حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

وأورد : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(١) ...

______________________________________________________

بغير اسم الله ويهتمون بذلك الغير فقصد الموحد الرد عليهم يكون بتخصيص اسم الله بالابتداء والاهتمام به ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

وتخصيص الموحد اسم الله بالابتداء للرد عليهم من باب قصر القلب ؛ لأنه لرد الخطأ فى التعيين إن كان الكفار قاصدين بقولهم باسم اللات والعزى أى : لا غير ذلك ، وإن أرادوا باسم اللات والعزى لتقربنا إلى الله كانوا معتقدين للشركة ، فيكون القصر المفاد بالتقديم فى : بسم الله لرد الخطأ فى الشركة وهو قصر إفراد. ا ه.

لكن العلامة اليعقوبى استشكل كون التقديم فى كلامهم ـ لعنة الله عليهم ـ للتخصيص حيث قال : إن تقديم المجرور فى قولهم باسم اللات مثلا لا يصح أن يكون للاختصاص لاعتقادهم ألوهية الله ولابتدائهم باسمه فى بعض الأوقات من غير إنكار عليهم ، ولا يصح أن يكون للاهتمام ؛ لأنه أعظم الآلهة ؛ لأنهم ـ قبحهم الله ـ إنما يعبدون غيره ليقربهم إليه وهم بلغاء فصحاء فما مفاد هذا التقدير ـ اللهم إلا أن يقال : التقديم للاهتمام ؛ لأن المقام مقام الاستشفاع بتلك الآلهة ، فإن قلت الاختصاص حيث يقصد به الرد إنما يكون للرد على من زعم اختصاص الغير أو مشاركته فى الحكم فإذا قيل : بسم الله وقصد الاختصاص كان المعنى : إنى أبتدئ بسم الله لا بغيره فقط أو لا بغيره معه ، كما تعتقد أيها المخاطب والمشركون لا يعتقدون أن المؤمنين يبتدئون بأسماء آلهتهم مع الله تعالى ولا بأسماء آلهتهم بانفرادها فكيف صح التخصيص هنا للرد على المشركين؟ قلت : الرد عليهم فى اعتقادهم أن الآلهة ينبغى أن يبتدأ بأسمائها ، فلما حصر المؤمن الابتداء فى اسم الله تعالى فهم منه أنه لا ينبغى لى أن أبتدئ مع الله تعالى باسم آلهتك أيها المشرك لبطلانها وهدم نفعها فلا يلتفت إلى الابتداء بها ، فالحصر بالنظر إلى نفى إمكان الابتداء بأسماء الآلهة وانبغائه كما عليه المخاطب لا بالنظر إلى نفى الوقوع ـ ا. ه كلامه.

واعلم أن قصد الموحد الرد عليهم ظاهر على جعل جملة البسملة خبرية أما على جعلها إنشائية فيرد أن الإنشاء لا حكم فيه فكيف يتأتى الرد إلا أن يجاب بأن هذا

__________________

(١) العلق : ١.

٢٠١

يعنى : لو كان التقديم مفيدا للاختصاص والاهتمام لوجب أن يؤخر الفعل ويقدم : (بِاسْمِ رَبِّكَ ؛) لأن كلام الله تعالى أحق برعاية ما تجب رعايته (وأجيب بأن الأهم فيه القراءة) ...

______________________________________________________

الإنشاء تضمن خبرا وهو أنه لا ينبغى الابتداء باسم غير الله وهذا الحكم ينكره المشركون على أن كلام الشارح فيما مر يفيد أن التخصيص الواقع فى الإنشاء لا يعتبر فيه رد الخطأ ، بل يعتبر فيه الثبوت للمذكور والنفى عن الغير من غير التفات إلى كونه ردا للخطأ نحو : عمرا أكرم أو لا تكرم ، لكن ظاهر ما يأتى فى أقسام القصر الثلاثة أنه ينظر فيها لاعتقاد المخاطب مطلقا فى الخبر والإنشاء (قوله : يعنى لو كان التقديم إلخ) هذا يدل على أنه إيراد على قوله ويفيد التقديم وراء التخصيص اهتماما فقوله ويرد عليه أى : على كون التقديم يفيد الاهتمام والاختصاص فى الغالب ويرد عليه بأن كون كلام الله أحق برعاية ما تجب رعايته مسلم ، لكن إذا ثبت أن الاختصاص مع الاهتمام واجب الرعاية فى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وهو ممنوع ، فالوجه أن يكون واردا على قوله ؛ ولهذا يقدر المحذوف مؤخرا كما قرره فى شرح المفتاح حيث قال : وإذا كان الواجب تقدير الفعل مؤخرا فما بال قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(١) قدم الفعل فيه ، والحال أن كلام الله تعالى أحق برعاية ما تجب رعايته.

(قوله : أحق برعاية ما تجب إلخ) أى أحق برعاية النكات التى تجب رعايتها فى الكلام البليغ (قوله : بأن الأهم فيه) أى : فى ذلك القول وهو (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وفى نسخة الأهم فيها أى : فى آية (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (قوله : لأنها أول إلخ) أى : وإنما كانت القراءة فى تلك الآية أهم ؛ لأنها أول آية نزلت من سورة ، فلما كانت أول آية نزلت كان الأمر بالقراءة فيها أهم من ذكر اسم الله فلذلك قدم ، وإنما كان الأمر بالقراءة أهم لما ذكر ؛ لأن المقصود بالذات من الإنزال حفظ المنزل وهو متوقف على القراءة وكون الأمر بالقراءة فى هذه الآية أهم لما ذكر لا ينافى كون ذكر اسم الرب أهم لذاته فتأخيره لا يفيد الشرف المقتضى للأهمية فى الجملة ، والحاصل أن الاهتمام

__________________

(١) العلق : ١.

٢٠٢

لأنها أول سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهم باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله أهم فى نفسه ؛ هذا جواب جار الله العلامة فى الكشاف (وبأنه) أى : (بِاسْمِ رَبِّكَ) ...

______________________________________________________

بذكر الله باسمه أمر ذاتى والاهتمام بالقراءة أمر عارض من حيث إن المقصود من الإنزال الحفظ المتوقف عليها فقدم الاهتمام بحسب العارض على الاهتمام الذاتى فمفاضلة القراءة على ذكر اسم الله بحسب العرض ، ومفاضلة ذكر اسم الله على القراءة بحسب الذات ، فاعتبرت المفاضلة التى سببها العروض ، وفيه أن مقتضى هذا أن يكون ذكر الله مقدما ؛ لأنه بالذات ويمكن أن يقال : إن المفاضلة التى موجبها العروض كالناسخة للتى موجبها أمر ذاتى لاقتضاء المقام إياها فعلم من هذا أن الأهمية الذاتية إنما تفيد التقديم إن لم يعارضها مناسبة المقام الذى هو مقتضى البلاغة التى هى أعظم ما وقع به إعجاز القرآن ـ كذا قرر شيخنا العلامة العدوى.

(قوله : لأنها أول سورة نزلت) وقيل : أول ما نزل سورة الفاتحة ، وقيل أول ما نزل أول سورة المدثر ، والتحقيق أن الخلاف لفظى ؛ لأن أول سورة نزلت بتمامها سورة الفاتحة ، وأول آية نزلت على الإطلاق اقرأ باسم ربك إلى قوله : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)(١) وأول آية نزلت بعد فترة الوحى أول المدثر ، فمن قال : أول سورة نزلت الفاتحة مراده أول سورة نزلت بتمامها ، ومن قال : أول ما نزل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) مراده أول ما نزل على الإطلاق ، ومن قال : أول ما نزل أول المدثر مراده أول ما نزل بعد فترة الوحى.

إذا علمت هذا فقول الشارح : لأنها أول سورة نزلت فيه مسامحة ، والأولى أن يقول : ول آية نزلت من سورة (قوله : فكان الأمر بالقراءة أهم) أى : فلذا قدم وقوله باعتبار هذا العارض وهو كونها أول ما نزل أى : والمقصود من الإنزال الحفظ وهو متوقف عليها (قوله : وإن كان ذكر الله) أى : باسمه والواو للحال وإن وصلية ، وقوله فى نفسه أى : باعتبار ذاته ، واعترض هذا الجواب العلامة الحفيد قائلا : إن

__________________

(١) العلق : ٥.

٢٠٣

(متعلق ب (اقْرَأْ) الثانى) أى : هو مفعول اقرأ الذى بعده ...

______________________________________________________

أسماءه تعالى لا يساويها شىء فى الأهمية ولا يقاربها فلا يقال : القراءة أهم من اسم الله ولا الأمر بها أيضا لما فى ذلك من البشاعة الظاهرة ، وأجيب بأن المراد الأمر بمطلق القراءة أهم من الأمر باختصاص القراءة باسمه تعالى وهى التى قدم فيها اسمه تعالى وإن كان اسم الله أهم بالنظر إلى ذاته ، فاسمه تعالى بالنظر إلى ذاته أهم من القراءة ومن الأمر بها ، وأما بالنظر إلى القراءة المشتملة عن تقديمه فمطلق القراءة أهم نظرا إلى ذلك العارض وهو السبق فى النزول ، وإنما اعتبرت تلك الأهمية ؛ لأن الأمر بالقراءة لم يكن معلوما للمخاطب فى حال الخطاب فذكر الفعل أولا ليعلم حال القراءة ولو قدم اسمه تعالى لاقتضى أن الأمر بالقراءة معلوم للمخاطب والمجهول إنما هو ما تلبست به القراءة من اسمه تعالى فقدم لبيانه وليس كذلك ، ولا يخفى أن هذا بعيد من كلام الشارح والأقرب إليه ما تقدم من تقرير شيخنا العدوى.

(قوله : متعلق باقرأ الثانى) أى : على أنه مفعول والباء زائدة لتأكيد الملابسة لإفادة الدوام والتكرار فيكون المعنى اقرأ اسم ربك أى : اذكره على وجه التكرار دائما ، وهذا بخلاف ما لو قيل اقرأ اسم ربك فإن معناه اقرأ أى : اذكره ولو مرة ، وعلى هذا الاحتمال يكون اسم ربك هو المقروء : " وهو المناسب لما ورد من قوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ما أنا بقارىء" (١) إذ هو اعتذار متضمن لطلب ما يقرأ ، ويحتمل أن يكون متعلقا باقرأ الثانى على أن الباء للمصاحبة التبركية أو الاستعانة ويكون اقرأ الثانى إما لازما باعتبار المقروء أى : أوجد القراءة متبركا أو مستعينا باسم ربك وإما متعديا أى : اقرأ القرآن متبركا أو مستعينا باسم ربك فهذه احتمالات ثلاثة ، وحاصلها أن اقرأ الثانى متعد ومفعوله باسم ربك بزيادة الباء أو متعد ومفعوله محذوف أو لازم ، وأما الأول فلازم كما قاله المصنف لكن احتمال كون اقرأ الثانى لازما لا يناسب كلام المصنف ، بل المناسب له أنه متعد بجعل الباء زائدة للدوام أو بحذف المفعول وهو القرآن ؛ لأن تفسير المصنف للأول بما يقتضى لزومه إنما هو لإفادة مخالفته للثانى ، وإنما يخالفه بجعل

__________________

(١) رواه البخارى فى بدء الوحى ج (٦).

٢٠٤

(ومعنى) اقرأ (الأول : أوجد القراءة) من غير اعتبار تعديته إلى مقروء به كما فى : فلان يعطى ؛ كذا فى المفتاح.

______________________________________________________

الثانى متعديا وإلا لم يكن لذلك التفسير فائدة واحتمال تعدى الثانى بحذف المفعول وهو القرآن معترض بأن القرآن لم يكن معهودا وقت النزول حتى يحذف ؛ لأن هذا أول ما نزل فلا قرينة على المحذوف حينئذ على أن احتمال التنزيل ، وكذا حذف المفعول يستلزم طلب القراءة بدون المقروء وهذا محال ، فإما أن يقال بوقوع التكليف بالمحال كما هو مذهب بعض الأشاعرة أو تأخير البيان لوقت الحاجة ، لكن الظاهر أنه طلب للقراءة فى الحال بدليل جوابه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بقوله : ما أنا بقارىء ثلاث مرات ، فالوجه جعل اقرأ الثانى متعديا بزيادة الباء لإفادة التكرار والدوام (قوله : ومعنى الأول إلخ) أى : فقد نزل الفعل المتعدى منزلة اللازم وعلى هذا لا يكون اقرأ الثانى تأكيدا للأول ، بل هو مستأنف استئنافا بيانيا جواب لقوله كيف اقرأ ؛ وذلك لأن الثانى أخص ولا تأكيد بين أخص وأعم ، وحينئذ اندفع ما يقال يلزم على جعل الأول لازما والثانى متعديا عاملا فى الجار والمجرور المتقدم عليه الفصل بين المؤكد والتأكيد بمعمول التأكيد سلمنا أن الأخص يؤكد الأعم فلا نسلم امتناع الفصل بين التأكيد والمؤكد بمعمول التأكيد كالفصل بين الموصوف والصفة بمعمولها كقولك : مررت برجل عمرا ضارب.

(قوله : من غير اعتبار تعديته إلى مقروبه) أى : إلى ما تعلقت به القراءة ووقعت عليه والأوضح حذف به أى : وأما على الجواب الأول فقد اعتبر تعديته إلى مقروء وهو اسم ربك ، وإنما كان الأوضح ما ذكر ؛ لأن التعبير المذكور إنما يناسب احتمال كون اقرأ الأول لازما أو متعديا لمفعول محذوف والياء للاستعانة ، وحينئذ فينحل معنى كلام الشارح إلى قولنا من غير اعتبار تعديته إلى مقروء به أى : بخلافه على الجواب الأول فقد اعتبر تعديته لمقروء به فاسم ربك على الجواب الأول مقروء به ؛ لأنه مستعان أو متبرك به فى القراءة لا مقروء لأن المراد اقرأ القرآن أو أوجد القراءة مستعينا أو متبركا باسم ربك وقد علمت ما يرد على كل من الاحتمالين بالنسبة لاقرأ الثانى ، ويقال مثل ذلك بالنسبة لاقرأ الأول ـ تأمل كذا قرر شيخنا العدوى.

٢٠٥

(وتقديم بعض معمولاته) أى : معمولات الفعل (على بعض لأن أصله) أى : أصل ذلك البعض (التقديم) على البعض الآخر (ولا مقتضى للعدول عنه) أى : عن الأصل (كالفاعل فى نحو : ضرب زيد عمرا) لأنه عمدة فى الكلام وحقا أن يلى الفعل ، وإنما قال فى نحو : ضرب زيد عمرا ـ لأن فى نحو : ضرب زيدا غلامه مقتضيا للعدول عن الأصل (والمفعول الأول فى نحو : أعطيت زيدا درهما)

______________________________________________________

(قوله : وتقديم بعض معمولاته إلخ) هذا هو المطلب الثالث من مطالب هذا الباب أى : أن من أحوال متعلقات الفعل تقديم بعض معمولات الفعل على بعض وأراد بمعمولاته كل ما له ارتباط به الشامل للمسند إليه ، وإن كان الباب معقودا للمتعلقات التى هى ما عدا المسند إليه والقرينة على هذه الإرادة قوله كالفاعل إلخ (قوله : لأن أصله التقديم) علة لمحذوف أى : يكون ذلك التقديم إما لأن إلخ ، وقوله أى : أصل ذلك البعض أى : المتقدم (قوله : ولا مقتضى للعدول عنه) المقتضى للعدول عن الأصل مثل اتصال الفاعل بضمير المفعول المقتضى لتقدم المفعول ؛ لأنه مرجع الضمير وتأخير الفاعل ، ثم إن اللام فى قوله للعدول ، وإن كانت صلة لمقتضى فالفتحة فيه نصب وسقوط التنوين تشبيها له بالمضاف ، وإن لم تكن صلة فالفتحة بنائية والجار متعلق بمحذوف يدل عليه لفظ مقتضى أشار للوجهين فى المغنى.

(قوله : لأنه عمدة إلخ) أى : إنما كان أصل الفاعل التقديم ؛ لأنه عمدة فى الكلام أى : لا يتقوم الكلام بدونه بخلاف المفعول فسقط ما فى الحفيد ، ونص ما فى الحفيد : إن التعليل بالعمدية لأصالة التقديم غير صحيح ؛ لأن المفعول عمدة أيضا بالنسبة للفعل المتعدى ؛ لأن تعقله يتوقف على تعقل المفعول مع أنه ليس أصله التقديم ، فالأولى تعليل أصالة التقديم فى الفاعل بكونه مقدما على المفعول فى تعلق الفعل ؛ لأن الفعل يتعلق أولا بالفاعل ، ثم بالمفعول فالمناسب لترتيب المعنى أن يقدم الفاعل ، ورد هذا الاعتراض بأن المفعول فضلة مطلقا سواء كان الفعل لازما أو متعديا والفعل المتعدى إنما يتوقف تعقله على شىء يقوم به أو يقع عليه بدليل أن الكلام يتم بالفعل المتعدى مع الفاعل ولا يتم بالفعل المذكور مع المفعول كما مر.

(قوله : وحقه أن يلى الفعل) أى : لأنه لشدة طلب الفعل له صار كالجزء منه وما هو كالجزء أولى بالتقديم مما هو فى حكم الانفصال (قوله : مقتضيا للعدول عن الأصل)

٢٠٦

فإن أصله التقديم لما فيه من معنى الفاعلية ؛ وهو أنه عاط ؛ أى : آخذ للعطاء (أو لأن ذكره) أى : ذكر ذلك البعض الذى يقدم (أهم) ...

______________________________________________________

أى : وهو اتصال الفاعل بضمير المفعول المقتضى لتقدم المفعول ، إذ لو قدم الفاعل حينئذ لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة (قوله : فإن أصله) أى : أصل المفعول الأول وهو زيدا فى المثال (قوله : أنه عاط) من عطوت الشىء تناولته (وقوله أى : آخذ للعطاء) أى :الشىء المعطى وهو الدراهم فقولك أعطيت زيدا درهما فى معنى أخذ زيد منى درهما (قوله : أو لأن ذكره أهم) أى : كما لو كان تعلق الفعل بذلك المقدم هو المقصود بالذات لغرض من الأغراض فيقدم على المعمول الآخر ، وذلك كما فى المثال الآتى ، فإن تعلق القتل بالخارجى هو المقصود بالذات ليستريح الناس من أذاه دون تعلقه بالقاتل ، ولو كان فاعلا فيكون ذكره أولا لكونه أهم (قوله : جعل الأهمية إلخ) هذا اعتراض على المصنف حيث خالف صنيعه هنا ما ذكره فى باب المسند إليه ؛ وذلك لأنه فيما تقدم جعل الأهمية أمرا شاملا لكون الأصل التقديم ولغيره حيث قال ، وأما تقديمه فلكون ذكره أهم إما لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه وإما ليتمكن الخبر فى ذهن السامع وإما لتعجيل المسرة أو المساءة إلخ ، وهنا جعل الأهمية قسيما لكون الأصل التقديم فمقتضى ما تقدم أن يكون المصنف هنا عطف العام على الخاص بأو وهو لا يجوز ، وأجاب الشارح عن هذا الاعتراض بالتوفيق بين الكلام وعدم لزوم العطف المذكور بقوله فمراد المصنف بالأهمية فيما تقدم مطلق الأهمية ، ومراده بالأهمية هنا الأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم وتوضيح ذلك الجواب أن الأهمية المطلقة أى : الغير المقيدة بذاتية أو عرضية لها أسباب منها أصالة التقديم وتمكين الخبر فى ذهن السامع وتعجيل المسرة أو المساءة إلى غير ذلك مما تقدم فإن كان سببها غير كون الأصل التقديم من تعجيل المسرة أو المساءة أو تمكين الخبر فى ذهن السامع ، فالأهمية عرضية وإن كان سببها كون الأصل التقديم فالأهمية ذاتية ، فالمصنف أراد بالأهمية هنا الأهمية العارضة المقابلة للأهمية الذاتية وأراد بالأهمية السابقة فى باب المسند إليه مطلق الأهمية الشاملة للذاتية والعرضية ، وحينئذ فعطف الأهمية فى كلامه على كون الأصل التقديم من عطف

٢٠٧

جعل الأهمية هاهنا قسيما لكون الأصل التقديم ، وجعلها فى المسند إليه شاملا له ولغيره من الأمور المقتضية للتقديم ؛ وهو الموافق للمفتاح ؛ ولما ذكره الشيخ عبد القاهر حيث قال : إنا لم نجدهم اعتمدوا فى التقديم شيئا يجرى مجرى الأصل غير العناية والاهتمام ، ...

______________________________________________________

المغاير فصح جعله هنا الأهمية قسيما لكون الأصل التقديم ، لكن يرد على هذا الجواب أن ما ذكره هنا بعد الأهمية من كون التأخير فيه إخلال ببيان المعنى والتناسب من جملة أسباب الأهمية العرضية فيكون مندرجا فيها فكيف يجعله قسيما لها ، وحاصل ما أجيب به أنا نريد بالأهمية العرضية هنا ما كان سببها غير ما ذكر بعد وغير أصالة التقديم ، فالاحتراز عن الإخلال ببيان المعنى والتناسب ليسا داخلين عنده فى الأهمية ـ كذا قرر شيخنا العلامة العدوى.

(قوله : جعل إلخ) أى : لأن العطف يقتضى المغايرة (قوله : قسيما لكون الأصل التقديم إلخ) أخذ الشارح الكونية من قول المصنف ؛ لأن أصله التقديم ؛ لأن أن وما دخلت عليه فى تأويل الكون لجمود خبرها (قوله : شاملا) أى : أمرا شاملا له أى : لكون الأصل التقديم ولغير كونه الأصل ؛ وذلك لأنه جعلها فيما تقدم مقسما ، حيث قال : وأما تقديمه فلكون ذكره أهم إما لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه ، وإما ليتمكن الخبر فى ذهن السامع إلى آخر ما مر (قوله : من الأمور إلخ) بيان لذلك الغير (قوله : وهو) أى : جعل الأهمية أمرا شاملا لأصالة التقديم وغيره من شمول الشىء لأسبابه الموافق للمفتاح ولما ذكره الشيخ عبد القاهر يعنى فى دلائل الإعجاز (قوله : حيث قال) أى : الشيخ عبد القاهر ، وهذه حيثية تعليل (قوله : فى التقديم) أى : فى الأغراض الموجبة له (قوله : يجرى مجرى الأصل) أى : مجرى القاعدة الكلية الشاملة لجميع أغراضه (قوله : والاهتمام) عطف تفسير فجعل الاهتمام كالقاعدة الكلية فى مطلق الشمول ؛ وذلك لأن الاهتمام بالشىء صادق بأن يكون من جهة أصالة تقديمه أو من جهة تمكنه فى ذهن السامع أو من جهة تعجيل المسرة أو المساءة إلخ ، وجعله كالقاعدة حيث قال يجرى مجرى الأصل ولم يجعله قاعدة بحيث يقول شيئا هو الأصل ؛ لأن شمول القاعدة لجزئياتها

٢٠٨

لكن ينبغى أن يفسر وجه العناية بشىء يعرف له معنى ، وقد ظن كثير من الناس أنه يكفى أن يقال : قدم للعناية ولكونه أهم من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية ، وبم كان أهم؟ فمراد المصنف بالأهمية هاهنا الأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم أو السامع بشأنه والاهتمام بحاله لغرض من الأغراض (كقولك : قتل الخارجى فلان) ...

______________________________________________________

وشمول الاهتمام لأسبابه (قوله : لكن ينبغى إلخ) هذا من جملة كلام الشيخ وقوله وجه العناية أى : سببها وقوله يعرف له أى : لذلك الشىء معنى أى : مزية ، واعتبار مثل أصالة التقديم وتمكين الخبر فى ذهن السامع ، ولا يقال : إن الشىء نفس المعنى ؛ لأنك إذا قلت قدم هذا ؛ لأنه أهم لكون الأصل تقديمه ، فقولك لكون الأصل تقديمه لا بد من معرفة معناه أى : وجهه وسببه بأن يقال : لأنه مسند إليه والأصل فيه أن يكون مقدما إلى غير ذلك كذا قرر شيخنا العدوى.

وعلم من كلام الشيخ عبد القاهر هذا أنه لا يكفى أن يقال قدم هذا الشىء للاهتمام به ، بل لا بد من بيان سبب الاهتمام بأن يقال اهتم به لكون الأصل تقديمه ولا مقتضى للعدول عن تلك الأصالة أو لأجل أن يتمكن الخبر فى ذهن السامع إلخ (قوله : ولكونه أهم) تفسير لما قبله (قوله : من غير أن يذكر من أين كانت) أى : من غير أن يذكر جواب من أين كانت وجواب ذلك ذكر سببها ، وحينئذ فالمعنى من غير ذكر سببها وجهها وقوله وبم كان؟ أى : وبأى سبب كان تفسير لما قبله (قوله : فمراد المصنف) أى : وحين إذ كان كلام المصنف هنا مخالفا لما مر فى المسند إليه الموافق لما فى المفتاح ، ولما ذكره الشيخ عبد القاهر فيتعين أن مراد المصنف إلخ (قوله : الأهمية العارضة) أى : لا مطلق الأهمية أى : بخلاف ما مر فى المسند إليه ، فإن مراده بها الأهمية المطلقة الصادقة بالذاتية والعارضة والدليل على أن مراد المصنف بالأهمية هنا الأهمية العارضة ما تقرر من أن العام إذا قوبل بالخاص يراد به ما عدا الخاص (قوله : بحسب اعتناء المتكلم) أى : سواء وافق نفس الأمر أو لا (قوله : بشأنه) أى : بشأن المقدم (قوله : لغرض من الأغراض) أى : غير أصالة التقديم كما تقدم (قوله : قتل الخارجى فلان) الخارجى هو الخارج على السلطان فالنسبة إليه من نسبة الجزئى للكلى.

٢٠٩

لأن الأهم فى تعلق القتل هو الخارجى المقتول ليتخلص الناس من شره (أو لأن فى التأخير إخلالا ببيان المعنى نحو : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ)(١) فإنه لو أخر) قوله : (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) عن قوله : (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (لتوهم أنه من صلة يكتم) أى : يكتم إيمانه من آل فرعون ...

______________________________________________________

(قوله : لأن الأهم إلخ) يعنى إن إفادة وقوع القتل على الخارجى أهم من إفادة وقوعه من فلان ؛ لأن قصد الناس وقوع القتل على الخارجى لا وقوع القتل من فلان (قوله : أو لأن فى التأخير) أى : تأخير ذلك المفعول المقدم ، (وقوله : إخلالا ببيان المعنى) أى : المراد وذلك بأن يكون التأخير موهما لمعنى آخر غير مراد فيقدم لأجل التحرز والتباعد عن ذلك الإيهام (قوله : أنه من صلة يكتم) أى : لتوهم أنه بعض معمولاته والبعض الآخر قوله : إيمانه ، والحاصل أنه على تقدير تأخير الجار والمجرور لا تكون صلة يكتم منحصرة فيه ، إذ من صلته حينئذ المفعول وهو إيمانه وهذا هو السر فى تعبير المصنف بمن التبعيضية ، وقوله لتوهم أى : توهما قويا فلا ينافى أن هذا التوهم حاصل فى حال تقديمه أيضا لاحتمال تعلقه به مع التقديم لكنه ضعيف ، فإن قلت أن التأخير لا يوهم كونه من صلة يكتم إلا لو كان يكتم يتعدى بمن ومن المعلوم أنه إنما يتعدى بنفسه ، إذ يقال : كتمت زيدا الحديث كما قال الله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)(٢) أجيب بأنه سمع أيضا تعديته بمن فيعرض الإيهام بسبب ذلك ؛ فإن قلت : إن تقديم الجار والمجرور على الجملة فيما إذا كان كل منهما نعتا هو الأصل ، إذ القاعدة عند اختلاف النعوت تقديم النعت المفرد ، ثم الظرف ، ثم الجملة ، وحينئذ فالآية المذكورة مما جرى فيها التقديم على الأصل لا مما قدم لغرض آخر يجاب بأن النكات لا تتزاحم فيجوز تعدادها ويرجح بعضها على بعض اعتبار المتكلم ، فيجوز أن يقال قدم الجار والمجرور ؛ لأنه الأصل لقربه من المفرد ؛ لأن الأصل تقديره بالمفرد وأن يقال : قدم لأن فى تأخيره إخلالا بالمراد.

__________________

(١) غافر : ٢٨.

(٢) النساء : ٤٢.

٢١٠

(فلم يفهم أنه) أى : ذلك الرجل كان (منهم) أى : من آل فرعون ، والحاصل أنه ذكر لرجل ثلاثة أوصاف ؛ قدم الأول أعنى : مؤمن لكونه أشرف ، ثم الثانى لئلا يتوهم خلاف المقصود (أو) لأن فى التأخير إخلالا (بالتناسب كرعاية الفاصلة نحو : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى)) (١) بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل لأن فواصل الآى على الألف.

[أقسام القصر] :

القصر] :

فى اللغة الحبس وفى الاصطلاح ...

______________________________________________________

(قوله : فلم يفهم أنه منهم) أى : والغرض بيان أنه منهم لإفادة ذلك مزيد عناية الله به ، فتأخيره فيه إخلال بالمعنى المقصود (قوله : ثلاثة أوصاف) أى : كونه مؤمنا وكونه من آل فرعون وكونه يكتم إيمانه وهذه الأوصاف معمولات للفعل ؛ لأن العامل فى الموصوف عامل فى الوصف ، وقوله قدم الأول أعنى مؤمن أى : على الجميع (قوله : لكونه أشرف) أى : ولإفراده ، إذ النعت المفرد يقدم على غيره (قوله : ثم الثانى) أى : على الثالث وقوله لئلا يتوهم إلخ أى : ولقربه من المفرد بحسب المتعلق ، إذ الأصل تقدير متعلق الجار مفردا وسكت عن الثالث ؛ لأنه وقع فى محله فلا يسأل عنه (قوله : كرعاية الفاصلة) أى : كالتقديم الذى لرعاية الفاصلة فإن قلت : إن رعاية الفواصل من البديع قلت قد سبق بيان إمكان انخراطه فى سلك المعانى من جهة أن المناسبة للفواصل بعد الإتيان بها رعاية كونها جميعا على نمط واحد أولها كآخرها.

(قوله : بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل إلخ) وإنما قدم الجار والمجرور على المفعول وإن كان حق المفعول التقديم عليه ؛ لأن تقديمه يفهم حصر الخيفة فى نفسه وهو غير مراد (قوله : على الألف) أى : مبنية عليها.

[القصر] :

(قوله : فى اللغة الحبس) ومنه قوله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ)(٢) أى : محبوسات فيها ، وقال بعضهم هو فى اللغة : عدم المجاوزة إلى الغير فهو من قصر الشىء

__________________

(١) طه : ٦٧.

(٢) الرحمن : ٧٢.

٢١١

تخصيص شىء بشىء بطريق مخصوص وهو (حقيقى وغير حقيقى) ...

______________________________________________________

على كذا إذا لم يتجاوز به إلى غيره لا من قصرت الشىء حبسته بدليل التعبير بعلى (قوله : تخصيص شىء بشىء) أى : تخصيص موصوف بصفة أو صفة بموصوف فالباء داخلة على المقصور ، والشىء الأول : إن أريد به الموصوف كان المراد بالشىء الثانى الصفة والعكس ؛ وذلك لأن التخصيص يتضمن مطلق النسبة المستلزمة لمنسوب ومنسوب إليه ، فإن كان المخصص منسوبا فهو الصفة وإن كان منسوبا إليه فهو الموصوف والمراد بتخصيص الشىء بالشىء الإخبار بثبوت الشىء الثانى للشىء الأول دون غيره ، فالقصر مطلقا يستلزم النفى والإثبات (قوله : بطريق مخصوص) أى : معهود معين من الطرق المصطلح عليها عندهم وهو واحد من الأربع الطرق الآتية فى كلامه وهى العطف وما وإلا وإنما والتقديم أو توسط ضمير الفصل وتعريف المسند إليه أو المسند بلام الجنس على ما مر واحترز بقوله بطريق مخصوص عن قولك : زيد مقصور على القيام فلا يسمى قصرا اصطلاحا ، واعلم أن الباء الأولى للإلصاق والتعدية والثانية باء الاستعانة فلا يقال إن فى كلامه تعلق حرفى جر متحدى اللفظ والمعنى بعامل واحد (قوله : وهو حقيقى إلخ) أتى الشارح بالضمير لطول الفصل أو للإشارة إلى أن قوله القصر ترجمة وقوله حقيقى خبر لمبتدأ محذوف ، وحينئذ فيكون فى كلام المصنف استخدام ؛ لأن الضمير عائد على القصر بمعنى التخصيص لا بمعنى الترجمة.

(قوله : وغير حقيقى) أى : وهو الإضافى ؛ وذلك لأن السلب الذى تضمنه القصر إن كان عن كل ما عدا المقصور عليه فهو الحقيقى نحو ما خاتم الأنبياء والرسل إلا محمد ، وإلا فهو الإضافى نحو : ما زيد إلا شاعر ، وحاصل ما ذكره الشارح فى بيان انقسام القصر إلى حقيقى وغير حقيقى أن الحقيقى نسبة إلى الحقيقة بمعنى نفس الأمر ؛ لأن عدم تجاوز المقصور للمقصور عليه فيه بحسب نفس الأمر وأن الإضافى نسبة للإضافة لأن عدم التجاوز فيه بالإضافة إلى شىء مخصوص ـ وفيه نظر ، فإن عدم التجاوز فى كل من الحقيقى والإضافى بحسب نفس الأمر إذ لا بد فى كل منهما من المطابقة لنفس الأمر وإلا كان كاذبا ، وحينئذ فلا تظهر مقابلة عدم التجاوز بحسب

٢١٢

لأن تخصيص الشىء بالشىء إما أن يكون بحسب الحقيقة وفى نفس الأمر بأن لا يتجاوزه إلى غيره أصلا ؛ ...

______________________________________________________

الإضافة إلى شىء لعدم التجاوز بحسب نفس الأمر ؛ لأن عدم التجاوز بحسب الإضافة إلى شىء بحسب نفس الأمر أيضا ـ كما علمت ، فلا يصح ما ذكره الشارح وذكر العلامة السيد فى حواشى المطول : إن الحقيقى نسبة للحقيقة بالمعنى المقابل للمجاز ، وأن المراد بالإضافى المجاز بمعنى أن تخصيص الشىء بالشىء بحسب الإضافة إلى شىء معين مجازى له ـ وفيه نظر ؛ لأن كلا من المعنيين حقيقى للقصر وليس الغرض من سوق الكلام إفادة أن بعض المعنيين معنى حقيقى للفظ القصر ، والبعض الآخر معنى مجازى له ـ كما فهمه العلامة السيد ، فلا يصح ما ذكره أيضا ، والأولى كما قال الحفيد : أن المراد بالحقيقى ما لوحظ فيه الحقيقة ونفس الأمر بدون ملاحظة حال المخاطب من تردد أو اعتقاد خلاف أو شركة والإضافى ما لوحظ فيه الحقيقية ونفس الأمر مع ملاحظة حال المخاطب السابق ، ومن ثم صرحوا بأن قصر الإفراد وقصر القلب وقصر التعيين أقسام للقصر الغير الحقيقى ؛ لأنه هو الذى يعتبر فيه حال المخاطب وانقسام القصر إلى هذه الأقسام إنما هو باعتبار حال المخاطب ، ويمكن أن ينزل كلام الشارح على ذلك وإن كان ظاهر كلامه أن الإضافى لا يشترط فيه أن يكون مطابقا لما فى نفس الأمر حيث عطف قوله أو بحسب الإضافة على قوله بحسب الحقيقة ونفس الأمر بأنه لما روعى فى الإضافى أمر زائد على ما اعتبر فى الحقيقى وهو حال المخاطب اقتصر عليه ولم يذكر المطابقة لما فى نفس الأمر مع أن المطابقة المذكورة معتبرة فيه أيضا (قوله : لأن تخصيص الشىء بالشىء) الباء داخلة على المقصور عليه أى : لأن جعل الشىء خاصا بشىء ومنحصرا فيه (قوله : إما أن يكون بحسب الحقيقة وفى نفس الأمر) العطف تفسيرى أى : إما أن يكون بحسب ذاته من غير ملاحظة شىء دون شىء سواء كان الاختصاص ـ أيضا ـ كذلك أو لم يكن كذلك فيعم القصر الحقيقى والادعائى (قوله : بأن لا يتجاوزه إلى غيره) الضمير المستتر فى يتجاوزه راجع للشىء الأول والبارز فيه وفى غيره راجع للشىء الثانى أى : بأن لا يتجاوز الشىء الأول المقصور الشىء الثانى المقصور عليه إلى

٢١٣

وهو الحقيقى ، أو بحسب الإضافة إلى شىء آخر بألا يتجاوزه إلى ذلك الشىء وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شىء آخر ...

______________________________________________________

غير هذا الشىء الثانى كقولك : ما خاتم الأنبياء والرسل إلا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد قصرت ختمهما على محمد ونفيته عن كل ما عداه فلم يتجاوزه الختم إلى غيره أصلا (قوله : وهو الحقيقى) قال ابن يعقوب سمى هذا حقيقيا ؛ لأن التخصيص ضد المشاركة وهذا المعنى هو الذى ينافى المشاركة فهو الأولى أن يتخذ حقيقة للتخصيص فناسب أن يسمى قصرا حقيقيا.

(قوله : بألا يتجاوزه إلى ذلك الشىء) أى : بألا يتجاوز الشىء الأول وهو المقصور الشىء الثانى وهو المقصور عليه إلى ذلك الشىء الآخر (قوله : وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شىء آخر) الواو للحال وإن وصلية أى : والحال أنه أمكن مجاوزته إلى شىء آخر ـ وفيه نظر ؛ لأن القصر الإضافى لا بد فيه من مجاوزة الشىء الشىء بالفعل إلى شىء آخر فقولك : ما زيد إلا قائم معناه : أن زيدا لا يتجاوزه القيام إلى القعود ، ولكن يتجاوزه إلى غيره من العلم أو الشعر أو الكتابة ، فالأولى أن يقول وإن تجاوزه لما علمت أن الذى ينافى الحقيقى إنما هو المجاوزة بالفعل وأما الإمكان فلا ينافيه ، وأجيب بأن المراد بالإمكان الإمكان الوقوعى لا مطلق الإمكان ، فأمكن فى كلام الشارح بمعنى : وقع ـ كذا قرر السيد الصفوى ، لكن الذى ذكره العلامة الحفيد أن الشرط فى الإضافى عدم التجاوز إلى ما يعتبر القصر بالإضافة إليه كالقعود فى المثال المذكور ، وأما غيره فلا يشترط التجاوز إليه بالفعل ، بل يكفى فيه إمكان التجاوز وإن لم يوجد كما أشار إليه الشارح بخلاف الحقيقى ، فإن عدم التجاوز فيه بالنسبة لجميع ما عدا المقصور عليه من غير إمكان التجاوز لغيره ـ انتهى.

وحاصله أن الحقيقى والإضافى بحسب اعتبار المعتبر ، فإن اعتبر التخصيص بالنسبة إلى جميع الصفات الباقية فهو حقيقى سواء وجد الجميع أو لم يوجد شىء منه وإن اعتبر التخصيص بالنسبة إلى بعضها فهو إضافى وإن لم يكن موجودا إلا ذلك البعض.

٢١٤

فى الجملة ؛ وهو غير حقيقى ؛ بل إضافى كقولك : ما زيد إلا قائم ؛ بمعنى أنه لا يتجاوز القيام إلى القعود ؛ لا بمعنى أنه يتجاوزه إلى صفة أخرى أصلا ، وانقسامه إلى الحقيقى والإضافى بهذا المعنى ...

______________________________________________________

(قوله : فى الجملة) أى : فى بعض أمثلة القصر لا فى كلها ، إذ قد لا يتجاوزه إلى شىء آخر ، كما إذا اعتبر القصر الذى فى لا إله إلا الله بالنسبة لآلهة بعض البلدان فهو إضافى مع عدم التجاوز لشىء آخر أصلا (قوله : بل إضافى) دفع به توهم أن المراد بكونه غير حقيقى أنه مجازى كما قال السيد.

(قوله : لا بمعنى أنه لا يتجاوزه إلى صفة أخرى أصلا) أى : وإلا كان حقيقيا وهذا المعنى الذى ذكره وإن كان فيه تخصيص مضاد لمشاركة القيام للقعود فى زيد فلصحة وجود صفة مشاركة أخرى فيه لا ينبغى أن يتخذ حقيقية للتخصيص لكونه ليس بأكمل ، وإن شمله مطلق التخصيص فناسب أن يسمى قصرا إضافيا ؛ لأن التخصيص فيه إضافى ـ قاله ابن يعقوب.

(قوله : وانقسامه) أى : القصر وهذا جواب عما يقال : إن القصر هو التخصيص وهو من الأمور الإضافية لكونه نسبة بين المقصور والمقصور عليه حينئذ فيمتنع اتصافه بالحقيقى ، وتقسيمه إلى الحقيقى والإضافى من تقسيم الشىء إلى نفسه وغيره ، وحاصل الجواب أنه ليس المراد بالحقيقى ما يكون تعقله فى حد ذاته لا بالقياس إلى الغير ، بل المراد به ما كان بالإضافة إلى جميع ما يغاير فهو حينئذ نوع من الإضافى بمعنى ما يكون تعقله بالقياس إلى الغير كما أن الإضافى هنا نوع منه أيضا وهو ما يكون بالإضافة إلى بعض ما يغاير ، والحاصل أنه ليس المراد بالحقيقى ما ليس إضافيا مطلقا ، بل ما كان بالإضافة إلى جميع المقصور عليه كما أن المراد بالإضافى ما كان بالإضافة إلى بعض ما عدا المقصور عليه ، وحينئذ فكل منهما قسم من مطلق إضافى (قوله : بهذا المعنى) تنازعه الحقيقى والإضافى والباء للملابسة من ملابسة الدال للمدلول المشار إليه فيما سبق ، وهو عدم مجاوزة المقصور المقصور عليه إلى غيره أصلا بالنسبة للحقيقى ، أو عدم مجاوزة المقصور للمقصور عليه إلى شىء آخر يعنى ، وإن أمكن أن يتجاوزه إلى غير ذلك المعنى

٢١٥

لا ينافى كون التخصيص مطلقا من قبيل الإضافات (وكل منهما) أى : من الحقيقى وغيره (نوعان : قصر الموصوف على الصفة) وهو ألّا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى لكن يجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر (وقصر الصفة على الموصوف) وهو ألّا تتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر (والمراد) بالصفة ههنا الصفة (المعنوية) أعنى : المعنى القائم بالغير ...

______________________________________________________

بالنسبة للإضافى (قوله : لا ينافى كون التخصيص) أى : الذى هو القصر (قوله : مطلقا) أى : حقيقيا كان أو إضافيا ، وقوله : من قبيل الإضافات أى : النسب التى يتوقف تعقلها على تعقل غيرها لتوقف كل من الحقيقى والإضافى على تعقل المقصور والمقصور عليه ، أو لأن فى كل من الحقيقى والإضافى إضافة إلى الغير ، لكن فى الحقيقى إلى الجميع وفى الإضافى إلى البعض ، وخص أحدهما باسم الإضافة ؛ لأن المضاف إليه فيه متعين والآخر باسم الحقيقة ؛ لأنه أنسب بحقيقة التخصيص التى هى ضد المشاركة ، فالحقيقة موجودة فى كل منهما ، لكنها فى الحقيقى أكمل لنفى كل مشارك.

(قوله : وهو ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلخ) كقولك : ما زيد إلا قائم فقد قصرت زيدا على القيام ولم يتجاوزه للقعود ، ويصح أن تكون تلك الصفة وهى القيام لموصوف آخر (قوله : إلى صفة أخرى) إن أراد أى : صفة كان القصر حقيقيا ، وإن أراد إلى صفة معينة من الصفات كان إضافيا ، وكذا يقال فيما يأتى (قوله : لكن يجوز إلخ) هذا الجواز ليس من مدلول القصر ، وقد يمنع كون تلك الصفة لموصوف آخر كما فى إنما الله إله واحد ، وأما فى قصر الصفة على الموصوف فلا يظهر منع الجواز فيه (قوله : ألا تتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف) كقولك ما قائم إلا زيد فقد قصرت القيام على زيد بحيث لا يتجاوزه إلى غيره ، وإن كان زيد متصفا بصفات أخر كالأكل والشرب وقوله : إلى موصوف آخر المراد جنس الموصوف الآخر الصادق بكل موصوف وببعض معين (قوله : والمراد بالصفة) أى : التى تقصر أو يقصر عليها (قوله : هنا) أى : فى باب القصر (قوله : المعنى القائم بالغير) أى : سواء دل عليه بلفظ النعت النحوى كقائم ،

٢١٦

(لا النعت) النحوى ؛ أعنى : التابع الذى يدل على معنى فى متبوعه ...

______________________________________________________

أو غيره كالفعل نحو : ما زيد إلا يقوم وسواء كان ذلك المعنى القائم بالغير وجوديا أو عدميا كالحال ، وأشار الشارح بالعناية إلى أنه ليس المراد بالمعنوية ما قابل صفات المعانى وهى الحال اللازمة لصفة أخرى فقط ، بل المراد بها ما قابل الذات عند المتكلمين فشملت الوجودية والعدمية كما قلنا ، ولا يقال : تفسير الصفة بما ذكر اصطلاح للمتكلمين والمناسب هنا ذكر المعنى اللغوى ؛ لأنه المتبادر ؛ لأنا نقول هذا المعنى لغوى أيضا ، فقد قال فى الصحاح : الصفة كالعلم والسواد (قوله : لا النعت النحوى) ليس المراد لا النعت النحوى فقط ، بل ما هو أعم منه ؛ لأن هذا لا يصح ؛ لأن النعت النحوى لا يدخل فى شىء من طرق القصر فلا يعطف ولا يقع بعد إلا ولا بعد إنما ولا يتقدم ولا يتوسط بينه وبين منعوته ضمير الفصل وليس مسندا ولا مسندا إليه حتى يقصد بتعريفه باللام القصر ، وحينئذ فالمراد نفيه بالكلية أى : أنه لا يصح إرادته فى باب القصر إذ لا يتأتى قصره بطريق من طرقه ولا يعكر على هذا قول الشارح وبينهما إلخ ؛ لأن المراد بيان النسبة بينهما فى حد ذاتها ونفس الأمر لا فى هذا الباب ـ تأمل.

(قوله : أعنى التابع) أى : اللفظ التابع وهذا جنس فى التعريف شامل لجميع التوابع وقوله الذى يدل على معنى فى متبوعه فصل خرج به البدل وعطف البيان والتأكيد الذى ليس للشمول ؛ لأنها كلها لا تدل على معنى فى المتبوع ؛ لأنها نفسه ، وأورد عليه أنه غير مانع لشموله نحو علمه فى أعجبنى زيد علمه ، فإنه تابع دل على معنى وهو العلم فى المتبوع ، وأجيب بأن قيد الحيثية معتبر فى التعريف ، فالمعنى دل على معنى كائن فى المتبوع من حيث كونه فى المتبوع بمعنى أنه يشعر بالمتبوع فى حال دلالته على المعنى ، ويشعر بأن هذا المعنى كائن فى ذلك المتبوع كالعالم فى قولك : جاء زيد العالم ، فإنه يشعر بالذات التى هى المتبوع مع المعنى بقطع النظر عن ضميره بخلاف العلم فى : أعجبنى زيد علمه فإنه إنما يدل على المعنى ولا إشعار له بالمتبوع إلا بإضافته للضمير العائد إليه ، وأورد أيضا نحو : أخوك من قولك : جاءنى زيد أخوك لدلالته على الذات وعلى معنى فيها وهو الأخوة ، وأجيب بأن المراد الدلالة قصدا والعرض من البدل تكرير النسبة لا الإشعار بالأخوة.

٢١٧

غير الشمول ؛ وبينهما عموم من وجه لتصادقهما فى نحو : أعجبنى هذا العلم ، وتفارقهما فى مثل : ...

______________________________________________________

(قوله : غير الشمول) فصل ثان أخرج به التأكيد بكل وأخواتها ، واعترض بأن هذا القيد يخرج نحو الشاملون فى قولك جاء الناس الشاملون زيدا فإنه دال على معنى فى متبوعه هو الشمول مع أنه نعت نحوى ، فالتعريف غير جامع ، وأجيب بأن المراد بالشمول المنفى الشمول المعهود فى التوكيد وهو الذى يستفاد بالألفاظ المعلومة وفيه ضعف ، إذ لا قرينة على ذلك ، وأجاب عبد الحكيم بجواب غير هذا بأن الشمول لزيد شمول مقيد غير الشمول الذى فى القوم فإنه مطلق ، والمطلق غير المقيد ، وأورد أيضا نحو : العلم والرجل فى قولك : أعجبنى هذا العلم فى هذا الرجل فإن تابع الإشارة نصوا على أنه نعت مع أنه لم يدل على معنى كائن فى المتبوع ؛ لأنه نفسه وكذا كل نعت كاشف ، وقد يجاب بأن اسم الإشارة يراعى معه مدلوله من حيث إنه شىء يشار إليه وكونه علما أو رجلا معنى زائد وكذا الاسم الكاشف ؛ لأن ما قبله شىء وكونه حقيقية كذا معنى زائد ، ولكن على تقدير تسليمه يرد حينئذ أنه ليس فيه إشعار بشيئين وهما الذات والمعنى كما قرر فى النعت ؛ لأنه ليس بمشتق وعلى تقدير الإشعار يرد عليه التوكيد بالنفس والعين فى قولك : جاء زيد نفسه أو عينه لدلالة النفس على أن مدلول زيد موصوف بكونه نفسه هى الفاعلة للمجىء وليس موصوفا بكون ملابسه هو الفاعل للمجئ ، فالأولى أن التعريف لغالب أفراد النعت وفيه خروج عن مقتضى أصل الحدود (قوله : وبينهما) أى : بين المعنوية والنحوية من حيث مدلولها أو بين النحوية والمعنوية من حيث دالها وإلا فالنحوية لفظ وهو مباين للمعنى (قوله : لتصادقها) أى : تصادق النعت النحوى والصفة المعنوية ـ وفيه نظر ، إذ الصفة المعنوية معنى والنعت النحوى لفظ فهما متباينان فلا يتأتى تصادقهما ، وأجيب بجوابين الأول أن المراد بالتصادق التحقق لا الحمل ، ولا شك أن هذا المثال وجد فيه الأمران ، فإن العلم نعت لاسم الإشارة على قول وصفة معنوية ؛ لأنه معنى قائم بالغير الجواب الثانى أن الكلام مبنى على المسامحة ؛ وذلك لأن التصادق بين الصفة المعنوية وبين معنى النعت النحوى ، ولكن لشدة الارتباط

٢١٨

العلم حسن ، ومررت بهذا الرجل ، وأما نحو قولك : ما زيد إلا أخوك ، وما الباب إلا ساج ، وما هذا إلا زيد فمن قصر الموصوف على الصفة تقديرا إذ المعنى أنه مقصور على الاتصاف بكونه أخا ، أو ساجا ، أو زيدا.

______________________________________________________

الذى بين اللفظ ومعناه نسب ما للمعنى للفظ على طريق التمسح والتجوز (قوله : العلم حسن) مثال لافتراق الصفة المعنوية ، فإن العلم صفة معنوية لا نحوية ؛ لأنه مبتدأ.

(قوله : ومررت بهذا الرجل) مثال لانفراد النعت ، فإن لفظ الرجل نعت لاسم الإشارة ولم يدل على معنى قائم بالغير بالنظر لأصله فليس صفة معنى ، فإن قيل الرجل فى هذا التركيب يدل على معنى قائم بالغير ، إذ هو دال على كون المشار إليه موصوفا بالرجولية ، ولذلك صح كونه نعتا فيكون صفة معنوية قلنا هو من أصله لم يوضع إلا للذات بخلاف العلم ولو عرض له فى الحين ما ذكر من التأويل فليس صفة معنوية باعتبار الأصل ، ويرد على هذا الجواب أنه إن كان المعتبر فى كون الشىء صفة معنوية ما كان باعتبار الدلالة الأصلية فلا يكون قولنا ما زيد إلا أخوك وما الباب إلا ساج ، وما هذا إلا زيد من قصر الموصوف على الصفة المعنوية ، وقد صرحوا بأنه من حيث قالوا المعنى : حصر زيد فى الاتصاف بكونه أخا إلخ ، فأما أن يجعل الكل من الصفة المعنوية باعتبار الحال أو لا يجعل الكل من الصفة المعنوية باعتبار الأصل ؛ لأن الرجل حيث أعرب نعتا يقصد فيه هذا المعنى بعينه ، فإن جعل منها كانت الصفة المعنوية أعم مطلقا من النعت النحوى وهو الأقرب. ا ه يعقوبى.

(قوله : وأما نحو قولك ما زيد إلا أخوك إلخ) قصد بهذا دفع ما يرد على قوله وكل منها نوعان فإن القصر فى الأمثلة المذكورة ليس من النوعين ، وحاصل الجواب أنها من باب قصر الموصوف على الصفة المعنوية تأويلا ، وقد يقال : كان ينبغى ترك المثال الأول لعدم احتياج الأخ للتأويل ؛ لأنه يدل على معنى هو الأخوة فهو مما يدل على المعنى القائم بالغير دلالة ظاهرة ، وإن لم يكن مشتقا ـ فتدبر.

(قوله : تقديرا) حال فى الصفة أى : حال كون الصفة مقدرة وإنما كانت الصفة مقدرة فى ذلك لعدم تحققها فى ذلك ؛ لأن كلا من المسند والمسند إليه فى تلك الأمثلة

٢١٩

(والأول :) أى : قصر الموصوف على الصفة (من الحقيقى نحو : ما زيد إلا كاتب إذا أريد أنه لا يتصف بغيرها) أى : غير الكتابة (وهو لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشىء) ...

______________________________________________________

ذات ، وقوله فمن قصر الموصوف على الصفة : مبنى على أن التأويل فى جانب المقصور عليه هنا كما هو الظاهر لكونه خبرا ، وقد يعكس ويعتبر التأويل فى جانب المقصور على معنى قصر الكون زيدا على أخيك والبابية على الساج والهاذية على زيد ، فحينئذ يكون من قصر الصفة على الموصوف ، لكنه لا يخلو عن تكلف.

(قوله : من الحقيقى) حال من المبتدأ أو من الخبر على القول بجوازه منهما ، وحاصل ما ذكره المصنف أن القصر إما حقيقى أو إضافى ، والحقيقى : إما قصر موصوف على صفة أو بالعكس وكل منهما إما حقيقى غير ادعائى أو ادعائى فهذه أربعة ، والإضافى : إما قصر موصوف على صفة أو بالعكس ، وكل منهما : إما قصر إفراد أو قلب أو تعيين فهذه ستة ، تلك عشرة كاملة (قوله : إذا أريد إلخ) هذا قيد فى المثال أى : أن هذا المثال إنما يكون من الحقيقى إذا أريد أن زيدا لا يتصف بغيرها أى بكل مغاير لها من الصفات وأما إذا أريد أنه يتصف بها لا بمقابلها فقط من الشعر مثلا كان من القصر الإضافى (قوله : وهو) أى : قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا لا يكاد يوجد أى : من البليغ المتحرى للصدق وهذا لا ينافى أنه قد يكون من غيره ، لكن يكون كاذبا ولفظ لا يكاد يعبر به تارة عن قلة وجود الشىء فيقال : لا يكاد يوجد ، كذا بمعنى أنه لا يوجد إلا نادرا تنزيلا للنادر منزلة الذى لا يقارب الوجود وتارة يعبر به عن نفى الوقوع والبعد عنه أى : لا يقرب ذلك الشىء إلى الوجود أصلا ، وهذا الثانى هو المناسب لقوله بعد لتعذر الإحاطة بصفات الشىء أى : لعدم إمكان الإحاطة بصفات الشىء عادة ؛ لأنه إذا تعذر فى العادة إحاطة المخلوق بصفات الشىء لم يتأتّ للمحترز عن نقيصة الكذب أن يأتى به قاصدا لمعناه الحقيقى (قوله : لتعذر الإحاطة إلخ) أى : لتعذر إحاطة المتكلم بها ، ثم إن ذلك التعذر لا لكثرتها حتى يتوجه عليه إمكان الإحاطة الإجمالية وكفايتها فى القصر كما فى : ليس فى الدار إلا زيد بل لأن من الصفات ما هو

٢٢٠