السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-261-X
الصفحات: ٨٠
المطلب الثالث :
في أنّ بغض علي عليهالسلام نفاق
أخرج مسلم في صحيحه عن علي عليهالسلام قال : « والذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبرأ النَسَمة ، إنّه لعهد النبي الاُمّي إليّ [ وهل يكون التأكيد بأكثر من هذا ؟ ] أنْ لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ».
تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند : النسائي ، والترمذي ، وابن ماجة ، وفي مسند أحمد ، وفي المستدرك ، وفي كنز العمال عن عدة من كبار الأئمّة (١).
وفي مسند أحمد وصحيح الترمذي عن أُم سلمة : كان رسول الله يقول [ هذه الصيغة تدل علىٰ الاستمرار ] كان رسول الله يقول :
__________________
(١) مسند أحمد ١ / ٨٤ ، ١٢٨ ، صحيح مسلم كتاب الايمان ، كنز العمال ١٣ / ١٢٠ رقم ٣٦٣٨٥.
« لا يحب عليّاً منافق ولا يبغضه مؤمن » (١).
نستفيد من هذه الأحاديث في هذا المطلب : إنّ حبّ علي وحبّ المنافقين لا يجتمعان ، لو أنّ أحداً يعتقد حتّى بإمامة علي وولايته بعد رسول الله ، إلاّ أنّه لا يبغض المنافقين ، هذا الشخص هو أيضاً منافق ، وهو مطرود من الطرفين ، أي من المؤمنين ومن المنافقين ، لأنّ المنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد ، ولأنّ المؤمنين لا يحبّون المنافقين وهذا يحب.
ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ حال من الأحوال ، وبأيّ شكلٍ من الأشكال.
__________________
(١) مسند أحمد ٦ / ٢٩٢.
المطلب الرابع :
في إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلمعليّاً عليهالسلام
بأنّ الأُمّة ستغدر به
قال علي عليهالسلام : « إنّه ممّا عهد إليّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الأُمّة ستغدر بي بعده ».
قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال الذهبي في تلخيصه : صحيح (١) ، وقد قرّروا أنّ كلّ حديث وافق الذهبي فيه الحاكم النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين.
ومن رواة هذا الحديث أيضاً : ابن أبي شيبة ، والبزّار ، والدارقطني والخطيب البغدادي ، والبيهقي ، وغيرهم.
__________________
(١) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٤٠ ، ١٤٢.
المطلب الخامس :
ضغائن في صدور أقوام
أخرج أبو يعلىٰ والبزّار ـ بسند صحّحه : الحاكم ، والذهبي ، وابن حبّان ، وغيرهم ـ عن علي عليهالسلام قال : « بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، إذ أتينا علىٰ حديقة ، فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال : إنّ لك في الجنّة أحسن منها ، ثمّ مررنا بأُخرىٰ فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! قال : لك في الجنّة أحسن منها ، حتّى مررنا بسبع حدائق ، كلّ ذلك أقول ما أحسنها ويقول : لك في الجنّة أحسن منها ، فلمّا خلا لي الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي ، قال : قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك ».
هذا اللفظ في : مجمع الزوائد عن : أبي يعلىٰ والبزّار (١) ، ونفس السند موجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم ) والذهبي (٢) ، فيكون سنده صحيحاً يقيناً ، لكن اللفظ في المستدرك مختصر وذيله غير مذكور ، والله أعلم ممّن هذا التصرف ، هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين ؟ فراجعوا ، السند نفس السند عند أبي يعلىٰ وعند البزّار وعند الحاكم ، والحاكم يصحّحه والذهبي يوافقه ، إلاّ أنّ الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل ، لأنّه إلىٰ حدّ « إنّ لك في الجنّة أحسن منها » لا أكثر.
وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أنّ « الأقوام » المراد منهم في هذا الحديث « هم قريش » ، وفي المطلب السادس أيضاً بعض الأحاديث تدلّ علىٰ ذلك ، فلاحظوا.
__________________
(١) مجمع الزوائد ٩ / ١١٨.
(٢) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٣٩.
المطلب السادس :
في أنّ قريشاً هم سبب هلاك الناس بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : « يهلك أُمّتي هذا الحي من قريش » ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : « لو أنّ الناس اعتزلوهم ».
وعن أبي هريرة أيضاً قال : سمعت الصادق المصدوق يقول : « هلاك أُمّتي علىٰ يدي غلمة من قريش » ، فقالوا : مروان غلمة ؟ قال أبو هريرة : إن شئت أنْ أُسمّيه ، بني فلان ، بني فلان.
والحديثان في الصحيحين (١).
__________________
(١) وأخرجه أحمد ٢ / ٣٢٤ ، ٢٨٨ ، ٢٩٩ ، ٥٢٠.
المطلب السابع :
لم يروَ من الضغائن والغدر إلاّ القليل
وهذا المطلب مهم جدّاً ، فالغدر الذي كان ، والضغائن التي بدت ـ التي سبق وأنْ أخبر عنها رسول الله ـ لم يروَ منها في الكتب إلاّ القليل ، والسبب واضح ، لأنّهم منعوا من تدوين الحديث ، وعندما دُوّن ، فقد دوّن علىٰ يد بني أُميّة وفي عهدهم ، وهذا حال السنّة ، أي السنّة عند أهل السنّة.
ثمّ إنّ من كان عنده شيء من تلك الأمور التي أشار إليها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يروه ، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره ، ومن نقله إلىٰ الآخرين ، حتّى أنّ من كان عنده كتاب فيه شيء من تلك القضايا ، أخذوه منه ، أو أخفاه ولم يظهره لأحد ، أذكر لكم موارد من هذا القبيل :
قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن
همّام الصنعاني
في كتاب الكامل : ولعبد الرزاق بن همّام [ هذا شيخ البخاري ] أصناف حديث كثير ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمّتهم وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأساً ، إلاّ أنّهم نسبوه إلىٰ التشيّع ، وقد روىٰ أحاديث في الفضائل ممّا لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم ممّا لم أذكره في كتابي هذا ، وأمّا في باب الصدق فأرجو أنّه لا بأس به ، إلاّ أنّه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير (١).
وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ـ الحافظ الكبير ـ يقول ابن عدي : سمعت عبدان يقول : وحمل ابن خراش إلى بندار جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم.
فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟
قال ابن عدي : فأمّا الحديث فأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب (٢).
فالرجل ليس بكاذب ، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي أو راجعتم تذكرة الحفّاظ للذهبي ، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب ، ويتهجّم علىٰ ابن خراش ويشتمه ويسبّه سبّ الذين
__________________
(١) الكامل في الضعفاء ٦ / ٥٤٥.
(٢) الكامل في الضعفاء ٥ / ٥١٩.
كفروا (١).
ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة ، وذلك ، لأنّ هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل ، ويعتمدون علىٰ آرائه في ردّ الراوي أو قبوله ، أذكر لكم مورداً واحداً ، يقول ابن خراش بترجمة عبدالله بن شقيق ، وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول : قال ابن خراش : كان ـ عبدالله بن شقيق ـ ثقة وكان عثمانياً يبغض عليّاً (٢).
فابن خراش ليس بشيعي ، لأنّه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنّه كان عثمانيّاً يبغض عليّاً.
فلا يتوهّم أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة ، بل هو من أعلام أهل السنّة ومن كبار حفّاظهم ، إلاّ أنّه ألّف جزئين في مثالب الشيخين.
مورد آخر في كتاب العلل لأحمد بن حنبل ، قال أحمد : كان أبو عوانة [ الذي هو من كبار محدّثيهم وحفّاظهم ، وله كتاب في الصحيح اسمه : صحيح أبي عوانة ] وضع كتاباً فيه معايب أصحاب
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٠٩ ، تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٨٤ ، ميزان الإعتدال ٢ / ٦٠٠.
(٢) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٢٣.
رسول الله ، وفيه بلايا ، فجاء سلاّم بن أبي مطيع (١) فقال : يا أبا عوانة ، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه ، فأخذه سلاّم فأحرقه (٢).
ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبدالرحمن بن مهدي (٣) قال : فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله (٤).
فهذا يستغفر الله من أنّه نظر في هذا الكتاب ، والشخص الآخر جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا.
مورد آخر : ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الأشقر : أنّ أحمد بن حنبل حدّث عنه وقال : لم يكن عندي ممّن يكذب [ فهو حدّث عنه وقال : لم يكن عندي ممّن يكذب ] فقيل له : إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر ، وإنّه صنّف باباً في معايبهما ، فقال : ليس هذا بأهلٍ أنْ يحدَّث عنه (٥) !
أوّلاً : أين ذاك الباب الذي اشتمل علىٰ هذه القضايا ؟ ولماذا لم يصل إلينا ؟
وثانياً : إنّه بمجرَّد أنْ علم أحمد بن حنبل بأنّ الرجل يحدّث
__________________
(١) الإمام الثقة القدوة ، من رجال الصحيحين. سير أعلام النبلاء ٧ / ٤٢٨.
(٢) كتاب العلل والرجال ١ / ٦٠.
(٣) الإمام الناقد المجوّد سيد الحفاظ. سير أعلام النبلاء ٩ / ١٩٢.
(٤) كتاب العلل والرجال ٣ / ٩٢ الطبعة الحديثة.
(٥) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩١.
في الشيخين ، وبأنّه صنّف مثل هذه الأحاديث في كتاب ، سقط من عين أحمد وأصبح كذّاباً لا يعتمد عليه ولا يروىٰ عنه !
مورد آخر : في ميزان الإعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن زهير الكوفي : قال أبو حاتم : روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه (١).
روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه ، فراحت تلك الروايات.
وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب.
ثمّ إنّهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح ، ذكروا أنّه كان يشتم أبا بكر وعمر ، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبدالرحمن السُدّي (٢) ، وبترجمة تليد بن سليمان (٣) ، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي (٤) ، وغير هؤلاء.
ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شيء أو أشياء ، ممّا
__________________
(١) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ١ / ٢٧.
(٢) تهذيب التهذيب ١ / ٢٧٤.
(٣) تهذيب الكمال ٤ / ٣٢٢.
(٤) تهذيب التهذيب ٢ / ٨٢ ـ ٨٣.
أدّىٰ وسبّب في أنْ يجوّزوا لانفسهم أن يشتموا ويسبّوا ؟ وأين تلك القضايا وما هي ؟
وأمّا ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفّاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية ، فكثير جدّاً ، وأعتقد أنّه لا يحصىٰ لكثرته.
ولقد فشىٰ وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث ، يقول زائدة بن قدامة ـ ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث ـ : متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ؟! (١).
وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة ، جاء أحدهم ـ وهو الحافظ المحدّث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي ـ فألّف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه ، فلمّا سئل عن ذلك ، قال بلفظ العبارة : إنّما قصدت كفّ الألسنة عن لعن الخلفاء (٢).
حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في شرح المقاصد ما نصّه : فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن علىٰ يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو علىٰ ذلك
__________________
(١) تهذيب التهذيب ٣ / ٢٦٤.
(٢) سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٦١.
ويزيد ؟ قلنا : تحامياً عن أن يرتقىٰ إلىٰ الأعلىٰ فالأعلىٰ (١).
حتّى جاء كتّاب عصرنا ، فألّفوا في مناقب يزيد ، وألّفوا في مناقب الحجّاج ، وألّفوا في مناقب هند !!
وإنّي أعتقد أنّهم يعلمون بأنّ هذه المناقب والفضائل ، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم ، كلّه كذب ، وإنّ هؤلاء يستحقّون اللعن ، إلاّ أنّ الغرض هو إشغال الكتّاب والباحثين والمفكّرين وسائر الناس بمثل هذه الأُمور ، ولكي لا يبقىٰ هناك مجال لأن يرتقىٰ إلىٰ الأعلىٰ فالأعلىٰ.
ومن هنا نفهم : إنّ محاربتهم لقضايا الحسين عليهالسلام ومحاربتم لمآتم الحسين عليهالسلام ولقضايا عاشوراء ، كلّ ذلك ، لئلاّ يلعن يزيد ، ولئلاّ ينتهىٰ إلىٰ الأعلىٰ فالأعلىٰ.
__________________
(١) شرح المقاصد ٥ / ٣١١.
المطلب الثامن :
أحقاد قريش وبني أُميّة علىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهمالسلام
وهنا ننقل بعض الشواهد علىٰ أحقاد قريش وبني أُميّة بالخصوص ، وضغائنهم علىٰ النبي وأهل البيت ، حتّى أنّهم كانت تصدر منهم أشياء في حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولمّا لم يتمكّنوا من الإنتقام من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالذات ، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « اللهمّ إنّي أستعديك على قريش ، فإنّهم أضمروا لرسولك صلىاللهعليهوآلهوسلم ضروباً من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحُلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليّ ، اللهمّ احفظ حسناً وحسيناً ، ولا تمكّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً ، فإذا توفّيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت علىٰ كلّ شيء شهيد » (١).
فيقول أمير المؤمنين : إنّ قريشاً أضمروا لرسول الله ضروباً من
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ / ٢٩٨.
الشر والغدر وعجزوا عنها ، والله سبحانه وتعالىٰ حال بينه وبين تلك الشرور أن تصيبه ، إلى أنْ توفّي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكانت الوجبة بأمير المؤمنين والدائرة عليه ، كما أنّه في هذا الكلام يشير بأنّ قريشاً ستقتل الحسن والحسين أيضاً انتقاماً من النبي.
وقال عليهالسلام في خطبة له : « وقال قائل : إنّك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص ، فقلت : بل أنتم ـ والله ـ أحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلما قرّعته بالحجة في الملأ الحاضرين هبّ كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به.
اللهم إني استعديك علىٰ قريش ومن أعانهم ، فانهم قطعوا رحمي ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا علىٰ منازعتي أمراً هو لي ، ثم قالوا : ألا إنَّ في الحق أنْ تأخذه وفي الحق أن تتركه » (١).
وفي كتاب له عليهالسلام إلى عقيل : « فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنّهم قد أجمعوا علىٰ حربي إجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجزت قريشاً عنّي الجوازي ، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة : ١٧٢.
أُمّي » (١).
وروىٰ ابن عدي في الكامل في حديثٍ : فقال أبو سفيان : مثل محمّد في بني هاشم مثل ريحانة وسط نتن ، فانطلق بعض الناس إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبروا النبي ، فجاء صلىاللهعليهوسلم ـ يعرف في وجهه الغضب ـ حتّى قام فقال : « ما بال أقوال تبلغني عن أقوام » إلى آخر الحديث.
هذا في الكامل لابن عدي (٢) بهذا النص ، والقائل أبو سفيان.
وهو بنفس السند واللفظ موجود أيضاً في بعض المصادر الاُخرىٰ ، إلا أنّهم رفعوا كلمة : « فقال أبو سفيان » ، ووضعوا كلمة : « فقال رجل ».
لاحظوا مجمع الزوائد (٣).
وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : أتىٰ ناس من الأنصار إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنّا نسمع من قومك ، حتّى يقول القائل منهم إنّما مثل محمّد مثل نخلة نبتت في الكبا (٤).
والكبا الأرض غير النظيفة.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١٦ / ١٥١.
(٢) الكامل في الضعفاء ٣ / ٢٨.
(٣) مجمع الزوائد ٨ / ٢١٥.
(٤) مجمع الزوائد ٨ / ٢١٥.
لكن هذا الحديث أيضاً في بعض المصادر محرّف.
ثمّ إنّ السبب في هذه الضغائن ماذا ؟ ليس السبب إلاّ أقربية أمير المؤمنين عليهالسلام إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فينتقمون منه انتقاماً من النبيّ ، مضافاً إلى مواقف أمير المؤمنين عليهالسلام في الحروب وقتله أبطال قريش ، وهذا ما صرّح به عثمان لأمير المؤمنين في كلام له معه عليه الصلاة والسلام ، أذكر لكم النص الكامل.
ذكر الآبي في كتاب نثر الدرر ـ وهو كتاب مطبوع موجود ـ وعنه أيضاً ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابن عباس قال : وقع بين عثمان وعلي كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب (١).
هذه هي الأحقاد والضغائن ، ولم يتمكّنوا من الإنتقام من رسول الله ، فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هو صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهكذا توالت القضايا ، انتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين ، وانتقموا ، وانتقموا ، إلىٰ يوم الحسين عليهالسلام وبعد يوم الحسين عليهالسلام .. وإلىٰ اليوم ... .
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٩ / ٢٢.