تفسير القرآن العظيم - ج ٥

عبد الرحمن بن محمّد ابن إدريس الرازي ابن أبي حاتم

تفسير القرآن العظيم - ج ٥

المؤلف:

عبد الرحمن بن محمّد ابن إدريس الرازي ابن أبي حاتم


المحقق: أسعد محمّد الطيّب
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٢

الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار أن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم.

قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا)

[٩١٥٦] حدثنا أبو عبد الله الطهراني ، أنبأ حفص بن عمر العدني ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) يعني : الخراج.

الوجه الثاني :

[٩١٥٧] حدثنا علي بن الحسين ثنا شيبان ثنا عقبة الرفاعي ثنا حيان الأعرج عن جابر بن زيد كان يقول : ليس أحد يعمل عملا يريد به وجه الله يأخذ عليه شيئا من عرض الدنيا إلا كان حظه منه ، يعني قوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا)

[٩١٥٨] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا محمد بن عمرو ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) أي المتاع ، الفدا يأخذه الرجل.

قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)

[٩١٥٩] حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم حدثنا أبو سعيد المؤدب محمد بن مسلم بن أبى الوضاح حدثنا القاسم بن فائد عن الحسن في قوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) قال : لو لم يكن لنا ذنوب نخاف علي أنفسنا منها إلا حبنا الدنيا لخشينا علي أنفسنا ، أريدوا ما أراد الله.

[٩١٦٠] حدثنا محمد بن العباس ثنا محمد بن عمرو ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي بقتلهم لظهور الذي يريدون إطفاءه ، الذي به تدرك الآخرة.

قوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) آية ٦٨

[٩٨٩٥] حدثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا سلام يعني أبا الأحوص عن الأعمش عن أبى صالح عن أبي هريرة قال : لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الغنيمة لا تحل لأحد سود

٣٤١

الرؤوس غيركم كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا غنموا الغنيمة جمعوها ونزلت نار من السماء فأكلتها ، فأنزل الله هذه الآية (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) إلى آخر الآيتين.

[٩٨٩٦] حدثنا أبي ثنا المسيب بن واضح ثنا أبو إسحاق عن زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكر نحوه وزاد فيه ، فوقع الناس في الغنائم قبل أن تحل لهم.

[٩١٦٣] حدثنا أبى ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن خيثمة قال : كان سعد جالسا ذات يوم وعنده نفر من أصحابه ، إذ ذكر رجلا فنالوا منه ، فقال : مهلا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أذنبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذنبا فأنزل الله عز وجل (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) (١) الآية ، فكنا نرى أنها رحمة من الله سبقت. وفي إحدى الروايات عن ابن عباس نحو ذلك.

الوجه الثاني :

[٩١٦٤] حدثنا أبي ثنا أبو صالح كاتب الليث ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) وذلك يوم بدر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم المغانم قبل أن يؤمروا به وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب : المغنم والأسرى حلال لمحمد وأمته ولم يكن أحله لأمة قبلهم ، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك قال الله (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) يعني في الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم ، (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) وروى عن قتادة أنه قال : بإحلال المغانم لهذه الأمة. وروى عن سعيد بن جبير قال : سبق علمي أني أحللت لكم المغانم ، وكذا روى عن عطاء بن أبي رباح.

[٩١٦٥] حدثنا عمار بن خالد ثنا أبو صيفي قال : سمعت سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة في قوله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) من

__________________

(١) الحاكم ٢ / ٣٢٩ قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.

٣٤٢

الأسارى (عَذابٌ عَظِيمٌ) قال : يقول الله عز وجل : لو لا أنه سبق في علمي أني سأحل المغانم (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

الوجه الثالث :

[٩١٦٦] حدثنا أبى ثنا مالك بن إسماعيل ثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) قال : ما سبق لأهل بدر من السعادة. وروى عن الحسن : سبق لأهل بدر أن لا يعذبهم. وروى عن عطاء نحو ذلك.

الوجه الرابع :

[٩١٦٧] حدثنا أحمد بن منصور المروزي ثنا النضر بن إسماعيل أنبأ شعبة قال سمعت أبا هاشم قال : سمعت مجاهدا يقول (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) قال : سبق لهم المغفرة.

[٩١٦٨] حدثنا أبى ثنا قبيصة ثنا سفيان (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) قال : كتاب أحل لكم الغنيمة سبق المغفرة.

[٩١٦٩] أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتاب إلى ثنا أصبغ بن الفرج أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) قال : سبق من الله العفو عنهم والرحمة ، لهم سبق أنه لا يعذب المؤمنين لا يعذب رسوله ومن آمن معه وهاجر معه ثم نصر ولم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب ، جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه قال : يا رسول الله ، ما لنا وللغنائم إنما نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يعبد الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا منه غيرك ، قال الله : لا تعودوا لا تستحلوا قبل أن أحل لكم.

الوجه الخامس :

[٩١٧٠] حدثنا أبي ثنا هارون بن محمد بن بكار ثنا محمد بن عيسى بن سميع حدثنا روح بن القاسم ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) أن لا يعذب أحدا حتى يبين له ويتقدم إليه.

٣٤٣

قوله تعالى : (لَمَسَّكُمْ)

[٩١٧١] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا محمد بن عمرو ثنا سلمة عن ابن إسحاق (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) لعذبتكم فيما صنعتم.

قوله تعالى : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

[٩١٧٢] حدثنا أبى ثنا الحسين بن الربيع ثنا ابن إدريس قال ابن إسحاق ، ثنا ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس قوله : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) يقول : غنائم بدر قبل أن يحلها لهم يقول : لو لا اني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليهم (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

[٩١٧٣] حدثنا أبى ثنا عمرو بن عون وأحمد بن عبد الله بن يونس قالا : ثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) قال : من الفداء (عَذابٌ عَظِيمٌ)

قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)

[٩١٧٤] حدثنا يزيد بن سنان نزيل مصر ثنا عمر بن يونس اليمامي ثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل حدثنا عبد الله بن عباس حدثنا عمر بن الخطاب قال : فأنزل الله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) فأحل الله الغنيمة لهم.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى)

[٩١٧٥] حدثنا عمار بن خالد ثنا أبو صيفي قال : سمعت سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : كان العباس بن عبد المطلب يقول : أعطاني الله هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) وأعطاني مكان ما أخذ مني أربعون أوقية أربعين عبدا. وروى عن سعيد بن جبير نحو ذلك.

[٩١٧٦] حدثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا وهيب عن داود عن عامر (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) فقال عامر : أسر يوم بدر العباس وعقيل ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

٣٤٤

قوله تعالى : (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً)

[٩١٧٧] حدثنا أبى ثنا عبد العزيز بن منيب ثنا أبو معاذ النحوي ثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) يعني العباس وأصحابه ، أسروا يوم بدر ، يقول الله تعالى : إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي أعطيتكم خيرا مما أخذ منكم وغفرت لكم.

قوله تعالى : (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ)

[٩١٧٨] حدثنا أبى ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) كان العباس بن عبد المطلب أسر يوم بدر افتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب ، فقال العباس حين نزلت هذه الآية لقد أعطاني الله خصلتين ما أحب أن لي بهما الدنيا : إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فأعطاني الله أربعين عبدا وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله.

[٩١٧٩] حدثنا أبى ثنا الحسين بن الربيع ثنا ابن إدريس قال : قال ابن إسحاق : حدثنا عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء عن عبد الله بن عباس (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) فكان العباس يقول : في ـ والله ـ نزلت حين أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذ مني ، فأبى أن يحاسبني بها فأعطاني الله بالعشرين أوقية عشرين عبدا كلهم تاجر بمال في يده مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل.

و (قوله تعالى) أخبرنا محمد بن سعد بن عطية فيما كتب إلى ثنا أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعني : غفرت لكم.

قوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ)

[٩١٨٠] حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني ثنا الوليد بن مسلم حدثنا محمد سعيد بن بشير عن قتادة قال : قال الله تبارك وتعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) قال : إن عبد الله بن سعد بن أبي

٣٤٥

سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي فنافق فلحق بالمشركين بمكة وقال : واله أن كأن محمدا لا يكتب إلا ما شئت فسمع بذلك رحل من الأنصار حلف لأن أمكنه الله منه ليضربه ضربة بالسيف فلما كان يوم فتح مكة جاء به عثمان بن عفان فكانت بينهما رضاعة فقال : يا رسول الله هذا عبد الله قد أقبل نادما فأعرض عنه وأقبل الأنصارى معه سيف فأطاف به ثم مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ليبايعه ، وقال للأنصاري : لقد تلومت به اليوم فقال الأنصاري : فهلا أومضت؟ قال : لا ينبغي لنبي أن يومض.

[٩١٨١] حدثنا أحمد بن هارون بن الأشعث ثنا إسحاق بن الحجاج قال يعقوب الزهري قوله : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) يعني : الأسرى.

قوله تعالى : (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ)

[٩١٨٢] أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم فيما كتب إلي ثنا أحمد بن مفضل عن أسباط عن السدى (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) يقول : قد كفروا بالله ونقضوا عهده من قبل.

[٩١٨٣] حدثنا أحمد بن هارون بن الأشعث ثنا إسحاق بن الحجاج ثنا يعقوب الزهري (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أي حين غزوك (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ)

قوله تعالى : (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ)

[٩١٨٤] أخبرنا أحمد الأودي ـ فيما كتب إلى ـ ثنا أحمد بن مفضل ثنا أسباط عن السدي (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) يقول : ببدر.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) آية ٧٢

[٩١٨٥] أخبرنا محمد بن سعد العوفي ـ فيما كتب إلى ـ ثنا أبى ثنا عمي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) يقول : لا هجرة بعد الفتح إنما هو الشهادة بعد ذلك ، وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث

٣٤٦

منازل : منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة ، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا)

[٩١٨٦] وبه عن ابن عباس قوله : (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) قال : آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة ، وشهروا السيوف علي من كذب وجحد فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض.

قوله تعالى : (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ)

[٩١٨٧] حدثنا أبى ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعني : في الميراث ، جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا)

[٩١٨٨] أخبرنا أحمد بن عثمان ـ فيما كتب إلى ـ ثنا أحمد بن المفضل ثنا أسباط عن السدي قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) هؤلاء الأعراب.

[٩١٨٩] أخبرنا محمد بن سعد بن عطية ـ فيما كتب ـ إلى ثنا أبى ثنا عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) قال : فكانوا يتوارثون بينهم إذا توفى المؤمن المهاجر بالولاية في الدين ، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر.

[٩١٩٠] حدثنا أبى ثنا محمد بن عبد الله بن بكير بن سليمان الصنعاني ببيت المقدس ثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله البصري مولى بني هاشم ثنا عمر بن فروخ ثنا حبيب بن الزبير عن عكرمة في قول الله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) قال : لبث برهة والأعرابي لا يرث المهاجر ، ولا المهاجر يرث الأعرابي حتى فتحت مكة ودخل الناس في الدين أفواجا ، فأنزل الله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)

٣٤٧

قوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا)

[٩١٩١] حدثنا أبي ثنا أبو صالح كاتب الليث ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس قوله : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ما لكم من ميراثهم شيء

[٩١٩٢] أخبرنا محمد بن سعد بن عطية ـ فيما كتب إلي ـ ثنا أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) فبرأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم وهي الولاية التي قال الله : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) وكان حقا على المؤمنين.

قوله تعالى : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ)

[٩١٩٣] حدثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ) يعني : إن استنصروا الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار علي عدو لهم فعليهم أن ينصروهم قال : (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ)

[٩١٩٤] أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم ـ فيما كتب إلى ـ ثنا أحمد بن المفضل ثنا أسباط عن السدى قوله : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) يقول : بأنهم مسلمون

قوله تعالى : (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ) الآية.

[٩١٩٥] أخبرنا محمد بن سعد ـ فيما كتب إلى ثنا أبي ـ ثنا عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) إن استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق ، ولا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذين لا ميثاق لهم.

[٩١٩٦] أخبرنا موسى بن هارون الطوسي ـ فيما كتب إلي ـ ثنا الحسين بن محمد المروذي حدثنا شيبان عن قتادة قوله : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) قال : نهى المسلمون عن أهل ميثاقهم فو الله لأخوك المسلم أعظم عليك حرمة وحقا.

٣٤٨

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) آية ٧٣

[٩١٩٧] حدثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعني : في الميراث.

[٩١٩٨] حدثنا أبي ثنا قبيصة بن عقبة ثنا سفيان عن السدى عن أبى مالك قال رجل من المسلمين : لنورثن ذوي القربى منا من المشركين فنزلت (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) بين المسلمين والمشركين فيقول : إن ظهر هؤلاء كنت معهم وإن ظهر هؤلاء كنت معهم فأبى الله ذلك عليهم وأنزل الله في ذلك فلا تراءى ناران : نار مسلم ونار مشرك إلا صاحب جزية مقر بالخراج.

قوله تعالى : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ)

[٩١٩٩] حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) يعني : إلا تأخذوا يعني : في الميراث بما أمرتكم به (تَكُنْ فِتْنَةٌ) و (فَسادٌ كَبِيرٌ) (١).

[٩٢٠٠] حدثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرحمن ثنا عبد الله بن أبى جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) يعني : إلا تولى الكافر الكافر.

قوله تعالى : (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ)

[٩٢٠١] حدثنا علي بن الحسين ثنا محمد بن أبي حماد ثنا مهران عن سفيان قوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) قال : كفر (وَفَسادٌ كَبِيرٌ) ، قال سفيان : لا أدري أيتهما قال ، الكفر : الفتنة أو الفساد؟

قوله تعالى : (وَفَسادٌ كَبِيرٌ)

[٩٢٠٢] حدثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) يعني : لا يصلح لمسلم أن يرث الكافر.

__________________

(١) الدر ٣ / ١٦٣.

٣٤٩

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)

قد تقدم تفسيره والله أعلم.

قوله تعالى : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) آية ٧٤

[٩٢٠٣] أخبرنا أبو يزيد القراطيسي ـ فيما كتب إلى ـ أنبأ أصبغ بن الفرج أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله (مَغْفِرَةٌ) قال : بترك الذنوب (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) قال : الأعمال الصالحة.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) آية ٧٥

[٩٢٠٤] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا محمد بن عمرو ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حض الله المؤمنين علي التواصل ، فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم.

[٩٢٠٥] حدثنا أبى ثنا عبد العزيز بن منيب ثنا أبو معاذ النحوي ثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا (مِنْ بَعْدُ) وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى وترك الناس علي أربع منازل : مؤمن مهاجر ، ومسلم أعرابي (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) والتابعين بإحسان.

قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) الآية.

[٩٢٠٦] حدثنا أبي ثنا أحمد بن بكر المصعبي من سكني بغداد ، ثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام قال : أنزل الله فينا خاصة معشر قريش والأنصار (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) قال : وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم وأورثناهم ، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخى عمر فلانا وآخى عثمان بن عفان رجلا من بني زريق بن سعد الزرقي ويقول بعض الناس غيره قال الزبير : وواخيت أنا كعب بن مالك ، وأورثونا وأورثناهم ، فلما كان يوم أحد قيل لي : قد قتل أخوك كعب بن مالك ، فجئته فانتقلته ، فوجدت السلاح قد ثقله فيما

٣٥٠

نرى ، فو الله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري ، حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة فرجعنا إلى مواريثنا.

[٩٢٠٧] حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا حجاج بن محمد ، أنبأ ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا) (... فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) فكان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرث وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر فنسختها هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)

[٩٢٠٨] حدثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من مواريث العقد والحلف والمواريث بالهجرة وصارت لذوي الأرحام قال : والوالد أولى من الأخ والأخ والأخت أولى من ابن الأخ وابن الأخ أولى من العم والعم أولى من ابن العم وابن العم أولى من الخال ، وليس للخال ولا العمة ولا الخالة من الميراث نصيب في قول زيد رضي الله عنه وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعطي ثلثى المال للعمة والثلث للخالة ، إذا لم يكن له وارث وكان علي وابن مسعود رضى الله عنهما يعني : يردان ما فضل من الميراث على ذوي الأرحام علي قدر سهمانهم غير الزوج والمرأة.

الوجه الثاني :

[٩٢٠٩] حدثنا علي بن حرب الموصلي ثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن عبيد الله عن القاسم عن ابن عباس وقيل له أن ابن مسعود لا يورث الموالي دون ذوي الأرحام ، ويقول : إن ذوي الأرحام (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، فقال ابن عباس : هيهات هيهات أين ذهب؟ إنما كان المهاجرون يتوارثون دون الأعراب فنزلت (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) يعني : إنه يورث المولى.

٣٥١

الوجه الثالث :

[٩٢١٠] حدثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن نسير بن ذعلوق قال : قال رجل للربيع : أوص لي بمصحفك فنظر إلي ابن له صغير فقال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)

قوله تعالى : (فِي كِتابِ اللهِ)

[٩٢١١] حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة قوله : (كِتابِ) قال : القرآن.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

[٩٢١٢] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا زنيج ثنا سلمة ثنا محمد بن إسحاق (عَلِيمٌ) أي : عليم بما يخفون.

[٩٩٤٧] حدثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عطاء بن ديار عن سعيد بن جبير في قول الله : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعني : من أعمالكم عليم.

آخر تفسير سورة الأنفال.

٣٥٢