كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

والقسم الآخر متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة ، لم يلزمهم قضاؤه ، وهم جميع من خالف الإسلام ، فإنّ الزكاة ، وإن كانت واجبة عليهم عندنا ، هي وباقي العبادات واجبة ، لأنّهم مخاطبون بالشرعيات ، فإذا لم يخرجوا الزكاة لكفرهم ، فمتى أسلموا لا تجب عليهم إعادتها.

وأمّا المجانين ، ومن ليس بكامل العقل ، فلا يجب عليهم شي‌ء ، من الزكوات ، على ما مضى شرحنا لذلك ، وحكم الأطفال ، حكم من ليس بعاقل من المجانين ، ومن ليس بكامل العقل ، فإنّه لا يجب في أموالهم الصامتة ، وغير الصامتة ، على ما اخترناه الزكاة.

فإن اتجر متجر بأموالهم نظرا لهم ، روي (١) أنّه يستحب له ، ان يخرج من أموالهم الزكاة ، وجاز له أن يأخذ من أموالهم ما يأكله قدر كفايته ، وإن اتجر لنفسه دونهم ، وكان في الحال متمكنا من ضمان ذلك المال ، كانت الزكاة عليه ، والربح له ، فإن لم يكن متمكنا في الحال ، من مقدار ما يضمن به مال الطفل ، وتصرّف فيه لنفسه ، من غير وصية ، ولا ولاية ، لزمه ضمانه ، وكان الربح لليتيم ، ويخرج منه الزكاة ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، في نهايته (٢) وهذا غير واضح.

ولا يجوز لمن اتجر في أموالهم ، أنّ يأخذ الربح ، سواء كان في الحال متمكنا من مقدار ما يضمن به مال الطفل ، أو لم يكن ، والربح في الحالين معا ، لليتيم.

ولا يجوز للوليّ والوصيّ أن يتصرّف في المال المذكور ، إلا بما يكون فيه صلاح المال ، ويعود نفعه إلى الطفل ، دون المتصرف فيه ، وهذا هو الذي يقتضيه أصل المذهب ، فلا يجوز العدول عنه بخبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا ، وانّما

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه.

(٢) النهاية : كتاب الزكاة ، باب معرفة وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه.

٤٤١

أورده رحمه‌الله إيرادا لا اعتقادا.

باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وما يستحب فيه الزكاة

الذي تجب فيه الزكاة ، فرضا لازما عند أهل البيت عليهم‌السلام تسعة أشياء : الذهب والفضة إذا كانا مضروبين ، دنانير ودراهم ، منقوشين للتعامل ، فإذا كانا سبائك ، أو حليا ، فلا يجب فيهما الزكاة ، سواء قصد صاحبهما الفرار بهما من الزكاة أو لم يقصد.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : متى فعل ذلك قبل حال وجوب الزكاة ، استحب له أن يخرج منهما الزكاة ، وإن جعله كذلك بعد دخول الوقت لزمته الزكاة على كل حال (١). قوله رحمه‌الله : وإن جعله كذلك بعد دخول الوقت لزمته الزكاة على كل حال ، هذا لا خلاف فيه بين المسلمين ، وانّما الخلاف في جعله كذلك قبل دخول الوقت ، فذهب فريق من أصحابنا إلى أنّ الزكاة واجبة عليه بالفرار ، وقال فريق منهم لا تجب ، وهو الأظهر الذي يقتضيه أصول المذهب ، وهو انّ الإجماع منعقد على انه لا زكاة إلا في الدنانير والدراهم ، بشرط حئول الحول ، والسبائك والحلي ليسا بدنانير ودراهم ، والإنسان مسلّط على ماله ، يعمل فيه ما شاء ، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته. وقال في جمله وعقوده (٢) بخلاف ذلك.

وذهب سيدنا المرتضى رحمه‌الله ، إلى أنّه لا زكاة في ذلك ، ذهب إليه في الطبريات ، في مسألة ذكر الشفعة ، وقال : إذا فرّ الرجل بسهامه من دار ، فوهبها له ، ولم يأخذ منه عن ذلك ثمنا ، وأعطاه ذلك الموهوب له شيئا ، على سبيل

__________________

(١) النهاية : كتاب الزكاة ، باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب.

(٢) الجمل والعقود : كتاب الزكاة ، فصل ٨ في ذكر ما يستحب فيه الزكاة.

٤٤٢

الهدية ، والهبة ، سقط حق الشفعة عن هذا الموهوب ، لأنّه عقد بغير عوض ، ولم يلزمه فيه الشفعة ، بخروجه عن الصفة التي يستحق معها الشفعة.

فإن قال : ألستم تروون أنّ من فر من الزكاة ، بأن سبك الدراهم والدنانير سبائك ، حتى لا تلزمه الزكاة ، وما جرى هذا المجرى ، من فنون الهرب ، من الزكاة ، فإن الزكاة تلزمه ، ولا ينفعه هربه.

قلنا : ليس يمتنع أن يكون لزوم الزكاة من هرب من الزكاة ، لسبك السّبائك ، وما أشبهها ، لم يجب عليه بالسبب الأوّل الذي يجب له فيه الزكاة في الأصل ، لأنّ الزكاة لا تجب عندنا فيما ليس بمضروب من العين والورق ، وأن تكون الزكاة انّما تلزمه هاهنا عقوبة على فراره من الزكاة ، لا لأنّ هذه العين في نفسها تستحق الزكاة فيها ، ويمكن أن يكون ما ورد من الرواية في الأمر بالزكاة لمن هرب من الزكاة ، هو على سبيل التغليظ والتشديد ، لا على سبيل الحتم والإيجاب (١) هذا آخر كلام السيد المرتضى.

والإبل ، والبقر ، والغنم ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، وكل ما عدا هذه التسعة الأجناس فإنّه لا تجب فيه الزكاة.

ولا زكاة على مال غائب ، إلا إذا كان (٢) صاحبه متمكنا منه ، اي وقت شاء ، بحيث متى رامه قبضه ، فإن كان متمكنا منه ، لزمته الزكاة ، وقد وردت الرواية : إذا غاب عنه سنين ، ولم يكن متمكنا ، منه فيها ، ثم حصل عنده ، يخرج منه زكاة سنة واحدة (٣) وذلك على طريق الاستحباب ، دون الفرض والإيجاب.

وقال بعض أصحابنا : زكاة الدين إن كان تأخّره من جهة من هو عليه ، فالزكاة لازمة له ، وإن كان تأخّره من جهة من هو له ، فزكاته عليه.

وقال الآخرون من أصحابنا : زكاته على من هو عليه على كل حال ، ولم

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : ج ١ ص ٢٢٦ مسألة (٦) من المسائل الطبريات ذكرها مختصرا.

(٢) في ط وج : إذا لم يكن

(٣) الوسائل : الباب ٦ من أبواب الزكاة ، ح ١٢ و ١٣.

٤٤٣

يفرّق بالفرق الذي فرّقه الأولون ، فمن جملة من قال بهذا ، ابن أبي عقيل ، في كتابه الموسوم ، بكتاب المتمسك بحبل آل الرسول ، فإنّه قال : ولا زكاة في الدين ، حتى يرجع إلى صاحبه ، فإذا رجع إليه فليس فيه زكاة ، حتى يحول عليه الحول في يده ، وزكاة الدين على الذي عليه الدين ، وإن لم يكن له مال غيره ، إذا كان مما تجب فيه الزكاة ، إذا حال عليه الحول في يده ، بذلك جاء التوقيف عنهم عليهم‌السلام. ثمّ قال : ومن استودعه ماله ، وجب عليه زكاته ، إذا حال عليه الحول ، إذا كان ممّا تجب فيه الزكاة ، فإن قيل : فلم لا قلتم في الدين ، كما قلتم في المال المستودع ، إذا كان لك على رجل دين ، وهو عندك ممّن إذا اقتضيته ، أعطاك. قال : قيل له : الفرق بينهما ، أنّ الدين مال مجهول العين ، ليس بقائم ، ولا مشار إليه ، ولا زكاة في مال هذا سبيله ، والوديعة ، سبيلها سبيل ما في منزلي يتولى أخذها بعينها ، وحرام على المستودع الانتفاع بها وإن ضاعت لم يضمن ، وليس له أن يتصرف فيها ، وليس كذلك الدّين ، هذا آخر كلام الحسن بن علي بن أبي عقيل رحمه‌الله. وكان من جلّة أصحابنا المصنّفين المتكلّمين ، والفقهاء المحصلين ، قد ذكره شيخنا أبو جعفر ، في فهرست المصنّفين ، وأثنى عليه ، وذكر كتابه ، وكذلك شيخنا المفيد كان يثني عليه.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : وإلى هذا القول ، والمذهب أذهب ، لوضوحه عندي ، ولأنّ الأصل براءة الذمة ، فمن أوجب الزكاة على مال ليست أعيانه في ملكه ، يحتاج إلى دليل ، وهذا يدل على ما ننبّه عليه ، من فساد بيع الدين ، إلا على من هو عليه.

وإلى ما اخترناه ، ذهب شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله في كتاب الإستبصار ، فإنّه قال : لا زكاة في الدين ، حتى يقبضه صاحبه ، ويحول بعد ذلك عليه الحول (١). بخلاف قوله في جمله وعقوده (٢).

__________________

(١) الاستبصار : باب ١٢ من أبواب الزكاة

(٢) الجمل والعقود : فصل من كتاب الزكاة.

٤٤٤

وإلى هذا يذهب أبو علي بن الجنيد في الأحمدي ، ومال القرض ، ليس فيه زكاة على المقرض ، بل يجب على المستقرض ، إن تركه بحاله حتى يحول عليه الحول ، بغير خلاف ، بين أصحابنا في مال القرض ، وإن تصرف فيه بتجارة وما أشبهها ، لزمه الزكاة استحبابا ، إذا طلب برأس المال ، أو الربح.

ولا تجب في عروض التجارة الزكاة ، لا منها ولا من قيمتها ، على الصحيح من أقوال أصحابنا ، فإنّ قوما منهم يذهبون إلى وجوب الزكاة ، فيها ، يقوّمونها ذهبا وفضة ، ويخرجون من القيمة ، إذا حال الحول ، والأظهر من المذهب الأول ، وقد روي (١) أنّه إن طلبت أمتعة التجارة من صاحبها بوضيعة ، فلا زكاة عليه ، وإن طلبت بربح أو برأس المال ، فأخّر بيعها ، فعليه الزكاة وهي سنّة مؤكدة ، غير واجبة.

وكل ما يدخل الميزان والمكيال ، ما عدا الفواكه ، والخضر ، من الحبوب ، وغيرها ، مثل الدخن ، والذرة ، والقرطمان ، والأرز ، والسمسم ، والباقلاء ، والفول ، وهو الباقلاء والجلبان وهو الماش ، والجلجلان ، وهو السمسم ، وقال بعض أهل اللغة : هو الكربزة ، والدجر بالدال المفتوحة غير المعجمة ، والجيم المسكنة ، والراء غير المعجمة ، وهو اللوبيا ، والفث ، بالفاء المفتوحة ، والثاء المنقطة ، فوقها ثلاث نقط ، وهو برر الأشنان (٢). والثفاء ، بالثاء المنقطة ، فوقها ثلاث نقط المضمومة ، والفاء وهو الخردل ، وبرز قوطنا ، وحبّ الرشاد ، والجزر ، والترمس ، وهو الباقلي المصري ، وبرز الكتان ، والقطنية وهو ما يقطن في البيوت من الحبوب ، ( مثل العدس ، والحمص ) بكسر القاف ، وتسكين الطاء ، وما أشبه ذلك ، يستحب أن يخرج منه الزكاة ، سنة مؤكدة ، إذا بلغ مقادير ما يجب فيه الزكاة من الغلات.

وأمّا الإبل ، والبقر ، والغنم ، فليس في شي‌ء منها زكاة إلّا إذا كانت سائمة ،

__________________

(١) الوسائل : لا يوجد بعين ما ذكره نعم في باب ١٣ من أبواب الزكاة من كتاب الوسائل ، وفي باب ١٢ من أبواب الزكاة من مستدرك الوسائل يوجد ما يدل عليه.

(٢) ج : وهو الأشنان.

٤٤٥

طول الحول بكماله ، ولا يعتبر الأغلب في ذلك.

ولا زكاة في شي‌ء من العوامل ، ولا المعلوف (١) ، فإن كانت المواشي معلوفة أو للعمل في بعض الحول ، وسائمة في بعضه ، حكم بالأغلب ، فإن تساويا فالأحوط إخراج الزكاة ، هذا قول شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٢) ومسائل خلافه (٣) ، ثمّ قال في أثناء ذلك في مبسوطة : وإن قلنا لا تجب فيها الزكاة ، كان قويا ، لأنّه لا دليل على وجوب ذلك في الشرع والأصل براءة الذمة.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : نعم ما قال شيخنا أخيرا ، فإن ما قوّاه هو الصحيح الذي لا يجوز خلافه ، وما قاله في صدر المسألة ، أضعف وأوهن من بيت العنكبوت.

وحكم الجواميس ، حكم البقر ، على ما قدّمناه ، وكذلك حكم المعز ، حكم الضأن ، وقد قدّمنا أيضا ذلك.

وأمّا الخيل ، ففيها الزكاة مستحبة ، بشرط أن تكون إناثا سائمة ، لا يلزم مالكها عنها مئونة ، فإن لزمته عنها مئونة ، فليس فيها شي‌ء مستحب.

وما تجب فيه الزكاة على ضربين ، منه ما يعتبر مع ملك النصاب ، حول الحول عليه ، وهو الدنانير ، والدراهم ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، وما عدا ذلك لا اعتبار للحول فيه ، بل بلوغ حد النصاب فيه.

ويجوز إخراج القيمة عندنا في الزكاة ، دون العين المخصوصة ، فأمّا الكفارات فلا يجوز إخراج القيم فيها.

باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب

أمّا الذهب ، فليس في شي‌ء منه زكاة ، ما لم يبلغ عشرين مثقالا ، فإذا بلغ

__________________

(١) في ط وج : المعلوفات

(٢) المبسوط : كتاب الزكاة ، فصل في زكاة البقر ، باختلاف يسير.

(٣) الخلاف : كتاب الزكاة ، ذيل مسألة ١٤ ، والعبارة هكذا : ولا على العوامل شي‌ء ، إنما الصدقة على السائمة الراعية.

٤٤٦

ذلك ، على الصفة المتقدّم بيانها ، كان فيه نصف دينار.

وقال بعض أصحابنا ، وهو ابن بابويه ، في رسالته : إنّه لا يجب في الذهب الزكاة ، حتى يبلغ أربعين مثقالا (١). وهذا خلاف إجماع المسلمين ، ثمّ ليس فيه شي‌ء ، ما لم يزد أربعة دنانير ، على العشرين الأوّلة ، فإذا أزاد ذلك كان فيه قيراطان ، مضافان إلى ما في العشرين دينارا ، وهو نصف دينار ، ثمّ على هذا الحساب ، في كل عشرين نصف دينار ، وفي كلّ أربعة بعد العشرين ، قيراطان بالغا ما بلغ الذهب.

وأمّا زكاة الفضة ، فليس فيها شي‌ء ، ما لم تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت ذلك ، كان فيها خمسة دراهم ، ثم ليس فيها شي‌ء ، إلى أن تزيد أربعين درهما ، فإن زادت ذلك ، كان فيها درهم (٢). ثم على هذا الحساب ، كلما زادت أربعين درهما كان فيها زيادة درهم ، بالغا ما بلغت ، وليس فيما دون الأربعين بعد المائتين شي‌ء من الزكاة.

وقال بعض أصحابنا : وإذا خلّف الرجل دراهم أو دنانير ، نفقة لعياله ، لسنة ، أو سنتين ، أو أكثر من ذلك ، وكان مقدار ما تجب فيه الزكاة ، وكان الرجل غائبا ، لم تجب فيها زكاة ، فإن كان حاضرا ، وجبت عليه الزكاة فيها ، ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٣) ، وهذا غير واضح بل حكمه حكم المال الغائب ، إن قدر على أخذه ، متى أراده ، بحيث متى رامه أخذه ، فإنّه يجب عليه فيه الزكاة ، سواء كان نفقة ، أو مودعا ، أو كنزه في كنز ، فإنّه ليس بكونه نفقة ، خرج من ملكه ، ولا فرق بينه وبين المال الذي له في يد وكيله ، ومودعه ، وخزانته ، وانّما أورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، فإنّه خبر من أخبار الآحاد ، لا يلتفت إليه.

وأمّا زكاة الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، فعلى حد سواء ، وليس في

__________________

(١) رسالة ابن بابويه : كتاب الزكاة ، فيما تجب فيه الزكاة ص ٦٧ الطبع الحديث.

(٢) ق : كان فيها ستة دراهم.

(٣) النهاية : كتاب الزكاة ، باب المقادير التي يجب فيها الزكاة.

٤٤٧

شي‌ء من هذه الأجناس زكاة ، ما لم يبلغ كل جنس منها على حدته ، خمسة أوسق ، ومبلغه الفان وسبعمائة رطل ، بالبغدادي ، بعد إخراج المؤن المقدّم ذكرها ، أولا ومقاسمة السلطان ، إن كانت الأرض خراجية ، فإذا بلغ ذلك ، كان فيه العشر ، إن كان سقى سيحا ، أو شرب بعلا ، والبعل الذي يشرب بعروقه ، فيستغني عن السقي ، يقال قد استبعل النخل ، قال أبو عمرو البعل ، والعذي واحد ، وهو ما سقته السماء ، وقال الأصمعي : العذي ما سقته السّماء ، والبعل ما شرب بعروقه من غير سقي.

وإن كان مما قد سقي بالغرب ، والدوالي ، والنواضح ، وما أشبه ذلك كان فيه نصف العشر.

وإن كان ممّا سقي سيحا ، وغير سيح ، اعتبر الأغلب في سقيه ، فإن كان سقيه سيحا أكثر ، كان حكمه حكم ما يؤخذ منه العشر ، وإن كان سقيه بالغرب والدوالي وما أشبههما أكثر ، كان حكمه حكمه ، يؤخذ منه نصف العشر ، فإن استويا في ذلك ، يؤخذ من نصفه بحساب العشر ، ومن النصف الآخر بحساب نصف العشر ، وما زاد على خمسة أوسق ، كان حكمه حكم الخمسة الأوسق ، في أن يؤخذ منه العشر ، أو نصف العشر ، قليلا كان أو كثيرا.

وأمّا زكاة الإبل ، فليس في شي‌ء منها زكاة إلى أن تبلغ خمسا. فإذا بلغت ذلك كان فيها شاة ، وليس فيما زاد عليها شي‌ء ، إلى أن تبلغ عشرا. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها شاتان ، وليس فيما زاد عليها شي‌ء ، إلى أن تبلغ خمس عشرة. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها ثلاث شياه ، ثم كذلك ليس فيها شي‌ء ، إلى أن تبلغ عشرين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها أربع شياه ، ثم كذلك ليس فيها شي‌ء ، إلى أن تبلغ خمسا وعشرين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها خمس شياه.

والشاة المخرجة عنها ، إن كانت من الضأن ، فأقل ما يجزي الجذع ، محركة الذال ، وهو الذي تمّ له سبعة أشهر ، وإن كانت من المعز ، فلا تجزي إلا ما تمّ له سنة ، ودخل في جزء من الثانية.

٤٤٨

فإن زاد على خمس وعشرين واحدة ، كانت فيها بنت مخاض ، أو ابن لبون ، وليس فيها شي‌ء بعد ذلك ، إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين ، وتزيد واحدة ، فإذا بلغت ذلك ، كان فيها بنت لبون ، وليس فيها شي‌ء ، إلى أن تبلغ ستا وأربعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها حقة ، وليس فيما زاد عليها شي‌ء ، إلى أن تبلغ إحدى وستين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها جذعة ، محركة الذال ، ثمّ ليس فيها شي‌ء ، إلى أن تبلغ ستا وسبعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها بنتا لبون ، ثمّ ليس فيها شي‌ء ، إلى أن تبلغ احدى وتسعين ، فإذا بلغت ذلك ، كان فيها حقّتان ، ثم ليس فيها شي‌ء إلى أن تبلغ مائة واحدى وعشرين. فإذا بلغت ذلك ، تركت هذه العبرة ، ويؤخذ من كل خمسين حقة ، ومن كل أربعين بنت لبون.

قال السيد المرتضى في انتصاره : إنّ الإبل ، إذا بلغت مائة وعشرين ، ثمّ زادت ، فلا شي‌ء في زيادتها ، حتى تبلغ مائة وثلاثين ، فإذا بلغتها ففيها حقّة واحدة. وابنتا لبون ، وأنّه لا شي‌ء في الزيادة ما بين العشرين والثلاثين (١) هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

والذي تقتضيه أدلتنا ، وتشهد به أصول مذهبنا ، والمتواتر من الأخبار ، والإجماع منعقد عليه ، ما ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، فإنّه قال : مسألة : إذا بلغت الإبل مائة وعشرين ، ففيها حقتان ، بلا خلاف ، وإذا زادت واحدة ، فالذي يقتضيه المذهب ، أن تكون فيها ثلاث بنات لبون ، إلى مائة وثلاثين ، ففيها حقة وبنتا لبون ، إلى مائة وأربعين ، ففيها حقتان وبنت لبون (٢) هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

وهذا هو الصحيح المتفق عليه ، المجمع ، والسيد المرتضى ، قد رجع عمّا قاله ، في جواب الناصريات (٣) ، وحقق ذلك ، وناظر الفقهاء على صحة مذهبنا.

__________________

(١) الانتصار : كتاب الزكاة ، المسألة الخامسة.

(٢) الخلاف : كتاب الزكاة ، مسألة ٣

(٣) الناصريات : كتاب الزكاة ، مسألة ١١٩.

٤٤٩

فإن كان الذي يجب عليه زكاة الإبل ، ليس معه عين ما يجب عليه ، جاز أن يعطي قيمته ، فإن لم يكن معه القيمة ، وكان معه من غير السن الذي وجب عليه ، جاز أن يؤخذ منه ، فإن كان دون ما يستحق عليه ، أخذ منه مع ذلك ما يكون تماما للذي وجب عليه. وإن كان فوق الذي يجب عليه ، أخذ منه وردّ عليه ما فضل له ، مثال ذلك ، انّه إذا وجبت عليه بنت مخاض ، وعنده ابن لبون ، أخذ منه ذلك نصا ، لا بالقيمة عندنا ، وليس عليه شي‌ء ، ولا له شي‌ء ، فإن كان عنده بنت لبون ، وقد وجبت عليه بنت مخاض ، أخذت منه ، وأعطاه المصدّق بتشديدة واحدة على الدال ، وهو العامل ، شاتين أو عشرين درهما. فإن كانت قد وجبت عليه بنت لبون ، وعنده بنت مخاض ، أخذت منه ، وأخذ معها شاتان ، أو عشرون درهما. وإذا وجبت عليه حقّة ، وليست عنده ، وعنده بنت لبون ، أخذت منه ، وأعطى معها شاتين ، أو عشرين درهما. وإن كانت قد وجبت عليه بنت لبون وعنده حقّة ، أخذت منه وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما. وإذا أوجبت عليه جذعة ، وليست عنده ، وعنده حقّة ، أخذت منه وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقّة ، وعنده جذعة ، أخذت منه ، وردّ عليه شاتان ، أو عشرون درهما.

وأمّا زكاة البقر ، فليس في شي‌ء منها زكاة ، إلى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها تبيع ، أو تبيعة ، وهو الذي تمّ له حول كامل ، ودخل في جزء من الثاني ، وهو مخيّر بين الذكر والأنثى ، ثمّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء ، إلى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها مسنة ، وهي التي تمّ لها سنتان ، ودخلت في جزء من الثالث ، ولا يجزي إلا الأنثى. وكل ما زاد على ذلك ، كان هذا حكمه ، في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كل أربعين مسنّة ، بالغا ما بلغت.

وأمّا الغنم فليس فيها زكاة ، إلى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها شاة ، ثمّ ليس فيها شي‌ء إلى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك ،

٤٥٠

وزادت واحدة كان فيها شاتان ، إلى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت ذلك ، وزادت واحدة ، كان فيها ثلاث شياه ، إلى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك ، وزادت واحدة ، طرحت هذه العبرة ، وأخذ من كل مائة شاة ، بالغا ما بلغت على الصحيح من الأقوال ، على ما قدّمنا القول فيه.

ومن حصل عنده من كل جنس تجب فيه الزكاة ، أقل من النصاب الذي فيه الزكاة ، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النصاب ، والنصابين ، لم يكن عليه شي‌ء ، حتى يبلغ كل جنس منه الحد الذي تجب فيه الزكاة.

ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ، ما تجب فيه الزكاة ، وإن كانت في مواضع متفرقة ، وجب عليه فيها الزكاة.

وإن وجد في موضع واحد من المواشي ، ما تجب فيه الزكاة لملاك جماعة ، لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال ، وقول الرسول عليه‌السلام للعامل : لا تجمع بين متفرق ، ولا تفرق بين مجتمع (١) يريد به ، لا تجمع بين متفرق في الأملاك ، حتى تأخذ منه الزكاة ، وقوله لا تفرق بين مجتمع يريد به في الملك ، حتى لا يأخذ منه الزكاة ، لا ما يذهب إليه المخالف.

ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزكاة ، من غير الجنس الذي تجب فيه بقيمته ، وإن أخرج من الجنس كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذهب والفضة ، حتى يحول عليهما الحول ، بعد حصولهما في الملك ، فإن كان مع إنسان مال ، أقل مما تجب فيه الزكاة ، ثمّ أصاب تمام

__________________

(١) لم نجد حديثا بهذه العبارة في الوسائل والمستدرك لكن يوجد ما يدل عليه في باب ١١ من أبواب زكاة الأنعام في الوسائل ، وفي باب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام من المستدرك.

٤٥١

النصاب ، في وسط الحول ، فليس عليه فيه الزكاة ، حتى يحول على الجميع الحول. من وقت كمال النصاب ، وإذا استهل هلال الثاني عشر ، فقد حال على المال الحول ، ووجبت الزكاة في المال ليلة الهلال ، لا باستكمال جميع الشهر الثاني عشر ، بل بدخول أوّله.

فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه ، أو تبدلت أعيانه ، سواء كان البدل من جنسه ، أو غير جنسه ، قبل استهلال الثاني عشر ، سقط عنه فرض الزكاة ، وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشهر الثاني عشر ، وجبت عليه الزكاة ، وكانت في ذمته ، إلى أن يخرج منه.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، في بعض تصنيفه : إنّه إن بادل بجنسه ، بنى على الحول المبدل ، وإن بادل بغير جنسه فلا يبنى على الحول المبدل ، والصحيح ما قلناه ، لأنّ هذه الطريقة ، تفريع المخالف ، ومقالته ، ذكره في المبسوط (١) ومسائل الخلاف (٢) ، ومن المعلوم أنّه رحمه‌الله يذكر في هذا الكتاب ، أقوال المخالفين ولا يميز قولنا من قولهم ، فأمّا نصوص أصحابنا ، وكتبه كتب الأخبار ، وروايات أصحابنا ، فإنّه رحمه‌الله لم يتعرض فيها لشي‌ء من ذلك ، لأنّها خالية من ذلك ، وكذلك باقي أصحابنا المصنّفين ، لم يتعرضوا فيها لشي‌ء ، ولا أورده أحد منهم.

وأيضا إجماعنا ، بخلاف ما ذهب إليه في مبسوطة ، وأصول مذهبنا منافية لذلك ، لأنّهم عليهم‌السلام أوجبوا الزكاة في الأعيان ، دون غيرها من الذمم ، بشرط حئول الحول على العين ، من أوله إلى آخره ، فيما يعتبر فيه الحول ، ومن المعلوم أنّ عين البدل غير عين المبدل ، وانّ إحداهما لم يحل عليها الحول.

وأيضا الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشي‌ء يحتاج إلى دليل.

__________________

(١) المبسوط : ج ١ كتاب الزكاة ، فصل في زكاة الغنم ، ص ٢٠٦.

(٢) الخلاف : كتاب الزكاة ، مسألة ٦٣.

٤٥٢

وأمّا الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، فلها أحوال ثلاثة : حال تجب فيها ، ولا يجب الإخراج ، ولا الضمان. وحال تجب فيها ، ويجب الإخراج ، ولا يجب الضمان. وحال يجب فيها ، ويجب الإخراج ، ويجب الضمان.

فالحالة الأوّلة ، عند اشتداد الحب ، واحمرار البسر ، وانعقاد الحصرم ، فإنّه تجب فيها الزكاة ، ولا يجب الإخراج منها ، وإن حضر المستحق ، ولا يجب الضمان إن تلفت ، والذي يدلّ على أنّ الزكاة تجب فيها ، أنّ مالكها إذا باعها بعد بدوّ الصلاح ، فإنّ الزكاة عليه ، دون المشتري ، ولو باعها قبل بدوّ الصلاح ، كانت الزكاة على المشتري ، إذا بدا الصلاح فيها وهي على ملكه.

فأمّا الحالة الثانية ، فعند الذراوة ، والكيل ، والتصفية ، والجداد بفتح الجيم ، وبالدالين غير المعجمتين ، وبعض المتفقهة يقول بالذالين المعجمتين ، والأوّل قول أهل اللغة ، وإليهم المرجع في ذلك ، والصرام بشرط التشميس ، والوزن تمرا فإنّه يجب الإخراج إذا حضر المستحق ، ولا يجب الضمان إذا لم يحضر المستحق.

فأمّا الحالة الثالثة ، فإنّه إذا حضر المستحق ، ولم يعطه المالك ، وذهب المال فإنّه يجب عليه الضمان ، لأنّه يجب عند هذه الحالة ، الإخراج ، ويجب الضمان إذا لم يخرجها.

فإذا أخرج زكاة هذه الغلات ، والثمار الأربع ، فليس فيها بعد ذلك شي‌ء ، وان حال عليها حول وأحوال.

وأمّا الإبل ، والبقر ، والغنم ، فليس في شي‌ء منها زكاة ، حتى يحول عليها الحول ، من يوم يملكها وكل ما لم يحل عليها الحول ، من صغار الإبل ، والبقر ، والغنم ، لا يجب فيها الزكاة ، ولا يعد مع أمهاته ، ولا منفردا.

ولا يجوز تقديم الزكاة قبل دخول وقتها. فإن حضر مستحق لها ، قبل وجوب الزكاة جاز أن يعطى شيئا ، ويجعل دينا عليه ، وقرضا. فإذا جاء الوقت ، وهو على الصفة التي يستحق معها الزكاة ، احتسب بذلك من الزكاة إن شاء وإن كان قد استغنى بعينها ، فيجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة ، وإن كان قد

٤٥٣

استغنى بغيرها ، فلا يجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة ، وكان على صاحب المال أن يخرجها من رأس ، مستأنفا.

وقال بعض أصحابنا (١) : وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس ، والأولى عند أهل اللغة ، ان يقال من رأس بغير الف ولام ، ولا يقال من الرأس ، ويجعلونه فيما يخطى فيه العامة.

وإذا حال الحول ، فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه ، إذا حضر المستحق ، فإن أخّر ذلك ، إيثارا به مستحقا ، غير من حضر ، فلا إثم عليه بغير خلاف ، إلا أنّه إن هلك قبل وصوله إلى من يريد إعطاؤه إياه ، فيجب على ربّ المال الضمان.

وقال بعض أصحابنا : إذا حال الحول ، فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ، ولا يؤخّره ، فإن أراد على الفور ، وجوبا مضيّقا ، فهذا بخلاف إجماع أصحابنا ، لأنّه لا خلاف بينهم ، في أنّ للإنسان أن يخص بزكاته فقيرا دون فقير ، ولا يكون مخلا بواجب ، ولا فاعلا لقبيح ، وإن أراد بقوله على الفور ، يريد به أنّه إذا حضر المستحق ، فإنّه يجب عليه إخراج الزكاة ، فإن لم يخرجها طلبا وإيثارا بها لغير من حضر من مستحقها ، وهلك المال ، فإنّه يكون ضامنا وتجب عليه الغرامة للفقراء ، فهذا الذي ذهبنا إليه ، واخترناه.

فإن عدم المستحق له ، عزله من ماله ، وانتظر به المستحق ، فإن هلك بعد عزله ، من غير تفريط ، فلا ضمان ، ولا غرامة ، فإن حضرته الوفاة ، وصّى به أن يخرج عنه.

وما روي عنهم عليهم‌السلام ، من الأخبار ، في جواز تقديم الزكاة ، وتأخيرها (٢) ، فالوجه فيه ما قدّمناه ، في أنّ ما تقدّم ، يجعل قرضا ، ويعتبر فيه ما ذكرناه ، وما يؤخر منه ، إنّما يؤخر انتظارا لمستحق ، فأمّا مع وجوده فالأفضل

__________________

(١) وهو الشيخ رحمه‌الله في كتاب النهاية ، في باب الوقت الذي يجب فيه الزكاة.

(٢) الوسائل : كتاب الزكاة ، الباب ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة.

٤٥٤

إخراجه إليه على البدار ، هكذا أورده وذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، وهو الذي قال في هذا الباب : وإذا حال الحول ، فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه ، على الفور ولا يؤخّره.

قال محمّد بن إدريس : وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك ، وتكلّمنا عليه قبل هذا ، والذي ذهب شيخنا إليه أخيرا ، هو الصحيح الذي يقتضيه الأدلة ، وظواهر النصوص والإجماع.

قال بعض أصحابنا في كتاب له : إذا أيسر من دفع إليه شي‌ء من الزكاة ، قبل وجوبها ، على جهة القرض ، ثمّ حال الحول ، وهو موسر ، فإن كان أيسر بغير ما دفع إليه من المال ، فلا يجوز لمن وجبت عليه الزكاة ، الاحتساب بها ، ولا يجزى عنه ، وإن كان أيسر واستغنى بما دفع إليه ، فإنّها تجزي عن دافع الزكاة.

قال محمّد بن إدريس : الذي يقتضيه الأدلة ، ويحكم بصحته النظر ، وأصول المذهب انّه إذا كان عند حئول الحول ، غنيا ، فلا يجزى عن الدافع ، لأنّ الزكاة لا يستحقها الغني ، سواء كان غناه بها ، أو بغيرها ، على كل حال ، لأنّه وقت الدفع والاحتساب غنى ، وله مال وهو القرض ، لأنّ المستقرض يملك مال القرض ، دون القارض بلا خلاف بيننا ، وهو حينئذ غني ، وعندنا أنّ من عليه دين ، وله من المال الذهب والفضة بقدر الدين ، وكان ذلك المال الذي معه نصابا ، فلا يعطى من الزكاة ، ولا يقال أنّه فقير يستحق الزكاة ، بل يجب عليه إخراج الزكاة مما معه ، لأنّ الدين عندنا لا يمنع من وجوب الزكاة ، لأنّ الدين في الذمة ، والزكاة في العين.

باب مستحق الزكاة وأقلّ ما يعطى منها وأكثر

الذي يستحق الزكاة ، هم الثمانية الأصناف الذين ذكرهم الله تعالى في

__________________

(١) النهاية : كتاب الزكاة ، باب الوقت الذي يجب فيه الزكاة.

٤٥٥

محكم التنزيل وهو قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١).

فأمّا الفقير فهو الذي لا شي‌ء معه ، وأمّا المسكين فهو الذي له بلغة من العيش ، لا يكفيه طول سنته وقال بعض أصحابنا عكس ذلك ، وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٢) وقال في جمله وعقوده (٣) وفاق ما ذهبنا إليه ، واخترناه ، وهكذا في مسائل خلافه (٤) ، ومبسوطة (٥) ، وهو الصحيح من أقوال أهل اللغة والفقهاء ، لأنّ بين الفريقين اختلاف في ذلك ، والذي يدل على صحّة ذلك قوله تعالى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (٦) فسماهم مساكين ، ولهم سفينة بحرية ، تساوي جملة من المال ، وهذا بخلاف ما يذهب إليه المخالف في المسألة ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) ووجه الدلالة من الآية أنّ القرآن نزل على لسان العرب ، ولغتها ، ومذاهبها ، ومخاطباتها ، وموضوع كلامها ، والعرب تبدأ بالأهم فالأهم ، فلمّا كان الفقير أسوأ حالا من المسكين ، بدأ به تعالى ، ولا يلتفت إلى قول الشاعر :

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد

لأنّه لا يجوز العدول عن الآيتين من القرآن إلى بيت شعر. وأيضا فالبيت المتمسك به ، ليس فيه دلالة على موضع الخلاف ، لأنّ كل واحد من الفقير والمسكين ، إذا ذكر على الانفراد ، دخل الآخر فيه ، وانّما يمتاز أحدهما عن الآخر ، ويحتاج إلى الفرق إذا اجتمعا في اللفظ ، وآيات القرآن جمعتهما في اللفظ.

وأمّا العاملون عليها ، فهم الذين يسعون في جباية الصدقات.

__________________

(١) التوبة : ٦٠

(٢) النهاية : كتاب الزكاة ، باب مستحق الزكاة.

(٣) الجمل والعقود : كتاب الزكاة فصل ١١ من مستحق الزكاة.

(٤) الخلاف : ج ٢ كتاب قسمة الصدقات مسألة ١٠.

(٥) المبسوط : كتاب الزكاة كتاب قسمة الزكاة والأخماس والأنفال ص ٢٤٦

(٦) الكهف : ٧٩.

٤٥٦

وامّا المؤلّفة قلوبهم : فهم الذين يتألفون ، ويستمالون إلى الجهاد ، فإنّهم يعطون سهما من الصدقات ، مع الغنى ، والفقر ، والكفر ، والإسلام ، والفسق ، لأنّهم على ضربين مؤلفة الكفر ومؤلفة الإسلام.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : المؤلفة ضرب واحد وهي مؤلفة الكفر ، والأوّل مذهب شيخنا المفيد ، وهو الصحيح ، لأنّه يعضده ظاهر التنزيل ، وعموم الآية ، فمن خصصها يحتاج إلى دليل ، والعامل يعطى مع الغنى ، والفقر ، ولا يجوز أن يعطى مع الفسق ، ولا يكون من بني هاشم ، لأنّ عمالة الصدقات حرمها الرّسول عليه‌السلام على بني هاشم قاطبة ، لأنّهم لا يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة المفروضة. وقال قوم : يجوز ذلك ، لأنّهم يأخذون على وجه العوض ، والأجرة ، فهو كسائر الإجارات ، والأول هو الصحيح ، لأنّ الفضل بن العبّاس ، والمطلب بن ربيعة ، سألا النبي ، صلّى الله عليه وعلى آله أن يوليهما العمالة فقال لهما : الصدقة ، انّما هي أوساخ الناس ، وانّها لا تحل لمحمد وآل محمد هذا إذا كانوا متمكنين من الأخماس ، فأمّا إذا لم يكونوا كذلك ، فإنّه يجوز لهم أن يتولوا الصدقات ، ويجوز لهم أيضا أخذ الزكوات الواجبات عند الحاجة والاضطرار.

فأمّا موالي بني هاشم ، فإنّه يجوز لهم أن يتولوا العمالة ، ويجوز لهم أن يأخذوا من الزكوات ، بلا عمالة.

وسهم المؤلفة والعمال ساقط اليوم ، لأنّ المؤلف انّما يتألفه الإمام ، ليجاهد معه ، والعامل انّما يبعثه الإمام ، لجباية الصدقات.

( وَفِي الرِّقابِ ) وهم العبيد عندنا ، والمكاتبون ، بغير خلاف ، ويعتبر فيهم الإيمان والعدالة.

والغارمون ، وهم الذين ركبتهم الديون ، في غير معصية ، ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهو كل ما يصرف في الطريق التي يتوصل بها إلى رضى الله وثوابه ، ويدخل في ذلك الجهاد ، وغيره من جميع أبواب البر ، والقرب إلى

٤٥٧

الله تعالى ، من معونة الحاج ، والزوار ، وتكفين الموتى ، وبناء المساجد ، والقناطر ، وغير ذلك.

وبعض أصحابنا ، يقصر السهم على الجهاد ، فحسب ، ذهب إلى ذلك شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله في نهايته (١) والأظهر الأصح ، ما اخترناه أوّلا ، لأنّه يعضده ظاهر التنزيل ، وعموم الآية ، والمخصّص يحتاج إلى دليل ، وشيخنا أبو جعفر رجع عمّا في نهايته ، في مسائل خلافه (٢) ، فقال بما قلناه ، واخترناه.

وابن السبيل ، وهو المنقطع به ، يقال المنقطع ، بفتح الطاء ، ولا يقال المنقطع بكسر الطاء ، في الأسفار ، ويكون محتاجا في الحال ، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

وقال بعض أصحابنا في كتاب له : إذا أقام هذا ، في بلد بنية المقام عشرة أيام ، خرج من أن يكون ابن سبيل. وهذا ليس بواضح ، وانّما يخرج من حكم المسافرين ، في تقصير الصوم والصلاة ، ولا يخرج من كونه ابن سبيل ، ولا منقطعا به ، لحاجته إلى النفقة إلى وطنه ، إلا أن يعزم على الاستطان في هذا البلد ، ويترك السفر إلى بلده ، ونزوعه إليه ، ويستوطن غيره ، فحينئذ يخرج من كونه ابن السبيل.

ويعتبر فيه الإيمان والعدالة ، وأن لا يقدر على الاكتساب ، بقدر ما ينهضه إلى بلده ومئونته.

وإذا كان الإمام ظاهرا أو من نصبه الإمام حاصلا ، فيستحب حمل الزكاة إليه ، ليفرّقها على هذه الأصناف الثمانية ، ويقسم بينهم على حسب ما يراه.

ولا يلزمه أن يجعل لكل صف ، جزء من ثمانية ، بل يجوز له تفضيل بعض منهم على بعض.

__________________

(١) النهاية : كتاب الزكاة ، باب مستحق الزكاة.

(٢) الخلاف : ج ٢ ، كتاب قسمة الصدقات ، مسألة ٢١.

٤٥٨

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا ، ولا من نصبه الإمام حاصلا ، فرقها الإنسان بنفسه ، على ستة أصناف ، ويسقط بعض السادس ، لا جميعه ، على ما حرّرناه وشرحناه.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) إذا لم يكن الامام ظاهرا ، ولا من نصبه الامام حاصلا ، فرقت الزكاة على خمسة أصناف ، من الذين ذكرناهم ، وهم الفقراء والمساكين ( وَفِي الرِّقابِ ) والغارمون وابن السبيل ، ويسقط سهم المؤلفة قلوبهم ، وسهم السعاة ، وسهم الجهاد ، وقد قلنا نحن ان السهم الذي هو في سبيل الله ، ليس هو مخصوصا بالجهاد ، على انفراده دون غيره من أبواب البر ، قال رحمه‌الله : لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الإمام ، لأنّ المؤلّفة إنّما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه ، والسعاة إنّما يكونون أيضا من قبله في جمع الزكوات ، والجهاد أيضا انما يكون به أو بمن نصبه ، فإذا لم يكن ظاهرا ، ولا من نصبه ، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرق فيهم الزكاة اليوم ، ينبغي أن يحصل فيهم مع احدى الصفات الأصلية ، وهي المسكنة والفقر ، وكونه ابن سبيل ، وكونه غارما ، أن ينضاف خمس صفات أخر إلى الصفة الأصلية ، فتجتمع فيه ست صفات ، وهي الفقر ، والايمان ، والعدالة ، أو حكمهما (٢) ، وأن لا يقدر على الاكتساب الحلال بقدر ما يقوم بأوده ، وسدّ خلّته وأود من يجب عليه نفقته ، والأود بفتح الواو ، الاعوجاج ، ولا يكون من بني هاشم ، مع تمكنهم من أخماسهم ، ومستحقاتهم ، ولا يكون ممن يجبر المعطى على نفقته ، وهم العمودان ، الإباء ، وإن علوا ، والأبناء وإن سفلوا ، والزوجة ، والمملوك ، فإن لم يكونوا كذلك ، فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا ، فمن أدّى زكاته لغير من سمّيناه ، مع العلم بحاله ، فإنّه لا تبرأ ذمّته ، مما وجب عليه بغير خلاف ، ووجب عليه إخراجها ثانيا بغير خلاف أيضا ، وان لم يعرفه (٣) فقد برئت ذمته ، وأخذها من أخذها حراما ، إذا علم انها من الزكاة ، وانه غير مستحق لها.

__________________

(١) النهاية : كتاب الزكاة ، باب مستحق الزكاة ، وفي المصدر ( حاضرا ) بدل ( حاصلا ).

(٢) في ط : حكمها

(٣) ط : لم يعرفهم.

٤٥٩

ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته إلى أهل معتقده ، من الاسلاميين ، ثمّ استبصر ، وعاد إلى الحق ، كان عليه إعادة الزكاة ، دون سائر ما فعله من العبادات الشرعيات ، قبل رجوعه واستبصاره ، لأنّ الزكاة حق للآدميين ، وباقي العبادات حقّ لله تعالى ، وقد فعلها على ما كان يعتقده.

ولا بأس أن يعطى الزكاة أطفال المؤمنين ، سواء كان آباؤهم المؤمنون فسّاقا ، أو عدولا ، وكل خطاب دخل فيه المؤمنون ، دخل فيه من جمع بين الفسق والايمان ، وإلى هذا ذهب السيد المرتضى في الطبريات (١) وشيخنا أبو جعفر الطوسي في التبيان (٢) ، وستراه محققا محرّرا في باب الوقوف من كتابنا هذا (٣) إن شاء الله تعالى ، وهو الصحيح الذي لا خلاف فيه من محصّل.

ولا يجوز أن يعطى أطفال مخالفي الحق ، من سائر الأديان.

ومتى لم يجد من وجبت عليه الزكاة ، مستحقا لها في بلده ، وبعث بها إلى بلد آخر ، لتفرق هناك ، فاصيبت في الطريق ، وكان الطريق آمنا ، لم تظهر فيه أمارة الخوف ، فقد أجزأت عنه ، وإن كان قد وجد لها في بلده مستحقا ، فلم يعطه ، وآثر من يكون في بلد آخر ، كان ضامنا لها ، إن هلكت ، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصي إليه بإخراج الزكاة ، أو اعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقه ، فوجده ولم يعطه من غير عذر أباح له التأخير ، ثمّ هلكت ، كان ضامنا للمال.

ولا تحل الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة ، قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته : وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وجعفر بن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب ، وعباس بن عبد المطلب (٤).

قال محمّد بن إدريس : وهذا القول ليس بواضح ، والصحيح انّ قصي بن

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : ج ١ ص ١٥٥ المسألة السابعة من المسائل الطبريات

(٢) لم نعثر عليه فيه.

(٣) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ، فيما إذا وقف شيئا على المسلمين.

(٤) النهاية : باب مستحق الزكاة.

٤٦٠