مثير الأحزان

مدرسة الإمام المهدي « عج »

مثير الأحزان

المؤلف:

مدرسة الإمام المهدي « عج »


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة الامام المهدي « عج »
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ١٢٦

وروى عن سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال كنت عند النبي (ص) وعلى فخذه الايمن الحسين وعلى فخذه الايسر ولده إبراهيم بن مارية بنت شمعون القبطية تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا إذ هبط إليه جبرئيل بوحى من رب العالمين.

فلما سرى عنه روعة الوحى قال أتانى جبرئيل (ع) من ربي فقال يا محمد ان الله يقرء عليك السلام ويقول لست اجمعهما لك قال فافدى احدهما بصاحبه.

فنظر النبي الى إبراهيم فبكى ونظر الى الحسين فبكى.

ثم قال ان إبراهيم امه امة ومتى مات لم يحزن عليه غيرى وام الحسين فاطمة وابوه علي ابن عمي ولحمي ودمي ومتى مات حزنت عليه ابنتى وحزن ابن عمى وحزنت انا عليه وانا اؤثر حزني على حزنهما فقلت يا جبرئيل يقبض ابراهيم فقد فديته للحسين به فقبض بعد ثلاث.

فكان صلى الله عليه وآله إذا راى الحسين مقبلا قبله وضمه الى صدره ورشف ثناياه وقال فديت من فديته بابنى ابراهيم (١).

ونقلت من اخبار تاريخ البلاذري حدث محمد بن يزيد المبرد النحوي في اسناد ذكره قال انصرف النبي (ص) الى منزل فاطمة فرآها قائمة خلف بابها فقال ما بال حبيبتي هاهنا فقالت ابناك خرجا غدوة وقد غبى علي خبرهما فمضى رسول الله (ص) يقفو آثارهما حتى صار الى كهف جبل فوجدهما نائمين وحية مطوقة رأسهما فاخذ حجرا واهوى إليها فقالت السلام عليك يا رسول الله والله ما نمت عند رأسهما إلا حراسة لهما فدعا لها بخير ثم حمل الحسن على كتفه اليمنى والحسين على كتفه اليسرى فنزل جبرئيل فاخذ وحمله فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن حملني خير اهل الأرض ويقول الحسين حملني خير أهل السماء.

__________________

١ ـ أخرجه في البحار : ٢٢ / ١٥٣ ح ٧ عن المناقب لابن شهرآشوب : ٣ / ٢٣٤ ، والطرائف ص ٢٠٢ ح ٢٨٩ ، وفي البحار : ٤٣ / ٣٦١ ح ٢ عن المناقب ، وأخرجه في مدينة المعاجز : ٢٥٩.

٢١

[وفي ذلك قال حسان بن ثابت :

فجاء وقد ركبا عاتقيه

فنعم المطية والراكبان (١)] (٢)

وروي عن عبد الله بن عباس رضى الله عنه انه قال لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه وقد ضم الحسين (ع) الى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول مالي وليزيد لا بارك الله فيه اللهم العن يزيد.

ثم غشى عليه طويلا وافاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول أما ان لي ولقاتلك مقاما بين يدى الله عز وجل (٣).

ورويت الى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا إذ اقبل الحسن فلما رآه بكى وقال الى الي فاجلسه على فخذه اليمنى.

ثم اقبل الحسين فلما رآه بكى وقال مثل ذلك فاجلسه على فخذه اليسرى.

ثم أقبلت فاطمه فرآها فبكى وقال مثل ذلك فاجلسها بين يديه.

ثم اقبل علي فرآه فبكى وقال مثل ذلك واجلسه الى جانبه الايمن.

فقال له اصحابه يا رسول الله ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم من تسر برؤيته فقال والذي بعثنى بالنبوة واصطفانى على جميع البرية ما على وجه الأرض نسمة احب الي منهم وإنما بكيت لما يحل بهم من بعدي وذكرت ما يصنع بهذا ولدى الحسين كانى به وقد استجار بحرمى وقبري فلا يجار ويرتحل الى ارض مقتله ومصرعه ارض كرب وبلاء تنصره عصابة من المسلمين اولئك سادة شهداء امتي يوم القيامة فكانى انظر إليه وقد رمى بسهم فخر عن فرسه صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما ثم انتحب وبكى وابكى من حوله وارتفعت اصواتهم بالضجيج ثم قام وهو ويقول اللهم انى اشكو اليك ما يلقى أهل بيتى بعدي (٤).

__________________

١ ـ من النسخة الحجرية.

٢ ـ عنه البحار : ٤٣ / ٣١٦ ، ومدينة المعاجز : ٢٥٤.

٣ ـ أخرجه في البحار : ٤٤ / ٢٦٦ ح ٢٤.

٤ ـ أخرجه في البحار : ٢٨ / ٣٧ صدر ح ١ ، وج ٤٤ / ١٤٨ ح ١٦ عن امالي الصدوق : / ٩٩ ح ٢ ، واورده في بشارة المصطفى ص ١٩٧.

٢٢

ورويت ان الحسين دخل [على] (١) اخيه الحسن سلام الله عليهما فلما نظر إليه بكى فقال ما يبكيك يا ابا عبد الله فقال ابكي لما يصنع بك فقال له الحسن ان الذي يؤتي الى سم فاقتل به ولكن لا يوم كيومك يزدلف اليك ثلاثون الف رجل يدعون انهم من امة جدنا فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمك وسبى ذراريك ونسائك وانتهاك ثقلك فعندها تحل ببنى امية اللعنة وتمطر السماء دما ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار (٢).

وكان الناس يتذاكرون [مقتل] (٣) الحسين (ع) ويستعظمونه ويرتقبونه.

[موت معاوية والبيعة ليزيد]

فلما مات معاوية بن أبي سفيان (لع) في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة (٤) واستخلف ولده يزيد (لع) فبايع الناس على بيعة عامله بالمدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان واتاه بموته مولى معاوية يقال له «ابن أبي زريق».

وكتب يزيد [في اول شعبان] (٥) الى الوليد يأمره باخذ البيعة على اهلها وخاصة على الحسين ويقول ان امتنع عليك فاضرب عنقه وابعث برأسه الي فاحضره لمروان بن الحكم واخذ رأيه فاشار باحضار الحسين وعبد الله ابن الزبير وعبد الله بن مطيع وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر واخذ بيعتهم فان اجابوا وإلا فاضرب اعناقهم فقال الوليد ليتنى لم اك شيئا مذكورا (٦) لقد امرتني بامر عظيم وما كنت لافعل

[اخبار الحسين (ع) بموت معاوية ومنامه]

ثم بعث الوليد إليهم فلما حضر رسوله قال الحسين للجماعة اظن ان طاغيتهم

__________________

١ ـ من النسخة الحجرية.

٢ ـ أخرجه في البحار : ٤٥ / ٢١٨ ح ٤٤ عن امالي الصدوق : ١٠١ ح ٣ ، وأورده في مدينة المعاجز : ٢٢٨.

٣ ـ من النسخة الحجرية.

٤ ـ أخرج ذيله في البحار : ٤٤ / ٣٢٤ عن ارشاد المفيد ص ٢٢٠ ، ونحوه في اللهوف ص ١٠.

٥ ـ أثبتناه من النسخة الحجرية.

٦ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٢٤ عن اللهوف ص ١٠.

٢٣

هلك رايت البارحة أن منبر معاوية منكوس وداره تشتعل بالنيران فدعاهم الى الوليد فحضروا فنعى إليهم معاوية وامرهم بالبيعة فبدرهم بالكلام عبد الله بن الزبير فخافه ان يجيبوا بما لا يريد فقال انك وليتنا فوصلت ارحامنا واحسنت السيرة فينا وقد علمت ان معاوية اراد منا البيعة ليزيد فابينا ولسنا (نأمن) أن يكون في قلبه علينا ومتى بلغه انا لم نبايع إلا في ظلمة ليل وتغلق علينا بابا لم ينتفع هو بذلك ولكن تصبح وتدعو الناس وتأمرهم ببيعة يزيد ونكون أول من يبايع قال وانا انظر الى مروان وقد اسر الى الوليد ان اضرب رقابهم (١) ثم قال جهرا لا تقبل عذرهم واضرب رقابهم.

فغضب الحسين وقال ويلي عليك يابن الزرقاء أنت تامر بضرب عنقي كذبت ولؤمت نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع لمثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون اينا احق بالخلافة والبيعة (٢).

فقال الوليد انصرف يا أبا عبد الله مصاحبا على اسم الله وعونه حتى تغدو علي فلما ولوا قال مروان بن الحكم والله لئن فارقك القوم لاقدرت عليهم حتى تكثروا القتلى فخرجوا من عنده وركبوا ولحقوا بمكة وتخلف الحسين.

فلما اصبح الوليد استدعى مروان واخبره فقال امرتك فعصيتني وستري ما يصير امرهم إليه فقال ويحك انك اشرت الي بذهاب ديني ودنياى والله ما احب ان ملك الدنيا لي وانى قتلت حسينا والله ما اظن ان احدا يلقى الله بدمه إلا هو خفيف الميزان (٣).

فلما اصبح الحسين لقيه مروان فقال اطعني ترشد قال قل قال بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين.

__________________

١ ـ في النسخة الحجرية : خ ل «أعتاقهم».

٢ ـ آخرجه ف البحار : ٤٤ / ٣٢٥ عن اللهوف : ١٠ مع اختلاف يسير.

٣ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٢٥ عن ارشاد المفيد : ٢٢٢ ، وأورده فياللهوف : ص ١١.

٢٤

[اعلان خطر محو الاسلام بخلافة يزيد]

فقال الحسين وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي يقول الخلافة محرمة على آل سفيان.

وكان توجه الحسين الى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة (١).

[دعوة سليمان الى بيعة الحسين (ع) ونصرته]

ورويت لما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وان الحسين (ع) بمكة اجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد الخزاعى فقال لهم : ان معاوية هلك وان الحسين قد تقض (٢) على القوم ببيعته وخرج الى مكة هاربا من من طواغيت آل أبي سفيان وانتم شيعته وشيعة أبيه فإن كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل بنفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل انفسنا دونه.

ورويت الى يونس بن أبي اسحاق قال خرج وفد إليه من الكوفة وعليهم أبو عبد الله الجدلي ومعهم كتب شبث بن ربعى وسليمان بن صرد والمسيب بن نجية (٣) ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وعبد الله [بن] (٤) وال وقيس بن مسهر الاسدي أحد بني الصيداء وعمارة بن عتبة السلولى وهانى بن هاني السبيعى وسعيد بن عبد الله الحنفي ووجوه الكوفة يدعونه الى بيعته وخلع يزيد وقالوا انا تركنا الناس قبلنا وانفسهم منطلقة اليك وقد رجونا ان يجمعنا الله بك على الهدى فانتم اولى بالامر من يزيد الذي غصب الامة فيئها وقتل خيارها واتخذ مال الله دولا في شرارها وهذه كتب اماثلهم واشرافهم والنعمان بن بشير في قصر الامارة ولسنا نجتمع معه في

__________________

١ ـ أخرجه في البحار : ٤٤ / ٣٢٦ عن اللهوف : / ١١.

٢ ـ في النسخة الحجرية : تعيص.

٣ ـ في النسخة الحجرية : (نيجه) وما اثبتناه من الكامل في التاريخ : ٤٠ / ٢٠ ، ورجال الكشي : ٦٩ والبحار.

٤ ـ أثبتناه من البحار والكامل في التاريخ.

٢٥

جمعة ولا جماعة ولا عيد ولو بلغنا اقبالك اخرجناه حتى يلحق بالشام (١).

وتواترت الكتب حتى تكملت عنده اثنى عشر الف كتاب وهو مع كل ذلك لا يجيبهم (٢).

ثم قدم بعد ذلك هاني بن هاني السبيعى وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب هو آخر الكتب «بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين أما بعد فإن الناس ينتظرونك لا رأى لهم غيرك فالعجل العجل فقد اخضرت الجنات واينعت الثمار واعشبت الأرض واورقت الاشجار فاقدم إذا شئت فانما تقدم على جند مجند لك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته».

فقال لهما من اتفق على هذا الكتاب فقالا اعيان أهل الكوفة منهم شبث بن ربعى ويزيد بن الحرث وحجار بن ابحر وعروة بن قيس ويزيد بن رويم ومحمد بن عمير بن عطارد وعمر بن الحجاج فقام (ع) وصلى ودعا مسلم بن عقيل وعرفه ما في نفسه واطلعه على امره (٣).

[أهل الكوفة كتبوا اليه اعلانهم البيعة]

ورويت الى حصين بن عبد الرحمن ان اهل الكوفة كتبوا إليه انا معك مائه الف وعن داود بن أبي هند عن الشعبى قال بايع الحسين عليه السلام اربعون الفا من أهل الكوفة على ان يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم.

فعند ذلك ورد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول ويعدهم بسرعة الوصول وانه قد جاء ابن عمي مسلم بن عقيل ليعرفني ما انتم عليه من راى جميل.

[وصف الامام]

ولعمري ما الامام إلا العامل بالكتاب القائم بالقسط الداين بدين الحق

__________________

١ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٣٢ عن ارشاد المفيد : ٢٢٣ ، وأورده في اللهوف : ١٤.

٢ ـ أخرجه في البحار : ٤٤ / ٣٣٤ عن اللهوف : ١٥.

٣ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٣٤ عن ارشاد المفيد : ٢٢٤ واورده في اللهوف : ١٥.

٢٦

الحابس نفسه في ذات الله (١).

[ارسال مسلم الى اهل الكوفة والكتاب الى اهل البصرة]

وامر مسلم بالتوجه بالكتاب الى الكوفة وكتب (ع) كتابا الى وجوه أهل البصره منهم الاحنف بن قيس وقيس بن الهيثم والمنذر بن الجارود ويزيد بن مسعود النهشلي وبعث الكتاب مع ذراع السدوسى وقيل مع سليمان المكنى بابى رزين فيه «اني ادعوكم الى الله والى نبيه فإن السنة قد أميتت فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا امري اهدكم سبيل الرشاد» (٢).

فلما وصل الكتاب كتموا على الرسول إلا المنذر بن الجارود فانه اتى عبيد الله بالكتاب ورسول الحسين لانه خاف ان يكون الكتاب قد دسه عبيد الله إليهم ليختبر حالهم مع الحسين لان بحرية بنت المنذر زوجة عبيد الله فلما قرء الكتاب ضرب عنق الرسول (٣).

[كتاب الاحنف الى الحسين (ع) وآراء القوم]

وأما الاحنف فانه كتب الى الحسين عليه السلام أما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (٤).

وأما يزيد بن مسعود النهشلي فانه احضر بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وقال يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم فقالوا أنت فقرة الظهر وراس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فرطا (٥) قد جمعتكم لامر اشاوركم فيه واستعين بكم عليه قالوا نمحضك (٦) النصيحة (ونجهد لك) (٧) الراى.

__________________

١ ـ عنه صدره في البحار : ٤٤ / ٣٣٧ ، وذيله في الكامل في التاريخ : ٤ / ٢١.

٢ ـ عنه البحار : ٤٤ / ٣٣٩.

٣ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٣٩ عن اللهوف : ١٩.

٤ ـ عنه البحار : ٤٤ / ٣٤٠.

٥ ـ فرطاً : تسابقاً.

٦ ـ في النسخة النجفية : (نمضحك) وفي النسخة الحجرية : (نمضحك) (نمنحك خ ل).

٧ ـ في النسخة الحجرية : خ ل (نحمدك).

٢٧

قال ان معاوية هلك فاهون به هالكا ومفقودا انكسرت باب الجور وكان قد عقد لابنه بيعة ظن انه احكمها وقد قام يزيد شارب الخمور وراس الفجور وانا اقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين افضل من جهاد المشركين وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ذو الشرف الاصيل والعلم والسابقة والسن والقرابة يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فاكرم به راعي رعيته وامام قوم وجبت لله به المحجة وبلغت ه الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا (١) في وهدة (٢) الباطل فقد كان صخر ابن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها مع ابن رسول الله ونصرته ولا يقصر أحد عنها إلا ورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته وها اناذا قد لبست للحرب لامتها (٣) وادرعت بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب.

[كلمات القوم]

فتكلم بنو حنظلة فقالوا يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا اصبت وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ننصرك باسيافنا ونقيك بابداننا إذا شئت فقم.

وتكلمت بنو سعد بن يزيد (٤) فقالوا يا أبا خالد ان ابغض الاشياء الينا خلافك والخروج من رايك وقد كان صخر بن قيس امرنا بترك القتال فحمدنا رأيه وبقى عزنا فينا فامهلنا نراجع الراى ونحسن المشورة وياتيك خبرنا واجتماع رأينا.

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا أبا خالد نحن بنو ابيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نغضب ان رضيت ولا نقطن ان ظعنت ولا نظعن ان قطنت والامر اليك والمعول عليك فادعنا نجبك وامرنا نطعك والامر لك إذا شئت.

__________________

١ ـ السير على غير هدى.

٢ ـ منخفض.

٣ ـ آلة الحرب.

٤ ـ في البحار : (زيد).

٢٨

فقال والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع عنكم السيف ابدا ولا زال سيفكم فيكم.

[جواب بني تميم ، ودعاء الحسين (ع)]

ثم كتب الى الحسين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل الينا كتابك وفهمت ما ندبتنى إليه ودعوتني له من [الاخذ بحظّي من] (١) طاعتك وبنصيبى من نصرتك وان الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل سبيل نجاة وانتم حجة الله على خلقه ووديعته في ارضه تفرعتم من ديونية احمدية هو اصلها وانتم فرعها فاقدم سعدت باسعد طائر فقد ذللت لك اعناق بني تميم وتركتهم اشد تهافتا في طاعتك من الابل الظماء لورود الماء يوم خامسها (٢) ، وقد ذللت لك بنو سعد وغسلت درن (٣) صدورها بماء سحابة مزن حتى استهلت برقها فلمع.

فلما قرء الحسين (ع) الكتاب قال ما لك آمنك الله يوم الخوف واعزك وارواك يوم العطش الاكبر.

فلما تجهز المشار إليه للخروج الى الحسين صلوات الله وسلامه عليه بلغه قتله قبل ان يسير فجزع لذلك جزعا عظيما لما فاته من نصرته.

[خوف المنذر وافشاء سر الكتاب]

واما المنذر بن الجارود فانه لما جائه كتاب الحسين (ع) حملها الى عبيد الله بن زياد لأن المنذر خاف ان يكون الكتاب دسيسا (٤) من عبيد الله بن زياد وكانت بحرية بنت المنذر بن الجارود زوجه بعبيد الله بن زياد.

فاخذ عبيد الله بن زياد الرسول فصلبه ثم صعد المنبر فخطب وتوعد الناس

__________________

١ ـ من النسخة الحجرية.

٢ ـ في النسخة الحجرية خ ل : خمسها.

٣ ـ الدرن لغة : (الوسخ) ، واصطلاحاً : (الحقد).

٤ ـ في النسخة الحجرية : دميساً وهو يمضي الدسيس.

٢٩

على الخلاف واثارة [أهل البصره] (١) الارجاف ثم بات تلك الليلة.

[توهم أهل الكوفة بمقدم الحسين (ع)]

فلما اصبح استناب عليهم عثمان بن زياد أخاه وأسرع هو الى قصد الكوفة (٢) فلما اشرف عليها (٣) نزل حتى امسى لئلا تظن (٤) اهلها انه الحسين ودخلها مما يلى النجف فقالت امرأه لله اكبر ابن رسول الله ورب الكعبه فتصايح الناس قالوا انا معك اكثر من اربعين الفا وازدحموا عليه حتى اخذوا بذنب دابته وظنهم انه الحسين فحسر اللثام وقال انا عبيد الله فتساقط القوم ووطئ بعضهم بعضا ودخل دار الامارة وعليه عمامة سوداء

[خطبة ابن مرجانة وتوبيخ أهل الكوفة]

فلما اصبح قام خاطبا وعليهم عاتبا ولرؤسائهم مؤنبا [ولاهل الشقاق معاتبا] (٥) ووعدهم بالاحسان على لزوم طاعته وبالاساءة على معصيته والخروج عن حوزته.

ثم قال يا أهل الكوفة ان امير المؤمنين يزيد ولانى بلدكم واستعملني مصركم وامرني بقسمة فيئكم بينكم وانصاف مظلومكم من ظالمكم واخذ الحق لضعيفكم من قويكم والاحسان الى السامع (٦) المطيع والتشديد على المريب فابلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقى غضبى. ونزل.

يعنى بالهاشمي مسلم بن عقيل (٧).

__________________

١ ـ لم يوجد في النسخة الحجرية.

٢ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٣٧ عن اللهوف ص ١٧.

٣ ـ في البحار : على الكوفة.

٤ ـ في البحار : (ليلا فظن) بدل (لذلا تظن).

٥ ـ أثبتناه من الاصل.

٦ ـ في البحار : (للسامع) بدله (الى السامع).

٧ ـ عنه البحار : ٤٤ / ٣٤٠.

٣٠

[نزول مسلم في دار هاني واختلاف الشيعة اليه]

وافترق الناس ولما بلغ مسلم بن عقيل قوله خرج من الموضع الذي كان فيه ونزل دار هاني بن عروة واختلف إليه الشيعة والح عبيد الله في طلبه ولا يعلم اين هو وكان شريك بن الاعور الهمداني قدم من البصرة مع عبيد الله بن زياد ونزل دار هاني بن عروة وكان شريك من محبى أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته عظيم المنزلة جليل القدر فمرض وسئل عبيد الله عنه فاخبر انه موعوك فارسل ابن زياد إليه انى رايح اليك في هذه الليلة لعيادتك.

[خطة مسلم وشريك بن الاعور بقتل ابن زياد وفشلها]

فقال شريك لمسلم ابن عقيل يابن عم رسول الله ان ابن زياد يريد عيادتي فادخل بعض الخزائن فإذا جلس فاخرج واضرب عنقه وانا اكفيك أمر من بالكوفة مع العافية.

وكان مسلم رحمه الله شجاعا مقداما جسورا ففعل ما اشار به شريك فجاء عبيد الله وسئل شريكا عن حاله وسبب مرضه وشريك عينه الى الخزانة وامقة وطال ذلك فجعل يقول (ما الانتظار بسلمى لا تحييها) يكرر ذلك فانكر عبيد الله القول والتفت الى هاني بن عروة وقال ابن عمك يخلط في علته وهانى قد ارتعد وتغير وجهه فقال هاني ان شريكا يهجر منذ وقع في المرض ويتكلم بما لا يعلم.

فثار عبيد الله خارجا نحو قصر الامارة مذعورا (١).

(فخرج مسلم) (٢) والسيف في كفه وقال [له](٣) شريك [يا هذا] (٤) ما منعك من الامر؟

__________________

١ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٤٣ عن المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ٩١.

٢ ـ في البحار : (فلما خرج ابن زياد دخل مسلم ...).

٣ و ٤ ـ من البحار.

٣١

قال مسلم : (لما) (١) هممت بالخروج تعلقت بى امرأة قالت ناشدتك الله ان قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في وجهى فرميت السيف وجلست قال هاني يا ويلها قتلتنى وقتلت نفسها والذي فرت منه وقعت فيه (٢).

[اندساس «معقل» المنافق في صف مسلم]

ثم ان عبيد الله بن زياد حيث خفى عليه حديث مسلم دعا مولى يقال له معقل فاعطاه اربعة آلاف درهم كما في كتاب اعلام الورى باعلام الهدى وامره بحسن التوصل الى من يتولى البيعة وقال اعلمه انك من أهل حمص جئت لهذا الامر فلم يزل يتلطف حتى وصل الى مسلم بن عوسجة الاسدي فادخله الى مسلم فبايعه (٣).

وكتب مسلم بن عقيل الى الحسين عليه السلام كتابا أما بعد فإن الرائد (٤) لا يكذب اهله وان جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر الفا فعجل الاقبال حين تقرا كتابي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وحمله مع عابس بن أبي شبث الشاكرى وقيس بن مسهر الصيداوي (٥).

[انکشاف امر مسلم]

وأما عبيد الله فانه لما علم باحوال مسلم دعا محمد بن الاشعث واسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي وقال ما يمنع هاني بن عروة من اتياننا فقالوا ما ندري وقيل انه يشتكى فقال قد بلغني انه برأ يجلس على باب داره ولو اعلم انه شاك لعدته فالقوه ومروه الا يدع ما يجب عليه من حقنا فلقوه وهو على باب داره فقالوا ما يمنعك من لقاء الامير فقد ذكرك وقال لو اعلم انه شاك لعدته فقال الشكوى تمنعني قالوا بلغه انك تجلس على باب دارك كل عشية وقد استبطاك ونحن

__________________

١ ـ ما بين القوسين ليس في البحار.

٢ ـ عنه البحار : ٤٤ / ٣٤٣.

٣ ـ أخرج نحوه في الكامل في التاريخ : ٤ / ٢٥.

٤ ـ الرائد : دليل القوم في تعيين المرعى.

٥ ـ أخرج نحوه في تاريخ الطبري : ٤ / ٢٩٧

٣٢

نقسم عليك إلا ما ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها وببغلته فركبها فلما دنا من القصر قال لحسان بن اسماء بن خارجه يا بن اخى اني والله لخائف من هذا الرجل ولم يك حسان يعلم في أي شئ بعث إليه فقال ولم تجعل على نفسك سبيلا فدخل هاني وهم معه على عبيد الله فلما رآه مقبلا قال اتتك بخائن تسعى رجلاه.

[الجدال بين هاني وابن زياد]

ثم انشد بيت عمرو بن معدى كرب الزبيدي :

اريد حباءه (١) ويريد قتلى

عذيرك من خليلك من مراد

فقال هاني وما ذاك ايها الامير فقال ايه يا هاني ما هذه الامور التي تربص في دورك لامير المؤمنين وعامة المسلمين جئت بمسلم عقيل وادخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال وظننت ان ذلك يخفى علي فقال ما فعلت فقال علي بمعقل مولاى وكان عينا على الاخبار وقد احاط بكثير من الاسرار فلما حضر عرف هاني انه كان عينا قال (٢) اصلح الله الامير اسمع منى وصدق مقالتي والله ما دعوت لمسلم ولكن جاءني مستجيرا فاستحييت من رده وضيفته والان لما علمت خل سبيلي حتى آمره بالخروج من دارى الى حيث شاء لاخرج من ذمامه.

قال ابن زياد والله لا تفارقني حتى تأتيني به فقال والله لو انه تحت قدمى ما رفعتها عنه ولا اجيئك به.

فلما طال بينهما الكلام وكثر الخصام قام مسلم بن عمرو الباهلي ناحية فقال يا هاني [انى] (٣) انشدك الله ان لا تقتل (٤) نفسك وتدخل البلاء على اهلك وعشيرتك وانى لانفس بك من القتل فليس مجزاة ولا منقصة بدفعه إليهم.

__________________

١ ـ في النسخة النجفية و خ ل من الحجرية : (حياته).

٢ ـ في النسخة الحجرية خ ل (فقال).

٣ ـ زيادة من النسخة الحجرية.

٤ ـ في النسخة الحجرية : (أن تقتل).

٣٣

فقال والله وان علي في ذلك العار ان ادفع ضيفي ورسول ابن رسول الله وانا صحيح الساعدين كثير الاعوان فاخذ يناشده وهو يقول لا ادفعه ابدا.

[تهديد ابن زياد بقتل هاني]

فقال ابن زياد ادنوه منى فادنى فقال لتاتني به أو لاضربن عنقك فقال هاني اذن تكثر البارقة (١) حول دارك وهو يظن ان عشيرته سيمنعونه فاعترض وجهه بالقضيب فكسر انفه وخده وجبينه واسال الدماء على لحيته وثيابه فضرب هاني يده على قائم سيف شرطى فجاذبه الرجل فصاح فصرخ عبيد الله خذوه فجروه حتى القوة في بيت من بيوت الدار واغلقوا بابه عليه وجعلوا الحرس عليه.

فقام اسماء بن خارجة قال ارسل غدر ساير القوم امرتنا ان نجيئك به حتى إذا جاءك هشمت وجهه وسيلت الدماء على لحيته فغضب ابن زياد وقال انت ها هنا فامر به فضرب حتى ترك وقيد.

فقال انا لله وانا إليه راجعون الى نفسي انعاك يا هاني.

وبلغ عمرو بن الحجاج حديث هاني انه قتل لأن رويحة بنت عمرو زوجة هاني بن عروة اقبل ومعه (٢) جماعة من مذحج فلما علم عبيد الله اخرج شريحا القاضى بعد ان شاهده لهانى حيا فاخبرهم فرضوا وانصرفوا.

[حال مسلم بن عقيل في الكوفة]

ولما بلغ مسلم بن عقيل خبره خرج بجماعة ممن بايعه الى حرب عبيد الله بعد ان راى اكثر من بايعه من الاشراف نقضوا البيعه وهم مع عبيد الله فتحصن بدار الامارة واقتتلوا قتالا شديدا الى ان جاء الليل فتفرقوا عنه وبقى معه اناس قليل فدخل المسجد يصلي وطلع متوجها نحو باب كندة فإذا هو وحده لا يدري اين يذهب حتى وصل

__________________

١ ـ البارقة : السيوف.

٢ ـ في النسخة الحجرية خ ل : (أقبلت ومعها).

٣٤

الى دور بني جبلة فتوقف على باب امراة اسمها طوعة وهي تنتظر ولدها واسمه بلال فاستسقاها فسقته واشعرها بامره فادخلته وكان بلال مولى لاشعث بن قيس.

فلما حضر في الليل ارتاب الى كثرة اختلافها الى البيت الذي فيه مسلم فاخبره مولاه ووصل الخبر الى عبيد الله فاخبر محمد بن الاشعث وقيل عبد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى اتوا دار طوعة فسمع مسلم وقع حوافر الخيل علم انه قد اتى فلبس لامته وركب فرسه وضربهم بسيفه حتى اخرجهم الدار ثم عادوا فشدوا عليه.

فقتل منهم جماعة ثم اشرفوا عليه [من] (١) فوق البيت ورموه بالحجارة فقال له محمد بن الاشعث لك الامان لا تقتل نفسك.

وهو يقاتلهم ويرتجز بابيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن :

اقسمت لا اقتل إلا حرا

وان رايت الموت شيئا نكرا

اكره ان اخدع أو اغرا

أو اخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا

كل امرئ يوما يلاقى شرا

اضربكم ولا اخاف ضرا

فقال (٢) له محمد بن الاشعث انك لا تكذب ولا تغر وكان قد اثخن بالجراح وكل عن القتال فاعاد محمد بن الاشعث القول فقال افا امن نعم فانتزعوا سيفه فاتى ببغلة فركبها فكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه فقال له عبيد الله بن العباس ان من يطلب مثل ما تطلب لا يجزع.

فقال والله ما لنفسي اجزع وان كنت لا احب لها ضرا (٣) طرفة عين ولكن جزعى للحسين وأهل بيته المغترين بكتابي وقال هذا اوان الغدر.

__________________

١ ـ من النسخة الحجرية.

٢ ـ في النسخة الحجرية خ ل (قال).

٣ ـ في النسخة الحجرية : هكذا رسم الكلمة (للفا).

٣٥

[ورود مسلم في مجلس ابن زياد وحديث]

فاقبلوا به اسيرا حتى دخل على عبيد الله فلم يسلم عليه.

فقال له بعض الحرس سلم على الامير فقال ان كان يريد قتلى فما سلامي عليه وان كان لا يريد قتلي ليكثرن سلامى عليه.

وقيل انه قال اسكت ويحك ما هو لي بامير.

فقال عبيد الله لا عليك سلمت ام لم تسلم فانك مقتول.

قال ان تقتلتنى فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني فانك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة لا أحد اولى بها منك.

فقال ابن زياد يا عاق يا شاق خرجت على امامك وشققت عصا المسلمين والقحت الفتنة.

فقال مسلم كذبت يا بن زياد إنما شق عصا المسلمين أنت وابوك زياد عبد بني علاج من ثقيف وانا ارجو ان يرزقنى الله الشهادة على ايدى شر البرية فقال ابن زياد منتك نفسك أمر احال الله دونه وجعله لاهله.

فقال مسلم ومن اهله يا بن مرجانه قال يزيد بن معاوية.

فقال مسلم الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا وبينكم فقال ابن زياد اتظن ان لك شيئا من الامر قال والله ما هو الظن وإنما هو اليقين.

فقال ابن زياد ما كان في قيان المدينة ما يشغلك عن السعي في فساد امة محمد اتيتهم وكلمتهم واحدة ففرقتهم فقال ما للفساد اتيت ولكن اهل المصر زعموا ان اباك قتل خيارهم وان معاوية ظلمهم وحمل فيئهم إليه فجئت لامر بالمعروف وانهى عن المنكر واقوم بالقسط وادعو الى حكم الكتاب وان كنت لا بد قاتلي دعني اوصى.

[وصية مسلم واستشهاده]

فنظر الى عمر بن سعد فقال لي اليك حاجة وبيني وبينك رحم.

٣٦

قال عبيد الله انظر الى حاجة ابن عمك فتنحيا بحيث لا يراهما أحد فقال ان علي دينا مذ (١) دخلت الكوفه فاقضه عني واطلب جثتي من ابن زياد ووارها وابعث الى الحسين من يرده ويحذره من اهل الكوفة فانى لا اراه إلا مقبلا.

فاخبر عمر بن سعد لعبيد الله بن زياد ما قال.

فقال ماله له لا نمنعه ان يصنع به ما شاء وأما الحسين ان تركنا لم نرده وأما جثته فإذا قتلناه لا نبالي ما صنع بها.

وامر بقتله فاغلظ له مسلم في الكلام والسب فاصعد على القصر.

فضرب عنقه بكير بن حمران الاحمري القى جسده الى الناس (٢).

[مقتل هاني]

وأمر بهانى بن عروة فسحب الى الكناسة فقتل وصلب هناك وقيل ضرب عنقه في السوق غلام لعبيد الله اسمه رشيد.

ورويت هذه الابيات عن عبد الله بن الزبير الاسدي :

إذا كنت لا تدرين بالموت فانظري

الى هاني بالسوق وابن عقيل

الى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوى من طمار (٣) قتيل

اصابهما أمر اللعين (٤) فاصبحا

احاديث من يسعى بكل سبيل

ايركب اسماء الهماليج (٥) آمنا

وقد طلبته مذحج بذحول (٦)

ترى جسدا قد غير الموت لونه

ونضخ دم قد سال كل مسيل

__________________

١ ـ في النسخة الحجرية (منذ) خ.

٢ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٤٤ عن ارشاد المفيد : ص ٢٣٠ وأورده في اللهوف : ص ١٩.

٣ ـ طمار : البناء المرتفع.

٤ ـ في نسختي الاصل : (الامير) وما اثبتناه من البحار والارشاد.

٥ ـ من كرائم الابل.

٦ ـ بذحول : بثأر.

٣٧

تطيف (١) حفافيه مراد وكلهم

على رقبة من سائل ومسول

فان انتم لم تثاروا باخيكم

فكونوا بغايا ارضيت بقليل

[ارسال رأسي مسلم وهاني الى يزيد]

وبعث عبيد الله بن زياد براس مسلم وهاني الى يزيد بن معاوية مع الزبير [بن] (٢) الا روح التميمي أحد بني مالك بن سعد ومع هاني بن أبي حية الوداعى (٣) واخبره بامرهما (٤).

وكان خروج مسلم في الكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذى الحجة يوم التروية وهذا اليوم كان فيه خروج الحسين (ع) من مكة الى العراق بعد مقامه بها بقيه شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة.

[خروج الحسين (ع) من مكة]

ولما اراد الخروج من مكة طاف وسعى واحل من احرامه وجعل حجه عمرة لانه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان يقبض عليه (٥).

ورويت ان عبد الملك بن عمير قال لما خرج الحسين (ع) من المسجد الحرام متوجها الى العراق يقول اسماعيل بن مفزع الحميرى :

لا ذعرت السوام في فلق الصب‍ح

مغيرا ولا دعوت يزيدا

حين اعطى مخافة الموت ضيما

والمنايا ترصدننى أن احيدا

وروى هذا الشعر بن جرير الطبري عن عبد الملك بن نوفل بن ماحق عن أبي سعيد المنقرى وقيل العبرى (٦).

__________________

١ ـ أي تجتمع تقديراً وتكريماً.

٢ ـ من البحار والارشاد.

٣ ـ في النسخة الحجرية : (واذعى) خ.

٤ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٥٨ عن ارشاد المفيد : ٢٤١.

٥ ـ أخرج نحوه في البحار : ٤٤ / ٣٦٣ عن ارشاد المفيد ص ٢٤٢.

٦ ـ اخرج نحوه في مروج الذهب : ٣ / ٥٤.

٣٨

[الامام يعلن تصميمه بكتاب ، نصايح القوم]

وتحدث الناس عند الباقر (ع) تخلف محمد بن الحنفية عنه فقال يا أبا حمزه الثمالى ان الحسين (ع) لما توجه الى العراق دعا بقرطاس وكتب بسم الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى بني هاشم أما بعد فانه من لحق بى استشهد ومن تخلف عنى لم يبلغ الفتح والسلام (١).

وجاء إليه (ع) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فاشار إليه بترك ما عزم عليه وبالغ في نصحه وذكره بما فعل بابيه واخيه فشكر له وقال قد اجتهدت رايك ومهما يقض الله يكن فقال انا عند الله نحتسبك ثم دخل أبو بكر على الحارث بن خالد بن العاص (٢) بن هشام المخزومى وهو يقول :

كم ترى ناصحا يقول فيعصى

وظنين المغيب يلفى نصيحا

قال فما ذاك فاخبره بما قال للحسين (ع) قال نصحت له ورب الكعبة (٣).

حدث عقبة بن سمعان قال خرج الحسين (ع) مكة فاعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد ليردوه فابى عليهم (وتدافع الفريقان) (٤) وتضاربوا بالسياط (ثم امتنع عليهم الحسين واصحابه امتناعا شديداً) (٥) ومضى الحسين على وجهه فبادروه (٦) وقالوا يا حسين الا تتقى الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الامة فقال لي عملي ولكم عملكم انتم بريئون مما اعمل وانا برئ مما تعملون.

ورويت ان الطرماح بن حكم قال لقيت حسينا وقد امترت لاهلي ميرة فقلت :

__________________

١ ـ اخرج نحوه في البحار ٤٤ / ٣٣٠.

٢ ـ في النسخة الحجرية (العاصي).

٣ ـ اخرج نحوه في مروج الذهب : ٣ / ٥٦.

٤ و ٥ ـ ما بين القوسين ليس في البحار.

٦ ـ في نسختي الاصل (فبادروا) وما أثبتناه من البحار.

٣٩

اذكرك في نفسك لا يغرنك أهل أهل الكوفة فوالله لئن دخلتها لتقتلن وانى لاخاف ان لا تصل إليها فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل اجاء (١) فانه جميل منيع والله ما نالنا فيه ذل قط وعشيرتي يرون جميعا نصرك فهم يمنعونك ما اقمت فيهم.

فقال ان بينى وبين القوم موعدا اكره ان اخلفهم فإن يدفع الله عنا فقديما ما انعم علينا وكفى وان يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة ان شاء الله.

ثم حملت الميرة الى اهلي واوصيهم بامورهم وخرجت اريد الحسين فلقينى سماعة بن زيد النبهاني فاخبرني بقتله فرجعت (٢).

[نصيحة الفرزدق للحسين (ع)]

وذكر الطبري وغيره ان عبيد الله بن سليم والمدرى (٣) قالا اقبلنا حتى اتينا الى الصفاح فلقينا الفرزدق الشاعر بن غالب وهو حاج في سنة ستين قال بينما انا اسوق العير إذ دخلت الحرم لقيت الحسين خارجا من الحرم ومعه اسيافه وتراسه فسلمت عليه وقلت اعطاك الله سؤلك واملك فيما تحب يا بن رسول الله ما اعجلك عن الحج فقال لو لم يعجل لاخذت ثم قال لي من أنت فقلت رجل من العرب فما فتشني اكثر من ذلك.

ثم قال اخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سالت قلوب الناس معك واسيافهم عليك ثم حرك راحلته ومضى (٤).

[اخبار يزيد عبيدالله بتوجه الحسين الى العراق]

وكتب يزيد بن معاوية الى عبيد الله بن زياد قد بلغني ان حسينا قد سار الى

__________________

١ ـ أجأ : أحد جبلي طيء / معجم البلدان : ١ / ٩٤.

٢ ـ عنه البحار : ٤٤ / ٣٦٩.

٣ ـ في نسختي الاصل (والمدرا) وما أثبتناه من تاريخ الطبري.

٤ ـ اخرج نحوه في تاريخ الطبري : ٤ / ٢٩٠ ، وفي البحار : ٤٤ / ٣٦٥ عن ارشاد المفيد : ٢٤٣.

٤٠