حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

[أغراض التقديم] :

(وأما تقديمه :) أى : المسند (فلتخصيصه بالمسند إليه) أى : لقصر المسند إليه على المسند على ما حققناه فى ضمير الفصل ؛ لأن معنى قولنا : تميمى أنا ـ هو أنه مقصور على التميمية لا يتجاوزها إلى القيسية (نحو : (لا فِيها غَوْلٌ)(١) أى : بخلاف خمور الدنيا) ...

______________________________________________________

هى أصالته ولا مقتضى للعدول عنه أو كون تقديمه فيه تشويق للمسند والغرض تقريره فى ذهن السامع كما تقدم فى قوله والذى حارت البرية فيه إلخ ، أو تعجيل المسرة كقولك : سعد فى دارك ، أو تعجيل المساءة كقولك : السفاح فى دار صديقك إلى آخر ما مر تجرى هنا ، وهذا الكلام وإن علم مما تقدم لكنه نبه عليه هنا لئلا يوهم أنه أغفله فى بابه ، ولم يذكره مع مقابله وهو التقديم.

[تقديم المسند] :

(قوله : أى لقصر إلخ) أشار بذلك إلى أن الباء داخلة على المقصور ، وقوله على ما حققناه فى ضمير الفصل أى : من أن الباء بعد الاختصاص الكثير دخولها على المقصور (قوله : لا يتجاوزها إلى القيسية) أى : فقط وإن تجاوز التميمية إلى غيرها فهو من قصر الموصوف على الصفة قصرا إضافيا (قوله : نحو لا فيها) أى : ليس فى خمور الجنة (غول) فعدم الغول مقصور على الكون فى خمور الجنة لا يتعداه للكون فى خمور الدنيا والغول بفتح الغين ما يتبع شرب الخمر من وجع الرأس وثقل الأعضاء يقال غاله الشىء واغتاله إذا أخذه من حيث لا يدرى ـ كذا فى الصحاح ، ثم إن جعل التقديم فى الآية للتخصيص يقتضى أن هنا مسوغا للابتداء بالنكرة غير التقديم ؛ لأن إفادة القصر فى نحو ذلك مقيدة بأن يصح الابتداء بدون التقديم على ما يأتى والنفى حيث جعل للعدول فى المحمول لا يسوغ الابتداء بالنكرة ، وحينئذ فالمسوغ للابتداء جعل التنوين للتنويع لا كون المبتدأ مصدرا ؛ لأن ذلك مخصوص بالدال على تعجب أو دعاء فإذا جعل المسوغ

__________________

(١) الصافات : ٤٧.

١٤١

فإن فيها غولا ، فإن قلت : المسند هو الظرف ؛ أعنى : فيها ، والمسند إليه ليس بمقصور عليه بل على جزء منه ؛ أعنى : الضمير المجرور الراجع إلى خمور الجنة ـ قلت المقصود أن عدم الغول مقصور على الاتصاف بفى خمور الجنة لا يتجاوزه إلى الاتصاف بفى خمور الدنيا. وإن اعتبرت النفى فى جانب المسند ...

______________________________________________________

التنويع صح الابتداء وكان التقديم حينئذ واردا للحصر وهذا ظاهر إذا اعتبر العدول فى المحمول ، وإن اعتبر العدول فى المحمول ، وإن اعتبر بالنسبة للموضوع كان المسوغ كونه فى تأويل المضاف أى : عدم الغول (قوله : فإن فيها غولا) المناسب لما يأتى من الجواب أن يقول فإن الكون فيها غول ، لكنه جارى كلام المصنف (قوله : فإن قلت إلخ) هذا وارد على قول المصنف بخلاف خمور الدنيا المفيد أن القصر إنما هو على جزء المسند الذى هو الضمير العائد على خمور الجنة وخلافه خمور الدنيا.

(قوله : بل على جزء منه) أى : وإذا كان كذلك فلا يصح التمثيل بهذه الآية لما إذا كان التقديم لقصر المسند إليه على المسند (قوله : قلت) جواب بمنع قوله على جزء منه (قوله : المقصود) أى : مقصود المصنف وإن كان هذا خلاف ظاهر كلامه (قوله : على الاتصاف بفى خمور الجنة) أى : مقصور على الكون والحصول فى خمور الجنة فالمقصور عليه هو المتعلق ؛ لأن الحكم الثابت للظرف إنما يثبت له باعتبار متعلقه ولم يصرح الشارح بالمتعلق لظهوره ، وذكر الاتصاف إشارة إلى أنه من قصر الموصوف على الصفة فعدم الغول موصوف والصفة التى قصر عليها هى الكون فى خمور الجنة ، ووجه الإشارة أن قصر الموصوف على الصفة معناه قصره على الاتصاف بها فصرح بالاتصاف إشارة لذلك (قوله : لا يتجاوزه إلى الاتصاف إلخ) أى : لا يتجاوزه إلى الكون فى خمور الدنيا أى : وإن تجاوزه لغيره من المشروبات كاللبن والعسل ، وأشار الشارح بقوله لا يتجاوزه إلخ إلى أنه قصر إضافى لا حقيقى.

(قوله : وإن اعتبرت إلخ) عطف على مقدر أى : وهذا إن اعتبرت النفى فى جانب المسند إليه وجعلته جزءا منه وإن اعتبرت إلخ أى : أن ما ذكر من أن المعنى أن عدم الغول مقصور على الاتصاف بكونه فى خمور الجنة لا يتعداه إلى الاتصاف بكونه

١٤٢

فالمعنى مقصور على عدم الحصول فى خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول فى خمور الدنيا ؛ ...

______________________________________________________

فى خمور الدنيا إن اعتبرت النفى الذى هو لا فى جانب المسند إليه المؤخر أى : إن اعتبرته جزءا منه ، وأما إن اعتبرت النفى فى جانب المسند المقدم أى : جزءا منه فالمعنى إلخ ، والحاصل أن القضية موجبة معدولة الموضوع على الأول ومعدولة المحمول على الثانى وليست سالبة ، واعترض اعتبار العدول فى الموضوع مع انفصال حرف السلب بأنه لو جاز لجاز كونه جزءا من المسند فى ما أنا قلت هذا فلا يتحقق فرق بينه وبين أنا ما قلت هذا ، وقد تقدم أن الحق وجود الفرق بينهما وقد يجاب بأن الظرف يتوسع فيه أكثر من غيره ، وحينئذ فلا يضر الفصل به بين حرف السلب والموضوع وإنما ارتكب هذا العدول فى القضية ولم تجعل سالبة محضة لئلا يرد أنه إذا كان تقديم المسند فى الآية للحصر كان معناها نفى حصر الغول فى خمور الجنة لا نفى الغول عنها ؛ وذلك لأن النفى إذا أورد فى كلام فيه قيد أفاد نفى القيد فعلى هذا يفيد النفى نفى القصر المفاد بقيد التقديم لا ثبوته ، وقد يقال : لا داعى لذلك ؛ لأن النفى قد يتوجه إلى أصل الثبوت مع رجوع القيد إلى النفى كما تقدم فى قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١) فالنفى لأصل الظلم مقيدا ذلك النفى بالمبالغة فى تحققه ، وليس النفى مسلطا على المبالغة فى الظلم وكما فى قوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)(٢) فهو لتأكيد نفى ثبوت الإيمان لا لنفى تأكيد الثبوت الذى كان أصلا فى الجملة الاسمية فعلى هذا يصح ألا يعتبر العدول فى الآية ويفيد الكلام النفى المقيد بالقصر لا نفى القصر ـ أفاده العلامة اليعقوبى.

(قوله : فالمعنى أن الغول مقصور على عدم الحصول فى خمور الجنة) أى : مقصور على الاتصاف بعدم حصوله فى خمور الجنة فهو من قصر الموصوف وهو الغول على الصفة التى هى عدم الحصول فى خمور الجنة (قوله : لا يتجاوزه إلى عدم الحصول إلخ) أى : لا يتجاوزه إلى اتصافه بعدم حصوله فى خمور الدنيا أى : وإن تجاوزه إلى الاتصاف

__________________

(١) فصلت : ٤٦.

(٢) البقرة : ٨.

١٤٣

فالمسند إليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقى ، وكذا القياس فى قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(١) ونظيره ما ذكره صاحب المفتاح فى قوله تعالى : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي)(٢) من أن المعنى : حسابهم مقصور على الاتصاف بعلى ربى لا يتجاوزه إلى الاتصاف بعلى ؛ فجميع ذلك من قصر الموصوف على الصفة دون العكس كما توهمه بعضهم (ولهذا) أى ولأن التقديم يفيد التخصيص (لم يقدم الظرف) الذى هو المسند على المسند إليه (فى : (لا رَيْبَ فِيهِ)) (٣) ولم يقل : لا فيه ريب ...

______________________________________________________

بكونه مذموما مثلا وبكونه حاصلا فى خمور الدنيا (قوله : فالمسند إليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقى) أى : على كلا الاحتمالين أعنى اعتبار النفى جزءا من المسند إليه أو من المسند قوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ) أى : أن دينكم مقصور على الاتصاف بكونه لكم لا يتجاوزه إلى الاتصاف بكونه لى ودينى مقصور على الاتصاف بكونه لى لا يتجاوزه إلى الاتصاف بكونه لكم وهذا لا ينافى أنه يتصف به أمته المؤمنون فهو قصر إضافى.

(قوله : ونظيره) أى : فى كونه قصر موصوف على صفة فى باب الظرف لا نظيره فى التقديم ؛ لأن المسند فيه مؤخر على الأصل والحصر جاء من النفى وإلا لأمن التقديم (قوله : حسابهم مقصور على الاتصاف) أى : على اتصافه بكونه على ربى (قوله : لا يتجاوزه إلى الاتصاف بعلى) ضمير المتكلم راجع له ـ عليه الصلاة والسّلام ـ وخص بذلك مع أن غيره مثله ؛ لأنه هو الذى يتوهم كون الحساب عليه لكونه تصدى للدعوة إلى الله وللجهاد وفى نسخة لا يتجاوزه إلى الاتصاف بعلى غير ربى وهى واضحة ؛ لأن الاتصاف بعلى غير ربى غير ثابت فى الواقع سواء فى ذلك الغير النبى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ وغيره (قوله : فجميع ذلك) أى : جميع الأمثلة المذكورة فى المتن والشرح (قوله : من قصر الموصوف) وهو الغول ودينكم ودينى وحسابهم ، وقوله على الصفة : وهى الكون فى خمور الجنة والكون لكم ولى والكون على ربى (قوله : دون العكس) أى : لأن الحمل على العكس يستدعى جعل التقديم لقصر المسند على المسند إليه والقانون أنه لقصر المسند إليه على المسند (قوله : كما توهمه بعضهم) وهو العلامة

__________________

(١) الكافرون : ٦.

(٢) الشعراء : ١١٣.

(٣) البقرة : ٢.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الخلخالى فتوهم أن القصر فى قوله تعالى : (لا فِيها)(١) (غول) من قصر الصفة على الموصوف ، والمعنى أن الكون فى خمور الجنة وصف مقصور على عدم الغول لا يتعداه إلى الغول ، وهذا القصر إضافى لا حقيقى حتى يلزم أنه ليس لخمورها صفة إلا عدم الغول مع أن له صفات أخر كالسلامة والراحة ، قال : وقد ورد ذلك القصر فى قول على ـ رضى الله عنه ـ :

رضينا قسمة الجبّار فينا

لنا علم وللأعداء مال (٢)

فإنه قصر الصفة على الموصوف أى : أن الحال الذى لنا مقصور على العلم لا يتجاوزه للمال ، والحال الذى للأعداء مقصور على المال لا يتجاوزه إلى العلم ويرد عليه أن الكلام مع من يعتقد أن الغول فى خمور الجنة كخمور الدنيا لا مع من يعتقد أن الاتصاف بعدم الحصول فى خمور الجنة محقق للغول ولغيره من الراحة والصحة أو لغيره فقط وبأن التقديم عندهم موضوع لقصر المسند إليه على المسند لا لقصر المسند على المسند إليه كما هو مقتضى كلام ذلك البعض ، ولا يرد على هذا بيت علىّ فإن قصر المسند فيه على المسند إليه لم يستفد من تقديم المسند وإنما استفيد من معونة المقام والنزاع بين الشارح وغيره إنما هو فى أن القصر المسند على المسند إليه هل يستفاد من نفس التقديم بطريق الوضع أو من معونة المقام ، والحق ما ذكره الشارح من أن قصر الصفة على الموصوف لا يستفاد من التقديم ؛ لأن التقديم ليس موضوعا لذلك ، وإنما يستفاد من معونة المقام ، فإن أراد ذلك البعض أن التقديم فى الآية مفيد لذلك الحصر بمعونة المقام كان كلامه صحيحا ، وإن أراد أنه مفيد لذلك وضعا كان غير صحيح ، ثم إن قول الشارح : كما توهمه بعضهم ظاهره إن ذلك البعض توهم ذلك العكس فى جميع الأمثلة السابقة وليس كذلك ، إذ هو لا يظهر فى قوله تعالى : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي)(٣) إذ لا يصح قصر الكون على ربى فى حسابهم.

__________________

(١) الصافات : ٤٧.

(٢) البيت من الوافر وهو فى ديوانه ص ٩٦.

(٣) الشعراء : ١١٣.

١٤٥

(لئلا يفيد) تقديمه عليه (ثبوت الريب فى سائر كتب الله تعالى) بناء على اختصاص عدم الريب بالقرآن ، وإنما قال : فى سائر كتب الله تعالى لأنه المعتبر فى مقابلة القرآن كما أن المعتبر فى مقابلة خمور الجنة هى خمور الدنيا لا مطلق المشروبات وغيرها. (أو التنبيه) عطف على : تخصيصه ؛ أى : تقديم المسند للتنبيه ...

______________________________________________________

(قوله : لئلا يفيد إلخ) فيه نظر ؛ لأنه يقتضى أن التقديم يفيد الثبوت المذكور من حيث إن التقديم يفيد الحصر مع أنه لا يلزم أن يكون لإفادة الحصر ، بل ذلك هو الغالب كما سيأتى فى كلام المصنف فالأولى لئلا يتوهم ثبوت الريب بتقديمه نظرا إلى أن الغالب فيه الحصر ، وأجيب بأن المراد لئلا تتوهم الإفادة المذكورة أو لئلا يفيد توهم ذلك الأمر فالكلام على حذف المضاف ، أو المراد لئلا يفيد ذلك إذا فهم الكلام على مقتضى الغالب فى التقديم وهو الاختصاص ، وقوله لئلا يفيد إلخ علة للنفى أى : انتفى التقديم للظرف لأجل انتفاء الإفادة المبنية على إفهام اختصاص عدم الريب بالقرآن لو قدم الظرف (قوله : فى سائر) أى : باقى من السور وهو البقية أى : أن مع الريب منتف عنها ؛ لأن المراد بالريب هنا كونها مظنة له لا بالفعل لوقوعه فى القرآن بخلاف الكون مظنة له ، فإنه منتف عن سائر كتب الله لما فيها من الإعجاز بنحو الإخبار عن المغيبات (قوله : بناء على اختصاص إلخ) علة لقوله يفيد ثبوت الريب ، وفى الكلام حذف مضاف أى بناء على إفهام اختصاص إلخ أى : لو قدم الظرف وإفهامه ذلك بالنظر للغالب وإلا فقد يقدم ولا يفيد القصر بأن كان التقديم هو المسوغ للابتداء بالنكرة حيث لم يوجد مسوغ سوى ذلك التقديم ، فقول الشارح بناء على اختصاص بمنزلة قولنا بناء على الغالب ـ فتأمل.

(قوله : وإنما قال فى سائر كتب الله تعالى) أى : ولم يقل فى سائر الكتب (قوله : فى مقابلة القرآن) أى : دون سائر الكتب ؛ لأن التخصيص إنما هو باعتبار النظير الذى يتوهم فيه المشاركة وهو هنا باقى الكتب السماوية فقط دون كل كتاب غيرها ، فإنه لا يتوهم فيه المشاركة فالحصر إضافى (قوله : كما أن المعتبر إلخ) أى : ولذلك قال الشارح فى مفاد (لا فِيها غَوْلٌ :) إن عدم الغول مخصوص بخمور الجنة دون خمور الدنيا ؛ فإنه

١٤٦

(من أول الأمر على أنه) أى : المسند (خبر لا نعت) إذ النعت لا يتقدم على المنعوت ، وإنما قال : من أول الأمر لأنه ربما يعلم أنه خبر لا نعت بالتأمل فى المعنى والنظر إلى أنه لم يرد فى الكلام خبر للمبتدأ (كقوله :

له همم لا منتهى لكبارها

وهمّته الصّغرى أجلّ من الدّهر (١)

______________________________________________________

فيها ، ولم يقل دون سائر المشروبات وغيرها من المطعومات (قوله : من أول الأمر) أى : فى أول أزمان إيراد الكلام (قوله : لا نعت) أى : بخلاف لو أخر فإنه ربما يظن أنه نعت وأن الخبر سيذكر (قوله : إذ النعت لا يتقدم على المنعوت) بخلاف الخبر مع المبتدأ ، فإنه يتقدم فلو أخر ذلك المسند لربما ظن أنه نعت ، واعترض بأنهم لم يقدموا المسند فى نحو : زيد القائم للعلم من أول الأمر بأنه خبر ، وأجيب بأن مثل هذا إذا قدم كان هو المسند إليه ؛ لأن الحكم بابتدائية المقدم من المستويين تعريفا واجب فالمسند إنما يقدم على المسند إليه إذا كان المسند إليه نكرة إن قلت ارتكابهم ذلك فى المنكر دون المعرف يحتاج إلى نكتة قلت قد يقال : إن حاجة النكرة إلى النعت أشد من حاجتها إلى الخير فهى تطلب النعت طلبا حثيثا ، فإذا أخر المسند بعدها توهم أنه نعت بخلاف ما لو تقدم ، فإنه لا يتوهم ذلك ؛ لأن النعت لا يتقدم على المنعوت ، وبالجملة فالتقديم فى خبر النكرة بمنزلة ضمير الفصل فى خبر المعرفة فى أن كلا منهما معين للخبرية (قوله : لا يتقدم على المنعوت) أى : بوصف كونه نعتا وإلا فنعت المعرفة يتقدم عليها ويعرب بحسب العوامل ، كما أن نعت النكرة يتقدم عليها ويعرب حالا.

(قوله : لأنه ربما يعلم أنه خبر) أى : مع التأخير (قوله : بالتأمل فى المعنى) أى : ويعلم بغير ذلك أيضا ككون المذكور لا يصلح للنعتية لكونه نكرة والجزء الآخر المتقدم معرفة ، فالشارح لم يرد الحصر (قوله : والنظر إلى أنه لم يرد فى الكلام خبر) أى : بعده فيفهم السامع أن غرض المتكلم به الإخبار لا النعت (قوله : كقوله) أى : قول حسان بن ثابت فى مدح النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبعد البيت المذكور.

__________________

(١) البيت من الطويل فى الإيضاح / ١٠٧ تحقيق د / عبد الحميد هنداوى ، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٧٨ وقيل إنه لحسان بن ثابت.

١٤٧

حيث لم يقل : همم له. (أو التفاؤل) نحو : سعدت بغرّة وجهك الأيّام

______________________________________________________

له راحة لو أنّ معشار جودها

على البرّ كان البرّ أندى من البحر (١)

والهمم جمع همة وهى الإرادة المتعلقة بمراد ما على وجه العزم ، فإن كان ذلك المراد من معالى الأمور كانت علية ، وإن كان من سفاسفها فهى دنيئة ، وقوله لا منتهى لكبارها أى : لا آخر لكبارها بمعنى أنه لا يحاط بكبارها ولا يحصيها عدد والصغرى منها أجل باعتبار متعلقها من الدهر ، والحاصل أن هممه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كلها علية لكن بعضها أعلى من بعض باعتبار متعلقها فهمته المتعلقة بفتح مكة ، أو غزوة بدر ، أو أحد مثلا أعظم من همته المتعلقة بغزوة هوازن ، وهمته الصغرى أجل باعتبار متعلقها من همم الدهر أى : باعتبار متعلقها من الدهر الذى كانت العرب تضرب بهممه المثل ؛ لأنه لوقوع العظائم فيه كأن له همما تتعلق بتلك العظائم فالصغرى أجل من الدهر نفسه فضلا عن هممه ، أو فى الكلام حذف مضاف أى : أجل باعتبار متعلقها من همم الدهر أى : باعتبار متعلقها أو الكلام على حذف مضافين أى : أجل من همم أهل الدهر غيره ـ عليه‌السلام ـ وإنما قلنا باعتبار متعلقها ؛ لأن الهمة هى الإرادة ولا تفاوت فيها باعتبار نفسها (قوله : حيث لم يقل همم له) أى : لخوف توهم أن له صفة لهممهم ، وقوله لا منتهى لكبارها : خبر لها أو صفة بعد صفة والخبر محذوف وكلاهما خلاف المقصود وهو إثبات الهمم الموصوفة له ـ عليه الصلاة والسّلام ـ لا إثبات الصفة المذكورة لهممه ولا إثبات صفة أخرى للهمم الموصوفة ؛ لأنه حينئذ يكون الكلام مسوقا لمدح هممه ـ عليه‌السلام ـ لا لمدحه ـ عليه‌السلام ـ قاله عبد الحكيم ، فقدم له للتنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت (قوله : أو التفاؤل) هو سماع المخاطب من أول وهلة ما يسر (قوله : سعدت إلخ) (٢) تمامه :

__________________

(١) البيت من الطويل وهو لحسان بن ثابت فى مدح الرسول فى شرح عقود الجمان للمرشدى / ١٢٣.

وقبله

(له همم لا منتهى لكبارها

وهمته الصغرى أجل من الدهر)

والبيت الأخير فى الإيضاح / ١٠٧ بتحقيق د / عبد الحميد هنداوى ، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإرشادات ص ٧٨ ، وقيل إنه لحسان بن ثابت ، والصحيح أنه لبكر بن النطاح فى مدح أبى دلف.

(٢) مطلع بيت من الكامل ، وهو بلا نسبة فى شرح عقود الجمان / ١٢٤.

والبيت بتمامه :

(سعدت بغرّة وجهك الأيام

وتزيّنت ببقائك الأعوام)

١٤٨

(أو التشويق إلى ذكر المسند إليه) بأن يكون فى المسند المتقدم طول يشوق النفس إلى ذكر المسند إليه ؛ فيكون له وقع فى النفس ومحل من القبول ؛ لأن الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب (كقوله : ثلاثة) (١) هذا هو المسند المتقدم الموصوف بقوله : (تشرق) ...

______________________________________________________

وتزيّنت ببقائك الأعوام

لا يقال هذا المسند فعل يجب تقديمه على فاعله فليس تقديمه للتفاؤل ، إذ لا يقال فى المسند قدم لغرض كذا إلا إذا كان جائز التأخير على المسند إليه ؛ لأنا نقول التمثيل مبنى على مذهب الكوفيين المجوزين لتقديم الفاعل على الفعل ، أو يقال : إن الفعل هنا يجوز تأخيره فى تركيب آخر بأن يقال : الأيام سعدت بغرة وجهك على أنه من باب الإخبار بالجملة لا على أن يكون فعلا فاعله تقدم عليه ، فتقديم سعدت فى هذا التركيب المؤدى إلى كون المسند إليه فاعلا مع صحة تأخيره باعتبار تركيب آخر لأجل ما ذكر من التفاؤل بخلاف لو أخر سعدت بالنظر للتركيب الآخر فلا يكون فيه تفاؤل لما علمته من معنى التفاؤل ، وقول سم : إن التفاؤل لا يتوقف على التقديم ـ فيه نظر.

(قوله : أو التشويق) أى : للسامعين (قوله : طول) أى : بسبب اشتماله على وصف أو أوصاف متعلقة بالمسند إليه (قوله : كقوله) أى : قول الشاعر وهو محمد بن وهيب فى مدح المعتصم بالله (٢) (قوله : هذا هو المسند) إنما لم يكن هو المسند إليه مع أنه مخصص بالوصف لما يلزم عليه من الابتداء بنكرة والإخبار بمعرفة ، وقد مر أنه لم يوجد فى كلامهم الإخبار بمعرفة عن نكرة فى غير الإنشاء نعم يجوز كونه خبر مبتدأ محذوف وشمس الضحى إلخ بدل منه لكنه تكلف. ا ه يس.

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لمحمد بن وهيب فى مدح المعتصم ، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٧٩ ، وفى الأغانى ١٩ / ٧٩ ، ٨١ ، وبلا نسبة فى تاج العروس (شرق).

(٢) مدح الشاعر المعتصم بالله بقوله :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وأبو إسحق والقمر)

والبيت من البسيط ، وهو فى الإيضاح ١٠٧ وهو لمحمد بن وهيب فى مدح المعتصم ، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ٧٩ ، وفى الأغانى ١٩ / ٧٩ ، ٨١ ، وبلا نسبة فى تاج العروس (شرق).

١٤٩

من : أشرق بمعنى : صار مضيئا (الدنيا) ففاعل تشرق والعائد إلى الموصوف ـ هو الضمير المجرور فى : (ببهجتها) أى : بحسنها ونضارتها ؛ أى : تصير الدنيا منورة ببهجة هذه الثلاثة وبهائها ، والمسند إليه المتأخر هو قوله : (شمس الضحى وأبو إسحق والقمر).

تنبيه : (كثير مما ذكر فى هذا الباب) يعنى : باب المسند (والذى قبله) يعنى :باب المسند إليه (غير مختص بهما ؛ كالذكر ، والحذف ، وغيرهما) من : التعريف ، والتنكير ، والتقديم ، والتأخير ، والإطلاق ، والتقييد ، وغير ذلك مما سبق ، ...

______________________________________________________

(قوله : من أشرق إلخ) أشار بذلك إلى بيان معنى الفعل وإلى ضبطه بضم أوله احترازا عن كونه من شرق بمعنى طلع فيكون مفتوح الأول (قوله : بمعنى صار مضيئا) إنما عبر بمعنى إشارة إلى أن المراد بأشرق المأخوذ منه صار مضيئا إلا أنه من أشرق بمعنى دخل فى وقت الشروق وإنما لم يقل بمعنى أضاء للمبالغة أى : أن الدنيا كانت مظلمة ثم صارت مضيئة عند وجود من ذكر بخلاف التعبير بأضاء ، فإنه وإن أفاد التجدد إلا أنه يحتمل المفارقة ، ويحتمل عدمها بخلاف صار فإنها مفيدة للانتقال والدوام بعده ـ كذا قرره شيخنا العدوى.

(قوله : فاعل تشرق) أى : لا ظرف لتشرق كما قال بعضهم ؛ لأن جعله فاعلا أبلغ (قوله : والعائد إلى الموصوف) أى : والرابط للموصوف النكرة بالجملة الواقعة صفة هو الضمير إلخ (قوله : وبهائها) عطف على البهجة مفسر لها (قوله : شمس الضحى) أضاف شمس إلى الضحى ؛ لأنه ساعة قوتها مع عدم شدة إيذائها (قوله : وأبو إسحق) كنية للمعتصم بالله الممدوح وفى توسطه بين الشمس والقمر إشارة لطيفة وهو أنه خير منهما ؛ لأن خير الأمور أوسطها وإنهما كالخدم له بعضهم متقدم وبعضهم متأخر عنه ولما فيه من إيهام تولده من الشمس والقمر وأن الشمس أمه والقمر أبوه (قوله : كثير مما ذكر) أى : كثير من الأحوال المذكورة فى هذا الباب.

(قوله : غير مختص بهما) بل يكون الكثير فى المفعول به وفى الحال والتمييز والمضاف إليه (قوله : كالذكر إلخ) مثال للكثير (قوله : وغير ذلك) أى : كالإبدال

١٥٠

وإنما قال : كثير لأن بعضها مختص بالبابين ؛ كضمير الفصل المختص بما بين المسند إليه والمسند ، وككون المسند فعلا فإنه مختص بالمسند إذ كل فعل مسند دائما ، وقيل : هو إشارة إلى أن جميعها لا يجرى فى غير البابين ؛ كالتعريف فإنه لا يجرى فى الحال والتمييز ، وكالتقديم فإنه لا يجرى فى المضاف إليه ؛ وفيه نظر ؛ لأن قولنا : جميع ما ذكر فى البابين غير مختص بهما ـ لا يقتضى أن يجرى شىء من المذكورات فى كل واحد من الأمور التى هى غير المسند إليه والمسند ؛ ...

______________________________________________________

والتأكيد والعطف (قوله : وإنما قال كثير) أى : ولم يقل جميع (قوله : لأن بعضها) أى : بعض الأحوال وهو غير الكثير مختص بالبابين ، فلو قال جميع ما ذكر غير مختص بالبابين ورد عليه ضمير الفصل وكون المسند فعلا ؛ لأن نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية (قوله : كضمير الفصل) أى : فإنه مختص بالنسبة التى بين المسند والمسند إليه فقول الشارح المختص بما بين إلخ أى : بالحكم الذى بين إلخ أو بالمكان الذى بينهما ، وفى بعض النسخ المختص ببابى تثنية باب (قوله : فإنه) أى : الكون فعلا (قوله : إذ كل فعل مسند دائما) أى : ما لم يكن مكفوفا بما كقلما وطالما وكثرما فإنها انسلخت عن معنى الفعلية ، وصار معنى الأولى النفى والآخرين التكثير وما لم يكن زائدا ككان الزائدة أو مؤكدا لفعل قبله (قوله : وقيل إلخ) قائله الشارح الزوزنى ، وحاصل كلامه أنه إنما عبر المصنف بكثير ولم يعبر بجميع ؛ لأنه لو قال وجميع ما ذكر غير مختص بالبابين ، بل يجرى فى غيرهما لاقتضى أن كلا مما مضى أى : أن كل فرد من أفراد الأحوال المذكورة يجرى فى كل فرد مما يصدق عليه أنه غير المسند والمسند إليه وهذا غير صحيح لانتفاضه بالتعريف والتقديم ؛ لأن كلا منهما لا يجرى فى سائر أفراد الغير ، إذ من أفراده الحال والتمييز والمضاف إليه والتعريف لا يجرى فى الحال والتمييز وإن جرى فى المفعول والتقديم وإن جرى فى المفعول لا يجرى فى المضاف إليه فقوله هو أى : لفظ كثير إشارة ، وقوله إلى أن جميعها أى : كل فرد منها وقوله لا يجرى فى غير البابين أى : فى كل فرد من أفراد الغير وقوله فإنه لا يجرى فى الحال إلخ أى : وإن جرى فى المفعول ، وكذا يقال فى التقديم (قوله : وفيه نظر) أى : فى هذا القيل نظر ، وحاصله أن ما ذكره إنما يصح لو

١٥١

فضلا عن أن يجرى كل منها فيه إذ يكفى لعدم الإختصاص بالبابين ثبوته فى شىء مما يغايرهما ؛ فافهم. (والفطن ...

______________________________________________________

كان معنى قولنا جميع ما ذكر غير مختص بالبابين أى : بل يجرى فى غيرهما أن كل واحد من تلك الأحوال المذكورة فى البابين يجرى فى كل ما يصدق عليه أنه غيرهما حتى ينتقض بالتعريف والتقديم وليس كذلك ، بل معناه أن كلا من الأحوال يجرى فى بعض ما يصدق عليه أنه غير البابين ؛ لأنه يكفى فى سلب الاختصاص بالبابين عن الجميع تحقق كل منها فى بعض ما يصدق عليه الغير وهذا المعنى المذكور لا يقتضى أن فردا واحدا من الأحوال يجرى فى كل ما يصدق عليه أنه غير البابين فضلا عن جريان كل واحد من الأحوال فى كل ما يصدق عليه أنه غير البابين غاية الأمر أنه يرد على ذلك المعنى ضمير الفصل وكون المسند فعلا ، وهذا هو الذى حمل المصنف على العدول عن جميع إلى كثير كما قال الشارح هذا ملخص تنظير الشارح ، والحاصل أن الزوزنى حمل غير البابين على كل ما يصدق عليه أنه غيرهما فقال ما قال فرده الشارح بما حاصله أن المراد الغير فى الجملة فليس الحامل على العدول عن جميع إلى كثير ما ذكره الزوزنى ، بل ما ذكرته أنا بقولى وإنما قال كثير ؛ لأن بعضها مختص بالبابين إلخ.

(قوله : فضلا عن أن يجرى كل منها) أى : من الأحوال ، وقوله فيه أى : فى كل فرد مما يصدق عليه أنه غير البابين ، قال السيرامى : وفضلا مفعول مطلق من فضل بمعنى زاد يقال زيد لا يجود بدرهم فضلا عن الدنيا أى : إن عدم إعطائه الدرهم أمر زائد على عدم إعطائه الدينار ؛ لأنه يمتنع أولا عن إعطاء الدينار ، ثم عن إعطاء الدرهم فعن الواقعة بعدها إما بمعنى على أو للتجاوز وتستعمل بين كلامين مختلفين إيجابا وسلبا بعد انتفاء الأدنى ليلزم انتفاء الأعلى بالطريق الأولى ـ قال سم ـ فى قوله فضلا إلخ : إشارة إلى أن مراد هذا القيل أنه لو عبر بقوله جميع ما ذكر فى البابين غير مختص بهما لأفاد أن كل واحد مما ذكر يجرى فى كل واحد من غيرهما (قوله : إذ يكفى لعدم الاختصاص) أى : عدم اختصاص كل فرد من أفراد الأحوال المتقدمة بالبابين ، وقوله ثبوته أى : ثبوت كل واحد مما ذكر من الأحوال وقوله فى شىء مما يغايرهما أى : مما يغاير المسند إليه والمسند

١٥٢

إذا أتقن اعتبار ذلك فيهما) أى : فى البابين (لا يخفى عليه اعتباره فى غيرهما) من المفاعيل ، والملحقات بها ، والمضاف إليه.

______________________________________________________

ولو كان ذلك واحدا كالمفعول به (قوله : إذا أتقن اعتبار ذلك) أى : الكثير (قوله : لا يخفى عليه اعتباره إلخ) أى : فإذا علم مما تقدم مثلا أن تعريف المسند إليه بالعلمية لإحضاره فى ذهن السامع باسم مختص به حيث يقتضيه المقام كما إذا كان المقام مقام مدح ، فأريد إفراده لئلا يخالج قلب السامع غير الممدوح من أول وهلة عرف أن المفعول به يعرف بالعلمية لذلك كقولك خصصت زيدا بالثناء لشرفه على أهل وقته وإذا عرف مما تقدم أن الحذف لضيق المقام بسبب الوزن أو الضجر والسآمة عرف أن حذف المفعول به كذلك وإذا عرف أن الإبدال من المسند إليه لزيادة تقرير النسبة الحكمية عرف أن الإبدال من المفعول به لزيادة تقرير النسبة الايقاعية كقولك : أكرمت زيدا أخاك ، وقس على ذلك ـ والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

١٥٣

أحوال متعلقات الفعل]

[حال الفعل مع المفعول والفاعل] :

قد أشير فى التنبيه إلى أن كثيرا من الاعتبارات السابقة يجرى فى متعلقات الفعل لكن ذكر فى هذا الباب تفصيل بعض من ذلك ...

______________________________________________________

[أحوال متعلقات الفعل]

ذكر المصنف فى هذا الباب ثلاثة مطالب الأول نكات حذف المفعول به ، والثانى نكات تقديمه على الفعل ، والثالث نكات تقديم بعض معمولات الفعل على بعض وذكر مقدمة للمطلب الأول بقوله الفعل مع المفعول إلى قوله : ثم الحذف إلخ ، فقوله : ثم الحذف هو أول المقصود بالترجمة وقوله متعلقات بكسر اللام أى : أحوال الأمور المتعلقة بالفعل ، فالفعل يقال فيه متعلق بالفتح والمفعول مثلا متعلق بالكسر أى : متشبث وهذا هو الأحسن وإن صح العكس ؛ لأن كلا متعلق بالآخر ووجه أولوية الكسر أن المفاعيل وما ألحق بها معمولة وكون المعمول لضعفه متعلقا بالكسر أنسب ؛ لأن المتعلق هو المتشبث وهو أضعف من المتشبث به ـ تأمل.

(قوله : قد أشير إلخ) إنما لم يقل صرح ؛ لأنه لم يصرح فيه وإنما قال غير مختص بهما ، بل يجرى فى غيرهما ومن جملة الغير متعلقات الفعل ، وإنما لم يكن هذا صريحا ؛ لأن هذا عام فلا يلزم من جريان الكثير فى غيرهما جريانه فى تلك المتعلقات لصدق الغير بغيرها كمتعلقات اسم الفاعل (قوله : تفصيل بعض من ذلك) أى : من ذلك الكثير ومصدوق ذلك البعض حذف المفعول وتقديمه على الفعل وتقديم بعض المعمولات على بعض ، ولا شك أن الحذف والتقديم قد تقدما فى البابين وقوله : لكن ذكر إلخ استدراك على ما يتوهم أن ما ذكر فى هذا الباب مكرر مع ما سبق ، ثم إن قضية هذا الاستدراك أن المراد بأحوال متعلقات الفعل بعض أحوال متعلقاته وفيه أنه يلزم عدم انحصار الفن فى الأبواب الثمانية ، فالوجه أن المراد الجميع إلا أنه اقتصر على البعض استغناء عن ذكر الباقى بما سبق فى غير هذا الباب لظهور جريانه فيه ، والبعض الذى فصل هنا لا يقصر على ما أشير إليه إجمالا كما اقتضاه كلام الشارح ـ قاله يس.

١٥٤

لاختصاصه بمزيد بحث ؛ ومهد لذلك مقدمة فقال : (الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل فى أن الغرض من ذكره معه) أى : ذكر كل من الفاعل والمفعول مع الفعل ، أو ذكر الفعل مع كل منهما ...

______________________________________________________

(قوله : لاختصاصه) أى : ذلك البعض (قوله : بمزيد بحث) أى : ببحث زائد على البحث السابق والمراد بالبحث النكات ، ولا شك أنه ذكر للحذف ، وللتقديم هنا نكات زائدة على النكات السابقة لهما كما يعلم بتتبع ما تقدم وما يأتى (قوله : ومهد لذلك) أى : لذلك البعض أى : لبعض ذلك البعض ؛ لأن قوله الفعل مع المفعول إلى قوله لا إفادة وقوعه مطلقا توطئة لبحث حذف المفعول به.

(قوله : الفعل) هو مبتدأ وقوله مع المفعول حال فى ضمير الخبر الذى هو قوله : كالفعل ، وقوله مع الفاعل حال من الفعل والعامل فى الحالين حرف التشبيه أى : الفعل يشابه حال كونه مصاحبا للمفعول نفسه حال كونه مصاحبا للفاعل ، وهذا التركيب نظيره قولك : زيد قائما كهو جالسا ، وفى الفنارى : أن الظرف معمول لمضاف مقدر أى : ذكر الفعل مع المفعول كذكره مع الفاعل (قوله : مع المفعول) أراد به المفعول به بدليل قول الشارح ، وأما بالمفعول فمن جهة وقوعه عليه وقول المصنف نزل الفعل المتعدى منزلة اللازم ؛ لأن هذا تمهيد لحذفه ، وإن كان سائر المفاعيل ، بل جميع المتعلقات كذلك ، فإن الغرض من ذكرها مع الفعل إفادة تلبسه بها من جهات مختلفة كالوقوع فيه وله ومعه وغير ذلك ، لكن خص البحث بالمفعول به لقربه من الفاعل ولكثرة حذفه كثرة شائعة وسائر المتعلقات يعرف حكمها بالقياس عليه.

(قوله : من ذكره معه) المراد بذكره معه أعم من الذكر لفظا أو تقديرا (قوله : أى ذكر كل إلخ) أى : فالضمير الأول على الاحتمال الأول عائد على كل من الفاعل والمفعول وأفرد الضمير باعتبار كل واحد والضمير الثانى للفعل ، وعلى الاحتمال الثانى بالعكس ، ويؤيد الاحتمال الثانى أمران : ـ

الأول : قول المصنف الفعل مع الفاعل ، فإن المحدث عنه فى هذه العبارة الفعل ، وحينئذ فهو أولى بعود الضمير الأول عليه ، الثانى قوله إفادة تلبسه به فإن الضمير الأول

١٥٥

(إفادة تلبسه به) أى : تلبس الفعل بكل منهما ؛ أما بالفعل : فمن جهة وقوعه منه ، وأما بالمفعول فمن جهة وقوعه عليه (لا إفادة وقوعه مطلقا) أى : ليس الغرض من ذكره معه إفادة وقوع الفعل وثبوته فى نفسه من غير إرادة أن يعلم ممن وقع وعلى من وقع ؛ إذ لو أريد ذلك لقيل : وقع الضرب ، أو وجد ، أو ثبت ، من غير ذكر الفاعل أو المفعول لكونه عبثا ...

______________________________________________________

عائد على الفعل والثانى على كل من الفاعل والمفعول ، والأولى أن يكون الكلامان على نسق واحد ويؤيد الاحتمال الأول أمران أيضا الأول أن الترجمة لأحوال متعلقات الفعل الثانى أن كلمة مع تدخل على المتبوع غالبا ، والفعل متبوع بالنسبة للفاعل والمفعول ؛ لأنه عامل والعامل أقوى من المعمول وإنما قلنا غالبا ؛ لأنها قد تدخل على التابع ومنه قول المصنف الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل فإنه قد أدخلها على التابعين اللذين كل منهما قيد للفعل مرادا بها مجرد المصاحبة لأمر خطابى وهو أن الكلام فى متعلقات الفعل من حيث هى مضافة إليه وحق المضاف إليه أنه يقدم فى الذكر التفصيلى (قوله : إفادة تلبسه به) أى : إفادة المتكلم السامع تلبسه أى : تعلقه وارتباطه به (قوله : أما بالفاعل) أشار بذلك إلى أن تلبس الفعل بهما مختلف فتلبسه بالفاعل من جهة وتلبسه بالمفعول من جهة أخرى ، (وقوله : من جهة وقوعه منه) لم يقل أو قيامه به مع أن الفاعل ينقسم إلى ما يقع منه الفعل : كضرب زيد عمرا وإلى ما يقوم به كمرض زيد ومات عمرو ؛ ولأن الكلام فى الفعل المتعدى لمفعول به ولا يكون إلا واقعا من الفاعل بالاختيار.

(قوله : لا إفادة وقوعه) أى : نفيا أو إثباتا (وقوله : مطلقا) أى : حالة كونه مطلقا عن إرادة العلم بمن وقع منه أو عليه (قوله : أى ليس الغرض من ذكره معه) أى : من ذكر كل منهما مع الفعل (قوله : من غير إرادة أن يعلم ممن وقع) أى : من غير إرادة أن يعلم جواب ممن وقع (قوله : من غير ذكر الفاعل) أى : فاعل الضرب وقوله أو المفعول أى : الذى وقع عليه (قوله : لكونه عبثا) علة لقوله من غير ذكر أى : لكون ذكر الفاعل أو المفعول عبثا أى : غير محتاج له ، بل زائد على الغرض المقصود وغير المحتاج إليه عبث عند البلغاء وإن أفاد فائدة ؛ لأنه زائد على المراد ، فاندفع ما يقال كيف يكون عبثا مع

١٥٦

(فإذا لم يذكر) المفعول به (معه) أى مع الفعل المتعدى المسند إلى فاعله (فالغرض إن كان إثباته) أى : إثبات ذلك الفعل (لفاعله أو نفيه عنه مطلقا) أى : من غير اعتبار عموم فى الفعل بأن يراد جميع أفراده ، أو خصوص بأن يراد بعضها ، ومن غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه فضلا عن عمومه وخصوصه ...

______________________________________________________

أنه أفاد فائدة وهى بيان من وقع منه الفعل أو عليه (قوله : فإذا لم يذكر) مفرع على قوله للفعل مع المفعول إلخ وجعل الشارح ضمير يذكر راجعا للمفعول به لا لواحد من الفاعل والمفعول أو للفعل وضمير معه لواحد منهما مع أن ذلك مقتضى ما قبله ؛ لأنه يدل على ما صنعه قول المصنف فالغرض إلخ. (قوله : المتعدى) أخذه من كون الكلام فى المفعول به وهو لا ينصبه إلا المتعدى (قوله : فالغرض) أى : من ذلك التركيب الذى يسند فيه الفعل إلى فاعله من غير ذكر المفعول ، (وقوله : إن كان) أى : ذلك الغرض وقوله إثباته لفاعله أى : فى الكلام المثبت ، وقوله أو نفيه عنه أى : فى الكلام المنفى (قوله : من غير اعتبار عموم أو خصوص إلخ) الأولى إسقاط ذلك والاقتصار فى تفسير الإطلاق على قوله من غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه الفعل ؛ لأن التنزيل المذكور إنما يتوقف على عدم اعتبار تعلقه بمن وقع عليه ولا يتوقف على عدم اعتبار عموم أو خصوص ، بل يجوز أن يقصد التعميم وينزل منزلة اللازم ، وأجاب الشيخ يس بما حاصله أنه إنما أتى بما ذكر فى التفسير لأجل مطابقة قول المصنف الآتى ، ثم إن كان المقام خطابيا أفاد ذلك مع التعميم لا لكون التنزيل يتوقف على ما ذكر من عدم اعتبار العموم أو الخصوص فى الفعل ، وبيان ذلك أن المصنف أفاد فيما يأتى أنه إذا لم يكن المقام خطابيا كان مدلول الفعل خصوص الحقيقة ، وإذا كان خطابيا أفاد الفعل العموم بمعونة المقام الخطابى فتفصيله الفعل فيما يأتى إلى إفادة العموم أو الخصوص يدل على أنه أراد هنا بالإطلاق عدم اعتبار عموم الفعل أو خصوصه ، فلذلك أدخل الشارح ذلك فى تفسير الإطلاق وإن كان تنزيل الفعل منزلة اللازم لا يتوقف على ذلك ، وفى ابن يعقوب أن عدم اعتبار عموم الفعل وخصوصه لازم لعدم اعتبار تعلقه بمن وقع عليه ، وحينئذ فلا إيراد ـ تأمل.

(قوله : بأن يراد جميع إلخ) تصوير لاعتبار العموم (وقوله : بأن يراد بعضها) تصوير لاعتبار الخصوص (قوله : فضلا عن عمومه) أى : عموم من وقع عليه الفعل الذى هو

١٥٧

(نزل) الفعل المتعدى (منزلة اللازم ولم يقدر له مفعول لأن المقدر كالمذكور) فى أن السامع يفهم منهما أن الغرض الإخبار بوقوع الفعل من الفاعل باعتبار تعلقه بمن وقع عليه ، فإن قولنا : فلان يعطى الدنانير ـ يكون لبيان جنس ما يتناوله الإعطاء لا لبيان كونه معطيا ، ويكون كلاما مع من أثبت له إعطاء غير الدنانير ...

______________________________________________________

المفعول ، وكذا يقال فى خصوصه ، ثم إن عموم المفعول غير عموم الفعل وكذا خصوصه ؛ لأن أفراد الفعل كالإعطاءات وأفراد المفعول الأشخاص المعطون (قوله : نزل منزلة اللازم) أى : الذى وضع من أصله غير طالب للمفعول (قوله : ولم يقدر له مفعول) من عطف اللازم على الملزوم ، وإنما لم يقدر له مفعول ؛ لأن الغرض مجرد إثباته للفاعل والمقدر كالمذكور بواسطة دلالة القرينة ، فالسامع حيث قامت عنده قرينة على المقدر يفهم من ذلك التركيب كما يفهم من التركيب الذى صرح فيه بمفعول الفعل أن الغرض هو الإخبار بوقوع الفعل من الفاعل على مفعوله ، وأن القصد إنما هو إفادة تعلقه بالمفعول الذى وقع عليه لا مجرد إفادة نسبته للفاعل الذى هو المطلوب ، وحينئذ فلا يذكر ذلك المفعول ولا يقدر لما فى ذلك من انتفاض غرض المتكلم (قوله : يفهم منهما) أى : من المذكور والمقدر (قوله : فإن قولنا إلخ) مثال لفهم السامع من المذكور أن الغرض ما ذكر وحاصل ما ذكره الإشارة للفرق بين اعتبار تعلق الفعل بالمفعول وعدم اعتباره وتوضيحه أنك إذا قلت فلان يعطى الدنانير كان معناه الإخبار بالإعطاء المتعلق بالدنانير ويكون كلاما مع من سلم وجود الإعطاء وجهل تعلقه بالدنانير فتردد فيه أو غفل أو اعتقد خلافه ، وإذا قلت : فلان يعطى كان كلاما مع من جهل وجود الإعطاء أو أنكره أصالة فقول الشارح لبيان جنس ما يتناوله الإعطاء أى : لبيان جنس الشىء الذى يتعلق به الإعطاء وهو الشىء المعطى كالدنانير فى المثال ، وقوله : ما يتناوله الإعطاء أى : إعطاء فلان هذا هو المراد ، فسقط قول سم.

قد يقال إذا كان لبيان ما ذكر فلا حاجة لذكر الفاعل على أن ذكر الفاعل لكونه ضروريا ؛ لأنه أحد ركنى الإسناد لا مفر منه (قوله : لبيان كونه معطيا) أى : وإلا لاقتصر فى التعبير على قولنا فلان معط (قوله : ويكون كلاما مع من أثبت له إعطاء غير الدنانير)

١٥٨

لا مع من نفى أن يوجد منه إعطاء (وهو) أى : هذا القسم الذى نزل منزلة اللازم (ضربان لأنه إما أن يجعل الفعل) حال كونه (مطلقا) أى : من غير اعتبار عموم أو خصوص فيه ، ومن غير اعتبار تعلقه بالمفعول (كناية عنه) أى : عن ذلك الفعل حال كونه (متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة ، أو لا) يجعل كذلك ، (الثانى) : ...

______________________________________________________

أى : أو تردد فيه أو غفل عنه ومعنى كون هذا كلاما مع من ذكر أنه يردد بذلك عليه ، ولا يقال إذا كان ما ذكر كلاما مع المنكر لإعطاء الدنانير أو المتردد فيجب توكيده لما تقدم أن كل كلام مع المتردد أو المنكر يجب توكيده أو الإتيان بصيغة التخصيص ولا تأكيد ولا تخصيص هنا فيجب أن يكون هذا كلاما مع من أثبت له إعطاء ، والحال أنه خالى الذهن عن كون المعطى دنانير أو غيرها ، لأنا نقول أن تخصيص الشىء بالذكر يدل على نفى الحكم عما عداه عرفا واستعمالا أو يقال : يكفى فى التأكيد كون الجملة اسمية مع إفادة خبرها الفعلى التقوية أو التخصيص.

(قوله : لا مع من نفى أن يوجد منه إعطاء) أى : وإلا لاقتصر على قوله : فلان يعطى فإن قيل : إن من نفى عنه الإعطاء منكر والكلام الملقى إليه يجب تأكيده ولا تأكيد فى قولنا : فلان يعطى ، قلنا : قد تقدم الجواب عن نظير ذلك (قوله : لأنه) أى : الحال والشأن (قوله : كناية عنه) أى : معبرا به عن الفعل المتعلق بمفعول مخصوص ومستعملا فيه على طريق الكناية وصح جعل الفعل المنزل منزلة اللازم كناية عن نفسه متعديا لاختلاف اعتباريه ، فصح أن يجعل باعتبار أحدهما ملزوما وبالاعتبار الآخر لازما ، فالفعل عند تنزيله منزلة اللازم يكون مدلوله الماهية الكلية ، ثم بعد ذلك يجعل الفعل كناية عن شىء مخصوص فيكون مدلوله جزئيا مخصوصا وانظر هذا مع أن الكناية إطلاق الملزوم وإرادة اللازم والمقيد ليس لازما للمطلق إلا أن يقال : إن اللزوم ولو بحسب الادعاء كاف فى الكناية بواسطة القرينة ، وحينئذ فيدعى أن المطلق ملزوم للمقيد ، والحاصل أن جعل المطلق كناية عن المقيد مع أنها الانتقال من الملزوم إلى اللازم بناء على أن مطلق اللزوم ولو بحسب الادعاء كاف فيها (قوله : دلت عليه) أى على

١٥٩

كقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(١) أى : لا يستوى من يوجد له حقيقة العلم ومن لا يوجد ، وإنما قدم الثانى لأنه باعتبار كثرة وقوعه أشد اهتماما بحاله (السكاكى) ذكر فى بحث إفادة اللام الاستغراق : أنه إذا كان المقام خطابيا لا استدلاليا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ...

______________________________________________________

ذلك المفعول المخصوص قرينة (قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي) إلخ) الأصل هل يستوى الذين يعلمون الدين والذين لا يعلمونه ، ثم حذف المفعول ونزل الفعل منزلة اللازم بحيث صار المراد من الفعل الماهية الكلية أى : هل يستوى الذين وجدت منهم حقيقة العلم والذين لم توجد عندهم بعد أن كان المراد علم شىء مخصوص مبالغة فى الذم إشارة إلى أن الجهال الذين لا علم عندهم بالدين كأنهم لا علم عندهم أصلا ، وأن حقيقة العلم فقدت منهم وصاروا كالبهائم ، والحاصل أن الغرض نفى المساواة بين من هو من أهل العلم وبين من ليس من أهل العلم لا بين من هو من أهل علم مخصوص وبين من هو ليس من أهل العلم المخصوص ، فلذلك نزل الفعل منزلة اللازم ومع هذا لم يجعل مطلق العلم كناية عن العلم بمعلوم مخصوص تدل عليه القرينة (قوله : ذكر فى بحث إفادة اللام إلخ) الغرض من سوقه مع أن المتعلق بالمقام إنما هو ما بعده وهو قوله ، ثم ذكر فى بحث حذف المفعول إلخ تصحيح الحوالة عليه بقوله فيما بعده بالطريق المذكور.

(قوله : إذا كان المقام) أى : الذى أورد فيه المحلى بأل (قوله : خطابيا) بفتح الخاء أى : يكتفى فيه بالقضايا الخطابية وهى المفيدة للظن كالواقعة فى المحاورات أى : فى مخاطبة الناس بعضهم مع بعض كقولك : كل من يمشى فى الليل بالسلاح فهو سارق فإن هذا غير مقطوع به ، وإنما يفيد الظن وإنما قيد بالخطابى ؛ لأنه إذا كان المقام الذى أورد فيه المحلى بأل استدلاليا أى : لا يكتفى فيه إلا بالقضايا المفيدة لليقين كما لو أردت إقامة دليل على عدم تعدد الإله ، فإن المعرف حينئذ إنما يحمل على المتيقن وهو الواحد فى المفرد والثلاثة فى الجمع كما فى القضية المهملة عند المناطقة إذا عرف فيها الموضوع بلام

__________________

(١) الزمر : ٩.

١٦٠