كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

لعموم الأخبار (١) ، وامّا الذي جرى عليه ملك ، فإنّه ينظر ، فإن كان صاحبه معيّنا ، فهو له ، ولا يملك بالإحياء ، بلا خلاف ، وإن لم يكن له صاحب معيّن ، ولا وارث ، فهو للإمام عندنا.

والأرضون الموات ، عندنا للإمام خاصّة ، لا يملكها أحد بالإحياء ، إلا أن يأذن الإمام له.

وأمّا الذمي ، فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الإسلام ، وكذلك المستأمن ، إلا أن يأذن له الإمام.

فأمّا ما به يكون الإحياء ، قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مبسوطة : لم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء ، دون ما لا يكون ، غير انّه إذا قال النبي عليه‌السلام : من أحيا أرضا ميتة فهي له (٢) ولم يوجد في اللغة معنى ذلك ، فالمرجع فيه إلى العرف والعادة ، فما عرفه الناس إحياء في العادة ، كان إحياء وملك به الموات ، كما انّه عليه‌السلام قال : البيعان بالخيار ما لم يفترقا (٣) وانه نهى عن بيع ما لم يقبض (٤) رجع في جميع ذلك إلى العادة (٥) هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر رحمه‌الله.

ونعم ما قال ، فهو الحقّ اليقين ، فهذا الذي يقتضيه أصل المذهب ، ولا يلتفت إلى قول المخالفين ، فانّ لهم في ذلك تفريعات وتقسيمات ، فلا يظنّ ظان إذا وقف عليها ، أن يعتقدها قول أصحابنا ، ولا ممّا ورد به خبر ، أو قال مصنّف من أصحابنا ، وإنّما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، بعد أن حقّق ما يقتضيه مذهبنا.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام.

(٢) الوسائل : الباب ١ من كتاب احياء الموات ، ح ٥ و ٦ والباب ٢.

(٣) الوسائل : الباب ١ من أبواب الخيار ، ح ١ و ٢ و ٣.

(٤) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، ح ٢١.

(٥) المبسوط : ج ٣ ، كتاب إحياء الأموات ، ص ٢٧١.

٤٨١

فجملة ما عند المخالف في ذلك ، أنّ الأرض تحيي للدار ، والحظيرة ، والزراعة ، فاحياءها للدار عندهم فهو بأن يحوّط عليها حائط ، ويسقف عليه. فإذا فعل ذلك ، فقد أحياها عندهم ، وملكها ملكا مستقرا ، ولا فرق بين أن يبني الحائط بطين ، أو بآجر وطين ، أو آجر وجصّ ، أو خشب ، هذا عند المخالف ، فأمّا عندنا فلو خصّ عليها خصا ، أو حجّرها ، أو حوّطها بغير الطين ، والآجر والجصّ ، ملك التصرّف فيها ، وكان أحقّ بها ، من غيره ، ثمّ قال المخالف : فأمّا إذا أخذها للحظيرة ، فقدر الإحياء ، أن يحوطها بحائط من آجر ، أو لبن ، أو طين ، وهو الرهص ، أو خشب ، وليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف ، وتعليق الأبواب في الدور ، والحظيرة ليس من شرطه ، وفيهم من قال ، هو شرط ، وأمّا الإحياء للزراعة ، فهو أن يجمع حولها ترابا ، وهو الذي يسمّى مرزا ، الراء قبل الزّاء ، وأن يرتب لها الماء ، إمّا ساقية يحفرها لسوق الماء فيها أو بقناة يحفرها ، أو بئر ، أو عين يستنبطها ، فهذا جميعه أورده شيخنا في كتابه المقدّم ذكره ، شارحا ، وذاكرا تقسيمات المخالف ، وما هو عندهم إحياء ، وكيفيات ذلك ، بعد أن أحكم في الأوّل ، ما هو عندنا إحياء ، والذي يقتضيه مذهبنا ، من الرجوع فيه إلى العرف والعادة ، لأنّه قال : لم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا يكون ، غير أنه إذا قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، ولم يوجد في اللغة معني ذلك ، فالمرجع فيه إلى العرف والعادة (١).

ثم أورد بعد ذلك تقسيمات المخالف ، في كيفية الإحياء ، فلا يتوهم من يقف عليها ، أنّها مقالة أصحابنا ، فإنّ هذا الكتاب ، أعني المبسوط ، قد ذكر فيه مذهبنا ، ومذهب المخالف ، ولم يميّز أحد المذهبين من الآخر تمييزا جليّا وانّما يحققه ويعرفه من اطلع على المذهبين معا ، وسبر قول أصحابنا وحصّل خلافهم ،

__________________

(١) المبسوط : ج ٣ ، كتاب إحياء الأموات ، ص ٢٧١.

٤٨٢

وما نقتضيه أصول مذهبهم ، وإلا فالقارئ ، فيه ، يخبط خبط عشواء.

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : إذا تحجّر أرضا ، وباعها ، لم يصح بيعها ، وفي الناس من قال يصحّ ، وهو شاذّ ، قال شيخنا : فأمّا عندنا فلا يصحّ بيعه ، لأنّه لا يملك رقبة الأرض بالإحياء ، وانّما يملك التصرف ، بشرط أن يؤدّي إلى الإمام ما يلزمه عليها ، وعند المخالف لا يجوز ، لأنّه لا يملك بالتحجّر قبل الإحياء ، فكيف يبيع ما لا يملك (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : وهذا يدلك ، أرشدك الله أنّ التحجّر عند المخالف ، غير الإحياء ، وأنّ الإحياء غير التحجّر ، وشيخنا جعل التحجّر مثل الإحياء الذي قسمه المخالف التقسيمات الأوّل (٢) ، ولا فرق عندنا بين التحجّر الذي هو الآثار ، وسواء كانت للدار ، أو الزراعة أو الحظيرة ، أو (٣) الإحياء الذي يذهب إليه المخالف ويقسّمه إلى ثلاثة أقسام للدار ، والحظيرة ، والزراعة.

وأمّا المعادن فعلى ضربين : ظاهرة ، وباطنة فالباطنة لها موضع نذكره إن شاء الله تعالى. وأمّا الظاهرة ، فهي الماء ، والقير ، والنفط ، والموميا ، والكبريت ، والملح ، وما أشبه ذلك ، فهذا لا يملك بالإحياء ولا يصير أحد أولى به بالتحجّر من غيره ، وليس للسلطان أن يقطعه ، بل الناس كلّهم فيه سواء ، يأخذون منه قدر حاجتهم ، بل يجب عندنا فيه الخمس ، ولا خلاف في أنّ ذلك لا يملك بالإحياء.

وأمّا المعادن الباطنة مثل الذهب ، والفضة ، والنحاس ، والرصاص ، وحجارة البرام ، وغيرها ممّا يكون في بطون الأرض ، والجبال ، ولا يظهر إلا بالعمل فيها ، والمئونة عليها ، فهل تملك بالإحياء ، أم لا؟ قيل فيه (٤) قولان : أحدهما أنه (٥) تملك ، وهو الصحيح ، وذلك مذهبنا. والثاني : قال المخالف ، لا تملك ، لأنّه لا خلاف في أنّه لا يجوز بيعه ، فلو ملك لجاز بيعه ، وعندنا يجوز بيعه بغير

__________________

(١) المبسوط : ج ٣ ، كتاب إحياء الأموات ، ص ٢٧٣

(٢) في ط وج : الأولة.

(٣) في ط وج : وبين

(٤) ط : فيها

(٥) في ط وج : أنّها.

٤٨٣

خلاف بيننا ، فإذا ثبت أنها تملك بالإحياء ، فإنّ إحياءه أن يبلغ نيله ، وما دون البلوغ ، تحجّر ، وليس بإحياء ، فيصير أولى به ، وهذا عند المخالف ، فأمّا عندنا لا فرق بين التحجّر والإحياء ، وقد أورد شيخنا المفيد رحمه‌الله في مقنعته في باب الخراج وعمارة الأرضين ، خبرا ، وهو : روى يونس بن إبراهيم ، عن يحيى بن الأشعث الكندي ، عن مصعب بن يزيد الأنصاري ، قال : استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه على أربعة رساتيق ، المدائن ، والبهقباذات ، وبهرسير ، ونهر حريز ، ونهر الملك (١).

قال محمّد بن إدريس مصنف هذا الكتاب ، رحمه‌الله : بهرسير بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة ، والسين الغير معجمة هي المدائن ، والدليل على ذلك ، أنّ الراوي قال استعملني على أربعة رساتيق ، ثمّ عدّد خمسة ، فذكر المدائن ثم ذكر من جملة الخمسة بهرسير ، فعطف على اللفظ ، دون المعني ، فإن قيل : لا يعطف الشي‌ء على نفسه. قلنا : إنّما عطفه على لفظه ، دون معناه ، وهذا كثير في القرآن والشعر ، قال الشاعر :

إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

فكل الصفات راجعة إلى موصوف واحد ، وقد عطف بعضها على بعض ، لاختلاف ألفاظها. وقول الحطيئة :

وهند أتى من دونها النأي والبعد

والبعد هو النأي ويدل على ما قلناه أيضا ما ذكره أصحاب السيرة في كتاب صفين ، قالوا : لما سار أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إلى صفين ، قالوا : ثم مضى نحو ساباط ، حتى انتهى إلى مدينة بهرسير ، وإذا رجل من أصحابه ينظر إلى آثار كسرى ، وهو يتمثل بقول ابن يعفور التميمي :

جرت الرّياح على محل ديارهم

فكأنّما كانوا على ميعاد

__________________

(١) المقنعة : باب الخراج وعمارة الأرض ، ص ٢٧٥.

٤٨٤

فقال عليه‌السلام : أفلا قلت : ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ ) الآية (١) فأمّا البهقباذات فهي ثلاثة ، البهقباذ الأعلى ، وهو ستة طساسيج ، طسوج بابل وخطرنية والفلوجة العليا والسفلى والنهرين وعين التمر والبهقباذ الأوسط أربعة طساسيج طسوج الجبّة ولبداة وسوراء وبريسما ، ونهر الملك ، وباروسما ، والبهقباذ الأسفل ، خمسة طساسيج ، منها طسوج فرات ، وبادقلى وطسوج السيلحين ، الذي فيه الخورنق ، والسدير ، ذكر ذلك عبيد الله بن خرداذبة ، في كتابه الممالك والمسالك.

باب الخمس والغنائم

الخمس يجب في كل ما يغنم من دار الحرب ، ما يحويه العسكر ، وما لم يحوه ، وما يمكن نقله إلى دار الإسلام ، وما لا يمكن ، من الأموال والذراري والأرضين ، والعقارات ، والسلاح ، والكراع ، وغير ذلك ممّا يصحّ تملكه ، وكان في أيديهم على وجه الإباحة ، أو الملك ، ولم يكن غصبا لمسلم ويجب أيضا الخمس في جميع المعادن ، ما ينطبع منها : مثل الذهب ، والفضة ، والحديد ، والصفر ، والنحاس ، والرصاص ، والزئبق ، وما لا ينطبع : مثل الكحل ، والزرنيخ ، والياقوت ، والزبرجد ، والبلخش ، والفيروزج ، والعقيق ، والزمرد ، بالذال المعجمة.

ويجب أيضا في القير ، والكبريت ، والنفط ، والملح ، والموميا ، وكل ما يخرج من البحر ، وفي العنبر ، وهو نبات من البحر ، ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، في كتاب الاقتصاد (٢) وفي المبسوط (٣) أنّه نبات من البحر ، وقال الجاحظ في كتاب الحيوان : العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة ، فلا يأكل منه

__________________

(١) الدخان : ٢٥ و ٢٦ و ٢٧.

(٢) الاقتصاد : فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس وبيان مستحقه وقسمته ، ص ٢٨٣ الطبع الحديث.

(٣) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس ، وليس فيهما انه نبات من البحر.

٤٨٥

شي‌ء إلا مات ولا ينقره طائر بمنقاره ، إلا نصل فيه منقاره ، وإذا وضع رجليه عليه ، نصلت أظفاره ، فإن كان قد أكل منه ، قتله ما أكل ، وإن لم يكن أكل منه ، فإنّه ميّت لا محالة ، لأنّه إذا بقي بغير منقار ، لم يكن للطائر شي‌ء يأكل به ، والعطارون يخبروننا بأنّهم ربما وجدوا المنقار والظفر (١) كذا ذكره الجاحظ.

وقال المسعودي صاحب كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر : أصل الطيب خمسة أصناف : المسك والكافور والعود والعنبر والزعفران كلها تحمل من أرض الهند ، إلا الزعفران ، والعنبر قد يوجد بأرض الزنج والأندلس ، قال : والأفاوية ، خمسة وعشرون صنفا ، ذكر من جملة ذلك السليخة ، والورس ، وقصب الذريرة ، واللاذن ، والزيادة ، وقال ابن جزلة المتطبب في كتاب منهاج البيان : العنبر هو من عين في البحر ، واللاذن ، هو رطوبة وطلّ يقع من السّماء ، فيتعلق بشعر المعزى الراعية ، ولحاها إذا رعت نباتا بفلسوس (٢) والزياد عرق دابة مثل السنور (٣).

وفي المغرة ، والنورة ، وكلّما يتناوله اسم المعدن ، على اختلاف ضروبه ، سمّيناه وذكرناه ، أو لم نذكره ، فقد حصره بعض أصحابنا ، وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في جمله وعقوده ، فقال : الخمس يجب في خمسة وعشرين جنسا (٤). وهذا غير واضح ، وحصر ليس بحاصر ، ولم يذكر في جملة ذلك الملح ، ولا الزمرد ، ولا المغرة ، ولا النورة.

ويجب الخمس أيضا في أرباح التجارات ، والمكاسب ، وفيما يفضل من الغلات والزراعات ، على اختلاف أجناسها ، عن مئونة السنة ، له ولعياله.

وفي الكنوز التي توجد في دار الحرب ، من الذهب والفضة ، والدراهم ، والدنانير ، سواء كان عليها أثر الإسلام ، أو لم يكن عليها أثر الإسلام ، فأمّا

__________________

(١) لا يوجد عندنا

(٢) في ط : بفلنبوس

(٣) مروج الذهب : لم نجد فيه.

(٤) الجمل والعقود : فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس ، ص ٢٠٧ الطبع الحديث.

٤٨٦

الكنوز التي توجد في بلد (١) الإسلام ، فإن وجدت في ملك الإنسان ، وجب أن يعرف أهله ، فإن عرفه كان له ، وإن لم يعرفه ، أو وجدت في أرض ، لا مالك لها ، أخرج منها الخمس ، وكان له الباقي.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مبسوطة : فهي على ضربين ، ما كان عليها أثر الإسلام ، مثل أن يكون عليها سكة الإسلام ، فهي بمنزلة اللقطة ، وإن لم يكن عليها أثر لإسلام ، أو كان عليها أثر الجاهلية ، من الصور المجسمة ، وغير ذلك ، فإنّه يخرج منها الخمس ، وكان الباقي لمن وجدها (٢).

والصحيح ما قدّمناه أولا ، في أنّه يخرج منها الخمس ، سواء كان عليها أثر الإسلام أو لم يكن ، وما ذكره شيخنا في مبسوطة ، مذهب الشافعي ، والصحيح ما ذكره في مسائل خلافه فإنّه قال : يجب في الجميع الخمس ، وأورد خلاف الشافعي ، وقرقه ولم يلتفت إليه ، وقال : دليلنا عموم الأخبار في وجوب الخمس ، من الكنوز ، ولم يفرّقوا بين كنز وكنز (٣).

وإذا اختلط المال الحرام بالحلال ، حكم فيه بحكم الأغلب ، فإن كان الغالب حراما احتاط في إخراج الحرام منه ، فإن لم يتميز له اخرج الخمس ، وصار الباقي حلالا ، والتصرف فيه مباحا ، وكذلك إن ورث مالا يعلم أن صاحبه جمع بعضه من جهات محظورة ، من غصب ، وربا ، وغير ذلك ، ولم يعلم مقداره ، أخرج الخمس ، واستعمل الباقي استعمالا مباحا ، وإن غلب في ظنّه ، أو علم أنّ الأكثر حرام ، احتاط في إخراج الحرام منه ، هذا إذا لم يتميز له الحرام ، فان تميّز له بعينه ، أو بمقداره ، وجب إخراجه ، قليلا كان أو كثيرا ، ولا يجب عليه إخراج الخمس منه ، ويرده إلى أربابه ، إذا تميّزوا ، فإن لم يتميزوا جدّ في طلبهم ، وطلب ورّاثهم ، فإن لم يجدهم ، وقطع على انقراضهم ، سلّمه إلى إمام

__________________

(١) في ط وج : بلاد

(٢) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس.

(٣) الخلاف : كتاب الزكاة ، مسألة ١٤٨ ، لكن المذكور فيها مخالف لما ذكره.

٤٨٧

المسلمين ، فإنّه ماله ، إن كان ظاهرا ، أو حفظه عليه ، إن كان مستترا غائبا من أعدائه ، وقد روي أنّه يتصدق به عنهم (١).

وإذا اشترى ذمي من مسلم أرضا ، كان عليه فيها الخمس.

والعسل الذي يؤخذ من الجبال ، وكذلك المن ، يؤخذ منه الخمس ، وجميع الاستفادات ، من الصيود ، والاحتطاب ، والاحتشاش ، والاستقاء ، والإجارات ، والمجتنيات ، والاكتسابات ، يخرج منه الخمس ، بعد مئونة مستفيدة طول سنته ، على الاقتصاد دون التقصير والإسراف.

والمعدن يملك منه أصحاب الخمس خمسهم ، والباقي لمن استخرجه ، إذا كان في المباح ، فأمّا إذا كان في الملك ، فالخمس لأهله ، والباقي لمالكه.

ولا يعتبر في شي‌ء من المعادن والكنوز التي يجب فيها الخمس ، الحول ، لأنّه ليس بزكاة بل يجب إخراجه عند أخذها ، ولا يضم أيضا إلى ما معه من الأموال الزكاتية ، لأنّه لا يجب فيها الزكاة ، فإذا حال بعد إخراج الخمس منه حول ، كان عليه فيه الزكاة ، إن كان دراهم أو دنانير ، وإن كان غيرهما ، فلا شي‌ء فيه.

وجميع ما ذكرناه يجب فيه الخمس ، قليلا كان أو كثيرا ، إلا الكنوز فحسب ، فإنّه لا يجب فيها الخمس ، إلا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزكاة ، فيكون مقدارها أو قيمتها عشرين دينارا.

والغوص لا يجب فيه الخمس ، إلا إذا بلغ دينارا أو ما قيمته دينار.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : إلا الكنوز ، ومعادن الذهب والفضة ، وهذا ليس بواضح ، لأنّ إجماع أصحابنا ، منعقد على استثناء الكنوز ، واعتبار المقدار فيها ، وكذلك الغوص ، ولم يستثنوا غير هذين الجنسين ، فحسب بل إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس ، من المعادن جميعها ، على اختلاف

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح ٤.

٤٨٨

أجناسها ، قليلا كان المعدن أو كثيرا ، ذهبا كان أو فضة ، من غير اعتبار مقدار ، وهذا إجماع منهم بغير خلاف.

ويجب إخراج الخمس من المعادن والكنوز على الفور ، بعد أخذها ، ولا يعتبر مؤون السنة ، بل يعتبر بعد إخراج مؤنها ونفقاتها ، إن كانت تحتاج إلى ذلك.

وأمّا ما عدا الكنوز ، والمعادن ، من سائر الاستفادات ، والأرباح ، والمكاسب ، والزراعات ، فلا يجب فيها الخمس ، بعد أخذها وحصولها ، بل بعد مئونة المستفيد ، ومئونة من تجب عليه مئونته ، سنة هلالية ، على جهة الاقتصاد ، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شي‌ء ، أخرج منه الخمس ، قليلا كان الفاضل ، أو كثيرا ، ولا يجب عليه أن يخرج منه الخمس ، بعد حصوله له ، وإخراج ما يكون بقدر نفقته ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، وإخراج ذلك على الفور أو وجوبه ذلك الوقت ، يحتاج إلى دليل شرعي ، والشرع خال منه ، بل إجماعنا منعقد بغير خلاف أنّه لا يجب إلا بعد مئونة الرجل طول سنته ، فإذا فضل بعد ذلك شي‌ء ، أخرج منه الخمس ، من قليله وكثيره ، وأيضا فالمئونة لا يعلمها ، ولا يعلم كميتها ، إلا بعد تقضي سنته ، لأنّه ربما ولد له الأولاد ، أو تزوج الزوجات ، أو انهدمت داره ، ومسكنه ، أو ماتت دابّته ، التي يحتاج إليها ، أو اشترى خادما يحتاج إليه ، أو دابّة يحتاج إليها ، إلى غير ذلك ممّا يطول تعداده وذكره ، والقديم ، ما كلفه إلا بعد هذا جميعه ، ولا أوجب عليه شيئا ، إلا فيما يفضل عن هذا جميعه طول سنته ، وقول شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله ، في جمله وعقوده : ووقت وجوب الخمس فيه ، وقت حصوله (١) يريد به المعادن التي عدّدها ، بدليل قوله واستثنائه الكنوز ، فإنّه قال : إلا الكنوز ، فإنّه يراعى فيها النصاب الذي فيه الزكاة ، والغوص يراعى فيه مقدار دينار ، وما عداهما لا يراعى فيه مقدار ، ولو

__________________

(١) الجمل والعقود : فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس ، ص ٢٠٧.

٤٨٩

أراد شيخنا جميع ما يجب فيه الخمس ، على اختلافه لما قال : ووقت وجوب الخمس فيه وقت حصوله ، لأنّ أحدا لا يقول بذلك ، لأنّه وغيره من أصحابنا يقول في المكاسب ، والأرباح ، والزراعات ، والاستفادات ، لا يجب فيها الخمس ، إلا بعد مئونة الرجل طول سنته ، ولا يطلقون الوجوب فيها وقت حصوله ، بل يقيدونه ، ويقولون لا يجب فيها الخمس ، إلا بعد مئونة الرجل طول سنته ، وقد ذكر ابن البراج في كتابه الموسوم بالتعريف ، قال : والوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه من المعادن ، هو وقت أخذها (١) فلو كان يجب إخراج الخمس من جميع ما يجب فيه الخمس من الأجناس ، وقت حصوله ، لما أفرد المعادن بالذكر ، دون غيرها فليتأمل ذلك.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مبسوطة : وما يصطاد من البحر ، من سائر أنواع الحيوان ، لا خمس فيه ، لأنّه ليس بغوص ، فأمّا ما يخرج منه بالغوص ، أو يوجد قفيّا على رأس الماء ، ففيه الخمس (٢).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله : أمّا قوله رحمه‌الله لأنّه ليس بغوص ، فصحيح ، بل هو استفادة ، ومكتسب ، وعندنا بلا خلاف أنّ في الاستفادة ، الخمس ، بعد المئونة ، ففارق ما يصطاد من البحر ، الغوص. بانّ الخمس لا يجب فيه إلا إذا بلغت قيمته دينارا ، ولا يعتبر مئونة السنة فيه ، وما يصطاد بلا غوص ، لا يعتبر فيه مقدار الدينار ، بل يعتبر فيه مئونة السنة لأنّه استفادة ، وليس بغوص ، فليحصّل عنّي ما ذكرته ، ففيه غموض.

وقال بعض أصحابنا : إنّ الميراث والهدية ، والهبة ، فيه الخمس ، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي ، في كتاب الكافي (٣) الذي صنّفه ، ولم يذكره أحد من أصحابنا ، إلا المشار إليه ، ولو كان صحيحا لنقل نقل أمثاله متواترا ، والأصل براءة الذمة ، فلا نشغلها ، ونعلّق عليها شيئا إلا بدليل ، وأيضا قوله تعالى : ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) (٤).

__________________

(١) لا يوجد عندنا

(٢) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس ، في المصدر ( الحيوانات ).

(٣) الكافي : فصل في الخمس ، ص ١٧٠ ، ( وهو غير مشتمل على الهدية )

(٤) محمّد : ٣٦.

٤٩٠

سؤال : إن قيل في غائص غاص دفعة ، فأخرج أقل من قيمة دينار ، ثم غاص ثانية ، فأخرج أقل من قيمة دينار ، إلا أن بمجموعهما ، يكونان دينارا ، فهل عليه فيهما الخمس؟ قيل له : نعم ، يجب عليه فيهما الخمس ، لأنّ الغوص مصدر ، ومعناه المغوص ، والمغوص اسم جنس ، يتناول الدفعة ، والدفعات ، وكذلك القول في رجل ، وجد كنزا ، ينقص عن عشرين دينارا ، ثمّ وجد دفعة ثانية كنزا ، ينقص عن عشرين مثقالا ، المسألة واحدة ، والجواب عنهما سواء.

والأولى عندي والأقوى ، أنّه لا يجب في المسألتين معا الخمس ، إلا أن يبلغ كلّ دفعة في (١) المغوص والمكنوز المقدار المراعى في كلّ واحد منهما ، بانفراده لا مجتمعا مع الدفعة الأخرى ، لأنّ كل دفعة ينطلق عليه اسم المغوص عليه حقيقة لا مجازا ، وكذلك المكنوز ، ويعضد ذلك ، أنّ الأصل براءة الذمة وقوله تعالى : ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) ، وأيضا إذا وجد الإنسان لقطة أقل من قيمة الدرهم ، ثمّ وجد اخرى أقل من قيمة الدرهم ، فلا خلاف أنّه لا يجب عليه التعريف ، وإن كانتا بمجموعهما تبلغان الدرهم وأكثر.

قال محمّد بن إدريس : ولي في الأولى نظر.

باب قسمة الغنائم والأخماس ومن يستحقها

كل ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدمنا ذكرها ، فما حواه العسكر ، يخرج منه الخمس بعد ما يصطفي الإمام عليه‌السلام ما يختاره ، ما لم يجحف بالغانمين ، وأربعة أخماس ما يبقى ، يقسّم بين المقاتلة ، وما لم يحوه العسكر من الأرضين ، والعقارات ، وغيرها من أنواع الغنائم ، يخرج منه الخمس ، والباقي يكون للمسلمين قاطبة ، مقاتلتهم وغير مقاتلتهم ، من حضر ومن لم يحضر ، من ولد ، ومن لم يولد ، يقسمه الإمام ، بينهم على قدر ما يراه من مؤونتهم ،

__________________

(١) في ط وج : من.

٤٩١

هكذا ذكره شيخنا في نهايته (١).

قال محمد بن إدريس : ولا أرى لهذا القول وجها ، لأنّ المئونة هاهنا غير معتبرة ، بل الواجب قسمة الغنيمة بين الغانمين ، على رءوسهم ، وخيلهم ، دون مؤونتهم ، بغير خلاف ، بين أصحابنا في ذلك ، للمقاتل سهمه ، سواء كان قليل المئونة ، أو كثيرها.

والخمس يأخذه الإمام ، فيقسمه ستة أقسام ، قسما لله ، وقسما لرسوله ، وقسما لذي القربى ، فقسم الله ، وقسم رسوله ، وقسم ذي القربى ، للإمام خاصّة ، يصرفه في أمور نفسه ، وما يلزمه من مئونة من يجب عليه نفقته ، وسهم ليتامى بني هاشم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغير بني هاشم شي‌ء من الأخماس ، وهؤلاء الذين يحرم عليهم زكاة الأموال الواجبة ، مع تمكنهم من مستحقاتهم ، وأخماسهم ، وقد شرحناهم ، وحققنا نسبهم ، فيما مضى من أبواب الزكاة ، فلا نطوّل بذكره هاهنا.

وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ، ومؤونتهم ، في السنة على الاقتصاد ، فإن فضل من ذلك شي‌ء ، كان هو الحافظ له ، والمتولي لحفظه عليهم ، ولا يجوز أن يتملك منه شيئا لنفسه ، لأنّ الحق لهم ، فلا يجوز له أن يأخذ من مالهم شيئا ، وما يوجد في بعض كتب أصحابنا (٢) من القول المسطور ، فإن فضل من ذلك شي‌ء كان له خاصة ، معناه كان له القيام عليه ، والولاية بالحفظ (٣) ، والتدبير دون رقبته ، وقد يضاف الشي‌ء إلى الغير ، بأن يكون قائما عليه ، ومتوليا لحفظه ، فيقال إنّه له ، وفي القرآن مثل ذلك قال الله تعالى ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٤) فأضاف تعالى المال إلينا وإن كان مالا لليتيم ، ولا يملك المتولي والوصي رقبته بحال ، بغير خلاف ، بل أضافه إلينا ، لأنّا القوّام عليه ، والحفاظ له ، ومثله في كلام العرب كثير ، ويدلك على ما قلناه ، أنّه لا خلاف بين

__________________

(١) النهاية : كتاب الخمس ، باب قسمة الغنائم والأخماس.

(٢) وهو الشيخ رحمه‌الله في النهاية

(٣) في ط وج : لحفظه

(٤) النساء : ٥.

٤٩٢

المسلمين ، ولا بين الشيعة خاصة ، أن سهام هؤلاء ـ أعني اليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل ، من بني هاشم خاصة ـ عندنا ، لا يستحق الإمام منها شيئا جملة ، بل له سهمه ولهم سهمهم ، لأنّ الله تعالى كما ملكه سهمه بلام الملك ، والاستحقاق ، ملّكهم سهمهم بذلك اللام ، الذي الواو نائبة عنه ، لأنّ المعطوف في لسان العرب ، له حكم المعطوف عليه ، بغير خلاف.

وقد يوجد أيضا في سواد الكتب ، وشواذ الأخبار ، وإن نقص ، كان عليه أن يتم من خاصّته وهذا غير صحيح ، والكلام عليه ما تقدّم قبله ، بلا فصل ، لأنّ الله تعالى ملكه سهمه بلام الملك والاستحقاق ، بنصّ القرآن ، والأصل براءة الذمة الإمام ذمة غيره ، إلا بدليل شرعي ، وذلك مفقود هاهنا ، وقوله تعالى : ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) ، دليل أيضا ، والقرآن والإجماع من أصحابنا دليلان على استحقاقه عليه‌السلام ، لنصف الخمس ، فمن أخرج منه شيئا ، وشغل ذمته بتمام كفاية الغير الذين لا يجب عليه نفقتهم ، ولا هم ممن يجبر الإنسان على نفقته ، يحتاج إلى دليل ، ولن نجده بحمد الله تعالى ، بل دونه خرط القتاد ، أو المكابرة والعناد ، وما يوجد في سواد بعض الكتب ، فإنّه من أضعف أخبار الآحاد ، لأنّه مرسل غير مسند ، وعند من يعمل بأخبار الآحاد ، لا يعمل بذلك ، لأنّه لا يعمل إلا بالمسانيد التي يرويها العدول ، دون المراسيل ، قد أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في تهذيب الأحكام فقال : محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد قال حدّثنا بعض أصحابنا ، وأرسله وذكر الحديث بطوله ، حذفته مخافة التطويل ، واثبت منه المقصود ، وقال في آخر الخبر : فأمّا الخمس فيقسم ستة أسهم : سهم لله ، وسهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسهم لذي القربي ، وسهم لليتامى وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فالذي لله ، فلرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله أحقّ به ، فهو له ، والذي للرسول ، هو لذي القربى ، والحجة في زمانه فالنصف له خاصة والنصف لليتامى ، والمساكين ، وأبناء

٤٩٣

السبيل ، من آل محمد عليهم‌السلام ، الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوضهم الله مكان ذلك الخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فإن فضل شي‌ء فهو له ، وإن نقص عنهم ، ولم يكفهم ، أتمه من عنده ، كما صار له الفضل ، كذلك يلزمه النقصان (١) ثمّ أورد خبرا آخر مرسلا ، غير مسند ، أضعف من الخبر الأول ، فقال : الحسن بن علي بن فضال (٢) قال : حدّثني علي بن يعقوب أبو الحسن البغدادي ، عن الحسن بن إسماعيل بن صالح الصيمري قال : حدّثني الحسن بن راشد ، قال : حدّثني حماد بن عيسى ، قال : رواه لي بعض أصحابنا ، ذكر عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه‌السلام. قال : الخمس من خمسة أشياء ، وذكر في آخر الحديث فقال : فله ـ يعني الإمام ـ نصف الخمس كملا ، ونصف السهم الباقي بين أهل بيته ثلاثة : سهم لأيتامهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم ، يقسّم بينهم على الكفاف والسعة (٣) ، ما يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شي‌ء يستغنون ، فهو للوالي ، وإن عجز أو نقص (٤) استغناؤهم ، كان على الوالي أن ينفق من عنده ، بقدر ما يستغنون به ، وانّما صار عليه أن يمونهم ، لأنّ له ما فضل عنهم (٥).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : فهذان الحديثان الضعيفان ، أوردهما في تهذيب الأحكام الذي لم يصنّف كتابا في الأخبار أكبر منه ، ولم يورد فيه غيرهما مع ما قد جمع فيه من الأخبار المتواترة ، والآحاد ، والمراسيل ، والمسانيد ، وإلا فالسبر (٦) بيننا وبين المخالف في ذلك ، فهل يحل لمن له أدنى تأمّل ومعرفة ، أن يعدل عن كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إلى

__________________

(١) التهذيب : كتاب الزكاة ، باب تمييز أهل الخمس ومستحقه ، ح ٣٦٤.

(٢) وفي التهذيب علي بن الحسن بن فضال.

(٣) ج : على الكفايات.

(٤) ج : ونقص.

(٥) التهذيب : كتاب الزكاة ، باب قسمة الغنائم ، ح ٣٦٦.

(٦) ج : ما لسبر.

٤٩٤

هذين الخبرين المرسلين ، وراوي أحدهما فطحي المذهب ، كافر ملعون ، مع كونه مرسلا وهو الحسن بن الفضال ، وبنو فضال كلّهم فطحية ، والحسن رأسهم في الضلال ، ثمّ لو سلّمناهما تسليم جدل ، ما كان فيهما ما ينافي ما ذكرناه ، لأنّه قال فيهما : وإن نقص استغناؤهم ، كان على الوالي أن ينفق من عنده ، بقدر ما يستغنون به ، لأنّه عليه‌السلام القائم بأمور الرعية ، الناظر في أحوالهم ، سواء كانوا هاشميين ، أو عاميين ، فإنّه يجب عليه أن ينفق عليهم من بيت مال المسلمين ، لا من ماله ، لأنّ لهم في بيت المال حظا مثل سائر الناس ، وليس المال الذي في بيت مال المسلمين مختصا بأرباب الزكوات ، بل الناس جميعهم فيه شرع سواء ، وهو المتولي لتفرقته عليهم ، فقوله : من عنده ، أي من تحت يده ، وأيضا فقد بيّنا أنّه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد ، وإن كانت رواتها ثقات ، عند أهل البيت عليهم‌السلام ، لأنّها لا توجب علما ولا عملا ، وأكثر ما يثمر غلبة الظن ، ولا يجوز العدول عن المعلوم الذي هو كتاب الله تعالى إلى المظنون ، وأدلّة العقول تعضد ذلك ، وتشهد به ، لأنّ مال الغير لا يجوز التصرف فيه ، إلا بإذنه ، ولو لم يكن في ذلك إلا طريقة الاحتياط لبراءة الذمة ، لكفى ، لأنّ الذمة مشغولة بهذا المال ، وإيصاله إلى صاحبه ، ومستحقه ، فإذا فعل ذلك تيقن براءة ذمته مما لزمها ، وإذا أعطاه لغيره ففيه الخلاف ، ولم يتيقن براءة ذمته ، وإذا لم يكن مع المخالف إجماع ، فدليل القرآن ، وأدلّة العقول ، ودليل الاحتياط ، التمسك بها في المسألة ، هو الواجب الذي لا يجوز العدول عنه ، لذي لبّ وتأمّل وتحصيل ، وأيضا فالمسألة الشرعيّة ، لا نعلمها إلا من أربع طرق ، كتاب الله العزيز ، وسنة رسوله المتواترة ، وإجماع الشيعة الإمامية ، لدخول قول معصوم فيه ، فإذا فقدنا الثلاث الطرق ، فدليل العقل المفزع إليه فيها ، فهذا معنى قول الفقهاء : دلالة الأصل ، فسبرنا كتاب الله تعالى ، فما وجدنا فيه ، أنّ مال ابن الحسن ، يعطى لغيره ، ويستحقه سواه ، ويسلّم إليه بغير اذنه ، وكذلك السنة المتواترة ، ولا أجمعنا

٤٩٥

على أنّ مال ابن الحسن ، يستحقه غيره ، ويسلم إلى سواه ، بغير اذنه فلم يبق معنا من الأدلة والطرق الأربع ، سوى دليل العقل ، ودليل العقل يحظر علينا التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، هذا لا معدل للمنصف المتأمّل عن هذا الاستدلال إلا إليه ، أعوذ بالله من سوء التوفيق ، ثم لا تجد مصنّفا من أصحابنا بعد ذكره لهذه المسألة ، إلا ويودع في كتابه ، ويفتي ويقول : إنّ نصف الخمس ، يوصى به لصاحبه ، أو يحفظ لصاحبه ، أو يودع لصاحبه ، على اختلاف العبارات ، فلو أراد أنّه يستحقه غيره مع غيبته ، ويسلم إلى من سواه ، لكانوا مناقضين في أقوالهم ، والأدلة لا تتناقض ، وإلا فالسبر بيننا.

وهؤلاء الذين يستحقون الخمس ، هم الذين قدّمنا ذكرهم ، ممن يحرم عليهم الزكاة ، ذكرا كان أو أنثى ، فإن كان هناك ، من امّه ، من غير أولاد المذكورين ، وكان أبوه منهم حل له الخمس ، ولم تحل له الزكاة ، وإن كان ممن أبوه من غير أولادهم ، وامّه منهم ، لم يحلّ له الخمس ، وحلّت له الزكاة.

واليتامى وابن السبيل ، يعطيهم مع الفقر والغنى ، لأنّ الظاهر يتناولهم.

وينبغي أن يفرّق الخمس في الأولاد ، وأولاد الأولاد ، ولا يخصّ بذلك الأقرب فالأقرب ، لأنّ الاسم يتناول الجميع ، وليس ذلك على وجه الميراث ، ولا يفضل ذكر على الأنثى ، من حيث كان ذكرا ، لأنّ التفرقة انّما هي على قدر حاجتهم إلى ذلك ، وذلك يختلف بحسب أحوالهم ، ويعطى الصغير منهم والكبير ، لتناول الاسم لهم ، والظاهر يقتضي أن يفرّق في جميع من تناوله الاسم ، في بلد الخمس كان ، أو في غيره من البلاد ، قريبا كان ، أو بعيدا ، إلا أن ذلك يشق ، والأولى أن نقول : نخصّ به من حضر البلد الذي فيه الخمس ، ولا يحمل إلى غيره ، إلا مع عدم مستحقه.

ولو أنّ إنسانا حمل ذلك إلى بلد آخر ، ووصل إلى مستحقه ، لم يكن عليه شي‌ء ، إلا أنّه يكون ضامنا ، إن هلك ، مثل الزكاة.

ولا ينبغي أن يعطي إلا من كان مؤمنا ، أو بحكم الإيمان ، ويكون عدلا

٤٩٦

مرضيا ، فإن فرّق في الفساق جاز ذلك ، ولم يكن عليه ضمان ، لأنّ الظاهر يتناولهم.

ومتى حضر الثلاثة الأصناف ، ينبغي أن لا يخصّ به قوم دون قوم ، بل الأفضل تفريقه في جميعهم ، وإن لم يحضر عند المعطي ، إلا فرقة منهم ، جاز له أن يفرّق فيهم ، ولا ينتظر غيرهم ولا يحمل إلى بلد آخر ، إلا على ما قلناه وحررناه.

باب في ذكر الأنفال ومن يستحقها

الأنفال هي جمع نفل ، ونفل يقال بسكون الفاء وفتحها ، وهو الزيادة ، وهي كل أرض خربة باد أهلها ، إذا كانت قد جرى عليها ملك أحد ، وكل أرض ميتة خربة لم يجر عليها ملك لأحد ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، الإيجاف : السير السريع ، أو أسلمها أهلها طوعا بغير قتال ، ورءوس الجبال ، وبطون الأودية ، والآجام التي ليست في أملاك المسلمين ، بل التي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض ، والمعادن التي في بطون الأودية ، التي هي ملكه ، وكذلك رءوس الجبال ، فأمّا ما كان من ذلك في أرض المسلمين ، ويد مسلم عليه ، فلا يستحقه عليه‌السلام ، بل ذلك في الأرض المفتتحة عنوة ، والمعادن التي في بطون الأودية مما هي له ، والأرضون الموات التي لا أرباب لها ، وصوافي الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم ، لا على وجه الغصب ، وميراث من لا وارث له ومن الغنائم قبل أن تقسّم ، الجارية الرائعة الحسناء ، والفرس الجواد ـ وقال بعض أصحابنا في كتاب له : الفرس الفاره ، وأهل اللغة يأبون هذا ، ويقولون : إنّ الفرس لا يقال له فاره ، بل يقال فرس جواد ، وحمار فاره ـ والثوب المرتفع ، وما أشبه ذلك ، من الدرع الحصينة ، والسيف القاطع ، مما لا نظير له ، من رقيق ، أو متاع ، ما لم يجحف بالغانمين.

وإذا قاتل قوم أهل حرب بغير أمر الإمام ، فغنموا ، كانت الغنيمة خاصّة للإمام ، دون غيره ، فجميع ما ذكرناه ، كان للنبي عليه‌السلام خاصّة ، وهو لمن

٤٩٧

قام مقامه من الأئمة ، في كل عصر ، لأجل المقام لا وراثة ، فلا يجوز لأحد التصرّف في شي‌ء من ذلك ، إلا بإذنه ، فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير اذنه ، كان غاصبا ، وما يحصل منه من الفوائد والنماء للإمام ، دون غيره.

ومتى تصرّف في شي‌ء منه بأمر الإمام وبإباحته ، أو بضمانه ، وقبالته ، كان عليه أن يؤدّي ما يصالحه الإمام عليه ، من نصف ، أو ثلث ، أو ما تقرر بينهما ، والباقي له ، وكل منهما تجب عليه الزكاة ، إذا بلغت حصته النصاب.

هذا إذا كان في حال ظهور الإمام ، وانبساط يده ، فأمّا في حال الغيبة وزمانها واستتاره عليه‌السلام ، من أعدائه ، خوفا على نفسه ، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم ، مما يتعلق بالأخماس وغيرها ، مما لا بدّ لهم ، من المناكح ، والمتاجر ـ والمراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم عليهم‌السلام ويتجر في ذلك ، ولا يتوهم متوهم ، أنّه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا ، لا يخرج منه الخمس ، فليحصّل ما قلناه ، فربما اشتبه ـ والمساكن ، فأمّا ما عدا الثلاثة الأشياء ، فلا يجوز التصرف فيه على حال.

وما يستحقونه من الأخماس ، في الكنوز ، والمعادن ، والأرباح ، والمكاسب ، والزراعات ، الفاضلة عن مئونة السنة ، وغير ذلك في حال الغيبة ، فقد اختلفت أقوال الشيعة الإمامية في ذلك ، وليس فيه نص معيّن ، فقال بعضهم : إنّه جار في حال الاستتار ، مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر والمساكن ، وهذا لا يجوز العمل عليه ، ولا يلتفت إليه ، ولا يعرج عليه ، لأنّه ضد الدليل ، ونقيض الاحتياط ، وأصول المذهب ، وتصرّف في مال الغير ، بغير اذن قاطع.

وقال قوم : إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا ، فإذا حضرته الوفاة ، وصى به إلى من يثق بديانته ، من إخوانه ، ليسلم إلى صاحب الأمر ، إذا ظهر ، ويوصى به ، كما وصّي إليه إلى أن يصل إلى صاحبه عليه‌السلام وقال قوم : يجب دفنه ، لأنّ الأرضين تخرج ما فيها ، عند قيام القائم ، مهدي الأنام عليه‌السلام ، واعتمد في ذلك على خبر واحد.

٤٩٨

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : والأولى عندي الوصية به ، والوديعة ، ولا يجوز دفنه ، لأنّه لا دليل عليه.

وقال قوم : يجب أن يقسّم الخمس ، ستة أقسام ، فثلاثة أقسام للإمام ، يدفن أو يودع من يوثق بأمانته ، والثلاثة الأقسام الأخر ، تفرّق على مستحقيها ، من أيتام بني هاشم ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، لأنّهم المستحقون لها ، وهم ظاهرون ، وعلى هذا يجب أن يكون العمل والاعتماد والفتيا ، لأنّ مستحقها ظاهر ، وانّما المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر ، فهو مثل الزكاة ، في أنّه يجوز تفرقتها ، وإن كان الذي يجبي الصدقات ويتولّاها ليس بظاهر ، فأمّا القول الأول فلا يجوز العمل به على حال.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : هذا الذي اخترناه ، وحقّقناه ، وأفتينا به ، هو الذي يقتضيه الدين ، وأصول المذهب ، وأدلة العقول ، وأدلة الفقه ، وأدلة الاحتياط ، وإليه يذهب ويعوّل عليه ، جميع محققي أصحابنا المصنّفين ، المحصّلين ، الباحثين ، عن مأخذ الشريعة ، وجهابذة الأدلة ، ونقّاد الآثار ، فانّ جميعهم يذكرون في باب الأنفال هذه المقالة ، ويعتمدون على القول الأخير الذي ارتضيناه ، بغير خلاف بينهم ، ويقولون ما حكيناه. ويذكرون ما شرحناه ، ويصرّحون بأنّه ليس فيه نص معيّن ، فلو كان الخبران الضعيفان صحيحين ، ما كانوا يقولون ليس فيه نص معيّن.

وشيخنا المفيد ، يقول : وإنّما اختلفوا في ذلك ، لعدم ما يلجأ إليه من صريح المقال ، وما سطرناه واخترناه ، مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله واختياره في مبسوطة (١) ، وهذا الكتاب ، اللهم آخر ما صنّفه في الفقه ، فإنّه بعد النهاية ، والتهذيب ، والاستبصار ، والجمل والعقود ، ومسائل الخلاف ، وإن كان

__________________

(١) المبسوط : كتاب الزكاة ، في ذكر الأنفال وما يستحقها ، ص ٢٦٤.

٤٩٩

في جميع كتبه هذا اختياره ، وفتواه ، واعتقاده ، مع اختلاف عباراته في كتبه ، وتصنيفاته ، وإن كان المعنى واحدا ، وقد أفتى فتيا صريحة ، في جواب المسائل الحائريات ، فقال له السائل : وعن رجل وجد كنزا ، لم يجد من يستحق الخمس منه ، ولا من يحمله إليه ، ما يصنع به؟ فقال : الجواب ، الخمس نصفه لصاحب الزمان ، يدفنه أو يودعه عند من يثق به ، ويأمره بأن يوصي بذلك إلى أن يصل إلى مستحقه ، والنصف الآخر يقسمه في يتامى آل الرسول ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، فإنّهم موجودون ، وإن خاف من ذلك ، أودع الخمس كلّه ، أو دفنه (١) هذا أخر فتياه رحمه‌الله ، فلو كان يرى أنّ حقّ صاحب الزمان ، يجوز صرفه إلى بني هاشم ، في حال الغيبة ، لما أفتى بما ذكرناه عنه.

والسيد المرتضى رضي‌الله‌عنه أفتى في المسائل الموصليات الثانية الفقهية ، وهي المسألة الثلاثون فقال : والخمس ستة أسهم ، ثلاثة منها للإمام القائم بخلافة الرسول ، وهي سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم الإمام ، والثلاثة الباقية ، ليتامى آل الرسول ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، خاصة ، دون الخلق أجمعين.

وتحقيق هذه المسألة ، انّ إخراج الخمس واجب ، في جميع الغنائم ، والمكاسب ، وكل ما استفيد بالحرب (٢) وما استخرج أيضا من المعادن ، والغوص ، والكنوز ، وما فضل من أرباح التجارات ، والزراعات ، والصناعات ، عن المئونة والكفاية ، وقسمة هذا الخمس ، وتمييز أهله ، هو أن يقسّم على ستّة سهام ، ثلاثة منها للإمام القائم مقام الرسول عليهما‌السلام وهي سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذي القربى ، لأنّ إضافة الله تعالى ذلك إلى نفسه ، هي في المعنى للرسول عليه‌السلام ، إنّما (٣) أضافها إلى ـ نفسه ، تفخيما لشأن الرسول ، وتعظيما ، كإضافة طاعة الرسول عليه‌السلام إليه تعالى ، وكما أضاف رضاه عليه‌السلام وأذاه إليه ، جلّت عظمته.

__________________

(١) لم نجد المسألة في المسائل الحائريات.

(٢) ج : بالحرف.

(٣) في ط وج : والنما.

٥٠٠