كسف القمر ، إلا أنّ الأجود فيه ، أن يقال خسف القمر ، والعامة تقول : انكسفت الشمس ، قد وضعها بعض مصنفي أصحابنا في كتاب له ، وهي لفظة عامية ، والأولى تجنبها ، واستعمال ما عليه أهل اللغة في ذلك ، قد ذكره الجوهري في صحاحه وغيره من أهل اللغة.
وكذلك عند الزلازل ، والرياح المخوفة ، والظلمة الشديدة ، والآيات التي لم تجر بها العادة تجب الصلاة لها مثل ذلك.
ويستحب أن تصلى هذه الصلاة جماعة ، وإن صليت فرادى كان جائزا.
ومن ترك هذه الصلاة عند كسوف قرص الشمس والقمر بأجمعهما متعمّدا وجب عليه قضاء الصلاة بغسل ، واختلف قول أصحابنا في هذا الغسل ، منهم من ذهب إلى وجوبه ، ومنهم من ذهب إلى استحبابه ، وهو الذي يقوى في نفسي ، لأنّ الأصل براءة الذمة ولا إجماع على الوجوب ، ولا دليل عليه ، والأول اختيار سلار ، والثاني اختيار شيخنا المفيد وأبي جعفر الطوسي ، والمرتضى رحمهمالله.
وإن تركها ناسيا ، والحال ما وصفناه ، قضاها بغير غسل ، لا فرضا ولا ندبا ، بغير خلاف هاهنا في الغسل على القولين معا.
ومتى احترق بعض قرص الشمس ، أو القمر ، وترك الصلاة متعمدا ، وجب عليه القضاء بغير غسل أيضا بلا خلاف ، وإن تركها ناسيا والحال ما قلناه ، لم يكن عليه قضاؤها ، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب القضاء في هذه الحال ، وهو اختيار شيخنا المفيد في مقنعته (١) ، وهو الذي يقوى في نفسي ، للإجماع المنعقد من جميع أصحابنا بغير خلاف ، على أنّ من فاتته صلاة أو نسيها ، فوقتها حين يذكرها ، والخبر المجمع عليه عند جميع الأمة ، من قول الرسول
__________________
(١) المقنعة : كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف ، ص ٢١١ ، والعبارة هذه : وإن احترق بعضه ولم تعلم بذلك حتى أصبحت صيت القضاء فرادى.
عليهالسلام ، أنّ من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها (١) ودليل الاحتياط أيضا ، والأوّل قول شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمهالله.
ووقت هذه الصلاة ، إذا ابتدأ قرص الشمس ، أو القمر في الانكساف ، إلى أن يأخذ في الابتداء للانجلاء ، فإذا ابتدأ في ذلك فقد مضى وقتها ، وصارت فضاء.
ويتوجه فرض هذه الصلاة إلى الذكر ، والأنثى ، والحر ، والعبد ، والمقيم ، والمسافر ، وإلى كل من كان مخاطبا بفرض الصلاة ، ولم يكن له عذر يبيح الإخلال بالفرض ، ويسقط ذلك العذر تكليفه الصلاة ، كالحيض ، والنفاس.
وجملة القول في وقت هذه الصلاة وتحقيق ذلك ، أنّه عند ظهور الكسوف للبصر في المشاهدة ، أو العلم به ، فيمن لم يكن مشاهدا ، من أعمى ، وغيره ، إلا أن يخشى فوت فرض صلاة حاضرة قد تضيّق وقتها ، فيبدأ بذلك الفرض.
وإن دخل وقت فرض ، وأنت في صلاة الكسوف ، وخشيت خروج الوقت ، قطعت الصلاة ، وأتيت بالفرض ، ثم عدت إلى صلاة الكسوف بانيا على ما تقدّم ، محتسبا بما مضى.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله في مبسوطة : فمتى كان وقت صلاة الكسوف وقت فريضة ، فإن كان أوّل الوقت صلّى صلاة الكسوف ، ثم صلاة الفرض ، فإن تضيّق الوقت بدأ بصلاة الفرض ، ثم قضى صلاة الكسوف ، وقد روي (٢) أنّه يبدأ بالفرض على كل حال ، وإن كان في أول الوقت ، وهو الأحوط ، فإن دخل في صلاة الكسوف ، فدخل عليه الوقت ، قطع صلاة الكسوف ، ثم صلّى الفرض ، ثم استأنف صلاة الكسوف ، وإن كان وقت صلاة الليل ، صلّى أولا صلاة الكسوف ، ثم صلاة الليل (٣).
__________________
(١) مستدرك الوسائل : الباب ١ من أبواب قضاء الصلوات ، ح ١١ و ١٢ مع اختلاف بعض ألفاظهما لما ذكره قدسسره
(٢) الوسائل : الباب ٥ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح ١.
(٣) المبسوط : كتاب صلاة الكسوف.
وهذا مذهبه في نهايته (١) ، وقد رجع عن هذا القول ، في جمله وعقوده ، فقال : خمس صلوات تصلى في كل وقت ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة ، من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها ، وكذلك قضاء النوافل ما لم يدخل وقت فريضة ، وصلاة الكسوف (٢).
وهذا هو الصحيح الذي يعضده الأدلة ، لأنّ وقت الفريضة ممتد ، موسع ، لا يخشى فوته ، وهذه الصلاة يخشى فوتها.
وأيضا لا يجوز قطع صلاة شرعية مأمور بالدخول فيها ، وهذا الذي اخترناه ، مذهب السيد المرتضى ، والإجماع عليه أيضا ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله وافق في جمله وعقوده ورجع ، على ما حكيناه عنه ، وكذلك في أوّل كلامه في مبسوطة ثم قال : وقد روي (٣). فلا نرجع عن الأدلة برواية غير مجمع على صحتها.
ولا أذان لهذه الصلاة في جمع ولا فرادى.
وهي عشر ركوعات (٤) ، بأربع سجدات ، يفتتح الصلاة بالتكبير ، ثم يستفتح ، ويقرأ أم الكتاب وسورة ، ويستحب أن يكون من طوال السور ، وتجهر بالقراءة ، فإذا فرغت منها ، ركعت ، فأطلت الركوع ، بمقدار قراءتك ، إن استطعت ، على جهة الاستحباب ، ثم ترفع رأسك من الركوع ، وتقول الله أكبر ، وتقرأ أم الكتاب وسورة ، ثم تركع الثانية ، وتطيل ، على ما تقدّم ، ثم تعود إلى الانتصاب ، والقراءة حتى تستتم خمس ركوعات ، ولا تقل سمع الله لمن حمده ، إلا في الركعتين اللتين يليهما السجود ، وهما الخامسة والعاشرة ، فإذا انتصبت من الركعة الخامسة ، كبرت وسجدت سجدتين ، تطيل فيهما أيضا التسبيح ، ثم تنهض ، فتفعل من القراءة والركوع مثل ما تقدّم ، ثمّ تتشهد وتسلّم.
__________________
(١) النهاية : باب صلاة الكسوف والزلازل والرياح السود.
(٢) الجمل والعقود : كتاب الصلاة ، في فصل ذكر المواقيت.
(٣) المبسوط : كتاب صلاة الكسوف
(٤) في ط وج : ركعات.
ولا بأس بأن تقرأ السورة التي تلي أم الكتاب في أكثر من ركعة واحدة ، بأن تبعضها ، فإذا فعلت ذلك أجزأك أن لا تقرأ أم الكتاب ، وتبتدئ بما بلغت إليه من السورة التي قرأت بعضها ، فإذا استأنفت أخرى ، فالمستحب أن تقرأ أم الكتاب.
وجملة القول ، في قراءة هذه الصلاة ، أنّ قراءة الحمد تجب في الخمس ركعات الأوائل ، في أوّل الركوعات ، ويتعيّن ، ولا يجب تكرارها في باقي الخمسة ، فإذا سجد وقام إلى الخمسة الركوعات وجب عليه ، قراءة الحمد في الأوّل منها ، ويتعيّن ذلك ، ولا يجب تكرار قراءة الحمد في باقي الركوعات ، لأنّ الخمس بمنزلة ركعة واحدة ، من صلاة الخمس.
وينبغي أن يكون لك بين كل ركوعين ، قنوت كامل ، تقنت قبل الركعة الثانية ، ثمّ قبل الرابعة ، ثمّ قبل السادسة ، ثمّ قبل الثامنة ، ثمّ قبل العاشرة.
وينبغي أن تقدّر الفراغ من صلاتك (١) بقدر انجلاء المكسوف ، فإن فرغت منها قبل الانجلاء ، فلا تجب عليك إعادة الصلاة ، بل يستحب لك الدعاء والتسبيح إلى أن ينجلي ، وربما ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب الإعادة ، وهذا غير واضح ، لأنّه ليس عليه دليل ، والأصل براءة الذمة ، والإعادة فرض ثان ، والأمر فقد امتثل بالصلاة الاولى ، وذهب بعض أصحابنا إلى أنّ الإعادة تستحب ، ولا دليل على ذلك أيضا.
وقال السيد المرتضى في مصباحه ، ومن فاتته صلاة الكسوف ، وجب عليه قضاؤها ، إن كان قرص المنكسف احترق كلّه فإن كان انّما احترق بعضه فلا يجب عليه القضاء ، وقد روي وجوب القضاء على كلّ حال (٢) والأول أظهر ، وروي أنّ من تعمّد ترك هذه الصلاة وجب عليه مع القضاء الغسل (٣)
__________________
(١) في ط وج : من قرائتك.
(٢) الوسائل : الباب ٥ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح ١.
(٣) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح ٥.
قال محمّد بن إدريس : وقد قلنا ما عندنا في ذلك من القضاء وغيره ، فلا وجه لإعادته.
باب صلاة الاستسقاء
والمسنون عند منع السماء قطرها ، وجدب الأرض ، أن ينذر الإمام الناس ، بعزمه على الاجتماع للاستسقاء ، إمّا في خطبته يوم الجمعة ، أو بأن ينادي بذلك فيهم ، ويأمرهم بالاستعداد لذلك ، وأخذ الأهبة له ، من تقديم التوبة ، والإخلاص لله تعالى ، والانقطاع إليه ، فإذا خرجوا لذلك ، فينبغي أن يلبسوا أخشن ثيابهم ، ويمشوا وهم مطرقون ، مخبتون ، مكثرون لذكر الله تعالى ، والاستغفار لذنوبهم ، وسيئ أعمالهم ، ويمنع من الحضور معهم أهل الذمة ، وجميع الكفار ، والمتظاهرين بالفسوق ، والمنكر ، والخلاعة ، من أهل الإسلام ، ويخرجوا معهم من النساء العجائز ، والأطفال والبهائم ، ويغدوا الإمام في اليوم الذي أخذ الوعد فيه ، ويستحب أن يكون ذلك اليوم ، يوم الاثنين ، مصحرا إلى المصلى ، بحيث يصلّى صلاة العيدين ، وقد تقدّم المؤذنون بين يديه ، وفي أيديهم العنز والعنز جمع العنزة ، وهي عصا ، فيها زجّ حديد ، ويمشي في أثرهم ، والمنبر محمول بين يديه ، فإذا انتهى إلى الموضع الذي يكون فيه ، تقدّم الى (١) المؤذنين ، بأذان الناس بالصلاة ، بأن يقولوا : الصلاة الصلاة ، بغير أذان ، ولا اقامة.
وقال بعض أصحابنا : إنّ المنبر لا يحمل ، بل المستحب أن يكون ، مثل منبر صلاة العيد ، معمول من طين ، وهذا هو الأظهر في الرواية والقول ، والأوّل مذهب السيّد المرتضى ، ذكره في مصباحه.
ثم يصلّي بالناس ركعتين ، يجهر فيهما بالقراءة ، على صفة صلاة العيد ، وعدد تكبيرها وهيأتها.
__________________
(١) ج : قدّم.
فإذا سلّم من الصلاة ، رقى المنبر ، فخطب ، وحمد الله تعالى ، وأثنى عليه ، وعدّد نعمه ، وآلاءه ، وصلّى عليه نبيه محمّد صلىاللهعليهوآله وبالغ في الوعظ ، والزجر ، والإنذار ، وفي بعض الروايات ، أنّ هذه الخطبة تكون قبل الصلاة ، والذي ذكرناه اثبت ، وعليه الإجماع.
فإذا فرغ من الخطبة ، قلب رداءه ، فجعل ما كان على يمينه ، على شماله ، وما كان على شماله ، على يمينه ، ثم يستقبل القبلة ، فيكبر الله تعالى مائة تكبيرة رافعا بها صوته ، ويكبّر الناس ، بتكبيرة ، غير رافعين لأصواتهم.
ثم يلتفت إلى يمينه ، ويسبح الله تعالى مائة تسبيحة ، رافعا بها صوته ، ويسبّح الناس معه.
ثم يلتفت إلى يساره ، فيهلّل الله تعالى مائة تهليلة ، رافعا بها صوته ، ويهلل الناس معه.
ثم يستقبل الناس بوجهه ، فيحمد الله تعالى مائة تحميدة ، رافعا بها صوته ، ثم يجلس فيرفع يديه ، ويدعو الله تعالى بالسقيا ، ويدعو الناس معه ، وليؤمنوا على دعائه.
وذهب بعض أصحابنا إلى غير هذا الترتيب ، وقال : إذا فرغ من صلاة الركعتين ، وسلّم منهما ، استقبل القبلة ، وكبر الله تعالى مائة تكبيرة ، يرفع بها صوته ، ويكبر معه من حضر ، ويلتفت عن يمينه ، فيسبح الله مائة مرة ، يرفع بها صوته ، ويسبح معه من حضر ، ثم يلتفت عن يساره ، فيهلل الله مائة مرّة ، يرفع بها صوته ، ويقول ذلك من حضر معه ، ثمّ يستقبل الناس بوجهه ، ويحمد الله مائة مرّة ، يرفع بها صوته ، ويقول ذلك من حضر معه ، ثم يدعو ، ويصعد المنبر بعد ذلك ، فيخطب بخطبة الاستسقاء ، المروية عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، فيجعل الخطبة بعد التكبيرات المائة ، والتسبيحات ، والتهليلات المائة ، والتحميدات المائة.
والأوّل مذهب السيّد المرتضى ، وشيخنا المفيد ، والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي والذي يقوى في نفسي الأوّل.
ويستحب لأهل الخصب ، أن يدعو لأهل الجدب ، فإن خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا صلّوا شكرا لله تعالى ، فإن صلّوا ولم يسقوا ، خرجوا ثانيا ، وثالثا ، لأنّه لا مانع من ذلك.
وإذا نضب ماء العيون أو مياه الآبار ، جاز صلاة الاستسقاء ، لأنّه لا مانع من ذلك.
ولا يجوز أن يقول مطرنا بنوء كذا ، لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك.
باب صلاة المسافر
السفر على أربعة أقسام : واجب مثل الحجّ والعمرة ، وندب مثل الزيارات وما أشبهها ، ومباح مثل تجارة ، وطلب معيشة ، وما أشبه ذلك فهذه الأنواع الثلاثة ، كلّها يجب فيها التقصير في الصوم والصلاة ، والرابع سفر معصية ، مثل سفر الباغي ، والعادي ، أو سعاية ، أو قطع طريق ، أو إباق عبد من مولاه ، أو نشوز زوج من زوجها ، أو اتّباع سلطان جائر في معونته وطاعته مختارا ، أو طلب صيد للهو والبطر ، فانّ جميع ذلك ، لا يجوز فيه التقصير ، لا في الصوم ولا في الصلاة.
فأمّا الصيد الذي لقوته ، وقوت عياله ، فإنّه يجب فيه التقصير في الصوم والصلاة.
فأمّا إن كان الصيد للتجارة دون الحاجة للقوت ، روى أصحابنا بأجمعهم أنّه يتم الصلاة ، ويفطر الصوم (١).
وكل سفر أوجب التقصير في الصلاة ، أوجب التقصير في الصوم ، وكل سفر أوجب التقصير في الصوم ، أوجب تقصير الصلاة ، إلا هذه المسألة فحسب ، للإجماع عليها ، فصار سفر الصيد ، على ثلاثة أضرب ، وكل ضرب منها ، يخالف
__________________
(١) مستدرك الوسائل : الباب ٧ من أبواب صلاة المسافر ، ح ٢.
الآخر ويباينه ، فصيد اللهو والبطر ، يجب فيه تمام الصلاة والصوم ، وصيد القوت للعيال والنفس ، يجب فيه تقصير الصلاة والصوم ، بالعكس من الأول ، وصيد التجارة ، يجب فيه تمام الصلاة ، وتقصير الصوم.
واعلم أنّ فرض السفر ، في كل صلاة من الصلوات الخمس ، ركعتان ، إلا المغرب وحدها ، فإنّها ثلاث ركعات.
والنوافل التي أكد الإتيان بها في السفر ، سبع عشرة ركعة ، أربع بعد المغرب ، وصلاة الليل ثماني ركعات ، وثلاث الشفع والوتر ، وركعتا الفجر.
وفرض السفر التقصير ، كما أنّ فرض الحضر الإتمام ، فالمتمم مع السفر ، كالمقصّر في الحضر.
ومن تعمّد الإتمام في السفر بعد حصول العلم بوجوبه عليه ، وجبت عليه الإعادة ، لتغييره فرضه ، فإن نسي التقصير ، فأتم ، أعاد ما دام في الوقت ، وبعد خروج الوقت ، لا اعادة عليه ، وقال بعض أصحابنا : يجب عليه الإعادة على كل حال ، والأول هو الصحيح ، لأنّ عليه الإجماع ، وبه تواترت الأخبار (١) وعليه العمل والفتوى ، من محصلي فقهاء آل الرسول عليهمالسلام.
وحدّ السفر الذي يجب معه التقصير ، بريدان ، والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع ، على ما ذكره المسعودي في كتاب مروج الذهب (٢) فإنّه قال : الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود ، وهو الذراع الذي وضعه المأمون ، لذرع الثياب ، ومساحة البناء ، وقسمة المنازل ، والذراع أربعة وعشرون إصبعا.
وأصل البريد ، أنّهم كانوا ينصبون في الطرق أعلاما ، فإذا بلغ بعضها ، راكب البريد نزل عنه ، وسلّم ما معه من الكتب إلى غيره ، فكان ما به من الحر والتعب
__________________
(١) الوسائل : الباب ١٧ من أبواب صلاة المسافر
(٢) مروج الذهب : لم نتحققه.
يبرد في ذلك ، أو ينام فيه الراكب ، والنوم يسمى بردا فسمى ما بين الموضعين بريدا ، وانّما الأصل الموضع الذي ينزل فيه الراكب ، ثم قيل للدابة بريد ، وانّما كانت البرد للملوك ثمّ قيل للسير بريد.
وقال مزرّد بن ضرار يمدح عرابة الأوسي.
فدتك عراب اليوم نفسي واسرتي |
|
وناقتي الناجي إليك بريدها |
فمن كان قصده إلى مسافة هذا قدرها ، وكان ممن يجب عليه التقصير ، لزمه ، وتحتم عليه القصر.
وإن كانت قدر المسافة أربعة فراسخ للمار إليها ونوى ، وأراد الرجوع من يومه ، عند الخروج من منزله ، لزمه أيضا التقصير ، فإن لم ينو الرجوع من يومه ، ولا أراده ، وجب عليه التمام ، ولا يجوز له التقصير.
وقال بعض أصحابنا : يكون مخيرا بين الإتمام والتقصير ، في الصوم والصلاة ، وهو مذهب شيخنا المفيد.
وقال بعض أصحابنا : يكون مخيّرا ، بين إتمام صلاته وتقصيرها ، ويجب عليه إتمام صيامه ، ولا يكون مخيّرا فيه ، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي (١).
وقال بعض أصحابنا : لا يكون مخيرا في شيء من العبادتين ، بل يجب عليه تمامهما معا ، وهذا الذي اخترناه أولا ، وبه يقول السيّد المرتضى ، وهو الصحيح الذي تقتضيه أصول المذهب ، ويقويه النظر ، والأدلة ، والإجماع ، لأنّه لا خلاف عندهم في حدّ المسافة التي تجب ويتحتّم القصر ، على من قصدها ، ووجوب إتمام الصلاة على من لم يقصدها ، فقد أجمعوا على تقصير صلاة القاصد لها ، ولا إجماع منهم ، على تقصير صلاة من لم يقصدها.
وأيضا فالأصول تقتضي أنّ الإنسان لا يكون مخيرا في تمام صلاته ،
__________________
(١) في النهاية كما يأتي ص ٢٩٥.
وقصرها ، بل الواجب عليه إما تمامها أو قصرها ، إلا ما خرج بالدليل ، والإجماع من تخييره في البقاع المذكورة.
وأيضا فالإنسان المكلف بالصلاة إمّا أن يكون حاضرا ، أو مسافرا ، فالحاضر ومن في حكمه ، يجب عليه بالإجماع تمام الصلاة ، والمسافر ، ومن في حكمه ، يجب عليه أيضا ، بالإجماع ، تقصير الصلاة ، ولا ثالث معنا ، وأيضا إسقاط الركعتين من الصلاة الرباعية بعد اشتغال الذمة بها ، يحتاج إلى دليل شرعي ، كدليل ثبوتهما ، ولا دليل ولا إجماع على ذلك ، لأنّا قد بيّنا اختلاف أصحابنا في المسألة ، ومن قال بها ، اختلفوا في كيفيتها ، وهل يكون مخيرا بين تمام الصلاة والصوم وبين قصرهما أو يكون مخيرا بين تمام الصلاة وقصرها دون الصوم ، على ما حكيناه عن أصحابنا المصنّفين ، فإذا كان الاختلاف في المسألة حاصلا فلا يرجع ، عن المعلوم المفروض المحتم على الذمم ، المجمع على وجوبه ، واشتغالها به بأخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ، وخصوصا على مذهب أصحابنا فقهاء أهل البيت عليهمالسلام ، سلفهم وخلفهم ، في أخبار الآحاد ، وأنّهم مجمعون على ترك العمل بها ، على ما بيناه ، وأوضحناه في صدر كتابنا هذا.
ودليل الاحتياط أيضا يقتضي ما اخترناه ، لأنّه لا خلاف بين أصحابنا جميعهم ، في أنّ المكلف ، إذا تمّم صلاته وصومه ، في المسألة المختلفة فيها ، فانّ ذمته بريئة ، وإذا قصّر ، ففيه الخلاف ، فبالإجماع لا ذمّ على تارك القصر ، وما لا ذمّ في تركه ، ويخشى في فعله أن يكون بدعة ، ومعصية ، ولا تبرأ الذمة معه ، ويستحق بتركه الذم ، فتركه أولى وأحوط في الشريعة بغير خلاف.
وشيخنا أبو جعفر قال في جمله وعقوده : ومن يلزمه الصوم في السفر ، عشرة ، من نقص سفره عن ثمانية فراسخ (١).
__________________
(١) الجمل والعقود : في فصل في ذكر أقسام الصوم ومن يجب عليه الصوم.
قال محمّد بن إدريس رحمهالله : ولا خلاف عنده ، وعند جميع أصحابنا ، أنّ من وجب عليه إتمام الصوم ، ولزمه يجب عليه إتمام الصلاة ، ويلزمه ، وكذلك من وجب عليه إتمام الصلاة ، ولزمه ، يجب عليه إتمام الصوم ويلزمه ، طردا وعكسا ، إلا مسألة واحدة استثناها أصحابنا ، وهو طالب الصيد للتجارة ، فإنّه يجب عليه إتمام الصلاة والتقصير في الصيام ، فليلحظ ذلك ، ويتأمل وقال في مبسوطة : ويجب الإتمام في الصلاة والصوم على عشرة من بين المسافرين ، أحدها من نقص سفره عن ثماني فراسخ (١).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله : وهذا رجوع منه عما ذهب إليه في نهايته (٢) بلا خلاف.
وابتداء وجوب التقصير على المسافر ، من حيث يغيب عنه أذان مصره المتوسط ، أو تتوارى عنه جدران مدينته ، والاعتماد عندي على الأذان المتوسط ، دون الجدران.
والسفر ، خلاف الاستيطان والمقام ، فاذن لا بدّ من ذكر حدّ الاستيطان ، وحدّه ستة أشهر فصاعدا ، سواء كانت متفرقة أو متوالية.
فعلى هذا التقرير (٣) والتحرير ، من نزل في سفره قرية ، أو مدينة ، وله فيها منزل مملوك ، قد استوطنه ستة أشهر ، أتم ، وإن لم يقم المدّة التي توجب على المسافر الإتمام ، أو لم ينو المقام عشرة أيام ، وإن لم يكن كذلك قصّر.
ولا يزال المسافر في تقصير ، حتى يصل إلى موضع منزله ، أو الموضع الذي يسمع أذان بلده منه ، فإن حيل بين منزله وبينه ، بعد الوصول إلى ذلك الموضع ، أتم.
ومن دخل بلدا ، ونوى أنّه يقيم فيه عشرة أيام فصاعدا ، وجب عليه الإتمام ، فإن كان مشككا ، لا يدري كم يقيم ، يقول غدا أخرج ، أو بعد غد ، فليقصر ما بينه وبين شهر. فإذا مضى الشهر أتم.
__________________
(١) المبسوط : كتاب الصوم في حكم المريض والمسافر والمغمى عليه .. إلخ.
(٢) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المسافر في شهر رمضان ، قال هكذا ، ومتى كان سفره أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع فيه لم يجز له الإفطار وهو مخيّر في التقصير في الصلاة حسب ما قدّمناه
(٣) في م : على التقدير :
ولو ان مسافرا دخل في صلاته ، بنيّة التقصير ، ثم نوى خلال ذلك الصلاة الإقامة ، أتم الصلاة ، فإن كان مقيما ، ودخل في الصلاة ، بنية الإتمام ، بعد ان كان صلّى صلاة على التمام ، ثم نوى السفر قبل فراغه منها ، لم يكن له القصر.
والروايات مختلفة ، فيمن دخل عليه وقت صلاة ، وهو حاضر فسافر ، أو دخل عليه الوقت ، وهو مسافر ، فحضر ، والأظهر بين محصلي أصحابنا ، أنّه يصلّى بحسب حاله وقت الأداء ، فيتم الحاضر ، ويقصّر المسافر ، ما دام في وقت من الصلاة ، وإن كان أخيرا ، فإن خرج الوقت لم يجز إلا قضاؤها بحسب حاله ، عند دخول أول وقتها.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له : فإن خرج من منزله ، وقد دخل الوقت ، وجب عليه التمام ، إذا كان قد بقي من الوقت مقدار ما يصلّي فيه على التمام ، فإن تضيّق الوقت ، قصّر ولم يتمّم ، وإن دخل من سفره بعد دخول الوقت ، وكان قد بقي من الوقت ، مقدار ما يتمكن فيه من أداء الصلاة على التمام ، فليصل ، وليتمم ، وإن لم يكن قد بقي مقدار ذلك ، قصّر ، ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله في نهايته (١) وهذا غير واضح ، ولا مستمر على أصول المذهب ، وانّما هو خبر أورده ، على جهة الإيراد لا الاعتقاد ، على ما اعتذرنا له فيما مضى.
وقد رجع عنه في مسائل خلافه فقال : مسألة : إذا خرج إلى السفر وقد دخل الوقت ، إلا أنّه مضى مقدار ما يصلّي الفرض أربع ركعات ، جاز له التقصير ، ويستحب له الإتمام ، وقال الشافعي : إن سافر بعد دخول الوقت ، فإن كان مضى مقدار ما يمكنه أن يصلّي فيه أربعا ، كان (٢) له التقصير ، قال : وهذا قولنا ، وقول الجماعة ، إلا المزني ، فإنّه قال : عليه الإتمام ، ولا يجوز
__________________
(١) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر
(٢) ج : جاز له.
له التقصير ، دليلنا : قوله تعالى : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (١) ولم يخص وهذا ضارب ، فيجب أن يجوّز له التقصير ، وأيضا فقد ثبت أنّ الوقت ممتد ، وإذا لم يفت الوقت ، جاز له التقصير.
وروى إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : يدخل عليّ وقت الصلاة ، وأنا في السفر ، فلا أصلّي حتى أدخل أهلي ، قال : صلّ وأتمّ الصلاة ، قلت : يدخل عليّ وقت الصلاة ، وأنا في أهلي أريد السفر ، فلا أصلي حتى أخرج ، قال : صلّ وقصّر ، فان لم تفعل ، فقد والله خالفت رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢).
فأمّا الاستحباب الذي قلناه ، فلما رواه بشير النبّال قال : خرجت مع أبي عبد الله عليهالسلام حتى أتينا الشجرة ، فقال لي أبو عبد الله : يا نبال. قلت : لبيك ، قال : إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري وغيرك ، وذلك أنّه دخل وقت الصلاة ، قبل أن نخرج (٣) فلمّا اختلفت الأخبار ، حملنا الأوّل على الاجزاء ، وهذا على الاستحباب (٤) هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمهالله.
قال محمد بن إدريس رحمهالله : أمّا ما ذكره في النهاية ، فلا يجوز القول به ، والعمل عليه. لأنّه مخالف لأصول المذهب ، على ما قلناه ، (٥) لأنّ الوقت باق ، وفرض الحاضر غير فرض المسافر ، فكيف يتم المسافر صلاته مع قوله تعالى : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) والإجماع حاصل على وجوب القصر للمسافر ، بغير خلاف ، وأيضا كان يلزم عليه أن يقصر الإنسان في منزله ، إذا دخل من سفره على ما قاله رضياللهعنه ، وهذا مما لم يذهب إليه أحد ، ولم يقل به فقيه ، ولا مصنّف ذكره في كتابه ، لا منا ،
__________________
(١) النساء : ١٠١
(٢) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب صلاة المسافر ، ح ٢.
(٣) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب صلاة المسافر ، ح ١٠.
(٤) الخلاف : المسألة ١٤ من كتاب صلاة المسافر
(٥) في ط وج : ولأن.
ولا من مخالفينا ، وما ذكره في مسائل خلافه أيضا فغير واضح ، لأنّه قال : جاز له التقصير ، ويستحب له الإتمام ، ثم استشهد واستدلّ بما يقضى عليه ، ويبطل ما ذهب إليه ، من الآية والخبر ، وهما يوجبان القصر ، ويحتمانه ، ثم رجع بخبر واحد ، وهو خبر النبّال (١) ، إلى الاستحباب ، وإذا كان مع أحد الخبرين القرآن والإجماع ، فكيف يعمل بالخبر المنفرد عن الأدلة القاهرة ، وأيضا فما عمل بخبر النبال لأنّ خبر النبال لفظ الوجوب ، لأنّه قال عليهالسلام إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري وغيرك ، وانما حداه على ذلك ، والرجوع عن كتاب له الى كتاب آخر ، اختلاف الاخبار ، وقد بيّنا أنّ أخبار الآحاد ، لا يجوز العمل بها في الشريعة ، والرجوع عن الأدلة القاهرة (٢) إليها وأيضا فقد تعارضت ، ومع تعارضها ، ينبغي أن يعمل بما عضده منها الدليل.
والصحيح ما ذهبنا إليه أوّلا ، واخترناه ، لأنّه موافق للأدلّة ، وأصول المذهب ، وعليه الإجماع ، وهو مذهب السيد المرتضى ، ذكره في مصباحه ، والشيخ المفيد وغيرهما من أصحابنا ، ومذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمهالله في تهذيبه (٣) ، فإنّه حقّق القول في ذلك ، وبالغ فيه ، ورجع عمّا ذكره في نهايته (٤) ، ومسائل خلافه (٥). في تهذيب الأحكام ، في باب أحكام فوائت الصلاة (٦).
فأمّا إذا لم يصل ، لا في منزله ، ولا لمّا خرج إلى السفر ، وفاته أداء الصلاة ، فالواجب عليه قضاؤها ، بحسب حاله ، عند دخول أول وقتها ، على ما قدّمناه ، وهذا مذهب الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمهالله في تهذيب الأحكام ، فإنّه حقق
__________________
(١) الوسائل : مضى القول فيه
(٢) ليس في ج : القاهرة.
(٣) لتهذيب : في أحكام فوائت الصلاة ، ذيل ح (٣٥٣) ١٤.
(٤) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر.
(٥) الخلاف : مسألة ١٤ من كتاب صلاة المسافر.
(٦) التهذيب : ذيل ح ١٤ من باب ١٠ أحكام فوائت الصلاة.
ذلك ، وبيّنه ، وفصّله ، وشرحه ، شرحا جليا ، في باب أحكام فوائت الصلاة أيضا على ما قدّمناه ، فليلحظ من هناك ، وشيخنا المفيد ، وابن بابويه ، في رسالته (١) والسيد المرتضى في مصباحه ، وهو الصحيح ، لأنّ العبادات ، تجب بدخول الوقت ، وتستقر بإمكان الأداء ، كما لو زالت الشمس على المرأة الطاهرة ، فأمكنها الصلاة ، فلم تفعل حتى حاضت ، استقر القضاء.
فإن قيل : الأخبار ناطقة ، متظاهرة ، متواترة ، والإجماع حاصل ، منعقد ، على أنّ من فاتته صلاة في الحضر ، فذكرها في السفر ، وجب عليه قضاؤها ، صلاة الحاضر أربعا ، كما فاتته ، ومن فاتته صلاة في السفر ، فذكرها في الحضر ، وجب عليه قضاؤها ، صلاة المسافر (٢) اثنتين كما فاتته ، وهذا بخلاف ما ذهبتم إليه.
قلنا : ما ذهبنا إلى خلاف ما سأل السائل عنه ، بل إلى وفاق ما قاله ، وانّما يقضي ما فاته في حال الحضر ، ولو صلاها في الحضر ، قبل خروجه ، كأن يصلّي الرباعيّة أربع ركعات ، ففاتته صلاة أربع ركعات ، فيجب عليه أن يقضيها ، كما فاتته في حال السفر (٣) ، وكذلك كان يجب عليه أن يصلّي الرباعيّة في حال السفر ركعتين ، فأخلّ بها إلى أن خرج الوقت ، وصار حاضرا ، فيقضي ما فاته كما فاته ، وهي صلاة السفر ركعتان ، فهي الفائتة ، فلو صلاها في سفره لما كان يصلّي إلا ركعتين ، ففاتته صلاة الركعتين ، فيجب عليه أن يقضيها كما فاتته ، فليلحظ ذلك ، فإنّه موافق للأدلّة ، وعليه إجماع أصحابنا ، على ما قدمناه من أقوالهم ، مثل شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمهالله قد ذكره في مبسوطة (٤) ، وابن بابويه قد ذكره في رسالته (٥) ، والمرتضى في مصباحه ، وشيخنا المفيد في بعض أقواله ، اللهم على ما مرّ بي وقد تقدم فيما مضى ذكره (٦) في باب الجماعة حكم
__________________
(١) لم نتحققهما في رسالة ابن بابويه.
(٢) ج : السفر
(٣) ج : ليس فيه
(٤) المبسوط : كتاب الصلاة في حكم قضاء الصلوات.
(٥) لم نتحققهما في رسالة ابن بابويه.
(٦) ج : وقد تقدم ومضى.
دخول المسافر ، في صلاة المقيم ، والمقيم في صلاة المسافر.
ومن اضطر إلى الصلاة في سفينة ، فأمكنه أن يصلّي قائما ، لم يجزه غير ذلك ، وإن خاف الغرق ، وانقلاب السفينة ، جاز أن يصلّي جالسا ، ويتحرى القبلة ، ليكون توجّهه إليها ، فإن توجه إليها في افتتاح صلاته ، ثم التبست عليه من بعد ، أجزأه التوجّه الأول.
ولا يجوز لأحد أن يصلّي الفريضة راكبا ، إلا من ضرورة شديدة ، وعليه تحري القبلة.
ويجوز أن يصلّي النوافل ، وهو راكب مختارا ، ويصلّي حيث ما توجهت به راحلته ، وإن افتتح الصلاة مستقبلا للقبلة ، كان أولى ، هذا قول السيّد المرتضى ، والصحيح أنّه واجب عليه افتتاح الصلاة مستقبلا للقبلة ، لا يجوز غير ذلك ، وهو قول جماعة أصحابنا ، إلا من شذّ منهم.
ومن صلّى ماشيا لضرورة ، أومأ بصلاته ، فجعل السجود أخفض من الركوع ، والركوع أخفض من الانتصاب.
ولا يجوز التقصير للمكاري ، والملاح ، والراعي ، والبدوي ، إذا طلب القطر والنبت ، فإن أقام في موضع عشرة أيّام ، فهذا يجب عليه التقصير ، إذا سافر عن موضعه سفرا يوجب التقصير ، فقد صار البدوي على ضربين ، أحدهما له دار مقام جرت عادته فيها بالإقامة ، فهذا يجب عليه التقصير إذا سافر عن دار مقامه سفرا يوجب التقصير ، والآخر لا يكون له دار مقام ، وإنّما يتبع مواضع النبت ، ويطلب مواضع القطر ، وطلب المرعى والخصب ، فهذا يجب عليه التمام ، ولا يجوز له التقصير.
ولا يجوز التقصير ، للذي يدور في جبايته ، والذي يدور في أمارته ، ومن يدور في تجارته ، من سوق إلى سوق ، والبريد ، وقال ابن بابويه في رسالته (١) والمكاري ،
__________________
(١) رسالة ابن بابويه : صلاة المسافر.
والكريّ ، فالكريّ هو المكاري ، فاللفظ مختلف ، وإن كان المعنى واحدا. قال عذافر الكندي :
لو شاء ربي لم أكن كريا |
|
ولم أسق بشعفر المطيا |
الشعفر بالشين المعجمة ، والعين غير المعجمة والفاء والراء غير المعجمة ، اسم امرأة من العرب.
بصرية تزوجت بصريا |
|
يطعمها المالح والطريا |
تخاله إذا مشى خصيّا |
|
من طول ما قد حالف الكرسيا |
والكري من الأضداد ، قد ذكره أبو بكر بن الأنباري ، في كتاب الأضداد يكون بمعنى المكاري ، ويكون بمعنى المكتري.
وقال ابن بابويه أيضا في رسالته : ولا يجوز التقصير للاشتقان ، بالشين المعجمة ، والتاء المنقطة من فوقها بنقطتين ، والقاف ، والنون ، هكذا سماعنا على من لقيناه ، وسمعنا عليه من الرواة ، ولم يبينوا لنا ما معناه (١).
قال محمّد بن إدريس رضياللهعنه : وجدت في كتاب الحيوان للجاحظ ، ما يدل على أنّ الأشتقان ، الأمين الذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر ، قال الجاحظ : وكان أبو عباد النميري ، أتى باب بعض العمال ، يسأله شيئا من عمل السلطان ، فبعثه أشتقانا فسرقوا (٢) كل شيء في البيدر ، وهو لا يشعر ، فعاتبه في ذلك ، فكتب إليه أبو عباد :
كنت بازا أضرب الكر |
|
كيّ والطير العظاما |
فتقنصت بي الصّعو |
|
فأوهنت القدامى |
وإذا ما أرسل البازي |
|
على الصعو تعامى (٣) |
__________________
(١) رسالة ابن بابويه : صلاة المسافر
(٢) ج : فسرق.
(٣) الحيوان : ج ٥ ، ص ٥٩٩. والتقنص : الصيد ، والصعو : طائر أصغر من العصفور أحمر الرأس ، والقدامى : القوادم وهي ريشات أربع في مقدم الجناح.
وأظنّها كلمة أعجمية ، غير عربية ، فعلى هذا التحرير ، يجب عليه الإتمام ، لأنّه في عمل السلطان.
ومن كان سفره أكثر من حضره ، والأصل في جميع هؤلاء ، ان سفرهم أكثر من حضرهم ، فقد عاد الأمر إلى أنّ من سفره أكثر من حضره ، يجب عليه التمام ، ولا يجوز له التقصير ، وجميع الأقسام المقدّم ذكرها ، داخلون في ذلك ، والذي يدلك على هذا التحرير ، ما أورده السيد المرتضى في كتاب الانتصار ، فإنه قال : مسألة : ومما انفردت به الإمامية القول بأنّ من سفره أكثر من حضره ، كالملاحين ، والجمّالين ، ومن جرى مجراهم ، لا تقصير عليه (١) فجعل من سفره أكثر من حضره ، أصلا في المسألة ومثّل الملاحين والجمّالين به.
ثمّ قال السيد المرتضى رضياللهعنه في استدلاله على المسألة : والحجة على ما ذهبنا إليه ، إجماع الطائفة ، وأيضا فإنّ المشقة التي تلحق المسافر ، هي الموجبة للتقصير ، في الصوم والصلاة ، ومن ذكرنا حاله ، ممن سفره أكثر من حضره لا مشقة عليه في السفر ، بل ربما كانت المشقة عليه في الحضر ، لاختلاف العادة.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله ، في كتاب الجمل والعقود ، في فصل في حكم المسافرين : والسفر الذي يجب فيه الإفطار ، يحتاج إلى ثلاثة شروط ، أن لا يكون معصية ، وتكون المسافة بريدين ، ثمانية فراسخ ، أربعة وعشرون ميلا ولا يكون المسافر سفره أكثر من حضره (٢). فأتى بهذا القسم ، ولم يذكر باقي الأقسام ، لأنّهم داخلون فيه ، وكل هؤلاء ، يجب عليهم التمام في السفر ، فإن كان لهم مقام في بلدهم عشرة أيام ، وجب عليهم إذا خرجوا
__________________
(١) الانتصار : كتاب الصلاة ص ٥٣.
(٢) الجمل والعقود : كتاب الصوم ، فصل في حكم المسافرين.
إلى السفر التقصير ، فإن عادوا إلى بلدهم من سفرهم بعد تقصيرهم ، ولم يقيموا فيه عشرة أيام ، خرجوا متمين ، وهكذا يعتبرون حالهم ، وليس يصير الإنسان بسفرة واحدة ، إذا ورد إلى منزله ، ولم يقم عشرة أيام ، ممّن سفره أكثر من حضره ، بل بأن يتكرّر هذا منه ، ويستمر دفعات ، على توال ، أدناها ثلاث دفعات ، لأنّ هذا طريقة العرف والعادة ، بأن يقال فلان سفره أكثر من حضره ، لأنّ من أقام في منزله مثلا مائة سنة ، ثم سافر سفرة واحدة ، ثم ورد إلى منزله ، ولم يقم فيه عشرة أيام ، ثم سافر فإنّه يجب عليه في سفره الثاني التقصير ، وإن كان لم يقم عشرة أيام ، لأنّه لا يقال في العرف والعادة ، أن فلانا هذا سفره أكثر من حضره ، بسفرة واحدة ، حتى يتكرّر هذا الفعال منه.
فان قيل : فإن سافر الإنسان أوّل سفرة ، بعد الإقامة في المنزل مائة سنة ، وأقام في السفر مثلا شهرا ، ثم ورد إلى منزله فأقام فيه أقل من عشرة أيام ثم خرج ، فقد صار سفره أكثر من حضره الذي في منزله ، وهو أقل من عشرة أيام ، وكان سفره شهرا.
قلنا : فإن كان أقام في سفره خمسة أيام ، ثم ورد إلى منزله وأقام فيه ثمانية أيام ، فقد صار حضره أكثر من سفر ، (١) والسائل يخرجه عن هذا التقدير متمّما فلم يستقم له سؤاله واعتراضه الأوّل.
وقول بعض المصنّفين ، في كتاب له : ومن كان سفره أكثر من حضره ، وحدّه أن لا يقيم في منزله عشرة أيام ، يريد به أنّ من كان سفره أكثر من حضره ، لا يزال في أسفاره متمما ، ما لم يكن له في بلدته مقام عشرة أيام ، فإذا كان له في بلدته مقام عشرة أيام ، أخرجناه من ذلك الحكم ، لا أنّ المراد بقوله : إن كل من لم يقم في بلدته عشرة أيّام ، يخرج متمما من سائر
__________________
(١) في ط : سفره عند هذا.
المسافرين ، بل من كان سفره أكثر من حضره ، وعرف بالعادة ذلك من حاله ، وانطلق عليه هذا الاسم ، وتكرّر ، فالهاء في قوله وحدّه يرجع إلى هذا الذي تكرّر منه الفعل ، وانطلق عليه في العرف والعادة ، وصار سفره أكثر من حضره ، فحدّ هذا ، أن لا يرجع إلى التقصير في أسفاره ، إلا بمقام عشرة أيام في منزله ، فإن لم يقم عشرة أيام ، وخرج إلى السفر ، يخرج متمما ، على ما كان حكمه في أسفاره أوّلا ، فليلحظ ذلك ، فإن بعض من لحقناه من أصحابنا رحمهمالله ، كان يزل في هذه المسألة ويوجب بسفرة واحدة عليه التمام.
وكلام السيد المرتضى في انتصاره ، في استدلاله الذي قدّمناه عنه ، يشعر بصحة ما قلناه ، لأنّه قال ومن ذكرنا حاله ، ممن سفره أكثر من حضره ، لا مشقة عليه في السفر ، بل ربما كانت المشقة عليه في الحضر ، لاختلاف العادة.
قال محمّد بن إدريس : ومن أقام في منزله مثلا مائة سنة ، وسافر عنه ثلاثة أيام فحسب ، ثم حضر فيه يومين ، ثم سافر عنه ، مشقته في سفره الثاني ، كمشقته في سفره الأول ، وليس هذا ممن لا مشقة عليه في السفر الثاني ، ولا ممن ربما كانت المشقة عليه في الحضر ، لاختلاف العادة ، لأنّه ما تكرّر ذلك منه ، ولا تعوده بدفعة واحدة ، العادة التي ربما كانت المشقة عليه في مقامه ، والراحة له في سفره.
فأما صاحب الصنعة من المكارين ، والملاحين ، ومن يدور في تجارته ، من سوق إلى سوق ، ومن يدور في أمارته ، فلا يجرون مجرى من لا صنعة له ، ممّن سفره أكثر من حضره ، ولا يعتبر فيهم ما اعتبرناه فيه ، من الدفعات ، بل يجب عليهم التمام ، بنفس خروجهم إلى السفر ، لأنّ صنعتهم تقوم مقام تكرّر من لا صنعة له ، ممّن سفره أكثر من حضره ، لأنّ الأخبار (١) وأقوال أصحابنا
__________________
(١) الوسائل : الباب ١١ من أبواب صلاة المسافر.