النّجم الثاقب - ج ٢

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ٢

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢١
الجزء ١ الجزء ٢

قوله : (وأمّا) إنما عدّها من حروف الشرط ، لأنّ فيها معناه بدليل لزوم الفاء في خبرها ، ولا يجوز حذفها إلا إذا كان جوابها محكيا بالقول نحو :(فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ)(١) أو في ضرورة شعر ، نحو :

[٨٣٦] فأما القتال فلا قتال لديكم (٢)

 ...

قوله : (للتفصيل) يعني تفصيل ما أجمله المخاطب ، نحو قولك : (أما زيد فقائم وأما عمرو فقاعد) ، وليس التفصيل فيها لازم على الأصح ، بل لا مانع من أن نقول : (أما زيد فقائم) وتسكت ، قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)(٣) تقديره : (وأما الراسخون في العلم فيقولون : فحذفت الفاء من (يقولون) لأنّ حذفها جائز عندهم في السعة.

قوله : (والتزم حذف فعلها) يعني شرطها لأن الأصل عند سيبويه (٤) في قولك : (أما زيد فقائم) ، (مهما يكن من شيء فزيد قائم) (٥) فلما كثر استعمالها في الكلام ، ودورها لأنها موضوعة للتفصيل وهو يستدعي تكرارها ، أرادوا تخفيفها ، فالتزموا حذف شرطها وهو : (يكن من شيء) ثم حذفوا (مهما) وعوّضوا عنها (أمّا) لأنها أخف فصار الكلام ، (أما فزيد

__________________

(١) آل عمران ٣ / ١٠٦ ، وتمامها : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

(٢) سبق تخريجه ص ١٧٥.

(٣) آل عمران ٣ / ٧ ، وتمامها : (... فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...).

(٤) ينظر الكتاب ٤ / ٢٣٥.

(٥) ينظر الجنى الداني ٥٢٢.

٦٢١

قائم) فعوضوا مكان الشرط جزاء ، مما بعد الفاء وهو (زيد) واتصلت الفاء بقائم ، فصار : (أما زيد فقائم) وهذا التفسير الذي ذكر سيبويه (١) تفسير الإعراب لا تفسير معنى ، لأن (مهما) اسم للمجازاة و (أما) حرف للتفصيل (٢) وقال [و ١٤٩] بعضهم : الأصل (أمّا إن يكن شيء فزيد قائم) أي إن يقع شيء أيّ شيء كان فهو يقتضي قيام زيد بكل حال ، وقال الكوفيون : أصل (أما) أنّ ما فأدغمت النون في الميم كما في : (أمّا أنت منطلقا) لأنهم يجيزون في أن المفتوحة أن تكون شرطية.

قوله : (وعوضّ بينها وبين فائها جزء مما في حيزها) [مطلقا وقيل](٣) يعني أنهم لما حذفوا شرط (أما) أرادوا أن يأتوا بشيء في موضعه ليسدّ مسدّه ، ولأنه يلي أداة الشرط وهي (أما) أداة الجزاء وهي (الفاء) فعوضوا مكانه زيدا الذي بعد الفاء ونقلوه إلى ما قبلها واتصلت الفاء بقائم ، وهو جزء مما في حيزها ، أي مما بعد الفاء ، والذي بعدها إن كان اسم فالمتقدم وهو الجزء الأول ، وإن كان فعلا فالمتقدم هو الجزء الثاني وهو :إما مفعول أو فاعل مقدم ، ولا يتقدم على الفاء إلا جزء واحد مما في حيزها ولا يصح تقدم جملة ولا جزءين لأنا نقول : (أمّا زيد طعامك آكل).

قوله : (وهو معمول لما في حيزها مطلقا) [أما يوم الجمعة فزيد

__________________

(١) ينظر الكتاب ٣ / ٥٩ ، وينظر المفصل ٣٢٣ ، وشرحه لابن يعيش ٩ / ١١ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٣٩٠.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٢٦٧.

(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

٦٢٢

منطلق](١) اختلف في الواقع بعد (أمّا) على ثلاثة مذاهب ،الأول : للمبرد (٢) أنه جزء مما في الفاء معمول به ، وإنما قدم للعوض والتنبيه على أنه جنسه المراد بالتفصيل واختاره المصنف (٣) ، وقوله :(مطلقا) يعني سواء كان بعد الفاء ما يمنع التقديم نحو : (أما زيد فإني أكرمه) أو لم يكن نحو : (أما زيد فقائم).

الثاني قوله : (معموله المحذوف مطلقا) يعني أنه جملة مستقلة عاملها محذوف ، وما بعد الفاء جملة أخرى ، تقدّر لكل جملة ما يليق بها من العوامل ، إن كان المعوّض معمولا قدّر له فعل متعد ، وإن كان مرفوعا قدّر له رافع والجملة الأخرى يقدّر لها مبتدأ وإن كان بعد الفاء اسما أو مفعولا ، إن كان بعدها فعلا.

الثالث للمازني (٤) التفصيل وهو قوله : (وقيل إن كان جائز التقديم فمن الأول وإلا فمن الثاني) يعني إن كان [ما] بعد الفاء [ما](٥) يمنع من العمل فيما قبلها ، وذلك حيث لا يتقدم معموله عليه ، أو يكون له

__________________

(١) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) ينظر المقتضب ٢ / ٦٩ ، وشرح الرضي ٢ / ٤٠٠.

(٣) ينظر شرح المصنف ١٣٢.

(٤) قال الرضي في شرحه ٢ / ٤٠٠ : ذهب المازني إلى أنه إن لم يكن بعد الفاء مستحق للتصدر كـ (إن) و (ما) أو مانع آخر من عمل العامل فيما قبله ككون العامل صفة ومعموله قبل موصوفه نحو : (أما زيدا فأنا رجل ضارب) ، أو كون المعمول تمييزا وعامله اسم تام نحو : (أما درهما فعندي عشرون) أو كون العامل مع نون التوكيد نحو : (أما زيد فلأضربن) أو صلة نحو : (أما القميص فإن تلبس خير لك).

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٦٢٣

الصدر نحو : (أما زيد فإنه قائم) لم يجز التقدم لأن (إن) لها الصدر ، ولا يتقدم معمولها عليها فيكون ما بعد الفاء جملة مستقلة كالقول الثاني ، وإن كان لا يمنع ما بعد الفاء من العمل فيما قبلها فالكل جملة واحدة كالقول الأول نحو : (أمّا زيد فقائم).

(وأما يوم الجمعة فزيد منطلق) قال ابن الحاجب : (١) ولو نظر المفصّلون كلّ النظر لعلموا أنّ الباب كله من هذا القبيل ، لأن ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلها ولا بدّ منها ، ولا فرق بين (أمّا يوم الجمعة فزيد منطلق) وبين (أمّا يوم الجمعة فإنّ زيدا منطلق) فإن زعموا أنّه خولف هذا الأصل في الفاء لغرض ذكر ما هو المقصود منهما فلا بعد أن يخالف في غيرها [مما ذكروه](٢) لغرض ، ويعني بالغرض : الاهتمام بتقديم الاسم.

__________________

(١) ينظر شرح المفصل ١٣٢.

(٢) زيادة مذكورة في شرح المصنف ويقتضيها السياق.

٦٢٤

حرف الردع

قوله : (حرف الردع (كلّا) (١) وبمعنى حقّا) (٢) يعني أن لـ (كلّا) معنيين ، أحدهما الردع والزجر ، وذلك حيث يكون ما قبلها منكرا ، قال تعالى : (رَبِّي أَهانَنِ ، كَلَّا)(٣) أي ليس الأمر على ما ذكرت ، وكذلك إذا قيل : فلانا شتمك ؛ كلا أي ارتدع ، وقد تكون لنفي الإجابة نحو : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا)(٤) أي لا تجاب ، وهل يوقف عليها إذا كانت للردع أولا؟ حكي عن ثعلب (٥) أنه لا يوقف عليها في جميع القرآن لأنها جواب ، والفائدة فيما بعدها ، وحكي عن ابن برهان (٦) أنه يوقف عليها في جميع القرآن لأنها بمعنى انتبه ، إلا في قوله تعالى :(كَلَّا وَالْقَمَرِ)(٧) فإنه لا يوقف عليها [ظ ١٤٩] دون القسم ، وحكي عن

__________________

(١) ينظر الكتاب ٤ / ٢٣٥ ، والمفصل ٣٢٥ ، وشرح المصنف ١٣٣ ، وشرح الرضي ٢ / ٤٠٠ ، ورصف المباني ٢٨٧ ، والجنى الداني ٥٧٧ وما بعدها ، والمغني ٢٤٩ وما بعدها.

(٢) في الكافية المحققة زيادة وهي (وقد جاء).

(٣) الفجر ٨٩ / ١٦ ـ ١٧ ، وتمامها : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ).

(٤) المؤمنون ٢٣ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، وتمامها : (... كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

(٥) ينظر شرح المفصل ٩ / ١٦.

(٦) ينظر رأي ابن برهان في شرح المفصل ٩ / ١٦ ، وهو موافق لرأي ابن برهان دون أن ينسبه إليه.

(٧) المدثر ٧٤ / ٣٢.

٦٢٥

الإمام المؤيد برب العزة يحيى بن حمزة (١) أنها إذا انقطعت عما بعدها وقف عليها ، وإن اتصلت لم يوقف ، المعنى الثاني بمعنى (حقا) وتكون اسما وبنيت حملا على التي للردع ، ويجوز أن يجاب بما يجاب به القسم نحو :(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى)(٢) ومنهم من قال بحرفيتها على كلا المعنيين ، وأنكر الزمخشري (٣) أن تكون بمعنى (حقا) ، وقال هي للردع أينما وردت.

__________________

(١) ينظر رأي يحيى بن حمزة في الأزهار الصافية السفر الثاني ورقة ٢٥٢.

(٢) العلق ٩٦ / ٦.

(٣) ينظر الكشاف ٤ / ٧٣٨ ، واستعرضت كل الآيات التي فيها كلا عند الزمخشري وكلها تؤكد ما ذهب إليه الشارح من أنها للردع والزجر.

٦٢٦

تاء التأنيث الساكنة

قوله : (تاء التأنيث الساكنة) (١) يحترز من المتصلة بالأسماء جامدها كـ (طلحة) و (فاطمة) ، ومشتقا كـ (قائمة) فإنها متحركة ، وإنما حرّكت ، لأنها لما اتصلت بالاسم المعرّف صارت كالجزء منه ، فجعل إعرابه عليها ، فإن قيل : نزلت من الفعل منزلة الجزء منه فجعلت فتحته عليها ، أجيب بأن دخولها على الاسم أقوى ، لأنها تدخل على مؤنث ، ودخولها على الفعل لتأنيث فاعلها فقط ، وأما الأفعال فهي مذكرة وكان الأولى ألا يحترز عن متحركة لأنه في تعداد الحروف وهما حرفان معا ، أجيب بأنّ المتحركة قد صارت كالاسم لتنزلها منزلة الجزء من الكلمة فلم يذكرها ، وقيل : خصّ الساكنة بالذكر لما كان سيردفها فيها بحكم لها خاص ، وهو قوله : (كان ظاهرا غير حقيقي فمميز) وقال الإمام المؤيد برب العزة يحيى بن حمزة :لأن كلامه فيما يختص بالأفعال.

__________________

(١) قال المرادي في الجنى ٥٧ : وأما تاء التأنيث فهي حرف يلحق الفعل ، دلالة على تأنيث فاعله لزوما في مواضع وجواز في مواضع ... وتتصل به متصرفا وغير متصرف ما لم يلزم تذكير فاعله كـ (أفعل) في التعجب ، و (خلا) و (عدا) و (حاشا) في الاستثناء ، وحكم هذه التاء السكون ...).

للتفصيل : ينظر رصف المباني ٢٣٦ ، والجنى الداني ٥٧ ، والمغني ١٥٧ ، وشرح الرضي ٤٠١ ، وشرح شذور الذهب ٢٠٤ وما بعدها ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٧٥ وما بعدها.

٦٢٧

قوله : (وتلحق الماضي لتأنيث المسند إليه) (١) إنما ألحقت به للتنبيه من أول الأمر على تأنيث الفاعل نحو : (قامت هند) ولأن تأنيث الفاعل غير موثوق به ، إذ قد يشارك المذكر المؤنث ، نحو (علّامة) ويسمى المذكر بمؤنث ، وإنما اختصّت بالماضي دون المضارع ، لأن حروف المضارعة كافية في الدلالة على تأنيث الفاعل.

قوله : (فإن كان ظاهرا) يعني الفاعل يحترز من المضمر نحو (الشمس طلعت) فإنه يجب مطابقته لفاعله.

قوله : (غير حقيقي) يحترز من الحقيقي فإنه تجب فيه المطابقة نحو :(قامت هند).

قوله : (فمميز) (٢) يعني أنه يجوز لك التذكير والتأنيث في الفاعل غير الحقيقي ، نحو : (طلعت الشمس) و (طلع الشمس) وقد تقدم تفصيل ذلك.

__________________

(١) أي لتأنيث الفاعل أو نائبه.

(٢) قال ابن مالك في ألفيته :

وتاء تأنيث تلي الماضي ، إذا

كان لأنثى كـ (أبت هند

وإنما تلزم فعل مضمر

متّصل أو مفهم ذات حر

قال ابن عقيل في ١ / ٤٧٦ : إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على كون الفاعل مؤنثا ، ولا فرق في ذلك بين الحقيقي والمجازي ... ثم قال : لكن لها حالتان : حالة لزوم ، وحالة جواز ، وتلزم في موضعين :

١ ـ أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل ولا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي نتقول : هند قامت والشمس طلعت.

٢ ـ أن يكون الفاعل ظاهرا حقيقي التأنيث نحو : قامت هند ...

٦٢٨

قوله : (وأما إلحاق علامة التثنية والجمعين فضعيف) (١) يعني إذا كان الفعل مسندا إلى ظاهرة فإلحاق علامة التثنية وجمع المذكر والمؤنث ، قيل الظاهر ضعيف نحو : (قاما الزيدان) و (قاموا الزيدون) و (قمن الهندات) كعود الضمير إلى غير مذكور متقدم من غير فائدة ، وللزوم أن يكون للفعل فاعلان ، وإنما ألحقت علامة التأنيث قبل الفاعل بخلاف علامة التثنية والجمعين ، لأنك تعرف التثنية والجمعين من لفظ المثنى والمجموع ، وقد لا يعلم التأنيث من لفظ المؤنث نحو : (جاءني علّامة نسابه) وأجاز بعضهم إلحاق العلامة في التثنية والجمعين ورواها سيبويه (٢) والبصريون لغة قوم من العرب واحتجوا بقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٣) وقوله : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)(٤) وقولهم :(أكلوني البراغيث) (٥) ، وقوله :

__________________

(١) ينظر شرح شذور الذهب ٢٠٤ وما بعدها ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٧٦ وما بعدها.

(٢) ينظر الكتاب ٢ / ٤٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٨٣.

(٣) الأنبياء ٢١ / ٣ وتمامها : (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ).

(٤) المائدة ٧١ وتمامها : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ).

(٥) ينظر هذا القول في : الكتاب ٣ / ٢٠٩ ، والأصول ١ / ٧١ ١٣٦ ـ ١٧٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٤ ، ٢ / ٧٠١. قال ابن مالك في شرح التسهيل ٢ / ٧٠١ : (إذا تقدم الفعل على المسند إليه فاللغة المشهورة أن لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع بل يكون لفظه قبل غير الواحد والواحدة كلفظه قبلها ، ومن العرب من يوليه قبل الاثنين ألفا ، وقبل المذكرين واوا ، وقبل الإناث نونا على أنها حرف مدلول بها على حال الفاعل الآتي قبل أن يأتي ومنها قول بعض العرب : أكلوني البراغيث ، وقد تكلم بها النبي صلّى الله عليه وسلم فقال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ...).

٦٢٩

[٨٣٧] رأين الغوانى الشيب لاح بمفرقى

فأعرضن عنى بالخدود النواضر (١)

وتأول الجمهور ما ورد من ذلك ، واختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم :هي ضمائر وما بعدها بدل منها بدل ظاهر من مضمر ، وضعف بعود الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة ، وقال بعضهم : الظاهر مبتدأ ، والضمير وفعله خبر عنه متقدم ، وضعف بأن الخبر لا يتقدم على المبتدأ إذا كان فعلا له ، خلافا للكسائي والكوفيين ، وقال بعضهم : هي حروف وليست بضمائر أتي بها للدلالة على أحوال الفاعلين ، كما أتي بتاء التأنيث للدلالة على تأنيث الفاعل ، وضعف بأن فيه دعوى الاشتراك.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لمحمد بن عبد الله العتبي في الأغاني ١٤ / ١٩١ ، وينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٤ ، ٢ / ٧٠٣ ، وشرح شذور الذهب ٢٠٦ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٧١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٧٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧١.

والشاهد فيه قوله : (رأين الغواني) حيث اتصل بفعل (رأين) ضمير الفاعل وهو نون النسوة مع ذكر الفاعل الظاهر (الغواني) على لغة أكلوني البراغيث ...).

٦٣٠

التنوين

قوله : (التنوين نون ساكنة تتبع حركة الآخر [و ١٥٠] لا لتأكيد الفعل) فقوله : (نون) (١) جنس يعمّ جميع النونات أصلية كانت أو زائدة ، متحركة أو ساكنة ، أولى أو وسطى أو أخرى ، وقوله : (ساكنة) خرجت المتحركة سواء كانت أصلية كـ (حسن) من الحسن ، أو زائدة كـ (ضيغن) و (رعشن) أولى ويعني بقوله : (ساكنة) في الأصل ، وإلا فقد تحرك لالتقاء الساكنين ، وقوله : (تتبع حركة الآخر) أنها تأتي بعد حركته ، خرج ما كان أولى أو وسطى مطلقا ، وما كان آخره لا يتبع حركة الآخر كنون (لدن) و (لم يكن) ومعنى تبعته حركة الآخر ، أنها تأتي بعد حركته إذا حرك ، ولا تأتي في الوقف ، قوله (لا لتأكيد الفعل) يحترز من نوني التأكيد ، فإنهما زائدتان تتبعان حركة الآخر نحو : (ضربن يا زيد اضربن يا هند واضربّن يا رجال لكنها للتأكيد).

قوله : (وهو للتمكين والتنكير والعوض والمقابلة والترنم) يعني أن أقسام التنوين خمسة ، فتنوين التمكين ما دلّ على أمكنية الاسم ،

__________________

(١) ينظر مادة (نون) في اللسان ٦ / ٤٥٨٦.

٦٣١

وهو يكون في الأسماء المنصرفة كـ (زيد) و (رجل) ، وغير المنصرفة إذا نكّرت نحو (ربّ إبراهيم لقيت) على الأصح ، وزعم بعضهم : أن تنوين رجل للتنكير ، وأما تنوين التنكير فهو اللاحق بآخر الأسماء المبنية ، فرقا بين معرفتها ونكرتها ، كالأصوات وأسماء الأفعال ، نحو : (غاق) و (يا) و (صه) و (سيبويه) آخر ، وأما تنوين العوض فقد يكون عن حرفك (جوار) و (قاض) على مذهب سيبويه (١) ، وأما المبرد (٢) فقال : هو عوض عن الإعلال وقد يكون عن كلمة (كل) و (بعض) قال تعالى : (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ)(٣) أي كل ونحو : (قبل) و (بعد) إذ لم يبق المضاف ، وقد يكون عن جملة نحو : (يومئذ) و (ساعة إذ) و (حينئذ) ، لأن (إذ) لا تضاف إلا إلى الجمل ، وأما تنوين المقابلة فهو الداخل في جمع المؤنث السالم علما كان أو غير علم ، كـ (مسلمات) و (عرفات) ، لأنهم قابلوا به نون جمع المذكر السالم ، وجعل الزمخشري (٤) والربعي (٥) تنوين المؤنث السالم علما كان أو غير علم تنوين تمكين ، كـ (زيد) و (عمرو) ، ورد بأنه غير منصرف إذا سمّي به للعلمية والتأنيث ، فيلزم زوال التنوين إذا كان للتمكين ، وأجيب بأن التأنيث غير معتبر ، لأن التاء فيه للجمع ، وتاء التأنيث قد سقطت ، وهي لا تعتبر وقال الزمخشري : و (عرفات) في قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ

__________________

(١) ينظر الكتاب ٤ / ٢٠٦.

(٢) ينظر همع الهوامع ٤ / ٤٠٦.

(٣) البقرة ٢ / ٢٨٥.

(٤) ينظر المفصل ٣٢٨ ، وشرحه لابن يعيش ٩ / ٢٩.

(٥) ينظر الهمع ٤ / ٤٠٦.

٦٣٢

مِنْ عَرَفاتٍ)(١) علم للموقف مسمّى بجمع كـ (أذرعات) ، وصرف لعدم اجتماع علتين ، لأن التاء والألف علامة لجمع المؤنث ، وهما مانعتان من تقدير التاء ، كما أن التاء هي عوض عن الواو في (بنت) و (أخت) مانعة من تقدير تاء التأنيث ، واعترض بأنها بدل عن تاء التأنيث نائبة منابها ، بدليل انفتاح الكلمة لها بخلاف (بنت) و (أخت) فما قبل التاء فيهما ساكن ، وأجيب بأن انفتاح الآخر للألف لا للتاء ، وقال الإمام المؤيد برب العزة يحيى بن حمزة : (٢) ما كان علما من هذا الجمع فتنوينه للمقابلة ، وما كان نكرة فتنوينه للتمكين. وأما تنوين الترنم (٣) فهو اللاحق بالقوافي الشعرية ، وهو يخالف التنوينات بأمرين أحدهما : أنه عكسها ، لا يكون إلا في الوقف ، وهي لا تكون إلا في الوصل ، الثاني : أنه يدخل الأسماء معربها ومبنيها ومعرّفها ومنكرها ، والأفعال والحروف وسائر ما تختص به الأسماء ، وهو ضربان أحدهما : يلحق القوافي المطلقة ، وهي التي آخرها ألفا وواوا وياء فالألف نحو :

[٨٣٨] يا صاح إن هاج الدموع الذّرفّن (٤)

 ...

[٨٣٩] ...

من طلل كالأتحمى أنهجن (٥)

__________________

(١) البقرة ٢ / ١٩٨ ، وينظر المغني ٤٤٥.

(٢) ينظر الأزهار الصافية شرح المقدمة الكافية ٦٥.

(٣) ينظر المغني ٤٤٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش ٩ / ٢٩ وما بعدها ، والكتاب ٤ / ٢٠٧ ، وشرح الرضي ٢ / ٤٠٢.

(٤) الرجز للعجاج كما في ديوانه ٧ ، وينظر الكتاب ٤ / ٢٠٧ ، ويروى فيه ما هاج بدل إن هاج. والخصائص ١ / ١٧١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٦.

والشاهد فيه : وصل القافية بالنون للترنم كما وصلت بحروف المد واللين للترنم أيضا.

(٥) الرجز للعجاج وينظر المصادر في الشاهد السابق.

٦٣٣

[٨٤٠] يا أبتا علك أو عساكا (١)

 ...

ففي (الذرفن) دخل على المعرف ، وفي أنهجا على الفعل ، وفي عساكا على المضمر المبني ، ولم يسمع دخوله في الحروف إلا في (كأن) و (قد) لكنه يقاس بـ (لا) وكلا في التي آخرها (واو) نحو :

[٨٤١] متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيتها الخيامو (٢)

[ظ ١٥٠]

والتي الياء نحو :

[٨٤٢] أزف الترحل غير أنّ ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قدن (٣)

وقال بعضهم ليس هو تنوين ، لكن هذا نون أبدل من حرف الإطلاق.

الضرب الثاني اللاحق للقوافي المقيدة نحو :

[٨٤٣] وقاتم الأعماق خاوي المخترق

مشبه الأعلام لماع الخفق (٤)

__________________

(١) الرجز للعجاج وينظر المصادر السابقة.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ٢٧٨. وينظر الكتاب ٤ / ٢٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٦١٧ ، وشرح المفصل ٩ / ٧٨٣ ، والجنى الداني ١٧٤ ، ومغني اللبيب ٤٨٢ وشرح شواهد المغني ١ / ٣١١ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٢١.

والشاهد فيه قوله (الخيامو) حيث وصل الكافية المقرونة بـ (أل) في حال الرفع بالواو كوصل غير المقرونة بها والواو هذه تسمى واو الإطلاق وهي في الحقيقة واو الإشباع لكنها قياسية.

(٣) البيت من الكامل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ٤٩ ، وينظر المقتضب ١ / ٤٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٣٤ ، وشرح المفصل ٩ / ١٨ ـ ٥٢ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥٥ ، والجنى الداني ٢٦٠٠١٤٦ ، ومغني اللبيب ٢٢٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٨٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، ويروى بالياء قدي.

والشاهد فيه قوله : (قدن) حيث أدخل تنوين الترنم على الحرف قد.

(٤) الرجز لرؤبة في ديوانه ١٠٤ ، وينظر الكتاب ٤ / ١١٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٥٣ ، والخصائص ٢ / ٢٢٨ ، ـ وشرح المفصل ٢ / ١١٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ٢٢٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٤ ، وهمع الهوامع ٤ / ٢٢٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٥ ، ويروى في المفصل بإثبات النون في المخترق ـ المخترقن.

والشاهد فيه قوله : (وقاتم) حيث حذف رب بعد الواو وأعملها قاتم والشاهد الثاني (المخترقن) حيث يروى بإثبات النون ، وهو التنوين الغالي الذي يلحق القوافي الساكنة.

٦٣٤

روي بفتح القاف وكسرها ، فالكسر إما بحركته قبل الوقف ، لأنه مضاف إليه ، أو على أصل التقاء الساكنين ، والفتح حملا له على نون التوكيد نحو : (اضربّن) واختاره المصنف (١) على الكسر ، ويجمع هذين الضربين اسم الترنم ، مأخوذ من ترنم الوتر ، وهو صوته ، وقيل اسم الترنم خاص بالضرب الأول وهذا الثاني سمي الغالي (٢) ، مأخوذ من الغلو ، وهو تجاوز الحد ، وقيل من غلاء السعر وهو قلته ، وأصل التنوينات السكون وإنما تحرك لالتقاء الساكنين نحو (وَعَذابٍ ارْكُضْ)(٣) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ)(٤) وقد يحذف لالتقاء الساكنين نحو :

[٨٤٤] ...

ولا ذاكر الله إلا قليلا (٥)

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ١٣٣.

(٢) ينظر اللسان مادة (غلا) ٥ / ٣٢٩١.

(٣) ص ٣٨ / ٤١ ـ ٤٢ وتمامها : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) وقرئ بالضم ينظر المفصل ٣٢٩.

(٤) الإخلاص ١١٢ / ١ ـ ٢ ، وقرأ أبان بن عثمان وزيد بن علي ونصر بن عاصم وابن سيرين والحسن وغيرهم بحذف التنوين وضم لفظ (أحد) لالتقائه مع لام التعريف. ينظر البحر المحيط ٨ / ٥٣٠ ، والسبعة في القراءات ٧٠١ ، وإعراب القرآن للنحاس ٥ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٥) صدر بيت من المتقارب ، وعجزه :

فألفيته غير مستعتب

وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ٥٤ ، وينظر الكتاب ١ / ١٦٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٠ ، والمقتضب ٢ / ٣١٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٤ ، والإنصاف ٢ / ٦٥٩ ، والمفصل ٣٢٩ ، وشرحه لابن يعيش ٢ / ٦ ، ـ ٩ / ٣٤ ، وشرح الرضي ٢ / ٤٠٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٥٣٠.

والشاهد فيه : حذف النون من (ذاكر) ضرورة.

٦٣٥

وتبدل ألفا في حال النصب نحو : (رأيت زيدا).

وله : (ويحذف من العلم الموصوف بابن مضافا إلى علم [آخر](١)) يعني أن التنوين إذا لاقى ساكنا في علم مكبر موصوف بـ (ابن) مضاف إلى علم مكبر نحو : (زيد بن عمرو) وجب حذف التنوين ، وما ثبت فضرورة نحو (جارية بن قيس بن ثعلبة) وألحق به الكوفيون الموصوف بابن مضافا إلى مثله نحو : (شريف بن شريف) و (سيد بن سيد) و (ضلّ بن ضل) ويعني بالعلم الصريح نحو (زيد بن عمرو) والكناية نحو (فلان بن فلان) (٢) واحترز بالمكبر عن المصغّر فإنه ينوّن بالوصف بـ (ابن) عن أن يكون موصوفا بغيره ، نحو (زيد صاحب عمرو) ويكون (ابن) بدلا أو خبرا ، فإنه ينوّن ، أخينا نحو : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ)(٣) وبالمضاف إلى علم من الإضافة إلى غيره نحو (زيد بن أحدنا) ، فإنه ينوّن ، وزاد بعضهم أن يكون العلم الثاني مذكرا لقلة النسبة إلى الأم فيما كثر نحو : (عمرو بن هند لملك) ، فإن نسبته إلى أمه أكثر ، وإنما حذف مع اجتماع هذه الشروط لكثرته فخففوه بحذف تنوينه لفظا والثاني خطا والموصوف بـ (ابنه) جار مجرى الوصف بـ (ابن) بخلاف بنت ، لأنه لم يلتق فيه ساكنان ، وأما ابن

__________________

(١) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) ينظر شرح الرضي ٢ / ٤٠٢.

(٣) التوبة ٩ / ٣٠ وتمامها : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ ...).

٦٣٦

مالك (١) فأجرى بنت في حذف التنوين مجرى ابن وإن لاقى التنوين غير ما اجتمعت فيه هذه الشروط ، بقي التنوين في أكثر الكلام ، وحرك بالكسرة وبالضم للاتباع إن كان بهد الساكن الملاقي له مضموم ، ويجوز حذفه قليلا تشبيها له بحرف العلة نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ) في الشاذ (٢) قوله :

[٨٤٥] ...

ولا ذاكر الله إلا قليلا (٣)

وقوله :

[٨٤٦] عمرو الذي هشم الثريد لقومه (٤)

 ...

__________________

(١) ينظر رأي ابن مالك في الهمع ٤ / ٤٠٨.

(٢) ينظر الرضي ٢ / ٤٠٢ ، وإعراب القرآن للنحاس ٥ / ٣٠٩ وفيه : وقرأ نصر بن عاصم وعبد الله بن إسحاق أحد الله بغير تنوين وكذا يروى عن أبان بن عثمان حذفوا التنوين لالتقاء الساكنين. فحذف التنوين قبيح وقراءة الجماعة أولى.

(٣) سبق تخريجه برقم ٨٤٤.

(٤) البيت من الكامل ، وهو لمطرود بن كعب الخزاعي في الاشتقاق ١٣ ، ولعبد الله بن الزبعرى في أمال المرتضى ٢ / ٢٦٩ ، وينظر نوادر أبي زيد ١٦٧ ، والمقتضب ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ٢٨٩ ، والإنصاف ٢ / ٦٦٣ ، وشرح المفصل ٩ / ٣٦ ، والبحر المحيط ٨ / ٥٣٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٦٧. وعجزه :

ورجال مكة مسنتون عجاف

والشاهد فيه قوله : (حذف التنوين من (عمرو) للضرورة الشعرية.

٦٣٧

نون التوكيد

قوله : (نون التوكيد (١) خفيفة ساكنة ومشددة مفتوحة) (٢) يعني أن نون التوكيد نوعان ، أحدهما : خفيفة ساكنة وكونها على الأصل ، لأن أصل البناء السكون. والثاني : مشددة مفتوحة وحركت كراهة للجمع بين ساكنين ، وخصت بالفتح للتخفيف ، وقال الكوفيون : (٣) هي نون واحدة مشددة والخفيفة فرعها ، والتأكيد بالشديدة آكد الخفيفة ، لأن تكرير النون بمنزلة تأكيدين قوله [و ١٥١] (مع غير الألف) يعني أنها مفتوحة مع غير الألف وأما مع الألف فإنها تكسر ، وذلك في المثنى وجمع المؤنث تشبيها لها بنون التثنية.

قوله : (تختص بالفعل) يحترز من الاسم ، فإنها لا تدخله لأن وضعها لتأكيد الأفعال كوضع أنّ لتأكيد الأسماء وقد شذ قوله :

[٨٤٧] أقائلن أحضروا الشهودا (٤)

 ...

__________________

(١) في الكافية المحققة نون (التأكيد) بدل التوكيد.

(٢) ينظر شرح المفصل ٩ / ٣٧ ، وشرح الرضي ٢ / ٤٠٣.

(٣) ينظر شرح المفصل ٩ / ٣٨ ، وهمع الهوامع ٤ / ٣٩٧ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٢٧.

(٤) الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ١٧٣ ، وله أو لرجل من هذيل ينظر الخصائص ١ / ١٣٦ ، وشرح الرضي ٢ / ٤٠٤ ، والجنى ١٤١ ، والمغني ٤٤٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٨ ، وهمع الهوامع ٤ / ٤٠٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥. وتمامه :

أرأيت إن جئت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا

أقائلنّ أحضر الشهودا

فظلّت في شرّ من اللذّ كيدا

كاللذّ تزبى صائدا فاصطتدا

والشاهد فيه وقوله : (أقائلن) حيث أكد اسم الفاعل بنون التوكيد وهذا على سبيل الشذوذ.

٦٣٨

قوله : (المستقبل) يحترز من الماضي والحال فلا تدخلهما لأن التأكيد لا يكون إلا فيه طلب ، ولا طلب فيهما ، لأن الماضي قد وقع ، والحال على وقوع ، وقد جاز دخولها في الماضي نحو :

[٨٤٨] دامنّ سعدك إن رحمت متيما

لولاك لم يك للصبابة جانحا (١)

وتوؤل بأنه معنى الدعاء ، فإذا دخلت على المستقبل أثرت في لفظه ومعناه ، فاللفظ إخراجها من الإعراب إلى البناء ، والمعنى خلاصه من الاستقبال بعد صلاحيته للحال معا ، ولهذا لا يدخل على ما فيه السين وسوف ، لأنهم لا يجمعون بين علامتي معنى واحد.

قوله : (في الأمر والنهي) دخولها في الأفعال على ثلاثة أقسام ، ممتنع وواجب وجائز ، فالممتنع في الماضي والحال ، والجائز في أقسام عشرة : الأمر والنهي والاستفهام والتمني ، والعرض والتخصيص ، والترجي والشرط المؤكد ، والنفي والتعليل ، وهي على ثلاثة أضرب ، مختار دخولها ومختار حذفها ، ومستوى الأمرين ، فالمختار دخولها مع أنّ المؤكدة بـ (ما) نحو (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً)(٢) وإنما اختير دخولها لأنهم كما أكدوا الحرف بـ (ما) أو تأكيد الفعل أولى ، لأنه المقصود والمستوي الأمران ، في مواضع

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ١٤٣ ، ومغني اللبيب ٤٤٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٠ ، وهمع الهوامع ٤ / ٤٠١. ويروى في المصادر لو بدل إن.

والشاهد فيه قوله : (دامنّ) حيث أكد الفعل الماضي بنون التوكيد الثقيلة.

(٢) مريم ١٩ / ٢٦ وتمامها : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ...).

٦٣٩

الطلب وهي :

قوله : (في الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والتخصيص والترجي والشرط) بغير إن المؤكدة بـ (ما) فالأمر (اضربن) سواء كان أمرا أو دعاء أو سؤالا بفعل متصرف أو غير متصرف ، والنهي : (لا تقومنّ) والاستفهام نحو : (هل يقومن) سواء كان متى وهل والهمزة نحو (أتضربن ، وأزيدا تضربن) و (هل زيد يقومّن؟) على من أجاز أن يكون خبر هل فعلا ، والتمني نحو : (ليتك تقومّن) والعرض نحو : (ألا تنزلن) والتحضيض نحو : (ألا تنزلنّ) ، ولم يذكره المصنف (١) ، نحو : (هلا تقومنّ) والترجي نحو :(لعلك تقومن) ، والشرط المؤكد بـ (ما) إذا كان غير (إن) نحو : (أينما تكونن أكن) و (مهما تضربنّ أضرب) والمختار حذفها في مواضع :

الأول قوله : (وقلّت في النفي) سواء كان بـ (لا) أو بـ (ما) أو بـ (لم) أو بـ (قلما) وإنما (قلت فيه) لعرّوه عن الطلب ، وجاز دخولها فيه تشبيها له بالنهي.

الثاني : مع ما الزائدة ، نحو (بعين ما رأيتك).

الثالث : الشرط الذي لم يرد فيه (ما) نحو : (من تضربنّ أضرب) وكذلك جوابه نحو : (من تضرب أضربنّه) وأما الواجب دخولها.

فقوله : (ولزمت في مثبت القسم) [وكثرت في مثل [إمّا تفعلنّ](٢) شرط أن لا يتقدمه الفعل ، ولا تدخله (قد) ولا (حرف تنفيس) نحو :

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ١٣٤.

(٢) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

٦٤٠