حاشية الدسوقي - ج ١

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٥٤

البلاغة

والإضافة ؛ وهذه القيود لتحقيق مقام العلمية ، وإلا فالقيد الأخير مغن عما سبق ، ...

______________________________________________________

المعرف بلام العهد موضوع لكل فرد وخرج المعرف بلام الحقيقة ، والمعرف بلام العهد الذهنى فإنهما فى حكم النكرة (قوله : والإضافة) أى : العهدية الخارجية نحو : جاء غلامى إذا لم يكن له إلا غلام ؛ لأن المعرف بالإضافة صالح لكل فرد ، واعترض على الشارح بأن المعرف بلام العهد الخارجى ، والمعرف بالإضافة يحتاج إلى العلم بالمعهود ، وكذا الموصول يحتاج للعلم بالصلة ، وحينئذ فالإحضار فى هذه الثلاثة يكون ثانيا لا ابتداء كما زعمه الشارح ، وإذا كان كذلك فتكون هذه الثلاثة خارجة بقوله ابتداء لا بقوله مختص به ، وأجيب بأن المراد الاختصار باللفظ ، والإحضار الأول الذى فى العهد الخارجى والموصول ليس باللفظ ، بل بالعلم بالمعهود وبالصلة ، وحينئذ فالإحضار باللفظ لا يكون إلا أولا وفيه أن المعهود الخارجى قد يكون إحضاره أولا باللفظ بأن يذكر اسم الجنس أولا ، ثم يعرف بلام العهد نحو : جاءنى رجل فأكرمت الرجل ، إلا أن يقال لما لم يكن المعتبر فيه تقدم الإحضار باللفظ ، بل تقدم الإحضار مطلقا ولو بلا لفظ كان جنس المعتبر فيه ليس من شرطه أن يكون باللفظ فحسن أن يقال إحضاره أولا ليس باللفظ بهذا الاعتبار وهذا بخلاف ضمير الغائب ، فإن جنس إحضاره أولا باللفظ ؛ لأنه اعتبر فيه تقدم ذكره غاية الأمر أنه عمم فى الذكر فأريد الذكر مطلقا ولو حكما. ا ه. سم.

(قوله : وهذه القيود) أى : الثلاثة وهى إحضاره بعينه وكونه ابتداء وكونه باسم مختص به وقصد الشارح بهذا دفع ما يقال : إن القيد الأخير يغنى عن القيدين قبله ؛ لأنه متى أحضر باسم مختص به كان ذلك الإحضار له بعينه ابتداء (قوله : لتحقيق) أى : إيضاح مقام العلمية والمراد بمقامها الأمر الذى يقتضى إيراد المسند إليه عاما كإحضاره فى ذهن السامع ابتداء ، وقوله لتحقيق مقام إلخ أى : لا للاحتراز أى : إن المقصود منها إيضاح المقام لا للاحتراز فلا ينافى أن الاحتراز حاصل ، لكن ليس مقصودا (قوله : وإلا فالقيد إلخ) أى : وإلا نقل إنها لتحقيق مقام العلمية ، بل قلنا إنها للإخراج فلا يصح ؛ لأن القيد الأخير يغنى عن القيدين السابقين قبله فى الإخراج ، فما خرج بهما يخرج به ؛ لأن

٥٠١

وقيل : احترز بقوله : ابتداء عن الإحضار بشرط كما فى الضمير الغائب ، والمعرف بلام العهد فإنه يشترط تقدم ذكره ، والموصول فإنه يشترط تقدم العلم بالصلة ؛ وفيه نظر ؛ لأن جميع طرق التعريف كذلك ، حتى العلم فإنه مشروط بتقدم العلم بالوضع (نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(١)) فالله أصله : الإله ؛ ...

______________________________________________________

إحضار الشىء باسمه المختص به إحضار له بعينه أول مرة فلا يكون إلا عاما ، فإن قلت : لا نسلم أنه يغنى عنهما فى الإخراج ، ألا ترى أن الرحمن مختص به سبحانه وتعالى ، ولا يفيد إحضار الذات العلية ابتداء قلت : هذا الاختصاص عارض لا بحسب الوضع ؛ لأنه ليس بعلم ، بل صفة (قوله : وقيل احترز إلخ) هذا مقابل لقوله أى : أول مرة فى تفسير قول المصنف ابتداء ، وليس جوابا عن قوله ، وإلا فالقيد الأخير مغن عما سبق ، وحينئذ فكان المناسب فى المقابلة أن يقول وقيل معنى قوله ابتداء ، أى : بلا شرط وهو احتراز عن الإحضار إلخ.

(قوله : كما فى الضمير الغائب إلخ) أى : وكاسم الإشارة ، فإنه يشترط الإشارة الحسية معه ، والمعرف بالإضافة العهدية فإنه يشترط تقدم العهد فتأمل (قوله : لأن جميع طرق التعريف كذلك) أى : مشروطة بتقدم شىء (قوله : حتى العلم) أى : فلو كان ما قاله هذا القائل مراد المصنف لخرج العلم أيضا مع أنه المقصود ، وهذا الرد ظاهر إن أريد بالشرط أى : شرط كان ليشمل العلم بالوضع ، فلو أريد ما عدا العلم بالوضع بأن يكون معنى قوله ابتداء أى : من غير توقف بعد العلم بالوضع على شىء آخر كان الرد على هذا القائل أن يقال : هذا بعينه معنى قوله باسم مختص به فيلزم استدراك قوله باسم مختص به ؛ لأنه ما خرج به من بقية المعارف خرج بقوله ابتداء على أن معناه ما ذكر ، ولصاحب هذا القيل أن يجيب بنظير قول الشارح وهذه القيود إلخ : بأن يقول : إن القيد المذكور وهو قوله باسم مختص به ذكر لتحقيق مقام العلمية لا للاحتراز ، وإلا فما قبله يغنى عنه.

(قوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)) يحتمل أن يكون هو مبتدأ والله خبرا أوّل (٢) وأحد خبرا ثانيا أو بدلا من الله ، بناء على حسن إبدال النكرة الغير الموصوفة من المعرفة إذا

__________________

(١) الإخلاص : ١.

(٢) في المطبوعة : أولا.

٥٠٢

حذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف ...

______________________________________________________

استفيد منها ما لم يستفد من المبدل منه ـ كما ذكره الرضى ، ويحتمل أن يكون هو ضمير الشأن مبتدأ أول والله مبتدأ ثانيا والجملة خبره ، وتعتبر الأحدية بحسب الوصف بمعنى أنه أحد فى وصفه كالوجوب واستحقاق العبادة أو بحسب الذات أى : أنه لا تركيب فيه أصلا وعلى الوجهين تظهر فائدة حمل الأحد عليه تعالى ، ولا يكون مثل : زيد أحد ، والشاهد إنما هو على الإعراب الثانى فى إيراد المسند إليه علما لأجل إحضاره فى ذهن السامع ابتداء بجميع شخصياته التى قام عليها الدليل : كالقدرة ونحوها باسم خاص به تعالى ، ووجه كونه علما أنه وضع من أول الأمر للذات كما عليه أئمة الدين ، وأما على الإعراب الأول فلا شاهد فيه ؛ لأن لفظ الجلالة لم يقع مسندا إليه ، بل مسندا (قوله : حذفت الهمزة) (١) أى : تخفيفا ، لكن إن كان الحذف بعد إلقاء حركتها على اللام كان الحذف قياسيا ؛ لأنها قبل ذلك متعاصية بالحركة ويكون الإدغام غير قياسى لتحرك أول المثلين مع وجود حاجز بينهما وهو الهمزة ؛ لأن المحذوف قياسا فى قوة المذكور ، وإن كان حذفها مع حركتها كان الحذف غير قياسى ويكون الإدغام حينئذ قياسا لسكون أول المثلين ، وعدم الحاجز بينهما أصلا (قوله : وعوض عنها حرف التعريف) فيه نظر من وجهين.

الأول : أن معنى التعويض الإتيان بالشىء عوضا ، فيقتضى أنه غير موجود فى الكلمة ، وإلا لزم تحصيل الحاصل مع أن حرف التعريف موجود قبل التعويض.

الثاني : أنه يلزم الجمع بين العوض والمعوض قبل حذف الهمزة فى قولنا : الإله ، واللازم باطل فيهما ، والجواب : أن المراد بالتعويض فى قوله وعوض عنها إلخ : قصد

__________________

(١) والله : أصله إلاه على فعال بمعنى مفعول ؛ لأنه مألوه لأنه مؤتم به ، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته فى الكلام. ولو كانت عوضا منها لما اجتمعتا مع المعوض منه فى قولهم الإله. وقال ابن القيم : واسم (الله) دال على كونه مألوها معبودا تؤلهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه فى الحوائج والنوائب وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته المتضمنة لكمال الملك والحمد. انظر : لسان العرب (١ / ١١٥) مادة (أله) ، ومدارج السالكين لابن القيم (١ / ٣٢).

٥٠٣

ثم جعل علما ...

______________________________________________________

العوضية أى : ثم بعد حذف الهمزة قصد واعتبر جعل حرف التعريف عوضا عنها أى : ثم أدغم ثم فخم وعظم ، ثم جعل علما ففى الكلام حذف.

ثم اعلم أن هذا الترتيب إنما هو بالنظر للاعتبار لا باعتبار الحقيقة والوجود الخارجى ، وبعضهم أجاب بجواب آخر وهو : أن أل فى قوله أصله إلاله من الحكاية لا من المحكى ، فمراده أن أصله إله منكر وإنما أدخل حرف التعريف فى خبر المبتدأ لإفادة الحصر كما في : زيد الأمير ردا على من يقول : أصله لاه (قوله : ثم جعل علما) أى : شخصيا ثم لا يخلو إما أن يريد أنه علم بالوضع ، أو بالغلبة التحقيقية ، أو التقديرية ، فإن أراد الأول صح على القول بأن الواضع هو الله ، وأشكل على القول بأن الواضع البشر ؛ لأن الوضع يستلزم العلم بالموضوع له وذاته تعالى غير معلومة بالكنه لغيره ، وأجيب بأن الوضع إنما يتوقف على العلم بالموضوع له ولو من بعض الوجوه ، وذلك حاصل هنا ولا يتوقف على العلم بالكنه والحقيقة ، وإن أراد أنه علم بالغلبة التحقيقية أشكل من جهة أن العلم بالغلبة التحقيقية لا بد أن يسبق له استعمال فى غير ما غلب عليه ولفظ الجلالة لم يستعمل فى غيره تعالى فلا يصح فيه دعوى غلبة الاستعمال ، وأجيب بأن الحكم عليه بالغلبة بالنظر لأصله وهو إله ، والشىء مع أصله بمنزلة لفظ واحد يصح أن يحكم على أحدهما بحكم الآخر وإله فى الأصل اسم لكل معبود ثم غلب منكرا ، أو بعد إدخال أل عليه على الخلاف فى ذلك على الذات العلية ، وإن أراد أنه علم بالغلبة التقديرية فلا إشكال والحاصل أنه اختلف فى لفظ الجلالة ، فقيل : علم بالوضع ، وقيل : بالغلبة التحقيقية ، وقيل : بالغلبة التقديرية ، والأول مشكل على القول بأن الواضع البشر ، وتقدم الجواب عنه ، والثانى مشكل أيضا ، وتقدم الجواب عنه ، والثالث : ظاهر لا غبار عليه ، ثم إن ما ذكره الشارح من أن أصله كذا وتصرف فيه بما ذكر ، ثم جعل علما إلخ ـ خلاف ما عليه الأئمة الأربعة من أن لفظ الله وضع للذات العلية من أول الأمر من غير سبق تصرف فيه ، ومن غير اشتقاق له من شىء كما نقل عن سيبويه.

٥٠٤

للذات الواجب الوجود الخالق للعالم ، وزعم بعضهم أنه اسم لمفهوم الواجب لذاته أو المستحق للعبودية له ؛ وكل منهما كلى انحصر فى فرد فلا يكون علما ؛ لأن مفهوم العلم جزئى ؛ وفيه نظر ؛ لأنا لا نسلم أنه اسم لهذا المفهوم الكلى ، كيف وقد أجمعوا على أن قولنا : لا إله إلا الله ـ كلمة توحيد ، ولو كان الله اسما لمفهوم كلى لما أفادت التوحيد ؛ لأن الكلى من حيث هو كلى يحتمل الكثرة.

______________________________________________________

(قوله : للذات) أى : المعلومة لكل أحد المعينة بكونها واجبة الوجود إلخ ، فقوله الواجب إلخ : بيان للذات المسماة ، وليس معتبرا فى المسمى وإلا كان المسمى مجموع الذات والصفة ، وأنه ليس كذلك ؛ لأنه يقتضى أن يكون لفظ الجلالة كليا وسيأتى رده ، بل المسمى الذات وحدها قاله سم.

إن قلت : هذا يعارض ما مر من أن العلم ما وضع للشىء مع جميع مشخصاته. قلت : قد سبق أن المراد بالمشخصات ما كان لازما للذات من حيث هى ذات المقتضى لجزئيتها وتعينها بقطع النظر عن كونها قديمة أو حادثة ، وحينئذ فلفظ الجلالة اسم للذات وما كان لازما لها من حيث إنها ذات كالوجود ، وأما وجوب الوجود والخلق للعالم وغير ذلك من الصفات فأمور زائدة على الذات غير لازمة لها من حيث إنها ذات ، وحينئذ فلا تكون من جملة الموضوع له (قوله : الواجب الوجود) أى : التى وجودها واجب لا يقبل الانتفاء لا أزلا ولا أبدا.

(قوله : وزعم بعضهم) هو الشارح الخلخالى (قوله : اسم) أى : وليس بعلم ؛ لأن مفهوم العلم جزئى وهذا مفهومه كلى كما قال. (قوله : لمفهوم الواجب لذاته) الإضافة بيانية ، والواجب لذاته هو الذى لا يحتاج لغيره فى وجوده. وقوله : للعبودية له أى : لكون الغير يعبده (قوله : وكل منهما) أى : من هذين الأمرين اللذين وضع لهما اللفظ كلى (قوله : فلا يكون) أى : لفظ الجلالة علما أى بالوضع فلا ينافى أنه على هذا القول قد يجعل علما بالغلبة (قوله : أنه) أى : لفظ الجلالة (قوله : كيف) أى : كيف يكون اسما للمفهوم الكلى ، والحال أنهم قد أجمعوا إلخ أى أنه لا يصح ذلك فهو استفهام تعجبى بمعنى النفى (قوله : كلمة توحيد) أى : كلمة تفيد التوحيد وتدل عليه (قوله : لما أفادت التوحيد) أى : لكن التالى وهو عدم إفادتها للتوحيد باطل فبطل المقدم

٥٠٥

(أو تعظيم أو إهانة) كما فى الألقاب ...

______________________________________________________

وهو كون لفظ الجلالة اسما للمفهوم الكلى ، وقوله لأن الكلى إلخ هذا دليل للشرطية ، وقوله من حيث هو كلى أى : لا من حيث انحصاره فى الخارج فى جزئى معين ، وقوله يحتمل الكثرة أى وهى تنافى التوحيد ، والمراد باحتماله الكثرة قبوله لها فى الخارج وليس المراد به ما قابل الجزم ، فاندفع ما يقال كان الأولى أن يقول يفيد الكثرة ؛ لأن الكلى من حيث هو كلى يفيد الكثرة قطعا لا احتمالا ، ثم إن قوله : لو كان لفظ الجلالة اسما للمفهوم الكلى لما أفاد التوحيد ـ فيه نظر ؛ لأنه على تقدير وضعه للمفهوم الكلى يفيد التوحيد بواسطة القرينة المعينة الدالة على انحصار ذلك المفهوم فى الفرد المخصوص ، وحينئذ فالملازمة ممنوعة.

وأجيب بأن المراد لما أفاد التوحيد بذاته أى : باعتبار معناه لغة بدون القرينة المعينة واللازم باطل ؛ لأنه يفيد التوحيد بذاته بدليل أن أهل اللغة يفرقون بين : " لا إله إلا الله" ، " ولا إله إلا الرحمن" ـ من حيث إفادة التوحيد ، فيجعلون الأول مفيدا للتوحيد دون الثاني ، فدل ذلك الفرق على أن الأول يفيد التوحيد بذاته ، وإلا فالقرائن توجد مع كل منهما ، وبهذا يتبين لك فساد ما قيل إن إفادة" لا إله إلا الله" التوحيد إنما هى بحسب الشرع ـ لا بحسب اللغة.

(قوله : أو تعظيم أو إهانة) لم يقل تعظيمه أو إهانته ؛ لأنه قد يقصد بإيراده علما تعظيم غير المسند إليه ، أو إهانته ك : أبو الفضل صديقك ، وأبو جهل رفيقك ، فإن فى إيراده علما تعظيم المضاف للمسند فى الأول ، وإهانة المضاف للمسند فى الثانى (قوله : كما فى الألقاب) أى : كالتعظيم والإهانة التى فى الألقاب أى : وكالأسماء الصالحة لذلك كما في : على ومعاوية إذا اعتبرناهما اسمين ، وكما فى الكنى الصالحة لذلك أيضا نحو : أبو الخير وأبو الشر ، وإنما نص على الألقاب ؛ لأنها الواضحة فى ذلك ؛ لأن الغرض من وضعها الإشعار بالمدح أو الذم ، وقد يتضمنهما الأسماء وإن لم يقصد بالوضع إلا تميز الذات لكونها منقولة عن معان شريفة أو خسيسة : كمحمد وكلب ، أو

٥٠٦

الصالحة لذلك ، مثل : ركب علىّ ، وهرب معاوية.

(أو كناية) عن معنى يصلح العلم له ، نحو : أبو لهب فعل كذا كناية عن كونه جهنميا ؛ ...

______________________________________________________

لاشتهار مسماها بصفة محمودة أو مذمومة : كحاتم ومادر ، وبعد الألقاب فى ذلك الكنى : كأبى الفضل ، وأبى الجهل.

(قوله : الصالحة لذلك) أى : للتعظيم أو الإهانة أى المشعرة بذلك من حيث إنها موضوعة لذلك المعنى فى الأصل وهذا وصف كاشف للتوضيح لا للاحتراز عن غير الصالحة لعدم وجودها ؛ لأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم فلا يكون إلا صالحا للتعظيم أو الإهانة (قوله : مثل ركب علىّ إلخ) أى : فالإتيان بالمسند إليه علما لأجل الدلالة على تعظيم مسماه ، فالتعظيم مأخوذ من لفظ على لأخذه من العلو والإهانة مأخوذة من لفظ معاوية ؛ لأنه مأخوذ من العو وهو صريخ الذئب فذكر الركوب والانهزام ليس لتوقف الإشعار عليه وإلا لم يكن العلم مفيدا للتعظيم أو الإهانة ، بل الإفادة من غيره ، ثم إن التمثيل بعلى ومعاوية على اعتبار أنهما لقبان فإنهما كما يصح اعتبارهما اسمين يصح اعتبارهما لقبين.

(قوله : أو كناية) أى : إنه يؤتى بالمسند إليه علما لأجل كونه كناية عن معنى يصلح العلم له أى : لذلك المعنى بحسب معناه الأصلى قبل العلمية (قوله : نحو أبو لهب فعل كذا كناية إلخ) أى : فقولك أبو لهب فعل كذا فى معنى قولك جهنمى فعل كذا ، وتوجيه الكناية فى ذلك المثال : أن أبا لهب بحسب الأصل مركب إضافى فى معناه ملابس اللهب أى : النار ملابسة شديدة ، كما أن معنى أبو الخير ، وأبو الشر ، وأبو الفضل ، وأخو الحرب ـ ملابس ذلك ومن لوازم كون الشخص ملابسا للهب كونه جهنميا أى : من أهل جهنم ، فإن اللهب الحقيقى لهب نار جهنم ، فأطلق أبو لهب وأريد لازمه وهو كونه جهنميا ، فإذا قلت فى شأن كافر مسمى : بأبى لهب ، أبو لهب فعل كذا مريدا بذلك جهنميا فعل كذا ـ كان كناية من إطلاق اسم الملزوم وهو الذات الملازمة للهب ، وإرادة اللازم وهو الجهنمى والحاصل أنك إذا قلت فى شأن كافر اسمه أبو لهب ـ

٥٠٧

بالنظر إلى الوضع الأول ؛ أعنى الإضافى ؛ لأن معناه ملازم النار وملابسها ، ويلزمه أنه جهنمى فيكون انتقالا من الملزوم إلى اللازم باعتبار الوضع الأول ؛ وهذا القدر كاف فى الكناية ، ...

______________________________________________________

أبو لهب فعل كذا ـ فالنكتة فى إيراد المسند إليه علما الكناية عن كونه جهنميا ، ووجه الكناية أن معنى أبو لهب بالنظر للوضع الأول ذات ملازمة للنار ، ويلزم من ملازمته للنار كونه جهنميا ، فقد أطلقت اسم الملزوم وهو أبو لهب وأردت اللازم وهو كونه جهنميا فإفادة عذابه بالنار وغيرهما مما فى جهنم (قوله : بالنظر إلخ) أى : والكناية فى هذا العلم إنما تكون بالنظر إلى الوضع الأول أى : بالنظر إلى معناه بحسب الوضع الأول وهو الإضافى ، لا بالنظر إلى معناه بحسب الوضع الثانى وهو العلمى.

(قوله : أعنى الإضافى) عبر بأعنى إشارة لدفع ما يتوهم من أن المراد بالوضع الأول الوضع العلمى فى قولهم : ما وضع أولا هو العلم ، وما وضع ثانيا ، إن أشعر بمدح أو ذم فلقب ، وإن صدر بأب أو أم فكنية (قوله : لأن معناه) أى : لفظ أبو لهب بالنظر للوضع الأول (قوله : ملازم النار) أى : الكاملة وهى جهنم ؛ لأن الشىء إذا أطلق ينصرف للفرد الكامل منه ، فاندفع ما يقال : إن الفران ملابس للنار مع أنه ليس جهنميا ، والأولى كما قال العصام أن يقال : إن معناه بالوضع الأول من تتولد منه النار ؛ لأنه وقود لها ، إذ لا شك فى لزوم كونه جهنميا لذلك المعنى بخلاف ما قال الشارح فإنه يحتاج إلى ادعاء أن المراد باللهب الحقيقى أعنى نار جهنم لأجل أن يستلزم الكون جهنميا (قوله : ويلزمه) أى : يلزم الشخص الملابس للنار الكاملة أنه جهنمى أى : لزوما عرفيا ؛ لأنه يكفى عند علماء المعانى لأنهم يكتفون بالملازمة فى الجملة وهو أن يكون أحد الأمرين بحيث يصلح للانتقال منه للآخر ، وإن لم يكن هناك لزوم عقلى ، واندفع ما يقال لا نسلم أنه يلزم من ملابسة الشخص للنار الحقيقية أن يكون جهنميا لم لا يجوز أن يكون ملابسا لها وهو غير جهنمى ـ ألا ترى للملائكة الزبانية فإنهم ملازمون لها ومع ذلك هم غير جهنمية.

(قوله : فيكون) أى الانتقال إلى كونه جهنميا انتقالا من الملزوم أعنى الذات الملازمة للنار الحقيقية ، وقوله إلى اللازم أعنى : كونه جهنميا (قوله : وهذا القدر) أى :

٥٠٨

وقيل فى هذا المقام : إن الكناية ...

______________________________________________________

الانتقال من المعنى الموضوع له أولا ، وإن لم يكن هو المستعمل فيه اللفظ إلى لازمه كاف فى الكناية ولا تتوقف على إرادة لازم ما استعمل فيه اللفظ وهو الذات المعينة ، وهذا جواب عما يقال إن الكناية يجب فيها أن يكون المراد من اللفظ لازم معناه كما فى كثير الرماد ، فإنه استعمل فى كثرة الرماد مرادا منه لازم معناه وهو الكرم وهنا ليس كذلك ؛ لأن المعنى الذى استعمل فيه اللفظ الذات والكون جهنميا ليس من لوازمها ، وحاصل الجواب أن قولهم يجب فى الكناية أن يكون اللفظ مستعملا فى لازم معناه يعنى إذا كانت الكناية باعتبار المسمى بهذا الاسم ، وأما إذا كانت الكناية باعتبار المعنى الأصلى ، كما هنا ، فلا يجب فيها أن يكون المراد من اللفظ لازم معناه المستعمل فيه ، بل يكفى فيها الانتقال من المعنى الأصلى الموضوع له أولا ، وإن لم يكن اللفظ مستعملا فيه إلى لازمه ، وبهذا الجواب سقط قول الشيخ يس.

بقى شىء وهو أن الكناية الانتقال من المعنى المستعمل فيه اللفظ للازمه بواسطة أو بوسائط ، فإن كان المعنى الإضافى لازما للمعنى العلمى فلا تكلف فى معنى الكناية حتى يقال وهذا القدر كاف ، وإن لم يكن لازما ولا انتقال فلا كناية أصلا ، والظاهر أنه غير لازم ، فإن الملابس للنار ليس لازما للشخص المعين من حيث هو شخص معين الذى هو مدلول العلم إلا أن يقال : إنه يفهم عند استعمال اللفظ فى المعنى العلمى المعنى الإضافى ؛ لأنه يلتفت إلى المعانى الأصلية عند الاستعمال فى المعانى الحالية ، ثم ينتقل عن المعنى الإضافى إلى لازمه ، وهذا القدر كاف (قوله : وقيل إلخ) حاصله أن الكناية على هذا القول فى قولك : أبو لهب فعل كذا بالنظر للوضع الثانوى وهو المعنى العلمى أن الكناية فيه مثل الكناية فى جاء حاتم ، وبيان ذلك أن حاتما موضوع للذات المعينة الموصوفة بالكرم ويلزمها كونها جوادا ، فإذا قلت فى شأن شخص كريم غير الشخص المسمى بحاتم : جاء حاتم ، وأردت جاء جواد فقد استعملت اللفظ فى نفس لازم المعنى العلمى وهو جواد ، وكذا أبو لهب معناه العلمى الذات المعينة الكافرة ، ويلزمها أن تكون جهنمية ، فإذا قلت فى شأن كافر غير أبى لهب جاء أبو لهب وأردت

٥٠٩

كما يقال : جاء حاتم ؛ ويراد به لازمه ؛ أى : جواد ، لا الشخص المسمى بحاتم ، ويقال : رأيت أبا لهب ؛ أى : جهنميا ؛ وفيه نظر ؛ لأنه حينئذ يكون استعارة ، ...

______________________________________________________

جاء جهنمى فقد استعملت اللفظ فى نفس اللازم للمعنى العلمى ، وأما على القول الأول فالعلم مستعمل فى معناه الأصلى لينتقل منه إلى لازمه ، والحاصل أنه على الأول اللفظ مستعمل فى معناه الأصلى لينتقل منه للازم معناه ، وأما على القول الثانى فاللفظ لم يستعمل فى المعنى الأصلى ولا فى المعنى الثانوى وهو الذات المعينة أصلا ، وإنما استعمل فى لازمها ابتداء فحاتم مستعمل ابتداء فى الجواد اللازم للذات المخصوصة المسماة بحاتم لا فى الشخص المعروف وهو الطائى لينتقل منه إلى كونه جوادا ، وكذا أبو لهب استعمل ابتداء فى الجهنمى اللازم للذات المخصوصة المسماة بأبى لهب ، ولم يستعمل فى الشخص المعروف ، وهو عبد العزى لينتقل منه إلى كونه جهنميا (قوله : كما يقال إلخ) أى : مثل الكناية فى القول الذى يقال لأى كريم غير حاتم الطائى : جاء حاتم (قوله : ويراد به لازمه) أى لازم معناه بأن يستعمل اللفظ ابتداء فى ذلك اللازم الذى اشتهر اتصاف معناه به (قوله : لا الشخص) أى ولا يراد به الشخص المعين المسمى بحاتم وهو الطائى لينتقل منه إلى لازمه أعنى كونه جوادا (قوله : ويقال) عطف على قوله يقال سابقا.

(قوله : أى جهنميا) أى : لا الشخص المسمى بأبى لهب ففى كلامه اكتفاء ، وحاصله أن يطلق أبو لهب مرادا به جهنمى على أى كافر كان غير مسمى بأبى لهب بأن كان اسمه زيدا مثلا لا مرادا به الشخص المسمى بأبى لهب لينتقل منه إلى لازمه (قوله : وفيه نظر) قد رد الشارح هذا القول بثلاثة أمور ذكر الأول بقوله ؛ لأنه إلخ ، والثانى بقوله ولو كان إلخ ، والثالث بقوله ومما يدل إلخ (قوله : لأنه حينئذ يكون استعارة) أى : لأنه قد استعمل لفظ حاتم فى غير ما وضع له وهو رجل آخر جواد لعلاقة المشابهة فى الجود ، وكذا أبو لهب مستعمل فى غير ما وضع له وهو رجل آخر جهنمى لعلاقة المشابهة فى الكفر والجهنمية ، والقرينة هنا مانعة من إرادة المعنى الأصلى لاستحالة أن يكون حاتم الطائى أو عبد العزى جاءك للعلم بموتهما وذلك معنى الاستعارة ،

٥١٠

لا كناية على ما سيجىء ، ولو كان المراد ما ذكره لكان قولنا : فعل هذا الرجل كذا ، مشيرا إلى كافر ، وقولنا : أبو جهل فعل كذا ، كناية عن الجهنمى ، ...

______________________________________________________

ثم لا ينبغى أن يكون المراد على هذا القبيل أن لفظ حاتم مستعمل فى الشخص المسمى بحاتم لينتقل منه إلى لازمه وهو الجواد ؛ لأنه خلاف المتبادر من قول الشارح ، ويراد به لازمه أى جواد لا الشخص المسمى بحاتم ومن قوله الآتى ، ولا شك أن المراد به الشخص المسمى بأبى لهب لا كافر آخر ؛ ولأن هذا معنى الكناية على مذهب المصنف فلا يصح قوله : لأنه حينئذ استعارة لا كناية ، وكذا لا ينبغى أن يكون المراد على هذا القيل أن حاتما استعمل فى الجواد لينتقل إلى ملزومه وهو الشخص المعلوم ، وأن أبا لهب استعمل فى الجهنمى لينتقل إلى ملزومه وهو الكافر المعلوم ؛ لأنه خلاف كلام الشارح ؛ ولأن هذا معنى الكناية على مذهب السكاكى فلا يصح قول الشارح : إنه حينئذ يكون استعارة لا كناية ـ فليتأمل.

كذا ينبغى تقرير هذا المقام خلافا لما فى حواشى سم. ا ه. يس.

(قوله : يكون استعارة) أى : إن اعتبر أن العلاقة المشابهة ، وإن اعتبر أن العلاقة غيرها : كالإطلاق والتقييد كان مجازا مرسلا ، وذلك أنه يصح أن يكون من قبيل إطلاق اسم المقيد وهو : أبو لهب ، فإنه اسم للكافر المخصوص الذى نزلت فيه الآية على المطلق وهو مطلق الكافر ، ثم أريد به الكافر المخصوص المسمى بزيد مثلا فيكون مجازا مرسلا بمرتبتين علاقته الإطلاق والتقييد كإطلاق المشفر الذى هو اسم لشفة البعير على مطلق الشفة ، ثم أريد منها شفة الإنسان (قوله : على ما سيجىء) أى : فى مبحث الكناية من أن : الكناية استعمال اللفظ فى معناه ابتداء لينتقل منه للازمه على مذهب المصنف ، وعلى مذهب السكاكى استعمال اللفظ فى لازم معناه ابتداء لينتقل منه إلى الملزوم وهو معنى اللفظ الموضوع له ، وهنا قد استعمل اللفظ ابتداء فى اللازم لينتقل منه إلى غير ما وضع له اللفظ على ما مر (قوله : ولو كان المراد ما ذكره) أى : لو كان المراد فى تقرير الكناية ما ذكره هذا القائل من أن اللفظ مستعمل فى لازم الذات للزم عليه أنك إذا أشرت لكافر ، وقلت فعل كذا هذا الرجل ، والقصد أن الفعل صدر من

٥١١

ولم يقل به أحد ، ومما يدل على فساد ذلك أنه مثل صاحب المفتاح ، وغيره فى هذه الكناية بقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)(١) ، ...

______________________________________________________

غير هذا الرجل المشار إليه ، أو قلت فى شأن كافر لا يسمى بأبى جهل أبو جهل فعل كذا يكون كناية عن الجهنمى ؛ لأنك أطلقت اسم الملزوم وهو أبو جهل ، والإشارة للكافر وأردت اللازم وهو الجهنمى ، وجعل هذا من الكناية لم يقل به أحد ووجه الاستلزام أن هذا القائل جعل منشأ الانتقال للجهنمى كون الذات الكافرة مستلزمة له ، وهذا الإلزام لا يتوجه على القول الأول من أن اللفظ مستعمل فى معناه الأصلى وهو الإضافى لينتقل منه إلى لازمه الذى هو الجهنمى ؛ لأن المعنى الإضافى فى أبى جهل ليس من لوازمه الجهنمى (قوله : ولم يقل به أحد) أى : لم يقل بأنه كناية أحد ، وقد يجاب بأنه لا يلزم من فهم الجهنمى من أبى لهب فهمه من أبى جهل ، ولا من قولك هذا لعدم اشتهار المعنى الذى وضع له اللفظ بذلك اللازم وهو الجهنمى.

والحاصل أن المعنى الذى وضع له اللفظ تارة يشتهر بصفة ، وتارة لا يشتهر بها ، وإن كانت تلك الصفة ثابتة له ، فإن كان مشتهرا كما فى أبى لهب فإنه اشتهر بأنه جهنمى فيصح استعمال اللفظ فى تلك الصفة اللازمة على طريق الاستعارة أو الكناية ، وإن كان غير مشتهر : كزيد وعمرو الكافرين لم يقل أحد لصحة استعمال اللفظ فى ذلك الوصف كناية أو استعارة فأبو لهب اشتهر بأنه جهنمى دون أبى جهل فقياس هذا على هذا قياس مع الفارق (قوله : فى هذه الكناية) أى : لهذه الكناية ففى بمعنى اللام (قوله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)) إن قلت الكلام فى العلم المسند إليه وأبو لهب فى الآية مضاف إليه لا مسند إليه ، فكيف يمثل صاحب المفتاح بهذه الآية؟ أجيب بأن اليد فى الآية مقحمة ؛ لأن غالب الأعمال بها ، فإذا هلكت فقد هلك صاحبها ، وحينئذ فأبو لهب مسند إليه فى الحقيقة ، وقيل : إنها غير زائدة لما روى أن سبب النزول أنه أخذ حجرا بيده فرمى به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليه فيكون ذكره الآية فى باب المسند إليه تتميما للفائدة كما هو دأب السكاكى.

__________________

(١) المسد : ١.

٥١٢

ولا شك أن المراد به الشخص المسمى بأبى لهب ، لا كافر آخر.

(أو إيهام استلذاذه) أى : وجدان العلم لذيذا ، نحو قوله :

بالله يا ظبيات القاع قلن لنا

ليلاى منكنّ أم ليلى من البشر (١)

(أو التبرك به) ...

______________________________________________________

(قوله : ولا شك أن المراد إلخ) أى : وحيث كان المراد الشخص المسمى بأبى لهب لا كافرا آخر لم يكن كناية عن الجهنمى إلا على القول الأول ، إذ على القول الثانى لا يكون أبو لهب كناية عن الجهنمى إلا إذا كان المراد شخصا غير المسمى بأبى لهب كما مر (قوله : أو إيهام استلذاذه) أى : استلذاذ المتكلم بالمسند إليه أن يوهم المتكلم المخاطب أنه وجد المسند إليه لذيذا ، وفى ذكر الإيهام نظر ؛ لأن اللفظ الدال على المحبوب للنفس لذيذ عندها فالاستلذاذ حاصل تحقيقا لا على سبيل الإيهام ، فالأولى أن يقول أو الإعلام بالاستلذاذ به ، وأجيب بأمرين الأول أن المراد اللذة الحسية باعتبار الدلالة على المعنى ، ولا شك أنها متوهمة لا محققة ، الثانى أن المراد اللذة بذكر العلم من غير اعتبار الدلالة على المعنى ، ولا شك أن حصول اللذة المعنوية بذكر العلم من غير اعتبار الدلالة على المعنى أمر متوهم.

هذا كله إن فسرنا الإيهام بالتوهم ، أما لو أريد به الإيقاع فى وهم السامع أى : ذهنه ولو على سبيل التحقق فلا اعتراض أصلا (قوله : ليلاى إلخ) أضاف ليلى إلى نفسه حين كونها من الظبيات ولم يضفها إلى نفسه حين كونها من البشر لكمال حسده وغيرته ـ ذكره شيخنا الحفنى ، والشاهد فى قوله : أم ليلى ، إذ مقتضى الظاهر أن يقول : أم هى لتقدم المرجع ، لكنه أورد المسند إليه علما لإيهام استلذاذه.

(قوله : أو التبرك) يصح أن يراد التبرك به باعتبار دلالة العلم على المعنى ، وأن يراد التبرك به بمجرد ذكر العلم من غير اعتبارات تلك الدلالة فعلى التوجيه الأول يتعين عطفه على الإيهام ؛ لأن التبرك حاصل تحقيقا ، لا أنه متوهم وعلى الثانى يكون معطوفا على الاستلذاذ ؛ لأن التبرك حينئذ متوهم لا محقق.

__________________

(١) نسب لقيس بن الملوح فى كتاب التبيان للطيى تحقيق د / عبد الحميد هنداوى ص ١٤٨ ج ١ ، معاهد التنصيص ٣ / ١٦٧ ، ونسب للعرجى فى ذيل ديوانه ص ١٨٢ ، شرح المرشدى على عقود الجمان ص ١ / ٥٧.

٥١٣

نحو : الله الهادى ومحمد الشفيع.

(أو نحو ذلك) كالتفاؤل ، والتطير ، والتسجيل على السامع ، وغيره مما يناسب اعتباره فى الأعلام.

(وبالموصولية) أى : تعريف المسند إليه بإيراده اسم موصول (لعدم علم المخاطب بالأحوال المختصة به سوى الصلة كقولك : ...

______________________________________________________

(قوله : نحو : الله الهادى) أى : عند ذكر الله تعالى ، وقوله : ومحمد الشفيع أى : عند ذكر المصطفى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قوله : كالتفاؤل) هو بالهمزة ، وذلك نحو : سعد فى دارك (قوله : والتطير) أى : التشاؤم كالسفاح فى دار صديقك (قوله : والتسجيل) أى : ضبط الحكم وكتابته عليه ، كما لو قال الحاكم لعمرو : وهل أقر زيد بكذا؟ فيقول عمرو : زيد أقر بكذا ، فلم يقل هو أقر بكذا لأجل تسجيل الحكم عليه وضبطه بحيث لا يقدر على إنكار الشهادة عليه بعد (قوله : وغيره مما يناسب اعتباره إلخ) كالتنبيه على غباوة السامع كما لو قال لك عمرو : هل زيد فعل كذا؟ فتقول له : زيد فعل كذا بإيراد المسند إليه علما مع كون المحل للضمير للتنبيه على بلادة المخاطب وأنه لا يفهم إلا باسم المظهر ولا يفهم مع اختصار الكلام ، وكالحث على الترحم نحو : أبو الفقر يسألك.

[تعريفه بالموصولية] :

(قوله : لعدم علم المخاطب) أى : فقط بدليل قول الشارح بعد ولم يتعرض المصنف لما لا يكون للمتكلم (قوله : بالأحوال المختصة به) الأولى أن يقول بالأمور المختصة به ليشمل عدم العلم بالاسم ، ثم إن المراد باختصاصها به عدم عمومها لغالب الناس لا عدم وجودها فى غيره (قوله : سوى الصلة) فيه أن عدم العلم بسوى الصلة لا يستدعى إتيان المسند إليه موصولا ؛ لأنه إذا علم بالصلة أمكن أن يعبر عنه بطريق غير الموصولية كالإضافة نحو : مصاحبنا بالأمس كذا وكذا ، وأجيب بأن النكتة لا يشترط فيها أن تكون مختصة بتلك الطريق ولا أن تكون أولى بها بل يكفى وجود مناسبة بينهما ، وحصولها بها وإن أمكن حصولها بغيرها أيضا ، فليس المراد بالاقتضاء هنا إلا

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مجرد المناسبة من غير اطراد وانعكاس ، فالعلم بالحال المختصة كما يحصل بالموصولية يحصل بالإضافة ، وبهذا يجاب أيضا عما أورد على قوله أو استهجان إلخ من أن مجرد استهجان التصريح بالاسم لا يفيد اختيار الموصولية ؛ لجواز أن يعبر عنه بطريق آخر من طرق التعريف لا استهجان فيه ، فلا بد من انضمام شىء إلى الاستهجان ليترجح اختيار الموصولية على ما سواها من الطرق.

واعلم أن ما ذكرناه من أن النكتة لا يشترط فيها الاختصاص بتلك الطريق ، بل يكفى كونها مناسبة للمقتضى كانت موجبة أو مرجحة ، أو لم تكن كذلك والترجيح من قصد المتكلم هذه طريقة المفتاح ومذهب الشارح أن النكتة لا بد أن تكون موجبة أو مرجحة ، ولذا قال العلامة عبد الحكيم : إن عدم علم المخاطب سوى الصلة نكتة موجبة لإيراده موصولا ؛ لأنه إذا لم يكن معلوما للمخاطب شىء من الأحوال المختصة إلا الصلة لا يمكن إيراده بشىء من طرق التعريف سوى الموصولية ، وإيراده نكرة خروج عما نحن فيه ، إذ كلامنا فى إيراده معرفة ولا ينقض بقولنا : مصاحبنا أمس رجل فاضل ، أو : الرجل الذى كان معنا بالأمس فاضل ؛ لأن طريق الإضافة إحضار للمعهود بعنوان المضاف إليه وطريق أداة التعريف إحضار للمعهود بعنوان أل وطريق الموصولية إحضار له بعنوان النسبة الخبرية المفيدة لاتصاف الموصولية بها ، وهذه الطرق متغايرة. ا ه ..

وأما ما أورده بعضهم على المصنف من أن عدم العلم بسوى الصلة لا يستدعى إتيان المسند إليه موصولا للاستغناء عن الموصول بجعل تلك الحالة المختصة المعلومة للمخاطب صفة للنكرة ، وأجاب عنه بأن تعيين الموصول وضعى بخلاف تعيين النكرة ، فإنه بحسب الخارج دون الوضع ؛ لأن الموصول موضوع لكل معين وضعا واحدا باعتبار أمر عام أو موضوعة للمفهوم الكلى مستعملة فيه ، وإن كانت منحصرة فى معين بحسب الخارج ، وما كان تعيينه بحسب الوضع أقوى مما كان تعيينه بحسب الخارج فهو فى حيز السقوط ؛ لأن الكلام فى ترجح تعريف على تعريف بعد كون المقام

٥١٥

(الذى كان معنا أمس رجل عالم) ولم يتعرض المصنف لما لا يكون للمتكلم أو لو لكليهما علم بغير الصلة ، نحو : الذين فى بلاد المشرق لا أعرفهم ، أو لا نعرفهم ؛ لقلة جدوى مثل هذا الكلام.

______________________________________________________

للتعريف والنكرة الموصوفة بمعزل عنه ، نعم يرد على المصنف شىء آخر وهو أن قوله : سوى الصلة يقتضى أن الخبر غير معلوم للمخاطب ؛ لأنه من الأحوال المختصة بالمسند إليه ولم يستثن منها إلا الصلة مع أنه قد يكون معلوما للمخاطب ، وذلك فيما إذا كان المقصود من الخبر لازم الفائدة ، فكان الأولى أن يقول سوى الصلة والخبر ، وأجيب بأن الخبر لا يجب أن يكون من الأحوال المختصة بالمسند إليه ، بل تارة يكون من الأحوال العامة كما فى مثال الشارح ، وتارة يكون من الأحوال الخاصة كما فى : بقرة تكلمت فلم يدخل الخبر حينئذ فى المستثنى منه فلا وجه لإخراجه ، وأما الصلة فيجب أن تكون مختصة بالمسند إليه ؛ لأنها معينة له بدليل أنه صار معرفة بواسطة إتصافه بها (قوله : الذى كان معنا أمس إلخ) أى : فالمخاطب لم يعلم شيئا من أحوال المسند إليه إلا كونه كان معنا بالأمس ولم يعلم كونه عالما أو لا (قوله : لما لا يكون للمتكلم إلخ) ما مصدرية أى : لم يتعرض لعدم كون المتكلم له علم بسوى الصلة ولا لعدم كون كل من المتكلم والمخاطب له علم بسوى الصلة أو موصولة والعائد محذوف أى : لما لا يكون فيه للمتكلم إلخ.

(قوله : نحو الذين فى بلاد المشرق إلخ) أى : فالمتكلم وحده ، أو مع المخاطب ليس له علم إلا بالصلة وهى الكون فى بلاد المشرق (قوله : الذين إلخ) فيه مع ما قبله لف ونشر مرتب ، والأولى أن يمثل لعدم علم المتكلم بقوله : الذين كانوا معك أمس لا أعرفهم ؛ لأنه أدل على معرفة المخاطب من مثال الشارح (قوله : لقلة جدوى مثل هذا الكلام) أى : لقلة الفائدة فى هذا الكلام ، وإنما لم يقل لعدم فائدة هذا الكلام ؛ لأنه لا يخلو عن فائدة وهى إفادة المخاطب عدم معرفة المتكلم لهم وإنما كانت تلك الفائدة قليلة النفع بحيث لا يلتفت إليها البليغ؟ لأن المفروض أن المتكلم لا يعلم بشىء من الأحوال المختصة سوى الصلة فلا يمكن الحكم عليه من المتكلم إلا بالأحوال العامة ،

٥١٦

(أو لاستهجان التصريح بالاسم ، أو زيادة التقرير) أى : تقرير الغرض المسوق له الكلام ، وقيل : تقرير المسند ، وقيل : تقرير المسند إليه (نحو : (وَراوَدَتْهُ) أى : يوسف ، والمراودة : مفاعلة من راد يرود : جاء وذهب ، ...

______________________________________________________

والحكم بالأحوال العامة قليل الجدوى ؛ لأن الأغلب العلم بها بخلاف ما إذا لم يكن للمخاطب علم بما سوى الصلة ، فإن المتكلم يجوز أن يكون عالما بالأحوال المختصة به فيحكم بها عليه ويكون الكلام كثير الجدوى ، ثم إن قوله لقلة جدوى إلخ يقتضى أنه لا يكون فى الكلام فائدة عظيمة عند انتفاء علم المتكلم بغير الصلة وليس كذلك ، بل قد يكون فيه ذلك كقول : الذى ملك الروم يعظم العلماء فإن معرفة أنه يعظم العلماء فائدة معتد بها ، وكذلك قولك : الذين فى بلاد المشرق زهاد ، فإن معرفة أنهم زهاد فائدة يعتد بها ، وأجيب بأن ما ذكره الشارح هو الغالب فلا يرد المثال السابق ؛ لأنه من غير الغالب ، وأما ما أجاب به بعضهم من أن الكلام فما إذا لم يكن للمتكلم علم بسوى الصلة ، وهذا المثال للمتكلم فيه علم بسوى الصلة وهو أنه يعظم العلماء فمردود بأمرين : الأول إن مثال الشارح كذلك أيضا ، فإن المتكلم عالم بسوى الصلة وهو أنه لا يعرفهم. الثانى : أن المراد بسوى الصلة ما هو من الأحوال المختصة ، والخبر ليس منها كما تقدم.

(قوله : واستهجان) أى : استقباح التصريح بالاسم الدال على ذات المسند إليه ، إما لإشعاره بمعنى تقع النفرة منه لاستقذاره عرفا نحو : البول والفساء ناقض للوضوء فتعدل عن ذلك لاستهجانه لقولك : الذى يخرج من أحد السبيلين ناقض ، وإما لنفرة فى اجتماع حروفه.

(قوله : بالاسم) مراده به العلم بأقسامه الثلاثة فهو من إطلاق الخاص وإرادة العام (قوله : أى تقرير الغرض إلخ) إنما قدم هذا القول ؛ لأنه أحسن الأقوال الثلاثة ووجه أحسنيته أن المقصود من الكلام إفادة الغرض المسوق له ، وكل من المسندين إنما أتى به لإفادة ذلك الغرض ، وحينئذ فحمل التقرير على تقريره أولى (قوله : والمراودة مفاعلة من راد يرود جاء وذهب) هذا معناها فى الأصل أى : أن معناها فى الأصل المجىء والذهاب ،

٥١٧

وكأن المعنى : خادعته عن نفسه ...

______________________________________________________

والمراد بها هنا المخادعة ، وهو أن يحتال كل من شخصين على صاحبه فى أخذ ما بيده يريد أن يغلبه ويأخذه منه ، وحينئذ فيكون التركيب من قبيل الاستعارة التمثيلية بأن شبه هيئة المخادع بهيئة الذى يجىء ويذهب ، واستعيرت المراودة الموضوعة لحال الذى يجىء ويذهب لحال المخادع ووجه الشبه بين المراودة والمخادعة أن كلا منهما هيئة منتزعة من عدة أمور ، أو من قبيل التبعية بأن شبهت المخادعة بالمجىء والذهاب بجامع التردد فى كل ، واستعيرت المراودة الموضوعة للمجىء والذهاب للمخادعة ، واشتق من المراودة راودت بمعنى خادعت ، ثم بعد هذا كله فالمخادعة ليست باقية على عمومها ، بل المراد المخادعة على خصوص الجماع ، والحاصل أن المراودة فى الأصل بمعنى المجىء والذهاب ، فأريد منها المخادعة وهى مطلقة ، والمراد منها مخادعة خاصة ، أو أن المراودة صارت حقيقة عرفية فى المخادعة وإلى هذا أشار الشارح بقوله ، وكأن المعنى أى : المراد أو العرفى ، وليس المراد وكأن المعنى الحقيقى ، ثم إنه ورد سؤال حاصله أنه إذا كان المراد بالمراودة المخادعة فيقتضى وقوع الطلب من كل منهما ؛ لأن المفاعلة تقتضى وقوع الطلب من كل منهما ، ويوسف ـ عليه‌السلام ـ معصوم لا يقع منه طلب ذلك الأمر وأجاب عنه الشارح بقوله : وفعلت فعل المخادع أى المحتال ، وحاصله أن المفاعلة هنا ليست على بابها بل المراد بها أصل الفعل ، وإنما عبر بالمفاعلة للدلالة على المبالغة فى طلبها منه واختلافهما ، ويجوز أن تكون المفاعلة على بابها ، وأن الطلب حصل من كل منهما ، وإن اختلفت جهته فطلبها للوقاع وطلبه للمنع ، كما فسر به قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها)(١) أى : همت به فعلا وهم بها تركا ، ثم إنه ورد سؤال حاصله : حيث كان المراد بالمراودة المخادعة فما حقيقة المخادعة؟ فأجاب الشارح بأنها أن يحتال عليه ، هذا حاصل تقرير كلام الشارح ـ كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله : وكأن المعنى إلخ) إنما لم يحزم بذلك ؛ لأنه لا قدرة له على القطع بأن هذا مراد الله ، فالأدب الإتيان بالعبارة المفيدة للظن ، وقوله خادعته عن نفسه عن بمعنى : لام

__________________

(١) يوسف : ٢٤.

٥١٨

وفعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشىء الذى لا يريد أن يخرجه من يده ـ يحتال عليه أن يغلبه ، ويأخذه منه ؛ وهو عبارة عن التمحل لمواقعته إياها ، والمسند إليه وهو قوله (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ)(١)) متعلق براودته ، فالغرض المسوق له الكلام نزاهة يوسف عليه‌السلام وطهارة ذيله ، ...

______________________________________________________

التعليل أى : لأجل نفسه مثلها فى قوله تعالى : (ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ)(٢)(وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ)(٣) أو أن المعنى خادعته خداعا ناشئا عن نفسه وحاصلا بواسطتها وسببها ، فيفيد العلية والسببية (قوله : وفعلت إلخ) عطف تفسير وفيه إشارة إلى أنه لم تتحقق المخادعة حقيقة ، إذ لم يحصل لها ما أرادته من المواقعة ، وفيه إشارة أيضا إلى أن المفاعلة ليست على بابها (قوله : عن الشىء) متعلق بالمخادع لتضمنه معنى المباعد ، وضمير لا يريد راجع إلى الصاحب ، وجعل عبد الحكيم عن بمعنى : لام التعليل أى : فعلت فعل المخادع لصاحبه لأجل الشىء الذى لا يريد صاحبه أن يخرجه عن يده (قوله : يحتال) ضميره راجع للمخادع ، وهذه الجملة مبينة لقوله فعلت فعل المخادع ، ولذا ترك العاطف فهى مستأنفة جوابا لسؤال ، كأن قائلا قال له فما ذلك الفعل الذى يفعله المخادع لصاحبه؟ فقال يحتال المخادع على صاحبه مريدا أن يغلبه.

(قوله : ويؤخذ منه) تفسير لما قبله (قوله : وهى إلخ) لما كانت المخادعة عامة بين المراد منها بقوله ، وهى أى المخادعة هنا عبارة عن التمحل أى : الاحتيال على مجامعة يوسف زليخا ، فاللام فى قوله لمواقعته بمعنى على (قوله : متعلق براودته) أى : وعن بمعنى لام التعليل أى : راودته لأجل ذاته لما احتوت عليه من الحسن والجمال (قوله : فالغرض إلخ) أى : إذا علمت ما قلناه لك فى معنى المراودة ، فالغرض إلخ.

(قوله : وطهارة ذيله) شبه عدم ارتفاع الذيل للزنى بعدم تلوثه بالنجاسة على طريق الاستعارة المصرحة ، ثم جعل ذلك كناية عن عدم ملابسة صاحبه للمعاصى

__________________

(١) يوسف : ٢٣.

(٢) التوبة : ١١٤.

(٣) هود : ٥٣.

٥١٩

والمذكور أدل عليه من : امرأة العزيز ، أو زليخا ؛ لأنه إذا كان فى بيتها وتمكن من نيل المراد منها ، ولم يفعل ـ كان غاية فى التراهة ، وقيل هو تقرير للمراودة لما فيه من فرط الاختلاط والألفة ، وقيل : تقرير للمسند إليه ؛ لإمكان وقوع الإيهام والاشتراك فى امرأة العزيز أو زليخا ، ...

______________________________________________________

(قوله : والمذكور) أى : هو قوله التى هو فى بيتها ، وقوله أدل عليه أى على الغرض المسوق له الكلام وهو نزاهة يوسف عن المعاصى ، والحاصل أن الغرض المسوق له الكلام يدل عليه كل من الموصول ، واسم الجنس الذى هو امرأة العزيز ، والعلم الذى هو زليخا ، إلا أن الموصول يدل على ذلك أكثر من غيره ؛ لأنه يقتضى أنه تمكن منها ولم يفعل بخلاف غيره ، فإنه لا يدل على التمكن (قوله : زليخا) بفتح الزاى وكسر اللام كما فى القاموس ، وبضم الزاى وفتح اللام كما فى البيضاوى.

(قوله : وتمكن من نيل المراد منها) إن قيل هو نبى معصوم فكيف عبر بالتمكن.

قلت : المراد التمكن بحسب الصورة الظاهرية ، وإلا فهو نبى معصوم ، وقوله من نيل المراد أى : مرادها لا مراده (قوله : تقرير للمراودة) أى : أنها وقعت وثبتت ، وقوله تقرير للمراودة أى : التى هى المسند ، وقوله لما فيه أى : فى الكون فى بيتها كما يدل عليه قوله قبل ؛ لأنه إذا كان فى بيتها إلخ (قوله : من فرط) أى : من شدة الاختلاط والألفة ، وحاصل ما ذكره من تقرير المسند إنه إذا كان مملوكا لها على زعمها بحسب الصورة ، وعندها فى بيتها صارت متمكنة منه غاية التمكن حتى إذا طلبت منه شيئا لا يمكنه أن يخالفها ، فقوله التى هو فى بيتها تقرير للمراودة ، وأنها حصلت ولا بد لما فيه من الدلالة على زيادة الاختلاط ، فيفيد حينئذ صدور الاحتيال منها على وجه أتم وأعظم من غيره (قوله : فى امرأة العزيز) راجع للإبهام ، وقوله أو زليخا راجع للاشتراك ، وعبر فى الأول بالإبهام ، وفى الثانى بالاشتراك ؛ لأن الأول اسم جنس من قبيل المتواطىء ففيه إبهام ، والثانى علم يقع فيه الاشتراك اللفظى ، ويحتمل أن امرأة العزيز وزليخا راجعان للإبهام وللاشتراك ، والاشتراك فى امرأة العزيز معنوى وفى زليخا لفظى ، وحاصل ما ذكره فى تقرير المسند إليه أنه لو قال وراودته زليخا لم يعلم أنها التى هو فى بيتها ، إذ يمكن أن

٥٢٠