مظلوميّة الزهراء عليها السلام

السيّد علي الحسيني الميلاني

مظلوميّة الزهراء عليها السلام

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-261-X
الصفحات: ٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

النفر عندك أن أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت (١).

وفي تاريخ الطبري بسند آخر :

أتى عمر بن الخطّاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير [ هذه نقاط مهمّة حسّاسة لا تفوتنّكم ، في البيت كان طلحة أيضاً ، الزبير كان من أقربائهم ، أمّا طلحة فهو تيميّ ] ورجال من المهاجرين فقال : والله لاُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه (٢).

وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد.

لكن بعض كبار الحفّاظ منهم لم تسمح له نفسه لأنْ ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف ، لاحظوا كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ، فإنّه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزّار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة ، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه :

إنّ عمر قال لها : ما أحد أحبّ إلينا بعده منك ، ثمّ قال : ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولأن يبلغني لأفعلنّ

__________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٣٢.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٢.

٦١

ولأفعلن (١).

نفس الخبر ، بنفس السند ، عن نفس الراوي ، وهذا التصرف ! وأنتم تريدون أنْ ينقلوا لكم إنّه أحرق الدار بالفعل ؟ وأيُّ عاقل يتوقّع من هؤلاء أنْ ينقلوا القضيّة كما وقعت ؟ إنّ من يتوقّع منهم ذلك إمّا جاهل وإمّا يتجاهل ويضحك علىٰ نفسه !!

٢ ـ المجيء بقبس أو بفتيلة :

وهناك عنوان آخر ، وهو « جاء بقبس » أو « جاء بفتيلة » هذا أيضاً أنقل لكم بعض مصادره :

روىٰ البلاذري المتوفىٰ سنة ٢٢٤ في أنساب الأشراف بسنده : إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقّته فاطمة علىٰ الباب ، فقالت فاطمة : يابن الخطّاب ، أتراك محرّقاً عَلَيّ بابي ؟! قال : نعم ، وذلك أقوىٰ فيما جاء به أبوك (٢).

وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه المتوفىٰ سنة ٣٢٨ : وأمّا علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر

__________________

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ٩٧٥.

(٢) أنساب الأشراف ١ / ٥٨٦.

٦٢

[ ولم يكن عمر هو الذي بادر ، بَعَثَ أبو بكر عمر بن الخطّاب ] ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إنْ أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أنْ يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأُمّة (١).

أقول : وقارنوا بين النصوص بتأمّل لتروا الفوارق والتصرّفات.

وروىٰ أبو الفداء المؤرخ المتوفىٰ سنة ٧٣٢ ه‍ في المختصر في أخبار البشر الخبر إلىٰ : وإنْ أبوا فقاتلهم ، ثمّ قال : فأقبل عمر بشيء من نار علىٰ أن يضرم الدار (٢).

٣ ـ إحضار الحَطَب ليحرّق الدار

وهذا هو العنوان الثالث ، ففي رواية بعض المؤرّخين : أحضر الحَطَب ليحرّق عليهم الدار ، وهذا في تاريخ المسعودي ( مروج الذهب ) وعنه ابن أبي الحديد في شرح النهج عن عروة بن الزبير ، إنّه كان يعذر أخاه عبدالله في حصر بني هاشم في الشِعب ، وجمعه الحطب ليحرّقهم ، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبدالله

__________________

(١) العقد الفريد ٥ / ١٣.

(٢) المختصر في أخبار البشر ١ / ١٥٦.

٦٣

ابن الزبير : بأنّ عمر أحضر الحطب ليحرّق الدار علىٰ من تخلّف عن البيعة لأبي بكر (١).

« أحضر الحطب » هذا ما يقوله عروة بن الزبير ، وأولئك يقولون « جاء بشيء من نار » فالحطب حاضر ، والنار أيضاً جاء بها ، أتريدون أنْ يصرّحوا بأنّه وضع النار على الحطب ، يعني إذا لم يصرّحوا بهذه الكلمة ولن يصرّحوا ! نبقىٰ في شك أو نشكّك في هذا الخبر ، الخبر الذي قطع به أئمّتنا ، وأجمع عليه علماؤنا وطائفتنا ؟!!

٤ ـ المجيء للإحراق :

وهذه عبارة أُخرىٰ : إنّ عمر جاء إلىٰ بيت علي ليحرّقه أو ليحْرقه.

وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر لابن الشحنة المؤرخ المتوفىٰ سنة ٨٨٢ ه‍ ، وكتابه مطبوع علىٰ هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير ـ وهو تاريخ معتبر ـ يقول : إنّ عمر جاء إلىٰ بيت علي ليحرّقه على من فيه ، فلقيته فاطمة فقال : أُدخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة.

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٨٦ ، شرح ابن أبي الحديد ٢٠ / ١٤٧.

٦٤

هذا ، وفي كتابٍ لصاحب الغارات إبراهيم بن محمّد الثقفي ، في أخبار السقيفة ، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي ، عن أحمد ابن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : « والله ما بايع علي حتّى رأىٰ الدخان قد دخل بيته ».

كتاب السقيفة لهذا المحدّث الكبير لم يصلنا ، نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور : الشريف المرتضىٰ في كتاب الشافي في الإمامة.

وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص ـ إبراهيم بن محمّد الثقفي المتوفىٰ سنة ٢٨٠ أو ٢٨٣ ه‍ ـ نرىٰ من مؤلّفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب ، ولم يصلنا هذان الكتابان ، وقد ترجم له علماء السنّة ولم يجرحوه بجرح أبداً ، غاية ما هناك قالوا : رافضي.

نعم هو رافضي ، ألّف كتاب السقيفة وألّف كتاب المثالب ، ونقل مثل هذه الأخبار ، روى مسنداً عن الصادق أبي عبدالله جعفر بن محمّد : والله ما بايع علي حتّى رأىٰ الدخان قد دخل بيته.

وممّا يدلّ على صحّة روايات هذا الشخص ـ إبراهيم بن محمّد الثقفي ـ ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال : لمّا صنّف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة أن يخفيه ولا يظهره ،

٦٥

فقال : أيّ البلاد أبعد عن التشيّع ؟ فقالوا له : إصفهان ـ إصفهان ذاك الوقت ـ ، فحلف أنْ يخفيه ولا يحدّث به إلاّ في إصفهان ثقةً منه بصحة ما أخرجه فيه ، فتحوّل إلى إصفهان وحدّث به فيها (١).

ذكره أبو نعيم الاصبهاني في أخبار اصبهان.

في هذه الرواية : « والله ما بايع علي حتّى رأىٰ الدخان قد دخل بيته » ، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة ، صرّحوا « بالحطب » صرّحوا « بالنار » صرّحوا « بالقبس » صرّحوا « بالفتيلة » صرّحوا بكذا وكذا ، إلا أنّهم يتجنّبون التصريح بكلمة إنّه وضع النار على الحطب ، وتريدون أنْ يصرّحوا بهذه الكلمة ؟ أما كانوا عقلاء ؟ أما كانوا يريدون أن يبقوا أحياء ؟ إنّ ظروفهم ما كانت تسمح لهم لأنْ يرووا أكثر من هذا ، ومن جهةٍ أُخرى ، كانوا يعلمون بأنّ القرّاء لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر ممّا يقولون ، ويستشمّون من هذا الذي يذكرون الأمور الأُخرىٰ التي لا يذكرون ، أتريدون أنْ يقولوا بأنّ ذلك وقع بالفعل ويصرّحوا به تمام التصريح ، حتّى إذا لم تجدوا التصريح الصريح والتنصيص الكامل تشكّون أو تشكّكون ، هذا والله لعجيب !

__________________

(١) لسان الميزان ١ / ١٠٢.

٦٦



المسألة الثالثة

إسقاط جنينها عليها‌السلام

وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً ، يعرف ذلك كلّ من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم.

لقد نصّت رواياتهم على أنّه كان لعلي عليه‌السلام من الذكور ثلاثة أولاد : حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسِّن أو محسَّن ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمّىٰ هؤلاء بهذه الأسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون : شَبَر شُبير ومشبّر ، وهذا موجود في : مسند أحمد (١) ، وموجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم (٢) ، والذهبي أيضاً صحّحه (٣) ، وموجود في مصادر أُخرى.

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ١١٨.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٥.

(٣) المستدرك على الصحيحين. ذيله.

٦٧

فيبقىٰ السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الإسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الإسم ... فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون ، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرىٰ في المباحث الآتية ، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحمّلوا ما تحمّلوا.

أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة ٣٥٢ ه‍.

قال الذهبي بترجمته : الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي [ أصبح شيعياً !! ] محدِّث الكوفة ، حدّث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن مردويه ، ويحيىٰ بن إبراهيم المزكِّي ، وأبو الحسن ابن الحمّامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون. كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة ، إلاّ أنّه يترفّض [ لماذا يترفّض ؟ ] قد ألّف في الحطّ على بعض الصحابة » (١).

لا يقول أكثر من هذا : ألّف في الحطّ علىٰ بعض الصحابة ، فهو

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٧٦.

٦٨

إذنْ يترفّض.

ولو راجعتم كتابه الآخر ميزان الإعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي (١) فيقول : قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ ـ بعد أن أرّخ موته ـ كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن (٢).

كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو ـ إذن ـ خارج عن الاستقامة !!

أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين ـ هذا الرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه (٣) ـ هذا الشخص عندما دنا أجله ، أرسل إلىٰ أحد أصحابه ، وحدّثه عن رسول الله بمتعة الحج ـ التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه تحريمها ـ ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به ، وإنْ

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٤ / ٣٠٩.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ١٣٩.

(٣) الإصابة في معرفة الصحابة ٣ / ٢٦.

٦٩

مات فليحدّث (١).

نعم ، كان هذا الرجل مستقيم الأمر عامّة دهره ، لا ينقل مثل هذه القضايا ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل ، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره !! ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ جعل يُقرأ له المثالب ومنها هذا : « دخلت عليه ورجل يقرأ » فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً ، اتفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر ، وذلك في أواخر حياته ، حتّى إذا مات ، أو حتّى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره.

ورجل آخر هو : النظّام ، إبراهيم بن سيّار النظّام المعتزلي المتوفىٰ سنة ٢٣١ ه‍.

هذا أيضاً ينصّ على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلاً جليلاً ، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في

__________________

(١) نصّ الخبر : عن مطرف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه ، فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أنْ ينفعك بها بعدي ، فإنْ عشت فاكتم عَلَيّ وإنْ متُّ فحدّث بها إنْ شئت ، إنّه قد سُلّم علي ، واعلم أنّ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جمع بين حج وعمرة ، ثمّ لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبي الله ، فقال رجل برأيه فيها ما شاء. راجع باب جواز التمتّع من الصحيحين ، وهو في المسند ٤ / ٤٣٤.

٧٠

المسائل الكلامية ، تذكر في الكتب ، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذّة ، إلاّ أنّه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنّه كان يقول : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.

وممّن نقل عنه هذا : الشهرستاني في الملل والنحل ، والصّفدي في الوافي بالوفيات (١) ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين.

وممّن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف ، لكن لو تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة ، الكتاب محرّف.

ابن شهرآشوب المتوفىٰ سنة ٥٨٨ ه‍ ينقل عن كتاب المعارف قوله : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي (٢).

أمّا في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق !! فلفظه : أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير (٣).

وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي يقول :

__________________

(١) الملل والنحل ١ / ٥٩ ، الوافي بالوفيات ٦ / ١٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٥٨.

(٣) المعارف : ٢١١.

٧١

مات طفلاً (١).

لكن البعض الآخر منهم ـ وهو الحافظ محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين ، وله كتب منها نُزل الأبرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار ، يقول بأنّه مات صغيراً (٢).

وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه ـ حيث حدّثه قضية هبّار بن الأسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول الله فألقت ما في بطنها ـ قال شيخه : لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول الله دم هبّار لأنّه روّع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لابدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك.

هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد.

فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة روّعت فألقت محسناً ؟ فقال : لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه (٣).

نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرّفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون.

__________________

(١) تذكرة خواص الأمة : ٥٤.

(٢) نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : ٧٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٤ / ١٩٢.

٧٢



المسألة الرابعة

كشف بيتها عليه‌السلام

وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء ، وهجموا على دارها ، وهذا من الأمور المسلّمة التي لا يشكّ ولا يشكّك فيها أحد حتّىٰ ابن تيميّة ، ولو أنّ أحداً شكّ ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيميّة ، فكيف لو كان يدّعي التشيّع أو يدّعي كونه من ذريّة رسول الله وفاطمة الزهراء ؟

ورووا عن أبي بكر أنّه قال قبيل وفاته : إنّي لا آسىٰ على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله.

وهذا حديث مهم جدّاً ، والقدر الذي نحتاج إليه الآن :

أوّلاً : قوله : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن

٧٣

كانوا قد غلقوه على الحرب.

ثانياً : قوله : وددت أني كنت سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد.

أترونه صادقاً في تمنّيه هذا ؟ ألم يكن ممّن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف والمشاهد ؟

وأمّا هذا الخبر ـ خبر تمنّيه هذه الأُمور ـ ففي : تاريخ الطبري ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه ، وفي الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاّم المحدّث الحافظ الكبير الإمام ، وفي مروج الذهب للمسعودي ، وفي الإمامة والسياسة لابن قتيبة (١).

ولكن هنا أيضاً يوجد تحريف ، فراجعوا كتاب الأموال ، فقد جاء فيه بدل قوله : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة ، هذه الجملة : وددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا.

يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة : كذا وكذا !!

أتريدون أنْ ينقلوا الحقائق على ما هي عليه ؟ وممّن تريدون هذا ؟ وممّن تتوقّعون ؟.

أمّا ابن تيميّة ، فلا ينكر أصل القضيّة ، ولا ينكر تمنّي أبي بكر ،

__________________

(١) كتاب الأموال : ١٣١ ، الإمامة والسياسة ١ / ١٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٤٣٠ ، العقد الفريد ٢ / ٢٥٤.

٧٤

وإنّما يبرّر !! لاحظوا تبريره هذه المرّة يقول : إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ليعطيه للمسلمين !!

وكذلك يفعلون !!

وكذلك يقولون !!

ذكرنا مسألة فدك ، وإحراق البيت ، وإسقاط الجنين ، وكشف البيت وهجومهم على البيت بلا إذن وأنّهم فعلوا ما فعلوا !!

٧٥
٧٦



قضايا أُخرىٰ

وبقيت أُمور أتعرّض لها باختصار :

الأمر الأول :

إنّ فاطمة سلام الله عليها ماتت ولم تبايع أبا بكر ، ماتت وهي واجدة على أبي بكر ، وهذا موجود في الصحاح وغيرها ، وقد قرأنا نصّ الحديث عن عائشة.

أترون أنّها ماتت بلا إمام ؟ ماتت ولم تعرف إمام زمانها ؟ وماتت ميتة جاهلية وهي التي فضّلوها على أبي بكر وعمر ؟ وهي التي قالوا بأنّ إيذاءها كفر ومحرّم ؟ ماتت بغير إمامٍ ميتةً جاهلية ؟ أيقولها أحد ؟ فمن كان إمامها ؟

الأمر الثاني :

إنّ عليّاً عليه‌السلام لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء ، ولم يخبره بأمرها ، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها.

٧٧

وأنتم تعلمون أنّ الصلاة على الميّت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة ، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحقّ لأحدٍ أنْ يتقدّم للصلاة على ميّت إلاّ بإذن خاص ، ولذا لمّا دفنوا عبدالله بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان ، أرسل عثمان إلى عمّار بن ياسر وضرب عمّار لهذه الغاية ، ولهذا السبب ، وله نظائر كثيرة.

فكان عدم إخباره أبابكر للحضور للصلاة رمزاً وعلامةً لرفض إمامته وخلافته.

ولكن القوم يعلمون بهذا ، القوم يعلمون بأنّ عدم صلاة أبي بكر على الزهراء دليل على عدم إمامته ، فوضعوا حديثاً بأنّ عليّاً أرسل إلى أبي بكر ، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدّة من الأصحاب وصلّوا على الزهراء ، واقتدىٰ علي بأبي بكر في تلك الصلاة ، وكبّر أبو بكر أربعاً في تلك الصلاة !! لاحظوا الكذب !! أنقل لكم هذا النص :

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبدالله بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي : أحد الضعفاء ، [ هذا الشخص أحد الضعفاء ] أتىٰ عن مالك [ مالك بن أنس ] بمصائب منها : عن جعفر بن محمّد.

يتقوّلون على أهل البيت ويضعون الأخبار عن أهل البيت

٧٨

أنفسهم ! وكم له من نظير ، ولي مذكّرات من هذا القبيل ، إنّهم كثيراً مّا يضعون الأشياء عن لسان أهل البيت ، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه ، وعن لسان ولده محمّد بن الحنفيّة ينقلون كثيراً من الأشياء ، عندي مذكّرات في هذا الباب.

وهذا الخبر : عن جعفر بن محمّد يرويه عن أبيه الباقر عن جدّه قال : توفّيت فاطمة ليلاً ، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة ، فقال أبو بكر لعلي : تقدّم فصلِّ ، قال لا ، لا والله لا تقدّمت وأنت خليفة رسول الله ، فتقدّم أبو بكر وكبّر أربعاً (١).

هذا من مصائب أُمّتنا ، أنْ لا تنقل القضايا كما هي ، وتوضع في مقابلها موضوعات.

الأمر الثالث :

وكان دفنها ليلاً بوصيةٍ منها ، لتبقىٰ مظلوميّتها على مدىٰ التأريخ ، وخطاب أمير المؤمنين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق ، وحقيق على كلّ مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء سلام

__________________

(١) لسان الميزان ٣ / ٣٣٤.

٧٩

الله عليها.

يقول ابن تيميّة في مقام الجواب : كثير من الناس دفنوا ليلاً.

ولكن فاطمة أوصت أن تغسّل ليلاً وأنْ تدفن ليلاً ، وأنْ لا يخبر أحد ممّن آذاها.

٨٠