حاشية الدسوقي - ج ٢

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٤٣

عدم الثبوت والمضى فى جملتيها) إذ الثبوت ينافى التعليق ، والاستقبال ينافى المضى فلا يعدل فى جملتيها عن الفعلية الماضوية إلا لنكتة ، ومذهب المبرد أنها تستعمل فى المستقبل استعمال إن وهو مع قلته ثابت نحو قوله عليه الصلاة والسّلام : " اطلبوا العلم ولو بالصين" (١) ، ...

______________________________________________________

يستفاد من قول الشارح بعد وهو مع قلته ثابت (قوله : عدم الثبوت) أى : عدم الحصول فى الخارج والمقصود به نفى اسمية شىء من جملتيها (قوله : والمضى) بالرفع عطف على عدم وقوله فى جملتيها أى : جملة الشرط وجملة الجزاء المنسوبتين إليها تنازعه عدم الثبوت والمضى (قوله : إذ الثبوت) أى : الحصول فى الخارج ينافى التعليق أى : المتقدم الذى هو تعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضا ، وإنما كان الثبوت منافيا للتعليق ؛ لأن الحصول الفرضى المأخوذ فى تعريف التعليق يلزمه القطع بالانتفاء والقطع بالانتفاء يلزمه عدم الثبوت قاله السيد فى حواشى المطول.

(قوله : والاستقبال ينافى المضى) أى : إن كونهما استقباليتين ينافى ما تقرر من كونها التعليق شىء بشىء فى المضى وأشار الشارح بهذا إلى أن التفريع فى المتن على طريق اللف والنشر المرتب ، فقوله فيلزم عدم الثبوت فى جملتيها مفرع على قوله ولو للشرط أى : التعليق ، وقوله : ويلزم المضى فى جملتيها مفرع على قوله : فى الماضى (قوله : عن الفعلية الماضوية) لفظا ومعنى أى : إلى المضارعية فى اللفظ وإن كان المعنى ماضيا (قوله : ومذهب المبرد أنها تستعمل فى المستقبل استعمال إن) أى : فى المستقبل فلا تحتاج إلى نكتة (قوله : وهو) أى : استعمالها فى المستقبل.

(قوله : نحو قوله عليه الصلاة والسّلام إلخ) قد يقال إن لو هذه لا جواب لها وإنما هى للربط فى الجملة الحالية كما تقدم فى إن وكلامنا فى لو الشرطية ، وحينئذ فلا يصح التمثيل بما ذكر وقد يجاب بأن كلامه مبنى على القول بأن لو هذه جوابها مقدر والأصل ولو يكون الطلب بالصين فاطلبوه ولو تكون المباهاة بالسقط فإنى أباهى به

__________________

(١) موضوع ، أخرجه ابن عدى والعقيلى والبيهقى وغيرهم كما فى ضعيف الجامع (١٠٠٥).

١٠١

" فإنى أباهى بكم الأمم يوم القيامة" (١) ولو بالسقط ...

______________________________________________________

فالشرط فى هذين المثالين مستقبل بدليل أنه فى حيز اطلبوا وأباهى بكم الأمم يوم القيامة الذى هو مستقبل ولو مثل الشارح بقول الشاعر :

ولو تلتقى أصداؤنا بعد موتنا

ومن دون رمسينا من الأرض سبسب

لظلّ صدى صوتى وإن كنت رمّة

لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب (٢)

كان أحسن ، فعلم مما تقدمه كله أن للو أربع استعمالات : ـ أحدها أن تكون للترتيب الخارجى ، والثانى : كونها للاستدلال ، والثالث : أن تكون وصلة للربط فى الجملة الحالية ، والرابع : أن تكون بمعنى إن للشرط فى المستقبل ، وقد تكون للدلالة على استمرار شىء بربطه بأبعد النقيضين ومن ذلك" قوله ـ عليه‌السلام ـ أو قول عمر على ما قيل : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" (٣) فالخوف وعدمه نقيضان وعدمه أبعد لعدم العصيان منه فعلق عدم العصيان على إلا بعد إشارة إلى أن عدم العصيان منه مستمر وأن العصيان لا يقع من صهيب أصلا وقد تكون للتمنى ومصدرية أخذا مما يأتى ومثل لهما بقوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٤) فدخولها على المضارع فى نحو قوله تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(٥) (قوله : فإنى أباهى بكم الأمم) هذا ليس من تتمة ما قبله ، بل من حديث آخر وهو قوله عليه‌السلام : " تناكحوا تناسلوا فإنى" إلخ فمراد الشارح تعداد الأمثلة والحديث الأول" وهو اطلبوا

__________________

(١) صحيح ، أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما ، بلفظ : فإنى مكاثر ... كما فى الإرواء (١٧٨٤).

(٢) البيتان من الطويل وهما لأبى صخر الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص ٩٣٨ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٤٣ ، وللمجنون فى ديوانه ص ٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٥ والبيتان بلا نسبة فى تاج العروس (لو).

(٣) اشتهر فى كلام الأصوليين وأصحاب المعانى وأهل العربية من حديث عمر ، وبعضهم يرفعه للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر البهاء السبكى أنه لم يظفر به بعد البحث ، وانظر كشف الخفاء ٢ / ٣٩١ تحقيق د / عبد الحميد هنداوي.

(٤) الحجر : ٢.

(٥) الحجرات : ٧.

١٠٢

(فدخولها على المضارع فى نحو :) (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(١) أى : لوقعتم فى جهد وهلاك ، والفعل هو الإطاعة ؛ يعنى أن امتناع عنتكم ...

______________________________________________________

العلم ولو بالصين" قال ابن حبان لا أصل له كما فى الغماز (قوله : فدخولها على المضارع إلخ) هذا مفرع على قوله : فيلزم المضى فى جملتيها أى : وحيث كان ذلك لازما فدخولها على المضارع إلخ (قوله : فى جهد) هو بفتح الجيم المشقة والطاقة والمراد هنا الأول ، وأما بالضم فهو بمعنى الطاقة ليس إلا وقوله وهلاك الواو بمعنى أو ، إذ لا يجوز إرادة معنيين من لفظ واحد.

(قوله : لقصد استمرار الفعل) أى : للإشارة إلى قصد استمرار الفعل ، والمراد بالفعل الفعل اللغوى وهو الحدث ، والمراد باستمراره الاستمرار التجددى ، وحاصله : إن دخول لو على المضارع فى الآية على خلاف الأصل لنكتة اقتضاها المقام ، وهى الإشارة إلى أن الفعل الذى دخلت عليه يقصد استمراره فيما مضى وقتا بعد وقت وحصوله مرة بعد أخرى ، ولو نفت ذلك الاستمرار ، واستمرار الفعل على وجه التجدد إنما يحصل بالمضارع لا بالماضى ، الذى شأنه أن تدخل عليه لو فالعدول عن الماضى للمضارع لهذه النكتة التى اقتضاها المقام (قوله : فيما مضى وقتا فوقتا) أشار بقوله فيما مضى إلى أن لو على معناها وأن المضارع الواقع موقع الماضى أفاد الاستمرار فيما مضى ، وبقوله وقتا فوقتا ، إلى أن الانتفاء ملاحظ بحسب أوقات الوجود فإن الإطاعة توجد فى العرف وقتا فوقتا فيلاحظ انتفاؤها كذلك ، فيكون المضارع المنفى كالمثبت فى أن المستفاد منه تجددى لا ثبوتي. ا ه فنرى.

(قوله : والفعل) أى : الذى قصد استمراره فى الآية هو الإطاعة وعليه ففى كلام المصنف حذف مضاف أى : لقصد امتناع استمرار إلخ بدليل قوله يعنى أن امتناع عنتكم بسبب إلخ ، هذا ويمكن الاستغناء عن تقديره فى كلام المصنف بأن يكون المعنى لقصد

__________________

(١) الحجرات : ٧.

١٠٣

بسبب امتناع استمراره على إطاعتكم فإن المضارع يفيد الاستمرار ، ودخول لو عليه يفيد امتناع الاستمرار ، ويجوز أن يكون الفعل امتناع الإطاعة ؛ يعنى أن امتناع عنتكم بسبب استمرار امتناعه عن إطاعتكم ...

______________________________________________________

الاستمرار المذكور أى : من يطيعكم بقطع النظر عن لو ، ويفهم امتناع الاستمرار من لو ، وليس المعنى لقصد الاستمرار من لو يطيعكم المحوج لتقدير المضاف المتقدم ، وحاصل ما ذكره الشارح أن الكلام مشتمل على نفى وهو لو وقيد وهو الاستمرار المفاد بالمضارع فيجوز أن يعتبر نفى القيد ، وأن يعتبر تقييد النفى فالمعنى على الأول انتفى عنتكم بسبب امتناع الاستمرار على الإطاعة فى الكثير ، وعلى الثانى انتفى عنتكم بسبب الامتناع المستمر على إطاعتكم فى الكثير (قوله : بسبب امتناع استمراره إلخ) هذا يفيد ثبوت أصل إطاعته ـ عليه الصلاة والسّلام ـ لهم فى بعض الأمور ، وهو كذلك فموافقته لهم فى بعض الأمور التى لا تضر لا توجب الهلاك ، بل فيها تطييب لخواطرهم ، ولذا أمر عليه‌السلام بمشاورتهم وإلا فهو غنى عنها والذى يوجب وقوعهم فى المشقة والهلاك إنما هو استمراره ـ عليه الصلاة والسّلام ـ على إطاعتهم فيما يستصوبون حتى كأنه مستتبع فيما بينهم ويستعملونه فيما يعن لهم وفى ذلك من اختلال الرسالة والرياسة ما لا يخفى ، وأورد على الوجه الأول أنه إذا كان المنفى استمرار الإطاعة فى كثير من الأمر كان أصل الإطاعة فى الكثير ثابتا مع أن الواقع خلافه ؛ لأنه إنما أطاعهم فى القليل ، وأجيب بأن المفهوم معطل بالنظر للقيد ، أو يقال : يكفى كون ما أطاعهم فيه كثيرا فى نفسه وإن كان قليلا بالنسبة إلى مقابله.

واعلم أن هذا الإيراد إنما يتوجه على الوجه الأول فى كلام الشارح لا على الوجه الثانى ؛ لأن محصله أن العلة فى انتفاء العنت الامتناع المستمر على إطاعتهم فى الكثير فيكون أصل الفعل وهو الإطاعة فى الكثير منفيا.

(قوله : ويجوز أن يكون الفعل) أى : الذى قد قصد استمراره امتناع الإطاعة أى : إن لوحظت لو قبل دخول الفعل المفيد للاستمرار عليها ، فلما دخل عليها صارت كأنها جزء منه والاستمرار ملاحظ بعد النفى فهو حينئذ من تقييد النفى بخلافه على

١٠٤

لأنه كما أن المضارع المثبت يفيد استمرار الثبوت يجوز أن يفيد المنفى استمرار النفى والداخل عليه لو يفيد استمرار الامتناع كما أن الجملة الإسمية المثبتة تفيد تأكيد الثبوت ودوامه ...

______________________________________________________

الوجه الأول ، فإن الفعل الدال على الاستمرار ملحوظ قبل النفى فهو من نفى القيد ، وفى تأخير هذا الوجه الثانى وتعبيره فى جانبه بالجواز إشارة لرجحان الوجه الأول ولذلك قال فى المطول : إنه الظاهر ، ووجه ذلك بأمرين :

الأول أن القياس اعتبار الامتناع واردا على الاستمرار حسب ورود كلمة لو المفيدة للامتناع على صيغة المضارع المفيد للاستمرار ؛ لأن استفادة المعانى من الألفاظ على وفق ترتيبها ، وأما اعتبار الاستمرار واردا على النفى فهو خلاف القياس فلا يصار إليه إلا عند تعذر الجريان على موجب القياس نحو : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(١) أو لم يكن فيه مزية كما فى قوله تعالى (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢) حيث حمل على استمرار نفى الحزن عنهم إذ ليس فى نفى استمرار الحزن مزيد فائدة.

الثانى : أن العلة فى نفى عنتهم نفى الاستمرار على إطاعتهم ، لا استمرار نفى الإطاعة الذى تضمنه ذلك الوجه الثانى ؛ وذلك لأن استمرار نفى الإطاعة يقتضى أن أصل الفعل وهو الإطاعة منفى بخلاف نفى الاستمرار على الإطاعة فإنه يفيد ثبوته ومعلوم أن أصل الإطاعة لا يترتب عليه العنت لما يترتب عليه من مصلحة استجلابهم واستمالة قلوبهم ـ ا. ه سم.

(قوله : لأنه كما أن إلخ) علة لقوله ويجوز إلخ ودفع بهذا ما يقال معنى قولهم : إن المضارع يفيد الاستمرار أى : استمرار معناه وهذا الاحتمال بخلافه ؛ لأنه يلزم عليه أن المضارع إنما أفاد استمرار معنى لو وهذا خلاف القاعدة ، وحاصل الدفع أنه لا مانع من كون الفعل المضارع المنفى يفيد استمرار النفى كما أن المثبت يفيد استمرار الثبوت ، وذلك إذا لوحظ النفى قبل دخول الفعل المفيد للاستمرار بحيث جعل النفى كأنه جزء من الفعل. (قوله : كما أن الجملة الاسمية إلخ) هذا تنظير للفعلين المثبت والمنفى وهذا

__________________

(١) الكهف : ٤٩.

(٢) البقرة : ٣٨.

١٠٥

والمنفية تفيد تأكيد النفى ودوامه لا نفى التأكيد والدوام كقوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)(١) ردا لقولهم (آمَنَّا) ...

______________________________________________________

بالنسبة للوجه الثانى ؛ لأن المعتبر فيه تأكيد النفى وكذا هنا المعتبر تأكيد الثبوت (قوله : والمنفية تفيد تأكيد النفى) أى : استمرار الانتفاء ومن هذا يتخرج الجواب عن النفى فى قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٢) بأن ترجع المبالغة إلى نفى الظلم ، فالمعنى انتفى الظلم عن المولى انتفاء مبالغا فيه ، فالجملة مفيدة لتأكيد النفى والمبالغة فيه لا لنفى التأكيد والمبالغة وإلا لاقتضت أن المنفى إنما هو المبالغة فى الظلم فيفيد ثبوت أصل الظلم وهو باطل.

(قوله : لا نفى التأكيد) إن قلت قضية قاعدة أن النفى يتوجه إلى القيد فى الكلام أن الجملة المنفية إنما تفيد نفى التأكيد ، قلت هذا إذا اعتبر القيد سابقا على النفى ، وأما إذا اعتبر سبق النفى كانت مفيدة لتأكيد النفى ، والحاصل أنه إذا اعتبر القيد سابقا على النفى أفادت نفى القيد غالبا ، وتارة تفيد نفى المقيد ، وتارة تفيد نفيهما معا عند الشارح خلافا للشيخ عبد القاهر حيث أوجب نفى القيد ، وأما إذا اعتبر تقدم النفى فإنما تفيد تأكيد النفى أو يقال إن هذا ـ أى : إفادة تأكيد النفى ـ استعمال آخر للنفى كما قاله سم.

(قوله : ردا لقولهم (آمَنَّا)) بيان ذلك أن قولهم آمنا يفيد حدوث الإيمان منهم وصدوره فى الماضى ولو مرة ؛ لأن الماضى يدل على الوقوع والانقطاع فرد المولى سبحانه عليهم بقوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) مؤكدا للنفى بالباء الزائدة فى الخبر ، فالنفى ملحوظ أولا قبل التأكيد فهى مفيدة لتأكيد النفى ، والمعنى حينئذ إيمانهم منفى نفيا مؤكدا وعلى هذا فقوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) سالبة كلية مناقضة للموجبة الجزئية حكما ، التى هى قولهم : (آمَنَّا) وليس التأكيد ملحوظا أولا قبل النفى بحيث يكون الكلام من نفى التأكيد وإلا لم يكن ردا لقولهم ؛ لأن نفى التأكيد يقتضى ثبوت أصل إيمانهم وهذا عين دعواهم.

__________________

(١) البقرة : ٨.

(٢) فصلت : ٤٦.

١٠٦

على أبلغ وجه وآكده (كما فى قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)) (١) حيث لم يقل : الله مستهزئ بهم قصدا إلى استمرار الاستهزاء وتجدده وقتا فوقتا (و) دخولها على المضارع (فى نحو : (وَلَوْ تَرى)) (٢) الخطاب لمحمد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ...

______________________________________________________

(قوله : على أبلغ وجه) متعلق بقوله ردا (قوله : وآكده) مرادف لما قبله وهو بالمد لا بهمزتين لقول الخلاصة :

ومدّا ابدل ثانى الهمزين من

كلمة إن يسكن كآثر وائتمن

(قوله : الله يستهزئ بهم) الاستهزاء هو السخرية والاستخفاف ، والمراد به إنزال الحقارة والهوان بهم فهو من باب إطلاق الشىء على غايته لعلاقة السببية ؛ لأن غرض المستهزئ من استهزائه إدخال الهوان على المستهزأ به ، فيستهزئ مجاز مرسل ويصح أن يكون استعارة تبعية بأن شبه الهوان بالاستهزاء واستعير اسم المشبه به للمشبه ، واشتق منه يستهزئ بمعنى ينزل الهوان بهم ، ويحتمل أن يكون من باب المشاكلة بأن سمى جزاء الاستهزاء باسمه لوقوعه فى صحبته ، كما سمى جزاء السيئة سيئة لوقوعه فى صحبتها ، وحينئذ فهو مجاز مرسل علاقته المجاورة أو المصاحبة. (قوله : حيث لم يقل إلخ) أشار بذلك إلى أن التنظير من حيث مطلق العدول إلى المضارع ، وإن كان العدول هنا عن اسم الفاعل إلى المضارع وفيما سبق العدول عن الماضى إلى المضارع ، وإنما كان الأصل المعدول عنه هنا اسم فاعل لاقتضاء المقام إياه لمشاكلة ما وقع منهم ؛ لأنهم قالوا (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)(٣).

(قوله : وتجدده وقتا فوقتا) هذا تفسير لما قبله وهو محط القصد وإلا فالاستمرار مفاد بالاسمية المعدول عنها أيضا بمعونة المقام ، لكن فرق بين الاستمرارين ؛ لأن الاستمرار فى الاسمية فى الثبوت والاستمرار فى وضع المضارع موضع الماضى فى التجدد وقتا فوقتا ، والثانى أبلغ (قوله : ولو ترى إذ وقفوا على النار إلخ) نزل ترى منزلة

__________________

(١) البقرة : ١٥.

(٢) البقرة : ١٤.

(٣) الأنعام : ٢٧.

١٠٧

أو لكل من تتأتى منه الرؤية (إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ)) أى : أروها حتى يعاينوها ، أو أطلعوا عليها اطلاعا هى تحتهم ، أو أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها ...

______________________________________________________

اللازم مبالغة فى أمرهم الفظيع بحيث إذا اتصف الرائى بالرؤية مطلقا حين وقوفهم على النار رأى أمرا فظيعا ـ كذا قاله يس وفى عبد الحكيم : أن المفعول محذوف أى : ولو ترى الكفار فى وقت وقوفهم ولا يجوز أن يكون إذ مفعولا ؛ لأنه إخراج لإذ والرؤية عن الاستعمال الشائع أعنى الظرفية والإدراك البصرى من غير ضرورة ا. ه كلامه.

(قوله : أو لكل من تتأتى منه الرؤية) أى : بناء على أن الخطاب موجه لغير معين ففى التخصيص تسلية للرسول ـ عليه‌السلام ـ وفى التعميم تفضيح لهم لظهور بشاعة حالهم لكل أحد.

(قوله : حتى يعاينوها) حتى تعليلية (قوله : أو أطلعوا عليها) تفسير ثان لوقفوا وهو أولى من الأول لعدم احتياجه إلى تكلف تضمين أو نيابة حرف عن حرف بخلاف الأول ، وكون الوقف بمعنى الاطلاع مما ذكره فى القاموس ، وفى بعض النسخ : وأطلعوا بالواو والأولى أولى من الثانية ، وعلى الثانية فالعطف للتفسير ، ومعنى أطلعوا عليها أنهم وقفوا فوقها وهى تحتهم كما ذكره الشارح (قوله : هى تحتهم) الجملة حال من ضمير عليها أى : حال كونها تحتهم بحيث إنهم كالآيلين للسقوط فيها ـ كذا قرر شيخنا العدوى. ويؤيده ما فى ابن يعقوب أن المراد بوقوفهم على النار اطلاعهم عليها ، والمراد باطلاعهم عليها أن يروها تحتهم وهم بصدد السقوط فيها (قوله : أو أدخلوها) يعنى أن وقوفهم على النار : إما أن يفسر بإراءتها أو بالاطلاع عليها ـ كما تقدم ـ أو يفسر بالإدخال فيها (قوله : فعرفوا مقدار عذابها) راجع للتفاسير الثلاثة وهى الإرائة والاطلاع والإدخال ، وكان الأحسن أن يقول أو عرفوا إلخ للإشارة إلى أن هذا معنى آخر للوقوف على النار ويوضح لك ذلك قول الزجاج إن قوله تعالى : (إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) يحتمل ثلاثة أوجه الأول أن يكونوا قد وقفوا عندها حتى يعاينوها فهم موقوفون إلى أن يدخلوها الثانى أن يكونوا قد وقفوا عليها وهى تحتهم أى : إنهم وقفوا على النار فوق الصراط وعلى هذين الوجهين وقفوا من وقفت الدابة ، الثالث أنهم عرفوها من وقفت

١٠٨

وجواب لو محذوف ؛ أى : لرأيت أمرا فظيعا (لتنزيله) أى المضارع (منزلة الماضى لصدوره) أى : المضارع أو الكلام ...

______________________________________________________

على كلام فلان علمت معناه (قوله : وجواب لو محذوف) أتى الشارح بهذا دفعا لما يقال : إن لو للتمنى وهى تدخل على المضارع ، وحينئذ فلا يصح الاستشهاد بهذه الآية على دخول لو الشرطية على المضارع ، وحاصل الجواب أنا لا نسلم أنها هنا للتمنى ، بل هى شرطية وجوابها محذوف (قوله : أى لرأيت أمرا فظيعا) أى : شنيعا تقصر العبارة عن تصويره ، قال الفنارى : ولا يخفى أن الأولى أن يقدر الجزاء مستقبلا مناسبا للشرط أى : لترى أمرا فظيعا والنكتة التنزيل والاستحضار المذكوران (قوله : أى المضارع) أى : المعنى المضارع بمعنى المستقبل.

(قوله : منزلة الماضى) أى : والماضى تناسبه لو كما تقدم (قوله : لصدوره إلخ) يحتمل أن يكون علة للتنزيل أى : وإنما نزل ذلك المعنى الاستقبالى منزلة الماضى حتى دخلت عليه لو التى هى فى الأصل للماضى لصدوره أى : صدور الإخبار عن ذلك المعنى الاستقبالى بالفعل المضارع عمن لا خلف فى أخباره فكأنه وقع ، لكن هذا الاحتمال بعيد من كلام الشارح ، والذى يدل عليه قول الشارح لكنه عدل إلى المضارع إلخ أنه علة لمحذوف أى : وإنما يعبر عن ذلك المعنى الاستقبالى بعد تنزيله منزلة الماضى بصيغة الماضى ليكون هناك مناسبة بين الدال والمدلول لصدور ذلك الإخبار بذلك الفعل المضارع عمن لا تخلف فى إخباره والمستقبل والماضى عنده سواء فلا يحتاج إلى التحويل لصيغة الماضى إلا لو كان الإخبار بذلك الفعل صادرا ممن التخلف فى إخباره ؛ لأنه إذا كان كذلك يحتاج إلى التعبير بالماضى زيادة فى تأكيد تحقق الوقوع نفيا لذلك الإمكان هذا تحقيق ما فى المقام على ما قرره شيخنا العدوى ، فإن قلت : إن تنزيل المضارع منزلة الماضى فى التحقيق ينافى دخول لو الدالة على الامتناع قلت : لا منافاة ؛ لأن الامتناع باعتبار الإسناد إلى المخاطب ، والتحقق باعتبار أصل الفعل ، فالمنزل منزلة الماضى لتحققه هو أصل الرؤية ، والذى فرض وقوعه وأدخل عليه لو هو الرؤية بالنسبة للمخاطب فذكر لو يدل على أن الرؤية بمثابة من الفظاعة يمتنع معها رؤية المخاطب ـ كذا أجاب عبد الحكيم.

١٠٩

(عمن لا خلاف فى إخباره) فهذه الحالة إنما هى فى القيامة لكنها جعلت بمنزلة الماضى المتحقق فاستعمل فيها لو وإذ المختصتان بالماضى لكن عدل عن لفظ الماضى ولم يقل : ولو رأيت إشارة إلى أنه كلام من لا خلاف فى إخباره ، والمستقبل عنده بمنزلة الماضى فى تحقق الوقوع ؛ فهذا الأمر مستقبل فى التحقق ماض بحسب التأويل كأنه قيل : قد انقضى هذا الأمر لكنك ما رأيته ولو رأيته لرأيت أمرا فظيعا (كما) عدل عن الماضى إلى المضارع (فى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) (١) لتنزله منزلة الماضى لصدوره عمن لا خلاف فى إخباره ، وإنما كان الأصل هاهنا هو الماضى ...

______________________________________________________

(قوله : عمن لا خلاف) أى : لا تخلف فى إخباره وهو الله الذى يعلم غيب السموات والأرض (قوله : فهذه الحالة) أى : رؤيتهم واقفين على النار (قوله : لكنها جعلت بمنزلة الماضى المتحقق) أى : بجامع التحقق فى كل ، لأن تلك الحالة الحاصلة فى يوم القيامة لما أخبر بوقوعها المولى صارت محققة (قوله : لكن عدل إلخ) فى الكلام حذف ، والأصل وكان المناسب أن يعبر عن ذلك المعنى بالماضى حيث نزل منزلة الماضى ليكون هناك مناسبة بين الدال والمدلول لكن عدل إلخ (قوله : والمستقبل عنده بمنزلة الماضى) أى : فيستوى عنده التعبير بالماضى والمستقبل فالتعبير بأيهما كالتعبير بالآخر وقوله والمستقبل إلخ : عطف لازم على ملزوم وهذا محط العلة والفائدة (قوله : فهذا) أى : ما ذكر من رؤيتهم واقفين على النار (قوله : مستقبل فى التحقق) أى : لأنه يوم القيامة.

(قوله : ماض بحسب التأويل) أى : التنزيل (قوله : قد انقضى) أى : قد مضى هذا الأمر وهو رؤيتهم واقفين على النار (قوله : لكنك ما رأيته) إشارة لمعنى لو (قوله : لتنزيله) أى : المعنى المضارع بمعنى المستقبل منزلة الماضى أى : والماضى تناسبه رب المكفوفة بما ، وقوله لصدوره يحتمل أن يكون علة للتنزيل أو لمحذوف على ما مر فى

__________________

(١) الحجر : ٢.

١١٠

لأنه قد التزم ابن السراج وأبو على فى الإيضاح أن الفعل الواقع بعد رب المكفوفة بما يجب أن يكون ماضيا لأنها للتقليل فى الماضى ؛ ومعنى التقليل هاهنا : أنه تدهشهم أهوال القيامة فيبهتون فإن وجدت منهم إفاقة ما تمنوا ذلك ، وقيل هى مستعارة للتكثير أو للتحقيق ، ...

______________________________________________________

الآية السابقة (قوله : لأنه قد التزم إلخ) الضمير للحال والشأن وأشار الشارح بهذا إلى أن التمثيل بهذه الآية مبنى على هذا المذهب فقط ، وأما الجمهور فأجازوا وقوع الفعل المستقبل بعدها كقوله :

ربّما تكره النفوس من الأم

ر له فرجة كحل العقال

والجملة الاسمية كقوله :

ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وعناجيج فوقهنّ المهار.

(قوله : المكفوفة بما) أى : عن عمل الجر (قوله : لأنها) أى : رب المكفوفة للتقليل فى الماضى أى : أنها للتقليل وهو إنما يظهر فى الماضى ؛ لأن التقليل إنما يكون فيما عرف حده والمعروف حده إنما هو الواقع فى الماضى ، والمستقبل مجهول لم يعرف حتى يوصف بقلة أو كثرة ، وحينئذ فلا تدخل عليه رب. كذا وجه أبو على وابن السراج ، وفيه بحث لإمكان العلم بالمستقبل كما فى الآية ؛ لأن المتكلم هو الله تعالى الذى يعلم غيب السموات والأرض ، وحينئذ فإفادتها للتقليل لا تمنع من دخولها على المستقبل ، وحينئذ يكون المعنى قليل من يوجد منه ذلك الفعل فى المستقبل ، أو حصول ذلك الفعل فى المستقبل قليل (قوله : ومعنى التقليل إلخ) جواب عما يقال : إن ودادتهم للإسلام وتمنيهم له يحصل منهم كثيرا ، وحينئذ فما معنى التقليل (قوله : فيبهتون) أى : يتحيرون (قوله : فإن وجدت منهم إفاقة ما تمنوا ذلك) أى : فقلة التمنى لذلك باعتبار قلة الزمان الذى يقع فيه ، وهذا لا ينافى كثرته فى نفسه (قوله : وقيل هى مستعارة) أى : منقولة والمراد بالاستعارة هنا مطلق النقل والتجوز لا المصطلح عليها. والعلاقة فى استعمالها فى التكثير الضدية وفى التحقيق اللازمية ؛ لأن التقليل فى الماضى يلزمه التحقيق ، وحاصل ذلك القول أن رب مطلقا مكفوفة أو لا موضوعة للتقليل وهى هنا مستعملة فى التكثير أو

١١١

ومفعول (يَوَدُّ) محذوف لدلالة (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) عليه و (لَوْ) للتمنى حكاية لودادتهم ، ...

______________________________________________________

التحقيق على سبيل الاستعارة لكن الذى فى المغنى أن الكثير فى رب أن تكون للتكثير ، وحينئذ فلا حاجة للاستعارة كذا قيل ، وقد يقال : إن استعارتها للتكثير بالنسبة لأصل الوضع وإن شاع استعمالها فى التكثير حتى التحق بالحقيقة ـ كما فى عبد الحكيم ، وحينئذ فلا اعتراض ، ثم إن عبارة الشارح توهم أنه على القول باستعارتها للتكثير لا تختص بالماضى وحينئذ فلا يكون فى الآية شاهد لتنزيل المضارع منزلة الماضى على ذلك القول ـ وليس كذلك ، بل على أنها للتكثير تختص أيضا بالماضى عند ابن السراج وأبى على ؛ لأن التكثير كالتقليل إنما يكون فيما عرف حده والتكثير باعتبار أن الكفار فى حال إفاقتهم دائما يودون كونهم مسلمين ، فالتكثير نظرا للتمنى فى نفسه والتقليل نظرا إلى أن أكثر أحوالهم الدهشة ، والأوقات التى يفيقون فيها ويتمنون الإسلام قليلة (قوله : ومفعول يود محذوف) أى : على كل من الوجوه السابقة من كون رب للتقليل أو التكثير أو التحقيق ، وقوله محذوف أى : تقديره الإسلام أو كونهم مسلمين أو نحو ذلك ، ولا يصح أن يكون المفعول لو كانوا مسلمين ؛ لأنهم لم يودوا ذلك ، إذ لا معنى لودادة التمنى ؛ ولأن لو التى للتمنى للإنشاء ولا يعمل ما قبل الإنشاء فيما بعده (قوله : ولو للتمنى) أى : فلا جواب لها (قوله : حكاية لودادتهم) أى : بناء على أن الجملة معمولة لمحذوف حالا أى : قائلين لو كانوا مسلمين ، واعترض هذا بأنه كيف يكون هذا حكاية لودادتهم مع أنهم لا يقولون هذا اللفظ أعنى لو كانوا مسلمين ، وإنما يقولون : لو كنا مسلمين ، وأجيب بأنه لما عبر عنهم بطريق الغيبة فى الودادة حيث قال (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ولم يقل وددتم جاز أن يعبر فى حكاية كلامهم بطريق الغيبة ، وحاصل ما فى المقام أن المحكى عنه إذا كان غائبا كما فى الآية فإنه يجوز الحكاية عنه بما وقع منه بذاته ويجوز الحكاية عنه بمعنى ما وقع منه فتقول : حلف زيد بالله لأفعلن وحلف بالله ليفعلن ، وإن كان الواقع منه لأفعلن ، وكذا يقول تمنى فلان التوبة ، وقال لو كنت تائبا ، ولو قلت لو كان تائبا لكان حسنا ، وكما تقول حكاية لوصف زيد لك بالكرم قال زيد فلان

١١٢

وأما على رأى من جعل لو التى للتمنى حرفا مصدريا فمفعول (يَوَدُّ*) هو قوله : (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(١).

(أو لاستحضار الصورة) عطف على قوله : لتنزيله ؛ يعنى أن العدول إلى المضارع فى نحو : (وَلَوْ تَرى *) إما لما ذكر ، وإما لاستحضار صورة رؤية الكافرين موقوفين على النار ؛ ...

______________________________________________________

كريم مصرحا باسمك ولو قلت قال زيد إنى كريم لكان حسنا ، فقول الشارح حكاية لودادتهم أى : بالمعنى.

(قوله : وأما على رأى من جعل لو التى للتمنى حرفا مصدريا إلخ) فيه أن من لا يجعلها للتمنى لا يجعلها حرفا مصدريا ، بل هو قول آخر يجاب بأن معنى كلام الشارح ، وأما من جعل لو التى نجعلها للتمنى وهى الواقعة بعد فعل يفيد التمنى كما هنا حرفا مصدريا (قوله : هو قوله لو كانوا مسلمين) أى : المصدر المنسبك من تلك الجملة أى : كونهم مسلمين. بقى احتمال ثالث فى لو المذكورة فى الآية وهى كونها شرطية جوابها محذوف كما أن مفعول يود كذلك أى : ربما يود الذين كفروا الإيمان لو كانوا مسلمين لنجوا من العذاب ، وعلى هذا فلا تكون الجملة حكاية لودادتهم.

(قوله : أو لاستحضاره الصورة) السين والتاء زائدتان أى : أو لإحضار المتكلم للسامع الصورة أى : صورة رؤية الكفار موقوفين على النار وصورة ودادة إسلامهم (قوله : يعنى أن العدول إلخ) الحاصل أن المضارع فى هذه الأمثلة على حقيقته ؛ لأن مضمونها إنما يتحقق فى المستقبل ، لكن نزل ذلك المعنى الاستقبالى منزلة الماضى قضاء لحق ما دخل عليه من لو ورب ، وإنما نزل منزلة الماضى لكونه محقق الوقوع مثله وعدل عن التعبير بالماضى للمضارع لصدوره عمن لا تختلف فى إخباره ، هذا حاصل ما تقدم ، وحاصل ما ذكره هنا بقوله يعنى إلخ أنه نزل أولا ذلك المعنى الاستقبالى منزلة الماضى لتحقق وقوعه فصح استعمال لو ورب فيه لصيرورته ماضيا

__________________

(١) الحجر : ٢.

١١٣

لأن المضارع مما يدل على الحال الحاضر الذى من شأنه أن يشاهد كأنه يستحضر بلفظ المضارع ...

______________________________________________________

بالتأويل ، ثم نزل ذلك الماضى تأويلا منزلة الواقع الآن وعدل عن لفظ الماضى للفظ المضارع استحضارا للصورة العجيبة تفخيما لشأنها فهو حكاية للحال الماضية تأويلا ، وإنما احتجنا فى حكاية الحال هنا لتنزيل الحالة المستقبلة منزلة الماضى ولم ننزلها منزلة الحاصلة الآن من أول الأمر ؛ لأنه لم يثبت فى كلامه حكاية الحال المستقبلة والواقع فى استعمالهم إنما هو حكاية الحال الماضية كما فى قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ)(١) فظهر لك من هذا أن قوله أو لاستحضار الصورة عطف على لصدوره ، وقول الشارح عطف على تنزيله فيه شىء ؛ لأنه يلزم على عطفه على النزيل عطف الخاص على العام ؛ وذلك لأن التنزيل المذكور سابقا صادق بأن يكون معه استحضار للصورة أولا والعطف المذكور من خواص الواو ولا يجوز بأو ، اللهم إلا أن يقال : إنه مشى على القول بالجواز (قوله : لأن المضارع مما يدل على الحال) أى : على الشأن والأمر ، وقوله الحاضر أى : الحاصل الذى شأنه أن يشاهد بخلاف الشىء الماضى والمستقبل ، هذا وظاهر الشارح أن المعنى الاستقبالى نزل منزلة الحالة الحاصلة الآن لأجل استحضار تلك الصورة العجيبة ، وعبر عنها بالمضارع لدلالته على الأمر الحاضر ، وفيه نظر ؛ لأن هذا يقتضى حكاية الحال المستقبلة وهو غير ثابت ، وإنما الثابت حكاية الحال الماضية فلا بد من جعل ذلك من حكاية الحال الماضية تقديرا كما قلنا سابقا ، هذا محصل ما فى الحواشى ، وقرره شيخنا العلامة العدوى أيضا ، وذكر المولى عبد الحكيم : أن استحضار الصورة غير حكاية الحال فإن إحضار الصورة من غير قصد إلى الحكاية والتنزيل وهما إنما يكونان لما وقع بالفعل وإحضار الصورة يكون فيما لم يقع ، وحينئذ فلا ينافى هذا ما فى الرضى من أنه لم يثبت حكاية الحال المستقبلة كما ثبت حكاية الحال الماضية ا. ه كلامه مع بعض زيادة وعليه فما ذكره الشارح من العطف والعناية ظاهر.

__________________

(١) الكهف : ١٨.

١١٤

تلك الصورة ليشاهدها السامعون ولا يفعل ذلك إلا فى أمر يهتم بمشاهدته لغرابة ، أو فظاعة ، أو نحو ذلك (كما قال الله تعالى : (فَتُثِيرُ سَحاباً)(١) بلفظ المضارع بعد قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة) يعنى : صورة إثارة السحاب مسخرا بين السماء والأرض على الكيفيات المخصوصة والانقلابات المتفاوتة.

[أغراض التنكير] :

(وأما تنكيره :) أى : تنكير المسند (فلإرادة عدم الحصر والعهد) ...

______________________________________________________

(قوله : تلك الصورة) أى : صورة رؤية الكافرين موقوفين على النار ، وقوله السامعون أى : للفظ المضارع (قوله : لغرابة) أى : ندرة وقوله أو نحو ذلك أى : كلطافة (قوله : فتثير سحابا) (٢) إسناد الإثارة إلى الرياح مجاز عقلى من الإسناد إلى السبب ، والشاهد فى قوله فتثير سحابا : حيث عبر بتثير فى موضع أثارت المناسب لقوله أولا أرسل ولقوله بعد فسقناه وأحيينا ، قصدا لإحضار تلك الصورة البديعة ، وهى إشارة إلى إحضار الأمر العجيب بما أمكن ، ويحتمل أن يكون التعبير بالمضارع لكون إثارة الرياح للسحاب مستقبلة بالنسبة إلى زمان إرسال الرياح ، وإن كان ماضيا بالنسبة إلى زمان التكلم (قوله : الباهرة) أى : الغالبة لكل قدرة.

(قوله : والانقلابات) أى : التبدلات والاختلافات المتفاوتة من كونه متصل الأجزاء أو منقطعها متراكما أو غير متراكم بطيئا أو سريعا بلون السواد أو البياض أو الحمرة.

[تنكير المسند] :

(قوله : فلإرادة إلخ) أى : فلإرادة إفادة عدم الحصر أى : فلإرادة المتكلم إفادة السامع عدم حصر المسند فى المسند إليه وعدم العهد والتعيين فى المسند حيث يقتضى

__________________

(١) فاطر : ٩.

(٢) فاطر : ٩.

١١٥

الدال عليهما التعريف (كقولك : زيد كاتب وعمرو شاعر ، أو للتفخيم ...

______________________________________________________

المقام ذلك ، وإنما لم يقل فلعدم إرادة الحصر إلخ ؛ لأن عدم الإرادة ليس مقتضيا لشىء ، فإن غير البليغ يورد التنكير لأداء أصل المعنى مع عدم إرادته لشىء منهما ، ثم إن المراد إرادة عدمهما فقط فلا يرد أن تلك الإرادة متحققة إذا ورد المسند مضمرا أو اسم إشارة أو علما أو موصولا لأن المراد عند إيراد المسند واحد مما ذكر شىء زائد على إرادة عدمهما وهو الاتحاد والاشتهار فإن قلت إن إرادة إفادة عدم الحصر وعدم العهد فقط ممكن مع تعريف المسند باللام كما فى قوله :

رأيت بكاءك الحسن الجميلا (١)

وحينئذ فهذه النكتة لا تختص بالتنكير ، بل كما تستفاد من التنكير تستفاد بالتعريف باللام قلت : هذا لا يضر ؛ لأن النكتة لا يجب انعكاسها بحيث إذا عدم ما كان مسببا لها تنعدم لجواز أن يجعل ما ذكر من إرادة عدم الأمرين مسببا عن التنكير وإن أمكن حصوله بغيره على أن التعريف وإن أفاد ما ذكر من إرادة عدم الحصر والعهد إلا أنه خلاف الأصل (قوله : الدال عليهما التعريف) أى : لأنه إذا أريد العهد عرف بأل العهدية أو الإضافة ، وإن أريد الحصر عرف بأل الجنسية لما سيأتى من أن تعريف المسند بأل الجنسية يفيد حصره فى المسند إليه.

(قوله : زيد كاتب إلخ) أى : حيث يراد مجرد الإخبار بالكتابة والشعر لا حصر الكتابة فى زيد والشعر فى عمرو ، ولا أن أحدهما معهود بحيث يراد الكتابة المعهودة أو الشعر المعهود ومقابلة الكتابة بالشعر تشعر بأن المراد بالكاتب من يلقى الكلام نثرا ؛ لأن المراد بالشاعر من يلقى الكلام نظما.

(قوله : أو للتفخيم) أى : التعظيم على وجه الخصوص وهو الإشارة إلى أن المسند بلغ من العظمة إلى حيث يجهل ولا يدرك كنهه وإلا فالتفخيم يمكن حصوله بالتعريف

__________________

(١) عجز البيت من الوافر للخنساء فى رثاء أخيها صخر ، وهو فى ديوانها ٢٢٦ ، ولسان العرب (بكى) وشرح عقود الجمان ١٢١ ، والإيضاح ١٠٥ بتحقيق د / عبد الحميد هنداوي ، وصدره : إذا قبح البكاء على قتيل.

١١٦

نحو : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١) بناء على أنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر (ذلِكَ الْكِتابُ).

(أو للتحقير) نحو : ما زيد شيئا.

[أغراض التخصيص بالإضافة والوصف وتركه] :

(وأما تخصيصه) أى : المسند (بالإضافة) نحو : زيد غلام رجل (أو الوصف) نحو : زيد رجل عالم (فلتكون الفائدة أتم) لما مر من أن زيادة الخصوص توجب أتمية الفائدة. واعلم أن جعل معمولات المسند ـ كالحال ونحوه ـ من المقيدات ، وجعل الإضافة والوصف من المخصصات ـ إنما هو مجرد اصطلاح ،

______________________________________________________

بأن يجعل المعهود هو الفرد العظيم على أن حصول التفخيم مع التعريف لا يضر لما تقدم أن النكتة لا يجب انعكاسها قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أى : فالتنكير فى هدى للدلالة على فخامة هداية الكتاب وكمالها ، وقد أكد ذلك التفخيم بكونه مصدرا مخبرا به عن الكتاب المفيد أن الكتاب نفس الهداية مبالغة. (قوله : بناء على أنه خبر) أى : والتمثيل بالآية المذكورة لتنكير المسند للتفخيم بناء إلخ ، وأما إن أعرب حالا فهو خارج عن الباب وإن كان التنكير فيه للتعظيم أيضا (قوله : نحو ما زيد شيئا) أى : أنه ملحق بالمعدومات فليس شيئا حقيرا فضلا عن أن يكون شيئا عظيما قال بعضهم : والظاهر أن التحقير فيه لم يستفد من التنكير بل من نفى الشيئية فالأولى التمثيل بقولك الحاصل لى من هذا المال شىء أى : حقير.

[تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف] :

(قوله وأما تخصيصه) أى : وأما الإتيان بالمسند مخصصا بالإضافة أو الوصف (قوله : نحو زيد رجل عالم) كان الأولى التمثيل بقوله زيد كاتب بخيل ؛ لأن الوصف فى مثال الشارح محصل لأصل الفائدة لا تمامها إلا أن يقال قد يكون كلاما مع من يتوهم أن زيدا لم يبلغ أوان الرجولية بل صبى أو أنه اسم امرأة (قوله : واعلم إلخ) هذا جواب عما يقال لم قال المصنف فيما تقدم فى الإتيان مع المسند ببعض معمولاته كالحال والمفعول

__________________

(١) البقرة : ٢.

١١٧

وقيل لأن التخصيص عبارة عن نقص الشيوع ، ولا شيوع للفعل لأنه إنما يدل على مجرد المفهوم والحال تقيده والوصف يجىء فى الاسم الذى فيه الشيوع فيخصصه ؛ وفيه نظر.

(وأما تركه) أى : ترك تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف ...

______________________________________________________

به والتمييز ، وأما تقييده ، وقال فى الإتيان مع المسند بالمضاف إليه أو الوصف وأما تخصيصه ومقتضى ذلك تسمية الإتيان الأول تقييدا ، والثانى تخصيصا مع أن تسمية مجموع المضاف والمضاف إليه ومجموع الموصوف والصفة مركبا تقييديا يقتضى جعلهما من المقيدات ، وحاصل ما أجاب به الشارح أن هذا اصطلاح مجرد عن المناسبة لا لداع ولا لمقتض ولو اصطلح على عكسه بان جعل معمولات الفعل من المخصصات والإضافة والوصف من المقيدات أو جعل كل منهما من المخصصات أو من المقيدات لكان صحيحا.

(قوله : وقيل إلخ) أى : وقيل إن ما ارتكبه المصنف اصطلاح مبنى على مناسبة ؛ لأن التخصيص إلخ (قوله : عن نقص الشيوع) أى : العموم.

(قوله : على مجرد الفهوم) أى : على الماهية المطلقة وهو الحدث والمطلق لا يكون فيه التخصيص ، وإنما يكون فيه التقييد بالمعمولات (قوله : وفيه نظر) لأنه إن أراد ذلك القائل بالشيوع فى الاسم الشيوع باعتبار الدلالة على الكثرة والشمول ، فظاهر أن النكرة فى سياق الإثبات ليست كذلك ، إذ لا عموم لها عموما شموليا ، بل بدليا فلا يكون وصفها فى رجل عالم مخصصا وإن أراد به الشيوع باعتبار احتماله الصدق على كل فرد يفرض من غير دلالة على التعيين ففى الفعل أيضا شيوع ؛ لأن قولك جاءنى زيد يحتمل أن يكون على حالة الركوب وغيره ويحتمل على حالة السرعة وغيرها ، وكذا : طاب زيد يحتمل أن يكون من جهة النفس وغيرها ففى الحال والتمييز وجميع المعمولات تخصيص ، والحاصل أنه إن أراد بالشيوع العموم الشمولى فهو منتف فى النكرة الموجبة فلا يكون وصفها مخصصا ، وإن أراد به العموم البدلى فهو موجود فى الفعل ، وأجيب باختيار الشق الأول ، وإن الاسم لما كان يوجد فيه العموم الشمولى فى الجملة ـ ألا ترى إلى النكرة الواقعة فى سياق النفى ـ ناسبه التخصيص الذى هو نقص

١١٨

(فظاهر مما سبق) فى ترك تقييد المسند لمانع من تربية الفائدة.

[غرض التعريف] :

(وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما على أمر معلوم بإحدى طرق التعريف) يعنى أنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه إذ ليس فى كلامهم مسند إليه نكرة ومسند معرفة فى الجملة الخبرية ...

______________________________________________________

العموم الشمولى بخلاف الفعل فإنه لا يوجد فيه باعتبار ذاته عموم ، وإنما يدل على معنى مطلق ناسب فيه التقييد.

[ترك تقييد المسند بالحال أو المفعول أو نحو ذلك] :

(قوله : فظاهر مما سبق) أى : فظاهر تعليله مما سبق فى بيان السبب فى ترك تقييد المسند بالحال أو المفعول أو نحو ذلك ، وهو وجود مانع من تربية الفائدة وعدم العلم بما يتخصص به من وصف أو إضافة وكقصد الإخفاء على السامعين ونحو ذلك فتقول مثلا : هذا غلام عند ظهور أمارة كون المشار إليه غلاما من غير أن تقول : غلام فلان أو غلام بنى فلان لعدم العلم بمن ينسب إليه أو للإخفاء على السامعين لئلا يهان بتلك النسبة أو يكرم مثلا.

[وأما تعريفه] :

(قوله : معلوم له) أى : للسامع وقوله بإحدى طرق التعريض أى : من علمية وإضمار وموصولية وغير ذلك مما تقدم متعلق بمعلوم له (قوله : يعنى إلخ) وجه أخذ هذا من المتن أنه جعل علة تعريف المسند الإفادة المذكورة ، وتعريف المسند إليه مأخوذ منها ، فدل ذلك على أنه لا يوجد المسند معرفا إلا إذا عرف المسند إليه وإلا وضح أن يعلل الشارح بذلك ، ثم إن الوجوب مأخوذ من اقتصار المصنف على هذه النكتة أعنى الإفادة المذكورة ، ومن المعلوم أن الاقتصار فى مقام البيان يقتضى الحصر (قوله : إذ ليس فى كلامهم) أى : العرب وأورد عليه قول القطامى :

قفى قبل التّفرّق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (١)

__________________

(١) البيت من الوافر للقطامى فى ديوانه ص ٣١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٦٧ ، والدرر ٣ / ٧٥ ولسان العرب (ضبع) ، (وع) ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٩ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٨ ، ٢٩٣ ، والدرر ٢ / ٧٣.

١١٩

(بآخر مثله) أى : حكما على أمر معلوم بأمر آخر مثله فى كونه معلوما للسامع بإحدى طرق التعريف سواء اتحد الطريقان نحو : الراكب هو المنطلق ، أو اختلفا نحو : زيد هو المنطلق (أو لازم حكم) عطف على حكما (كذلك) أى : على أمر معلوم بآخر مثله ؛ ...

______________________________________________________

وأجيب بأن هذا من باب القلب وكلام الشارح فيما لا قلب فيه ، واحترز بالجملة الخبرية عن الإنشائية نحو : من أبوك؟ وكم درهم مالك؟ فإن الاستفهام وهو من وكم مبتدأ عند سيبويه مع كونه نكرة وخبره معرفة ولا بد من تقييد الجملة الخبرية أيضا بالمستقلة بالإفادة ليخرج نحو : مررت برجل أفضل منه أبوه فإن أفضل منه أبوه وإن كان جملة خبرية إلا أنها ليست مستقلة بالإفادة إذ ليست مقصودة لذاتها ، بل للوصف بها فلا يضر جعل المبتدأ وهو أفضل نكرة وخبره وهو أبوه معرفة ـ هذا مذهب سيبويه ، وجعل بعضهم أبوه مبتدأ خبره أفضل ، وحينئذ فلا إشكال (قوله : بآخر مثله) أشعر قوله بآخر أنه يجب مغايرة المسند والمسند إليه بحسب المفهوم وإن اتحدا فى الماصدق الخارجى ليكون الكلام مفيدا ، وأما نحو قوله : أنا أبو النّجم وشعرى شعرى (١)

فأوّل بحذف المضاف إليه باعتبار الحالين أى : شعرى الآن مثل شعرى القديم أى : أنه لم يتبدل عن الصفة التى اشتهر بها من الفصاحة والبلاغة (قوله : أى حكما على أمر معلوم إلخ) أعاد ذلك لأجل ربط العبارة بعضها مع بعض لما فيها من الصعوبة (قوله : سواء اتحد إلخ) أشار بذلك إلى أن مراد المصنف المماثلة فى مطلق التعريف.

(قوله : أو لازم حكم) المراد به لازم فائدة الخبر ، وذلك إذا كان المخاطب عالما بالحكم كأن تقول لمن مدحك أمس فى غيبتك أنت المادح لى أمس ، فالقصد بهذا إخباره

__________________

(١) الرجز لأبى النجم فى أمالى المرتضى ١ / ٣٥٠ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٣٩ ، والدرر ١ / ١٨٥ وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٨ / ٣٠٧ ، ٤١٢ ، والدرر ٥ / ٧٩.

١٢٠