كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

يفتقر إليه في ستر عورته ، ولا يتسع ذلك الماء لغيره ، وأحدث حدثا يوجب الغسل أو الوضوء ، وجب أن يستعمل ذلك الماء في إزالة النجاسة ، ويتيمم للحدث.

ومن أجنب ومعه من الماء ما لا يكفيه لغسل جميع أعضائه ، وجب أن يتيمم.

فإن أحدث بعد ذلك حدثا يوجب الوضوء ، فالصحيح من المذهب والأظهر من الأقوال ، انّه يعيد تيممه ضربتين ، لأنّ حدثه الأول باق ، ما ارتفع ، والدليل على ذلك انّه إذا وجد الماء اغتسل ، فلو كان حدثه الأكبر قد ارتفع بتيممه ، ما وجب عليه الغسل إذا وجد الماء.

وقال السيد المرتضى رحمه‌الله : يستعمل ذلك الماء إن كفاه للوضوء ، ولا يجوز له التيمم عند حدثه ما يوجب الطهارة الصغرى وقد وجد من الماء ما يكفيه لها ، فيجب عليه استعماله ولا يجزيه تيممه ، والأول أبين وأوضح.

ومن لم يجد الماء إلا بثمن وافر ، زائد الغلاء ، خارج عن العادة ، وكان واجدا للثمن ، بذله فيه ، ولم يجزيه التيمم إلا ان يبلغ ثمنه مقدارا يضرّ به في الحال.

وليس على جميع من صلّى بتيمم إعادة شي‌ء من صلاته إذا وجد الماء ، من مريض أو مسافر ، أو خائف على نفسه ، من برد ، وغير ذلك.

وقد روي (١) انّه إذا كان غسله من جنابة تعمدها ، وجب عليه الغسل ، وإن لحقه البرد ، إلا أن يبلغ ذلك حدّا يخاف على نفسه التلف ، فإنّه يجب عليه حينئذ التيمم والصّلاة ، فإذا زال الخوف ، وجب عليه الغسل ، واعادة تلك الصّلاة.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الطهارة الباب ١٧ من أبواب التيمم.

١٤١

وقد روي (١) انّ المتيمم إذا أحدث في الصّلاة حدثا ينقض الطهارة ناسيا ، وجب عليه الطهارة ، والبناء على ما انتهى إليه من الصّلاة ، ما لم يستدبر القبلة ، أو يتكلّم بما يفسد الصّلاة ، وإن كان حدثه متعمّدا ، وجب عليه الطهارة واستيناف الصّلاة ، والصحيح ترك العمل بهذه الرواية ، لأنّه لا خلاف بين الطهارتين ، وإن التروك الواجبة متى كانت من نواقض الطهارة فإنّ الصلاة تفسد ، ويجب استينافها ، سواء كان عن عمد أو سهو أو نسيان.

وانّما ورد هذا الخبر فأوّله بعض أصحابنا في كتاب له فقال : أخصّه بصلاة المتيمم ، والصحيح انّه لا فرق بينهما ، إذ قد بيّنا انّه لا يلتفت إلى أخبار الآحاد ، بل الاعتماد على المتواتر من الأخبار.

ويكره أن يؤم المتيمم المتوضئين ، على الصحيح من المذهب ، وبعض أصحابنا يذهب إلى أنه لا يجوز.

وقد روي (٢) انّه إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء مقدار ما يكفي أحدهم فليغتسل به الجنب ، وليتيمم المحدث ، ويدفن الميت بعد أن يؤمّم حسب ما قدّمناه.

والصحيح انّ هذا الماء إن كان مملوكا لأحدهم فهو أحقّ به ، ولا يجب عليه إعطاؤه لغيره ، ولا يجوز لغيره أخذه منه بغير إذنه ، فإن كان موجودا مباحا ، فكل من حازه فهو له ، فإن تعين عليهما تغسيل الميت ، ولم يتعين عليهما أداء الصّلاة لخوف فواتها وضيق وقتها ، فعليهما أن يغسلاه بالماء الموجود ، فإن خافا فوت الصّلاة ، فإنهما يستعملان الماء ، فإن أمكن جمعه ولم تخالطه نجاسة ، عينية فيغسلانه به على ما بيّناه من قبل ، في أنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى يجوز استعماله كاستعمال الماء المستعمل في الطهارة الصغرى على الصحيح من المذهب.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة الباب ١ من أبواب القواطع ، ح ١٠ ، وأورد صدره في باب ٢١ من أبواب التيمم ، ح ٤.

(٢) الوسائل : كتاب الطهارة ، باب ١٨ من أبواب تيمم ، ح ١.

١٤٢

باب أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس

الحيض والمحيض عبارتان عن معنى واحد ، وهو الدم الأسود الخارج بحرارة ودفع ، في أغلب الأوقات والأحوال في زمان مخصوص من شخص مخصوص ، فهذا الحد أسلم من حدّ من قال : إنّ الحائض هي التي ترى الدم الأسود الحار الذي له دفع ، وبهذه الصفات يتميز من دم الاستحاضة ، والعذرة والقرح وغيرها ، وهذا لا يصح ، لأنّها لو رأت الدم بهذه الصفات في أقل من ثلاثة أيّام لم يكن حيضا بالإجماع ، وكذلك لو رأته المرأة بعد العشرة أيام بهذه الصفات لم يكن حيضا ، وإن شئت قلت : هو الدم الذي له تعلّق بانقضاء العدة على وجه ، إمّا بظهوره أو بانقطاعه ، فقولنا بظهوره المراد به انّها إذا رأت المطلقة الدم الثالث أول قطرة منه بانت على الصحيح من الأقوال ، هذا إذا كان لها عادة مستقيمة ، ورأته فيها ، لأنّ العادة والغالب كالمتيقن في حكم الشرعيات ، فأمّا إذا لم يكن لها عادة مستقيمة ، فلا تخرج من العدة برؤية القطرة من الدم الثالث ، إلا بعد اليقين بأن ذلك الدم دم حيض ، وهو أن يتوالى ثلاثة أيام متتابعة ، لأنّها في العدة بيقين ، ولا يجوز أن يخرج من اليقين إلا بيقين مثله ، ولا يقين لها إذا رأت القطرة ، إلا إذا دام ثلاثة أيام ، إلا أن تراه في أيّام عادتها المستقيمة ، فيحكم بأنّه حيض ، لما قدّمناه من أنّ العادة والأغلب كالمتيقن الحاصل ، فليلحظ هذا الموضع ، وليتأمل.

وبعض أصحابنا قال : إن كان طلاقها في أول طهرها بانت بذلك ، وإن كان طلاقها في آخر طهرها فلا تخرج من العدة إلا بعد انقطاعه واستيفاء أيامه ، فهذا معنى قولهم بظهوره أو بانقطاعه على هذا القول والمذهب ، وهو مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد النعمان رحمه‌الله.

والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله وهو انّها تخرج من

١٤٣

العدة برؤية القطرة من الدم الثالث ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك وحققناه ، وهو انها إن كانت لها عادة مستقيمة مستمرة ، فمذهب شيخنا أبي جعفر وقوله صحيح ، وإن لم يكن لها عادة مستمرة فلا تخرج من العدة ، إلا بعد استيفاء ثلاثة أيام متتابعات ، لأنها في العدة بيقين ، فلا تخرج من اليقين إلا بيقين مثله ، فهذا تحرير القولين.

وإذا رأت المرأة دم الحيض ، تعلّق بها عشرون حكما ، لا يجب عليها الصّلاة ، ولا يجوز منها فعل الصلاة ، ولا يصح منها الصّوم ، ويحرم عليها دخول المساجد إلا عابر سبيل ، إلا المسجدين ، ولا يصح منها الاعتكاف ، ولا يصحّ منها الطواف ، ويحرم عليها قراءة العزائم ، ويحرم عليها مس كتابة القرآن ، ويحرم على زوجها وطؤها ، ويجب عليه إذا وطأها متعمدا الكفارة ، إن كان في أوله فدينار ، وإن كان في وسطه فنصف دينار ، وإن كان في آخره فربع دينار ، ويجب عليه التعزير.

وهل الكفارة واجبة أو مندوبة؟ لأصحابنا فيه قولان ، الأظهر من المذهب انّها على الوجوب ، والآخر أنّها على الندب ، فالسيد المرتضى رحمه‌الله وجماعة من أصحابنا مذهبهم الأول ، والشيخ أبو جعفر موافق لهذا القول في جمله وعقوده (١) ، وذكر في نهايته (٢) انّها على الندب والاستحباب ، فقوله في جمله وعقوده هو فتواه ، وما ذكره في نهايته عذره فيه قد أوضحناه.

فإذا كرر الوطء فالأظهر أنّ عليه تكرار الكفارة ، لأنّ عموم الأخبار يقتضي أنّ عليه بكلّ دفعة كفارة ، والأقوى عندي والأصح أن لا تكرار في الكفارة ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، وشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دلالة شرعية ، فأمّا العموم فلا يصح التعلّق به في مثل هذه المواضع ، لأنّ هذه أسماء

__________________

(١) الجمل والعقود : في ذكر الحيض والاستحاضة والنفاس ، رقم ١٠ و ١١ من واجباته.

(٢) النهاية : كتاب الطهارة ، باب حكم الحيض والمستحاضة والنفساء.

١٤٤

الأجناس والمصادر ، ألا ترى انّ من أكل في نهار شهر رمضان متعمدا ، وكرّر الأكل ، لا يجب عليه تكرار الكفارة بلا خلاف.

ويجب عليها ، الاغتسال عند نقائها من حيضها ، ولا يصح طلاقها إذا كانت مدخولا بها وغير غائب عنها زوجها غيبة مخصوصة ، وبعض أصحابنا يطلق هذا الموضع ويقول : ولا يصح طلاقها ، وهذا لا بدّ من تقييده بما قيّدناه ، وإلا فالحائض التي غير مدخول بها والغائب عنها غيبة مخصوصة ، يصح طلاقها بغير خلاف ، ولا بدّ من التقيّد.

ولا يصح منها الغسل ولا الوضوء على وجه يرفعان الحدث ويصح منها الغسل والوضوء على وجه لا يرفع بهما الحدث مثل غسل الإحرام والجمعة والعيدين ، ووضوئها لجلوسها في محرابها لتذكر الله تعالى بمقدار زمان صلاتها ، وهما غسل ووضوء مأمور بهما شرعيان ، فهذا معنى قولنا : على وجه يرفعان الحدث.

ولا يجب عليها قضاء الصلاة بإجماع المسلمين ، ويجب عليها قضاء الصوم بالإجماع أيضا.

ويكره لها قراءة ما عدا العزائم ، ومس ما عدا المكتوب من المصحف وحمله ، ويكره لها الخضاب.

ومتى رأت المرأة الدم لدون تسع سنين ، لم يكن ذلك دم حيض.

وتيأس المرأة من الحيض إذا بلغت خمسين سنة مع تغيّر عادتها ، فمتى رأت بعد ذلك كان دم استحاضة.

وأقل أيّام الحيض ثلاثة أيّام متتابعات ، وأكثره عشرة أيام ، لا خلاف بين أصحابنا في هذين الحدين والمقدارين ، بل اختلفوا في كيفية الأقل ، فمنهم من قال : تكون الثلاثة متوالية ، ومنهم من قال : سواء كانت متتابعة أو متفرقة إذا كانت في جملة العشرة ، والقول الأول هو الأظهر ، لأن الأصل بعد تكليفها الصوم والصلاة ، فمن ادّعى سقوط تكليفها بالصوم والصلاة ، يحتاج إلى دليل ،

١٤٥

وهذا الذي ذكره صاحب الجمل والعقود في جمله (١) ، وذكر في نهايته (٢) القول الآخر ، وقد بيّنا عذره في مثل ذلك ، لأنّ كتابه ـ أعني نهايته ـ كتاب خبر ، لا كتاب بحث ونظر.

فان اشتبه دم الحيض بدم العذرة في زمان الحيض ، فلتدخل المرأة قطنة ، فإن خرجت منغمسة بالدم ، فذاك دم حيض ، وإن خرجت متطوقة بالدم فذاك دم عذرة.

فإن اشتبه عليها دم الحيض بدم القرح في أيّام الحيض فلتدخل إصبعها ، فإن كان الدم خارجا من الجانب الأيمن فهو دم قرح ، وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض.

والصفرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيّام الطهر طهر.

فإن كانت المرأة مبتدأة في الحيض ، فأيّ دم رأته مع دوامه ثلاثة أيام متتابعات على أيّ صفة كان فهو دم حيض ، فإن رأته إلى تمام العشرة الأيّام فالجميع حيض.

وان تجاوز العشرة فلها أربعة أحوال :

أحدها : أن يتميّز لها بالصفة فلتعمل على التميز.

والثاني : أن لا يتميّز لها وجاء الدم لونا واحدا ، فلترجع إلى عادة نسائها من أهلها.

والثالث : لا يكون لها نساء من أهلها ، فلترجع إلى من هو من أبناء سنّها ، فلتعمل على عادتهن.

الرابع : لا يكون لها نساء من أبناء سنّها ، فعند هذه الحال اختلف قول

__________________

(١) الجمل والعقود : في ذكر الحيض والاستحاضة والنفاس.

(٢) النهاية : باب حكم الحيض والمستحاضة والنفساء.

١٤٦

أصحابنا فيها على ستة أقوال :

منهم من قال تترك الصّلاة والصّوم في الشهر الأول أقل أيام الحيض وفي الشهر الثاني أكثر أيام الحيض ، وتصوم وتصلّي باقي أيام الشهرين.

ومنهم من يعكس هذا.

ومنهم من يقول بترك الصّلاة والصّوم في كلّ شهر سبعة أيّام في أوائل كل شهر ، وتصلي وتصوم باقي أيام الشهرين.

ومنهم من يقول ستة أيام فحسب.

ومنهم من يقول بترك الصّلاة والصّوم في كلّ شهر ثلاثة أيّام فحسب ، وتصلي وتصوم باقي الأيام.

ومنهم من يقول تعدد عشرات ، عشرة حيض ، وعشرة طهر ، هذا مع استمراره ودوامه ، ثم لا يزال هذا دأبها إلى أن تستقرّ لها عادة ، بأن يتوالى عليها شهران متتابعان ترى الدم في كلّ شهر منهما أياما سواء في أوقات سواء ، مثاله أن ترى الدم في الشهر الأول بعد الهلال خمسة أيام ، ثم ينقطع تمام الشهر ، ثم يهل الشهر الثاني ، فتراه في أوله بلا فصل خمسة أيّام ، فهذا معنى قولنا اعداد وأوقات سواء.

فإن رأته في النصف الثاني خمسة أيام ، لم يكن ذلك عادة ، لأنّها ما رأت الخمسة في أوقات الخمسة في الشهر الأول فتجعل ذلك عادتها.

فأمّا غير المبتدأة وهي التي تكون لها عادة ، فلتلتزم عادتها إذا تجاوز دمها العشر ، فأمّا إذا لم يتجاوز دمها العشر ، فأيّ دم رأته بعد عادتها وقبل تجاوز العشر فهو دم حيض ، لقولهم عليهم‌السلام : الكدرة والصفرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر (١) يعنون بأيام الحيض العشرة الأيام التي هي حدّ الأكثر.

فإن قيل : فيبطل قول (٢) الأئمة عليهم‌السلام : ترجع إلى العادة ، أو تمسك

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤ و ٥ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل : الباب ٤ و ٥ من أبواب الحيض.

١٤٧

عادتها ، أو ترجع الى عادتها ، على اختلاف الألفاظ.

قلنا : ذلك إذا تجاوز الدم العادة والعشرة الأيام ، فحينئذ ترجع إلى عادتها ، وتجعل ما جاوز العادة والعشرة استحاضة ، فأمّا إذا تجاوز الدم العادة ولم يتجاوز العشرة الأيام التي هي أكثر أيام الحيض ، فلا ترجع إلى العادة ، بل يكون جميع ذلك وجميع تلك الأيام حيضا ، لقولهم عليهم‌السلام : الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر ، وهذه أيام الحيض فقد عملنا بالقولين ، ولم نتعد النصّين ، ولا مناقضة بين ذلك ، فليتأمّل ، وليلحظ ما قلناه ، فكثيرا يشتبه هذا على الفقهاء.

فإذا تقرر هذا ، فمتى اتصل الدم بالعادة وتجاوز العشرة الأيام فإنها تمسك العادة ، تجعل ما عداها استحاضة ، سواء تقدم العادة واتصل بها ، أو تأخر عنها متصلا بها وجاوز العشرة ، لما أصلناه وقررناه من قولهم عليهم‌السلام المجمع عليه : ترجع إلى عادتها ، وتمسك عادتها. فعلى هذا التحرير : إذا رأت خمسة أيام دما قبل عادتها ، وخمسة أيّام في عادتها ، وكانت عادتها خمسة أيّام وخمسة أيام بعد عادتها ، فالواجب عليها الرّجوع إلى العادة ، والتمسّك بها ، وتكون الخمسة الأوّلة والخمسة الأخيرة استحاضة ، وكذلك إذا رأت عشرة قبلها ، واتصل بها ، فإنّها تلزم عادتها ، وتكون العشرة استحاضة ، فكذلك إذا رأت خمسة أيام عادتها ، واتصل بها عشرة أيام بعد الخمسة ، فإنّها ترجع إلى عادتها ، وتمسك بها ، وتجعل العشرة استحاضة.

فامّا إذا لم يتصل بالعادة وكانت ثلاثة أيّام متتابعات بعد ان مضى لها أقل الطهر ، وهو عشرة أيّام نقاء فإنّه حيض ، لأنّه في أيام الحيض لقولهم عليهم‌السلام : الكدرة والصفرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر ، على ما حررناه وقرّرناه فليلحظ هذه الجملة ، فإنها إذا حصلت اطلع بها وأشرف على ما استوعب من دقائق هذا الكتاب.

فإن اضطربت عادتها ، وتغيّرت عن أوقاتها وأزمانها وصارت ناسية لهذا

١٤٨

ولهذا فإذا استمر بها الدم بعد العشرة الأيام ، فالواجب عليها اعتباره بالصّفات ، فإذا تميز لها فلترجع إليه ، وتعمل عليه ، وتكون لها بمنزلة العادة ، وقد قدمنا حكمها وبيّناه.

فإن اشتبه عليها الدم وجاء لونا واحدا ولم يتميز لها ، فهي في هذه الحال حكمها حكم المبتدأة في الحال الرابعة حرفا فحرفا ، وقد قدّمنا الأحكام والأقوال فيها ، والاختلاف مستوفى ، فهذا خلاصة فقه الحائض ودقائق أحكامها ، فإذا حصل فما بعده سهل يسير.

ومن لم تكن لها عادة ، ورأت الدم اليوم واليومين ، فلا يجوز لها ترك الصّلاة والصّيام ، لأنّها من تكليفها بالصّلاة والصّيام على يقين ، وهي في شك من الحيض في هذين اليومين ، فكيف يجوز لها أن تترك اليقين بالشك؟

وما يوجد في بعض الكتب من أنّ المرأة إذا رأت الدم اليوم أو اليومين تركت الصّلاة والصّيام ، فإن استمرّ بها الدم اليوم الثالث فذلك دم حيض وإن لم يستمرّ بها الدم قضت الصّلاة والصّيام ، وكذلك إذا انقطع الدّم عنها بعد تمام عادتها ، وقبل تجاوز العشرة يوجد في الكتب انّها تستظهر بيوم أو يومين في ترك الصّلاة والصّيام ، فأخبار آحاد لا يعرج عليها ، ولا يلتفت إليها ، بل الاستظهار لها في دينها وتكليفها وبراءة ذمّتها ، فعل الصّلاة والصيام إلى أن يتبين أنها غير مكلّفة بهما ، فحينئذ يجب عليها تركهما لما أصلناه من انّها لا تترك اليقين بالشك ، فليلحظ ذلك ويحقق ، إلا أن يكون لها عادة مستقيمة مستمرة ، فترى الدم في أوّلها يوما أو يومين ، فالواجب عليها عند رؤية الدم ترك الصّلاة والصّيام ، لأن العادة تجري مجرى اليقين ، وكذلك الأغلب يجري مجرى المعلوم ، فهذه بخلاف تلك في الحكم ، لما بيّناه ونبّهنا على دليله ومفارقته لحكم غيره ، أو ترى بعد العادة المستقيمة الصفرة أو الكدرة قبل خروج العشرة الأيام وبعد عادتها إذا كانت عادتها أقل من عشرة أيّام فحينئذ يجب عليها ترك الصلاة والصيام ، والاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة ، لأنّها بحكم الحائض إلا انّها ترى

١٤٩

النقاء وتترك الصّلاة على ما يظنه من لا بصيرة له ، وقد حقّق ذلك شيخنا في الاستبصار (١).

والحبلى الحامل المستبين حملها اختلف قول أصحابنا ، واختلفت أخبارهم ، فبعض منهم يقول انّها تحيض ، وحكمها حكمها قبل حملها ، ومنهم وهم الأكثرون المحصّلون يذهبون إلى أنّها لا ترى دم الحيض ولا تحيض ، وأيّ دم تراه فهو دم استحاضة أو فساد ، وهذا هو الصّحيح وبه افتي وأعمل.

والدليل على ذلك الحاسم للشغب انّه لا خلاف بين المخالف منهم في المسألة والمؤالف انّ إطلاق الحائض المدخول بها التي ما غاب زوجها عنها غيبة مخصوصة ، لا يقع ولا يجوز ، وانّه بدعة محظورة ، ولا تبين به ، ولا يقع جملة ، هذا إجماعهم عليه بغير خلاف ، ولا خلاف أيضا بين الفريقين بل الإجماع منعقد من أصحابنا جميعهم انّ طلاق الحامل يقع على كل حال ، سواء كانت وقت طلاقها عالمة بالدم ، متيقنة له ، أو لم تكن كذلك ، فلو كانت الحامل تحيض وترى دم الحيض ، لما جاز طلاقها في حال حيضها ، ولتناقضت الأدلة ، وبطل الإجماع من الفريقين وهذا أمر مرغوب عن المصير إليه والوقوف عليه.

وقد بيّنا انّه لا يجوز لزوجها مجامعتها في قبلها خاصة ، لموضع الدّم وله مجامعتها فيما دون ذلك من سائر بدنها دبرا كان أو غيره على الأصح والأظهر من المذهب ، وبعض أصحابنا يذهب إلى تحريم وطئها في دبرها كتحريم وطئها في قبلها ، وهو السيد المرتضى في مسائل خلافه ، والدليل على ما اخترناه قوله تعالى : « فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ » (٢) ولا يخلو المراد به اعتزلوا النساء في زمان الحيض ، أو في موضع الحيض الذي هو الدّم ، فإن كان الأول فهذا خلاف إجماع المسلمين ، فما بقي إلا القسم الآخر وانّما وردت أخبار (٣) بأن له منها ما

__________________

(١) الاستبصار : الباب ٩٠ باب الاستظهار للمستحاضة.

(٢) البقرة : ٢٢٢

(٣) الوسائل : الباب ٢٦ من أبواب الحيض.

١٥٠

فوق المئزر ، وذلك محمول على كراهية ما دون القبل.

فإذا انقطع عنها الدم فالأولى لزوجها أن لا يقربها بجماع في قبلها حتى تغتسل ، وليس ذلك عند أصحابنا بمحظور ، فإن كان شبقا وغلبته الشهوة ، فليأمرها بغسل فرجها ، وقد زالت عنه الكراهة سواء انقطع لأكثر الحيض ، أو لأقلّه ، لأنّ الله تعالى قال « وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ » (١) وهذه قد طهرت من وإذا أصبحت المرأة صائمة ثم حاضت ، فلتفطر أيّ وقت رأت الدّم ، ويستحب لها الإمساك تأديبا إذا رأت الدم بعد الزوال ، فأما إذا كانت حائضا ثم طهرت ، فالمستحب لها الإمساك تأديبا ، سواء كان طهرها قبل الزوال أو بعده.

فإذا أرادت الاغتسال ، فكيفية غسلها مثل غسل الجنابة سواء ، إلا انّها لا تستبيح الصّلاة بمجرّده ، على ما قدّمنا القول فيه وبيّناه ، فإذا كان اغتسالها في وقت صلاة ، وأرادت تقديم الوضوء على الغسل ، نوت بوضوئها استباحة الصلاة ، واجبا قربة إلى الله تعالى ، ولا تنوي رفع الحدث ، لأنّ حدثها الأكبر باق وهو الغسل ، وإن أرادت تأخير الوضوء عن الغسل ، نوت بغسلها رفع الحدث ، ونوت بوضوئها استباحة الصّلاة ، لأنّ حدثها قد ارتفع واجبا قربة إلى الله تعالى ، وإن كان غسلها في غير وقت صلاة ، وأرادت تقديم الوضوء على الغسل نوت بوضوئها استباحة الصلاة مندوبا ، قربة إلى الله تعالى ، ونوت أيضا بغسلها مندوبا ترفع به الحدث ، وإن كان غسلها قبل وضوئها نوت به رفع الحدث مندوبا قربة إلى الله تعالى ، ونوت بوضوئها بعده استباحة الصّلاة من غير أن ترفع به الحدث.

وإذا كانت المرأة جنبا فجاءها الحيض قبل أن تغتسل غسل الجنابة ، فتدع الغسل إلى أن تطهر من حيضها ، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للجنابة ، وقد أجزأها على ما قدّمناه في باب الجنابة وحررناه.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

١٥١

والمستحاضة هي التي ترى الدم بعد أكثر أيام الحيض ، وبعد أكثر أيام النفاس ، وبعد استبانة حملها ، على ما حققناه وأسلفنا القول فيه ، وبعد خمسين سنة ، وتغيير عادتها ، وبعد تجاوز دمها عادتها ، والعشرة الأيّام ، واستمراره على ما قدّمناه ، فيكون ما عدا العادة استحاضة وإن كان بعضها في العشرة الأيّام ، هذا مع استمراره وتجاوزه العادة والعشرة الأيام ففي جميع هذه الأحوال هي مستحاضة وكذلك إذا رأت الدم أقل من ثلاثة أيام ، فهي أيضا مستحاضة ، ومتى رأت هذا الدم وجب عليها أن تستبرئ نفسها بقطنة ، ولها ثلاثة أحكام :

أحدها : أن تراه يسيرا لا يثقب الكرسف الذي هو القطن ، فالواجب عليها الوضوء لكلّ صلاة ، وتغيير القطن والخرقة ، ولا يجوز لها أن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، بل يجب عليها لكلّ صلاة وضوء ، وتغيير القطنة ، والخرقة ، وإتيان الصّلاة بعد وضوئها بلا فصل ، وأمّا إذا توضّأت أولا في أول الوقت ولم تصل إلا في ثانيه أو وسطه أو آخره ، فإنّ صلاتها غير صحيحة ، لأن قولهم عليهم‌السلام : « يجب الوضوء عليها عند كلّ صلاة » (١) يقتضي المقارنة ، لأن ( عند ) في لسان العرب لا تصغر ، فهي للمقارنة كما انّ قبيلا وبعيدا للمقارنة ، فكذلك عند ، لأنّها مع ترك التصغير بمنزلة بعيد وقبيل في التصغير.

قال شيخنا في مبسوطة : إذا توضأت المستحاضة وقامت إلى الصّلاة ، فانقطع عنها الدم قبل أن تكبّر تكبيرة الإحرام ، فلا يجوز لها الدخول في الصّلاة إلا بعد ان تتوضأ ثانيا ، لأنّ انقطاع دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء ، ثم قال : فإن انقطع بعد تكبيرة الإحرام ودخولها في الصّلاة تمضي في صلاتها ، ولا يجب عليها استينافها (٢).

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : إذا كان انقطاع دم

__________________

(١) الوسائل : الباب ١ من أبواب المستحاضة.

(٢) المبسوط : كتاب الطهارة باب في أحوال الاستحاضة.

١٥٢

الاستحاضة حدثا ، فيجب عليها قطع الصّلاة واستيناف الوضوء ، وانّما هذا كلام الشافعي ، أورده شيخنا لأنّ الشافعي يستصحب الحال ، وعندنا انّ استصحاب الحال غير صحيح ، وانّ هذه الحال غير ذلك ، وما يستصحب في الحال فبدليل ، وهو إجماع على المتيمّم إذا دخل في الصلاة ووجد الماء فإنّا لا وجب عليها الاستيناف بإجماعنا ، لا إنا قائلون باستصحاب الحال ، فليلحظ ذلك وليتأمل.

والحكم الثاني : أن ترى الدم أكثر من ذلك ، وهو أن يثقب الدم الكرسف ولا يسيل ، فيجب عليها أن تعمل ما عملته في الحكم الأول سواء ، ويزيد عليه الغسل لصلاة الغداة.

والحكم الثالث : أن ترى الدم يثقب الكرسف ويسيل ، فيجب عليها أن تفعل ما فعلته في الحكم الثاني ، ويزيد على ذلك وجوب غسلين ينضافان إلى الغسل الذي في الحكم الثاني ، فإذا فعلت ذلك في أيام استحاضتها ، فهي في حكم الطاهرات في جميع الشرعيات ، إلا انّها يكره لها دخول الكعبة ، وإذا وجب عليها حدّ الجلد لا يقام حتى ينقطع عنها دم الاستحاضة ، لأنّها مريضة ، والمريضة لا يقام عليها حدّ الجلد حتى تبرأ ، فإن لم تفعل ما وصفناه ، وصامت وصلّت ، وجب عليها اعادة صلاتها وصيامها ، ولا يحلّ لزوجها وطؤها.

وإن كانت قد أكلت في زمان استحاضتها ، فإنّه يجب عليها قضاء الصوم والكفارة ، لأنّها أكلت في زمان الصيّام متعمدة لذلك.

وتجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد ، وكذلك بين العشاء الاولى والآخرة ، والجمع منها بين هاتين الفريضتين ، بأن تؤخّر الفريضة المتقدّمة إلى آخر وقتها ، وتصلّي الفريضة الأخيرة في أوّل وقتها يجمع بينهما في الحال ، وذلك على الاستحباب دون الفرض والإيجاب.

وقد يوجد في بعض الأخبار والآثار والكتب المصنفات ، مثل تهذيب

١٥٣

الأحكام (١) ومسائل الخلاف للسيّد المرتضى رحمه‌الله : إن دم الحيض أسود بحراني ، وفي خبر آخر : دم الحيض أحمر بحراني.

قال محمّد ابن إدريس بحراني بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة المفتوحة ، وبالحاء غير المعجمة المسكنة ، وبالراء غير المعجمة المفتوحة ، وبعدها الف والنون المكسورة ، وبعدها ياء مشدّدة ليست للنسب ، وهو الشديد الحمرة والسواد ، كما يقال أبيض يقق وأسود حالك وحانك ، وأحمر بحراني ، وبأحرى ، هكذا أورده ابن الأعرابي في نوادره ، فأوردته كما أورده تنبيها عليه.

والنفساء : هي التي تضع الحمل ، وترى الدم ، لأنّها مشتقة من النفس التي هي الدم ، بدلالة قولهم : كلّ ما لا نفس له سائلة يريدون كلّ ما لا دم له سائل.

فإذا رأت الدم بعد وضعها الحمل بلا فصل ، أو قبل مضي عشرة أيام من وقت وضعها الحمل فهي نفساء وحكمها حكم الحائض سواء ، في جميع الأحكام اللازمة للحائض ، بغير خلاف ، وفي أكثر أيامها على الصحيح من الأقوال والمذهب ، لأنّ بعض أصحابنا يذهب إلى أن أكثر أيام النفاس عند استمرار دمها ثمانية عشرة يوما ، ذهب إليه السيد المرتضى رحمه‌الله في بعض كتبه (٢) ، وكذلك الشيخ المفيد (٣) ، وعادا عنه في تصنيف آخر لهما.

عاد السيد عن ذلك في مسائل خلافه (٤) بأن قال : عندنا الحد في نفاس المرأة أيام حيضها التي تعهدها وقد روي انّها تستظهر بيوم ويومين (٥) ، وروي في أكثره خمسة عشر يوما (٦) ، وروي أكثر من هذا (٧) ، وإلا ثبت ما تقدّم.

__________________

(١) التهذيب : لم نتحققه في مظانّه.

(٢) وهو كتاب الانتصار في كتاب الطهارة.

(٣) قاله المفيد في المقنعة في باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس ص ٥٧.

(٤) لم نجد كتاب الخلاف للسيد المرتضى رحمه‌الله.

(٥) الوسائل الباب ٣ من أبواب النفاس ح ٢ ـ ٤ ـ ٥ ـ ١٥ ـ ١١.

(٦) الوسائل الباب ٣ من أبواب النفاس ح ٢ ـ ٤ ـ ٥ ـ ١٥ ـ ١١.

(٧) الوسائل الباب ٣ من أبواب النفاس ح ٢ ـ ٤ ـ ٥ ـ ١٥ ـ ١١.

١٥٤

ورجع الشيخ المفيد رحمه‌الله في كتابه أحكام النساء (١) وفي شرح كتاب الأعلام (٢).

والذي يدل على أصل المسألة وما اخترناه ، انّها مخاطبة ، مكلّفة ، وهي داخلة في عموم الأوامر بالصّلوات والصّوم ، وانّما يخرجها في الأيام التي حددناها للإجماع ، ولا إجماع ولا دليل فيما زاد على ذلك ، فيجب دخولها تحت عموم الأوامر ، ولو لم يكن إلا أنّ فيه استظهارا للفرض واحتياطا له لكفى.

وتفارق النفساء الحائض في حدّ أقل النفاس ، فإنّه ليس لقليل النفاس حدّ بل حدّه انقطاع الدم ، فإذا استمر بها الدم فوق العشرة الأيام وتجاوزها ، فعلت ما تفعله المستحاضة ، لا الحائض ، لأنّ الحيض لا يتعقّب النفاس ، لما بيّنا انّ النفاس حكمه حكم الحيض في جميع الأشياء ، فإن رأت الدّم بعد وضعها الحمل بلا فصل مثلا يوما واحدا أو يومين وانقطع إلى تمام العشرة الأيام ، فهي نفساء في اليوم واليومين فحسب ، فإذا رأته قبل مضي العشرة الأيام لحظة واحدة فاليوم واليومان وما بعدها إلى تمام العشرة نفاس ، لأنّه لم يمض لها بين الدّمين طهر ، فإن مضى بين الدّمين عشرة أيام نقاء فالدم الثاني إذا توالى ثلاثة أيام حيض ، فإن لم يمض بين الدمين طهر ، وتجاوز العشرة الأيام منها نقاء ومنها دم ، فالدم الثاني استحاضة ولا يكون نفاسا ، لأنه قد جاوز العشرة الأيام بعد وضعها الحمل وهي أقصى مدته ، ولا يكون حيضا ، لأنّه ما تقدّمه طهر ، فليلحظ ذلك ويحقق.

ويكون النقاء الذي في العشرة الأيام أيضا هي فيه بحكم الطاهرات ، يجب عليها فيه قضاء الصّلاة والصّوم.

وإن وضعت ولم تر الدّم إلى اليوم التاسع أو العاشر ، فهي طاهر ، وحكمها حكم الطاهرات إلى أن رأت الدم ، وهي نفساء ، وحكمها حكم النفساء في اليوم التاسع والعاشر فحسب ، لأنّا قد بيّنا انّ النفساء مشتقة من النفس التي

__________________

(١) لم نعثر عليهما.

(٢) لم نعثر عليهما.

١٥٥

هي الدم ، والاشتقاق غير حاصل في الأيام الثمانية ، فيجب أن يكون غير نفساء. ونفساء في الزمان الذي رأت فيه الدم ، لأنّه بعد وضع الحمل ، وقبل خروج العشرة الأيام التي هي أقصى مدة النفساء والنفاس.

فإن قيل أيام النقاء أقل من الطهر ، لأن الطهر عندنا عشرة أيام أقلّه ، فكيف حكمتم بأنّها طهر ، وحكمها حكم الطاهرات فيها؟

قلنا : ولا تقدّمها حيض ولا نفاس ، بل تقدّمها طهر وأطهار ، لأن الحامل على ما بيّناه لا ترى دم الحيض ، فالأيام وما تقدمها بمجموع ذلك أجمع طهر.

فإن رأته بعد وضعها ساعة ، ثم انقطع تسعة أيام ، ثم رأته اليوم العاشر ، كانت جميع الأيام نفاسها ، لأنّها نفساء عند رؤية الدّم بعد الوضع ، ولم يحصل لها في أيام الانقطاع طهر وهو عشرة أيام ، ورأت الدم الثاني قبل خروج العشرة وهي أقصى مدة النفاس ، فكان الجميع نفاسا وهي نفساء في الجميع.

وإذا ولدت المرأة توأمين ، ورأت الدم عقيبهما ، فإنّ النفاس يكون من ولد الأول ، لأنّ النفاس عندنا هو الدم الخارج عقيب الولادة ، ولا يمنع كون أحد الولدين باقيا في بطنها من أن يكون نفاسا ، وأيضا لا يختلف أهل اللغة في أنّ المرأة إذا ولدت وخرج الدم عقيب الولادة ، فإنّه يقال قد نفست ، ولا يعتبرون بقاء ولد في بطنها ، ويسمّون الولد منفوسا ، قال الشاعر وهو أبو صخر الهذلي يمدح آل خالد بن أسيد بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس :

إذا نفس المنفوس من آل خالد

بدا كرم للناظرين وطيب

فسمّى الولد منفوسا ومحال أنّ يكون الولد منفوسا إلا والام نفساء ، لأنّ الدّم نفسه يسمّى نفسا على ما قدّمناه.

فإذا ولدت الولد الثاني ورأت الدم عقيب ولادتها ، اعتبرت أقصى مدة النفاس من وقت ولادة الثاني ، لأنّ كلّ واحد من الدمين يستحق الاسم بأنّه نفاس ، فينبغي أن يتناول كلّ واحد منهما اللفظ ، وإذا تناول الدم الأخير الاسم

١٥٦

عددنا منه أكثر أيام النفاس ، واستوفينا أقصاه من الأخير ، لتناول الاسم له.

فإن قيل : إذا رأته عند وضع الأول مثلا خمسة أيام ، ثم وضعت الثاني ورأت الدم عقيب وضعه عشرة أيام ، فقد صار خمسة عشرة يوما ، وعندكم على ما بيّنتم انّ أقصى مدة النفاس عشرة أيّام ، فكيف يكون الحكم في ذلك؟

قلنا : ما هذا دم ولادة واحدة ، بل دم عقيب ولادتين ، وإن كان الحمل واحدا ، وعندنا بلا خلاف بيننا ، انّ النفاس هو الدّم الذي تراه المرأة عقيب ولادتها الولد ، وقد رأت عقيب ولادتها الأول خمسة أيام ، فحكمنا بأنّها نفاس لتناول الاسم لها ، فإذا وضعت الثاني ورأت عقيبه الدم فقد رأت الدم عقيب ولادتها الولد الأخير ، فينبغي أن يتناوله الاسم ، فيجب أن يستوفي أقصى مدة النفاس من يوم وضعتها الولد الأخير ، لتناول الاسم ، فليلحظ ذلك ويحقق ، فقد شاهدت جماعة ممن عاصرت من أصحابنا ، لا تحقق القول في ذلك ، وتقف على مسطور لبعض المصنفين ، ولا تبيّنه ولا تحقّقه ، وتحتج عنده ، وتخطي ، فالله نسأل التوفيق والتسديد في المقال والفعال.

باب غسل الأموات

وما يتقدّم ذلك في آداب المرض ، والعيادة

وتلقين المحتضرين ، وما يتصل بذلك

الأولى بالمريض والأفضل له أن يكتم مرضه ولا يشكوه ، وقد روي في حدّ الشكاية للمرض ، عن الصّادق عليه‌السلام ، أنّ الرّجل يقول حممت اليوم ، وسهرت البارحة ، وقد صدق وليس هذا شكاية ، انّما الشكاية أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد وأصابني ما لم يصب أحدا (١).

__________________

(١) الوسائل : الباب ٥ من أبواب الاحتضار ح ١.

١٥٧

وفي العيادة للمؤمنين فضل كثير وثواب جميل ، والرواية بذلك متظاهرة (١) ويستحب للمريض أن يأذن للعائدين حتى يدخلوا عليه ، فربما كانت لأحدهم دعوة مستجابة.

ولا عيادة في أقل من ثلاثة أيام ، فإذا وجبت ، جعلت غبّا يوما فيوما ثم يغب يومين ، فإذا طالت مدة العلّة ترك المريض وعياله.

ولا عيادة في وجع العين.

ومن السنة تخفيف العيادة ، وتعجيل القيام ، إلا أن يكون المريض يحب الإطالة عنده.

ولا يعاد أهل الذمة ولا تشهد جنائزهم.

وقد روي انّه ليس على النساء عيادة المرضى (٢).

ويلقن المحتضر الشهادتين ، وكلمات الفرج ، وقد يأتي ذكرها ، فإن عسر عليه النزع ، نقل إلى المكان الذي كان يكثر الصّلاة فيه.

ويستحب أن يوجّه إلى القبلة ، بأن يجعل باطن قدميه إليها ، بحيث لو جلس لكان مستقبلا إليها ، فإذا قضى نحبه ، والنحب المدة والوقت ، يقال قضى فلان نحبه إذا مات ، فلتغمض عيناه ، ويطبق فوه ، ويمدّ يداه إلى جنبيه ، ورجلاه ، ويكون عنده من يذكر الله تعالى ، ويقرأ القرآن ، ويقدّم النظر في أمره عاجلا ولا ينتظر به دخول الوقت ، ولا خروجه ، إلا أن يكون غريقا ، أو مصعوقا ، أو مبطونا وهو الذي علته الذب وهو الإسهال ، ـ وكان زين العابدين عليه‌السلام يوم الطف مريضا بالذّرب ـ أو مدخنا ، أو مهدوما عليه ، فإنّ هؤلاء ينتظر بهم إلى أن يتغيّروا ، لأجل الاستظهار ، وتسبر حالهم بعلامات الموت واماراته ، فإن عرف حالهم ، وإلا تركوا ثلاثة أيام.

وغسل الميت المؤمن أو المحكوم بإيمانه ومن في حكمه ، فرض واجب ، وهو من

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب الاحتضار

(٢) الوسائل : الباب ٦٩ من أبواب الدفن ، ح ٤.

١٥٨

فروض الكفاية.

واعلم انّه كغسل الجنب في الصفة والترتيب ، يبدأ فيه بغسل اليدين على طريق الاستحباب ، ثم الفرج ، ثم الرأس ، ثم الميامن ، ثم المياسر ، وشرح ذلك : أن يوضع الميت على سرير غسله ، ويستحب أن يستقبل هاهنا بوجهه القبلة ، على ما ذكرناه أولا في حال الاحتضار ، ويجب أن تستر عورته بثوب يضعه عليها ، أو بقميصه بعد نزعه عنه ، ويقصد إلى تليين مفاصله برفق ، حتى لا ينكسر منه عضو ، فإن عسر عليه ذلك تركه ، ولم يتعرض له ، ويمسح بطنه مسحا رقيقا في الغسلتين الأوّلتين ، ولا يمسحها في الثالثة ولا يغمزها بحال ، وهذا الحكم سواء كان الميت رجلا أو امرأة ، إلا أن يكون حاملا ، فلا يمسح بطنها في شي‌ء من الغسلات.

ثمّ يغسل يديه بماء قراح ، والقراح هو الخالص البحت وقد روي أنّه يوضأ وضوء الصلاة ، وذلك شاذ ، والصحيح خلافه ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله يراه احتياطا في نهايته (١) وفي مبسوطة (٢) وقال : قد روي أنّه يوضأ الميت قبل غسله (٣) ، فمن عمل بها كان جائزا ، غير أن عمل الطائفة على ترك العمل بذلك ، لأن غسل الميّت كغسل الجنابة ولا وضوء في غسل الجنابة.

قال محمّد بن إدريس : فإذا كان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك ، فإذن لا يجوز العمل بالرواية ، لأنّ العامل بذلك يكون مخالفا للطائفة ، وفيه ما فيه.

ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة السّدر ثلاث مرات ، ثم يقلبه على جنبه الأيسر ، ليبدو له الأيمن ، ويغسله بماء السدر ثلاثا أيضا ، كما ذكرناه في الرأس من أصل العنق الى قدمه ، ثمّ يقلبه على جنبه الأيمن ، ليبدو له الأيسر ويغسله على ما ذكرناه في الأيمن في الصفة والعدة.

__________________

(١) النهاية : في غسل الميّت

(٢) المبسوط : كتاب الجنائز ( بعد كتاب الصلاة ) ص ١٧٨ من المطبوع.

(٣) الوسائل : الباب ٦ من أبواب غسل الميّت.

١٥٩

والمفروض من الأكفان للرجال والنساء ثلاثة أثواب ، مئزر وقميص وإزار ، مع القدرة والاختيار ، على الصحيح من المذهب ، وبعض أصحابنا يذهب إلى أنّ الواجب في حال الاختيار قطعة واحدة ، وهو سلّار.

والمسنون للرجال ، أن يزاد لفافة اخرى ، إمّا حبرة ، بكسر الحاء وفتح الباء ، أو ما يقوم مقامها ، وخرقة يشد بها فخذاه.

ويستحب أن يزاد أيضا عمامة يعمم بها محنكا ، وإن كان امرأة زيدت على مستحب الرجال لفافة أخرى ، لشدّ ثدييها ، وروي نمط (١) والصحيح الأول وهذا مذهب شيخنا الطوسي رحمه‌الله في كتاب الاقتصاد (٢) لأنّ النمط هو الحبرة ، وقد زيدت على أكفانها ، لأن الحبرة مشتقة من التزين (٣) والتحسين ، وكذلك النمط هو الطريقة وحقيته الأكسية والفرش ذات الطرائق ، ومنه سوق الأنماط بالكوفة ، يقال فلان على نمط واحد ، أي على طريقة واحدة ، قال زهير : تعالين أنماطا عتاقا وكلة.

وإذا اختلف الورثة في الكفن ، اقتصر على المفروض منه وهو ثلاث قطع.

وإذا أخذ السيل الميت أو أكله السّبع وبقي الكفن ، كان للورثة دون غيرهم ويحصّل الكافور ، والأعلى في الاستحباب وزن ثلاثة عشر درهما وثلث ، الذي لم تمسّه النار ، الخالص ، الخام ، الجلال ، ومعنى الجلال الجليل وهو الجيد يقال : جليل وجلال وطويل وطوال ، فهو من أوزان المبالغة في أوصاف الجودة. ويليه في مقدار المستحب أربعة دراهم ، وفي بعض الكتب أربعة مثاقيل ، والمراد بها الدراهم هاهنا ، ويليه في مقدار المستحب درهم واحد ، والواجب ما وقع. عليه اسم الكافور مع الوجدان.

ويحصّل أيضا شي‌ء من السدر للغسلة الاولى ، وقليل كافور للغسلة الثانية ،

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢ من أبواب التكفين ، ح ١٦.

(٢) الاقتصاد : فصل في ذكر غسل الأموات ، ص ٢٤٨

(٣) في المطبوع : لأن الحبرة مشتقة من التزيّن.

١٦٠