كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

وفتاويهم مطلقة ، في وجوب التمام على هؤلاء ، فليلحظ ذلك ، ففيه غموض يحتاج إلى تأمل ، ونضر ، وفقه.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه في نهايته : فإن كان لهم في بلدهم مقام عشرة أيام ، وجب عليهم التقصير ، وإن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيام ، قصّروا بالنهار ، وتمموا الصلاة بالليل (١) وهذا غير واضح ، ولا يجوز العمل به ، بل يجب عليهم التمام بالنهار وبالليل ، بغير خلاف ، ولا نرجع عن المذهب ، بأخبار الآحاد ، لأنّ الإجماع على أنّ هؤلاء إذا لم يقيموا في بلادهم عشرة أيام ، خرجوا متمين لصلواتهم بغير خلاف ، وقد اعتذرنا لشيخنا أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه فيما يوجد في كتاب النهاية ، وقلنا أورده إيرادا لا اعتقادا ، وقد اعتذر هو في خطبة مبسوطة ، عن هذا الكتاب ـ يعني النهاية ـ بما قدّمنا ذكره.

فإن خرج الإنسان بنية السفر ، ثم بدا له قبل أن يبلغ مسافة التقصير ، وكان قد صلّى قصرا ، فليس عليه شي‌ء ، ولا قضاء ، ولا إعادة ، فان لم يكن قد صلّى ، أو كان في الصلاة ، وبدا له من السفر ، قبل أن يبلغ المسافة تمم صلاته.

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه في استبصاره ، إلى وجوب الإعادة ، على من صلّى (٢) ثم بدا له عن السفر ، ما دام الوقت باقيا (٣).

وما اخترناه ، هو اختياره في نهايته (٤) ، وهو الصحيح ، لأنّه صلّى صلاة شرعية مأمورا بها ، ما كان يجوز له في حال ما صلاها إلا هي ، والإعادة فرض ثان ، يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على ذلك ، فعمل على خبر زرارة (٥) في

__________________

(١) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر

(٢) في ط وج : صلّى على قصر.

(٣) الاستبصار : أبواب الصلاة في السفر ، ١٣٤ ـ باب المسافر يخرج فرسخا أو فرسخين ويقصر في الصلاة ثم يبدو له عن الخروج

(٤) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر.

(٥) الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب صلاة المسافر ح ١ و ٢.

٣٤١

نهايته ، وعمل على خبر سليمان بن حفص المروزي (١) في استبصاره ، والذي ينبغي أن يعمل عليه من الخبرين ، ما عضده الدليل ، لا بمجرد الخبر ، لأنّا قد بيّنا ، أنّ العمل بأخبار الآحاد لا يجوز عندنا ، فإذا عزم المسافر على مقام عشرة أيام في بلد (٢) ، وجب عليه التمام ، فإن صلّى صلاة واحدة ، بعد عزمه على المقام ، أو أكثر من ذلك على التمام ، يعني رباعية ، ثم بدا له في المقام ، فليس له أن يقصر ، إلا بعد خروجه من البلد ، وإن لم يكن صلّى صلاة على التمام ، ثم بدا له في المقام ، فعليه التقصير ، ما بينه وبين شهر ، على ما قدّمناه.

ومن خرج إلى ضيعة له ، وكان له فيها منزل ، قد استوطنه الاستيطان المقدّم ذكره ، وجب عليه التمام ، فإن لم يكن له ذلك ، وجب عليه التقصير.

ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر ، في نفس المسجد الحرام ، وفي نفس مسجد المدينة ، وفي مسجد الكوفة ، والحائر على متضمنة السلام ، والمراد بالحائر ما دار سور المشهد ، والمسجد عليه ، دون ما دار سور البلد عليه ، لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة ، لأنّ الحائر في لسان العرب ، الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه ، وقد ذكر ذلك شيخنا المفيد في الإرشاد ، في مقتل الحسين عليه‌السلام ، لمّا ذكر من قتل معه من أهله ، فقال : والحائر محيط بهم ، إلا العباس رحمة الله عليه ، فإنّه قتل على المسناة (٣) فتحقق ما قلناه ، والاحتياط أيضا طريقته تقتضي ما بيّناه ، لأنّه مجمع عليه ، وما عداه غير مجمع عليه.

وذهب بعض أصحابنا إلى استحباب الإتمام في مكة جميعها ، وكذلك في المدينة ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (٤) ، وذهب السيد

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب صلاة المسافر ، ح ١ و ٢

(٢) في ط وج : بلد واحد.

(٣) الإرشاد : فصل : أسماء من قتل مع الحسين عليه‌السلام من أهل بيته بطف كربلاء.

(٤) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر.

٣٤٢

المرتضى ، إلى استحباب الإتمام ، في السفر عند قبر كل إمام ، من أئمة الهدى عليهم‌السلام ، والذي اخترناه ، هو الصحيح ، وأنّه لا يجوز الإتمام ، إلا عند قبر الحسين عليه‌السلام ، دون قبور باقي الأئمة عليهم‌السلام ، وفي نفس المسجدين ، دون مكة والمدينة ، لأنّ عليه الإجماع ، والأصل التقصير في حال السفر ، وما عداه فيه الخلاف ، وقال بعض أصحابنا : لا يجوز التقصير في حال السفر ، في هذه المواضع ، وما اخترناه هو الأظهر ، بين الطائفة وعليه عملهم وفتواهم.

وليس على المسافر صلاة الجمعة ، ولا صلاة العيدين.

والمشيّع لأخيه المؤمن ، يجب عليه التقصير ، والمسافر في طاعة ، إذا مال إلى الصيد لهوا وبطرا وجب عليه التمام ، فإذا رجع إلى السفر ، عاد إلى التقصير.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : وإذا خرج قوم إلى السفر ، وساروا أربعة فراسخ ، وقصروا من الصلاة ، ثمّ أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر ، فعليهم التقصير ، إلى أن يتيسر لهم العزم على المقام ، فيرجعون إلى التمام ، ما لم يتجاوز ثلاثين يوما على ما قدّمناه.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : وهذا قول صحيح ، محقق.

ثم قال شيخنا أبو جعفر بعد ذلك : وإن كان مسيرهم أقل من أربعة فراسخ ، وجب عليهم التمام ، إلى أن يسيروا ، فإذا ساروا رجعوا إلى التقصير (١) وهذا قول غير واضح ، ولا مستقيم ، بل هو خبر ، أورده إيرادا لا اعتقادا ، ولا فرق بين المسألتين ، وقد رجع في مبسوطة ، عن هذا القول الذي حكيناه عنه في نهايته ، فقال : من خرج من البلد ، إلى موضع بالقرب مسافة فرسخ ، أو فرسخين ، بنيّة أن ينتظر الرفقة هناك ، المقام عشرة أيام فصاعدا ، فإذا تكاملوا ، ساروا سفرا عليهم (٢) التقصير ، لا يجوز أن يقصروا ،

__________________

(١) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر

(٢) في المبسوط يجب عليهم.

٣٤٣

إلا بعد المسير من الموضع الذي يجتمعون فيه ، لأنّه ما نوى بالخروج إلى هذا الموضع سفرا يجب فيه التقصير ، فإن لم ينو المقام عشرة أيام ، وانّما خرج بنيّة أنّه متى تكاملوا ساروا ، قصّر ما بينه وبين شهر ، ثم يتمم (١) فإن أراد بالمسألة الثانية في النهاية ، أنّه ما نوى بالخروج إلى دون الأربعة فراسخ ، سفرا يجب فيه التقصير ، وإنّما خرج بنيّة أنّه متى تكاملوا ووجد الرفقة ، سافر ، فإنّه يجب عليه التمام ، فهذا مستقيم صحيح ، وإن أراد الخروج للسفر وبنية السفر ، فلمّا وصل إلى دون الأربعة فراسخ ، توقف ، لينتظر الرفقة ، وما عزم على مقام عشرة أيام ، ولا بدا له عن الرجوع من السفر ، فليس بصحيح ، ولا مستقيم ، بل الواجب عليه ، عند هذه الحال التقصير ، مثل المسألة الأولى سواء (٢) فليلحظ ذلك.

ويستحبّ للمسافر أن يقول ، عقيب كل صلاة ، ثلاثين مرّة : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » فإنّ ذلك جبران للصلاة ، ولا بأس أن يجمع الإنسان بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء الآخرة ، في حال السفر ، وكذلك لا بأس أن يجمع بينهما في الحضر ، إلا أنّه إذا جمع بينهما ، لا يجعل بينهما شيئا من النوافل.

وليس على المسافر شي‌ء من نوافل النهار فإذا سافر بعد زوال الشمس ، قبل أن يصلّي نوافل الزوال ، فليقضها في السفر ، بالليل أو بالنهار ، وعليه نوافل الليل كلّها ، حسب ما قدّمناه ، إلا الوتيرة.

إذا أبق للإنسان عبد ، فخرج في طلبه ، فإن قصد بلدا يقصر في مثله الصلاة ، وقال : إن وجدته قبله رجعت معه ، لم يجز له أن يقصر ، لأنّه لم يقصد سفرا تقصر فيه الصلاة ، فإن لم يقصد بلدا ، لكنه نوى أن يطلبه ، حيث بلغ ، لم يكن له القصر ، لأنّه شاك في المسافة التي تقصر فيها الصلاة ، وإن نوى قصد

__________________

(١) المبسوط : كتاب صلاة المسافر ، ص ١٣٩ الطبع الحديث

(٢) ج : الاولى فليلحظ.

٣٤٤

ذلك البلد ، سواء وجد العبد ، قبل الوصول إليه ، أو لم يجد ، كان عليه التقصير ، لأنّه نوى سفرا يجب عليه فيه التقصير.

إذا خرج حاجا إلى مكة ، وبينه وبينها مسافرة تقصّر فيها الصلاة ، ونوى أن يقيم بها عشرا ، قصّر في الطريق ، فإذا وصل إليها ، ونوى المقام عشرا ، أتم.

فإن خرج إلى عرفة ، يريد قضاء نسكه ، ولا يريد مقام عشرة أيام ، إذا رجع إلى مكة ، كان له القصر عند خروجه من مكة إلى عرفات ، لأنّه نقض مقامه ، بسفر بينه وبين بلدته ، يقصّر في مثله الصلاة.

وإن كان يريد إذا قضى نسكه ، مقام عشرة أيام بمكة ، أتم بمنى ، وعرفات ، ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا ، فيقصّر.

من نسي في السفر ، فصلّى صلاة مقيم ، لم يلزمه الإعادة ، إلا إذا كان الوقت باقيا على ما قدّمناه.

ومتى صلّى صلاة مقيم متعمدا ، أعاد ، على كل حال ، اللهم إلا ان لم يعلم وجوب التقصير ، فحينئذ يسقط عنه فرض الإعادة.

إذا قصّر المسافر مع الجهل بجواز التقصير ، بطلت صلاته ، لأنّه صلى صلاة يعتقد أنّها باطلة.

إذا سافر إلى بلد له طريقان ، فسلك الأبعد لغرض ، أو لا لغرض ، لزمه التقصير ، وإن كان الأقرب لا يجب فيه التقصير ، لأنّ ما دل على وجوب التقصير عام.

إذا كان قريبا من بلده وصار بحيث يغيب عنه أذان مصره ، فصلّى بنيّة التقصير ، فلمّا صلّى ركعة ، رعف ، فانصرف إلى أقرب بنيان البلد ، بحيث يسمع الأذان من مصره ، ليغسله ، بطلت صلاته ، لأنّ ذلك فعل كثير ، فإن صلّى في موضعه الآن ، تمّم ، لأنّه في وطنه ، وسامع لأذان مصره ، فإن لم يصلّ ، وخرج إلى السفر ، والوقت باق ، قصّر ، فإن فاتت الصلاة ، قضاها على التمام ، لأنّه فرّط في الصلاة ، وهو في وطنه.

٣٤٥

فإن دخل في طريقه بلدا يعزم فيه على المقام عشرا ، لزمه التمام ، فإن خرج منه ، وفارقه ، بحيث لا يسمع أذانه ، لزمه التقصير ، فإن عاد إليه لقضاء حاجة ، أو أخذ شي‌ء نسيه ، لم يلزمه التمام إذا أراد الصلاة فيه ، لأنّه لم يعد الى وطنه ، فكان هذا فرقا بين هذه المسألة والتي قبلها.

باب صلاة الخوف

وما يجري مجراها من حال المطاردة والمسايفة

واعلم أنّ الخوف إذا انفرد عن السفر ، لزم فيه التقصير في الصلاة ، مثل ما يلزم في السفر إذا انفرد ، على الصحيح من المذهب ، وقال بعض أصحابنا لا قصر إلا في حال السفر ، والأول عليه العمل والفتوى من الطائفة.

وصفة صلاة الخوف ، أن يفرّق الإمام أصحابه ، إذا كان العدو في خلاف جهة القبلة فرقتين ، فرقة يجعلها بإزاء العدو ، وفرقة خلفه ، ثم يكبّر ، ويصلّي بمن وراءه ركعة واحدة ، فإذا نهض إلى الثانية ، صلّوا لأنفسهم ركعة أخرى ، ونووا مفارقته ، والانفراد بصلاتهم ، وهو قائم يطوّل القراءة ، ثم جلسوا ، فتشهدوا (١) وسلّموا وانصرفوا ، فقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الفرقة الأخرى ، فلحقوه قائما في الثانية ، فاستفتحوا الصلاة ، وأنصتوا لقراءته ، إن كانت الصلاة جهرية ، فإذا ركع ، ركعوا بركوعه ، وسجدوا بسجوده ، فإذا جلس للتشهد ، قاموا فصلّوا ركعة أخرى ، وهو جالس ، ثم جلسوا معه ، فسلّم بهم ، وانصرفوا بتسليمه.

وقد روي أنّه إذا جلس الإمام للثانية تشهّد ، وسلّم ثم قام من خلفه ، فصلّوا الركعة الأخرى وصلّوا لأنفسهم ، وما ذكرناه أولا ، هو الأظهر في المذهب ، والصحيح من الأقوال (٢) فإن كانت الصلاة صلاة المغرب ، صلّى الإمام بالطائفة الأولى ركعة واحدة ، فإذا قام إلى الثانية ، أتمّ القوم الصلاة ركعتين ، يجلسون في الثانية

__________________

(١) في ط : فتشهدوا لأنفسهم

(٢) في ط وج : الأخرى لأنفسهم.

٣٤٦

والثالثة ، ثم يسلّمون ، وينصرفون إلى مقام أصحابهم ، بإزاء العدو ، والإمام منتصب مكانه ، وتأتي الطائفة الأخرى ، فتدخل في صلاة الإمام ، وليصلّي بهم ركعة ، ثم يجلس في الثانية ، فيجلسون بجلوسه ، ويقوم إلى الثالثة ، وهي لهم ثانية ، فيسبّح هو ، ويقرءون هم لأنفسهم ، هكذا ذكره السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في مصباحه والصحيح عند أصحابنا المصنّفين والإجماع حاصل عليه ، أنّه لا قراءة عليهم ، فإذا ركع ركعوا ، ثم يسجد ويسجدون ، ويجلس للتشهد ، فإذا جلس للتشهد ، قاموا فأتموا ما بقي عليهم ، فإذا جلسوا سلّم بهم.

ويجب على الفريقين معا أخذ السلاح ، سواء كان عليه نجاسة ، أو لم يكن ، لأنّه مما لا تتم الصلاة به منفردا ، وهو من الملابس ، وقد ذكر شيخنا في مبسوطة أنّ السيف إذا كان عليه نجاسة ، فلا بأس بالصلاة فيه ، وهو على الإنسان ، لأنّه مما لا تتم الصلاة فيه منفردا (١) وحقّق ذلك.

وإذا كانت الحال ، حال طراد وطعان ، وتزاحف ، وتواقف ، ولم يتمكن من الصلاة التي ذكرناها ، وصوّرناها ، وجبت الصلاة بالإيماء ، وينحني المصلّي ، لركوعه ، وسجوده ، ويزيد في الانحناء للسجود ، وكذلك القول في المواجه للسبع ، الذي يخاف وثبته ، ويجزيه أن يصلّي إلى حيث توجه ، إذا خاف من استقبال القبلة ، من وثبة السبع ، أو إيقاع العدو به.

فأمّا عند اشتباك الملحمة ، والتضارب بالسيوف ، والتعانق ، وتعذّر كل ما ذكرناه ، فإنّ الصلاة حينئذ ، تكون بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ، كما روي أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى ذريته فعل هو وأصحابه ، ليلة الهرير (٢) يقول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » فيكون

__________________

(١) المبسوط : كتاب صلاة الخوف.

(٢) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب ٤ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ، ح ٨.

٣٤٧

ذلك ، مكان كل ركعة.

وجملة الأمر وعقد الباب ، أنّ صلاة الخوف التي تكون جماعة بإمام ، ويفرّق الناس فرقتين ، على ما صورناه أولا ، تقصر سفرا وحضرا ، وما عداها من صلاة الخائفين الذين ليسوا بمجمعين (١) ، بل فرادى ، يقصّرون سفرا في الركعات والهيئات ، ويتمّون حضرا ، إذا لم يكونوا في المسافة ، بل يقصّرون في هيئات الصلاة دون أعدادها.

وأمّا السابح في لجة البحر ، ولا يتمكن من مفارقتها ، والموتحل الذي لا يقدر على استيفاء حدود الصلاة ، فيصلّي كل واحد منهما بالإيماء ، ويتحرى التوجه إلى القبلة بجهده ، وقد قدّمنا أنّ جميع صلاة الخائفين والمضطرين ، إذا كانوا غير مسافرين ، تمام في عدد الركعات الرباعيات ، وتقصير في الهيئات ، إذا كانوا حاضرين غير مسافرين ، ما عدا القسم الأول الذي (٢) يفرّقهم الإمام فرقتين ، فإن هؤلاء يقصّرون الصلاة في أعدادها ، وهيئاتها ، سفرا وحضرا للآية (٣) ، وباقي الأقسام ، يقصّرون هيئاتها ، دون عدد ركعاتها ، لأنّ الصلاة في الذمة بيقين ، فمن أسقط منها شيئا من جملة الركعات ، يحتاج إلى دليل ويقين في سقوطه عن ذمّته.

باب صلاة المريض والعريان وغير ذلك من المضطرين

الصلاة يختلف فرضها بحسب الطاقة ، فمن أطاق القيام ، تلزمه الصلاة حسب ما تلزم الصحيح ، ولا يسقط عنه فرضها ، إذا كان عقله ثابتا ، فإن تمكن من الصلاة قائما لزمه كذلك ، وإن لم يتمكن من القيام بنفسه ، وأمكنه أن يعتمد على حائط ، أو عصا ، أو عكّاز ، فليفعل ، وليصل قائما ، لا يجزيه غير ذلك ، فإن لم يتمكن من ذلك ، فليصلّ جالسا ، وليقرأ ، فإذا أراد الركوع ، قام ، فركع ،

__________________

(١) في ط وج : بمجتمعين

(٢) في ط وج : الذين

(٣) النساء : ١٠٢.

٣٤٨

فإذا لم يقدر على ذلك ، فليركع جالسا ، وليسجد مثل ذلك ، فإن لم يتمكن من السجود ، إذا صلّى جالسا ، جاز له أن يرفع خمرة « مضمومة الخاء المعجمة » وهي سجادة صغيرة من سعف النخل ، أو ما يجوز السجود عليه فيسجد عليه ، وإن لم يتمكن من الصلاة جالسا ، فليصلّ مضطجعا على جانبه الأيمن ، وليسجد ويكون على جنبه في هذه الحال ، كما يكون الميّت في قبره ، فإن لم يتمكن من السجود ، أومأ إيماء ، فإن لم يتمكن من الاضطجاع على جنبه الأيمن ، صلّى على جنبه الأيسر ، فإن لم يتمكن من الاضطجاع ، فليستلق على قفاه ، وليصلّ مؤميا ، يبدأ الصلاة بالتكبير ، ويقرأ ، فإذا أراد الركوع ، غمض عينيه ، فإذا أراد رفع رأسه من الركوع ، فتحهما ، فإذا أراد السجود ، غمضهما ، فإذا أراد رفع رأسه من السجود ، فتحهما ، فإذا أراد السجود ثانيا غمضهما ، فإذا أراد رفع رأسه ثانيا ، فتحهما ، وعلى هذا يكون صلاته.

والموتحل ، والغريق ، والسابح ، إذا دخل عليهم وقت الصلاة ، ولم يتمكنوا من موضع يصلّون فيه ، فليصلّوا إيماء ويكون ركوعهم وسجودهم بالإيماء ، على ما قدّمناه ، فيما مضى ، ويلزمهم في هذه الأحوال كلّها ، استقبال القبلة ، مع الإمكان ، فإن لم يمكنهم ، فليس عليهم شي‌ء.

وإذا كان المريض مسافرا ، ويكون راكبا ، جاز له أن يصلّي الفريضة على ظهر دابته ، ويسجد على ما يتمكن منه ، ويجزيه في النوافل أن يومئ إيماء ، وإن لم يسجد.

وحدّ المرض الذي يبيح الصلاة جالسا ، ما يعلمه الإنسان ، من حال نفسه ، أنّه لا يتمكن من الصلاة قائما ، وهو أبصر بشأنه ، قال الله تعالى ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (١) أي حجة.

والمريض من سلس البول على ضربين ، أحدهما أن يتراخى زمان الحدث

__________________

(١) القيامة : ١٤.

٣٤٩

منه ، فيتوضأ للدخول (١) في الصلاة ، فإذا بدره الحدث ، وهو فيها ، خرج عن مكانه ، من غير استدبار للقبلة ، ولا تعمّد لكلام ليس من الصلاة ، فتوضّأ وبنى على صلاته ، فإن كان الماء ، عن يمينه ، أو شماله أو بين يديه ، فهو أهون عليه في تجديد الوضوء ، والبناء على ما أسلفناه من الصلاة.

والضرب الآخر ، أن يبادره الحدث على التوالي ، من غير تراخ بين الأحوال فينبغي له أن يتوضأ ، عند دخوله إلى الصلاة ، ويستعمل خريطة ، يجعل فيها إحليله ، ويمضي في صلاته ، ولا يلتفت إلى الحادث المستديم ، على اتصال الأوقات ، فإذا فرغ من صلاته الأولى ، توضأ وضوء آخر ، للفريضة الثانية ، ولا يجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، لأنّه محدث في جميع أوقاته ، وانما لأجل الضرورة ، ساغ له أن يصلّي الفريضة مع الحدث.

ومن به سلس الثفل ، فحكمه حكم من به سلس البول ، وهو على ضربين ، كما بيناه ، فإن كان الحدث تتراخى أوقاته ، فعل كما رسمناه ، لمن به سلس البول ، على تراخي الأوقات ، وإن كان ما به تتوالى أوقاته ، ويحدث على الاتصال ، توضأ عند دخوله في الصلاة ، واشتدّ (٢) وجعل على الموضع تحت الشداد ، كرسفا ، وخرقا ، وأوثق المكان ، وعمل في ذلك ، بما شرحناه في حكم المستحاضة ، ومضت صلاته ، بحسب الإمكان ، إلا أنّه ليس ممّن يجب عليه الغسل ، بحسب ما أوجبناه على المستحاضة ، في الأوقات التي ذكرناها ، وبيّنا الحكم فيها على التفصيل والبيان ، لأنّ القياس عندنا باطل ، بغير خلاف ، وانّما يجب عليه ، بعد فراغه من الصلاة ، تطهير الموضع ، بعينه ، وما لقيته النجاسة من أعضائه ، وثيابه ، دون ما سواها ، من سائر جسده ، إذ لا طهارة عليه بما قدّمناه ، وانّما طهارته وضوء الصلاة ثانيا ، وازالة النجاسة عمّا لاقته من الأعضاء ، واللباس.

__________________

(١) في ط : لكل دخول

(٢) ج : شدّ.

٣٥٠

ومن كانت حاله بالبلوى (١) بالحدث ما ذكرناه ، من تواليه وعدم تمكنه من ضبطه ، فليخفّف الصلاة ، ولا يطلها ، وليقتصر فيها ، على أدنى ما يجزي المصلي عند الضرورة ، من قراءة القرآن ، والتسبيح ، والتشهد ، والدعاء ، ويجزيه إذا كانت حاله ما وصفناه ، أن يقرأ في الأولتين من فرضه ، فاتحة الكتاب خاصّة ، وفي الآخرتين بالتسبيح ، يسبح في كل ركعة منها أربع تسبيحات ، فإن لم يتمكن من قراءة فاتحة الكتاب ، سبّح في جميع الركعات ، فإن لم يتمكن من التسبيحات الأربع ، لتوالي الحدث منه ، فليقتصر على دون ذلك من التسبيح ، في العدد ، ويجزيه منه تسبيحة واحدة ، في قيامه ، ومثلها في ركوعه ، ومثلها في سجوده ، وفي التشهد ، ذكر الشهادتين خاصة ، والصلاة على محمّد وآله ، في التشهدين معا لا بدّ منه ، ويصلّي على أحوط ما يقدر عليه ، في بدار الحدث ، من جلوس ، أو اضطجاع ، وإن كان صلاته بالإيماء أحوط له في حفظ الحدث ، ومنعه من الخروج ، صلّى مؤميا ، على ما قدّمناه ، ويكون سجوده أخفض من ركوعه ، في الصلاة بالإيماء ، وإن كان الشد لموضع الحدث ، على ما أسلفنا القول بوصفه ، يضر بالإنسان ضررا يخاف معه الهلاك ، أو ما يعقبه الهلاك ، أو طول المرض ، لم يلزمه من ذلك ، واحتاط في حفظ لباسه منه ، وصلّى على ما يتمكن منه ، ويتهيأ له من الأفعال والهيئات التي يكون عليها في حال الصلاة ، ولم يلتفت إلى ما يخرج من حدثه ، إذا كانت صورته في الضرورة ما ذكرناه.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل خلافه : المستحاضة ، ومن به سلس البول ، يجب عليه تجديد الوضوء ، عند كلّ صلاة فريضة ، ولا يجوز لهما ، أن يجمعا بوضوء واحد ، بين صلاتي فرض (٢) وقال في مبسوطة : ولا يجوز للمستحاضة ، أن تجمع بين فرضين ، بوضوء واحد ، وأمّا من به سلس البول ،

__________________

(١) ج : في البلوى

(٢) الخلاف : كتاب الحيض ، مسألة ٢٨.

٣٥١

فيجوز له أن يصلّي بوضوء واحد ، صلوات كثيرة لأنّه لا دليل على تجديد الوضوء ، وحمله على الاستحاضة قياس ، لا نقول به ، وانّما يجب عليه أن يشد رأس الإحليل ، بقطن ، ويجعله في كيس ، أو خرقة ، ويحتاط في ذلك (١) وما قدّمناه ، تقتضيه أصول المذهب ، ودليل الاحتياط ، لأنّ من به سلس البول ، إذا فرغ من صلاته ، فقد انتقض وضوؤه ، فيجب عليه اعادة طهارته ، وليس ذلك قياسا كما ذكره ، وانما لو تقدّر منه ، أن يصلّي فرضين ، من غير أن يحدث بينهما ، ما ينقض الوضوء ، لجاز ذلك ، لأنّه لا مانع منه ، وكان يكون حمله على المستحاضة قياسا ، كما ذكره ، وما صوّرناه بخلاف ذلك.

ومن انكسر به المركب في البحر ، فاضطر إلى السباحة ، أو تكسرت به سفينته أو انقلبت في المياه ، وكان مشغولا بالسباحة ، لخلاص نفسه من الهلاك ، وحضرت الصلاة ، فليتوضأ ، وهو يسبح في الماء وضوء الصلاة ، ويخرج رجليه حال سباحته من الماء ليمسح على ظاهرهما في الفضاء ، وليصلّ بالإيماء ، وهو في سباحته ، ويتوجه إلى القبلة ، إن عرفها ، ويكون سجوده أخفض من ركوعه ، وكذلك حكم الحائض في الماء.

والموتحل ، إذا كان على طهارته بالماء ، وإن لم يجد ماء في الوحل ، فليتيمم من غبار ثوبه ان وجد فيه غبارا وإن لم يجد وضع يده على الوحل ، وضعا رفيقا ، ثم رفعهما ، ومسحهما ، حتى يذهب رطوبة الوحل ، من يده ، ثم أمرهما على وجهه ، حسب ما تقدّم من وصفه ، في باب التيمّم ، وصلّى بالإيماء.

وصلاة المقيّدين والممنوعين من حركة جوارحهم ، والمحبوسين في الأمكنة النجسة ، بالأغلال والرباط ، يصلّي كل واحد من هؤلاء ، بحسب إمكانه واستطاعته ، وتحرى القبلة في توجهه ، وركوعه ، وسجوده ، فإن كان ممنوعا عن

__________________

(١) المبسوط : كتاب الطهارة ، في أحوال المستحاضة ، ج ١ ، ص ٦٨ الطبع الحديث.

٣٥٢

القبلة ، بصرف وجهه إلى استدبارها ، سقطت عنه الصلاة إلى القبلة ، وكان عليه أن يصلّي إلى الجهة التي يقدر عليها.

فإن منع من الطهارة بالماء ، والتيمم للصلاة ، سقط عنه فرضها ، في تلك الحال ، ووجب عليه قضاؤها مع التمكن من الطهارة (١).

وقال شيخنا المفيد في رسالته إلى ولده ، كان عليه أن يذكر الله عز اسمه ، في أوقات الصلوات ، بمقدار صلاته من المفروضات ، وليس عليه قضاء الصلاة ، وكذلك حكم المحبوسين في الأمكنة النجسة ، إذا لم يجدوا ماء ، ولا ترابا طاهرا ، ذكروا الله تعالى ، بمقدار صلاتهم ، وليس عليهم قضاء إذا وجدوا المياه ، أو الأتربة الطاهرة.

والصحيح من قول أصحابنا ، أنّه يجب عليهم القضاء ، لقول الرسول عليه‌السلام : لا صلاة إلا بطهور (٢) فنفى أن تكون صلاة شرعية ، إلا بطهور.

فأمّا العريان ، إذا لم يكن معه ما يستر به عورتيه ، وكان وحده ، بحيث لا يرى أحد سوأته ، صلّى قائما ، وإن كان معه غيره ، أو كان بحيث لا يأمن من اطلاع غيره عليه ، صلّى جالسا ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في سائر كتبه وكذلك شيخنا المفيد.

وذهب السيد المرتضى في مصباحه إلى أنّ العريان الذي لا يجد ما يستر به عورته ، يجب أن يؤخّر الصلاة إلى آخر أوقاتها ، طمعا في وجدان ما يستتر به ، فإن لم يجده ، صلّى جالسا ، ويضع يده على فرجه ، ويومئ بالركوع والسجود إيماء ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن كانوا جماعة ، وأرادوا أن يجمعوا بالصلاة ، قام الإمام في وسطهم ، وصلّوا جلوسا ، على الصفة التي ذكرناها هذا

__________________

(١) في ط وج : الطهارة بالماء.

(٢) الوسائل : الباب ١ من أبواب الوضوء ، ح ١ ، وأيضا باب ١ من أبواب الوضوء ، ح ٢ من مستدرك الوسائل.

٣٥٣

آخر كلام السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه ، ولم يقسّم حال العريان بل أوجب عليه الصلاة جالسا ، في سائر حالاته.

وشيخانا قسما حاله إلى أنّه يجب عليه إذا أمن من اطلاع غيره عليه ، أن يصلّي قائما بالإيماء ، وإن لم يأمن من اطلاع غيره عليه ، يجب ان يصلّى جالسا بالإيماء.

واستدل شيخنا أبو جعفر على وجوب صلاة العريان قائما في مسائل خلافه ، فقال : دليلنا على وجوب الصلاة قائما طريقة الاحتياط ، فإنّه إذا صلّى كذلك برئت ذمته بيقين ، وإذا صلّى من جلوس لم تبرأ ذمّته بيقين ، قال : وأمّا إسقاط القيام بحيث قلناه ، فلإجماع الفرقة ، قال : وأيضا ستر العورة واجب ، فإذا لم يمكن ذلك إلا بالقعود ، وجب عليه ذلك (١) وهذا دليل منه رضي‌الله‌عنه غير واضح.

ولقائل أن يقول ، يمكن ستر العورة ، وهو قائم ، بأن يجعل يديه على سوأتيه ، فإن كان على القعود إجماع كما ذكره ، وإلا فدليله على وجوب القيام ، قاض عليه ، في هذه المسألة التي أوجب عليه فيها القعود.

وقال في مسائل خلافه في الجزء الأوّل في كتاب الجماعة : مسألة : يجوز للقاعد أن يأتم بالمومي ، ويجوز للمكتسي أن يأتم بالعريان (٢).

قال محمّد بن إدريس : إن أراد شيخنا بالعريان ، الجالس ، فهذا لا يجوز بالإجماع ، أن يأتم قائم بقاعد ، فلم يبق إلا أنّه أراد بالعريان القائم ، يكون إماما للمكتسي القائم أيضا ، فإذا كان كذلك ، فعنده ، العريان الذي لا يأمن من اطلاع غيره عليه ، لا يجوز أن يصلّي إلا جالسا ، وهذا معه غيره ، فكيف يصلّي قائما ، وهذا رجوع عما ذهب إليه في نهايته (٣) ، من قسمة للعريان ، ولا أرى بصلاة المكتسي القائم خلف العريان القائم ، بأسا ، إذ لا دليل على بطلانها ، من

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصلاة ، المسألة ١٥١ من مسائل ستر العورة.

(٢) الخلاف : كتاب الصلاة ، مسألة ٥ من صلاة الجماعة.

(٣) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الجماعة وأحكامها تعرض للمسألة في آخر الباب.

٣٥٤

كتاب ولا سنة ، ولا إجماع ، على ما ذهب إليه في مسائل خلافه.

فامّا أخبار أصحابنا فقد اختلفت في ذلك ، وليس فيها ما يقطع العذر بالتخصيص ، وليس للمسألة دليل ، سوى الإجماع ، فإنّ أصحابنا في كتبهم ، يقسمون حال العريان ، بغير خلاف بينهم.

فأمّا إذا صلوا جماعة عراة ، فلا خلاف ولا قسمة بين أصحابنا في حالهم ، بل الإجماع منعقد على أنّ صلاة جماعتهم ، من جلوس ، إلا أنّ شيخنا أبا جعفر الطوسي رحمه‌الله يذهب إلى أنّ صلاة الإمام بالإيماء ، ومن خلفه من العراة بركوع ، وسجود ، وباقي أصحابنا مثل السيد المرتضى ، وشيخنا المفيد ، وغيرهما ، يذهبون إلى أنّ صلاة المأمومين بالإيماء ، مثل صلاة الإمام ، وهو الصحيح ، لأنّ عليه الإجماع ، لأنّه لا خلاف بينهم ، في أنّ العريان يصلّي بالإيماء ، على سائر حالاته ، ويسقط عنه الركوع والسجود.

واختلف قول أصحابنا ، في صلوات أصحاب الأعذار ، فقال بعضهم : الواجب على العريان ومن في حكمه ، من أصحاب الضرورات ، تأخير الصلاة إلى آخر أوقاتها ، وقال الأكثر منهم : الواجب عليهم ، الإتيان بها ، مثل من عداهم ، إن شاءوا في أوائل أوقاتها ، وإن شاءوا في أواخرها ، إلا المتيمم فحسب ، للإجماع على ذلك ، وما عداه داخل تحت عمومات الأوامر ، وهذا الذي يقتضيه أصول المذهب وبه افتي وأعمل ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله ، واختياره ، والأول مذهب السيّد المرتضى ، وسلار رحمهما‌الله.

باب الصّلاة على الأموات

هذه الصلاة : فرض على الكفاية ، إذا قام بها البعض ، سقط عن الباقين ، وليس فيها قراءة ، ولا ركوع ، ولا سجود ، ولا تسليم ، وانّما هي تكبيرات ، واستغفار ، ودعاء.

٣٥٥

وعدد التكبيرات خمس ، يرفع اليد ، في الأولى منهن ، ولا يرفع اليد في التكبيرات الباقيات ، وهذه أشهر الروايات (١) وهو مذهب السيد المرتضى ، وشيخنا المفيد ، وشيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٢) ، وذهب في استبصاره (٣) إلى أنّ الأفضل ، رفع اليدين في جميع التكبيرات الخمس ، والصحيح ما قدّمناه ، لأنّ الإجماع عليه.

وموضع الدعاء للميت أو عليه ، بعد التكبيرة الرابعة ، فإذا كبّر الخامسة ، خرج من الصلاة بغير تسليم ، وهو يقول : اللهم عفوك عفوك.

ويستحب للإمام أن يقيم مكانه حتى ترفع الجنازة.

ولا يجب هذه الصلاة ، إلا على من وجبت عليه الصلاة ، وكان مكلّفا بها ، أو كان غيره أمر بتكليفه ، إيّاها ، تمرينا له ، دون الأطفال الذين لم يبلغوا ست سنين ، ومن بلغ من الأطفال ست سنين ، وجبت الصلاة عليه ، ومن نقص عن ذلك الحد ، لا تجب الصلاة عليه ، بل تستحبّ الصلاة عليه ، إلا أن يكون هناك تقية.

ولا تجب الصلاة الا على المعتقدين للحق ، أو من كان بحكمهم من أطفالهم ، الذين بلغوا ست سنين ، على ما قدّمناه ، ومن المستضعفين ، وقال بعض أصحابنا : تجب الصلاة على أهل القبلة ، ومن يشهد الشهادتين ، والأول مذهب شيخنا المفيد ، والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله والأول الأظهر في المذهب ، ويعضده القرآن ، وهو قوله تعالى : ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ ) (٤) يعني الكفار ، والمخالف للحق كافر ، بلا خلاف بيننا.

وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه : مسألة : ولد الزنا ، يغسّل ويصلّى

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢ من أبواب صلاة الجنازة ، وباب ٢ من أبواب صلاة الجنازة من مستدرك الوسائل.

(٢) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة على الموتى.

(٣) الاستبصار : باب ٢١ من أبواب الصلاة على الأموات

(٤) التوبة : ٨٤.

٣٥٦

عليه ، ثم قال : دليلنا إجماع الفرقة ، وعموم الأخبار (١) التي وردت بالأمر بالصلاة على الأموات ، وأيضا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّوا على من قال لا إله إلا الله (٢) هذا آخر المسألة (٣).

ثم قال في مسائل خلافه ، أيضا : مسألة : إذا قتل أهل العدل رجلا من أهل البغي ، فإنّه لا يغسل ، ولا يصلّى عليه ، ثمّ استدل فقال : دليلنا على ذلك ، أنّه قد ثبت أنّه كافر بأدلّة ، ليس هذا موضع ذكرها ، ولا يصلّى على كافر ، بلا خلاف (٤) هذا آخر المسألة قال محمّد بن إدريس : لا استجمل لشيخنا ، هذا التناقض في استدلاله ، يقول في قتيل أهل البغي ، لا يصلّى عليه ، لأنّه قد ثبت كفره بالأدلة ، وولد الزنا لا خلاف بيننا ، أنّه قد ثبت كفره بالأدلة أيضا بلا خلاف ، فكيف يضع هاتين المسألتين ، ويستدل بهذين الدليلين ، وما المعصوم إلا من عصمه الله تعالى ، فأمّا الشهادتان ، فهذا يفعلهما ، وهذا أيضا يفعلهما ، وهذه المسألة الأخيرة ، بعد المسألة الأولى ، ما بينهما ، إلا مسألة واحدة فحسب ، وهذا منه رحمه‌الله إغفال في التصنيف.

وتجوز الصلاة ، على الأموات بغير طهارة ، والطهارة أفضل ، ويصلّى على الميت ، في كل وقت من ليل ، أو نهار.

وأولى الناس بالصلاة على الميت ، الولي ، أو من يقدّمه الولي ، فإن حضر الإمام العادل ، كان أولى بالتقدّم ، ويجب على الولي تقديمه ، ولا يجوز لأحد التقدّم عليه ، فإن لم يحضر الإمام العادل ، وحضر رجل من بني هاشم ، معتقد

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب صلاة الجنازة ، وباب ٢٩ من أبواب صلاة الجنازة من مستدرك الوسائل.

(٢) الخلاف : كتاب أحكام الأموات ، مسألة ٥٧ و ٥٩.

(٣) الخلاف : كتاب أحكام الأموات ، مسألة ٥٧ و ٥٩.

(٤) الخلاف : كتاب أحكام الأموات ، مسألة ٥٧ و ٥٩.

٣٥٧

للحق استحب للولي أن يقدّمه ، فإن لم يفعل ، لم يجز له أن يتقدم ، فإن حضر جماعة من الأولياء ، كان الأب أولى بالتقدم ، ثمّ الولد ، ثمّ ولد الولد ، ثم الجدّ من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأب والام ، ثمّ الأخ من قبل الأب ، ثمّ الأخ من قبل الام ، ثمّ العم ، ثمّ الخال ، ثمّ ابن العم ، ثمّ ابن الخال.

وجملته ، انّ من كان أولى بميراثه ، كان أولى بالصلاة عليه ، لقوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (١) وذلك عام.

وإذا اجتمع جماعة في درجة ، قدّم الأقرأ ، ثم الأفقه ، ثم الأسن ، لقوله عليه‌السلام : « يؤمكم أقرأكم » الخبر (٢). فإن تساووا في جميع الصفات ، أقرع بينهم.

والولي الحر ، أولى من المملوك في الصلاة على الميت ، وكذلك الذكر ، أولى من الأنثى ، إذا كان ممن يعقل (٣) الصلاة.

ويجوز للنساء أن يصلّين على الجنازة ، مع عدم الرجال وحدهن ، إن شئن فرادى ، وإن شئن جماعة ، فإن صلّين جماعة ، وقفت الإمامة وسطهن ، المعمول به من وقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وقتنا هذا ، في الصلاة على الجنازة ، أن تصلّي جماعة ، فان صلّى فرادى جاز ، كما صلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الأوقات المكروهة للنوافل يجوز أن يصلّى فيها على الجنازة.

لا بأس بالصلاة والدفن ليلا ، وإن فعل بالنهار كان أفضل ، إلا أن يخاف على الميّت.

إذا اجتمع جنازة رجل ، وامرأة ، وخنثى ، ومملوك ، وصبي ، فإن كان للصبي دون ست سنين ، قدّم أولا إلى القبلة ، ثم المرأة ، ثم الخنثى ، ثم المملوك ،

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، والأحزاب : ٦.

(٢) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب ١٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣

(٣) ج : يعتقد.

٣٥٨

ثم الرجل ، فإن كان للصبي ست سنين فصاعدا ، جعل مما يلي الرجل ، وصلّي عليهم على الترتيب الذي قدّمناه ، وإن صلّي عليهم فرادى ، كان أفضل.

يسقط فرض الصلاة على الميت ، إذا صلّى عليه واحد.

والزوج ، أحق بالصلاة على المرأة ، من جميع أوليائها.

فإذا أراد الصلاة ، وكانوا جماعة ، تقدّم الإمام ، ووقفوا خلفه صفوفا ، فإن كان فيهم نساء ، وقفن آخر الصفوف ، وإن كان فيهن حائض ، وقفت وحدها في صف ، بارزة عنهم وعنهن.

وإن كانوا نفسين ، تقدّم واحد ، ووقف الآخر خلفه ، بخلاف صلاة ذات الركوع ، في الجماعات ، ولا يقف على يمينه.

فإن كان الميت رجلا ، وقف الإمام في وسط الجنازة ، وإن كان امرأة وقف عند صدرها.

وينبغي أن يكون بين الإمام ، وبين الجنازة شي‌ء يسير ، ولا يبعد عنها.

ويتحفى عند الصلاة عليه ، إن كان عليه نعلان ، فإن لم يكن عليه نعل ، أو كان عليه خفّ ، صلّى عليه كذلك ولا ينزعه.

وكيفية الصلاة عليه ، أن يرفع يديه بالتكبير ، على ما قدّمناه ، ويكبر تكبيرة ، ويشهد أن لا إله إلا الله ، ثم يكبر تكبيرة أخرى ، ولا يرفع يديه بها ، على ما أسلفنا القول فيه ، ويصلّي على النبي وآله صلوات الله عليهم ثمّ يكبر الثالثة ، ويدعو للمؤمنين ، ثم يكبر الرابعة ، ويدعو للميت إن كان مؤمنا ، وعليه إن كان مخالفا لاعتقاد الحق ، ويلعنه ويبرأ منه ، وإن كان مستضعفا قال : ربنا اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا ) إلى آخر الآية ، فإن كان لا يعرف مذهبه ، (١) يسأل الله تعالى ، أن يحشره مع من كان يتولاه ، وإن كان طفلا سأله أن يجعله له ولأبويه فرطا ، بفتح الفاء والراء ، والفرط في لغة العرب ، هو المتقدّم على القوم ، ليصلح لهم ما يحتاجون إليه ، والدليل على ذلك قول الرسول صلوات الله عليه أنا فرطكم على

__________________

(١) في وج : يسأل.

٣٥٩

الحوض (١) ثم يكبر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه ، إن كان إماما ، حتى ترفع الجنازة ، ويراها على أيدي الرجال.

ومن فاته شي‌ء من التكبيرات ، أتمّها عند فراغ الإمام متتابعة ، فإن رفعت الجنازة ، كبر عليها وإن كانت مرفوعة ، وإن بلغت إلى القبر ، كبّر على القبر ، إن شاء.

الأفضل ان لا يرفع يديه ، فيما عدا الأولة من التكبيرات الخمس ، على ما بيناه.

وإن كبر تكبيرة قبل الإمام ، أعادها مع الإمام.

ومن فاتته الصلاة على الجنازة ، جاز أن يصلّي على القبر ، بعد الدفن يوما وليلة ، وقال بعض أصحابنا ثلاثة أيام ، والأول هو الأظهر بين الطائفة.

ولا يجوز الصلاة على غائب مات في بلد آخر ، لأنّه لا دليل عليه ، فإن اعترض معترض ، بصلاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على النجاشي ، وقد مات ببلاد الحبشة ، فإنّما دعا له والصلاة تسمى دعاء في أصل الوضع.

ويكره أن يصلّى على جنازة واحدة دفعتين جماعة ، فأمّا فرادى فلا بأس بذلك.

وإذا دخل وقت الصلاة وقد حضرت جنازة ، ولم يتضيّق وقت الصلاة الحاضرة ، ولم يخش على الجنازة حدوث حادث ، فالبدأة بالصلاة أفضل ، وتؤخر الصلاة على الجنازة ، فإن خيف حدوث الحادث بالجنازة ، فالبدأة بالصلاة على الجنازة هو الأفضل والأولى ، وإن كان وقت الحاضرة قد ضاق ، فالبدأة بالحاضرة هو الواجب الذي لا يجوز العدول عنه إلى ما سواه.

وأفضل ما يصلّى على الجنائز ، في مواضعها الموسومة بذلك.

__________________

(١) سفينة البحار في لغة فرط.

٣٦٠