حاشية الدسوقي - ج ١

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٥٤

البلاغة

إن معناه عند جعل اسم الإشارة بعقب أوصاف (على أنه) متعلق بالتنبيه على المشار إليه (جدير بما يرد بعده) أى : بعد اسم الإشارة (من أجلها) متعلق بجدير ؛ أى : حقيق بذلك لأجل الأوصاف التى ذكرت بعد المشار إليه (نحو : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) إلى قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١)) عقب المشار إليه ؛ وهو الذين يؤمنون بأوصاف متعددة من الإيمان بالغيب ، وإقام الصلاة ، ...

______________________________________________________

(قوله : إن معناه عند جعل إلخ) أى : فحمل المشار إليه على اسم الإشارة ، وجعل الباء داخلة على المتقدم وفى ذلك تعسف ومخالفة للغة (قوله : جدير بما) أى : بمسند يرد إلخ (قوله : لأجل الأوصاف) لا يخفى أن التنبيه لا يتوقف على تعدد الأوصاف ولا على كونها عقب المشار إليه ، فإنه يصح أن تكون الأوصاف قبل المشار إليه كأن تقول : جاءنى الكامل الفاضل زيد ، وهذا يستحق الإكرام ، ولا على أن يكون ما هو جدير به واردا بعده كأن تقول : ويستحق الإكرام هذا ، وحينئذ فالأولى للمصنف أن يقول : أو التنبيه عند الإشارة إلى موصوف على أن المشار إليه جدير بما أسند لاسم الإشارة من أجل كونه موصوفا (قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً) إلخ) أى : فقد أورد المسند إليه اسم إشارة ، مع أن المحل للضمير لأجل تنبيه السامع على أن المشار إليه حقيق بالحكم المذكور بعد اسم الإشارة من أجل ما اتصف به من الصفات قبلها.

إن قلت : إن الضمير يدل على استحقاق الموصوفين بالحكم بعده. قلت : نعم هو ـ وإن دل على أنهم حقيقون به ـ إلا أنه لا يدل على أن الأوصاف السابقة هى العلة فى الاستحقاق بخلاف اسم الإشارة ، فإنه يدل على ذلك ؛ وذلك لأن اسم الإشارة موضوع للدلالة على المشار إليه والمشار إليه الذوات الموصوفة بالأوصاف السابقة وتعليق الحكم على موصوف يؤذن بعلية الوصف ، بخلاف ما لو أتى بالضمير فإنه لا يفيد ملاحظة الأوصاف فى العلية وإن كانت موجودة ؛ لأن الضمير موضوع للذات فقط ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : وهو الذين يؤمنون إلخ) فيه نظر من وجهين.

__________________

(١) البقرة : ٥.

٥٤١

وغير ذلك. ثم عرف المسند إليه بالإشارة تنبيها على أن المشار إليهم أحقاء بما يرد بعد (أُولئِكَ ؛) وهو كونهم على الهدى ، والفوز بالفلاح آجلا ...

______________________________________________________

الأول أن هذا البيان يقتضى أن الإيمان من المشار إليه لا من الأوصاف والبيان الآتى بعد ذلك يقتضى أنه من الأوصاف ، فأول الكلام ينافى آخره.

الثانى : أن المشار إليه هو المتقين ؛ لأنه الموصوف بالذين يؤمنون ، فالأولى أن يقول :وهو المتقين الذين يؤمنون وأجيب عن الأول بأن المراد بالذين يؤمنون : الذوات المجردة عن الإيمان ، فتكون صفة الإيمان خارجة من المشار إليه بقرينة عدها من الأوصاف فيما يأتى ، وإنما لم يعبر عن تلك الذوات بنفس الموصول لقبح ذكره بدون الصلة ، وأجيب عن الثانى بأن أهل التفسير على أن الذين يؤمنون منقطع عما قبله على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مفعول فعل محذوف ، وحينئذ لا يكون هو المشار إليه. ا ه. غنيمى.

وفى الفنرى : إن الذين يؤمنون يمكن أن يجعل منقطعا عن المتقين على سبيل الاستئناف مرفوعا بالابتداء مخبرا عنه بأولئك على هدى وأن يجعل جاريا عليه كما ذكر فى الكشاف ، فعلى التقدير الثانى يحسن أن تجعل الإشارة إلى أحدهما إشارة للآخر من غير تكلف ؛ لأن الصفة والموصوف فى حكم شىء واحد ، وأما على التقدير الأول فليس بذلك الحسن ؛ لأن المراد بالمشار إليه المعنى الذى أشير باسم الإشارة إلى لفظه كما ينبىء عنه قوله : عقب المشار إليه بأوصاف ، وذلك المعنى هو معنى الذين يؤمنون لا معنى المتقين وإن اتحدا فى الواقع ذاتا (قوله : وغير ذلك) أى : كالإنفاق مما رزقوا (قوله : تنبيها على أن إلخ) أى تنبيها بالإشارة فى أولئك الأول ، والثانى وهذا يقتضى أن المشار إليه فى كليهما الموصولان بقطع النظر عن الكون على هدى ، واختار العصام أن أولئك الأول إشارة لما ذكر من الموصولين ، وفيه تنبيه على أنهم جديرون بأن يكونوا على هدى لأجل الأوصاف المتقدمة ، وأن أولئك الثانى إشارة لما ذكر أيضا لكن مع زيادة كونهم على هدى ، وفيه تنبيه على أنهم جديرون باستحقاق الفلاح ؛ لأجل الأوصاف المتقدمة مع ما زيد بعد أولئك الأول من كونهم على هدى (قوله : عاجلا) أى : فى الدنيا (قوله : بالفلاح آجلا) أى : فى الآخرة والمراد به البقاء الا بدى فى النعيم.

٥٤٢

من أجل اتصافهم بالأوصاف المذكورة (وباللام) أى : تعريف المسند إليه باللام (للإشارة إلى معهود) ؛ ...

______________________________________________________

(قوله : من أجل اتصافهم بالأوصاف المذكورة) أى : بخلاف ما لو أتى بالضمير فإنه لا يفيد ملاحظة هذه الأوصاف ، وإن كانت موجودة ؛ لأن اسم الإشارة لكمال التمييز فيلاحظ معه الوصف بخلاف الضمير ، فإنه موضوع للذات فقط.

[تعريف المسند إليه باللام] :

(قوله : وباللام) أى : على أحد الأقوال من أنها المعرفة ، ومقابله أن المعرف ال (قوله للإشارة إلى معهود) أى : للدلالة على معين فى الخارج ، فلا يقال : إنه أطلق المعهود مع أن نفس الحقيقة فى المعرف بلام الجنس معهودة أيضا كما يشير إليه قوله ، وقد تأتى لواحد باعتبار عهديته ، وحينئذ فلا تصح المقابلة ، وحاصل الجواب أن المراد بالمعهود هنا المعين فى الخارج وأما الحقيقة فهى وإن كانت معهودة ومعينة ، لكن فى الذهن ، وحاصل ما ذكره المصنف أن لام التعريف على قسمين.

الأول : لام العهد الخارجى وتحته أقسام ثلاثة : صريحى وكنائى وعلمى ؛ وذلك لأن مدخولها إن تقدم له ذكر صراحة كانت للعهد الصريحى ، وإن تقدم له ذكر كناية كانت للعهد الكنائى ، وإن لم يتقدم له ذكر أصلا ، لكنه معلوم عند المخاطب سواء كان حاضرا أو لا فهى للعهد العلمى ، والنحويون يسمون ما إذا كان مدخولها معلوما حاضرا بلام العهد الحضورى ، وإن كان غير حاضر بلام العهد الذهنى.

القسم الثانى : لام الحقيقة وتحته أقسام أربعة : لام الحقيقة من حيث هى وتسمى بلام الجنس ، ولام العهد الذهنى ، ولام الاستغراق الحقيقى ، ولام الاستغراق العرفى ؛ وذلك لأن اللام إما أن يشار بها للحقيقة من حيث هى ، وتسمى بلام الحقيقة ولام الجنس أو يشار بها للحقيقة فى ضمن فرد مبهم وتسمى بلام العهد الذهنى أو يشار بها للحقيقة فى ضمن جميع الأفراد ، وتسمى بلام الاستغراق ، وهو قسمان : إما حقيقى أو عرفى ؛ لأنه إن أشير بها للحقيقة فى ضمن جميع الأفراد التى يتناولها اللفظ بحسب اللغة فهى للاستغراق الحقيقى ، وإن أشير بها للحقيقة فى ضمن جميع الأفراد التى يتناولها اللفظ

٥٤٣

أى إلى حصة من الحقيقة معهودة بين المتكلم والمخاطب واحدا كان أو اثنين أو جماعة ؛ يقال : عهدت فلانا إذا أدركته ...

______________________________________________________

بحسب العرف فهى للاستغراق العرفى فظهر لك أن الأقسام سبعة ، وأن لام العهد الذهنى عند البيانيين غيرها عند النحويين وستأتى هذه الأقسام كلها.

واختلف فى الأصل والحقيقة فقيل لام الحقيقة أصل ولام العهد الخارجى أصل آخر ؛ وهو الذى أشار له المصنف والشارح وقيل الأصل لام العهد الخارجى. قال الحفيد : وهو المفهوم من الكشاف وسائر كتب القوم ، وقيل لام الاستغراق وقيل الجميع أصول وقدم المصنف لام العهد الخارجى على لام الحقيقة ؛ لأن المعرف بها أعرف من المعرف بلام الحقيقة ولكثرة أبحاث لام الحقيقة فلام العهد الخارجى كالبسيط بالنسبة للأخرى ولو أخر المعرف بلام العهد الخارجى لكثر الفصل بين القسمين.

(قوله : أى إلى حصة) أشار بهذا إلى أن المراد بالمعهود الحصة المعهودة ؛ لأنها الكاملة فى المعهودية لوقوعه فى مقابلة نفس الحقيقة ، والحصة والفرد عندهم بمعنى واحد أعنى : الطبيعة الكلية مع ما انضم إليها من التشخص ، والتفرقة بينهما بأن الفرد عبارة عن المركب من الطبيعة والتشخص والحصة المعروضة للتشخص إنما هو اصطلاح المناطقة ، وإنما اختار لفظ الحصة دون الفرد ؛ لأن المتبادر من الفرد الشخص الواحد ، والمعهود الخارجى قد يكون أكثر من واحد. فإن قلت : كون المراد بالحصة الفرد ينافيه ما بعده من التعميم أعنى : قوله واحدا كان أو أكثر. قلت : ليس المراد بالفرد الواحد الشخص بل المراد به ما قابل الحقيقة أعنى القدر ، والجملة من الأفراد سواء كان واحدا أو أكثر ، فقوله إلى حصة أى : إلى قدر. وجملة وقوله من الحقيقة أى : من أفراد الحقيقة ، وإلا فالحقيقة لا تتبعض وقوله معهودة أى : تلك الحصة أى معينة (قوله : واحدا كان) أى : تلك الحصة ، فهذا تفصيل لها وذكر باعتبار أنها قدر ، ويحتمل أن المراد واحدا كان ذلك المعهود وهو الحصة ، وحينئذ فهو تعميم فى المعهود فى كلام المصنف ، وذلك كما إذا قلت : جاءنى رجل أو رجلان أو رجال ، فيقال لك أكرم الرجال أو الرجلين أو الرجل (قوله : يقال عهدت إلخ) أى : يقال لغة وهذا استدلال على أن المراد بالمعهود

٥٤٤

ولقيته وذلك لتقدم ذكره صريحا أو كناية (نحو : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(١) أى : ليس) الذكر (الذى طلبت) امرأة عمران (كالتى) أى : كالأنثى التى (وهبت) تلك الأنثى (لها) أى : لامرأة عمران ، ...

______________________________________________________

المعين كما يفيده تفسيره بالحصة ، فإن قلت ما ذكر من الدليل ليس فيه ذكر التعيين قلت : هو استدلال باعتبار اللازم ؛ لأنه يلزم من إدراكه وملاقاته كونه معينا ـ قرره شيخنا العدوى.

(قوله : ولقيته) عطف سبب على مسبب (قوله : وذلك) أى : العهد والتعين فى الحصة ، ويحتمل أن المراد ، وذلك أى : كون اللام للإشارة إلى معهود (قوله : لتقدم إلخ) اعلم أن هذا التقدم شرط لصحة استعمال العرف فى الحصة كما فى المضمر الغائب ، لا أنه قرينة لإرادة الحصة على ما وهم ؛ لأنه يلزم أن يكون استعمال المعرف فيه مجازا مع كمال التعريف فيه (قوله : أى ليس الذكر إلخ) إنما تعرض المصنف لتفسير الآية بخلاف الواقع بين المفسرين فيها ، فقيل : إنه من كلام امرأة عمران وفى الكلام قلب أى : ليس الإنثى كالذكر فى التحرير وهو من تتمة تحسرها ، فالمعنى : أتحسر على وضعها أنثى وعدم مساواتها للذكر فى التحرير فياليتها كانت ذكرا أو كانت مساوية له فى التحرير ، وعلى هذا فاللام فيهما للجنس ، ولا يصلحان مثالين للام العهد ، وقيل : إنه من كلام الله تعالى تسلية لها والمعنى ليس الذكر الذى طلبته كالأنثى التى وهبت لها ، بل الأنثى التى وهبت لها أعظم رتبة من الذكر الذى طلبته ، وعلى هذا فاللام فيهما للعهد ، فلما جرى الخلاف بين المفسرين فى الآية احتاج المصنف إلى تفسيرها بالقول الثانى حتى يتضح كونهما مثالين ـ قاله شيخنا العدوى.

(قوله : الذى طلبت) أى : بقولها إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا ؛ لأن هذا الكلام يتضمن طلبها أن يكون ما فى بطنها ذكرا وتجعله من خدم بيت المقدس ؛ لأن خدمة بيت المقدس ، إذ ذاك لا تصلح إلا للذكور دون الإناث. ا ه. نوبى.

__________________

(١) آل عمران : ٣٦.

٥٤٥

فالأنثى إشارة إلى ما سبق ذكره صريحا فى قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى)(١) لكنه ليس بمسند إليه ، والذكر إشارة إلى ما سبق ذكره كناية فى قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) فإن لفظ : ما ، ...

______________________________________________________

(قوله : فالأنثى) أى فأل الداخلة على الأنثى إشارة أى مشار بها ، وكذا يقال فى قوله بعد والذكر إشارة إلخ ، وإنما قلنا ذلك ؛ لأن المشير إنما هو اللام لا الذكر ولا الأنثى (قوله : إلى ما سبق ذكره) أى : والمذكور معهود معين (قوله : فى قوله تعالى (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى)) أنث الضمير مع كونه راجعا ل (ما) ؛ لأنه دار الأمر بين مراعاة المرجع ، والحال التى هى بمنزلة الخبر أعنى أنثى ، ورعاية الخبر أولى ؛ لأنه محط الفائدة ، وأما التأنيث فى قوله : فلما وضعتها فمراعاة للمعنى ؛ لأن ما فى بطنها فى الواقع أنثى ، وغاية ما قالوا : الأولى مراعاة لفظ ما وهذا لا ينافى أن مراعاة المعنى جائزة ـ قرر ذلك شيخنا العدوى.

(قوله : لكنه ليس بمسند إليه) أى : لأنه مجرور بالكاف خبر ليس فهو مسند ، لكنه تنظير مناسب من حيث العهد الصريح (قوله : كناية) يحتمل كما قاله عبد الحكيم : أن المراد الكناية بالمعنى اللغوى وهو الخفاء ؛ لأن فهم الذكر من لفظ ما الصادق بالذكر والأنثى فيه خفاء لعدم التصريح ، وإن كان ذكر الوصف بعد ذلك أعنى محررا مبينا للمراد ، وحينئذ فقول الشارح : إلى ما سبق ذكره كناية أى إلى ما سبق ذكره على وجه الكناية أى : على طريق فيه خفاء.

ويحتمل كما قال الفنرى : إن المراد بالكناية المصطلح عليها عند علماء البيان فتكون من أفراد الكناية المطلوب بها غير صفة ، ولا نسبة وهو أن يتعين فى صفة من الصفات اختصاص بموصوف معين فتذكر تلك الصفة ليتوصل بها إلى الموصوف ، فالتحرير من الصفات المختصة بالذكور. فلفظ ما فى بطنى باعتبار تقييده محررا ملزوم للذكر والذكر لازم له فقد أطلق اسم الملزوم ، وأريد اللازم فالذكر لم يذكر صراحة بل كناية والمذكور صراحة ملزومه وهو ما فى البطن الموصوف بالتحرير ، وجعل ذلك كناية

__________________

(١) آل عمران : ٣٦.

٥٤٦

وإن ـ كان يعم الذك ور والإناث ، لكن التحرير ؛ وهو أن يعتق الولد لخدمة بيت المقدس إنما كان للذكور دون الإناث ؛ وهو مسند إليه.

وقد يستغنى عن ذكره لتقدم علم المخاطب به نحو : خرج الأمير ؛ إذا لم يكن فى البلد إلا أمير واحد (أو) للإشارة (إلى نفس الحقيقة) ومفهوم المسمى

______________________________________________________

ظاهر على مذهب المصنف القائل : إن الكناية أن يذكر اسم الملزوم ويراد اللازم ، أما على طريقة السكاكى من أنها اللفظ المراد به ملزوم ما وضع له فلا يتأتى هنا لأن التحرير ليس لازما للذكر ، إذ كثير من الذكور غير محرر.

(قوله : وإن كان يعم الذكور والإناث) أى : بحسب وضعها (قوله : لكن التحرير إلخ) فيه نظر ؛ لأن اختصاص التحرير بالذكر فى نفس الأمر لا ينافى عموم ما للذكر والأنثى بحسب الوضع ، وحينئذ فلا يكون الذكر بخصوصه مذكورا ، وأجيب بأن العموم فى ما إنما هو بحسب أصل الوضع ، واختصاصه بالذكر فى الآية بواسطة القرينة وهو الوصف بالتحرير فصح أن يكون الذكر مذكورا كناية نظرا لتلك القرينة أه قرمى.

ثم إن الأنسب بقوله محررا أن يكون التحرير فى كلام الشارح مصدر حرر المبنى للمفعول فقوله عتق مبنى للمفعول (قوله : وهو) أى : الذكر مسند إليه ؛ لأنه اسم ليس (قوله : وقد يستغنى إلخ) هذا مقابل لقوله وذلك لتقدم ذكره صريحا أو كناية (قوله : لتقدم علم المخاطب به) أى : بالقرائن سواء كان ذلك المعلوم للمخاطب غير حاضر بالمجلس كما مثل الشارح أو حاضرا فيه كقولك لداخل البيت : أغلق الباب ، ونحو قولك لمن فوق : سهمه القرطاس ، فالعهد العلمى والحضورى من أقسام العهد الخارجى لتحقق المشار إليه باللام خارجا.

(قوله : إذا لم يكن إلخ) أى : فالقرينة حالية وهى انفراده فى البلد (قوله : ومفهوم المسمى) هذا تفسير للحقيقة إشارة إلى أنه ليس المراد منها معناها المشهور وهو الماهية المتحققة أى : الموجودة فى الخارج وتوضيح ذلك أن الأمر باعتبار تحققه ووجوده فى الخارج يقال له حقيقة ، وباعتبار تعقله فى الذهن سواء كان له وجود فى الخارج أم

٥٤٧

من غير اعتبار لما صدق عليه من الأفراد (كقولك : الرجل خير من المرأة ، ...

______________________________________________________

لا يقال له مفهوم ، فهو شامل للماهيات الغير الموجودة ، فأشار الشارح بالتفسير إلى أن المراد بالحقيقة ليشمل قولك العنقاء والغول ، فإن (أل) فيهما جنسية ، وإضافة مفهوم للمسمى بيانية أى : ومفهوم هو مسمى الاسم ؛ لأن المفهوم قد يكون مسمى بأن يكون وضع له اسم ، والمسمى قد لا يكون مفهوما كما إذا كان الموضوع له الاسم (ما) صدقا ، وقد يكون المفهوم غير مسمى بأن كانت تلك الحقيقة المتعلقة ذهنا لم يوضع لها لفظ ؛ فبين المفهوم والمسمى عموم وخصوص وجهى كخاتم فضة (قوله : من غير اعتبار إلخ) بيان لنفس الحقيقة أى : من غير ملاحظة لما صدق عليه ذلك المفهوم من الأفراد ومن ذلك اللام الداخلة على المعرفات نحو : إنسان حيوان ناطق ، والكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد ؛ لأن التعريف للماهية واللام الداخلة على موضوع القضية الطبيعية نحو : الحيوان جنس ، والإنسان نوع ، وفى كلام الشارح نظر ؛ لأن لام العهد الذهنى ، ولام الاستغراق بقسميه اعتبر فيهما الأفراد مع أنهما من أقسام لام الحقيقة واعتبار الأفراد ينافى عدم اعتبارها ، فلا يصح جعلهما من فروع لام الحقيقة ، وأجيب بأن المراد من غير اعتبار للأفراد بالنظر لذات الكلام وقطع النظر عن القرائن ، وذلك صادق بأن لا تعتبر الأفراد أصلا كما فى لام الحقيقة ، أو تعتبر بواسطة القرائن كما فى لام العهد ولام الاستغراق ، ويدل على هذا الجواب قول الشارح : فيما يأتى ، فاللام التى لتعريف العهد الذهنى أو للاستغراق هى لام الحقيقة. حمل على ما ذكرنا بحسب المقام والقرينة ، ويمكن الجواب أيضا بأن قول الشارح من غير اعتبار إلخ دخول على المثال إشارة إلى أن المثال المذكور من القسم الذى لا تعتبر فيه الأفراد ، وأن المقسم هو اللام التى يشار بها إلى الحقيقة لا بهذا القيد ، وأما بهذا القيد فهو القسم الأول ، وقد أشار المصنف إلى القسم الثانى بقوله : وقد يأتى الواحد ، وإلى الثالث بقوله : وقد يفيد الاستغراق ، ومبنى الإشكال على أن قوله من غير اعتبار : تقييد للمقسم (قوله : كقولك إلخ) أى : ومنه الكل أعظم من الجزء ، والدينار خير من الدرهم (قوله : الرجل خير من المرأة) أى : حقيقة الرجل الملحوظة ذهنا خير من حقيقة المرأة الملاحظة ذهنا ، ولا ينافى هذا كون بعض أفراد

٥٤٨

وقد يأتى) المعرف بلام الحقيقة (لواحد) من الأفراد (اعتبار عهديته فى الذهن) لمطابقة ذلك الواحد الحقيقى ؛ ...

______________________________________________________

جنس المرأة خيرا من بعض أفراد جنس الرجل ؛ لأن العوائق قد تمنع عما يستحقه الجنس.

قال ابن يعقوب : الأولى للمصنف أن يمثل بقولنا فى التعريف : الكلمة لفظ مفرد مستعمل ، والإنسان الحيوان الناطق ؛ لأن الحكم فى التعريف حقيقى مفهومى لا فردى بخلاف الحكم بالخيرية ، فإن الفضل بين الذكوريه والأنوثية إنما تحقق من خصال الأفراد لا من تصور كل منها ، لكن لما كان مآل التصور إلى الأفضلية فى الخارج ثبتت الأفضلية للحقيقة لذاتها لا من جهة التصور ، فإن الشىء الذى هو فى قوة الحصول يثبت له حكم الحصول ، ويصح أن يراعى فى الخيرية خيرية مجرد الذكورية على نفس الأنوثية من غير رعاية خصالها فيكون الحكم حقيقيا لا فرديا ، فلا يحتاج إلى التأويل فتأمله.

ومن تعريف الجنس من غير هذا الباب قوله تعالى (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(١) أى : جعلنا مبدأ كل شىء حى هذا الجنس الذى هو الماء ، روى أنه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء ، والجن من نار خلقها منه ، وآدم من تراب خلقه منه.

(قوله : وقد يأتى المعرف بلام الحقيقة لواحد) قد للتحقيق لا للتقليل ، وهذا إشارة إلى القسم الثانى من الأقسام الأربعة للام الحقيقية ، ولم يقل وقد يقصد من المعرف بلام الحقيقة واحد ؛ لأن الوحدة المهمة مستفادة من القرينة الخارجية ، ولم تقصد من المعرف باللام وعبر هنا بقوله ، وقد يأتى وفيما سيأتى بقوله : وقد يفيد إما للتفنن وإما لأن دلالة اللام فى الأول قوية ؛ لأنها مصحوبة بالقرينة الدالة على البعضية ، وفى الثانى ضعيفة ؛ لأنها يكفى فيها القرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة من حيث هى ، ولا يحتاج إلى القرينة الدالة على الاستغراق (قوله لواحد) أى : مبهم (قوله : من الأفراد) أى : من أفراد الحقيقة (قوله : باعتبار عهديته) أى : تعينه واستحضاره فى الذهن تبعا لتعين الحقيقة واستحضارها فيه ، فالمعهود ابتداء هو الحقيقة ، ولما كان استحضار الماهية يتضمن

__________________

(١) الأنبياء : ٣٠.

٥٤٩

يعنى : يطلق المعرف بلام الحقيقة الذى هو موضوع للحقيقة المتحدة فى الذهن على فرد ما موجود من الحقيقة ...

______________________________________________________

استحضار أفرادها كان كل واحد من الأفراد معهودا ذهنا ، وبهذا اندفع ما يقال : إن الواحد من الأفراد هنا غير معين ، وحينئذ فلا عهد فيه لا ذهنا ولا خارجا بل هو مبهم ، فكيف يقول المصنف باعتبار عهديته فى الذهن؟ وحاصل الجواب أنه مبهم فى ذاته وعهديته إنما هى تبع لعهدية الماهية التى اشتمل عليها ، فصح نسبة العهدية إليه بهذا الاعتبار ، وقوله لمطابقة ذلك الواحد الحقيقة أى : المعهودة علة لعهديته ، ومعنى مطابقة الواحد للحقيقة اشتماله عليها عند ابن الحاجب ، أو صدق الحقيقة اشتماله عليه عند الشارح ، وعلى الوجهين فالفرد المبهم باعتبار مطابقته للحقيقة المعلومة صار كأنه معهود أى : معلوم فله عهدية بهذا الاعتبار ، فسمى معهودا ذهنيا ـ كذا فى سم عن الناصر اللقانى ، ومثله فى عبد الحكيم.

وقيل فى قوله عهديته : حذف مضاف أى : باعتبار عهدية حقيقته ، فالموصوف بالعهد إنما هو الحقيقة ، وإليه مال العصام والصفوى ، وإذا عهدت حقيقته عهد هو لمطابقة ذلك الواحد لها (قوله : يعنى يطلق إلخ) أشار به إلى أن قول المصنف يأتى بمعنى يطلق ، وأن اللام فى قوله لواحد بمعنى على (قوله : المعرف بلام الحقيقة) صفة لمحذوف تقديره يعنى أن اسم الجنس المعرف بلام الحقيقة ، وقوله الذى هو موضوع للحقيقة صفة للمعرف أى : الذى هو موضوع للحقيقة من غير نظر إلى فرد ؛ لأن النظر إلى فرد ما أو لجميع الأفراد بالقرينة ، لا بالوضع.

(قوله : المتحدة فى الذهن) أى : المعينة فى الذهن أو الموصوفة بالوحدة فى الذهن ، ويلزمها التعيين ، فالوحدة على كل حال خارجة عن الموضوع له ، وفائدة هذا القيد الإشارة إلى صدق تعريف المعرفة على بلام الحقيقة أعنى : ما وضع ليستعمل فى شىء بعينه ، فإن الماهية الحاصلة فى الذهن أمر واحد لا تعدد فيه فى الذهن إنما يلحقه التعدد بحسب الوجود (قوله : على فرد ما موجود) متعلق بيطلق (قوله : من الحقيقة) صفة لفرد أى على فرد من أفراد الحقيقة ، وإلا فالحقيقة لا تتجزأ.

٥٥٠

باعتبار كونه معهودا فى الذهن وجزئيا من جزئيات تلك الحقيقة مطابق إياها كما يطلق الكلى الطبيعى على كل جزئى من جزئياته ...

______________________________________________________

(قوله : باعتبار) متعلق بيطلق وقوله معهودا أى : معلوما ومعينا فى الذهن أى : لا باعتباره بخصوصه ، وإلا لكان مجازا من إطلاق المطلق على المقيد من حيث إنه مقيد قاله عبد الحكيم ، وقوله وجزئيا عطف على معهودا من عطف العلة على المعلول أى : إن عهديته باعتبار أنه جزئى من جزئيات الحقيقة التى هى مستحضرة فى الذهن ومعهودة فيه ، وقوله مطابقا إياها أى : وباعتبار كونه مطابقا إياها أى : مشتملا عليها ، ثم إن ظاهر قول الشارح ـ يعنى يطلق المعرف بلام الحقيقة على فرد باعتبار كونه معهودا فى الذهن ـ إنه يستعمل فى الفرد نفسه ، لكن حقق فى المطول ما حاصله أنه يستعمل فى الفرد باعتبار وجود الحقيقة فيه فهو فى الحقيقة إنما أطلق على الحقيقة فى ضمن الفرد للقرينة ، وإليه يشير قوله الآتى وهذا معناه نفس الحقيقة إلخ ، وعبارته فى المطول : وتحقيقه أنه موضوع للحقيقة المتحدة فى الذهن ، وإنما أطلق على الفرد الموجود منها باعتبار أن الحقيقة موجودة فيه ، فجاء التعدد باعتبار الوجود لا باعتبار الوضع. ا ه.

وقد يقال : إن قوله هنا باعتبار كونه معهودا فى الذهن وجزئيا من جزئيات تلك الحقيقة مطابقا إياها بمنزلة قوله فى المطول باعتبار وجود الحقيقة فيه ، إذ معنى اعتبار كونه جزئيا من جزئياتها اعتبار وجودها فيه فتفيد عبارته هنا أيضا أن الاستعمال فى الحقيقة ، إنما هو فى الحقيقة فى ضمن الفرد ـ فتأمل.

(قوله : كما يطلق) راجع لقوله يطلق أى : يطلق إطلاقا كإطلاق الكلى الطبيعى أى : الذى يراد منه الحقيقة والطبيعة ، والمراد بالإطلاق هنا الحمل ، وذلك كالحيوان فى نحو قولك : هذا الفرس حيوان ، والإنسان فى قولك : زيد إنسان ، وإنما كان المراد بالإطلاق هنا الحمل ؛ لأن الكلى لإيراد منه المفهوم والطبيعة إلا إذا كان محمولا ، وأما لو كان موضوعا كان المراد منه الأفراد ، وحينئذ فلا يكون طبيعيا ـ ذكره شيخنا الحفنى.

(قوله : كما يطلق الكلى الطبيعى) أى : المجرد من اللام ، فالجامع إطلاق الكلى على فرد فى كل لكن المراد بالإطلاق فيما نحن فيه الذكر ، وفى المشبه به المراد بالإطلاق الحمل ـ قرره شيخنا العدوى.

٥٥١

وذلك عند قيام قرينة دالة على أن ليس القصد إلى نفس الحقيقة من حيث هى هى بل من حيث الوجود ، لا من حيث وجودها فى ضمن جميع الأفراد بل بعضها (كقولك : ادخل السوق ؛ حيث لا عهد) فى الخارج ، ومثله قوله تعالى : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)(١) ...

______________________________________________________

(قوله : وذلك) أى إطلاق اسم الجنس المعرف على فرد معين فى الذهن (قوله : على أنه ليس القصد إلى نفس الحقيقة من حيث هى هى) أى : كما فى لام الحقيقة ، وقوله : بل من حيث الوجود أى : وجود الحقيقة (قوله : من حيث هى هى) أى : من حيث هى نفسها مقصودة لا الأفراد فهى الثانية توكيد ، والخبر محذوف (قوله : من حيث وجودها فى ضمن جميع الأفراد) أى : كما فى لام الاستغراق الآتية (قوله : بل بعضها) أى : بل من حيث وجودها فى بعضها (قوله : ادخل السوق) أى : فقولك ادخل قرينة على أنه ليس المراد حقيقة السوق من حيث هى لاستحالة الدخول فى الحقيقة ولا الحقيقة فى ضمن جميع الأفراد لاستحالة دخول الشخص الواحد جميع أفراد السوق ، فعلم من هذا أن المراد الحقيقة فى ضمن بعض الأفراد (قوله : حيث لا عهد) بأن تتعدد أسواق البلد ولا تعين لواحد منها بين المتكلم والمخاطب (قوله : فى الخارج) أى : لا مطلقا كما يوهمه إطلاق النفى لوجود العهد الذهنى ، والحاصل أنه ليس المراد نفى العهد مطلقا ، بل خصوص العهد الخارجى لوجود العهد الذهنى كما قدمه فى قوله : باعتبار عهديته فى الذهن ، فلا تنافى قوله : حيث لا عهد ، وقوله قبل ذلك : باعتبار عهديته فى الذهن ، فلو فرض أن هناك عهدا خارجيا بان كان هناك سوق واحد كانت أل للعهد الخارجى.

(قوله (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)) أى : فرد من أفراد الحقيقة المعينة فى الذهن ، وليس المراد حقيقة الذئب من حيث هى ؛ لأنها لا تأكل ولا الحقيقة فى ضمن جميع الأفراد ، وحاصل ما فى المقام أن المعرف بلام العهد الذهنى موضوع للحقيقة المتحدة فى الذهن ، وإنما أطلق على الفرد الموجود منها باعتبار أن الحقيقة موجودة فيه لا باعتبار أنه

__________________

(١) يوسف : ١٣.

٥٥٢

(وهذا فى المعنى كالنكرة) وإن كان فى اللفظ يجرى عليه أحكام المعارف من وقوعه مبتدأ وذا حال ووصفا للمعرفة وموصفا بها ، ونحو ذلك. وإنما قال : كالنكرة لما بينهما من تفاوت ما ؛ وهو أن النكرة معناها بعض غير معين من جملة الحقيقة ؛ وهذا معناه نفس الحقيقة ، وإنما تستفاد البعضية من القرينة ؛ كالدخول ، والأكل فيما مر ، فالمجرد ، وذو اللام بالنظر إلى القرينة سواء ، وبالنظر إلى أنفسهما

______________________________________________________

فرد وإلا لكان مجازا ، فجاء التعدد باعتبار الوجود لا باعتبار الوضع (قوله : وهذا) أى : المعرف بلام العهد الذهنى (قوله : فى المعنى كالنكرة) أى : بعد اعتبار القرينة ؛ لأن المراد به بعد اعتبارها فرد مبهم ، أما قبل اعتبارها فليس كالنكرة ، إذ هو موضوع للحقيقة المعينة فى الذهن (قوله : إن كان فى اللفظ) أى : والحال إنه تجرى عليه أحكام المعارف بالنظر للفظ يعنى غالبا لما سيأتى ، وبقولنا بعد اعتبار القرينة اندفع ما يقال هذا الكلام يقتضى أن إجراء حكم المعرفة عليه ليس بحسب المعنى ، نظرا إلى أنه فى المعنى نكرة ، وليس كذلك ، بل المعرف بلام العهد الذهنى معرفة بحسب اللفظ والمعنى ؛ لأنه موضوع للحقيقة المعينة ومستعمل فيها ، وحينئذ فإجراء أحكام المعارف عليه بحسب الأمرين جميعا (قوله : من وقوعه مبتدأ) نحو : الذئب فى دارك ، وقوله وذا حال نحو : رأيت الذئب خارجا من بيتك ، وقوله وصفا للمعرفة نحو : زيد الكريم عندك ، وقوله وموصوفا بها نحو : الكريم الذى فعل كذا فى دار صديقك (قوله : ونحو ذلك) أى : كعطفه بيانا من المعرفة ، والعكس نحو : زيد الكريم عندك ، والكريم زيد عندك ، وككونه اسم كان ومعمولا ، أو لا لظن نحو : كان السارق الذى سرق متاعك فى محل كذا ، وظننت السارق هالكا (قوله : وهو أن النكرة) أى : نحو ادخل سوقا معناها أى : الوضعى وقوله من جملة الحقيقة أى : من جملة أفرادها ، وإلا فالحقيقة لا تتجزأ (قوله : وهذا) أى : المعرف بلام العهد الذهنى نحو : ادخل السوق ، وقوله معناه أى : الوضعى (قوله : كالدخول) أى : فإنه إنما يتصور فى الأفراد الخارجية ولا يتصور فى الحقيقة (قوله : فالمجرد) أى : من اللام نحو : سوقا ، وقوله وذو اللام نحو : السوق ، وقوله : بالنظر إلى القرينة قيد فى ذى اللام فقط ، إذ المجرد استعماله فى الفرد لا يتوقف على القرينة (قوله : سواء)

٥٥٣

مختلفان ، ولكونه فى المعنى كالنكرة قد يعامل معاملة النكرة ويوصف بالجملة ؛ كقوله (١) : ولقد أمر على اللئيم يسبنى.

______________________________________________________

فى أن المراد من كل بعض غير معين (قوله : مختلفان) أى : لأن المنكر معناه بعض غير معين من أفراد الحقيقة ، والمعرف معناه الحقيقة المعينة فى الذهن ، وإنما أطلق على الفرد للقرينة باعتبار وجود الحقيقة فيه ، فإفادة البعضية فى المجرد بالوضع وفى ذى اللام بالقرينة ، وهذا الفرق الذى ذكره الشارح بناء على أن النكرة موضوعة للفرد المنتشر ، فإن قلنا : إنها موضوعة للماهية فالفرق أن تعين الماهية وعهديتها معتبر فى مدلول المعرف بلام العهد الذهنى غير معتبر فى مدلول النكرة ، وإن كان حاصلا فالفرق بين المعرف بلام العهد الذهبى والنكرة : كالفرق بين اسم الجنس المنكر : كأسد وعلم الجنس كأسامة ؛ وذلك لأنه على القول بأن اسم الجنس المنكر موضوع للفرد المنتشر فالفرق بينهما ما قاله الشارح ، وإن قلنا موضوع للماهية فالفرق ما قلناه ، واعلم أن النكرة سواء قلنا : إنها للمفهوم أو للفرد المنتشر إنما تستعمل فى الفرد المنتشر ، وإنما الخلاف فيما وضعت له.

(قوله : ويوصف بالجملة) الأولى التفريع بالفاء (قوله : ولقد أمرّ على اللّئيم إلخ) تمامه : فمضيت ثمّت قلت لا يعنينى ، عدل إلى المضارع فى" أمر" قصدا إلى الاستمرار ، وقوله : فمضيت ثمت قلت أى : فأمضى ثم أقول ، لكن عدل إلى الماضى دلالة على التحقيق ، فكأنه قال : أمر دائما على لئيم عادته سبّى ومواظب على سبّى بأنواع الشتائم

__________________

(١) البيت لعميرة بن جابر الحنفى ، انظر البيت فى الدرر ١ / ٧٨ ، وفى شرح التصريح ٢ / ١١ ، وحماسة البحترى ١٧١ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣ / ٢٠١ ، ٤ / ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٥ / ٢٣ ، ٥٠٣ ، ٧ / ١٩٧ ، ٩ / ١١٩ ، ٣٨٣ ، والخصائص ٢ / ٣٣٨ ، ٣ / ٣٣٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ٢٢١ ، ولسان العرب ١٢ / ٨١ (ثمم) ، ١٥ / ٢٩٦ ، ودلائل الإعجاز / ٢٠٦ ، والإشارات والتنبيهات / ٤٠ ، والمفتاح / ٩٩ ، وشرح المرشدى على عقود الجمان ١ / ٦٢ ، والتبيان للطيى ١ / ١٦١ ، وتتمة البيت : فمضيت ثمت قلت لا يعنينى. وثمت حرف عطف لحقها تاء التأنيث ، وقوله" أمر" مضارع بمعنى الماضى لاستحضار تلك الصورة العجيبة عنده ، ورواية الكامل" فأجوز ثم أقول لا يعنيني".

٥٥٤

(وقد يفيد) المعرف باللام المشار بها إلى الحقيقة (الاستغراق ؛ نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١)) أشير باللام إلى الحقيقة ، لكن لم يقصد بها الماهية من حيث هى هى ، ولا من حيث تحققها فى ضمن بعض الأفراد ، بل فى ضمن الجميع ،

______________________________________________________

فأمضى ولا التفت إليه ولا أشتغل بملامه ، وأعرض عنه صونا لماء الوجه ، ثم أقول لجماعة الخلان إنه لا يعنينى ، وثم حرف عطف إذا لحقتها علامة التأنيث اختصت بعطف الجمل ، وقوله : لا يعنينى أى : لا يريدنى ، بل يريد غيرى من عناه إذا قصده ، ويحتمل أن المراد لا يهمنى الاشتغال به والانتقام منه ، من عنانى الأمر إذا أهمنى ، والشاهد فى قوله : يسبنى ، فإن الجملة صفة للئيم ؛ لأن الشاعر لم يرد لئيما معينا ، إذ ليس فيه إظهار ملكة الحلم المقصودة بالتمدح بها ، ولا الماهية من حيث هى بقرينة المرور ، ولا الاستغراق لعدم تأتى المرور على كل لئيم من اللئام ، بل الجنس فى ضمن فرد مبهم فهو كالنكرة ، فلذا جعلت الجملة صفة لا حالا ، قال ابن يعقوب : ولم تجعل تلك الجملة حالا ؛ لأن الغرض أن اللئيم دأبه السب ومع ذلك تحمله القائل وأعرض عنه ، وليس الغرض تقييد السب بوقت المرور فقط كما هو مقتضى الحالية لإشعارها بالتحول فى أصلها ـ كذا قيل.

لكن المناسب لقوله : ثمت قلت لا يعنينى كونها حالية ؛ لأن المتبادر من قوله : قلت لا يعنينى أنه قال ذلك فى حال سماع حال المرور ، لا أنه قاله فيمن دأبه السبّ ولو فى غير حال المرور. انتهى.

(قوله : وقد يفيد الاستغراق) أى : لجميع الأفراد وهذا هو القسم الثالث من أقسام لام الحقيقة ، ثم إن ظاهر المصنف أن المعرف بلام الحقيقة موضوع لأمرين : الحقيقة وجميع الأفراد ، وأنه يفيدهما لاطلاقه عليهما ، وليس كذلك ، بل هو موضوع للحقيقة المتحدة فى الذهن فقط ، وإفادتها للاستغراق إنما هى من حيث تحقق الحقيقة فى جميع الأفراد ، وأجاب الشارح عن نظير هذا فيما سبق ، وحاصل الجواب عن ذلك أن يقال : إن المراد أن المعرف باللام الموضوع للحقيقة المتحدة فى الذهن قد يطلق على جميع الأفراد

__________________

(١) العصر : ٢.

٥٥٥

بدليل صحة الاستثناء الذى شرطه دخول المستثنى فى المستثنى منه لو سكت عن ذكره ، فاللام التى لتعريف العهد الذهنى أو الاستغراق ...

______________________________________________________

من حيث تحقق الحقيقة فيها ، وذلك عند قيام القرينة الدالة على أنه ليس القصد الحقيقة من حيث هى ولا من حيث وجودها فى فرد فيكفى فى الحمل على الاستغراق وجود القرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة من حيث هى ومن حيث وجودها فى بعض الأفراد ولا تتوقف على وجود القرينة المعينة للاستغراق بخلاف الحمل على وجود الحقيقة فى فرد فإنه يتوقف على القرينة الدالة على البعضية فالقرينة فيه أقوى (قوله : بدليل إلخ) هذا يقتضى أنه لا بد من قرينة معينة فى هذا النوع أيضا كالذى قبله ، والحق خلافه ؛ لأنه إذا لم تقم قرينة على إرادة الحقيقة ولا على الفرد الغير المعين حمل على الاستغراق ، كما هو المأخوذ من كلام الكشاف ، وقد يجاب بأن الشارح قصد التنصيص على المراد بوجود الدليل ـ قرره شيخنا العدوى.

(قوله : الذى شرطه دخول إلخ) أى : ودخوله فيه فرع عن العموم والعموم يدل على الاستغراق ، ثم إن ما ذكر شرط بالنسبة للاستثناء المتصل لا مطلقا ، وحاصل ذلك الدليل أن المستثنى منه كالإنسان يجب أن يكون المراد به كل فرد ، إذ لو أريد به الحقيقة لما صح الاستثناء للأفراد لعدم تناول اللفظ لها ، ولو أريد به بعض من الأفراد مبهم لما صح الاستثناء لعدم تحقق دخول المستثنى فى المستثنى منه ، ولو أريد به بعض معين ليس من الذين آمنوا لما صح أيضا لعدم الدخول ، ولو أريد بعض معين منه الذين آمنوا لورد أن إرادة البعض دون البعض ترجيح بلا مرجح ، فتعين إرادة جميع الأفراد ، ثم إن دلالة الاستثناء على الاستغراق بناء على القول إنه يجب فى الاستثناء دخول المستثنى فى لفظ المستثنى منه ، أما على القول بأنه يكفى فى صحة الاستثناء جواز الدخول فلا دلالة للاستثناء حينئذ على الاستغراق ـ قاله سم.

(قوله : فاللام التى لتعريف العهد) أى : لتعريف المعهود فهو مصدر بمعنى اسم المفعول ، وهذا تفريع على إرجاع الضمير فى قد يأتى ، وقد يفيد للمعرف بلام الحقيقة أى : فعلم أن اللام إلخ ، إذ المتفرع على الإرجاع علم ذلك لا نفسه (قوله : أو الاستغراق)

٥٥٦

هى لام الحقيقة حمل على ما ذكرنا بحسب المقام ، والقرينة ؛ ولهذا قلنا : إن الضمير فى قوله : وقد يأتى ، وقد يفيد ـ عائد إلى المعرف باللام المشار بها إلى الحقيقة ، ...

______________________________________________________

عطف على العهد والاستغراق بمعنى المستغرق فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، أو أن الاستغراق باق على مصدريته وهو عطف على تعريف (قوله : هى لام الحقيقة) أى : هى من أفراد لام الحقيقة (قوله : حمل) أى : مدخولهما ، وقوله على ما ذكرنا أى من الحقيقة فى ضمن فرد غير معين فى الأول أو فى ضمن جميع الأفراد فى الثانى ، فالحاصل أن لام الحقيقة هى الأصل ، لكن تارة يقصد من مدخولها الحقيقة من حيث هى ، وتارة يقصد منه الحقيقة من حيث تحققها فى بعض الأفراد ، وتارة يقصد منه الحقيقة من حيث تحققها فى جميع الأفراد ، فالمنظور له الحقيقة فى الكل دون بعض الأفراد أو كلها ، وأما لام العهد الخارجى فهى قسم برأسها أصل لكل خارج كما تقدم للمنصف ، واعترض بأن هذا تحكم ، ولم لم تجعل التى للعهد الخارجى من أفراد لام الحقيقة بحيث يقال فيها : إن الإشارة بتلك اللام للحقيقة من حيث تحققها فى فرد معين فى الخارج لتقدمه ذكرا صراحة أو كناية أو لعلم المخاطب به؟ ويمكن الجواب بأنه إنما جعلت قسما لكون التعيين فيها أشد من التعيين فى لام الحقيقة ، وجعل بعضهم كل واحد أصلا مستقلا على حدة ، وبعضهم جعل الكل فرع التى للحقيقة ، وبعضهم جعل لام العهد الخارجى أصلا للكل فما عداها من فروع ، وهذا الخلاف لا طائل تحته ، وذكر الحفيد أنه إن قلنا : إن النكرة موضوعة للفرد المنتشر كانت أل التى للعهد الذهنى هى الأصل ؛ لأنها أبقت مدخولها على حاله ، وإن كانت موضوعة للماهية لا بقيد الاستحضار كانت لام الحقيقة هى الأصل وما عداها من فروعها وذلك أن معنى اللام الإشارة إلى معنى ما دخلت عليه فظهر لك أن جملة الأقوال خمسة.

(قوله : والقرينة) عطف تفسر على ما قبله (قوله : ولهذا) أى : ولأجل كون لام العهد الذهنى ولام الاستغراق من فروع لام الحقيقة (قوله : عائد إلى المعرف باللام إلخ) أى : وليس عائدا على المعرف باللام مطلقا لعدم إفادته أن هذين القسمين من أفراد لام الحقيقة ، ومما يدل على أن الضمير عائد على المعرف بلام الحقيقة كما قال الشارح لا

٥٥٧

ولا بد فى لام الحقيقة من أن يقصد بها الإشارة إلى الماهية باعتبار حضورها فى الذهن ؛ ليتميز عن أسماء الأجناس النكرات ...

______________________________________________________

إلى المعرف بمطلق اللام تغيير المصنف الأسلوب ، حيث قال : وقد يأتى ، وقد يفيد ، ولم يقل أو للإشارة إلى واحد معهود فى الذهن أو للإشارة إلى الاستغراق ـ تأمل.

(قوله : ولا بد إلخ) اعلم أن اسم الجنس المنكر إذا كان مصدرا ، فإنه يدل على الحقيقة قطعا لوضعه لها : كذكرى وبشرى ورجعى ، كما أن اسم الجنس المعرف يدل عليها قطعا من غير نزاع فيهما ، وإن كان اسم الجنس المنكر غير مصدر : كأسد ورجل ففيه نزاع. قيل إنه موضوع للفرد المنتشر ، وقيل موضوع للماهية ، إذا علمت ذلك فيرد سؤال حاصله أن لام الحقيقة الداخلة على اسم الجنس ، إما أن يقصد بها الإشارة إلى الماهية من حيث هى أى : من غير اعتبار تعينها وحضورها فى الذهن ، وإما أن يقصد بها الإشارة إلى الماهية باعتبار تعينها وحضورها فى الذهن ، فإن قلتم بالأول : لزم عدم الفرق بين اسم الجنس المعرف والمنكر المصدر نحو : ذكرى والذكرى ورجعى والرجعى ، فإن كلا منهما موضوع للماهية ، والقول بعدم الفرق بطل لضرورة الفرق بين المعرف والمنكر ، وإن قلتم بالثانى : لزم عدم الفرق بين المعرف بلام الحقيقة ولام العهد الخارجى العلمى ؛ لأن كلا منهما إشارة إلى حاضر معين فى الذهن ، وهذا البحث أورده صاحب المفتاح على هذا المقام ، وأشار الشارح لجوابه بقوله : ولا بد إلخ ، وحاصله أنا نختار الثانى : وهو أن لام الحقيقة الداخلة على اسم الجنس يقصد بها الإشارة إلى الماهية باعتبار حضورها فى الذهن ، ولا نسلم لزوم عدم الفرق بين المعرف بلام الحقيقة والمعرف بلام العهد الخارجى العلمى ؛ وذلك لأن المشار إليه بلام الحقيقة هو الحقيقة الحاضرة فى الذهن ، والمشار إليه بلام العهد المذكور حصة من أفراد الحقيقة معينة فى الذهن ، وفرق بين الحقيقة والحصة منها (قوله : ليتميز) أى : اسم الجنس المعرف المفهوم من المقام فهو بالياء التحتية (قوله عن أسماء الأجناس النكرات) أى : فإن الإشارة بها إلى الماهية لا باعتبار كونها حاضرة فى الذهن ، وإن كانت حاضرة فيه ضرورة أنها موضوع لها ، ولا يضع الواضع لفظا لمعنى إلا إذا كان حاضرا فى ذهنه ، فالحضور جزء

٥٥٨

مثل : الرجعى ، ورجعى ، ...

______________________________________________________

المسمى بالنسبة للام الحقيقة دون أسماء الأجناس النكرات فهو ملاحظ فى الأول على سبيل الجزئية ومصاحب فى الثانى ، وهذا مبنى على المشهور من أن المراد بالذهن ذهن الواضع.

وأما على ما نقله شيخنا العلامة السيد البليدى فى حواشى الأشمونى : من أن المراد بالذهن ذهن المخاطب ، فيكون الحضور فى ذهنه معتبرا فى الأول على سبيل الجزئية ، وأما فى الثانى : فهو غير معتبر ولا مصاحب ، ثم إن المراد بقول الشارح ليتميز عن أسماء الأجناس النكرات أعنى : المصادر لا النكرات غيرها فلا يقال ما هنا مخالف لما مر من أن النكرة موضوعة لبعض غير معين من أفراد الحقيقة ؛ لأن هذا بالنسبة للنكرة التى هى غير مصدر ، والدليل على أن المصادر موضوعة للماهية المطلقة مجرة عن الوحدة أن قولك : ضربت ضربا لا إشعار له بالوحدة ، فإن أردت الوحدة أتيت بالتاء فقلت : ضربة ، أو بالوصف فقلت : ضربا واحدا ، ويدل لذلك أيضا أن المصادر لا تثنى ولا تجمع ، فإن قلت : إذا كان اسم الجنس المعرف يشار به للحقيقة باعتبار الحضور صار بمنزلة علم الجنس ، فإنه أيضا موضوع للماهية بقيد الحضور فكل منهما معتبر فيه الحضور الذهنى جزءا من الموضوع له فما الفرق بينهما؟ قلت الفرق أن الواضع اعتبر فى دلالة اسم الجنس على الحضور والتعين قرينة خارجية زائدة على اللفظ الدال على الجنس وهى أل فكأن الواضع قال : وضعت الرجعى للدلالة على الماهية الحاضرة فى الذهن بشرط اقترانه بأل بخلاف علم الجنس كأسامة ، فإنه لم يعتبر فيه ذلك بل جعله موضوعا للماهية الحاضرة فى الذهن ، ولم يعتبر فى دلالته على التعين والحضور قرينة خارجية ، بل جعله مفيدا لذلك بجوهر اللفظ ، وحاصله أن علم الجنس يدل على التعين والحضور الذى هو جزء المسمى بجوهر اللفظ ، واسم الجنس المعرف يدل على ذلك بالآلة (قوله : النكرات) اعترضه الغنيمى بأنه كيف يوصف الجنس بالنكرة عند من يفرق بينهما ، وأجاب بأن المراد من قوله النكرات التى ليس فيها أل (قوله : مثل الرجعى) مثال للمعرف بلام الحقيقة ، وقوله : ورجعى مثال لأسماء الأجناس النكرات

٥٥٩

وإذا اعتبر الحضور فى الذهن فوجه امتيازه عن تعريف العهد أن لام العهد إشارة إلى حصة معينة من الحقيقة واحدا كان أو اثنين ، أو جماعة ، ولام الحقيقة إشارة إلى نفس الحقيقة من غير نظر إلى الأفراد ؛ فليتأمل.

(وهو) أى : الاستغراق (ضربان : حقيقى) وهو أن يراد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب اللغة (نحو : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ)(١) ...

______________________________________________________

(قوله : وإذا اعتبر الحضور فى الذهن) أى : فى المعرف بلام الحقيقة (قوله : فوجه امتيازه) أى : تعريف لام الحقيقة (قوله : عن تعريف العهد) أى : الخارجى العلمى (قوله : إلى حصة معينة من الحقيقة) أى : فى الذهن ، والخارج معلومة للمخاطب (قوله : ولام الحقيقة) أى : من حيث هى ، فالقصد الفرق بين لام العهد الخارجى العلمى ، والقسم الأول من أقسام لام الحقيقة كما هو مفاد كلام الشارح فى المطول ، لا الفرق بين لام العهد الخارجى بأقسامه ، ولام الحقيقة ، بأقسامها كما قيل.

(قوله : وهو أى الاستغراق) أى : من حيث هو لا فى خصوص المسند إليه ، فلا يرد عليه أن الغيب فى المثال الأول مجرور ، والصاغة مفعول به فى المثال الثانى (قوله : وهو أن يراد إلخ) فيه أن الإرادة فعل المتكلم ، والاستغراق وصف للفظ ، وأجيب بأن الإرادة سبب للاستغراق الذى هو تناول اللفظ لكل فرد ، فهو من إطلاق السبب وإرادة المسبب (قوله : بحسب اللغة) فيه نظر ؛ لأنه يقتضى أنه إذا أريد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب وضع الشرع ، أو بحسب العرف الخاص لا يكون الاستغراق حقيقيا ، وليس كذلك ، بل إذا أريد بالصلاة جميع أفرادها نظرا إلى وضع الشرع ، أو بالفاعل جميع أفراده نظرا إلى وضع النحاة يكون الاستغراق حقيقيا ، فالأولى أن يقول بحسب الوضع بدل قوله بحسب اللغة ، وقد يجاب بأنه إنما اقتصر على اللغة ؛ لأنها الأصل فلا ينافى ما قلناه وليس القصد الاحتراز عما ذكرناه. والحاصل أن ذكر اللغة إنما هو على طريق التمثيل والمراد بحسب اللغة أو الشرع أو الاصطلاح أعم من أن يكون بحسب المعنى الحقيقى أو المجازى. ا ه. عبد الحكيم.

__________________

(١) الأنعام : ٧٣.

٥٦٠