حاشية الدسوقي - ج ١

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٥٤

البلاغة

أو لأن لفظ : لا تكذب أنت (لتأكيد المحكوم عليه) بأنه ضمير المخاطب تحقيقا وليس الإسناد إليه على سبيل السهو أو التجوز أو النسيان (لا) لتأكيد (الحكم) لعدم تكرر الإسناد هذا الذى ذكر من أن التقديم للتخصيص تارة وللتقوى أخرى إن بنى الفعل على معرف (وإن بنى) الفعل (على منكر أفاد) التقديم (تخصيص الجنس أو الواحد به) أى : بالفعل ...

______________________________________________________

للمسند إليه (قوله : أو لأن لفظ لا تكذب أنت لتأكيد إلخ) أى : باعتبار اشتماله على أنت ، وحينئذ فالاحتمال الأول أولى (قوله : بأنه ضمير المخاطب) متعلق بتأكيد وضمير أنه للمحكوم عليه أى : بسبب أن المحكوم عليه ضمير المخاطب (قوله : لعدم تكرر الإسناد) أى : الموجب لتأكيد الحكم وتأكيد الحكم أقوى من تأكيد المحكوم عليه ، والفرق بين الأمرين أن تأكيد الحكم المفيد للتقوى أن يكون الإسناد مكررا بخلاف تأكيد المحكوم عليه ، فإن الإسناد فيه واحد ، وفائدته دفع توهم تجوز أو غلط أو نسيان ، فلو قيل لا تكذب ، لربما توهم أنه تجوز فى الإسناد لضمير المخاطب ، وأن المعنى الحقيقى لا يكذب أى : فلان الغائب ، فأتى بقوله أنت أى لا غيرك (قوله : هذا إلخ) إشارة إلى تعيين ما عطف عليه قوله : وإن بنى (قوله : الذى ذكر) أى : فى قوله : وقد يقدم إلخ.

(قوله : من أن التقديم للتخصيص) أى : نصا أو احتمالا ليوافق إرجاع اسم الإشارة إلى ما قبل قوله ، وإلا أيضا كما يدل عليه عبارته فى الإيضاح ـ أفاده عبد الحكيم. فاندفع ما قيل كان الأولى للشارح أن يقول من أن التقديم للتخصيص جزما ، وللتخصيص تارة ، وللتقوى أخرى (قوله : إن بنى الفعل على معرف) أى : إن كان المسند إليه معرفة سواء كان اسما ظاهرا أو ضميرا (قوله : وإن بنى على منكر أفاد إلخ) أى : سواء ولى المنكر حرف النفى أو لا (قوله : تخصيص الجنس) أراد به الجنس اللغوى ، وهو ما دل على متعدد فيشمل النوع والصنف (قوله : أو الواحد) أو مانعة خلو فتجوز الجمع كما إذا كان المخاطب جازما بحصول المجىء ، ولم يعلم هل الجائى من جنس الرجال أو النساء ، وعلى تقدير كونه من جنس الرجال هل هو واحد أو أكثر فيقال : رجل جاءنى أى لا امرأة ولا رجلان أى : أن المجىء مقصور على الواحد من ذلك الجنس ،

٦٤١

(نحو : رجل جاءنى ؛ أى : لا امرأة) فيكون تخصيص جنس (أو لا رجلان) فيكون تخصيص واحد وذلك أن اسم الجنس حامل لمعنيين : الجنسية والعدد المعين ؛ ...

______________________________________________________

ثم إن قول المصنف أو الواحد ، مراده به العدد المعين من إطلاق الخاص وإرادة العام ، أو هو من باب الاكتفاء ، والأصل أو الواحد أو الاثنين أو الأكثر ، واقتصر على الواحد ؛ لأنه أقل ما توجد فيه الحقيقة ويفهم غيره بطريق المقايسة ، فاندفع قول بعضهم : انظر لم سكت عن الاثنين والجمع. (قوله : نحو رجل جاءنى) المجوز لوقوع النكرة مبتدأ كونها فاعلا فى المعنى ؛ لأن المعنى ما جاءنى إلا رجل ، وكان على المصنف أن يزيد : ما رجل جاءنى ورجل ما جاءنى ، على ما تقدم فى المعرفة.

(قوله : نحو رجل جاءنى أى لا امرأة) أى : أن المجىء مقصور على هذا الجنس دون هذا الجنس الآخر ، وكون الذى جاء واحدا أو أكثر ليس منظورا له (قوله : فيكون تخصيص جنس) أراد به الصنف فلا يقال إن الرجل والمرأة كل منهما ليس جنسا ، بل صنفا من النوع ، أو المراد الجنس اللغوى وهو ما دل على كثيرين (قوله : وذلك) أى : وبيان ذلك الاختصاص (قوله : حامل لمعنيين) أى : محتمل لهما ومشعر بهما عند استعماله فى الماصدقات ، سواء قلنا إنه موضوع للحقيقة أو لفرد منها مبهم ، فإذا كان اسم الجنس مفردا كان فيه الجنسية والوحدة أو مثنى ففيه الاثنينية والجنس أو جمعا ففيه الجمعية والجنس ، وحيث كان حاملا لهما وحكم عليه بفعل على وجه تخصيصه به ، فيجوز أن ينصرف التخصيص إلى الجنسية فيكون ما انتفى عنه الفعل هو الجنس المقابل للمحكوم عليه ، فيقال فى المفرد : رجل جاءنى أى : لا امرأة ، وفى المثنى رجلان جاءانى أى : لا امرأتان ، وفى الجمع : رجال جاءونى أى : لا نساء ، إذا كان اعتقاد المخاطب أن الجائى من جنس المرأة فقط فيكون التخصيص قصر قلب ، أو هو من جنس الرجل والمرأة فيكون قصر أفراد ، ويجوز أن ينصرف إلى العدد فيقال فى المفرد رجل جاءنى أى لا اثنان ولا جمع أو رجلان جاءانى أى : لا واحد ولا جماعة ، أو رجال جاءونى أى : لا واحد ولا اثنان إذا كان اعتقاد المخاطب عددية مخصوصة دون غيرها ، والواقع بخلافه ويجرى فيه قصر القلب والإفراد على حسب الاعتقاد كما مر ، وإنما قيدنا بقولنا عند

٦٤٢

أعنى : الواحد إن كان مفردا والاثنين إن كان مثنى والزائد عليه إن كان جمعا ، فأصل النكرة المفردة أن تكون لواحد من الجنس ، وقد يقصد به الجنس فقط ، وقد يقصد به الواحد فقط ...

______________________________________________________

استعماله فى الماصدقات ؛ لأن إفادة المنكر للعدد إنما هى عند ذلك الاستعمال ، وأما عند استعماله فى الحقيقة بناء على وضع المنكر لها فلا يتأتى تخصيص العدد ، فإن قلت : إنه متى استعمل فى الماصدقات لم يخل عن إفادة العدد ، وحينئذ فالحصران الجنسى والعددى لا يفترقان ، وظاهر المصنف افتراقهما قلت : فرق بين أن يكون الشىء مقصودا وبين أن يكون موجودا من غير قصد ، فالقصر الجنسى وإن كان لا يخلو عن العدد بهذا الاعتبار ، لكن المقصود بالذات الإشعار بالتخصيص الجنسى للرد على المخاطب ، والتخصيص العددى موجود غير مقصود بالذات ، وكذا العكس (قوله : أعنى) أى : بالعدد المعين الواحد من الجنس أى : من إفراده وجعله عددا باعتبار العرف ، وإن كان لا يقال له عدد عند الحساب (قوله : إن كان) أى : اسم الجنس مفردا (قوله : والاثنين) أى : فإنه عدد معين كما أن الواحد كذلك ، وأما الجمع فإنه معين باعتبار أنه لا يتناول الواحد والاثنين فتعينه إضافى ، وإلا فالجمع لا يدل على عدد معين ؛ لأنه لا نهاية له (قوله : والزائد عليه) أى : على الاثنين ، وإفراد الضمير لتأويلهما بالعدد.

(قوله : فأصل النكرة إلخ) الفاء فاء الفصيحة أى : إذا أردت تحقيق المقام ، فنقول لك أصل النكرة إلخ ، وليست تفريعية ، إذ لم يتقدم ما يتفرع عليه ؛ هذا لأن غاية ما يفيده الأول أن اسم الجنس متحمل لمعينين يصح أن يراد منه هذا وأن يراد منه هذا ، وكون أحدهما الأصل لم يعلم ـ كذا قرره شيخنا العدوى.

وقوله : فأصل النكرة أى : اسم الجنس المنكر المفرد ، وقوله : أن تكون لواحد من الجنس أى : أن تستعمل فى واحد ملحوظ فيه الجنس بحيث تكون دالة على الأمرين الواحد والجنس ، وإن كانت موضوعة للمفهوم (قوله : وقد يقصد به) أى : بالنكرة المفردة وذكر باعتبار أنها اسم جنس ، وقوله : الجنس فقط أى : ولا يقصد الواحد للعلم به كقولك رجل جاءنى لمن كان عالما بأن الجائى واحد ، ولم يعلم هل هو من جنس الرجال أو النساء (قوله : وقد يقصد به الواحد) أى : من غير أن يقصد به الجنس للعلم

٦٤٣

والذى يشعر به كلام الشيخ فى دلائل الإعجاز أنه لا فرق بين المعرفة والنكرة فى أن البناء عليه قد يكون للتخصيص وقد يكون للتقوى ...

______________________________________________________

به كقولك : رجل جاءنى لمن كان عالما بأن الجائى من جنس الرجال وشك هل هو واحد أو أكثر وقد يقصد به الجنس والواحد كما لو كان المخاطب عالما بحصول المجىء ، لكن لا يعلم هل الجائى من جنس الرجال أو النساء وهل هو واحد أو أكثر ، فإذا قيل له رجل جاءنى كان المعنى الجائى واحد. من هذا الجنس لا امرأة ولا رجلان (قوله : والذى يشعر إلخ) هذا اعتراض على المصنف حيث اقتضى صنيعه أن الفعل متى بنى على منكر تعين فيه التخصيص ولا يجرى فيه التقوى مع أن الذى يشعر به كلام الشيخ صحة جريان التقوى فيه كالمعرفة ، فإذا قيل رجل جاءنى ، فالمعنى أنه جاء ولا بد وهذا لا ينافى أن المرأة جاءت أيضا ، إذ ليس القصد التخصيص ، فالمصنف قد نسب للشيخ عبد القاهر شيئا لم يقل به صراحة ولم يشعر به كلامه ، لكن محل إفادة تقديم المنكر للتخصيص أو التقوى أن يقصد بالمنكر الجنس أو الواحد أما إن لم يقصد شىء منهما ، بأن حمل التنوين على التعظيم والتهويل وغير ذلك ، لم يفد التقوى ولا التخصيص بالوصف المستفاد من التنكير المصحح للابتداء أى : لأنك إذا جعلت التنوين فى رجل للتعظيم فهو المقصود لا الجنس ولا الواحد (قوله : فى أن البناء عليه) أى : فى أن بناء الفعل على المسند إليه معرفا أو منكرا قد يكون للتخصيص ، وقد يكون للتقوى ، وحاصل مذهبه التعويل على حرف النفى ، وأنه إن تقدم على المسند إليه أفاد التقديم التخصيص سواء كان المسند إليه نكرة نحو : ما رجل قال هذا ، أو معرفة ظاهرة نحو : ما زيد قال هذا ، أو ضميرا نحو : ما أنا قلت هذا ، وإن لم يتقدم حرف النفى بأن لم يكن أصلا أو كان وتأخر ، فتارة يفيد التقديم التخصيص ، وتارة يفيد التقوى من غير فرق بين نكرة ومعرفة ظاهرة أو مضمرة ، فصور الاحتمال عنده ست ، وصور تعين التخصيص ثلاث ، فالجملة تسعة ، فقول الشارح فى أن البناء عليه قد يكون للتخصيص إلخ لا ينافى ما قلناه ؛ لأن قد وقد صادق مع تعين بعض الأقسام للتخصيص.

٦٤٤

(ووافقه) أى : عبد القاهر (١) (السكاكى على ذلك) أى : على أن التقديم يفيد التخصيص لكن خالفه فى شرائط وتفاصيل فإن مذهب الشيخ أنه إن ولى حرف النفى فهو للتخصيص قطعا ، وإلا فقد يكون للتخصيص ، وقد يكون للتقوى ؛ مضمرا كان الاسم أو مظهرا ، معرفا أو منكرا ، مثبتا كان الفعل أو منفيا. ومذهب السكاكى أنه ...

______________________________________________________

[موافقة السكاكى لرأى عبد القاهر] :

(قوله : أى على أن التقديم يفيد التخصيص) إنما لم يقل والتقوى ؛ لأن التخصيص محل النزاع بينهما ، وأما التقوى فموجود فى جميع صور التقديم ، وإن كان غير ملحوظ فى بعضها.

(قوله : فى شرائط) هى ثلاثة الأول : جواز تأخير المسند إليه على أنه فاعل فى المعنى فقط ، والثانى : تقدير كونه كان مؤخرا فى الأصل ، فقدم لإفادة الاختصاص ، والثالث : أن لا يمنع من التخصيص مانع ، فهذه الشروط لا يقول بها عبد القاهر ، إذا المدار عنده على تقدم حرف النفى. فمتى تقدم حرف النفى على المسند إليه كان التقديم للتخصيص (قوله : وتفاصيل) هى ترجع إلى ثلاثة ما يكون للتقوى فقط ، وما يكون للتخصيص فقط وما يحتملهما ، وقد أشار إليها الشارح بقوله ومذهب السكاكى إلخ ، وفيه أن عبد القاهر يقول بالتفصيل الثانى والثالث ، فلعل المراد أنه خالفه فى مجموعها أو فى بعضها أى أن السكاكى قال بتفاصيل لم يقل بها كلها عبد القاهر (قوله : فإن مذهب الشيخ إلخ) حاصل مذهبه على ما ذكره الشارح أن المسند إليه إما نكرة وإما معرفة ظاهرة ، أو ضمير ، فهذه ثلاث وفى كل منها إما أن يتقدم على المسند إليه حرف النفى أو لا بأن لم يكن حرف نفى أصلا أو تأخر ، فالجملة تسعة ، فمتى تقدم حرف النفى على المسند إليه كان التقديم مفيدا للتخصيص ، كان المسند إليه نكرة أو معرفة ظاهرة أو مضمرة ، وإن لم يكن نفى أصلا أو كان ، ولكن تأخر عن المسند إليه كان نكرة أو معرفة ظاهرة أو مضمرة ، فتارة يكون للتخصيص ، وتارة يكون للتقوى ،

__________________

(١) انظر الدلائل ص ١٦٦ تحقيق شاكر ، وانظر المفتاح للسكاكى ص ١١٩ ، ١٢٠.

٦٤٥

إن كان نكرة فهو للتخصيص إن لم يمنع منه مانع ، وإن كان معرفة فإن كان مظهرا فليس إلا للتقوى ، وإن كان مضمرا ...

______________________________________________________

فصور الاحتمال ست ، هذا حاصل مذهبه. إذا علمت هذا تعلم أن قول الشارح مضمرا كان الاسم أو مظهرا معرفا أو منكرا : راجع لما قبل إلا ، ولما بعدها على ما ذكره الشارح سابقا فى قوله : والذى يشعر به كلام الشيخ ، وقوله : مثبتا كان الفعل أو منفيا ، راجع لما بعد إلا فقط (قوله : وإن كان نكرة فهو) أى : التقديم للتخصيص جزما أى : سواء تقدم حرف النفى أو تأخر أو لم يكن نفى أصلا فوافق السكاكى عبد القاهر فى صورة من هذه الثلاثة وهى ما إذا تقدم حرف النفى وخالفه فيما إذا تأخر أو لم يكن نفى ؛ لأنهما عند عبد القاهر من صور الاحتمال ، وإنما كان تقديم المنكر يفيد التخصيص عند السكاكى فى الأحوال الثلاثة لوجود الشرطين الآتيين فى كلام المصنف فى كل منكر (قوله : فإن كان مظهرا) أى سواء تقدم حرف النفى أو تأخر أو لم يكن نفى وهو مخالف لعبد القاهر فى هذه الصور الثلاثة ؛ لأن الأولى عنده من صور التخصيص جزما ، والأخيرتين عنده من صور الاحتمال ، وإنما كان تقديم المعرفة الظاهرة عند السكاكى للتقوى فقط لانتفاء أحد الشرطين الآتيين بعد وهو جواز تقدير كونه مؤخرا على أنه فاعل معنى فقط (قوله : وإن كان مضمرا) أى : سواء تقدم حرف النفى أو تأخر ، أو لم يكن نفى ، فقد وافق عبد القاهر فيما إذا تأخر حرف النفى أو لم يكن ، وخالفه فيما إذا تقدم ؛ لأنه عنده للتخصيص من غير احتمال ، فصار الحاصل أن صور موافقة الشيخين ثلاثة : الأولى : ما رجل قال هذا فإنه يفيد التخصيص جزما عند الشيخ لتقدم حرف النفى وعند السكاكى لتنكير المسند إليه ، وثانيتها وثالثتها : أنا ما قلت هذا ، وأنا قلت هذا ، فإنه محتمل للتخصيص والتقوى عندهما لوقوع المسند إليه ضميرا ولم يسبق بنفى وصور اختلافهما الستة الباقية : إحداها : الضمير الواقع بعد النفى نحو ما أنا قلت هذا ، فالتقديم فيه متعين للتخصيص عند الشيخ لتقدم النفى محتمل عند السكاكى لكون المسند إليه ضميرا. ثانيتها : الاسم الظاهر المعرفة الواقع بعد النفى نحو : ما زيد قال هذا ، فهو متعين للتخصيص عند الشيخ ومتعين للتقوى عند السكاكى.

٦٤٦

فقد يكون للتقوى وقد يكون للتخصيص من غير تفرقة بين ما يلى حرف النفى وغيره ، وإلى هذا أشار بقوله : (إلا أنه) أى السكاكى (قال : التقديم يفيد الاختصاص إن جاز تقدير كونه) أى : المسند إليه (فى الأصل مؤخرا على أنه فاعل معنى فقط) ...

______________________________________________________

ثالثتها : النكرة الواقعة قبل النفى نحو : رجل ما قال هذا ، فهو متعين للتخصيص عند السكاكى محتمل عند الشيخ. رابعتها : الاسم الظاهر الواقع قبل النفى نحو : زيد ما قال هذا فهو محتمل عند الشيخ متعين للتقوى عند السكاكى. خامستها : النكرة الواقعة فى الإثبات نحو : رجل قال هذا ، فهو متعين للتخصيص عند السكاكى ومحتمل عند الشيخ.

سادستها : المعرفة المظهرة الواقعة فى الإثبات نحو : زيد قال هذا ، متعين للتقوى عند السكاكى ومحتمل عند الشيخ.

وعلم من هذا أنه ليس عند الشيخ قسم يتعين فيه التقوى ، بل حاصل مذهبه التفصيل إلى ما يجب فيه التخصيص وإلى ما يجوز فيه التقوى والتخصيص ، وشرطه فى الأول تقدم النفى فقط ، وحاصل مذهب السكاكى التفصيل إلى ما يجب فيه التخصيص وإلى ما يجب فيه التقوى ، وإلى ما يجوز فيه الأمران ، وشرط فى الأول جواز تأخير المسند إليه على أنه فاعل فى المعنى فقط مقدر التقديم عن تأخير مع كون النكرة خالية من المانع الذى يمنع من التخصيص.

(قوله : فقد يكون للتقوى إلخ) نحو : أنا عرفت فإنه يجوز أن يقدر ذلك الضمير مؤخرا على أنه توكيد وهو فاعل فى المعنى ، ثم إن قدر كون أنا مؤخرا فى الأصل ، ثم قدم كان التقديم مفيدا للتخصيص ، وإن لم يقدر فيه ذلك بالفعل كان التقديم مفيدا لتقوى الإسناد لتكرره ، فالحاصل أن التقديم فى : أنا عرفت مفيد للتقوى عند انتفاء الشرط الثانى ومفيد للتخصيص عند وجوده مع الشرط الأول اللازم له (قوله : من غير تفرقة إلخ) راجع للتفاصيل الثلاثة قبله (قوله : وإلى هذا أشار بقوله إلخ) أى : فأشار إلى أنه إن كان المسند إليه نكرة كان التقديم مفيدا للتخصيص إن لم يمنع من التخصيص مانع بقوله ، واستثنى المنكر ، وبقوله وشرطه إذا لم يمنع منه مانع ، وأشار إلى أنه إن كان

٦٤٧

لا لفظا (نحو : أنا قمت) فإنه يجوز أن يقدر أن أصله : قمت أنا فيكون أنا فاعلا معنى ، تأكيدا لفظا (وقدر) عطف على جاز يعنى إن إفادة التخصيص مشروطة بشرطين ؛ أحدهما : جواز التقدير ، والآخر أن يعتبر ذلك ؛ أى : يقدر أنه كان فى الأصل مؤخرا (وإلا) أى : وإن لم يوجد الشرطان (فلا يفيد) التقديم (إلا تقوى الحكم) سواء (جاز) تقدير التأخير (كما مر) فى نحو : أنا قمت (ولم يقدر أو لم يجز) تقدير التأخير أصلا (نحو : زيد قام) فإنه لا يجوز أن يقدر أن أصله : قام زيد ، فقدم لما سنذكره ، ولما كان مقتضى هذا الكلام ...

______________________________________________________

معرفة مظهرة فتقديمها ليس إلا للتقوى بقوله : بخلاف المعرفة ؛ لأنها إذا تأخرت كانت فاعلا لفظا وأشار إلى أنه إذا كان مضمرا فقد يكون للتقوى بقوله : وإلا فلا يفيد إلا التقوى ، وأشار إلى أنه إن كان مضمرا قد يكون تقديمه للتخصيص بقوله : إن جاز تقدير كونه فى الأصل إلخ (قوله : لا لفظا) وذلك بأن يكون توكيدا للفاعل الاصطلاحى أو بدلا منه ، فإنه إذا كان كذلك كان فاعلا فى المعنى لا فى اللفظ (قوله : فيكون أنا فاعلا معنى) أى : لأنه مرادف للفاعل الاصطلاحى (قوله : وقدر) أى : وقدر أنه كان مؤخرا فى الأصل ، ثم قدم لأجل إفادة الاختصاص ، ويعلم السامع أن المتكلم قدر ذلك بالقرائن ، ثم إنه لا يستغنى بهذا الشرط عما قبله ، ولا العكس ؛ لأنه لا يلزم من جواز التأخير تقديره بالفعل ولا من التقدير بالفعل أن يكون جائز التأخير ؛ لأن المحال يقدر (قوله : أحدهما جواز التقدير) أى : تقديره مؤخرا.

(قوله : أى يقدر أنه كان فى الأصل مؤخرا) لم يقل على أنه فاعل معنى فقط لعلمه مما مر (قوله : سواء جاز تقدير التأخير) أى : على أنه فاعل معنى فقط وهذا مفهوم الشرط الثانى ، وقوله : ولم يقدر أى : ولم يلاحظ التقدير (قوله : أو لم يجز تقدير التأخير) أى : وإن قدر مؤخرا بالفعل جهلا بالقواعد ، وهذا مفهوم الشرط الأول فهو لف ونشر مشوش (قوله : لما سنذكره) أى : عند قوله بخلاف المعرف من أنه يكون إذا أخر فاعلا لفظا لا معنى ، فيلزم على كون أصل زيد قام : قام زيد ، تقديم الفاعل اللفظى وهو لا يجوز (قوله : ولما كان مقتضى هذا الكلام) أعنى : قوله وإلا فلا يفيد إلا تقوى

٦٤٨

أن لا يكون نحو : رجل جاءنى مفيدا للتخصيص لأنه إذا أخر فهو فاعل لفظا لا معنى ؛ استثناه السكاكى وأخرجه من هذا الحكم بأن جعله فى الأصل مؤخرا على أنه فاعل معنى لا لفظا بأن يكون بدلا من الضمير الذى هو فاعل لفظا ، وهذا معنى قوله : (واستثنى) السكاكى (المنكر ...

______________________________________________________

الحكم ، فإنه يدل على أن ما لا يجوز تقديره مؤخرا على أنه فاعل فى المعنى إنما يفيد تقديمه التقوى ، وهذا صادق بالمنكر مثل رجل جاءنى ، إذ لا يمكن تقديره مؤخرا على أنه فاعل معنى ؛ لأنك إذا قلت جاءنى رجل كان رجل فاعلا لفظا مثل : قام زيد ، وحينئذ فمقتضاه أن يكون تقديمه للتقوى فقط لا للتخصيص ، فأخرجه من ذلك الحكم (قوله : أن لا يكون نحو رجل جاءنى) أى : أن لا يكون التقديم فى نحو : رجل جاءنى مفيدا للتخصيص ، ففى الكلام حذف ، والمراد بنحو رجل جاءنى كل منكر إذا أخر كان فاعلا لفظا لا معنى (قوله : فهو فاعل لفظا) أى : ومعنى وقوله لا معنى أى فقط ، فاندفع ما يقال إنه يلزم من كونه فاعلا فى اللفظ أن يكون فاعلا فى المعنى فلا وجه لذلك النفى (قوله : وأخرجه من هذا الحكم) عطف تفسير على قوله استثناه إشارة إلى أن المراد بالاستثناء المعنى اللغوى ، والمراد بالحكم القاعدة من إطلاق الجزء على الكل وهى كل ما لا يجوز تأخيره على أنه فاعل معنى لم يفد تقديمه التخصيص ـ كذا قرر ، ويصح أن يراد بالحكم امتناع التخصيص حيث لم يجز تقدير كونه فى الأصل مؤخرا على أنه فاعل معنى فقط ويقدر ذلك. ا. ه سم.

وإذا خرج المنكر من هذا الحكم كان تقديمه مفيدا للتخصيص (قوله : بأن جعله) أى : بسبب أن جعله وهو متعلق بأخرجه (قوله : على أنه فاعل معنى) أى : فقط (قوله : بأن يكون بدلا إلخ) أى : ولا شك أن البدل من الفاعل فاعل فى المعنى فقط ، فإن قلت على جعل المنكر بدلا من الضمير الواقع فاعلا يلزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة وذلك ممنوع ، قلت : أجازوا ذلك فى مواضع منها البدل ك : زره خالدا. (قوله : واستثنى السكاكى المنكر) أى : استثناه من قوله : إن لم يوجد الشرطان فلا يفيد التقديم إلا التقوى ، وأورد عليه أن الاستثناء فرع الدخول وهذا المستثنى غير داخل فى المستثنى

٦٤٩

فجعله من باب : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(١)) أى : على القول (بالإبدال من الضمير) يعنى : قدر أن أصل : رجل جاءنى : جاءنى رجل على أن رجل ليس بفاعل ، بل هو بدل من الضمير فى جاءنى ؛ كما ذكر فى قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أن الواو فاعل ، و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل منه ، وإنما جعله من هذا الباب (لئلا ينتفى التخصيص ؛ إذ لا سبب له) أى : للتخصيص (سواه) أى : سوى تقدير كونه مؤخرا فى الأصل على أنه فاعل معنى ، ...

______________________________________________________

منه أعنى قوله : وإلا فلا يفيد إلا التقوى ؛ لأن المستثنى منه المذكور لم يوجد فيه الشرطان بخلاف هذا فقد وجدوا فيه على ما قرره السكاكى ؛ لأنه إذا أخر كان فاعلا معنى عنده ؛ لأنه بدل من الضمير ، وحينئذ فلا وجه للتعبير بالاستثناء ، وأجيب بأن التعبير بالاستثناء نظرا للظاهر من أن الفعل عند التأخير للنكرة يكون مسندا للظاهر لا للضمير ، وإن كان فى الحقيقة ليس استثناء أصلا إذ النكرة موجود فيها الشرطان غاية الأمر أنه تأويل ، ثم إن المراد بالمنكر الذى استثناه السكاكى المنكر الذى لا يفيد الحكم عليه حال تنكيره وهو الخالى عن مسوغ للابتداء به ؛ لأنه المحتاج إلى اعتبار التخصيص ، وأما المنكر الذى يصح الحكم عليه بدون اعتبار التقديم والتأخير نحو : بقرة تكلمت ، وكوكب انقض الساعة ، و (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ)(٢) فلا حاجة لاعتبار التخصيص فيه بالتقديم والتأخير ولا بغيره (قوله : تجعله من باب وأسروا النجوى إلخ) أى : فجعله من باب الذين ظلموا فى قوله تعالى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أى : أنه جعله مثله فى أنه بدل من الضمير (قوله : على القول بالإبدال إلخ) أى أنه جعله مثله على أحد الأقوال فى إعراب الآية ، وهو أن الذين بدل من الواو ، وأما على القول بأن الذين ظلموا مبتدأ ، وأسروا خبر مقدم ، وكذا على جعل الذين فاعلا ، والواو فى أسروا : حرف زيد ليؤذن من أول وهلة أن الفاعل جمع ، وكذا على جعل الذين خبر مبتدأ محذوف أى : هم أو نصبا على الذم فلا يكون المنكر مثل : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (قوله : وإنما جعله) أى : المنكر ، من هذا الباب أى : باب وأسروا النجوى بتقدير كونه مؤخرا فى الأصل على أنه بدل ، فقدم لإفادة الاختصاص (قوله : لئلا ينتفى التخصيص)

__________________

(١) الأنبياء : ٣.

(٢) القيامة : ٢٢.

٦٥٠

ولو لا أنه مخصص لما صح وقوعه مبتدأ (بخلاف المعرف) فإنه يجوز وقوعه مبتدأ من غير اعتبار التخصيص فلزم ارتكاب هذا الوجه البعيد فى المنكر دون المعرف ، ...

______________________________________________________

المراد به ما به يصح وقوع النكرة مبتدأ ، بدليل ما سينقله الشارح عن السكاكى أنه قال إنما يرتكب ذلك الوجه البعيد عن المنكر لفوات شرط الابتداء بالنكرة ، وبدليل رد المصنف فيما يأتى انتفاء التخصيص على تقدير عدم الجعل من الباب المذكور لحصول التخصيص بعد هذا التقدير كالتعظيم والتحقير والتقليل والتنكير ـ فتأمل.

(قوله : ولو لا أنه) أى : رجل جاءنى مخصص لما صح وقوعه مبتدأ أى : فالسكاكى مضطر إلى التخصيص فى المنكر لأجل صحة الابتداء به ، ولا يتأتى له التخصيص إلا بجعله من باب (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) لأن بجعله من ذلك الباب يحصل الشرطان المحصلان للتخصيص ، هذا حاصله. وقد يقال : المراد بالتخصيص المسوغ للابتداء بالنكرة تقليل الأفراد والشيوع لا بمعنى إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن غيره الذى كلامنا فيه فقد التبس عليه الحال. ا ه تقرير شيخنا العدوى. (قوله : بخلاف المعرف) ظاهر المصنف أن له سببا سواه ولا محصل لهذا الكلام إذ لا شيوع فيه حتى يخصص ، ولهذا حاول الشارح تصليح عبارة المصنف بجعل قوله بخلاف المعرف مخرجا من محذوف معلوم من الكلام السابق.

(قوله : من غير اعتبار التخصيص) أى : لأنه لا شيوع فى المعرف حتى يخصص ، بل هو معين معلوم (قوله : فلزم ارتكاب هذا الوجه البعيد) أى : وهو جعل الضمير فاعل الفعل ، ثم إبدال الظاهر منه فإنه قليل فى كلامهم ، قال عبد الحكيم : وأورد على الشارح أن إبدال الظاهر من الضمير الواقع فاعلا واقع فى القرآن بلا ضرورة كما فى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى)(١) فكيف يكون بعيدا؟ والجواب : أن هذا الوجه غير متعين فى كلام الله لجواز وجوه أخر لا شبهة فيها قد علمتها ـ كذا قال سم.

__________________

(١) الأنبياء : ٣.

٦٥١

فإن قيل فيلزمه إبراز الضمير فى مثل : جاءانى رجلان ، وجاءونى رجال ، والاستعمال بخلافه ـ قلنا : ليس مراده أن المرفوع فى قولنا : جاءنى رجل بدل لا فاعل فإنه مما لا يقول به عاقل فضلا عن فاضل ، بل المراد أن فى مثل قولنا : رجل جاءنى يقدر أن الأصل جاءنى رجل على أن رجلا ...

______________________________________________________

وأيضا الضمير فى الآية بارز لا التباس معه على أنه لا ضرر فى هذا الإلباس ؛ لأنه فى أمر غير محقق ، إذ البدلية مقدرة (قوله : فإن قيل إلخ) هذا السؤال مع جوابه يوجد فى بعض النسخ ، وحاصله : أن مقتضى كون النكرة يقدر تأخيرها على أنها بدل من الضمير أنها إذا أخرت بالفعل وكانت مثناة أو جمعا يجب إبراز ذلك الضمير فى الفعل ؛ لأن ضميرى التثنية والجمع يجب إبرازهما مع أن الاستعمال بخلافه ، إذ قولك : جاءنى رجلان ، أو رجال أفصح من جاءانى رجلان ، وجاءونى رجال ، والحاصل : أن مقتضى كون رجلان جاءانى يقدر أن أصله التأخير على أنه بدل أن يجب الإبراز فى حالة التأخير كما برز فى حالة التقديم باتفاق مع أن الإبراز فى حالة التأخير مخالف للاستعمال فى الفصيح ، سواء جعلت الألف فاعلا أو حرفا دالا على التثنية ، وحاصل الجواب : أنه ليس مراد السكاكى أن المرفوع فى قولك : جاءنى رجل بدل لا فاعل حتى يلزمه وجوب الإبراز فى جاءانى رجلان وجاءونى رجال ، وجعل رجلان ورجال بدلين ، بل مراده أنه يقدر فى قولك : رجل جاءنى أن الأصل : جاءنى رجل على أن رجلا بدل لا فاعل ، ولا يلزم من تقديره ذلك فى : رجل جاءنى القول بالبدلية بالفعل فى : جاءنى رجل الذى أخر فيه المنكر لفظا ومعنى ، حتى يلزم القول بالبدلية بالفعل ووجوب الإبراز فى : جاءانى رجلان ، وجاءونى رجال أيضا ، والحاصل : أن الذى قاله السكاكى أنه فى صورة تقديم المنكر يقدر أن المنكر مؤخر فى الأصل ، وأنه فاعل معنى فقط بدل لفظا ففى مثل : رجل جاءنى ، يقدر الأصل : جاءنى رجل ، على أن رجلا بدل لا فاعل وفى رجلان جاءانى رجلان كذلك ، وفى رجال جاءونى ، جاءونى رجال كذلك ، كل ذلك على سبيل الاعتبار والتقدير ، ولا يلزم من ذلك القول بالبدلية بالفعل فيما أخر فيه المنكر لفظا ومعنى ، بل هو عند التأخير بالفعل فاعل حقيقة ، وحينئذ فلا يلزم إبراز ضمير التثنية والجمع عند التأخير (قوله : فيلزمه) أى :

٦٥٢

بدل لا فاعل ، ففى مثل : رجال جاءونى يقدر أن الأصل : جاءونى رجال ؛ فليتأمل.

(ثم قال) السكاكى (وشرطه) أى : وشرط كون المنكر من هذا الباب ، واعتبار التقديم والتأخير فيه (ألا يمنع من التخصيص مانع ...

______________________________________________________

السكاكى أو الوجه البعيد والمفرع عليه محذوف أى : حيث جعل النكرة بدلا من الضمير على تقدير تأخيرها فيلزمه إبراز الضمير أى : استمرار إبرازه عند التأخير بالفعل فى مثل إلخ (قوله : بدل) أى : حقيقة (قوله : لا فاعل) أى : بل هو فاعل ؛ لأن نفى النفى إثبات (قوله : فإنه) أى : القول بالبدلية بالفعل عند التأخير (قوله : فضلا عن فاضل) أى : انتفى قول العاقل به زيادة عن نفى قول الفاضل (قوله : يقدر أن الأصل إلخ) أى : فهذه الأصالة تقديرية كما يقدر المحال ، وحينئذ فلا يلزم منها وقوع تأخره على أنه فاعل معنى فقط ، بل بدل لفظا (قوله : يقدر أن الأصل جاءونى رجال) أى : ولا يلزم من كونه يقدر أن الأصل ذلك عند التقديم أنه يقال ذلك عند التأخير ، بل يقال جاءنى رجال على أن رجال فاعل (قوله : فليتأمل) إنما قال ذلك ؛ لأنه مجرد اعتبار لا أنه بالفعل. اه نوبى.

(قوله : ثم قال السكاكى إلخ) ثم هنا للترتيب فى الذكر والإخبار أى : ثم بعد ما تقدم عن السكاكى أخبرك بأن السكاكى قال إلخ ، وليست للترتيب الزمانى ، وأن القول الثانى بعد الأول فى الزمان ؛ لأن قول السكاكى إذا لم يمنع مانع متصل ببيان التخصيص والاستثناء. اه عبد الحكيم.

(قوله : من هذا الباب) أى : باب (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى)(١) وقوله : واعتبار التقديم إلخ من عطف السبب على المسبب (قوله : ألا يمنع إلخ) هذا توطئة لبيان انتفاء التخصيص فى قولهم : " شرّ أهرّ ذا ناب" ، وبيان وجه التوفيق ، وإلا فكون التخصيص مشروطا بعدم المانع منه أمر جلى لا يحتاج لبيان (قوله : مانع) هو انتفاء فائدة القصر من رد اعتقاد المخاطب فى قيد الحكم مع تسليم أصله. ا ه الأطول.

__________________

(١) الأنبياء : ٣.

٦٥٣

كقولك : رجل جاءنى على ما مر) أن معناه : رجل جاءنى لا امرأة ، أو لا رجلان (دون قولهم شرّ أهر ذا ناب) (١) فإن فيه مانعا من التخصيص (أما على التقدير الأول) يعنى : تخصيص الجنس (فلامتناع أن يراد : المهرّ شر لا خير) لأن المهر لا يكون إلا شرا (وأما على) التقدير (الثانى) يعنى : تخصيص الواحد (فلنبوه عن مظان استعماله) أى : لنبو تخصيص الواحد عن مواضع استعمال هذا الكلام ؛ ...

______________________________________________________

(قوله : كقولك رجل جاءنى) أى : فإنه ليس فيه مانع من التخصيص فهو مثال للنفى (قوله : شر أهر ذا ناب) الهرير صوت الكلب عند عجزه عن دفع ما يؤذيه أى : شر جعل الكلب ذا الناب مهرا أى : مصوتا ومفزعا (قوله : لأن المهر) أى : الأمر المفزع للكلب والموجب لتصويته لا يكون إلا شرا ؛ لأن حصول الخير للكلب لا يهره ولا يفزعه ، وإذا كان كذلك فلا يتوهم أحد أن الإهرار يكون بالخير حتى يرد عليه بالحصر ؛ لأن نفى الشىء عن الشىء فرع عن إمكان ثبوته له ، هذا حاصل كلامه. وفيه نظر ؛ لأن التخصيص قد يكون فى المنزل منزلة المجهول ، وقد يكون لمجرد التوكيد ، فاختصاص الشر بالهرير ـ وإن كان معلوما لكل أحد ـ فيجوز أن ينزل منزلة المجهول ويستعمل فيه القصر ، أو أنه استعمل فيه على سبيل التأكيد أو لغفلة المخاطب عن كون المهر لا يكون إلا شرا ، بل يحتمل عنده أن يكون خيرا أيضا ، وقد يجاب بأن الأصل فى التخصيص أن يكون فيما يمكن فيه الإنكار واستعماله فيما ذكر خلاف الأصل فيه. تأمل.

إن قلت كون المهر لا يكون إلا شرا إنما يقتضى عدم الاحتياج للتخصيص ، لا امتناعه كما ادعاه المصنف قلت : اللازم وإن كان عدم الاحتياج فقط إلا أن ما لا يحتاج له ممتنع عند البلغاء الذين كلامهم موضوع الفن. (قوله : فلنبوّه) أى : هذا التقدير عن مظان أى : موارد استعماله.

__________________

(١) مثل يضرب عند ظهور أمارات الشر ومخايله ، وأهرّ حمله على الهرير ، وهو أن يكشر السبع عن أنيابه ويصوّت إذا رأى ما يفزعه ، وذو الناب : السبع. [انظر أمثال الميدانى ١ / ٣٢٦].

٦٥٤

لأنه لا يقصد به أن المهر شر ، لا شران ، وهذا ظاهر (وإذ قد صرح الأئمة بتخصيصه حيث تأولوه بما أهر ذا ناب إلا شر فالوجه) أى : وجه الجمع بين قولهم بتخصيصه وقولنا بالمانع من التخصيص (تفظيع شأن الشر بتنكيره) أى : جعل التنكير للتعظيم والتهويل ...

______________________________________________________

(قوله : لأنه لا يقصد إلخ) وذلك لأن هذا الكلام إنما يقال فى مقام الحث على شدة الحزم لدفع هذا الشر ، والتحريض على قوة الاعتناء بدفعه لعظمه ، وكون المهر شرا لا شرين مما يوجب تساهل المخاطب فى دفعه وقلة الاعتناء ، وحينئذ فلا يصلح قصده من ذلك الكلام (قوله : وإذ قد صرح الأئمة إلخ) الظرف متعلق بمحذوف أى ولزم طلب وجه للتخصيص وقت تصريح الإئمة إلخ حيث تأولوه أى : لأنهم تأولوه أى : شر أهر ذا ناب أى : فسروه (قوله : بما أهر ذا ناب إلا شر) أى : ولا شك أن ما وإلا يفيدان الاختصاص (قوله : فالوجه) يجوز أن تكون الفاء للتفريع على متعلق الظرف الذى قدرناه أو أنه أجرى إذ مجرى إن لمرافقته إياه فى الحركة والسكون وعدد الحروف ، فأدخل الفاء فى جوابه كما قالوا فى قوله تعالى (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ)(١) ومحصل ما فى المقام أن السكاكى ذكر أن فى : " شر أهر ذا ناب" مانعا من التخصيص ، والنحويون تأولوا هذا الكلام بما أهر ذا ناب إلا شر ، ولا شك أن ما وإلا يفيدان الاختصاص ، فبين الكلامين تناقض ، فأشار المصنف إلى الجمع بين الكلامين بأن التخصيص الذى نفاه السكاكى تخصيص الجنس أو الفرد وما قاله النحاة تخصيص النوع ، فلا منافاة لعدم توارد النفى والإيجاب على شىء واحد (قوله : أى وجه الجمع إلخ) فى الحقيقة الوجه المطلوب إنما هو لإفادة المثال التخصيص ، وإن كان يلزم ذلك الجمع بين الكلامين ـ قرره شيخنا العدوى.

(قوله : وقولنا بالمانع من التخصيص) أى : قول السكاكى ذلك ؛ لأن قوله : وإذ قد صرح إلخ : من كلامه (قوله : بتنكيره) أى : بسبب تنكيره أى : إن تفظيع شأن الشر

__________________

(١) النور : ١٣.

٦٥٥

ليكون المعنى : شر عظيم فظيع أهر ذا ناب لا شر حقير فيكون تخصيصا نوعيا ، والمانع إنما كان من تخصيص الجنس أو الواحد (وفيه) أى : فيما ذهب إليه السكاكى (نظر ؛ إذ الفاعل اللفظى والمعنوى) كالتأكيد والبدل ...

______________________________________________________

وتعظيمه جاء من تنكيره أى : من جعل تنكيره للتعظيم (قوله : ليكون المعنى شر عظيم إلخ) أى : فيصح قولهم : ما أهر ذا ناب إلا شر ، أى : إلا شر فظيع أى : عظيم لا شر حقير ؛ لأن التقييد بالوصف نفى للحكم عما عداه ، كما هو طريقة بعض الأصوليين (قوله : فيكون تخصيصا نوعيا) أى : لكون المخصص نوعا من الشر لا الجنس ولا الواحد.

(قوله : والمانع إنما كان من تخصيص إلخ) أى : إنما كان يمنع من تخصيص الجنس أو الواحد ، وحينئذ فلا منافاة بين قول السكاكى : إن فيه مانعا من التخصيص ، وبين كلام القوم المفيد أن فيه تخصيصا ؛ لأن كل واحد ناظر لجهة ، فالقوم ناظرون للتخصيص النوعى وهو المصحح للابتداء وهو غير متوقف على تقدير التقديم من تأخير والسكاكى ناظر لتخصيص الجنس والفرد اللذين لا سبيل لهما إلا تقدير كون المسند إليه مؤخرا فى الأصل ثم قدم ، قال العلامة اليعقوبى ، ولا يخفى ما فى هذا الكلام من التحكم حيث التزم تقدير التأخير فى الأصل فى تخصيص الجنس والفرد دون النوع ، فإن اعتبار تقدير الوصف ليتحقق جواز الابتداء مع التخصيص النوعى هو المغنى عن تقدير التقديم فيه وتجويز الابتداء فيهما يمكن بتقدير الوصف أو الموصوف بأن يكون المعنى فى الأفراد مثلا : رجل واحد جاءنى ، وفى الجنس مثلا : واحد من جنس الرجال جاءنى (قوله : أى فيما ذهب إليه السكاكى) أى : من دعواه أن التقديم لا يفيد التخصيص إلا إذا كان ذلك المقدم يجوز تقديره مؤخرا فى الأصل على أنه فاعل معنى فقط ، وقدر بالفعل كونه فى الأصل مؤخرا ، ومن أن رجل جاءنى لا سبب للتخصيص فيه سوى تقدير كونه مؤخرا فى الأصل ، ومن انتفاء تخصيص الجنس فى : شر أهر ذا ناب (قوله : إذ الفاعل اللفظى) أى : كما فى : زيد قام ، وهذا رد لقوله التقديم يفيد الاختصاص (إن جاز إلخ) فإنه يفهم منه أنه يجوز تقديم الفاعل المعنوى دون اللفظى (قوله : كالتأكيد والبدل)

٦٥٦

(سواء فى امتناع التقديم ما بقيا على حالهما) أى : ما دام الفاعل فاعلا ، والتابع تابعا ، بل امتناع تقديم التابع أولى (فتجويز تقديم المعنوى دون اللفظى تحكم) وكذا تجويز الفسخ فى التابع دون الفعل تحكم ؛ لأن امتناع تقديم الفعل إنما هو عند كونه فاعلا ...

______________________________________________________

مثال للمعنوى فالتأكيد كما فى أنا قمت والبدل كما فى : رجل جاءنى (قوله : سواء فى امتناع التقديم) أى : على العامل (قوله : أولى) أى : من امتناع تقديم الفاعل ووجه الأولوية أنه إذا قدم التابع بدون المتبوع ـ الذى هو الفاعل ـ فقد تقديم على متبوعه وعلى ما يمتنع تقديم متبوعه ، عليه وهو الفعل فلامتناعه جهتان بخلاف ما إذا قدم الفاعل فله جهة واحدة وهو تقديمه على عامله ، ولأن التابع لا يجوز تقديمه اتفاقا ما دام تابعا بخلاف الفاعل ، فقد أجاز بعض الكوفيين تقديمه ؛ ولأن الفاعل إذا فسخ عن الفاعلية وقدم يخلفه ضميره بخلاف التابع إذا قدم فإنه لا يخلفه شىء واحترز المصنف بقوله : (ما بقيا على حالهما عما إذا فسخا ولم يبقيا على حالهما) فإنه لا امتناع فى تقديمها.

(قوله : فتجويز تقديم إلخ) أى : فتجويز السكاكى تقديم المعنوى مع بقائه على التابعية دون اللفظى مع بقائه على الفاعلية تحكم هذا ما يقتضيه التفريع ، وكان الأولى للمصنف أن يقول : فامتناع تقديم الفاعل اللفظى دون المعنوى تحكم ليناسب قوله : سواء فى امتناع التقديم ، إذ المدعى استواؤهما فى الامتناع. ولو قال : سواء فى تجويز الفسخ فتجويز إلخ لكان مناسبا أيضا ، وتوضيح ذلك أنه يؤخذ من قول السكاكى : إن جاز تأخيره فى الأصل على أنه فاعل معنى فقط جواز تقديم الفاعل المعنوى وهو التابع ، ويؤخذ من قول المصنف على لسان السكاكى : أو لم يجز كما فى : زيد قام امتناع تقديم الفاعل اللفظى ، فيقال له الفاعل المعنوى واللفظى سيان فى امتناع التقديم ما بقيا على حالهما ، وسيان فى جوازه إن فسخا ولم يبقيا على حالهما ، فالحكم بجواز تقديم المعنوى ، وبامتناع تقديم اللفظى هذا تحكم (قوله : تحكم) أى : بل فيه ترجيح المرجوح على ما أفاده الشارح بقوله : فلا امتناع إلخ (قوله : وكذا تجويز الفسخ فى التابع) أى : عن التابعية

٦٥٧

وإلا فلا امتناع فى أن يقال فى نحو : زيد قام : أنه كان فى الأصل : قام زيد فقدم زيد ، وجعل مبتدأ ، كما يقال فى جرد قطيفة : إن جردا كان فى الأصل صفة فقدم وجعل مضافا. وامتناع تقديم التابع حال كونه تابعا مما أجمع عليه النحاة ...

______________________________________________________

وقوله : دون الفاعل أى : عن الفاعلية ، وهذا رد لما يقال جوابا عن السكاكى ، وحاصله : أنه إنما جاز تقديم الفاعل المعنوى ؛ لأن المعنوى لو أخر كان تابعا بدلا أو تأكيدا والتابع يجوز فسخه عن التبعية ، فلذا قدم كما فى : جرد قطيفة ، وأخلاق ثياب ، والمؤمن العائذات الطير ، فإن الأصل : قطيفة جرداء أى : مجرودة بمعنى بالية أو سلخاء لا وبر فيها ؛ وثياب أخلاق ، والمؤمن الطير العائذات ، فقدمت الصفة على موصوفها ، وأضيفت إليه بخلاف الفاعل اللفظى فإنه لا يجوز فسخه عن الفاعلية ، فلم يقدم ، وحاصل الرد أن تجويز الفسخ فى التابع دون الفاعل اللفظى تحكم ، بل كل منهما يجوز فيه الفسخ والتقديم ؛ لأن الفاعلية غير لازمة لذات الفاعل كالتبعية (قوله : وإلا فلا امتناع) أى : وإلا نقل أن امتناع تقديم الفاعل إنما هو عند كونه فاعلا ، بل قلنا بالمنع مطلقا فلا يصح ؛ لأنه لا امتناع فى أن يقال إلخ

(قوله : وجعل مبتدأ) أى : وجعل ضميره فاعلا بدله ، وهذا مثال لتقديم الفاعل بعد انسلاخه عن الفاعلية ، (وقوله كما يقال إلخ) مثال لما إذا قدم التابع بعد انسلاخه عن التبعية (قوله : وامتناع تقديم إلخ) هذا رد لما يقال جوابا عن السكاكى ، وحاصل ذلك الجواب قولكم : إن تجويز التقديم فى المعنوى دون الفاعل اللفظى تحكم ممنوع ؛ لأن التابع يجوز تقديمه باقيا على تبعيته بل هو واقع كما فى قوله (١) :

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام

فإن قوله (ورحمة الله) : عطف على السّلام فقد قدم التابع على المتبوع باقيا على تبعيته فى العطف ، فيقاس عليه التوكيد والبدل ، إذ لا فرق ، بخلاف الفاعل اللفظى ، فلا يجوز تقديمه على أنه فاعل فالقول بالتحكم مردود ، وحاصل ما أشار له الشارح من رد هذا الجواب : أن النحاة أجمعوا على امتناع تقديم التابع ما دام تابعا فى الاختيار ، وما

__________________

(١) البيت للأحوص ـ وهو فى شرح شواهد المغنى (٢ / ٧٧٧) ولسان العرب (٤ / ٢٣٧٨) مادة شيع

٦٥٨

إلا فى العطف فى ضرورة الشعر فمنع هذا مكابرة ، ...

______________________________________________________

وقع فى هذا البيت فهو ضرورة ، وحينئذ فمنع امتناع تقديم التابع ما دام تابعا مكابرة أى عناد ودعوى بلا دليل (قوله : إلا فى العطف فى ضرورة الشعر) أى : كما فى البيت السابق.

بقى أنه قد يقدم التوكيد أيضا للضرورة كقوله (١) :

بنيت بها قبل المحاق بليلة

فكان محاقا كلّه ذلك الشّهر

فإن كله توكيد للشهر وقد قدم عليه ، ولعل الشارح أسقط ذلك لاحتمال التأويل فى ذلك البيت بعد ثبوت كونه مما يستشهد به ، بجعل كله تأكيدا للضمير المستتر فى كان العائد على الشهر وهو وإن لم يتقدم له ذكر لكن يدل عليه قوله قبل المحاق فقد تقدم مرجعه حكما وقوله : ذلك الشهر بدل من ذلك الضمير وتفسير له ، وإنما قلنا بعد ثبوت إلخ ؛ لأن هذا البيت من جملة أبيات تنسب للثعالبى هجوا فى امرأة عجوز تزوجها غارة له لما رآها محلاة ، ثم انكشفت سوءتها بعد التزوج ، وهو غير عربى ، وأولها :

عجوز تمنّت أن تكون فتيّة

وقد يبس الجنبان واحدودب الظّهر

تروح إلى العطّار تبغى شبابها

وهل يصلح العطّار ما أفسد الدّهر

وما غرّنى إلّا الخضاب بكفّها

وكحل بعينيها وأثوابها الصّفر

بنيت بها قبل المحاق إلخ ، بقى شىء آخر وهو أن أبا حيان ذكر فى الارتشاف أن بدل البعض والاشتمال يتقدمان نحو أكلت ثلثه الرغيف ، وأعجبنى حسنه زيد ، لكن الأحسن الإضافة نحو أكلت ثلث الرغيف ، وأعجبنى حسن زيد ، وهذا وارد على الشارح ، اللهم إلا أن يكون الشارح لا يسلم ذلك ، أو أن الإجماع الذى ذكره الشارح كما فى المطول فى التقديم على المتبوع والعامل جميعا وهو مما لم يقل به أحد فى السعة لا فى التوكيد ولا فى البدل ، وأما تقديمها على المتبوع فقد حكى فالحاصل أن قول الشارح

__________________

(١) البيت لجران العود ، فى شرح المرشدى على عقود الجمان ١ / ٨٥ ، وهو فى لسان العرب (١ / ٣٦٧) مادة (بنى)

٦٥٩

والقول بأنه فى حالة تقديم الفاعل ليجعل مبتدأ يلزم خلو الفعل عن الفاعل وهو محال بخلاف الخلو عن التابع فاسد لأن هذا اعتبار محض (ثم لا نسلم انتفاء التخصيص) فى نحو : رجل جاءنى ...

______________________________________________________

مما أجمع عليه النحاة يجب أن يقيد بما إذا تقدم التابع على كل من المتبوع وعامله ، وأما التقديم على المتبوع فقط دون عامله فقد حكى فى البدل والتوكيد وهو غير عربى (قوله : والقول بأنه إلخ) أى : والقول فى نفى التحكيم بأنه إلخ ، وهذا رد الجواب عن التحكم من طرف السكاكى ، وحاصل ذلك الجواب أن قولكم تجويز التقديم فى المعنوى دون اللفظى تحكم ممنوع ، وذلك لأن المعنوى فى الأصل تابع وتقديم التابع ليجعل مبتدأ لا يلزم عليه محذور إذ غاية ما يلزم عليه خلو المتبوع من تابع ، وهذا لا ضرر فيه فلذا قيل بجواز تقديمه بخلاف الفاعل اللفظى ، فإن تقديمه ليجعل مبتدأ يلزم عليه خلو الفعل من الفاعل فى اللحظة التى وقع فيها التحويل وهو محال ويلزم عليه أيضا الإخلال بالجملة وخروجها عن كونها جملة ، فلذا قيل بامتناع تقديمه ففرق بين الأمرين ، وحينئذ فلا تحكم.

(قوله : بخلاف الخلو عن التابع) أى : فليس محالا (قوله : فاسد) خبر القول أى :إن هذا القول باعتبار ما تضمنه من الفرق فاسد ؛ لأن هذا الخلو غير محال حتى يحسن الفرق. ا ه. سم.

وعلى هذا فقول الشارح ؛ لأن هذا أى الفسخ من كونه فاعلا فى الأصل ومبتدأ الآن اللازم عليه الخلو المذكور اعتبار محض أى : اعتبار وهمى محض لا بحسب الواقع ، وحينئذ فلا يضر ذلك الخلو ؛ لأنه ليس أمرا تحقيقيا ، والمضر إنما هو خلو الفعل عن الفاعل فى التركيب اللفظى ، ويحتمل وهو المتبادر أن هذا القول فاسد باعتبار ما تضمنه من الفرق ؛ وذلك لأن خلو الفعل عن الفاعل حالة التحويل اعتبار محض غير لازم ، إذ يمكن اندفاعه باعتبار أن الضمير مقارن لاعتبار الفسخ فلم يخل الفعل عن فاعل فى لحظة من اللحظات ، وحينئذ فلا فرق بين التابع وبين الفاعل اللفظى فى جواز الفسخ فيهما (قوله : ثم لا نسلم إلخ) عطف على مدخول ، إذ بحسب المعنى كأنه قيل ،

٦٦٠