حاشية الدسوقي - ج ١

محمّد بن عرفة الدسوقي

حاشية الدسوقي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن عرفة الدسوقي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-34-744-1
ISBN الدورة:
9953-34-744-1

الصفحات: ٧٥٤

البلاغة

(و) يوصف بها (المتكلم) أيضا ، يقال : كاتب فصيح ، وشاعر فصيح. (والبلاغة) وهى تنبئ عن الوصول ...

______________________________________________________

جعلت أعلاما لأن المفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه وهذه كذلك ، ولا يرد أن ضعف التأليف لا يتأتى فى العلم ؛ لأنه يكون بمخالفة الإعراب ، والعلم بمجرده لا إعراب له ؛ لأن الإعراب ثابت له باعتبار المنقول عنه ، فيلزم أن تكون هذه الأعلام فصيحة لخلوها عما يخل بفصاحة المفرد مع اشتمالها على ما يخل بفصاحة الكلام ، والتزامه لا يليق بحال عاقل ، وحينئذ فتعريف فصاحة المفرد غير مانع. فالواجب أن يزاد فيه الخلوص عن هذه الأمور ، وليكون مانعا وهذا الإلزام كما يرد على الخلخالى يرد أيضا على الشارح بالنظر للجواب الثانى أعنى : قوله : على أن الحق إلخ ؛ لأن المفرد عندهم ما لفظ به بلفظ واحد فى العرف ، أو ما أعرب بإعراب واحد ، والعلم المذكور مشتمل على لفظين فأكثر ، ومعرب بإعرابين فأكثر بحسب الأصل ؛ لأن نظرهم فى اللفظ من حيث الإعراب والبناء ، وإن كانت تلك الأعلام من قبيل المفرد عند المناطقة ، لأن نظرهم فى المعانى أصالة ، وهذا التعريف لفصاحة المفرد عند النحاة لا عند المناطقة ، وأنت خبير بأن هذا الجواب إنما ينفع الخلخالى دون الشارح ، وبما علمت من بطلان ما قاله الشارح والخلخالى لبطلان اللوازم لهما. ظهر لك أن المفرد : والكلام فى كلام المصنف محمولان على معناهما الحقيقى المتبادر منهما ، وهو أن المراد بالمفرد ما ليس بمركب وبالكلام : المركب التام ، والمركب الناقص خارج عنهما ، لعدم اتصافه بالفصاحة والبلاغة بالنظر لذاته واتصافه بالفصاحة فى قولهم : مركب فصيح. إنما هو باعتبار اتصاف مفرداته بها ، كما أفاده العلامة عبد الحكيم. (قوله : والمتكلم أيضا) إنما زاد هنا أيضا دون ما تقدم ؛ لأن الكلام والمفرد من واد واحد فهما كالشيء الواحد ، وأيضا لا يؤتى بهما إلا بين شيئين. (قوله : يقال كاتب فصيح إلخ) المناسب لما مر أن يقول مثل كاتب فصيح ، والمراد بالكاتب : الناثر. أى : المتكلم بكلام منثور ، وليس المراد به المتصف بالكتابة بدليل مقابلته بشاعر ، والحاصل أن الشخص متى كانت فيه الملكة : اتصف بالفصاحة تكلم بنظم أو سجع أو غيرهما ، كالنثر ، بل ولو لم يتكلم أصلا ، إلا أن الملكة لا يعرف قيامها به إلا بالكلام. (قوله : تنبئ عن الوصول إلخ) قال فى القاموس :

١٤١

والانتهاء (يوصف بها الأخيران فقط) أى : الكلام والمتكلم دون المفرد ؛ إذ لم يسمع : كلمة بليغة ، والتعليل بأن البلاغة إنما هى باعتبار المطابقة لمقتضى الحال وهى لا تتحقق فى المفرد وهم ؛ ...

______________________________________________________

بلغ الرجل بلاغة إذا كان يبلغ بعبارته كنه مراده ، مع إيجاز بلا إخلال أو إطالة بلا إملال ، وحينئذ فهى فى اللغة تنبئ عن الوصول والانتهاء لكونها وصولا مخصوصا ، وهى الوصول بالعبارة إلى المراد من غير إخلال والإطالة مملة ، وأما فى الاصطلاح : فهى مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، والمناسبة بين المعنيين ظاهرة ؛ لأن الكلام إذا طابق مقتضى الحال وصل للمطلوب عند البلغاء ، ولم يقل : وهى فى الأصل اكتفاء بما ذكره سابقا ، وقيل : لم يقل فى الأصل ؛ لأن معناها لغة واصطلاحا واحد ، وفيه أنه مع كونه خلاف الواقع يلزم أن يكون قوله : تنبئ عن الوصول والانتهاء مستدركا ؛ لأن القصد منه إبداء المناسبة بين المعنى اللغوى والاصطلاحي ، وعند اتحاد المعنى لا حاجة إليه (قوله : والانتهاء) عطف تفسير (قوله : فقط) الفاء واقعة فى جواب شرط مقدر ، وقط اسم فعل بمعنى انته. أى : وإذا وصفت بها الأخيرين فقط. أى : فانته عن وصف المفرد بها.

(قوله : إذ لم يسمع كلمة بليغة) فيه أنه أدخل المركب الناقص فى المفرد ، وحينئذ فلا ينتهض الدليل على الدعوى ؛ لأن منفى الدليل أخص من منفى المدعى.

أى : أن الذى نفيت عنه البلاغة فى الدليل وهو الكلمة : أخص من الذى نفيت عنه فى المدعى وهو المفرد الشامل للكلمة والمركب الناقص ، ويلزم من هذا أن يكون الدليل أخص من المدعى ، وحينئذ فلا ينتجه ؛ لأن نفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم ، فلا يلزم من عدم سماع اتصاف الكلمة بها عدم سماع اتصاف المركب المذكور بها ، فالدليل المساوى للدعوى أن يقال إذ لم يسمع كلمة بليغة ولا مركب بليغ ، إلا أن يراد بالكلمة ما ليس بكلام ، فتشمل المركب الناقص ، لكن فى إطلاق الكلمة على هذا المعنى من البعد ما ليس فى إطلاق المفرد عليه بلا خفاء وإن أدخل المركب الناقص فى الكلام كما هو رأى الخلخالي ، فلا إشكال فى التعليل أصلا (قوله : والتعليل) أى : لعدم وصف المفرد بالبلاغة. (قوله : وهى) أى : المطابقة المذكورة (قوله : لا تتحقق فى المفرد) أى : لأن المطابقة

١٤٢

لأن ذلك إنما هو فى بلاغة الكلام والمتكلم ، وإنما قسم كلا من الفصاحة والبلاغة أولا لتعذر جمع المعانى المختلفة الغير المشتركة فى أمر يعمها ...

______________________________________________________

المذكورة إنما تحصل بمراعاة الاعتبارات الزائدة على أصل المعنى المراد ، وهذا لا يتحقق إلا فى ذى الإسناد المفيد. (قوله : لأن ذلك) أى : اعتبار المطابقة المذكور. (قوله فى بلاغة الكلام والمتكلم) أى : فيجوز أن يكون هناك بلاغة أخرى يصح وجودها فى الكلمة غير المطابقة ، وإن لم نطلق عليها كما وجد ذلك فى الفصاحة ، فإن قال : ذلك المعلل إنه لا معنى للبلاغة فى كلام العرب إلا هذا المعنى ، وهو محال فى الكلمة ، عاد إلى انتفاء السماع وهو الذى عللنا به (قوله : وإنما قسم إلخ) هذا توجيه لمبادرة المصنف بالتقسيم أولا ، وتعريف كل على حدة بعد ذلك ، مع أن الأصل أن يذكر التعريف أولا ثم التقسيم ثانيا. فقول الشارح : وإنما قسم كلا من الفصاحة والبلاغة أولا أى : ولم يأت من أول الأمر بتعريف واحد شامل لأقسام الفصاحة ، وكذلك البلاغة ، ثم يقسمها بعد ذلك كما هو الشأن وقوله : قسم أى ضمنا لا صراحة ، حيث قال : فالفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم ، والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط ، فإن هذا يستلزم انقسام الفصاحة إلى فصاحة مفرد وفصاحة كلام وفصاحة متكلم ، وانقسام البلاغة إلى بلاغة كلام وبلاغة متكلم. (قوله : لتعذر جمع المعانى المختلفة) كفصاحة المفرد وفصاحة المتكلم وفصاحة الكلام ، وكبلاغة المتكلم وبلاغة الكلام ، (وقوله : الغير المشتركة إلخ) تفسير للمختلفة ، وأدخل (أل) على غير لتأويله بالمغايرة. فلا يقال إنه أدخل (أل) على المضاف الذى لم يشابه يفعل ، وهو لا يجوز.

(قوله : فى أمر يعمها) متعلق بالمشتركة. أى : فى حقيقة نوعية تصدق عليها وتصلح لتعريفها ، فلا يتأتى أن يؤتى للفصاحة بتعريف يعم أقسامها الثلاثة ، ويخرج غيرها ، وكذا البلاغة لا يتأتى أن يؤتى لها بتعريف يعم قسميها ، ويخرج غيرهما ، وهذا بخلاف الكلمة فإنها لما اشتركت أقسامها فى أمر يعمها صالح لتعريف الكلمة بحيث تتميز عن الكلم والكلام. عرفت أولا بأنها قول مفرد ، ثم قسمت بعد ذلك إلى اسم وفعل وحرف ، وكذلك الإنسان لما اشتركت أقسامه من زنج وروم وغيرهما ، فى أمر

١٤٣

فى تعريف واحد ، وهذا كما قسم ابن الحاجب المستثنى إلى متصل ومنقطع ، ثم عرف كلا منهما على حدة (فالفصاحة ...

______________________________________________________

يعمها صالح لتعريف الإنسان بحيث يتميز عن الفرس والحمار وغيرهما من الأنواع.

عرف أولا بأنه حيوان ناطق ، ثم قسم بعد ذلك لتلك الأصناف ، والحاصل أنه لما تعذر هنا اشتراك أقسام الفصاحة فى أمر يعمها صالح لتعريف الفصاحة بحيث يميزها عما عداها ، وكذلك البلاغة قسم كلا منهما ، ثم عرف تلك الأقسام وأما الاشتراك فى الأمر العام مطلقا فحاصل إذ لا شك فى وجود المفهومات العامة الكلية كشيء وموجود ومستحسن وأقسام الفصاحة ، وكذلك قسما البلاغة مشتركة فى هذه المفهومات ، ولكن لا يصلح شيء منها لتعريف كل من الفصاحة والبلاغة لعدم حصول التميز المذكور ، وبهذا اندفع ما يقال على الشارح منطوقا ، لا نسلم عدم اشتراكها فى أمر يعمها ، إذ لا شك فى وجود المفهومات العامة الكلية التى تشترك فيها وتعمها كشىء وموجود ومستحسن ، وما يقال عليه من حيث المفهوم.

إن كلامه يفيد أن مطلق الاشتراك فى الأمر العام يكفى فى جميع الأمور المتغايرة فى تعريف ، وليس كذلك. (قوله : فى تعريف واحد) أى : يبين حقيقة كل تفصيلا ، وإلا فلا تعذر كأن تعرف الإنسان والفرس بالجسم النامى الحساس المتحرك بالإرادة أو بالحيوان ، فإنه مميز لها فى الجملة ، ولكن لا يبين حقيقة كل واحد تفصيلا (قوله : وهذا) أى : الصنيع من التقسيم أولا ، ثم التعريف ثانيا ، كما قسم أى : كتقسيم ابن الحاجب إلخ ؛ فإن تقسيمه قبل التعريف لعدم الاشتراك المذكور ، وأورد على ذلك أن القسمين اشتركا فى أمر يعمها صالح لتعريف المستثنى وهو المذكور بعد إلا وأخواتها ؛ وفيه نظره. بأن هذا لا يصلح تعريفا للمستثنى ؛ لأنه يدخل فيه ما بعد إلا الواقعة صفة نحو : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١) مع أنه ليس مستثنى. (قوله : فالفصاحة) أى : إذا أردت بيان كل من أقسام الفصاحة والبلاغة ، فأقول لك : الفصاحة إلخ : فالفاء فاء الفصيحة ، ويقال لها فاء الفضيحة بالصاد والضاد ، والإضافة فى ذلك من

__________________

(١) الأنبياء : ٢٢.

١٤٤

فى المفرد) قدم الفصاحة على البلاغة ...

______________________________________________________

إضافة الموصوف لصفته ، أى : الفاء المفصحة أو المفضحة. سميت بذلك ؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر ، أو لكونها أفضحته وأظهرته ، وقيل : فاء الفصيحة هى : ما أفصحت عن مقدر مطلقا. أى : سواء كان شرطا أو غيره كما فى قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ)(١) أى فضرب فانفجرت (قوله : فى المفرد) يصح أن يكون صفة للفصاحة كان المتعلق نكرة أو معرفة ، ولا يلزم على تقديره نكرة وصف المعرفة بالنكرة وهو لا يجوز ؛ لأن (أل) فى الفصاحة جنسية ومدخولها فى حكم النكرة ، ولا يلزم على تقديره معرفة حذف الموصول وبعض الصلة وهو لا يجوز ؛ لأن الكائن المقدر يراد منه الثبوت والدوام ، فهو صفة مشبهة و (أل) الداخلة عليها معرفة لا موصولة على التحقيق ، ولا يصح أن يكون ذلك الظرف حالا منها على مذهب سيبويه القائل بجواز مجىء الحال من المبتدأ ؛ لأن الحال مقيدة للعامل مطلقا لفظيا أو معنويا ، ولا معنى للتقييد هنا لأن التقييد إنما هو لشيء يختلف حاله ، كالمجىء فى قولنا : جاء زيد راكبا ، والابتداء واحد لا تختلف أحواله ، وأيضا المقصود تفسير الفصاحة بوصف كونها فى المفرد لا بقيد تحققها فى المفرد ، إذ ليس المعنى على التقييد ، وإن كان المآل واحدا ، لكن فرق بين التقديرين كما لا يخفى ؛ وذلك لأن التقييد يقتضى أن الفصاحة مشتركة اشتراكا معنويا ؛ لأنه يفيد أن الفصاحة أمر كلى تختلف أحواله : تارة يكون فى المفرد ، وتارة يكون فى غيره ، والذى حققه الشارح أنها من قبيل المشترك اللفظى ، وجعل المجرور صفة لا يخالف ذلك تأمل ، ويصح أن يكون الظرف لغوا متعلقا بالنسبة التى اشتملت عليها الجملة ، والمعنى انتساب الخلوص المذكور للفصاحة فى المفرد ، أو الفصاحة التى هى الخلوص منسوبة للمفرد. وقضية هذا أن الظرف معمول للنسبة المذكورة ، وهو معنى قابل للتقييد.

وهذا يرد على حصر النحاة العامل المعنوى فى الابتداء والتجرد. (قوله : قدم الفصاحة) أى : قدم تعريف أقسامها على تعريف أقسام البلاغة ، مع أن اللف والنشر المشوش أولى

__________________

(١) البقرة : ٦٠.

١٤٥

لتوقف معرفة البلاغة على معرفة الفصاحة لكونها مأخوذة فى تعريفها ، ثم قدم فصاحة المفرد على فصاحة الكلام والمتكلم لتوقفهما عليها (خلوصه) أى : خلوص المفرد (من تنافر الحروف والغرابة ...

______________________________________________________

(قوله : لتوقف معرفة البلاغة) أى : إدراكها وتصورها من حيث المفهوم سواء كانت بلاغة متكلم أو كلام. وقوله : على معرفة الفصاحة أى : على تصورها فى الجملة ، وإنما قلنا فى الجملة ؛ لأن بلاغة الكلام لا تتوقف على فصاحة المتكلم ، بل على فصاحة الكلام والمفرد ، وكذلك بلاغة المتكلم لا تتوقف على فصاحته من حيث المفهوم ، بل على فصاحة الكلام والمفرد إذ لم تؤخذ الملكة التى يقتدر بها على تأليف فصيح لا فى بلاغة الكلام ولا فى بلاغة المتكلم. نعم تتوقف عليها بلاغة المتكلم بحسب التحقق ، إذ لا يقتدر على تأليف كلام بليغ إلا من يقدر على تأليف كلام فصيح. (قوله : لتوقفهما عليها) أما توقف فصاحة الكلام على فصاحة المفرد فبلا واسطة ، لكونها مأخوذة فى تعريفه ، وأما توقف فصاحة المتكلم على فصاحة المفرد ، فبواسطة أخذ فصاحة الكلام المتوقف عليها فى فصاحة المتكلم والمتوقف على المتوقف على الشيء متوقف على ذلك الشيء ، كذا قال يس. وقد يقال : المصنف لم يأخذ فصاحة الكلام فى تعريف فصاحة المتكلم ، بل اللفظ الشامل للمفرد كما نبه عليه الشارح فيكون توقف فصاحة المتكلم على فصاحة المفرد بلا واسطة أيضا (قوله : خلوصه من تنافر الحروف) قيل : أوجه حصر مخلات فصاحة المفرد فى الثلاثة أن المفرد له مادة ، وهى حروفه وصورة وهى صيغته ، ودلالة على معناه ، وحينئذ فعيبه إما فى مادته وهو التنافر ، أو فى صورته وهى مخالفة القياس الصرفي ، وفى دلالته على معناه وهو الغرابة ، ويمكن إجراء ذلك أيضا فى الكلام ، فعيبه فى مادته تنافر الكلمات ، وفى صورته أى : التأليف العارض على الكلمات ضعف التأليف ، وفى دلالته على معناه التعقيد (قوله : خلوصه من تنافر الحروف) المراد من الخلوص لازمه وهو عدم الاتصاف ، وليس المراد أنه كان متصفا بها أولا ، ثم خلص ؛ ثم إن كلام المصنف من باب السلب الكلى وهو المسمى بعموم السلب ، لا من قبيل رفع الإيجاب الكلى وهو المسمى بسلب العموم ، فالمعنى حينئذ عدم اتصافه بكل واحد من

١٤٦

ومخالفة القياس اللغوى) أى : المستنبط من استقراء اللغة ، وتفسير الفصاحة بالخلوص لا يخلو عن تسامح (فالتنافر) وصف فى الكلمة ...

______________________________________________________

الثلاثة ، فحيثما وجد واحد من الثلاثة فى الكلمة كانت غير فصيحة ، ولأجل كون المراد من كلام المصنف السلب الكلى كان الأولى له الإتيان بمن فى الغرابة ومخالفة القياس لأجل أن يكون كلامه ظاهرا فى ذلك المعنى المراد ، إذ كلامه بدون ذلك يوهم أن المراد الخلوص من المجموع ، وعليه فلا يضر فى فصاحة الكلمة وجود واحد أو اثنين من الثلاثة وهو باطل. (قوله : القياس) أى : الضابط المتقرر من استقراء استعما لات العرب كقولنا : كلما تحركت الياء أو الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا (قوله : أى المستنبط إلخ) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد حقيقة القياس فى اللغة الذى هو إلحاق شيء بشيء بجامع بينهما : كإلحاق النبيذ بالخمر فى التحريم بجامع الإسكار ، بل المراد القياس الذى منشؤه استقراء اللغة. أى : تتبع الكلمات اللغوية وهو القياس الصرفى كقولنا : كلما تحركت الياء أو الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا وإنما لم يقل الشارح الصرفى بدل اللغوى ، مع أنه المراد للإشارة إلى أن منشأ هذا القياس الصرفى استقراء اللغة (قوله : لا يخلو عن تسامح) أى : لأمرين الأول : أن الفصاحة هى كون الكلمة جارية على القوانين المستنبطة من استقراء كلام العرب ، متناسبة الحروف كثيرة الاستعمال على ألسنة العرب الموثوق بعربيتهم ، ويلزم من الكون المذكور الخلوص عما ذكر ، فليس الخلوص نفس الكون المذكور ولا صادقا عليه ، وحينئذ فلا يصح حمله على الفصاحة بحيث يقال : الفصاحة الخلوص ؛ لأن ادنى درجات التعريف أن يكون صادقا على المعرف ، وإن صح أن يقال : الفصيح الخالص ؛ لأن صدق المشتق على المشتق لا يستلزم صدق المأخذ على المأخذ ، كالناطق والكاتب والنطق والكتابة. الأمر الثاني : أن الفصاحة وجودية ؛ لأن معناها الكون المذكور والخلوص عدمى ؛ لأن معناه عدم الأمور المذكورة والعدمى غير الوجودى ، فلا يصح حمله عليه ، وإنما قال لا يخلو عن تسامح ولم يقل باطل لإمكان الجواب عن كل من الأمرين. أما الجواب عن الأول : فحاصله أن الأدباء يجوزون الإخبار عن الشيء بمباينة إذا كان بينهما تلازم قصدا للمبالغة وادعاء

١٤٧

يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها ...

______________________________________________________

أنه هو ، ولا يقال : إن التعريف بالمباين ممنوع ودعوى الادعاء وقصد المبالغة لا تنفع ؛ لأنا نقول هذا عند علماء المنطق وأما الأدباء فيكتفون بمجرد كون المعرف يستلزم تصوره تصور المعرف ، ويعتبرون قصد المبالغة والادعاء. وأما الجواب الثانى فيؤول الخلوص بالكون خالصا ، وهو أمر وجودى ، أو يقال : قولهم لا يخبر بالعدمى عن الوجودى إذا أريد بالوجودى الأمر الموجود ، أو وجود أمر ، وبالعدمى الأمر المعدوم ، أو عدم ذلك الأمر : كالعلم والجهل والموت والحياة ، فمسلم أنه لا يصح حمل أحدهما على الآخر ، لكن الفصاحة والخلوص ليسا كذلك ، بل كل منهما ثابت ، والخلوص ليس عدم الفصاحة بل عدم ضدها الذى هو التنافر والغرابة ، ومخالفة القياس ، وأما إن أريد بالوجودى ما لا يدخل العدم فى مفهومه ، وبالعدمى ما يدخل العدم فى مفهومه ، فلا شك فى صحة حمل العدمى على الوجودى بهذا المعنى بدليل حمل القضايا المعدولة المحمول على الأمر الوجودى نحو : زيد هو لا كاتب والبياض هو لا سواد ، فالمحمول عدمى. أى : دخل العدم فى مفهومه. أى : زيد شيء ثبت له عدم الكتابة والبياض شيء ثبت له عدم السواد ، ومن المعلوم أن قوله : الفصاحة خلوصة إلخ من باب القضية المعدولة لأنه فى قوة قولنا الفصاحة عدم الأمور المذكورة أى : الفصاحة شىء ثبت له عدم الأمور المذكورة (قوله : يوجب ثقلها على اللسان) الثقل بكسر الثاء وفتح القاف بوزن صغر ، مصدر ثقل الشىء بالضم خلاف الخفة ، وأما بكسر الثاء وسكون القاف بوزن علم ، فهو الشيء الثقيل والأول أنسب من جهة اللفظ للتشاكل بين المتعاطفين ؛ لأن العسر مصدر أيضا ، والثانى أنسب من جهة المعنى بحسب المقام ؛ لأنه يشير إلى أن التنافر لا يخل بالفصاحة إلا إذا كان شديدا ، بحيث يصير على اللسان كالحمل الثقيل ، وأما أصل التنافر فلا يخل بالفصاحة ، ولا شك أن مراعاة التناسب المعنوى أولى ، وعلى هذا فالمعنى يوجب شيئا عظيما كالثقل أى الحمل. (قوله : وعسر النطق بها) يحتمل أنه عطف تفسير ، ويحتمل أنه عطف مسبب على سبب نظرا إلى أن الثقل فى الكلمة سبب

١٤٨

(نحو :) مستشزرات فى قول امرئ القيس : (غدائره) (١) أى : ذوائبه ؛ جمع غديرة ، والضمير عائد إلى الفرع ...

______________________________________________________

لعسر النطق بها ، فيلاحظ الثقل وصفا فيها أوجب عسر النطق بها (قوله : نحو مستشزرات) أى : نحو وصف هذه الكلمة.

(قوله : غدائره إلخ) هذا البيت من معلقة امرئ القيس (٢) المشهورة التى مطلعها :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

وقبل هذا البيت

تصدّ وتبدى عن أسيل وتتّقى

بناظرة من وحش وجرة مطفل

وجيد كجيد الرّيم ليس بفاحش

إذا هى نصته ولا بمعطّل

وفرع يزين المتن أسود فاحم

أثيث كقنو النّخلة المتعثكل

غدائره إلخ (قوله : أى ذوائبه) جمع ذؤابة بالهمزة أبدلت الهمزة الأولى واوا فى الجمع لاستثقالهم ألف الجمع بين همزتين ، وفى الأساس : الذؤابة الشعر المنسدل من الرأس إلى الظهر. أى : الذى شأنه الانسدال فلا ينافى أنه قد يكون فوق وسط الرأس

__________________

(١) البيت من الطويل ، لامرئ القيس فى ديوانه ص ١١٥ ، وشرح المعلقات السبع ص ١٧ ، وشرح المعلقات العشر ص ٦٣ ، وهو فى التبيان للطيبى (٢ / ٤٩٦) ، والإيضاح ص ٣ ، وشرح عقود الجمان (١ / ١٠) وتمام البيت :

غدايره مستشزرات إلى العلا

تضلّ العقاص فى مثنّى ومرسل

ويروى الحدارى ، بدل : العقاص.

(٢) هو امرؤ القيس بن حجر بن حارث الكندي ، من بنى آكل المرار ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يمانى الأصل ، مولده بنجد أو بمخلاف السكاسك باليمن ، كان أبوه ملك أسد وغطفان ، وأمه أخت المهلهل الشاعر ، لقنه المهلهل الشعر فقاله وهو غلام ، عاش حياته لاهيا إلى أن ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه ، فبلغ ذلك امرأ القيس وهو جالس للشراب ، فقال : " رحم الله أبي ، ضيعنى صغيرا ، وحملنى دمه كبيرا ، لا صحو اليوم ولا سكر غدا ، اليوم خمر وغدا أمر" ونهض من غده ، فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بنى أسد ، وقال فى ذلك شعرا كثيرا ، قصد قيصر الروم جوستنيانوس فى القسطنطينية لنصرته على الفرس فوعده ومطله ، ثم ولاه إمرة فلسطين ، فرحل يريدها ، فلما كان بأنقرة ظهرت فى جسمه قروح فأقام بها إلى أن مات نحو ٨٠ قبل الهجرة. انظر ترجمته فى الأغانى طبعة دار الكتب العلمية ٩ / ٩٣ ، والشعر والشعراء / ٣١ ، والخزانة ١ / ١٦٠.

١٤٩

فى البيت السابق (مستشزرات) أى : مرتفعات ، أو مرفوعات ، يقال : استشزره ؛ أى : رفعه ، واستشزر ؛ أى : ارتفع ...

______________________________________________________

كما هنا ، وإنما سمّى ذلك الشعر غديرة ؛ ولأنه غودر وترك حتى طال. (قوله : فى البيت السابق) وهو قوله : وفرع يزين المتن أسود فاحم إلخ. وفرع بالجر عطف على أسيل ، أو على جيد فى الأبيات السابقة ، والفرع هو الشعر مطلقا أى كلّا أو بعضا كما فى المهذب. فيصدق على الغدائر وعلى المثنى وعلى المرسل ، فيقال : الغدائر فرع. أى : شعر ، والمثنى فرع إلخ.

وعلى هذا فإضافة الغدائر لضميره من إضافة الجزئى للكلى. وفى الصحاح : أن الفرع هو الشعر التام. أى : الشعر بتمامه ، وعلى هذا فإضافة الغدائر لضميره من إضافة الجزء للكل. والمتن : الظهر ، والفاحم : الذى كالفحم فى السواد ، والأثبث : الكثير ، والقنو بالكسر : سباطة النخل ، والمتعثكل بكسر الكاف وفتحها : كثير العثاكل. أى : الشماريخ. أى : العيدان التى عليها البسر. ففى البيت : مبالغة من حيث تشبيه الشعر بالقنو المذكور فى الكثرة ، ولا نفسر المتعثكل بذى العثاكيل لئلا تفوت المبالغة ، وما ذكره الشارح من أن الضمير راجع للفرع ، وكذا ما قلناه فى الإضافة فهو بناء على أن الغدائر بمعنى الذوائب المفسرة بما مر عن الأساس ، وهو الذى يناسبه ما يأتى للشارح فى معنى البيت ، وأما على أن المراد بالغدائر الشعر مطلقا على ما فى المهذب. فيجب أن يكون الضمير راجعا للحبيبة ، وذكره باعتبار الشخص ، أو الممدوح. ولا يصح أن يكون عائدا على الفرع لئلا يلزم إضافة الشيء إلى نفسه ؛ لأن كلا من الغدائر والفرع مطلق الشعر. اللهم إلا أن يقال إن الإضافة بيانية ، والحق أنها تجرى فى الضمير خلافا للناصر اللقاني ، أو يقال : إن الفرع اسم للشعر مطلقا سواء كان للرجال أو النساء ، والغدائر : الشعر مطلقا بقيد كونه للنساء ، وعلى هذا يصح كون الضمير راجعا للفرع ، ويكون من إضافة الجزئى للكلى. (قوله : يقال استشزره إلخ) أشار الشارح بهذا إلى أن هذا الوصف مأخوذ إما من فعل متعد أو من فعل لازم ، وينبنى على ذلك كونه اسم فاعل أو اسم مفعول ، فإن كان مأخوذا من المتعدى صح كونه اسم مفعول ، فيقرأ بفتح

١٥٠

(إلى العلا) تضل العقاص فى مثنى ؛ تضل ؛ أى : تغيب ، العقاص : جمع عقيصة تكملة ، وهى الخصلة المجموعة من الشعر ، والمثنى : المفتول ؛ يعنى : أن ذوائبه ...

______________________________________________________

الزاى المعجمة ، وإن كان مأخوذا من الفعل اللازم فهو اسم فاعل ، فيقرأ بكسر الزاى.

(قوله : إلى العلى) أى : إلى جهة السماء ، والعلى : جمع العليا بضم العين تأنيث الأعلى.

أى : مرتفعات للجهات العليا. (قوله : أى تغيب) إشارة إلى أن تضل من الضلال بمعنى الغياب ، وتضل فعل مضارع والعقاص فاعله ، وإنما جمع العقاص دون المثنى والمرسل إشارة إلى أن العقاص مع كثرتها تغيب فى مثنى واحد ، وفى مرسل واحد لكثرة شعرهما.

(قوله : وهى الخصلة المجموعة) أى : التى تجمعها المرأة وتلويها وتربطها بخيوط وتجعلها فى وسط رأسها كالرمانة ليصير مجعدا وهى المسماة بالغديرة والعقيصة والذؤابة ، ثم إن عادة نساء العرب بعد أن تعقص جانبا من الشعر على الكيفية التى قلناها ترسل فوقه المثنى والمرسل خلف الظهر ، فيصير المثنى والمرسل مرميين على ظهرها وتحتها العقاص المجموع كالرمانة غائبا ومخبا لا يظهر ، فظهر لك من هذا أن الغدائر والعقاص بمعنى واحد ، وحينئذ فقوله : تضل العقاص إظهار فى محل الإضمار وأن الأصل تضل هى. أى : الغدائر ، وإنما أظهر فى محل الإضمار للإشارة إلى أن تلك الغدائر تسمى عقاصا ، ومن هذا تعلم أن جملة تضل العقاص خبر ثان عن غدائره ، والرابط للمبتدأ بالجملة الواقعة خبرا إعادة المبتدأ بمعناه ، وأنت خبير بأن جعل العقيصة والغديرة شيئا واحدا بناء على ما مر من أن الغديرة هى الذؤابة المفسرة بما مر عن الأساس ، وأما على ما ذكر عن المهذب من أن الغدائر الشعر مطلقا فلا تكون العقيصة هى الغديرة ، فتأمل. أفادة شيخنا العلامة العدوى. (قوله : والمثنى المفتول) لأخذه من الثنى ، وأما المرسل فمعناه المرسل عن العقص ، والثنى أى : الخالى عنهما ، وليس المراد بالمرسل المسبل ؛ لأن المثنى مسبل أيضا على العقيصة مثله ، وقد يقال كونه مسبلا لا ينافى كون المثنى مسبلا أيضا ، وإنما وصف هذا القسم بهذا الوصف ؛ لأنه لم يتصف بغيره بخلاف المثنى فقد تعلق به الثنى والإرسال ـ تأمل. (قوله : يعنى أن ذوائبه) أى : الفرع والمراد بها العقائص (قوله : يعنى أن ذوائبه إلخ) أشار إلى تفسير الغدائر بالذوائب وأن الضمير فى غدائره للفرع كما أسلفه.

١٥١

مشدودة على الرأس بخيوط ، وأن شعره ينقسم إلى عقاص ، ومثنى ، ومرسل ، والأول يغيب فى الأخيرين. والغرض بيان كثرة الشعر.

والضابط هاهنا : أن كل ما يعده الذوق الصحيح ثقيلا ...

______________________________________________________

وقوله : وأن شعره عطف على ذوائبه فالضمير للفرع أيضا ، والقول بأنه للرأس فيه تشتيت للضمائر ويؤول للرجوع للفرع ، إذ المقصود تقسيم مطلق الشعر فلا وهم فى رجوعه للفرع كما لا يخفى ، وفى كلامه إشعار بأن العقاص هى الغدائر بعد أن شدت لا غيرها (قوله : مشدودة على الرأس) أى : فى وسطها بخيوط ومجموعة كالرمانة وأخذ الشد بخيوط من قوله فى البيت : مستشزرات خصوصا إذا قرىء على صيغة اسم المفعول ومن العقاص ؛ لأن العقيصة شعر ذو عقاص وهو الخيط الذى يربط به أطراف الذوائب كما فى المجمل. (قوله : إلى عقاص) أى : وهى الغدائر ، وحينئذ فالشعر منقسم إلى أقسام ثلاثة لا أربعة خلافا لما يوهمه ظاهر البيت من أن القسمة رباعية غدائر وعقائص ومثنى ومرسل ، لكن قد علمت أن الغدائر والعقائص والذوائب بمعنى واحد.

كما أفاده شيخنا العلامة العدوى ، وفى حواشى المطول كلام آخر غير هذا (قوله : والغرض إلخ) أى : فليس المراد بهذا الكلام مجرد الإخبار فهو إما تعريض إن استعمل فى حقيقته وهو الأخبار ملوّحا به لهذا الغرض ـ أعنى : بيان كثرة الشعر ـ أو كناية إن أريد اللازم.

(قوله : والضابط هاهنا) أى : لتنافر الحروف ، وحاصله أن الضابط المعول عليه فى ضبط تنافر الحروف الذوق وهو قوة يدرك بها لطائف الكلام ووجوه تحسينه ، فكل ما عده الذوق ثقيلا متعسر النطق به كان ثقيلا ، وما لا فلا ، خلافا لمن قال : الضابط المعول عليه فى ضبط التنافر بعد المخارج ولمن قال : قربها ؛ لأن كلا منهما لا يطرد ؛ لأنّا نجد عدم التنافر مع قرب المخرج كالجيش والشجى ، ومع بعده كعلم بخلاف ملع أى : أسرع ، فقرب المخارج وبعدها كل منهما غير مطرد فلا يكون واحد منهما ضابطا معولا عليه ، ولا يقال إن عدم الثقل فى علم وإن كانت المخارج فيه متباعدة ، بخلاف ملع لأن الإخراج من الحلق إلى الشفة أيسر من الإدخال من الشفة إلى الحلق ؛ لأنا نقول هذا لا يتم لما نجده من حسن حلم وملح وغلب وبلغ (قوله : أن كل ما يعده الذوق الصحيح)

١٥٢

متعسر النطق به فهو متنافر سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك ؛ على ما صرح به ابن الأثير فى المثل السائر. وزعم بعضهم أن منشأ الثقل فى مستشزرات هو توسط الشين المعجمة التى هى من المهموسة الرخوة بين التاء التى هى من المهموسة الشديدة ، والزاى المعجمة التى هى من المجهورة.

______________________________________________________

أى : من الحروف. (وقوله : متعسر النطق به) لازم لما قبله. (وقوله : سواء كان) أى ثقله (قوله : أو غير ذلك) أى : كوقوع حرف بين حرفين مضاد لكل واحد منهما بصفة ، كوقوع الشين بين التاء والزاى كما يأتى بيانه (قوله : فى المثل السائر) (١) هو اسم كتاب فى اللغة (قوله : وزعم بعضهم) هو الخلخالى كما قاله الفنرى (قوله : أن منشأ الثقل فى مستشزرات إلخ) أى : وأما على الأول فمنشأ الثقل فيها اجتماع هذه الحروف المخصوصة ، والحاكم بثقلها الذوق (قوله : التى هى من المهموسة إلخ) اعلم أن الحروف بالنسبة للجهر والهمس تنقسم إلى قسمين مهموسة ومجهورة ، وبالنسبة إلى الشدة والرخاوة تنقسم إلى ثلاثة أقسام شديدة ورخوة ومتوسطة بينهما ، فالحروف المهموسة عشرة يجمعها قولك : (فحثه شخص سكت) سميت بذلك ؛ لأن الهمس لغة : الخفاء ، والنفس يخفى مع هذه الحروف لجريانه معها ، لضعف الاعتماد عليها فى مخارجها ، والحروف المجهورة ما عدا هذه الحروف. سميت مجهورة ؛ لأن الجهر لغة الإظهار والنفس يمتنع أن يجرى معها لقوة الاعتماد عليها فى مخارجها والشديدة حروف ثمانية يجمعها قولك : (أجد قط بكت) سميت بذلك لمنعها النفس أن يجرى معها لقوتها فى مخارجها ، والرخوة ثلاثة عشر حرفا : هى ما عدا هذه الحروف وما عدا حروف (لن عمر) وهى المتوسطة بين الرخاوة والشدة ، وإنما سميت الأولى رخوة ؛ لأن الرخاوة لغة اللين والنفس يجرى معها حتى لانت عند النطق وإنما سميت الثانية متوسطة ؛ لأن النفس لا ينحبس معها انحباس الشديدة ولم يجر معها جريانه مع الرخوة ، إذا علمت هذا فاعلم أن الشين اتصفت بالهمس والرخاوة ، والتاء قبلها اتصفت بالهمس والشدة فقد اشتركا فى الهمس

__________________

(١) انظر المثل السائر (١ / ١٨٩) لابن الأثير.

١٥٣

ولو قال : مستشرف لزال ذلك الثقل ؛ وفيه نظر ؛ لأن الراء المهملة أيضا من المجهورة ...

______________________________________________________

واختلفا فى الشدة والرخاوة ، والضرر جاء من اختلافهما ، وكذلك شاركت الشين الزاى فى الرخاوة واختلفا فى الهمس والجهر ، والضرر جاء من اختلافهما ، فالحاصل أن الشين اتصفت بصفتين ضاربت بإحداهما ما قبلها وضاربت بالأخرى ما بعدها ، وبهذا ظهر أنه لا حاجة لوصف الشارح التاء بالهمس. فكان الأولى الاقتصار على الشدة ؛ لأن الضرر بها كما اقتصر فى الزاى على الوصف الذى به الضرر وهو الجهر وترك الرخاوة.

(قوله : ولو قال مستشرف) الأولى مستشرفات ؛ لأن البيت لا يتزن إلا به على تقدير إبدال (مستشزرات) به ، إلا أن يقال : إن ذلك القائل إنما التفت لأصل المادة (قوله : وفيه نظر) أى : فى هذا الزعم نظر فهو رد للكلام من أصله لا لقوله ، ولو قال : إلخ ، وحاصله أن علة الثقل التى ذكرتها وهى مضاربة الحرف المتوسط بين حرفين لما قبله ولما بعده فى الصفة موجودة فى مستشرف أيضا ، فيجب أن يكون متنافرا أيضا ، وأنت لا تقول إنه ثقيل ؛ لأنك قلت : ولو قال مستشرف لزال ذلك الثقل (قوله : لأن الراء المهملة أيضا من المجهورة) أى : فهى كالزاى وإن كانت الزاى رخوة والراء المهملة متوسطة بين الرخوة والشديدة ، فالشين كما ضاربت الزاى المعجمة بالجهرية تضارب الراء المهملة بذلك الوصف أيضا ؛ لأن كلا منهما مجهور والشين مهموسة ، وأجاب بعضهم عن هذا النظر بأن مراد هذا القائل أن النقل ناشيء من اجتماع الشين مع التاء والزاى ، بمعنى : أن منشأ الثقل هو اجتماع هذه الحروف المخصوصة ، والحاكم بذلك الثقل هو الذوق ، ويرشدك لهذا قوله : ولو قال مستشرف لزال ذلك الثقل ، لانتفاء هذه الحروف المخصوصة ، فهو قائل بما قاله ابن الأثير. وفى هذا الجواب نظر. إذ لو كان مراد هذا الزاعم ما ذكر ، لكان توصيفه للحروف بيان أنواعها لغوا صرفا لا فائدة فيه.

كما لا يخفى على الذوق السليم ، وإنما المستفاد من كلام هذا الزاعم هو ما ذكره الشارح المحقق. نعم يمكن الجواب عن هذا القائل بأن يقال : إن الراء المهملة فى مستشرف وإن كانت من المجهورة إلا أن مجاورة الفاء التى هى من حروف الذلاقة أزالت

١٥٤

وقيل إن قرب المخارج سبب للثقل المخل بالفصاحة ، وأن فى قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ)(١) ثقلا قريبا من المتناهى فيخل بفصاحة الكلمة ، لكن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة ؛ ...

______________________________________________________

الثقل الحاصل من توسط الشين بين ما ذكر ـ فتأمل. (قوله : وقيل إن قرب المخارج إلخ) قائله العلامة الزوزنى (قوله : إن قرب المخارج سبب للثقل) أى : ولا شك أن حروف مستشزرات متقاربة المخارج فلذا كانت ثقيلة (قوله : وأن فى قوله تعالى إلخ) بالكسر عطفا على أن قرب المخارج فهو من جملة مقول القول (قوله : ثقلا) أى : لما فيها من قرب المخارج.

(وقوله : قريبا من المتناهى) أى : من الثقل المتناهى. أى : وأما المتناهى فنحو الهعخع ـ بكسر الهاء وسكون العين المهملة وكسر الخاء المعجمة وفتحها ، فى قول أعرأبى سئل عن ناقته" تركتها ترعى الهعخع أى : نبتا أسود ، وإنما كان أعهد ثقله قريبا من المتناهى ، وثقل الهعخع متناهيا ؛ لأن الأول جمع فيه بين ما يخرج من أقصى الحلق وهو الهمزة والهاء ، وما يخرج من وسطه وهو العين والثانى جمع فيه بين ما يخرج من أقصى الحلق وهو الهاء ، وما يخرج من وسطه وهو العين ، وما يخرج من أدناه وهو الخاء ، ثم إن هذا الذى قاله الزوزنى لا يخالف ما قلناه سابقا من أن التنافر لا يخل بالفصاحة إلا إذا كان شديدا ، بحيث تصير الكلمة على اللسان كالحمل ، وأما أصل التنافر فلا يخل ، وذلك لأن كلام الزوزنى يقتضى أنه لا بد أن يكون التنافر متناهيا أو قريبا منه كما فى (أَلَمْ أَعْهَدْ) فيعلم منه أنه لا بد أن يكون شديدا بحيث تصير الكلمة كالحمل على اللسان ، وأما أصل التنافر فلا يخل بالفصاحة وهذا هو عين ما قلناه (قوله : لكن الكلام إلخ) هذا جواب منه عما يقال : يلزم على هذا أعنى : كون : (ألم أعهد) غير فصيحة أن سورة من القرآن وهى سورة يس غير فصيحة ، وهذا باطل ، وقوله الكلام الطويل أى كالسورة والقرآن (قوله : لا يخرج عن الفصاحة) أى : بل هو متصف بها.

__________________

(١) يس : ٦٠.

١٥٥

كما لا يخرج الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير عربية عن أن يكون عربيا ؛ وفيه نظر ؛ لأن فصاحة الكلمات مأخوذة فى تعريف فصاحة الكلام من غير تفرقة بين طويل وقصير ، على أن هذا القائل فسر الكلام بما ليس بكلمة ...

______________________________________________________

(قوله : كما لا يخرج الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير عربية عن أن يكون عربيّا) وذلك كالقرآن فإنه عربي. قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا)(١) وقد اشتمل على كلمات غير عربية كالقسطاس فإنها كلمة رومية : اسم للميزان ، وكالسجل فإنه كلمة فارسية : اسم للصحيفة ، وكالمشكاة فإنها كلمة هندية : اسم للطاقة التى لا تنفذ كسنبلة القنديل ، ومع اشتماله على تلك الكلمات الغير عربية لم يخرج عن كونه عربيّا كما تشهد له الآية (قوله : وفيه نظر) أى : فى ذلك القيل نظر من حيث ما اشتمل عليه من الدعوة المشار إليها بقوله : لكن الكلام الطويل إلخ ، والقياس المشار إليه بقوله كما لا يخرج إلخ ، وحاصل ما ذكره من رد الدعوة التى أجاب بها عن السؤال المقدر أن ما ادعيته من أن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن كونه فصيحا لا يسلم ، بل هو خارج عن كونه فصيحا ؛ لأن فصاحة الكلمات مأخوذة فى تعريف فصاحة الكلام من غير تفرقة بين طويل وقصير ، فيلزم من انتفاء الأولى انتفاء الثانية ، وحينئذ فقد بطلت الدعوة القائلة ، لكن الكلام الطويل إلخ. (قوله : على أن هذا القائل) أى : بأن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة وهو الزوزني : قد فسر الكلام. أى : فى قول المصنف سابقا يوصف بها المفرد ، والكلام بما ليس بكلمة.

أى : وحينئذ فالقول بوجود كلمة غير فصيحة فى كلام فصيح على تفسيره أكثر فسادا من ذلك القول على تفسير الشارح ، فالفساد لازم له فى شيئين المركب التام والمركب الناقص إذا اشتمل كل منهما على كلمة غير فصيحة ؛ لأن فصاحة الكلمات شرط فى فصاحة الكلام اتفاقا ، وهو قد أدخل المركب الناقص فى الكلام بخلاف القول المذكور على تفسير الشارح : الكلام بالمركب التام ، فإن الفساد إنما يوجد فى المركب التام المشتمل على كلمة غير فصيحة ، وأما المركب

__________________

(١) يوسف : ٢.

١٥٦

والقياس على الكلام العربى ظاهر الفساد. ولو سلم عدم خروج السورة عن الفصاحة فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح ، ...

______________________________________________________

الناقص فلا يوجد فيه هذا الفساد ؛ لأنه لم يشترط فى فصاحته فصاحة كلماته ، فإذا اشتمل على كلمة غير فصيحة صح أن يقال عليه إنه فصيح ، فقد وجد على هذا التفسير كلام فى الجملة فصيح بدون فصاحة الكلمات بخلافه على الأول ، فإنه لا يوجد ذلك أصلا (قوله : والقياس على الكلام إلخ) حاصله أن هذا القائل قاس وقوع كلمة غير فصيحة فى كلام فصيح على وقوع كلمة غير عربية فى القرآن العربى لقوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وردّ عليه بأن هذا القياس فاسد ؛ لأن القرآن لم يشتمل على كلمات غير عربية والكلمات القرآنية التى قيل فيها إنها رومية أو فارسية أو هندية توافقت فيها اللغات كالصابون والتنور ، ولو سلم أنها غير عربية ، فلا نسلم أن القرآن كله عربى والضمير فى قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) عائد على القرآن بمعنى السورة ، وإطلاق القرآن على البعض شائع ، كقول الفقهاء : " يحرّم على الجنب قراءة القرآن".

سلمنا أن الضمير راجع للقرآن بتمامه ، فلا نسلم أنه عربى باعتبار غالب الأجزاء كما زعم هذا القائل ، بل عربيته باعتبار الأسلوب والتركيب من تقديم المضاف على المضاف إليه ، وتقديم الموصوف على الصفة ، سلمنا أن عربيته باعتبار غالب الأجزاء كما قال هذا القائل ، فلا نسلم صحة القياس ؛ لأنه قياس مع الفارق ؛ لأنه اشترط فى فصاحة الكلام فصاحة الكلمات ، ولم يشترط فى عربية الكلام عربية الكلمات ، بل يكفى فى نسبة المجموع إلى العرب كون أكثره على لغتهم (قوله : ولو سلم إلخ) هذا تسليم للدعوى أى : سلمنا ما ادعيته من أن السورة لا تخرج عن الفصاحة مع اشتمالها على كلمة غير فصيحة ، لكن يلزمك شىء آخر وهو وقوع شىء غير فصيح فى القرآن ، وهو باطل إذ اشتمال القرآن على شىء غير فصيح مما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله ، لكن نسبتهما إلى الله باطلة ، فبطل اشتماله على ما ذكر ، فبطل ما قاله ذلك القائل من قوله لكن اشتمال إلخ. (قوله : فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح) أى : وإن لم يخرجه ذلك الاشتمال عن الفصاحة على هذا التقدير ،

١٥٧

بل على كلمة غير فصيحة مما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

(والغرابة) كون الكلمة وحشية ...

______________________________________________________

وقد يقال : إن الخصم لا يقول إن القرآن مشتمل على كلام غير فصيح ، وقد يجاب بأن مراده بالكلام الكلمات ، أو مجرد اللفظ على ما عليه أهل اللغة ، وقوله بعد ذلك : بل على كلمة هذا ترق من العام إلى الخاص لا يقال ، الخصم لم يقل أيضا باشتماله على كلمات متعددة ؛ لأنا نقول تجويزه اشتمال الكلام الطويل على كلمة فصيحة يستلزم تجويز اشتمال القرآن على كلمات عديدة فى مواضع مختلفة ، فكم كلام طويل فى القرآن.

واعلم أن القرآن إنما يكون مجردا عن الكلام الغير الفصيح إذا لم يعتبر الضمير فى أعهد ، وأما على اعتباره فيكون قد وقع فيه كلام غير فصيح على قول هذا القائل ، ويكون قول الشارح : فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح إلخ ظاهرا لا غبار عليه (قوله : مما يقود) أى : يجر إلى نسبة الجهل بأن المذكور غير فصيح ، أو بأن الأولى إيراد الفصيح ، أو إلى نسبة العجز عن إيراد الفصيح بدل هذا اللفظ غير الفصيح ، وبيان ذلك أن اشتمال القرآن على غير الفصيح : إما لعدم علمه تعالى بأنه غير فصيح ، أو لعدم علمه بأن الفصيح أولى من غير الفصيح ، فيلزم الجهل.

وإما لعدم قدرته على إبدال غير الفصيح بالفصيح ، فيلزم العجز. فإن قلت : يمكن أنه أورد غير الفصيح مع علمه بذلك وقدرته على الإتيان بالفصيح بدله ، وإنما أورد غير الفصيح لكونه أوضح دلالة على المعنى المراد من الفصيح ، أو لحكمة لا تصل إليها عقولنا وحينئذ فلا محذور فى اشتمال القرآن على غير فصيح ، قلت : المقصود من القرآن إنما هو الإعجاز بكمال بلاغته وفصاحته ، لأجل تصديق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووجود كلمة غير فصيحة فيه موجب لعدم فصاحة ما اشتمل عليه من المقدار المعجز بالاتفاق ، وعدم فصاحة ذلك القدر موجب لعدم بلاغته ، فلا يكون معجزا ، ومخالفة ذلك المقصود لأمر عارض تعد سفها وخروجا عن الحكمة ، وهو لا يليق بحال الحكيم ، وحينئذ فيكون الإتيان

١٥٨

غير ظاهرة المعنى ، ولا مأنوسة الاستعمال ...

______________________________________________________

بغير الفصيح مع العلم به والقدرة على تبديله مستلزما للجهل بأنه سفه إذ الحكيم إنما يضع الأشياء فى محلها ، فظهر لك من هذا أن الإتيان بالسفه نتيجة للجهل بأنه سفه فتكون نسبة السفه داخلة تحت نسبة الجهل ، فاندفع ما يقال إن الاحتمالات ثلاثة ، فكان الأولى للشارح أن يقول مما يقود إلى نسبة الجهل ، أو السفه ، أو العجز إلى الله هذا وإنما عبر بيقود دون يسوق ؛ لأنه أبلغ فى التشنيع على ذلك القائل ؛ لأن القود هو الأخذ من أمام والسوق من خلف ، فإذا حصل المحذور من أمام الذى هو أقوى فى إدراك الشيء عادة كان أبلغ فى التشنيع ـ فتأمل. (قوله : غير ظاهرة المعنى) أى : الموضوع له فلا يرد المتشابه والمجمل فإنهما فى القرآن ، فيلزم أن فيه الغريب ؛ لأنهما غير ظاهرى الدلالة على المراد لله ، وأما بالنسبة لمعانيها الموضوعة لها فهى ظاهرة المعنى لسهولة انتقال الذهن منها إليها ثم ، إن قوله : غير ظاهرة المعنى تفسير لكونها وحشية ، والمراد بعدم ظهور معناها : ألا ينتقل الذهن منها لمعناها الموضوعة له بسهولة (قوله : ولا مأنوسة الاستعمال) أى : ولا مألوفة الاستعمال فى عرف الأعراب الخلص ؛ وذلك لأن العبرة بعدم ظهور المعنى وعدم مأنوسية الاستعمال بالنسبة للعرب العرباء سكان البادية ، لا بالنسبة للمولدين والإخراج كثير من قصائد العرب ، بل جلها عن الفصاحة ، فإنها الآن لغلبة الجهل باللغة على أكثر علماء هذه الأزمان فضلا عمن عداهم لا يعرفون مفرداتها فضلا عن مركباتها ، وقوله : ولا مأنوسة الاستعمال عطف سبب على مسبب ، ولفظة غير فى قوله : غير ظاهرة المعنى مستعملة فى النفى بمعنى لا بقرينة عطف ولا مأنوسة الاستعمال عليه ، لا أنها مستعملة فى معناها الأصلى وهو كونها اسما بمعنى مغاير وإنما أعاد النفى المستفاد من غير كقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)(١) تنبيها على أن النفى يتعلق بكل من المعطوفين لا بالمجموع من حيث هو ، ثم اعلم أن الغريب قسمان : أحدهما ما نتوقف معرفة معناه على البحث والتفتيش فى كتب

__________________

(١) الفاتحة : ٧.

١٥٩

(نحو :) مسرج فى قول العجاج (١) : ومقلة وحاجبا مزججا ؛ ...

______________________________________________________

اللغة المبسوطة لعدم تداوله فى لغة خلص العرب : كتكأكأتم وافرنقعوا ، فإن مثل هذه لعدم تداولها فى لغة العرب الخلص لا يذكرها من اللغويين فى كتابه إلا من قل ومنه ما لا يرجع فى معرفة معناه إلى كتب اللغة لكونه غير مستعمل عند العرب ، فيحتاج إلى أن يخرج على وجه بعيد ، وذلك كمسرج كما سيأتى بيانه.

والمصنف إنما مثل للثاني ، وقول الشارح غير ظاهرة إلخ : صادق بالقسمين ، ثم اعلم أن القسم الأول من الغريب : يكون فى الجوامد والمصادر والمشتقات باعتبار مبادئها أى : أصلها المشتقة منه كالتكأكؤ ، والقسم الثاني : يكون فى المشتقات باعتبار هيئاتها ووجه انحصار الغريب فى القسمين أن اللفظ بجوهره وهيئته يدل على المعنى ، فعدم ظهور دلالته إما باعتبار جوهره فيحتاج إلى التنقير والتفتيش ، وإما باعتبار هيئته فيحتاج إلى التخريج (قوله : نحو مسرج) أى : نحو غرابة مسرج (قوله : فى قول العجاج) هو رؤبة عبد الله البصرى أبو محمد بن العجاج التميمى السعدى ، هو وأبوه راجزان مشهوران ، لكل واحد منهما ديوان رجز ليس فيه سوى الأراجيز ، سمع عن أبيه العجاج ، وأبوه سمع أبا هريرة ـ رضى الله عنه ، وهذا البيت من قصيدة طويلة مطلعها :

ما هاج أشجانا وشجوا قد شجا

من طلل كالأتحمىّ أنهجا

أمسى لها فى الرامسات مدرجا

واتخذته النائحات منأجا

منازل هيّجن من تهيّجا

من آل ليلى قد عفون حججا

والسّخط قطّاع رجاء من رجا

أزمان أبدت واضحا مفلّجا

أغرّ برّاقا وطرفا أبرجا

ومقلة وحاجبا مزجّجا

__________________

(١) الرجز لرؤية بن العجاج فى ديوانه ٢ / ٣٤ ، ولسان العرب (سرج) ، (رسن) وتاج العروس (سرج) ، (رسن) ، وعجز الثانى للعجاج فى الإيضاح ص ٣ ، ٢٧٧ ، والمصباح ص ١٢٣ ، أسرار البلاغة ج ١٠ ص ١٢٤ ، وينسب لرؤبة فى شرح عقود الجمان ج ١ ص ١٢. وهو : رؤبة بن العجاج البصرى التميمى أبو محمد ، شاعر ، راجز ، توفى سنة ١٤٥ ه‍ ، وقد أسنّ [معجم المؤلفين : ٤ / ١٧٣].

١٦٠