كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

القول يقوى في نفسي ، وبه افتي ، وإليه ذهب السيّد المرتضى ، في الناصريات وقال : الذي يذهب إليه أصحابنا ، أنّ العمرة جائزة في سائر أيام السنة. وقال : وقد روي أنّه لا يكون بين العمرتين أقل من عشرة أيام (١) وروي أنّها لا تجوز إلا في كل شهر مرة (٢). ثم قال : دليلنا على جواز فعلها على ما ذكرناه ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما (٣) ولم يفصّل عليه‌السلام (٤).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : وما روي في مقدار ما يكون بين العمرتين ، فأخبار آحاد ، لا توجب علما ولا عملا ، ولا يجوز إدخال العمرة على الحج ، ولا إدخال الحج على العمرة ، ومعنى ذلك أنّه إذا أحرم بالحج ، لا يجوز أن يحرم بالعمرة ، قبل أن يفرغ من مناسك الحج ، وكذلك إذا أحرم بالعمرة ، لا يجوز أن يحرم بالحج ، حتى يفرغ من مناسكها ، فان فاته وقت التحلّل ، مضى على إحرامه ، وجعلها حجّة منفردة ، ولا يدخل أفعال العمرة في أفعال الحج.

والمتمتع إذا أحرم بالحج من خارج مكة ، وجب عليه الرجوع إليها مع الإمكان ، فإن تعذر ذلك لم يلزمه شي‌ء وتمّ حجه ولا دم عليه ، لأجل ذلك.

والقارن والمفرد ، إذا أراد أن يأتيا بالعمرة بعد الحج ، وجب عليهما أن يخرجا إلى خارج الحرم ، ويحرما منه ، فإن أحرما من جوف مكة لم يجزهما.

والمستحب لهما ، أن يأتيا بالإحرام ، من الجعرانة ( بفتح الجيم ، وكسر العين ، وفتح الراء ، وتشديدها ، هكذا سماعنا من بعض مشايخنا ، والصحيح ما قاله نفطويه ، في تاريخه ، قال : كان الشافعي يقول : الحديبية بالتخفيف ، ويقول أيضا : الجعرانة بكسر الجيم ، وسكون العين ، وهو أعلم بهذين الموضعين. قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : وجدتها كذلك ، بخط أثق (٥) به ، قال ابن دريد في

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٦ من أبواب العمرة.

(٢) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٦ من أبواب العمرة.

(٣) كنز العمال : ج ٥ ، كتاب الحج والعمرة ، ص ١١٤.

(٤) الناصريات : كتاب الحج ، مسألة ١٣٩.

(٥) في ج : وط : من أثق.

٥٤١

الجمهرة : الجعرانة بكسر الجيم ، والعين ، وفتح الراء ، وتشديدها ، وهذا الذي يعتمد عليه ) أو التنعيم.

باب ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب

إذا عقد المحرم إحرامه بالتلبية ، إن كان متمتعا ، أو مفردا أو بالإشعار ، أو التقليد ، إن كان قارنا حرم عليه لبس الثياب المخيطة ، وغير المخيطة ، إذا كان فيها طيب إلا بعد إزالته ، والنساء ، نظرا ، ولمسا ، وتقبيلا ، ووطيا وعقدا له ولغيره ، يستوي المحرّمات والمحللات في ذلك ، والطيب على اختلاف أجناسه ، والصيد ، ولحم الصيد ، والإشارة إليه ، والدلالة عليه.

وأفضل ما يحرم الإنسان فيه من الثياب ، ما يكون قطنا محضا بيضا ، فإن كان غير بيض كان جائزا ، ولا يكره الإحرام في الثياب الكتان ، إنّما يكره التكفين بها ، ويكره الإحرام في الثياب السود.

وقال شيخنا في نهايته : لا يجوز الإحرام في الثياب السود (١). وانّما أراد شدة الكراهة ، دون أن يكون ذلك محظورا ، وجملة الأمر ، وعقد الباب في هذا ، أنّ كل ثوب يجوز للرجال فيه الصلاة ، يجوز فيه الإحرام.

ويكره الإحرام في الثياب المصبوغة بالعصفر ، وما أشبه ذلك ، لأجل الشهرة ، وإن لم يكن ذلك محظورا.

ولا يحرم الإنسان إلا في ثياب طاهرة ، نظيفة ، فإن كانت وسخة ، غسلها قبل الإحرام ، وإن توسخت بعد الإحرام ، فإنّه يكره غسلها ، وإن لم يكن ذلك محظورا ، إلا إذا أصابها شي‌ء من النجاسة ، فإنّه يجب عليه غسلها.

ولا بأس أن يستبدل بثيابه في حال الإحرام ، غير أنّه إذا طاف ، لا يطوف

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم اجتنابه.

٥٤٢

إلا فيما أحرم فيه ، وإن كان لو طاف في غيره ، ممّا استبدل لم يكن محظورا ، ولا وجب عليه بذلك شي‌ء.

ويكره له النوم على الفرش المصبوغة.

وإن أصاب ثوب المحرم شي‌ء من خلوق الكعبة ، وزعفرانها ، لم يكن به بأس.

وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا لإحرامه ، وكان معه قباء ، فليلبسه منكوسا ، ومعنى ذلك أن يجعل ذيله فوق أكتافه ، وقال بعض أصحابنا : فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي القباء ، وإلى ما فسرناه يذهب ويعني بقوله مقلوبا ، لأنّ المقصود بذلك أنّه لا يشبه لبس المخيط ، إذا جعل ذيله على أكتافه ، فأمّا إذا قلبه ، ولبسه ، وجعل ذيله إلى تحت ، فهذا يشبه لبس المخيط ، وما فسرناه به قد ورد صريحا عن الأئمة في ألفاظ الأحاديث ، أورده البزنطي ( بالباء المنقطة ، من تحتها نقطة واحدة المفتوحة ، والزاي المفتوحة المعجمة ، والنون المسكنة ، والطاء غير المعجمة ، صاحب الرضا عليه‌السلام ) في نوادره ، ويجوز له أن يلبس السراويل ، إذا لم يجد الإزار ، ولا كفارة عليه ولا حرج.

ويكره لبس الثياب المعلمة في حال الإحرام ، ولا يجوز للرجل ، أن يلبس الخاتم يتزين به ، ولا بأس بلبسه للسنّة.

ولا يجوز للمحرم أن يلبس الخفين ، وعليه أن يلبس النعلين ، فإن لم يجدهما ، واضطر إلى لبس الخف ، لم يكن به بأس ، وقال بعض أصحابنا : يشق ظاهر قدمه ، وهو قول بعض المخالفين لأهل البيت عليهم‌السلام ، والذي رواه أصحابنا ، وأجمعوا عليه ، لبسهما من غير شق (١) وهو الصحيح ، وعليه يعتمد شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢). وقال : بقول بعض المخالفين ، في مسائل خلافه (٣)

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٥١ من أبواب تروك الإحرام ، ح ٢ و ٤.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم اجتنابه.

(٣) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٧٥.

٥٤٣

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله أيضا في نهايته : ويحرم على المرأة في حال الإحرام ، من لبس الثياب ، جميع ما يحرم على الرجال ، ويحل لها ما يحل له (١) قال وقد وردت رواية ، بجواز لبس القميص للنساء ، والأصل ما قدّمناه ، فأمّا السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال ، سواء كانت ضرورة ، أو لم تكن (٢).

قال محمّد بن إدريس : والأظهر عند أصحابنا ، أنّ لبس الثياب المخيطة غير محرّم على النساء ، بل عمل الطائفة وفتواهم ، وإجماعهم ، على ذلك ، وكذلك عمل المسلمين.

ولا يجوز لهن لبس القفازين ، ولا شي‌ء من الحلي مما لم تجر عادتهن بلبسه قبل الإحرام. فأمّا ما كنّ يعتدن لبسه فلا بأس به ، غير أنّها لا تظهره لزوجها ، ولا تقصد به الزينة ، فإن قصدت به الزينة ، كان أيضا غير جائز.

والقفّازان في الأصل وعند العرب ، شي‌ء تتخذه النساء باليدين ، تحشى بقطن ، ويكون له أزرار ، تزر على الساعدين ، من البرد ، تلبسه النساء ، والقفاز أيضا الدستبانج ، الذي يتخذ للجوارح ، من جلد يمده الرجل على يده ، قال الشاعر :

تبا لذي أدب يرضى بمعجزة

ولا يكون كباز فوق قفّاز

وقد روي أنّه لا بأس بأن تلبس المرأة المحرمة الخلخالين ، والمسك.

قال محمّد بن إدريس : المسك بفتح الميم ، والسين غير المعجمة المفتوحة ، والكاف ، أسورة من ذبل أو عاج قال جرير :

ترى العيس الحولي جوبا بكوعها

لها مسك من غير عاج ولا ذبل

ويكره لها أن تلبس الثياب المصبوغة المفدمة يعني المشبعة.

ولا بأس أن تلبس المرأة المحرمة ، الخاتم ، وإن كان من ذهب.

__________________

(١) ج : عليهم.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم اجتنابه.

٥٤٤

ويحرم على المحرم الرفث ، وهو الجماع.

ويحرم عليه أيضا الفسوق ، وهو الكذب ، والجدال ، وهو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله.

ولا يجوز له قتل شي‌ء من الدواب ، ولا يجوز له أن ينحي عن بدنه القمل ، يرمي به عنه ، ولا بأس بتحويله له من مكان من بدنه الى مكان منه ، ولا بأس أن ينحّي عنه القراد ، والحلمة.

ولا يجوز له ، أن يمسّ شيئا من الطيب ، على ما قدّمناه ، وقال بعض أصحابنا : الطيب الذي يحرم مسه ، وشمّه ، وأكل طعام يكون فيه المسك ، والعنبر والزعفران ، والورس بفتح الواو ، وهو نبت أحمر ، قاني ، يوجد على قشور شجر ، ينحت منها ، ويجمع ، وهو شبيه بالزعفران المسحوق ، ويجلب من اليمن ، طيّب الريح ، والعود ، والكافور.

فأمّا ما عدا هذا من الطيب ، والرياحين ، فمكروه ، يستحب اجتنابه ، وإن لم يلحق في الحظر بالأوّل ، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (١).

والأظهر بين الطائفة ، تحريم الطيب على اختلاف أجناسه ، لأنّ الأخبار عامة في تحريم الطيب على المحرم ، فمن خصّصها بطيب دون طيب ، يحتاج إلى دليل.

وكذلك يحرم عليه الادهان بدهن فيه طيب ، فإن اضطر إلى أكل طعام فيه طيب ، أكله غير أنّه يقبض على أنفه ، ولا بأس بالسعوط ، وإن كان فيه طيب ، عند الحاجة إليه.

ومتى أصاب ثوب الإنسان شي‌ء من الطيب ، كان عليه إزالته.

ومتى اجتاز المحرم في موضع يباع فيه الطيب ، لم يكن عليه شي‌ء ، فإن باشره بنفسه أمسك على أنفه منه.

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم اجتنابه.

٥٤٥

ولا يمسك على أنفه من الروائح الكريهة.

ولا بأس بأن يستعمل المحرم الحناء ، للتداوي به ، ويكره ذلك للزينة ، ويكره للمرأة الخضاب إذا قاربت حال الإحرام.

ولا يجوز له الصيد البري ، ولا الإشارة إليه ، ولا الدلالة عليه ، على ما قدّمناه ، ولا أكل ما صاده غيره ، ولا يجوز له أن يذبح شيئا من الصيد ، فإن ذبحه ، كان حكمه حكم الميتة ، لا يجوز لأحد أكله.

ولا يجوز للرجل ، ولا للمرأة أن يكتحلا بالإثمد ، إلا عند الحاجة الداعية إلى ذلك ، ولا بأس بأن يكتحلا بكحل ليس بأسود ، إلا إذا كان فيه طيب ، فإنّه لا يجوز ذلك.

ولا يجوز للمحرم النظر في المرآة ، وبعض يكره ذلك.

ولا يجوز له استعمال الأدهان التي فيها طيب ، قبل أن يحرم ، إذا كانت ممّا يبقى رائحته إلى بعد الإحرام ، ولا بأس عند الضرورة باستعمال ما ليس بطيب منها ، مثل الشيرج ، والسمن ، والزيت ، فأمّا أكلها ، فلا بأس به على جميع الأحوال.

والأدهان الطيبة ، إذا زالت عنها الرائحة ، جاز استعمالها.

ولا يجوز للمحرم أن يحتجم ، إلا إذا خاف ضررا على نفسه.

ولا يجوز له إزالة شي‌ء من الشعر ، في حال الإحرام ، فإن اضطر إلى ذلك ، بأن يريد مثلا أن يحتجم ، ولا يتأتى له ذلك ، إلا بعد إزالة شي‌ء من الشعر ، فليزله ، وليس عليه شي‌ء من الإثم ، بل يجب عليه دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين ، مخير في ذلك.

ولا يجوز للمحرم تغطية رأسه ، ولا أن يرتمس في الماء ، بأن يغطّي رأسه ، فأمّا المرأة ، فلا بأس بها ، أن تغطي رأسها ، غير انّها يجب عليها أن تسفر عن وجهها ، ولا يجوز أن تتنقب ، فإن غطى الرجل رأسه ناسيا ، ألقى الغطاء عن

٥٤٦

رأسه ، وجدد التلبية استحبابا ، وليس عليه شي‌ء ، ولا بأس أن يغطي وجهه ، ويعصب رأسه ، عند حاجته إلى ذلك.

ولا يجوز للمحرم أن يظلّل على نفسه سائرا ، إلا إذا خاف الضرر العظيم ، ويجوز له أن يمشي تحت الظلال ، ويجلس تحت الظلال ، والسقوف ، والخيم ، وغير ذلك ، وانّما منع المحرم من الظلال ، إذا كان سائرا ، فأمّا إذا نزل ، فلا بأس أن يستظل ، بما أراد.

والمحرم إذا كان مزاملا لعليل ، جاز له أن يظلل على العليل ، ولا يجوز له أن يظلل على نفسه ، ولا بأس بأن تستظل المرأة ، وتغطي محملها ، وهي سائرة ، بخلاف الرجال.

ولا يحك المحرم جلده حكا يدميه ، ولا يستاك سواكا يدمي فاه ، ولا يدلك جسده ، ووجهه ، ولا رأسه ، في الوضوء والغسل ، لئلا يسقط منهما شي‌ء من الشعر.

ولا يجوز له قص الأظافير ، على حال.

ولا يجوز للمحرم أن يتزوج ، أو يزوج ، فإن فعل كان العقد باطلا ، ولا يجوز له أيضا أن يشهد العقد ، ولا أن يشهد على عقد النكاح ، ما دام محرما ولا بأس بإقامته الشهادة ، بعد إحلاله من إحرامه ، وانّما يحرم عليه إقامتها في حال إحرامه ، فإن أقامها ، يردّها الحاكم حينئذ ، ولا يقبلها.

ولا بأس أن يشتري الجواري.

ويجوز له تطليق النساء.

ويكره له دخول الحمام ، فإن دخله ، فلا يدلك جسده ، بل يصب عليه الماء صبا.

والمحرم إذا مات ، غسل كتغسيل المحل ، ويكفن كتكفينه ، غير أنّه لا يقرّب شيئا من الكافور.

ويكره له أن يلبي من دعاه ، بل يقول يا سعد.

٥٤٧

ولا يجوز للمحرم لبس السلاح ، إلا عند الضرورة ، والخوف.

ولا بأس أن يؤدب الرجل غلامه ، وخادمه ، وهو محرم ، غير أنّه لا يزيد على عشرة أسواط ـ أورد شيخنا في أثناء مسألة من مسائل خلافه (١) ـ وعليه ردع من زعفران ، بالراء غير المعجمة ، المفتوحة ، والدال غير المعجمة ، المسكنة ، والعين غير المعجمة ، قال محمّد بن إدريس : يقال به ردع من زعفران ، أو دم أي لطخ وأثر.

باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة وفدية

وغير ذلك فيما يفعله عمدا أو خطأ

ما يفعله المحرم من محظورات الإحرام على ضربين ، أحدهما يفعله عامدا ، والآخر يفعله ساهيا وناسيا ، فكل ما يفعله من ذلك على وجه السهو والنسيان ، لا يتعلّق به كفارة ، ولا فساد الحج ، إلا الصيد خاصة ، فإنّه يلزمه فداؤه ، عامدا كان ، أو ساهيا ، وما عداه إذا فعله عامدا ، لزمته الكفارة ، وإذا فعله ساهيا ، لم يلزمه شي‌ء.

فمن ذلك ، إذا جامع المرأة في الفرج ، سواء كان قبلا ، أو دبرا ، قبل الوقوف بالمشعر ، عامدا ، وبعض أصحابنا يقول : ويعتبر قبل الوقوف بعرفة ، والأول هو الأظهر ، فإنّه يفسد حجّه ، ويجب عليه المضي في فاسدة ، وعليه الحجّ من قابل ، قضاء عن هذه الحجة ، سواء كانت حجته فرضا ، أو نفلا ، ويلزم مع ذلك ، كفارة ، وهي بدنة ، والمرأة إن كانت محلّة ، لا يتعلّق بها شي‌ء ، وإن كانت محرمة ، فلا يخلو إمّا أن تكون مطاوعة له ، أو مكرهة عليها ، فإن طاوعته على ذلك ، كان عليها مثل ما عليه من الكفارة ، والحج ، من قابل ، وينبغي أن يفترقا ، إذا انتهيا إلى المكان الذي فعلا فيه ما فعلا ، إلى أن يقضيا المناسك ، وقد

__________________

(١) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٦٤.

٥٤٨

روي أنّ حد الافتراق ، أن لا يخلوا بأنفسهما ، إلا ومعهما ثالث (١).

وإن كان أكرهها على ذلك ، لم يكن عليها شي‌ء ، ولا يتعلّق به فساد حجّها.

وتضاعفت الكفارة على الرجل ، يتحملها عنها ، وهي بدنة أخرى ، فأمّا حجّة أخرى فلا يلزمه عنها ، لأنّ حجتها ما فسدت.

وإن كان جماعه فيما دون الفرج ، كان عليه بدنة ، ولم يكن عليه الحج من قابل.

وإن كان الجماع في الفرج بعد الوقوف بالمشعر ، كان عليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل ، سواء كان ذلك قبل التحلل ، أو بعده ، وعلى كل حال ، فإذا قضى الحج في القابل ، فأفسد حجه أيضا ، كان عليه مثل ما لزمه في العام الأول ، من الكفارة ، والحج من قابل ، وكذلك ما زاد عليه إلى أن تسلم له حجّة غير مفسودة ، لعموم الأخبار (٢).

وإذا جامع أمته ، وهي محرمة ، وهو محلّ ، فإن كان إحرامها بإذنه ، كان عليه كفارة ، يتحملها عنها ، وإن كان إحرامها من غير اذنه ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأنّ إحرامها لم ينعقد ، وكذا الاعتبار في الزوجة ، في حجّة التطوع ، دون حجة الإسلام ، فإن لم يقدر على بدنة ، كان عليه دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، وإن كان هو أيضا محرما ، تعلّق به فساد حجّه ، والكفارة ، مثل ما قلناه ، في الحرة سواء.

وإذا وطأ بعد وطء لزمته كفارة ، بكل وطء ، سواء كفر عن الأول ، أو لم يكفر لعموم الأخبار.

ومن أفسد الحجّ ، وأراد القضاء ، أحرم من الميقات ، وكذلك من أفسد العمرة ، أحرم فيما بعد من الميقات ، والمفرد إذا حج ، ثم اعتمر بعده ، فأفسد

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع ، ح ٥ و ٦.

(٢) الوسائل : كتاب الحج الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع.

٥٤٩

عمرته ، قضاها ، وأحرم من أدنى الحل ، والمتمتع إذا أحرم بالحج ، من مكة ، ثم أفسد حجه ، قضاه ، وأحرم من الموضع الذي أحرم منه بالحجّ ، من مكة ، بعد ما يقدّم العمرة المتمتع بها ، على إحرامه من مكة ، في سنة واحدة.

وهل تكون الحجة الثانية ، هي حجة الإسلام ، أو الأولى الفاسدة؟ قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : الاولى الفاسدة ، هي حجة الإسلام ، والثانية عقوبة (١) وقال في مسائل خلافه : بل الثانية هي حجة الإسلام (٢) وهذا هو الصحيح الذي تشهد به أصول المذهب ، لأنّ الفاسد لا يجزي ولا تبرأ الذمة بفعله ، والفاسد غير الصحيح.

فإن قيل : إذا كانت الثانية هي حجة الإسلام ، دون الاولى ، وكان يراعى فيها شرائط الوجوب ، فكان إذا حج في العام القابل ، والشرائط مفقودة ، لا تجزيه حجته ، إذا أيسر بعد ذلك ، وحصلت له شرائط الوجوب ، ولا يعتبر أحد ذلك ، بل حجته في العام القابل تجزيه ، ولو حبا حبوا ، فدلّ هذا الاعتبار ، على أنّ الاولى هي حجة الإسلام ، دون الثانية.

قلنا : من حصلت له شرائط الوجوب ، وفرّط فيها ، يجب عليه الحج ، فإذا حج فقيرا ، أو ماشيا بعد ذلك ، أجزأته حجته ، ولا يعتبر شرائط الوجوب ، بعد ذلك ، فعلى هذا التحرير ، والتقرير ، الاعتراض ساقط ، لأنّه بإفساده للأولى فرّط ، فلا اعتبار في الثانية بشرائط الوجوب.

ومتى جامع الرجل قبل طواف الزيارة ، كان عليه جزور ، فإن لم يتمكن كان عليه دم بقرة ، فان لم يتمكن كان عليه دم شاة.

ومتى طاف الإنسان من طواف الزيارة شيئا ، ثم واقع أهله ، قبل أن يتمه ،

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

(٢) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٠٥.

٥٥٠

كان عليه بدنة ، واعادة الطواف.

وإن كان قد سعى من سعيه شيئا ، ثمّ جامع كان عليه الكفارة ، ويبني على ما سعى ، ومن سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ، وظن أنّه كان سعى سبعة ، فقصّر ، وجامع ، وجب عليه دم بدنة ، وروي بقرة (١) ويسعى شوطا آخر ، وانّما وجبت عليه الكفارة ، لأجل أنّه خرج من السعي ، غير قاطع ، ولا متيقن إتمامه ، بل خرج عن ظن منه ، وهاهنا لا يجوز له أن يخرج مع الظن ، بل مع القطع واليقين ، وهذا ليس هو بحكم الناسي ، وهذا يكون في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج ، فلو كان في سعي الحجّ ، كان يجب عليه الكفارة ، ولو سلم له سعيه ، وخرج منه على يقين ، لأنّه قاطع على وجوب طواف النساء عليه ، وليس كذلك العمرة المتمتع بها ، لو سلم له سعيه ، وقصّر لم يجب عليه الكفارة ، لأنّه قد أحلّ بعد تقصيره من جميع ما أحرم منه ، لأنّ طواف النساء غير واجب في العمرة المتمتع بها إلى الحج ، فليتأمّل ما قلناه ، فلا يصح القول بهذه المسألة ، فإنّها ما ذكرها الشيخ المفيد في مقنعته (٢) ، إلا بما حرّرناه.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته : وإن كان قد انصرف من السعي ظنا منه أنّه تممه ، ثمّ جامع ، لم يلزمه الكفارة ، وكان عليه تمام السعي (٣) فجعله في حكم الناسي ، ولا يصح هذا أيضا ، إلا في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج ، على ما حرّرناه.

ومتى جامع الرجل بعد قضاء مناسكه ، قبل طواف النساء ، كان عليه بدنة ، فإن كان قد طاف من طواف النساء شيئا ، فإن كان أكثر من النصف ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج الباب ١٤ من أبواب السعي.

(٢) المقنعة : كتاب الحج ، باب الكفارات ص ٤٣٣.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، ما يجب على المحرم من الكفارة.

٥٥١

بنى عليه بعد الغسل ، ولم تلزمه الكفارة ، على ما روي في بعض الأخبار (١) وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) ، وإن كان قد طاف أقل من النصف ، كان عليه الكفارة ، واعادة الطواف.

قال محمّد بن إدريس : أمّا اعتبار النصف في صحة الطواف ، والبناء عليه ، فصحيح ، وأمّا سقوط الكفارة ، ففيه نظر ، لأنّ الإجماع حاصل على أنّ من جامع قبل طواف النساء ، وجبت عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، فالاحتياط يقتضي وجوب الكفارة.

ومتى عبث بذكره ، حتى أمنى ، فانّ الواجب عليه الكفارة ، وهي بدنة ، فحسب ، ولا يفسد حجه ، وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي ، في نهايته : حكمه حكم من جامع ، على السواء (٣) وقد رجع عن هذا ، في استبصاره (٤) ومسائل خلافه (٥) ، وهو الصحيح ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، والكفارة مجمع عليها ، وما زاد على ذلك ، يحتاج إلى دليل شرعي.

ومن نظر إلى غير أهله ، فأمنى ، كان عليه بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة.

وإذا نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى ، لم يكن عليه شي‌ء ، إلا أن يكون نظر إليها بشهوة فأمنى ، فإنّه يلزمه الكفارة ، وهي بدنة.

فإن مسّها بشهوة ، كان عليه دم بدنة ، إذا أنزل ، وإن لم ينزل ، فدم شاة ، وإن مسّها من غير شهوة ، لم يكن عليه شي‌ء ، أمنى أو لم يمن.

ومن قبل امرأته من غير شهوة كان عليه دم شاة ، فإن قبّلها بشهوة ، كان عليه دم شاة إذا لم يمن ، فإن أمنى كان عليه جزور.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ١١ من أبواب كفارات الاستمتاع.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

(٤) الإستبصار : كتاب الحج ، الباب ١١٩ ، ح ٣.

(٥) لم نجد المسألة فيما بأيدينا من كتاب الخلاف.

٥٥٢

ومن لاعب امرأته ، فأمنى من غير جماع ، كان عليه بدنة.

ومن تسمّع لكلام امرأة ، أو استمع على من يجامع ، من غير رؤية لهما ، فأمنى ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولا بأس أن يقبّل الرجل امّه وهو محرم.

ومن تزوج امرأة وهو محرم ، فرّق بينهما ، ولم تحلّ له أبدا ، سواء كان قد دخل بها ، أو لم يدخل ، إذا كان عالما بتحريم ذلك عليه ، فإن لم يكن عالما به ، جاز له أن يعقد عليها بعد الإحلال.

والمحرم إذا عقد لمحرم على زوجة ، ودخل بها الزوج ، كان على العاقد بدنة ، وعلى الزوج الداخل بها ، الواطئ لها ، ما على المحرم ، إذا وطأ امرأته من الأحكام.

ولا يجوز للمحرم أن يعقد لغيره ، على امرأة ، فإن فعل ذلك ، كان النكاح باطلا ، ولا يجوز له أن يشهد على عقد نكاح ، فإن أقام الشهادة بذلك ، لم تسمع شهادته.

ومن قلّم ظفرا من أظفاره ، كان عليه مدّ من طعام ، وكذلك الحكم فيما زاد عليه ، فإذا قلّم أظفار يديه جميعا ، كان عليه دم شاة ، فإن قلّم أظفار يديه ورجليه جميعا ، وكان في مجلس واحد ، كان عليه دم ، وإن كان ذلك منه في مجلسين ، كان عليه دمان.

ومن أفتى غيره بتقليم ظفر ، فقلّمه المستفتي ، فأدمى إصبعه ، كان عليه دم شاة.

ومن حلق رأسه لأذى ، كان عليه دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو يتصدق على ستة مساكين ، لكل مسكين مدّ من طعام ، أي ذلك فعل ، فقد أجزأه.

ومن ظلل على نفسه ، كان عليه دم ، إذا فعل ذلك وهو سائر على ما قدّمناه.

ومن جادل وهو محرم ، صادقا مرّة ، أو مرتين ، فليس عليه من الكفارة شي‌ء ، ويجب عليه التوبة والاستغفار ، فإن جادل ثلاث مرات ، فصاعدا كان عليه دم شاة ، وإن جادل كاذبا مرّة ، كان عليه دم شاة ، فإن جادل مرتين كاذبا ، كان عليه دم بقرة ، فإن جادل ثلاث مرات كاذبا ، عليه بدنة.

٥٥٣

ومن نحى عن جسمه قمّلة ، فرمى بها ، أو قتلها ، كان عليه كف من طعام ، ولا بأس أن يحوّلها ، من مكان من جسده إلى مكان آخر ، ولا بأس أن ينزع الرجل القراد والحلمة عن بدنه ، وعن بعيره.

وإذا مس المحرم لحيته ، أو رأسه ، فوقع منهما شي‌ء من شعره ، كان عليه أن يطعم كفا من طعام ، فإن سقط شي‌ء من شعر رأسه ولحيته ، بمسه لهما في حال الطهارة ، لم يكن عليه شي‌ء.

والمحرم إذا نتف إبطه ، كان عليه أن يطعم ثلاثة مساكين ، فإن نتف إبطيه جميعا ، كان عليه دم شاة.

ومن لبس ثوبا لا يحل له لبسه ، لأجل الإحرام ، وكونه محرما ، أو أكل طعاما كذلك ، مثل الثوب ، كان عليه دم شاة.

والشجرة إذا كان أصلها في الحرم ، وفرعها في الحل ، لم يجز (١) قلعها ، وكذلك إذا كان أصلها في الحل ، وفرعها في الحرم ، لا يجوز قلعها على حال.

وفي الشجرة الكبيرة دم بقرة ، وفي الصغيرة دم شاة ، على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله في مسائل خلافه (٢) ، والأخبار (٣) عن الأئمة الأطهار ، (ع) واردة بالمنع من قلع شجر الحرم ، وقطعه ، ولم يتعرّض فيها للكفارة ، لا في الشجرة الكبيرة ، ولا في الصغيرة.

وكل شي‌ء ينبت في الحرم من الأشجار ، والحشيش ، فلا يجوز قلعه على حال ، إلا النخل ، وشجر الفواكه ، والإذخر.

ولا بأس أن تقلع ما أنبته أنت في الحرم من الأشجار.

ولا بأس أن يقلع ما ينبت في دار الإنسان بعد بنائه لها ، إذا كانت ملكه ،

__________________

(١) ط : لا يجوز.

(٢) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٨١.

(٣) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٨٦ من أبواب تروك الإحرام.

٥٥٤

فإن كان نابتا قبل بنائه لها ، لم يجز له قلعه.

ولا بأس أن يخلي الإنسان إبله لترعى ، ولا يجوز أن يقلع الحشيش ، ويعلفه إبله.

وحدّ الحرم الذي لا يجوز قلع الشجر منه بريد في بريد.

ومن رمى طيرا على شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، كان عليه الفداء ، وإن كان الطير في الحل.

وإذا لبس المحرم قميصا ، كان عليه دم شاة ، فإن لبس ثيابا جماعة ، في موضع واحد ، كان عليه أيضا دم واحد ، فإن لبسها في مواضع متفرقة ، كان عليه لكل ثوب منها فداء.

والأدهان على ضربين ، طيب ، وغير طيب ، فالطيب مثل دهن الورد ، والبنفسج ، والبان ، والزنبق ، بالنون بعد الزاء ، وهو دهن الياسمين ، تسميه الأطباء والصيادلة ، السوسن ، وما أشبه ذلك ، فمتى استعمله المحرم ، يجب عليه دم ، سواء استعمله في حال الاضطرار إليه ، أو حال الاختيار.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجمل والعقود : وهو مكروه (١) ، وقال في مسائل خلافه (٢) وفي نهايته (٣) بتحريم استعماله ، وبوجوب الكفارة على مستعملة ، وهو الصحيح.

فأمّا غير الطيب ، مثل دهن السمسم ، والسمن ، والزيت ، فلا يجوز الادهان به ، فإن فعل ذلك ، لا تجب عليه كفارة ، ويجب عليه التوبة والاستغفار ، فأمّا أكله ، فلا بأس به بغير خلاف.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي ، في مبسوطة ، في فصل ما يلزم المحرم من الكفارة

__________________

(١) الجمل والعقود : كتاب الحج ، فصل في كيفية الإحرام وشرائطه ، ولا يخفى ما هو المذكور في المتن مخالف لما نقله عنه ، ( ٢٨ ويجتنب الأدهان الطيبة ).

(٢) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٩٠.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم اجتنابه ، وما لا يجب.

٥٥٥

الطيب على ضربين أحدهما يجب فيه (١) الكفارة ، والآخر على ثلاثة أضرب (٢) ثمّ أورد في جمله ما لا يتعلّق به كفارة ، الشيخ ، والقيصوم ، والإذخر ، وحبق الماء.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : حبق الماء ، بالحاء غير المعجمة ، المفتوحة ، والباء المنقطة من تحتها ، نقطة واحدة ، المفتوحة ، والقاف ، وهو الحندقوق ، ويسمّى الغاغ ، بالغينين المعجمتين ، وقال الجوهري ، في كتاب الصحاح : الحبق ، بالتحريك : الفوذنج ، بالفاء المضمومة ، والواو المسكنة ، والذال المعجمة المفتوحة ، والنون المسكنة والجيم ، وما قلناه أوضح وأبين ، وقال ابن الجزلة المتطبب ، في كتاب منهاج البيان : هو بالفارسيّة فوذنج ، وقيل هو ورق الخلاف ، وهو ثلاثة أنواع جبلي ، وبستاني ، ونهري ، وهو نبات طيب الرائحة ، حديد الطعم ، ورقه مثل ورق الخلاف.

وإذا صاد المحرم نعامة ، فقتلها ، كان عليه جزور ، فإن لم يقدر على ذلك ، قوّم الجزاء ، والمقوّم عندنا هو الفداء ، دون المصيد ، وفض ثمنه على البر ، وتصدّق على كل مسكين نصف صاع ، فإن زاد ذلك على إطعام ستين مسكينا ، لم يلزمه أكثر منه ، وكانت الزيادة له ، وانّما الواجب عليه إطعام هذه العدة ، هذا المقدار ، وإن كان أقل من إطعام ستين مسكينا ، فقد أجزأه ، ولا يلزمه غير ذلك ، فإن لم يقدر على إطعام ستين مسكينا ، صام عن كلّ نصف صاع يوما ، فإن لم يقدر على ذلك ، صام ثمانية عشر يوما.

فإن قتل حمار وحش ، أو بقرة وحش ، كان عليه دم بقرة ، فان لم يقدر ، قوّمها وفض ثمنها ، على البر ، وأطعم كل مسكين نصف صاع ، فإن زاد ذلك على إطعام ثلاثين مسكينا ، لم يكن عليه أكثر من ذلك ، وله أخذ الزيادة ، كما قدّمناه في النعامة ، فإن لم يقدر على ذلك أيضا ، صام عن كل نصف صاع يوما ،

__________________

(١) ج : أحدهما فيه.

(٢) المبسوط : ج ١ ، كتاب الحج ، ص ٣٥٢.

٥٥٦

فإن لم يقدر على ذلك صام تسعة أيام.

ومن أصاب ظبيا ، أو ثعلبا ، أو أرنبا ، كان عليه دم شاة ، فإن لم يقدر على ذلك ، قوم الجزاء الذي هو الشاة ، وفض ثمنها على البر ، وأطعم كل مسكين منه نصف صاع ، فإن زاد ذلك على إطعام عشرة مساكين ، فليس عليه غير ذلك ، وإن نقص عنه ، لم يلزمه أيضا أكثر منه ، فإن لم يقدر عليه ، صام عن كل نصف صاع يوما ، فإن لم يقدر على ذلك ، صام ثلاثة أيام.

واختلف أصحابنا في هذه الكفارة ، أعني كفارة الصيد على قولين ، فبعض منهم يذهب إلى أنّها على التخيير ، وبعض منهم يذهب إلى أنّها على الترتيب ، والذي يقوى في نفسي ، وافتي به ، القول فيها بالتخيير ، وإلى هذا ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل الخلاف (١) والجمل والعقود (٢) وإلى الترتيب ذهب في نهايته (٣) وهو مذهب السيّد المرتضى ، في الانتصار (٤) والذي يدل على صحّة ما اخترناه قوله تعالى : ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) إلى قوله ( أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٥) وأو للتخيير بلا خلاف ، بين أهل اللسان ، والعدول عن الحقيقة إلى المجاز ، يحتاج إلى دليل قاطع للأعذار ، وأيضا الأصل براءة الذّمة ، والترتيب حكم زائد ، يحتاج في ثبوته إلى دليل شرعي ، فمن شغلها بشي‌ء ، وادعى الترتيب ، يحتاج إلى دلالة الإجماع (٦) فغير حاصل ، على أحد القولين ، بل ظاهر التنزيل يعضد ما قلناه ، ودليل على ما اخترناه ، فلا يعدل عنه ، إلا بدليل مثله.

ومن أصاب قطاة ، وما أشبهها ، كان عليه حمل قد فطم ، ورعي من الشجر ،

__________________

(١) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٦٠.

(٢) لم يوجد في الكتاب الذي بأيدينا مبحث الكفارات.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارات.

(٤) الانتصار : كتاب الحج ، مسألة ١٧.

(٥) المائدة : ٩٥

(٦) في ط وج : وأما الإجماع :

٥٥٧

وحدّه ما أتى عليه أربعة أشهر ، فإنّ أهل اللغة بعد أربعة أشهر يسمّون ولد الضأن حملا.

ومن أصاب يربوعا ، أو قنفذا ، أو ضبّا ، أو ما أشبه ذلك ، كان عليه جدي.

ومن أصاب عصفورا ، أو صعوة ، أو قنبرة ، وما أشبهها ، كان عليه مد من طعام ، وذهب علي بن بابويه في رسالته ، إلى أنّ في الطائر ، جميعه دم شاة ، ما عدا النعامة ، فإنّ فيها جزورا (١) ، وقال أيضا في رسالته : وإن أكلت جرادة ، فعليك دم شاة ، وذهب إلى أنّ إرسال ذكور الإبل ، أو ذكور (٢) الغنم ، لا يكون إلا إذا كان البيض فيه فراخ يتحرك ، فأمّا إذا لم يتحرك الفرخ ، وكان البيض لا فراخ فيه ، فإنّه يوجب قيمة البيضة ، فحسب (٣) والصحيح في ذلك كلّه ، ما عليه المنظور إليه من أصحابنا ، وقد ذكرناه ، فإن إجماعهم منعقد عليه.

ومن قتل زنبورا خطأ ، لم يكن عليه شي‌ء ، فإن قتله عمدا ، كان عليه كف من طعام.

ومن أصاب حمامة وهو محرم في الحل ، كان عليه دم ، فإن أصابها وهو محل في الحرم ، كان عليه درهم ، فإن أصابها وهو محرم في الحرم كان عليه دم ، والقيمة الشرعية التي هي الدرهم (٤).

وإن قتل فرخا وهو محرم في الحل ، كان عليه حمل ، وإن قتله في الحرم وهو محل ، كان عليه نصف درهم ، وإن قتله وهو محرم في الحرم ، كان عليه الجزاء والقيمة ، وإن أصاب بيض الحمام ، وهو محرم في الحل ، كان عليه درهم لكل بيضة ، فإن أصابه وهو محل في الحرم ، كان عليه ربع درهم ، وإن أصابه وهو محرم في الحرم ، كان عليه الجزاء والقيمة معا ، ولا يختلف الحكم في هذا ، سواء كان الحمام أهليا ، أو من حمام الحرم ، إلا أن حمام الحرم يشتري بقيمته علف لحمام الحرم.

والطير الأهلي ، يتصدق بقيمته الشرعية على المساكين ، بعد أن يغرم لصاحبه

__________________

(١) رسالة علي بن بابويه : كتاب الحج ، كفارات الإحرام ، ص ٨٨ الطبع الحديث.

(٢) في ط وج : أو ذكور.

(٣) رسالة علي بن بابويه : كتاب الحج ، كفارات الإحرام ، ص ٨٨ الطبع الحديث.

(٤) في ط وج : الدراهم.

٥٥٨

قيمته العرفية السوقية.

وبيض الحمام خاصّة ، لا يجب على من أصابه إرسال فحولة الغنم ، ولا الإبل في إناثها بعدد البيض ، بل يجب عليه ما ذكرناه فحسب ، لأنّ البيض على ثلاثة أضرب ضرب لا يجب الإرسال فيه ، وهو بيض الحمام ، ويدخل في الحمام ، كل مطوق يعب في شربه ، والضربان الآخران يجب فيهما الإرسال ، وهو بيض النعام ، الذي لم يتحرك فيه الفرخ ، وكذلك بيض القطا ، والقبج ، وغير ذلك ، وسنبين حكمه عند المصير إليه إن شاء الله تعالى.

وكل من كان معه شي‌ء من الصيد ، وأدخله الحرم ، وجب عليه تخليته ، فإن كان معه طير ، وكان مقصوص الجناح ، فليتركه معه ، يقيم به حتى ينبت ريشه ، ثم يخلّيه.

وقد روي أنّه لا يجوز صيد حمام الحرم ، وإن كان في الحل (١) والأصل الإباحة ، لأنّه ما حرم اصطياده ، إلا لكونه في البقعة المخصوصة التي هي الحرم ، وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مبسوطة (٢) ومسائل خلافه في كتاب الأطعمة ، والصيد والذبائح (٣) وإلى الرواية الأولى يذهب في نهايته (٤) ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك.

ومن نتف ريشة من حمام الحرم ، كان عليه صدقة يتصدق بها ، باليد التي نتف بها.

ولا يجوز أن يخرج شي‌ء من حمام الحرم من الحرم ، فمن أخرج شيئا منه ، كان عليه ردّه ، فإن مات ، كان عليه قيمته.

ويكره شراء القماري وما أشبهها ، وإخراجها من مكة ، على ما روي في

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٤٤ من أبواب كفارات الصيد.

(٢) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة بما يفعله .. ( وفي المصدر : ولا يجوز صيد حمام الحرم وان كان في الحل ).

(٣) الخلاف : كتاب الصيد والذبائح ، مسألة ٢٩.

(٤) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

٥٥٩

الاخبار (١). والأولى عندي اجتناب إخراجها من الحرم ، لأنّ جميع الصيد لا يجوز إخراجه من الحرم ، إلا ما أجمعنا عليه.

ومن أدخل طيرا الحرم ، كان عليه تخليته ، وليس له أن يخرجه منه ، فإن أخرجه كان عليه دم شاة.

ومن أغلق بابا على حمام من حمام الحرم ، وفراخ ، وبيض ، فهلكت ، فإن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، ولكل بيضة ربع درهم وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإنّ عليه لكل طير شاة ، ولكل فرخ حملا ، ولكل بيضة درهما.

وجملة الأمر وعقد الباب ، أنّ من قتل حمامة ، وفرخها ، وكسر بيضتها ، في الحل ، فانّ عليه في الحمامة شاة ، وفي الفرخ حملا ، وفي البيضة درهما ، فإن فعل ذلك في الحرم ، وهو محرم أيضا فعليه في الحمامة شاة ودرهم ، وفي الفرخ حمل ونصف درهم ، وفي البيضة درهم وربع درهم ، فإن فعل ذلك محل في الحرم ، كان عليه في الحمامة درهم ، وفي فرخها نصف درهم ، وفي بيضتها درهم وربع درهم ، فهذا تحرير الفتيا.

ومن نفر حمام الحرم ، فعليه دم شاة إذا رجعت ، فإن لم ترجع كان عليه لكل طير شاة.

ومن دل على صيد ، فقتل كان عليه فداؤه ، فحسب ، سواء كان محرما في الحرم ، أو في الحل ، وهو محرم ، أو كان محلا في الحرم.

وإذا اجتمع جماعة محرمون على صيد فقتلوه ، وجب على كل واحد منهم الفداء ، ومتى اشتروا لحم صيد ، وأكلوه ، كان أيضا على كل واحد منهم الفداء ، وإذا رمى اثنان صيدا ، فأصاب أحدهما ، وأخطأ الآخر ، كان على كل واحد

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ١٤ ، من أبواب كفارات الصيد ، ح ٣.

٥٦٠