لا فاعل بحرم والتقدير : إن الذى حرمه الله عليكم الميتة (قوله : على ما لا يخفى) لأنه لا يستقيم ارتفاع الميتة على أنها فاعل حرم المبنى للمعلوم ؛ لأن المحرم هو الله سبحانه وتعالى وهو مرجع الضمير المستتر فى حرم فإسناد حرم المبنى للفاعل إلى الميتة لا يعقل فتعين أن يكون خبرا ، نعم يجوز على هذه القراءة جعل ما كافة ورفع الميتة على أنه خبر لمحذوف ، والمعنى : إنما حرم الله تعالى عليكم شيئا هو الميتة ، لكن هذا الوجه لا يرتكب لوجود ما هو أسهل منه وهو جعلها موصولة المؤدى لتعريف الجزءين (قوله : والمعنى : إن الذى حرمه الله عليكم هو الميتة) هذا حل معنى وإلا فلا حاجة إلى قوله هو.

(قوله : وهذا يفيد القصر) أى : وهذا المعنى يفيد قصر التحريم على الميتة وما عطف عليها ؛ لأن الذى حرم فى قوة المحرم فهو كالمنطلق فى المنطلق زيد وزيد المنطلق ؛ لأن الموصول فى قوة المعرف باللام فيفيد القصر لما مر. ا ه سرامى.

(قوله : من أن نحو المنطلق زيد) أى : سواء جعلت اللام موصولة أو حرف تعريف ، ونحو المنطلق زيد إلخ كل جملة معرفة الطرفين ، وإنما ذكر زيد المنطلق ، وإن لم يكن مقصودا بالاستشهاد ، إذ المقصود به إنما هو الأول وهو المنطلق زيد ؛ لأن الميتة معرف بلام الجنس فيفيد قصر الميتة على المحرم أيضا كما فى زيد المنطلق ـ كذا فى عبد الحكيم. وفى حاشية الشيخ يس تبعا للفنارى : أن زيد المنطلق ذكر على وجه الاستطراد

٢٥٣

كانت مطابقة للقراءة الثانية ، وإلا لم تكن مطابقة لها لإفادتها القصر ، فمراد السكاكى والمصنف بقراءة النصب والرفع هو القراءة الأولى والثانية ؛ ولهذا لم يتعرضا للاختلاف فى لفظ (حَرَّمَ) بل فى لفظ (الْمَيْتَةَ) رفعا ونصبا ، وأما على القراءة الثالثة ؛ أعنى : رفع (الْمَيْتَةَ) و (حَرَّمَ) مبنيا للمفعول فيحتمل أن تكون (ما) كافة ؛ أى : ما حرم عليكم إلا الميتة ، وأن تكون موصولة ، أى : إن الذى حرم عليكم هو الميتة ؛ ...

______________________________________________________

وإلا فالمسألة من الأول ، واعترض بأن تعريف المسند إليه الجنسى ليس بلازم أن يكون للحصر قلت : إنما يحتمل عدم إفادته لذلك إذا ظهرت له فائدة أخرى وهنا لم تظهر له فائدة أخرى فيحمل على القصر المتبادر (قوله : كانت مطابقة) أى فى إفادة القصر وإن كان سبب القصر مختلفا فيهما ؛ لأن القصر فى قراءة النصب من إنما وفى الرفع من التعريف الجنسى لما عرفت من أن الموصول مع صلته فى قوة المحلى بأل ، وقوله كانت مطابقة أى : كما هو الواجب فى القراءات من التطابق لا التنافى. ا ه يس وتأمله.

(قوله : وإلا لم تكن مطابقة لها) أى : وإلا تكن إنما متضمنة معنى ما وإلا لم تكن القراءة الأولى مطابقة للقراءة الثانية (قوله : لإفادتها) أى : القراءة الثانية القصر بخلاف الأولى فإنها لا تفيده على هذا التقدير (قوله : هو القراءة الأولى والثانية) أى وليس مرادهما بقراءة الرفع القراءة الثالثة ، وقد علمت أن المراد بالقراءة الأولى قراءة النصب ، والقراءة الثانية هى قراءة الرفع مع بناء حرم للفاعل فيهما.

(قوله : ولهذا) أى : لكون مرادهما بقراءة الرفع والنصب ما ذكر (قوله : لم يتعرضا للاختلاف فى لفظ حرم) أى : لعدمه حين كان مرادهما ما سبق ؛ لأن حرم مبنى للفاعل على القراءتين المذكورتين ، وقوله : بل فى لفظ أى : بل تعرضا للاختلاف فى لفظ الميتة لوجود الاختلاف فيه (قوله : وحرم) عطف على رفع ومبنيا حال من حرم وفى نسخة حرم مبنى فتكون الواو للحال (قوله : وأن تكون موصولة) أى : وعلى كل فالقصر حاصل بإنما على الأول أو التعريف الجنسى على الثانى ، وقوله وأن تكون موصولة

٢٥٤

ويرجح هذا ببقاء إن عاملة ـ على ما هو أصلها ـ ، وبعضهم توهم أن مراد السكاكى والمصنف بقراءة الرفع هذه القراءة الثالثة فطالبهما بالسبب فى اختيار كونها موصولة مع أن الزجاج اختار أنها كافة (ولقول النحاة : إنما لإثبات ما يذكر بعده ونفى ما سواه) ...

______________________________________________________

أى : فى محل نصب على أنها اسم إن والميتة خبرها (قوله : ويرجح هذا) أى : الاحتمال الثانى وهو كون ما موصولة وقوله على ما هو أصلها أى : على ما هو الأصل فيها من العمل (قوله : بقراءة الرفع) أى : التى تفوت بها قراءة النصب (قوله : فطالبهما بالسبب فى اختيار كونها موصولة) إن قلت : من أين أتى له ذلك الاختيار؟ قلت : من قوله وهو المطابق لقراءة الرفع لما مر ؛ لأنه لا يصح الإحالة على ما مر إلا إذا كانت موصولة ؛ لأنها لو كانت كافة لم يستند فى إفادة القصر إلى ما مر فى تعريف المسند ، بل لتضمنه معنى ما وإلا كما فى تعريف المسند ، بل لتضمنه معنى ما وإلا كما فى قراءة النصب ، وقد يقال : السبب فى اختيار كونها موصولة موجودة وهو بقاء إن عاملة على ما هو أصلها من العمل (قوله : مع أن الزجاج اختار أنها كافة) أى : نظرا لكونها مرسومة فى المصحف متصلة بأن ، إذ رسم كتابة ما الموصولية الانفصال ورد عليه بأن رسم القرآن لا يجرى على القياس المقرر فى الكتابة ، بل هو سنّة تتبع وكم من أشياء خارجة عن قياس الخط المصطلح عليه ، كما أشار له القاضى فى تفسير أواخر آل عمران (قوله : ولقول النحاة) أى : الذين أخذوا النحو من كلام العرب مشافهة فهم إنما يقولون ما تقرر عندهم من جهة اللغة ، فالنقل عنهم نقل عن اللغة ، وليس المراد النحاة الذين تلقوا القواعد من الكتب المدونة ، والمراد النحاة غير المفسرين فلا تكرار مع ما تقدم ، والمراد أيضا بالنحاة بعضهم لا كلهم لما تقدم من الخلاف فى إفادتها للقصر وعدمه فلا يعارض ما تقدم الشارح (قوله : إنما الإثبات ما يذكر بعده ونفى ما سواه) أى : فدلالتها على ذلك دليل على تضمنها معنى ما التى هى للنفى وعلى معنى إلا التى هى للإثبات ، والحاصل أنه لما كان مفاد إنما ومفاد ما ، وإلا واحدا دال على أنها بمعناهما ، فاندفع ما يقال : إن قول النحاة إنما يدل على وجود معنى القصر فى إنما لا على خصوص تضمنها معنى ما وإلا ،

٢٥٥

أى : سوى ما يذكر بعده ؛ أما فى قصر الموصوف نحو : إنما زيد قائم ؛ فهو لإثبات قيامه ونفى ما سواه من القعود ونحوه ، وأما فى قصر الصفة نحو : إنما يقوم زيد فهو لإثبات قيامه ونفى ما سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما (ولصحة انفصال الضمير معه) أى : مع إنما نحو : إنما يقوم أنا ، فإن الانفصال إنما يجوز عند تعذر الاتصال ، ...

______________________________________________________

فالدليل لا ينتج المدعى ، ثم لا يخفى أن سائر طرق القصر فيها الإثبات والنفى ، وإنما صرح النحاة بذلك فى إنما لخفائهما فيها بخلاف العطف وما وإلا ، وأما التقديم فلا يفيد القصر عند النحاة.

(قوله : أى سوى ما يذكر بعده) أى : مما يقابله ؛ لأن الكلام فى القصر الإضافى (قوله : ونحوه) أى : كالاضطجاع (قوله : ونفى ما سواه من قيام عمرو وبكر إلخ) أى : فما سوى الحكم المذكور بعده فى كل من القصرين مخصوص لظهور أنه لا ينفى كل حكم سواه ، ولا ينافى هذا أن قصر الصفة قد يكون حقيقيا ؛ لأن كونه حقيقيا يكون باعتبار عموم المنفى عنه ، وإن كان الحكم المنفى خاصا (قوله : ولصحة انفصال الضمير) أى : الإتيان به منفصلا مع إنما ، والحال أنه يمكن وصله ، والقاعدة أن الضمير إذا أمكن وصله وجب ، ولا يعدل عن وصله لفصله إلا لموجب ، وموجبات الفصل : إما تقديمه على عامله ، وإما وجود فاصل بينه وبين عامله من الفواصل التى علم أنها توجب فصل الضمير عن عامله ، والتقديم هنا لم يحصل ، والفواصل المعلومة فى النحو لا يصلح منها للتقدير فى موضع إنما إلا ما وإلا فتعين كونها للحصر كما وإلا ، هذا حاصله ، واعترض هذا الدليل بأن فيه دورا وذلك ؛ لأن صحة الانفصال متوقفة على التضمن ، كما قال الشارح : ولا يعرف التضمن إلا بصحة الانفصال للاستدلال بها عليه ، وأجاب بعضهم بأن التوقف الأول وهو توقف صحة الانفصال على التضمن توقف حصول ، والتوقف الثانى وهو توقف معرفة التضمن على صحة الانفصال توقف معرفة ، وحينئذ فالجهة منفكة ، هذا وكان المناسب أن يقول ولوجوب انفصال الضمير معه كما قال ابن مالك ؛ لأن انفصال الضمير عنده مع إنما واجب ، إلا أن يقال إن المصنف راعى قول أبى حيان ـ

٢٥٦

ولا تعذر ههنا إلا بأن يكون المعنى : ما يقوم إلا أنا ؛ فيقع بين الضمير وعامله فصل لغرض ، ثم استشهد على صحة هذا الانفصال ببيت من يستشهد بشعره ولهذا صرح باسمه فقال : (قال : الفرزدق : أنا الذائد) من الذود ؛ وهو الطرد ...

______________________________________________________

القائل بعدم الوجوب مستدلا بأن الضمير قد جاء متصلا فى قوله تعالى : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)(١) فلم يقل : إنما أشكو أنا ، وأجاب صاحب عروس الأفراح : بأن محمل كلام ابن مالك إذا كان الضمير محصورا فيه والمحصور فيه فى الآية الجار والمجرور لا الضمير ، وفى ابن يعقوب : إنما قال لصحة ولم يقل لوجوب مجاراة لظاهر ما قيل من أن إنما لا يجب فصل الضمير معها ، وإن كان التحقيق وجوب فصل الضمير معها متى قصد الحصر فيه ، وإنما يتصل إذا لم يقصد الحصر فيه بل قصد الحصر فى الفعل نحو : إنما قلت أو فى غيره كالآية وفى شرح المفتاح للسيدان قلت إذا أريد حصر الفعل فى الفاعل بطريق إنما فهل يجب انفصاله أو لا؟ قلت : إن ذكر بعد الفعل شىء من متعلقاته وجب فصله وتأخيره دفعا للإلباس وإن لم يذكر احتمل الوجوب طردا للباب وعدم الوجوب بأن يجوز الانفصال نظرا للمعنى والاتصال نظرا للفظ ، إذ لا فاصل لفظيا ، فقول المصنف لصحة انفصال الضمير معه أراد بالصحة ما يعم الوجوب وغيره ـ كذا فى عبد الحكيم.

(قوله : ولا تعذر ههنا إلا بأن يكون إلخ) أى : ولا يتعذر الاتصال هنا إلا بسبب كون المعنى إلخ أى : وعند الاتصال بأن تقول : إنما أقوم يفوت هذا المعنى فالمانع من الاتصال معنوى لا لفظى وقوله بين الضمير هو أنا وعامله هو يقوم ، وانظره مع أن يقوم للغائب وأنا للمتكلم إلا أن يقال : الفاعل فى الحقيقة محذوف أى ما يقوم أحد إلا أنا ، وقوله فصل أى : بألا المقدرة ، وقوله لغرض هو الحصر.

(قوله : ولهذا صرح إلخ) أى : لكون البيت المذكور (٢) بيت من يستشهد بشعره صرح باسمه تقوية للاستشهاد ، إذ لا موجب للكتمان (قوله : وهو الطرد) أى : بسيف

__________________

(١) يوسف : ٨٦.

(٢) البيت :

أنا الذائد الحامى الذمار وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى

وهو للفرزدق فى ديوانه ٢ / ١٥٣ ، والإيضاح / ١٢٦ بتحقيق د / عبد الحميد هنداوى ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٦ ، خزانة الأدب ٤ / ٤٦٥ ، ولسان العرب (قلا) ، ولأمية بن أبى الصلت فى ديوانه / ٤٨ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١١١ ولسان العرب (أنن) ، وتاج العروس (ما).

٢٥٧

(الحامى الذمار) أى : العهد ؛ وفى الأساس : هو الحامى الذمار إذا حمى ما لو لم يحمه ليم وعنف من حماه وحريمه (وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى) لما كان غرضه ...

______________________________________________________

أو غيره وعرف الجزأين لقصد حصر الجنس مبالغة أى : أنا الطارد لمن يعدو لا غيرى إلا من كان على وصفى (قوله : الحامى) أى : الحافظ والذمار بالنصب على المفعولية وبالجر على الإضافة كالضارب الرجل ، والمراد ذماره (قوله : العهد) هذا معنى الذمار لغة يقال : فلان حمى ذماره أى : وفى بعهده ومعناه عرفا هو ما ذكره الشارح عن الأساس وهو ما يلام الإنسان على عدم حمايته من حماه وحريمه مأخوذ من الذمر وهو الحث ؛ لأن ما تجب حمايته كانوا يتذامرون أى : يحث بعضهم بعضا على الدفع عنه فى الحروب ـ قاله اليعقوبى ، وقال بعضهم : إنما سمى ما ذكر ذمارا ؛ لأنه يجب على أهله التذمير أى : التشمير لدفع العار عنه.

(قوله : من حماه) بيان لما والحمى ما يحميه الإنسان من مال أو نفس أو غيره فعطف الحريم عليه عطف خاص على عام ـ قرره شيخنا العدوى ، وقوله ، ليم : بالبناء للمفعول من الملامة وقوله عنف بالتشديد أى : شدد عليه (قوله : وإنما يدافع إلخ) الواو ليست بعاطفة ؛ لأن الجملة تذييلية والواو فى مثلها اعتراضية وفيها معنى التعليل كأنه قيل أنا الذائد الحامى ؛ لأنى شجاع وطاعن ، قال السيرامى : والقصر فى إنما يدافع محتمل للأقسام الثلاثة بحسب اعتقاد المخاطب وهو مبنى على أن إنما تستعمل فى قصر الأفراد فى الكلام المعتد به (قوله : عن أحسابهم) جمع حسب وهو ما يعده المرء من مفاخر نفسه وآبائه ، والمراد به هنا الأعراض ، وأما النسب فهو الانتساب للأب ـ قاله السيرامى.

(قوله : لما كان غرضه إلخ) حاصله أنه إذا أخر الضمير عن الأحساب بعد فصله كان الضمير محصورا فيه ؛ لأن المحصور فيه يجب تأخيره فيكون المعنى حينئذ لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا لا غيرى ، وهذا لا ينافى مدافعته عن أحساب غيرهم أيضا ، ولو أخر الأحساب لكانت محصورا فيها ، وكان الواجب حينئذ وصل الضمير وتحويل الفعل إلى صيغة التكلم فيكون التقدير هكذا : وإنما أدافع عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم ، ولما

٢٥٨

أن يخص المدافع لا المدافع عنه فصل الضمير وأخره ؛ إذ لو قال : وإنما أدافع عن أحسابهم لصار المعنى أنه يدافع عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم ؛ وهو ليس بمقصود ، ولا يجوز أن يقال : إنه محمول على الضرورة ؛ لأنه كان يصح أن يقال : إنما أدافع عن أحسابهم أنا ؛ على أن يكون أنا تأكيدا ؛ ...

______________________________________________________

كان غرض الفرزدق الحصر الأول دون الثانى ارتكب التعبير الأول المفيد له ، وعلمنا أن ذلك غرضه من خارج وهو قرينة المدح (قوله : أن يخص المدافع) أى : بالمدافعة فهو من قصر الصفة على الموصوف والمدافع على صيغة اسم الفاعل (قوله : لا المدافع عنه) أى : هو الأحساب (قوله : فصل الضمير) أى : فى الاختيار وقوله وأخره أى : عن الأحساب لوجوب تأخير المحصور فيه عن المحصور (قوله : إذ لو قال) علة لمحذوف أى : ولو أخر الأحساب وأوصل الضمير بالفعل لفات ذلك الغرض ، إذ لو قال إلخ (قوله : لصار المعنى إلخ) أى : فيكون من قصر الموصوف على الصفة (قوله : وهو ليس بمقصود) أى : لما فيه من القصور فى المدح مع أن المقام مقام المبالغة ؛ لأنه فى معرض التفاخر وعد المآثر على أن المدافعة عن أحساب معينة تتأتى ممن هو مكروه لابطل.

(قوله : ولا يجوز أن يقال) أى : فى منع الاستشهاد بالبيت ، وحاصله أن ما ذكرتموه من أن فصل الضمير وتأخيره دليل على الحصر ؛ لأن ذلك الفصل إنما هو لتقدير فاصل ـ وهو إلا ـ ممنوع ، إذ لا نسلم أن ذلك الفصل لتقدير فاصل وما المانع من أن يكون الفصل للضرورة ؛ لأنه لو قيل وإنما أدافع عن أحسابهم أو مثلى لا نكسر البيت فعدل إلى فعل الغيبة ؛ لأنه هو الذى يمكن معه الفصل دون فعل المتكلم لوجوب استتار الضمير فيه وحينئذ فلا يكون فصل الضمير مع إنما فى البيت لتضمنه معنى ما وإلا فلم يتم الاستدلال (قوله : لأنه كان إلخ) حاصل ذلك الجواب أن هنا مندوحة عن ارتكاب الفصل المحوج لجعل الفعل غيبة وهو أن يؤتى بفعل المتكلم ، ثم يؤتى بالضمير لتأكيد المستكن لا أنه فاعل مفصول وذلك بأن يقال مثلا : وإنما أدافع عن أحسابهم أنا ، والوزن واحد ، فلو لم يكن الحصر الموجب لفصل ضمير الفاعل مقصودا لأتى بالتركيب هكذا فيتجه أن يدعى أنه لا فصل للفاعل فلا قصر ، وهذا الجواب إنما يتم بناء على قول ابن

٢٥٩

وليست ما موصولة اسم إن وأنا خبرها ؛ إذ لا ضرورة فى العدول عن لفظ من إلى لفظ ما.

______________________________________________________

مالك : إن الضرورة هى ما لا مندوحة ولا مخلص للشاعر عنه ، وأما إن بنى على أنها ما وقع فى الشعر مطلقا كان للشاعر عنه مندوحة أم لا لم يتم ، وهذا الثانى هو الذى اختاره الدمامينى فى شرح المغنى ورد ما قاله ابن مالك باقتضائه عدم تحقق الضرورة دائما أو غالبا ؛ لأن الشعراء قادرون على تغيير التراكيب والإتيان بالأساليب المختلفة فلا يتحقق تركيب مفيد لا مندوحة له عنه.

بقى شىء آخر وهو أن ما جعل دافعا للضرورة يلزم عليه عطف مثلى على فاعل أدافع من أنه لا يصح أن يقال أدافع مثلى ؛ لأن المضارع المبدوء بالهمزة لا يرفع الظاهر إلا أن يقال : يغتفر فى التابع مالا يغتفر فى المتبوع كما قيل فى قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١) أو أن مثلى فاعل فعل محذوف أى : أو يدافع مثلى وهو من عطف الجمل (قوله : وليست ما موصولة) هذا جواب عن منع وارد على استشهاد المتن بالبيت وهو أن يقال : عندنا وجه يوجب فصل الضمير من غير تقدير كون إنما بمعنى ما وإلا ، وحينئذ فلا يتم هذا الشاهد على المراد وهو أن تجعل ما موصولة وأنا خبرها وجملة يدافع عن أحسابهم صلتها والمعنى حينئذ أن الذى يدافع عن أحسابهم أنا كما تقول : إن الذى ضرب زيدا أنا فيفيد الكلام الحصر بتعريف الجزأين كما فى قراءة إنما حرم عليكم الميتة بالرفع ويكون فصل الضمير لكونه خبرا وليس مرفوعا بالفعل حتى يكون مفصولا عنه ، وحاصل الجواب أن المقام مقام افتخار فلا يناسبه التعبير بما التى هى لغير العاقل مع إمكان التعبير بمن واستقامة الوزن فلا وجه للتعبير من البليغ بما فى موضع من ، وأيضا لو كانت موصولة لكتبت مفصولة عن إن وأيضا الموافق لما قبله أعنى قوله أنا الذائد أن لا يكون أنا فى قوله وإنما يدافع إلخ خبرا فإن أنا فى الأول مسند إليه ، لأنه مبتدأ مقدم (قوله : إذ لا ضرورة إلخ) أى : وإذا كان لا ضرورة فى العدول علم أنه لم يقصد هذا المعنى وإنما قصد ما يدافع إلا أنا ، فقد أفادت إنما القصر

__________________

(١) البقرة : ٣٥.

٢٦٠