غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

للمتكبرين عليهم بعدي ، القاطعين فيهم صلتي .. الحديث » (١).

٤ ـ وعن سماعة بن مهران قال : « كنتُ أنا وأبو بصير ، ومحمد بن عمران ـ مولى أبي جعفر عليه‌السلام ـ في منزل بمكة ، فقال محمد بن عمران : سمعتُ أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : نحن اثنا عشر مهدياًً. فقال له أبو بصير : تالله ، لقد سمعتُ ذلك من أبي عبد الله عليه‌السلام؟ فحلف مرَّة أو مرَّتين أنّه سمع ذلك منه ، فقال أبو بصير : لكنّي سمعته من أبي جعفر عليه‌السلام » (٢).

ويستفاد من مجمل هذه الأحاديث أمور ، وهي :

الأول : إنّ عدد الخلفاء أو الأمراء أو الأئمة لا يتجأوز الاثني عشر وكلهم من قريش بلا خلاف بين الفريقين. وهذا العدد منطبق مع ما تعتقده الشيعة الإمامية بعدد الأئمة ، وهم كلهم من قريش.

وأما التعبير بـ ( الأمراء أو الخلفاء ) فهو وإن لم ينطبق في الظاهر على مقولة الإمامية إلاّ من المقصود بذلك ليس الإمرة القسرية أو الاستخلاف بالقوة وإنّما المراد بذلك هو من يستمدّ سلطته من الشارع المقدّس ، ولا ينافي ذهاب السطلة عن أهل البيت عليهم‌السلام في واقعها الخارجي ؛ لتسلّط الآخرين عليهم. وفي كلام النوربشتي ما يشير إلى هذه الحقيقة ، قال : « السبيل في هذا الحديث وما يتعقّبه في هذا المعنى أنه يُحَمل على المقسطين

__________________

١ ـ إكمال الدين ١ : ٢٨١ / ٣٣ باب ٢٤ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٦٦ / ٣٢ باب النصوص على الرضا عليه‌السلام بالأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام.

٢ ـ أصول الكافي١ : ٥٣٤ ـ ٥٣٥ / ٢٠ باب ١٢٦ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٣٥ / ٦ وذيل الحديث نفسه أيضاًً.

٦١

منهم فإنهم هم المستحقّون لاسم الخليفة على الحقيقة ... » (١).

الثاني : إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيون بالنصّّ كماهو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل ، قال تعالى : ( ولقدْ أخذَ اللهُ ميثاقَ بني إسرائيلَ وبعثنا منهم اثني عَشَرَ نقيباً ) (٢).

الثالث : إنّ هذه الأحاديث تفترض عدم خلّو الزمان من الاثني عشر جميعاًًً ، وأنّه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.

ويؤيّده ما أخرجه البخاري بسنده ، عن عبد الله بن عمر ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان » (٣).

وأخرجه مسلم في صحيحه أيضاًً وبلفظ : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان » (٤).

وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة الإمامية بأنّ الإمام الثاني عشر ( المهدي عليه‌السلام ) حيّ كسائر الأحياء ، وأنّه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاًًً وعدلاً كما ملئت ظلماًًً وجوراًًً على وفق ما بشّر به جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وآباؤه الأطهار عليهم‌السلام.

__________________

١ ـ عون المعبود في شرح سنن أبي داود / النوربشتي ١١ : ٢٦٢ / ٤٢٥٩.

٢ ـ سورة المائدة : ٥ / ١٢.

٣ ـ صحيح البخاري : ح ( ٣٥٠١ ) كتاب المناقب ، باب مناقب قريش.

٤ ـ صحيح مسلم : ح ( ١٨٢٠ ) كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ، والخلافة في قريش.

٦٢

ومن الواضح من جميع علماء العامة لم يتّفقوا على تسمية الاثني عشر خليفة كما نطقت بذلك أحاديثهم! حتى من بعضهم اضطرّ إلى إدخال يزيد بن معاوية لعنه الله وأمثاله من حثالات التاريخ كمروان وعبدالملك ونظرائهم من العتاة المردة وصولاً إلى عمر بن عبدالعزيز!! كل ذلك لأجل اكتمال نصاب الاثني عشر!!

وهذا تفسير خاطىء سقيم لا يسمن ولا يغني من جوع وغير منسجم مع نصّ الحديث من كل وجه ؛ إذ يلزم منه خلو جميع عصور الإسلام بعد عصر عمر بن عبدالعزيز الأموي من الخليفة ، بينما المفروض من الدين لا يزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.

إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة من السلطة الظاهرية قد تولّاها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاحاديث ، فضلاً عن انقراضهم أجمع ، وعدم النصّ على أحد منهم ـ أمويين أو عباسيين ـ باتفاق جميع المسلمين.

وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي : « قال بعض المحقّقين : إنّ الأحاديث الدّالة على كون الخلفاء بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله اثني عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان عُلم أن مراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حديثه هذا : « الأئمة اثنا عشر » ، من أهل بيته وعترته ، إذْ لا يُمكن أن يُحْمَلَ هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ، ولا يُمكن أن نحمله على الملوك الامويّة لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبدالعزيز ، ولكونهم غير

٦٣

بني هاشم ؛ لمن النبيّ! صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « كلهم من بني هاشم » في رواية عبدالملك ، عن جابر ، وإخفاء صوته صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا القول يرجّح هذه الرواية : لمنهم لا يُحسنون خلافة بني هاشم. ولا يُمكن أنْ يحمل على الملوك العبّاسية ؛ لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلّة رعايتهم ... ويؤيد هذا المعنى ـ أي : أنَّ مراد النبيِّ! صلى‌الله‌عليه‌وآله الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته ـ ويرجّحه حديث الثقلين » (١).

ولا يخفى من حديث : « الخلفاء اثنا عشر » قد سبق التسلسل التاريخي للأئمَّة الاثني عشر ، وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الإمامي ، فهو ليس انعكاساً لواقع ، وإنّما هو تعبير عن حقيقة رّبانية نطق بها من لا ينطق عن الهوى ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الخلفاء بعدى اثنا عشر » ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدىء بأمير المؤمنين عليّ ، والمنتهي بالإمام المهدي عليه‌السلام ، وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث (٢).

فالصحيح إذنْ من يُعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الإخبار بالمغيّبات ، أما محأولاًًت تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الامويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقا على الرغم ممّا في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبيّ! صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يعني ذلك منه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبدالعزيز مثلاً ، لا

__________________

١ ـ ينابيع المودة ٣ : ١٠٥ باب ٧٧ في تحقيق حديث « بعدي اثنا عشر خليفة ».

٢ ـ بحث حول المهدي / السيد الشهيد محمد باقر الصدر : ٥٤ ـ ٥٥.

٦٤

إلى من تقوم الساعة!!

وقد علمتَ أن الإمام الصادق عليه‌السلام قد قطع الطريق أمام كل التفسيرات المنحرفة لحديث : « الخلفاء اثني عشر ... » مبيّناً المراد بمصاديق هذا الحديث واقعاًً كما تقدم.

القائدة الثالثة :

قاعدة التسلسلت العمودي للإمامة بعد الإمام الحسين عليه‌السلام :

تهدف هذه القاعدة إلى الإطاحة بجميع الدعاوى الباطلة التي زعمتها بعض الفرق المندرسة التي أتت عليها حملة التثقيف الواسعة التي قادها الإمام الصادق عليه‌السلام وجعلتها هشيماً تذروه الرياح ، إذ نسفت تلك القاعدة ما زعمه الكيسانية من إمامة محمد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه ، كما نسفت مزاعم الفطحية بإمامة عبد الله الأفطح ، وبددت طموح من قال بإمامة السيد محمد بن الإمام الهادي عليه‌السلام ، وكذلك من قال بإمامة جعفر الكذاب ، وزيادة على ذلك فإنها حصرت الإمامة بذرية الحسين عليه‌السلام كما سنرى.

وعليه لابدّ وأن يكتمل عدد الأئمة الاثني عشر ، خصوصاً وإن هذه القاعدة الشريفة قد عرفت قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمة عليهم‌السلام كما عُرِف حديث الخلفاء أو الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش قبل اكتمال التسليل التاريخي للأئمة أيضاًًً.

ومن هنا ركزّ الإمام الصادق عليه‌السلام على هذه القاعدة ، وممّا يؤيّد ذلك على لسانه الشريف أحاديث شتّى نكتفي ببعضها ، وهي :

١ ـ في الصحيح عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبي

٦٥

عبد الله عليه‌السلام قال : ( لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى ( وأولوا الأرحامِ بعضهم أولى ببعض في كتابِ اللهِ ) (١) ، فلا تكون بعد علي بن الحسين عليه‌السلام إلاّ في الأعقاب وأعقاب الأعقاب ) (٢).

٢ ـ وفي الصحيح عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام منه قال : « لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام إنّما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (٣).

٣ ـ وفي الصحيح عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : إن كان كون ـ ولا أراني الله ـ فبمن أئتمُّ؟ فأومأ إلى ابنه موسى ، قال ، قلت : فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتمُّ؟ قال : بولده ، قلت : فإن حدث بولده حدث وترك إخاً كبيراًً ، وابناً صغيراً ، فبمن أئتم؟ قال : بولده ثم واحداً فواحداً » (٤).

ومن روائع ترسيخ هذه القاعدة في نفوس الشيعة ما ورد في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه سُئِلَ : « أتكون الإمامة في عم أو خال؟ قال : لا ، فقلت : ففي أخ؟ قال : لا ، قلت : ففي من؟ قال : في وَلَدِي. قال محمد بن إسماعيل بن بزيع : وهو ـ يؤمئذ ـ لا

__________________

١ ـ سورة الانفال : ٨ / ٧٥.

٢ ـ اُصول الكافي ١ : ٢٨٥ / ١ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.

٣ ـ أصول الكافي١ : ٢٨٦ / ٤ من الباب السابق.

٤ ـ اُصول الكافي ١ : ٢٨٦ / ٥ من الباب السابق.

٦٦

ولد له » (١).

القاعدة الرابعة :

عدم خلو الأرض من امام من الائمة الاثني عشر عليهم‌السلام مطلقاً :

وهذه القاعدة الشريفة تعد في طليعة القواعد التي أرستها الشريعة الإسلامية ، وقد جاء تاكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على هذه القاعدة باعتبار من فهم الأمة لحديث الثقلين ودلالاته ومعرفتها بالاثني عشر أوصياءً من أهل البيت الذين هم خلفاء النبيّ! صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع التسلسل العمودي للأئمة بعد الحسين عليه‌السلام بموجب القاعدة الثالثة ، يعني ـ مع هذه القاعدة ـ بمن زماننا هذا إلى ما شاء الله تعالى لابدّ وأن يكون فيه إمام من الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام حيّاً كسائر الأحياء ، والثابت لدى جميع الأمة هو مضي أحد عشر أوصياءً من الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام وهم :

١ ـ أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام استشهد بالكوفة سنة ٤٠ هـ عن ( ثلاث وستين سنة ).

٢ ـ الإمام الحسن السبط عليه‌السلام استشهد مسموماًً في المدينة سنة ٥٠ هـ عن ٤٨ سنة.

٣ ـ الإمام الحسين السبط عليه‌السلام استشهد في كربلاء سنة ٦٠ هـ عن ٥٧ سنة وخمسة أشهر.

٤ ـ الإمام على بن الحسين السجاد عليه‌السلام استشهد مسموماً في المدينة سنة ٩٥ هـ

__________________

١ ـ اُصول الكافي ١ : ٢٨٦ / ٣ من الباب السابق.

٦٧

عن ٥٧ سنة ( سمّه هشام الاموي ).

٥ ـ الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام استشهد مسموماً في المدينة سنة ١١٤ هـ عن ٥٧ سنة ( سمّه هشام الاموي ).

٦ ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام استشهد مسموماًً بالمدينة سنة ١٤٨ هـ عن ٦٥سنة ( سمّه المنصور العباسي بالعنب ).

٧ ـ الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام استشهد مسموماً ببغداد سنة ١٨٣ هـ في حبس هارون عن ٥٥ سنة ( سمّه هارون ).

٨ ـ الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام استشهد مسموماً بخراسان سنة ٢٠٣ هـ عن ٥٥ سنة ( سمّه المأمون بالعنب ).

٩ ـ الإمام محمد بن علي الجواد عليه‌السلام استشهد مسموماً ببغداد سنة ٢٢٠ هـ عن ٣٥ سنة ( سمّه المعتصم ).

١٠ ـ الإمام علي بن محمد الهادي عليه‌السلام استشهد مسموماً بسامراء سنة ٢٥٤ هـ عن ٤١ سنة ( سمّه المعتز ).

١١ ـ الإمام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام استشهد مسموماً بسامراء سنة ٢٦٠ هـ عن ٢٨ سنة ( سمّه المعتمد ).

وقاعدة عدم خلو الأرض من إمام حجة إما ظاهراً مشهوراً أو غائباً مستوراً قد عرفتها الشيعة منذ عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولعله عليه‌السلام هو أول من أشاعها في حديثه عليه‌السلام لكميل بن زياد النخعي الثقة ، ذلك الحديث الذي وصفه ابن القيم بقوله : « وهو حديث مشهور عند أهل الفن ويستغنى عن

٦٨

الاسناد لشهرته عندهم » (١) وهذا الحديث رواه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام كميل ابن زياد النخعي الثقة كما في نهج البلاغة (٢) وقد رواه عنه الجّم الغفير من المحدثين (٣).

وفي الكافي وحده ثلاثه عشر حديثاًً في خصوص هذه القاعدة (٤).

وفي إكمال الدين للشيخ الصدوق خمسة وستين حديثاً في خصوص هذه القاعدة أيضاًًً (٥).

فأصالة هذه القاعدة وعمقها التاريخي في الفكر الديني ممّا لا نقاش فيه أصلاًً.

واللسان العربي الأصيل ذو ذائقة خاصة في تذّوق معنى هذه القواعد الشريفة وفهم دلالتها ، ولهذا فهو لا يُعذر على سوء فهمه لدلالتها ، بخلاف من لن يتأدّب بآدابها ويتمرّس على فنونها ولم يعم الله بصيرته ، ولم يطبع على قلبه.

ويبقى السؤال هنا بعد من عرفت مضي أحد عشر أوصياءً ، هو : أين الإمام الثاني عشر عليه‌السلام؟ ومن عساه سيكون غير ابن الإمام الحادي عشر

__________________

١ ـ اعلام الموقعين / ابن القيم ٢ : ١٣٥ تحت عنوان : « مضار زلة العلم ».

٢ ـ نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٥١ ، وبشرح الشيخ محمد عبده ٤ : ٦٩١ / ٤٧.

٣ ـ راجع تخريجه في كتابنا ( دفاع عن الكافي ) ١ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

٤ ـ اُصول الكافي ١ : ١٣٦ ـ ١٣٧ / ١ ـ ١٣ باب أن الأرض لا تخلو من حجة.

٥ ـ إكمال الدين ١ : ٢١١ ـ ٢٤١ / ١ ـ ٦٥ باب من الأرض لا تخلو من حجة.

٦٩

الحسن العسكري عليه‌السلام الذي راح شهيداً على يد عُتاة بني العبّاس؟

إن القواعد التي عرفتها طلائع التشيع قبل ولادة الإمام العسكري عليه‌السلام بعشرات السنين تأبى من قبول أي تسويف أو تأويل متعسف حيال هوية ابنه الإمام الثاني عشر عليه‌السلام.

نعم ، قد يقال ، بأن هذا من الناحية النظرية مقبول إلى حد ما ، ولكن يجب تحقّقه في مساحة الواقع التاريخي بولادة الحجة ابن العسكري عليه‌السلام ، حتى تكون النظرية قابلة للتطبيق!

وللإجابة على هذا التساؤل نحتاج إلى بسط عريض يبعدنا عن أصل الموضوع ، ومع هذا فلن نهمله دون الإشارة السريعةإلى ما يثبت ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام ، فنقول باختصار شديد :

بلغ مجموع من اعترف بولادة الإمام المهدي عليه‌السلام من علماء العامة فقط وبحسب ما قمنا به من إحصاء سابق مائة وثمانية وعشرين عالماً ، وقد ذكرنا في ذيل كل اسم ما يدل على اعترافه بكل دقة وتفصيل. وهم لم يعترفوا بولادة ابن الحسن العسكري عليه‌السلام بناءً على تلك القواعد ، وإنّما اعترفوا بذلك على أساس متين من الواقع التارخي لحدث الولادة المباركة.

وأما مجموع من رأى الإمام المهدي عليه‌السلام في حياة أبيه الإمام العسكري عليه‌السلام فقد بلّغ بأحصائنا تسعة وسبعين نفراً ، وذكرنا من وكلائه عليه‌السلام أنّ أهل آذربيجان ، والآهواز ، وبغداد والكوفة ، وقم ، ونيسابور ، وهمدان زهاء ثلاثة عشر شخصاًً (١) ، هذا فضلاًً عمّا خرج من

__________________

١ ـ راجع كتابنا دفاع عن الكافي ١ : ١٦٧ ـ ٦١١ من الباب الأول.

٧٠

توقيعات عن الإمام المهدي عليه‌السلام في زمان السفراء الأربعة ، مجموع الصحيح الثابت منها على نحو القطع يوجب تواتر ولادته وحياته الشريفة ، وأما الاحاديث الصحيحة المثبتة لإقرار الإمام العسكري عليه‌السلام بولادة ابنه الإمام المهدي عليه‌السلام ، وشهادة الأصحاب بذلك ، فضلاًً عن الخدم والجواري فتحتاج إلى كتاب مستقل ، كما أثبتنا في بحث آخر اتفاق ثمانية من علماء الأنساب على ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام وتثبيت نسبه الشريف ، وفيهم المعاصر للغيبة الصغرى (١).

الأمر الذي يشير إلى انطباق تلك القواعد الشريفة على الواقع التاريخي بأبهى صورة وأقوى دليل وأمتن برهان.

ثم كيف لا تجد تلك القواعد مصداقها الخارجي وهي صادرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومؤكدة على لسان العروة الوثقى في الدين الهداة الميامين من آل طه وياسين؟

إنّ الذين أطاعوا الله ورسوله في آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان التصديق بانباء الغيب عندهم موقوفاً على تحقّقها ، ولهذا فهم آمنوا بها ورووها وكانوا على ثقة من تحققّها ولو بعد حين ( الم * ذلك الكتابُ لا ريب فيه هدىً للمتّقين * الذين يؤمنون بالغيبِ ويقيمونَ الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون ) (٢) ، ولهذا لم يناقشوا في تلك الأخبار ولا وقفوا حيالها موقف الرافض المشكك ، بل كانوا يعدون العدّة لانتظار ذلك اليوم الموعود ،

__________________

١ ـ راجع كتابنا المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : ١١٩ ـ ١٢٣.

٢ ـ سورة البقرة : ٢ / ١ ـ ٣.

٧١

ويتحرقون شوقا إلى ساعة الخلاص على يد المنتظر أرواحنا فداه ، وبقيت أجيالهم هكذا إلى حين ولادته عليه‌السلام وغيبته ، ولا زال خلفهم الصالح على ذات الطريق ، وقد كان من ثواب انتظارهم ما أخرجوه عن الإمام الصادق عليه‌السلام بقوله : « من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه ، لا بل كمن قارع معه بسيفه .. لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١).

هذا ، وأما عن دور الإما الصادق عليه‌السلام في ترسيخ هذه القاعدة ، فيمكن الاشارة إليه بالأحاديث الآتية :

١ ـ عن الوشاء ، عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « إن أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن الحجة لا تقوم لله عزّوجلّ على خلقه إلاّ بإمام حتى يعرف » (٢).

وقد عرفت من الأرض لا تخلو من حجة ، وفي هذا الحديث حصر للحجة بالإمام ، لئلا يتوهم أحد فيزعم أنّه فلا أو فلان أو فلان أو معاوية بن أبي سفيان!

٢ ـ وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن الله جلّ وعزّ ، أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام » (٣).

__________________

١ ـ المحاسن : ١٥٠ / ١٥١ باب ٣٨ وفي الباب أحاديث كثيرة بهذا اللفظ تارة ، وبمعناه اخرى.

٢ ـ اُصول الكافي ١ : ١٧٧ / ١ و ٢ و ٣ باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٤٨٥ / ٣ باب أن الأرض لا تخلو من حجة ، واُصول الكافي ١ : ١٧٨ / ٦ باب أن الأرض لاتخلو من حجة ، وإكمال الدين ١ : ٢٣٤ / ٤٣ باب ٢٢.

٧٢

٣ ـ وعن عبد الله بن خراش ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سآله رجل ، فقال : تخلو الأرض ساعة لا يكون فيها إمام؟ فقال : لا تخلو الأرض من الحق » (١).

٤ ـ وعن أبي حمزة الثمالى قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تبقى الأرض بغير امام؟ فقال عليه‌السلام : « لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت » (٢).

٥ ـ وعن يونس بن يعقوب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لو لم يكن في الدنيا إلاّ اثنان لكان الإمام أحدهما » (٣).

وروى حمزة بن الطيار ، عن الإمام ابي عبد الله الصادق عليه‌السلام نحوه (٤).

__________________

١ ـ إكمال الدين ١ : ٢٣٣ / ٤٠ باب ٢٢.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٤٨٨ / ٢ باب من الأرض لا تبقى بغير امام ، واُصول الكافي ١ : ١٧٩ / ١٠ باب من الأرض لا تخلو من حجة ، والإمامة والتبصرة : ٣٠ / ١٢ باب من الأرض لا تخلو من حجة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٣٨ ـ ١٣٩ / ٨ باب ٨ ، واكمال الدين ١ : ٢٠١ / ١ باب العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام عليه‌السلام ، وعلل الشرائع ١ : ١٩٦ / ٥ باب ١٥٣ ، و ١ : ١٩٨ / ١٦ و ١٨ من الباب السابق ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٢٠ / ١٨٢.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٤٨٧ / ٢ باب من الأرض لاتخلو منهم عليه‌السلام ، اُصول اُلكافي ١ : ١٨٠ / ٥ باب منه لو لم يبق في الأرض إلاّ رجلاًن لكان أحدهما الحجة.

٤ ـ بصائر الدرجات : ٤٨٧ ـ ٤٨٨ / ٣ باب من الأرض لا تخلو منهم عليهم‌السلام ، واُصول الكافي ١ : ١٨٠ / ٤ باب منه لو لم يبق في الأرض إلاّ رجلاًن لكان أحدهما الحجة ، والإمامة والتبصره : ٢٨ / ٩ باب من الأرض لا تخلو من حجة ، ومختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله القمي / الشيخ حسن بن سليمان الحلي : ٨ ، وكتاب

٧٣

٦ ـ وعن ذريح المحاربي ، عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « منّا الإمام المفروض طاعته ، من جحده مات يهودياً أو نصرانياً ، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى الله ، حجة على العباد ، من تركه هلك ، ومن لزنه نجا ، حقاً على الله تعالى » (١).

وإلى هنا قد تبيّن لنا من قاعدة العصمة والمرجعية السياسية العلمية قد حصرها حديث الثقلين الشريف بعد النبيّ! صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن الكريم وأهل البيت عليهم‌السلام ، وإن أهل البيت عليهم‌السلام قد حصرتهم القاعدة الثانية باثني عشر أوصياءً : امير المؤمنين عليه‌السلام والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين عليه‌السلام ، و إن الإمامة لا تكون إلا في عقب الإمام الحسين عليه‌السلام كما وضحته القاعدة الثالثة.

ثم جاءت القاعدة الرابعة لتبين لنا من أولئك الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام لا تخلو الأرض من واحد منهم على الاطلاق ؛ لأنهم حجج الله في بلاده على عباده منذ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى قيام الساعة ، وقد ثبت مضي أحد عشر أوصياءً منهم عليهم‌السلام ، وبقي الموعود المنتظر الثاني عشر ابن الإمام العسكري عليه‌السلام.

وإن الأمة ملزمة بمعرفته باسمه ونسبه كما هو صريح القاعدة الخامسة

__________________

الغيبة / النعماني : ١٣٩ / ١ باب ٩ ، وإكمال الدين ١ : ٢٠٣ / ١٠ باب ٢١ ، وعلل الشرائع ١ : ١٩٧ / ١٠ باب ١٥٣.

١ ـ الإمامة والتبصرة : ٣١ / ١٥ باب أنّ الأرض لا تخلو من حجة ، ورجال الكشي ٢ : ٦٧٠ ـ ٦٧١ / ٦٩٨ في ترجمة ذريح المحاربي ، وإكمال الدين ١ : ٢٣٠ / ٢٨ باب ٢٢ ، وعلل الشرائع ١ : ١٩٧ / ١٣ باب ٥٣.

٧٤

التي اشتهرت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية الفريقين ، كما صحّت روايتها عن أهل البيت عليه‌السلام ، لا سيما الإمام الصادق عليه‌السلام ومن طرق شتى ، وهي :

القاعدة الخامسة

قاعدة وجوب معرفة إمام الزمان من أهل البيت عليهم‌السلام

ويدلُّ على ترسيخ الإمام الصادق عليه‌السلام لهذه القاعدة والتثقيف الواسع عليها أحاديثه الشريفة الكثيرة في خصوص وجوب معرفة إمام الزمان ، وسنكتفي في حدود تأكيده على حديث : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » ، كالآتي :

١ ـ عن بشير الدهان ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ) فعليكم بإطاعته ، قد رأيتم أصحاب علي عليه‌السلام ، وأنتم تأتمّون بمن لا يعذر الناس بجهالته ، ولنا كرائم القرآن ، ونحن قوم افترض الله طاعتنا ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال » (١).

٢ ـ وعن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية » (٢).

وبهذا اللفظ ، وما قاربه ما رواه عيسى بن السري (٣) والحسين بن

__________________

١ ـ المحاسن ١ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ / ٤٧٤ باب من مات ولم يعرف إمام زمانه ، وروضة الكافي ٨ : ١٢٨ ـ ١٢٩ / ١٢٣.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٢٩ / ٦ باب ٧.

٣ ـ اُصول الكافي ٢ : ١٩ ـ ٢١ / ٦ ، و ٢ : ٢١ / ٩ باب من مات وليس له إمام من

٧٥

أبي العلاء (١) وعبد الأعلى (٢) وأيوب بن الحرّ (٣) وأبو بكر الحضرمي (٤) وعبد الله ابن أبي يعفور (٥) ؛ كلهم عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٣ ـ وعن الفضيل بن يسار قال : « ابتدأنا أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات وليس عليه إمام فميته ميتة جاهلية ، فقلت : قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال : إي والله ، قد قال ، قلت : فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليته؟ قال : نعم » (٦).

٤ ـ وعن عمار بن إسحاق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية : كفر ، وشرك ، وضلال » (٧).

وفي رواية اخرى عنه : « ميتة كفر وضلال ونفاق » (٨).

وللشيخ المفيد رضي‌الله‌عنه كلام مهم حول هذا الحديث ، قال : « عن

__________________

أئمة الهدى عليهم‌السلام ، وتفسير العياشي ١ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ / ١٧٥ في تفسير سورة النساء.

١ ـ المحاسن ١ : ٢٥٢ / ٤٧٦ باب من مات لا يعرف إمامة.

٢ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ / ٢ باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام عليه‌السلام.

٣ ـ المحاسن ١ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ / ٤٧٧ باب من مات لا يعرف إمامه.

٤ ـ الإمامة والتبصرة : ٨٢ ـ ٨٣ / ٧٩ باب من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.

٥ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٧٦ / ٢ باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى عليه‌السلام.

٦ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٧٦ / ١ باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى عليه‌السلام.

٧ ـ الإمامة والتبصرة : ٨٣ / ٧١ باب من مات وليس له إمام مات ميته جاهلية ، ومثله في اكمال الدين ٢ : ٤١٢ / ١١ باب ٣٩.

٨ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٧٦ / ٣ باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى عليه‌السلام.

٧٦

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».

ثم قال : وهذا صريح بأن الجهل بالإمام يخرج صاحبه عن الإسلام » (١).

وقال قدّس سرّه في الرسالة الأولى في الغيبة : « سأل سائل فقال : أخبروني عما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ( من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ). هل هو ثابت صحيح؟ أم هو معتلّ بغمّ؟

( فأجاب الشيخ المفيد قائلاً ) : بل هو خبر صحيح يشهد له أجماع أهل الآثار ، ويقوي معناه صريح القرآن حيث يقول جلّ اسمه : ( يوم ندعوا كل اناس بامامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً ) (٢) ، وقوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) (٣) ، وأي كثيرة من القرآن » (٤).

وفي الصحيح عن الإمام الصادق عليه‌السلام ما يوضح أهمية هذه القاعدة وصلتها بمقام أهل البيت عليه‌السلام.

فقد روى ثقة الإسلام الكليني رضي الله عنه ، عن على بن إبراهيم الفقيه المفسر

__________________

١ ـ الغفصاح في الإمامة / الشيخ المفيد : ٢٨ ـ ٢٩.

٢ ـ سورة الإسراء / ٤١.

٣ ـ سورة النساء : ٤ / ٤١.

٤ ـ الرسالة الأولى في الغيبة / الشيخ المفيد : ١١ ـ ١٢ مطبوعة ضمن الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد.

٧٧

الثبت الثّقة ، عن محمد بن عيسى الفقيه الحليل الثبت الثقة ، عن يونس ابن عبدالرحمن الفقيه العظيم الحليل الثبت الثقة ، عن حماد بن عثمان الثبت الثقة ، عن عيسى بن السّري الثبت الثقة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حدثني عمّا بنى عليه دعائم الإسلام ، إذا منا أخذت بها زُكّي عملى ولم يضرني جهل ما جهلت بعده ، فقال عليه‌السلام : شهادة من لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في أموال من الزكاة ، والولاية التي أمر الله عزّوجلّ بها ، ولاية آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية. قال الله عزّوجلّ : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم ) (١) فكان علي عليه‌السلام ، ثم صار من بعده حسن ، ثم من بعده حسين ، ثم من بعده علي ابن الحسين ، ثم من بعده محمد بن علي ، ثم هكذا يكون الامر. إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام ، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا ـ قال : وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول حينئذٍ : لقد كنت على أمرٍ حسن » (٢).

وقد روى هذه الرواية صفوان بن يحيى الثقة عن عيسى بن السري أيضاًًً (٣) ، الأمر الذي يعزز من صدقها ويؤكّد سماعها من الإمام الصادق عليه‌السلام

__________________

١ ـ سورة النساء : ٤ / ٥٩.

٢ ـ اصول الكافي ٢ : ٢١ / ٩ باب دعائم الإسلام.

٣ ـ رجال الكشي : ٤٢٤ / ٧٩٩ في ترجمة أبي اليسع عيسى بن السري.

٧٨

حقاً.

ونظير الرواية المذكورة في الصحّة ، ما أخرجه ثقة الإسلام الكليني بسند صحيح ، عن بشير الكناسي ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وصلتم وقطع الناس ، وأحببتم وأبغض الناس ، وعرفتم ومنكر الناس وهو الحق ، إن الله اتّخذ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عبداً قبل من يتخذه نبياً ، وإن علياً عليه‌السلام كان عبداً ناصحاً لله عزّوجلّّ فنصحه ، وأحبّ الله عزّوجلّ فأحبه. إن حقّنا في كتاب الله بيّن ، لنا صفو المال ، ولنا الانفال ، وإنا قوم فرض الله عزّوجلّ طاعتنا ، وإنكم تأتمّون بمن لا يُعذر الناس بجهالته. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ) ، عليكم بالطاعة .. » (١).

هذا ، وأما من ادّعى من المراد بالإمام الذي من لا يعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السطان أو الحاكم أو الملك ونحو ذلك وإن كان فاسقاً ظالماً كما هو حال سلاطين بني امية وبني العباس ، أو طاغية مستبداً كما هو عليه واقعنا المعاصر ، فعليه من يثبت بالدليل من معرفة هذه النماذج القذرة من الدين أولاًً ، ثم يبيّن للعقلاء الثمرة المترتبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق الطاغية المستبد بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.

ومن عظيم ما يُروى فيمن ادّعى ذلك : الصحيح الوارد عن

__________________

١ ـ روضة الكافي ٨ : ١٢٨ ـ ١٢٩ / ١٢٣.

٧٩

ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ثلاثة لا يكلمهم لله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب ألىم : من ادعى إمامة من الله ليست له ، ومن جحد أوصياءً من الله ، ومن زعم من لهما في الإسلام نصيباً » (١).

إن دلالة ما مرّ على ضرورة معرفة الإمام الحق الذي أمر الله تعالى بطاعته ، لا تتمّ في زماننا هذا إلاّ مع القول بولادة الإمام المهدي الحجة ابن الحسن العسكري عليه‌السلام وغيبته واعتقاد ظهوره في آخر الزمان ليملأ الدنيا قسطاًً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماًً وجوراًً.

ولا يخفى من المراد من هذه القاعدة ليس مجرد معرفة الإمام باسمه ونسبه مثلاً ، وإنما المطلوب إلى جانب المعرفة تلك : طاعة الإمام ، وعدم مخالفته بشيء ، والردّ إليه ، والتسليم له.

وفي الصحيح الثابت ما قاله إمامنا الصادق عليه‌السلام لزيد الشحام : « أتدري بما أمروا؟ أُمروا بمعرفتنا ، والردّ إلينا ، والتسليم لنا » (٢).

وفي الصحيح عن أبي بصير قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرأيت الرادَّ عليَّ هذا الأمر كالرادِّ عليكم؟ فقال عليه‌السلام : يا أبا محمد! من رد عليك هذا الأمر فهو كالرادّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣).

__________________

١ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٧٣ / ٤ باب من ادّعى الإمامة وليس لها بأهل.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٥٢٥ ـ ٥٢٦ / ٣٢ باب ، ٢٠ ( من الجزء العاشر ).

٣ ـ المحاسن : ١٨٥ / ١٩٤.

٨٠