الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢
من كلام محمد بن علي الباقر عليه السلام
قال : « كن لما لا ترجو ، أرجى منك لما ترجوا ، فإنّ موسى عليهالسلام خرج ليقتبس ناراً فرجع نبياً مرسلاً ».
وقال لبعض شيعته : « إنا لا نغني عنكم من الله شيئاً إلا بالورع ، وإنّ ولايتنا لا تدرك إلا بالعمل ، وإن أشدّ الناس يوم القيامة حسرة من وصف عدلاً وأتى جوراً ».
وقال عليهالسلام : « إذا علم الله تعالى حسن نية من أحد ، اكتنفه بالعصمة ».
وقال عليهالسلام : « صانع المنافق بلسانك ، وأخلص ودك للمؤمنين ، وإن جالسك يهوديّ فأحسن مجالسته ».
وقال عليهالسلام : « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وتركك حديثاً لم تروه ، خير من روايتك حديثاً لم تحصه ، إن على كل حق نوراً ، وما خالف كتاب الله فدعوه ، إن أسرع الخير ثواباً البر ، وإن أسرع الشر عقوبة البغي ، وكفى بالمرء عيباً أن ينظر إلى ما يعمى عنه من نفسه ، ويعيّر الناس بما لا يتقيه عن نفسه ، أويتكلم بكلام لا يعنيه ».
قال : « من عمل بما يعلم ، علمه الله ما لا يعلم ».
واجتمع عنده جماعة من بني هاشم وغيرهم ، فقال لهم : « اتقوا الله ـ شيعة آل محمد ـ وكونوا الفرقة (١) الوسطى ، يرجع اليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي ».
قالوا له : وما الغالي؟.
قال : « الذي يقول فينا ، ما لا نقوله في أنفسنا ».
قالوا : وما التالي؟
قال : « الذي يطلب الخير فتزيدونه (٢) خيراً ، إنه والله ما بيننا وبين الله من قرابة ، ولايتنا عليه حجة ، ولا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة ، فمن كان منكم مطيعاً لله يعمل بطاعته ، نفعته ولايتنا ـ أهل البيت ـ ومن كان منكم عاصياً لله يعمل بمعاصيه
__________________
١ ـ في البحار : النمرقة.
٢ ـ في البحار : فيزيد به.
لم تنفعه ولايتنا ، ويحكم لا تغترّوا ، ويحكم لا تغترّوا ، ويحكم لا تغترّوا ».
وقال لبعض شيعته ، وقد أراد سفراً فقال له : أوصني.
فقال : « لا تسيرنّ شبراً وأنت حاف ، ولا تنزلنّ عن دابتك ليلاً إلا ورجلاك في خف ، ولا تبولنّ في نفق ، ولا تذوقن بقلة ولا تشمها حتى تعلم ماهي ، ولا تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه ، ولا تسيرنّ إلا مع من تعرف ، واحذر من [ لا ] (١) تعرف ».
وقيل له : من أعظم الناس قدراً؟ فقال : « من لا يبالي في يد من كانت الدنيا ».
وقال عليهالسلام : « تعلموا العلم ، فإن تعلمه حسنة ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، والعلم ثمار الجنة ، واُنس في الوحشة ، وصاحب في الغربة ، ورفيق في الخلوة ، ودليل على السرّاء ، وعون على الضرّاء ، ودين عند الأخلاّء ، وسلاح عند الأعداء ، يرفع الله به قوماً فيجعلهم في الخير سادة ، وللناس أئمة ، يقتدى بفعالهم ، وتقتص آثارهم ، ويصلّي عليهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامّه ، وسباع البر وأنعامه » (٢).
* * *
__________________
١ ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار.
٢ ـ البحار ٧٨ : ١٨٨ / ٣٩ عن أعلام الدين من قوله عليهالسلام : « كن لمن لا ترجوا ... ».
ومن كلام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
« المؤمن يداري ولا يماري ».
وقال عليهالسلام : « من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كان في غده شراً من يومه فهو مفتون ، ومن لم يتفقد النقصان في نفسه دام نقصه ، ومن دام نقصه فالموت خير له ، ومن أذنب من غير عمد كان للعفو أهلا ».
وقال عليهالسلام : « اطلبوا التعلم ولو بخوض اللجج وشق المهج ».
وقال عليهالسلام : لجاهل سخي ، خير من ناسك بخيل ».
وسئل عليهالسلام عن التواضع ، فقال : « هو أن ترضى من المجلس بدون شرفك ، وأن تسلم على من لقيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً ».
وقال عليهالسلام : « إذا رق (١) العرض استصعب جمعه ».
وقال صلى الله عليه : « المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ممّا له (٣) »
وقال عليهالسلام : « كتاب الله عز وجل [ على ] (٣) أربعة أشياء على العبارة ، والإشارة ، واللطائف ، والحقائق ، فالعبارة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء عليهمالسلام ».
وقال عليهالسلام : « من سأل فوق قدره استحق الحرمان ».
وقال عليهالسلام : « من أكرمك فاكرمه ، ومن استخفك فاكرم نفسك عنه ».
وقال عليهالسلام : « من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع ، والمعارضة قبل أن يفهم ، والحكم بما لا يعلم ».
وقال عليهالسلام : « سرك من دمك ، فلا تجريه في غير أوداجك ».
وقال عليهالسلام : « صدرك أوسع لسرك ».
وقال عليهالسلام : « أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس
__________________
١ ـ في البحار : دق.
٢ ـ في الأصل والبحار : ماله ، وما أثبتناه من كشف الغمة ٢ : ٢٠٨.
٣ ـ أثبتناه من البحار.
عقلاً من ظلم من دونه ولم يصفح عمّن اعتذر إليه ، والقادر على الشيء سلطان ».
وقال عليهالسلام : « المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل ».
وقال عليهالسلام : « لا تشر على المستبد برأيه ».
وقال عليهالسلام : « إن القلب يحيا ويموت ، فإذا حيي فأدبه بالتطوع ، وإذا مات فاقصره على الفرائض ».
وقال عليهالسلام : « لا تحدث من تخاف أن يكذّبك ، ولا تسأل من تخاف أن يمنعك ، ولا تثق في من تخاف أن يغدر بك ، ومن لم يؤاخ إلاّ من لا عيب فيه قلّ صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلاّ بإيثاره له على نفسه دام سخطه ، ومن عاتب على كل ذنب كثر تعتبه » (١).
وقال عليهالسلام : « من عذب لسانه زكا عقله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن برّه بأهله زيد في عمره ».
وقال عليهالسلام : « إن الزهاد في الدنيا نور الجلال عليهم ، وأثر الخدمة بين أعينهم ، وكيف لا يكونون كذلك؟ وإن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك الدنيا ، فيرى عليه أثره ، فكيف بمن ينقطع إلى الله تعالى ، لا يرى اثره عليه!؟ »
وقال عليهالسلام : « صلة الرحم تهوّن الحساب يوم القيامة ، قال الله تعالى : ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يُوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) (٢) » (٣).
* * *
__________________
١ ـ في البحار : تبعته.
٢ ـ الرعد ١٣ : ٢١.
٣ ـ البحار ٧٨ : ٢٧٧ / ١١٣ عن أعلام الدين وكتاب الأربعين في قضاء حقوق المؤمنين ، من قوله عليهالسلام : « المؤمن يداري ولا يماري ».
من كلام مولانا موسى بن جعفر عليه السلام
قال عليهالسلام : « أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به (١) ، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به ، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك ، وأظهر لك فساده ، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في عملك العاجل ، فلا تشتغلنَّ بعلم ما لا يضرّك جهله ، ولا تغفلنَّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه ».
وقال عليهالسلام : « لو ظهرت الآجال ، افتضحت الآمال ».
وقال عليهالسلام : « من لم يكن له من نفسه واعظ ، تمكّن منه عدوه » يعني السلطان.
وقال عليهالسلام : « من أتى إلى أخيه مكروهاً فبنفسه بدأ ».
وقال عليهالسلام : « من لم يجد للإساءة مضضاً لم يكن عنده للإحسان موقع ».
وقال عبد المؤمن الأنصاري : دخلت على الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام ، وعنده محمد بن عبد الله الجعفري ، فتبسمت إليه ، فقال : « أتحبه؟ » فقلت : نعم ، وما أحببته إلاّ لكم. فقال عليهالسلام : « هو أخوك ، والمؤمن أخو المؤمن لأمه ولأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتّهم أخاه ، ملعون من غش أخاه ، ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون من اغتاب أخاه ».
وقال عليهالسلام : « ما تساب اثنان إلا انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل ».
وقدم على الرشيد رجل من الأنصار يقال له : (نفيع) وكان عريفاً ، فحضر يوماً بباب الرشيد ، وتبعه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، وحضر موسى بن جعفر عليهالسلام على حمار له ، فتلقّاه الحاجب بالإكرام والإجلال ، وأعظمه من كان هناك ، وعجّل له الإذن ، فقال نفيع لعبد العزيز : من هذا الشيخ؟ فقال له : أفما تعرفه؟ هذا شيخ آل أبي طالب ، هذا موسى بن جعفر عليهالسلام. فقال نفيع : ما رأيت اعجب من هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجل لو يقدر على زوالهم عن السرير لفعل ، أما إن خرج لأسوأنه ، فقال له عبد العزيز : لا تفعل ، فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرض لهم
__________________
١ ـ في الأصل : لأنه ، وما أثبتناه من البحار.
أحد بخطاب ، إلاّ وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى (١) الدهر.
وخرج موسى عليهالسلام ، فقام إليه نفيع فأخذ بلجام حماره ، ثم قال له : من أنت؟ قال : « يا هذا ، إن كنت تريد النسب ، فأنا ابن محمد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله ، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله عزّ وجلّ عليك وعلى المسلمين ـ إن كنت منهم ـ الحج إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة فو الله ما رضي [ مشركي ] (٢) قومي مسلمي قومك أكفاء لهم ، حتى قالوا : يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قريش. خلّ عن الحمار » فخلّى عنه ويده ترعد ، وانصرف بخزي ، فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك؟
وقيل : حج الرشيد فلقيه موسى على بغلة له ، فقال له الرشيد : مثلك في حسبك ونسبك وتقدّمك يلقاني على بغلة ، فقال : « تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة الحمير » (٣).
* * *
__________________
١ ـ في البحار : أبد.
٢ ـ أثبتناه من البحار.
٣ ـ البحار ٧٨ : ٣٣٣ / ٩ عن أعلام الدين ، من قوله عليهالسلام : « أولى العلم بك ... ».
من كلام الرضا عليه السلام
« من رضي من (١) الله تعالى بالقليل من الرزق ، رضياللهعنه بالقليل من ألعمل ».
وقال عليهالسلام : « من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر ».
وقال عليهالسلام : « لا يسلك طريق القناعة إلا رجلان : إما متعبد يريد أجر الآخرة ، أوكريم يتنزه عن لئام الناس ».
وقال عليهالسلام : « الإسترسال بالاُنس يذهب المهابة ».
وقال : « من صدق الناس كرهوه ».
وقال عليهالسلام للحسن بن سهل ، وقد عزاه بموت ولده : « التهنئة بآجل الثواب ، أولى من التعزية على عاجل المصيبة ».
وقال عليهالسلام : « إن للقلوب إقبالاً وإدباراً ونشاطاً وفتوراً ، فإذا أقبلت بصرت وفهمت ، وإذا أدبرت كلّت وملّت ، فخذوها عند إقبالها ونشاطها ، واتركوهاعند إدبارها وفتورها ».
وقال عليهالسلام للحسن بن سهل ، وقد سأله عن صفة الزاهد ، فقال عليهالسلام : « متبلّغ بدون قوته ، مستعد ليوم موته ، متبرّم بحياته ».
وقال عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : ( فاصفح الصفح الجميل ) (٢) فقال : « عفو من غير عقوبة ، ولا تعنيف ، ولا عتب ».
واُتي المأمون برجل يريد أن يقتله ، والرضا عليهالسلام جالس ، فقال : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال عليهالسلام : « إن الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلا عزاً » فعفا عنه.
وسئل عليهالسلام عن المشيئة والإرادة ، قال : « المشيئة : الإهتمام بالشيء ، والإرادة : إتمام ذلك الشيء ».
__________________
١ ـ في البحار : عن.
٢ ـ الحجر١٥ : ٨٥.
وقال عليهالسلام : « الأجل آفة الأمل ، والعرف ذخيرة الأبد ، والبر غنيمة الحازم ، والتفريط مصيبة ذوي القدرة ، والبخل يمزّق العرض ، والحب داعي المكاره ، وأجلُّ الخلائق وأكرمها اصطناع المعروف ، وإعانة (١) الملهوف ، وتحقيق أمل الآمل ، وتصديق مخيلة (٢) الراجي ، والإستكثار من الأصدقاء في الحياة ، يكثر الباكين بعد الوفاة » (٣).
* * *
__________________
١ ـ في البحار : وإغاثة.
٢ ـ المخيلة : الظن « القاموس المحيط ـ خيل ـ ٣ : ٣٧٢ ».
٣ ـ البحار ٧٨ : ١٢ / ٣٥٦ عن أعلام الدين ، من قوله عليهالسلام : « من رضي من الله تعالى ... ».
من كلام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليهما السلام
قال عليهالسلام : « كيف يضيع مَن الله كافله؟ وكيف ينجو مَن الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه ، ومن عمل على غير علم أفسد أكثر ممّا يصلح ».
وقال عليهالسلام : « من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه ».
وقال عليهالسلام : « من هجر المداراة قارنه المكروه ، ومن لم يعرف الموارد أعيته المصادر ، ومن انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة وللعاقبة المتعبة ».
وقال عليهالسلام : « قد عاداك من ستر عنك الرشد اتّباعاً لما تهواه ».
وقال عليهالسلام : « راكب الشهوات لا تقال عثرته ».
وقال عليهالسلام : « الثقة بالله تعالى ثمن لكل غال ، وسلم إلى كل عال ».
وقال عليهالسلام : « إياك ومصاحبة الشرير ، فإنه : كالسيف : يحسن منظره ، ويقبح أثره ».
وقال عليهالسلام : « الحوائج تطلب بالرجاء ، وهي تنزل بالقضاء ، والعافية أحسن عطاء ».
وقال عليهالسلام : « إذا نزل القضاء ضاق الفضاء ».
وقال عليهالسلام : « لا تعاد أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى ، فإن كان محسناً لا يسلّمه اليك ، وإن كان مسيئاً فإن علمك به يكفيكه فلا تعاده ».
وقال عليهالسلام : « لا تكن ولياً لله تعالى في العلانية عدواً له في السر ».
وقال عليهالسلام : « التحفظ على قدر الخوف ».
وقال عليهالسلام : « عز المؤمن في غناه عن الناس ».
وقال عليهالسلام : « نعمة لا تشكر كسيّئة لا تغفر ».
وقال عليهالسلام : « لا يضرّك سخط من رضاه الجور ».
وقال عليهالسلام : « من لم يرض من أخيه بحسن النية ، لم يرض منه
بالعطية ».
وقال : عليهالسلام : « الأيام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة ».
وقال عليهالسلام : « تعزّ عن الشيء إذا ضيعته ، لقلة صحبته إذا أعطيته » (١).
* * *
__________________
١ ـ البحار ٧٨ : ٣٦٤ / ٥ عن أعلام الدين ، من قوله عليهالسلام « كيف يضيع من الله كافله ... ».
من كلام الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام
« من رضي عن نفسه ، كثر الساخطون عليه ».
وقال عليهالسلام : « المقادير تريك مالم يخطر ببالك ».
وقال عليهالسلام : « من أقبل مع أمر ، ولّى مع انقضائه ».
وقال عليهالسلام : « راكب الحرون (١) أسير نفسه ، والجاهل أسير لسانه ».
وقال عليهالسلام : « الناس في الدنيا بالأموال ، وفي الآخرة بالأعمال ».
وقال عليهالسلام : « المراء يفسد الصداقة القديمة ، ويحلل العقدة الوثيقة ، وأقل ما فيه أن تكون فيه المغالبة ، والمغالبة اُسّ أسباب القطيعة ».
وقال عليهالسلام : « العتاب مفتاح المقال ، والعتاب خير من الحقد ».
وقال عليهالسلام : « المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنتان ».
وقال يحيى بن عبدالحميد : سمعت أبا الحسن عليهالسلام ، يقول لرجل ذم إليه ولداً له فقال : « العقوق ثكل من لم يثكل ».
وقال عليهالسلام : « الهزل فكاهة السفهاء ، وصناعة الجهّال ».
وقال عليهالسلام في بعض مواعظه : « السهر ألذ للمنام ، والجوع يزيد في طيب الطعام » يريد به الحث على قيام الليل وصيام النهار.
وقال عليهالسلام : « اذكر مصرعك بين يدي أهلك ، ولا طبيب يمنعك ، ولاحبيب ينفعك ».
وقال عليهالسلام : « اذكر حسرات التفريط تأخذ بقديم الحزم ».
وقال عليهالسلام : « الغضب على من لا تملك عجز ، وعلى من تملك لؤم ».
وقال عليهالسلام : « الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة ».
وقال عليهالسلام : « خير من الخير فاعله ، وأجمل من الجميل قائله ، وأرجح من العلم حامله ، وشرمن السوء جالبه ، وأهول من الهول راكبه ».
وقال عليهالسلام : « إياك والحسد ، فإنه يبين فيك ، ولا يعمل في عدوك ».
__________________
١ ـ حرن الحيوان : إذا وقف ولم يطع سائقه ولا قائده في المشي ، اُنظر « الصحاح ـ حرن ـ ٥ : ٢٠٩٧ ».
وقال عليهالسلام : « إذا كان زمانٌ ، العدل فيه أغلب من الجور ، فحرام أن تظن بأحد سوءاً حتى يعلم ذلك منه ، وإذا كان زمانٌ الجور أغلب فيه من العدل ، فليس لأحد أن يظن بأحد خيراً مالم يعلم ذلك منه ».
وقال للمتوكل جواب كلام دار بينهما : « لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه ، ولا الوفاء ممن غدرت به ، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه ، فإنما قلب غيرك [ لك ] (١) كقلبك له ».
وقال له وقد سأله عن العباس (٢) : ما تقول بنو أبيك فيه؟ فقال : « ما يقولون في رجل فرض الله طاعته على الخلق ، وفرض طاعة العباس عليه ».
وقال : « القوا النعم بحسن مجاورتها ، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها ، واعلموا أنّ النفس أقبل شي لما أعطيت ، وأمنع شيء لما مُنعت » (٣).
* * *
__________________
١ ـ أثبتناه من البحار ٧٨ : ٣٨٠.
٢ ـ يعني العباس بن عبد المطلب
٣ ـ البحار ٧٨ : ٣٦٩ / ٤ عن أعلام الدين ، من قوله عليهالسلام : « من رضى عن نفسه ... ».
من كلام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام
قال : « من مدح غير المستحق ، فقد قام مقام المتهم ».
وقال : « لا يعرف النعمة إلا الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلا العارف ».
وقال عليهالسلام : « ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك ، فإن لكل يوم رزقاً جديداً ، واعلم أنّ الإلحاح في المطالب ، يسلب البهاء ، ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه ، فما أقرب الصنيع من الملهوف ، والأمن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغير نوع من أدب الله ، والحظوظ مراتب ، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، فإنما تنالها في أوانها.
واعلم أن المدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك ، فلا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط.
واعلم أن للسخاء (١) مقداراً ، فإن زاد عليه فهو سرف ، وأن للحزم مقداراً ، فإنزاد عليه فهو تهوّر ، واحذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا خربت ».
وقال : « خير إخوانك من نسي ذنبك ، وذكر إحسانك إليه ».
وقال : « أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته ».
وقال : « حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن ».
وقال : « أولى الناس بالمحبة منهم من أملوه ».
وقال عليهالسلام : « من أنس بالله استوحش من الناس ، وعلامة الأنس بالله الوحشة من الناس ».
وقال عليهالسلام : « جعلت الخبائث في بيت ، والكذب مفاتيحها ».
وقال : « إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودعوها ».
وقال : « أللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره ».
وقال : « الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلب (٢) من لم يجرّعه
__________________
١ ـ في الأصل : للحيا ، وما أثبتناه من البحار.
٢ ـ في البحار : القلوب.
الحلم غصص الصبر والغيظ ».
وقال : « من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة ».
وقال : « المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالإمساك عنها ».
وقال : « نائل الكريم يحبّبك إليه ويقرّبك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه ».
وقال : « من كان الورع سجيّته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته ، كثر صديقه والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه » (١).
وقال جابر بن يزيد الجعفي : دخلت على أبي جعفر الباقر عليهالسلام فقلت : أوصني يا ابن رسول ألله.
فقال : « ليعن قويكم ضعيفكم ، وليعطف غنيكم على فقيركم ، وليساعد ذو الجاه منكم بجاهه من لاجاه له ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه ، واكتموا أسراركم ، ولا تحملوا الناس على رقابنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا منه ، فإن وجدتموه موافقَ القرآن فهو من قولنا ، ومالم يكن موافقاً للقرآن ، فقفوا عنده وردوه إلينا ، حتى نشرحه لكم كما شرح لنا ».
روى عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليهالسلام ، أنه قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أوحى الله إلى نبي من انبيائه : ابن آدم ، اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي ، فلا أمحقك فيمن أمحق ، وإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك ، فإن أنتصاري لك خير من انتصارك لنفسك.
واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد ، وأن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ».
وفي التوراة مكتوب : من يظلم يخرب بيته ، وفي الإنجيل : ظالمون لا فالحون ، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى : ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) (٢).
وقيل : إذا ظلمت من دونك عاقبك من فوقك.
__________________
١ ـ البحار ٧٨ : ٣٧٨ / ٤ عن أعلام الدين ، من قوله عليهالسلام : « من مدح غير المستحق ... ».
٢ ـ النمل٢٧ : ٥٢.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من ولي من أمور أمتي شيئاً فحسنت سيرته ، رزقه الله الهيبة في قلوبهم ، ومن بسط كفه إليهم بالمعروف ، رزقه الله المحبة منهم ، ومن كفّ عن أموالهم وفّر الله ماله ، ومن أخذ للظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحباً ، ومن كثر عفوه مُدّ في عمره ، ومن عمّ عدله نصر على عدوه ، ومن خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، آنسه الله بغير أنيس ، وأعزه بغير عشيرة ، وأعانه بغير مال ».
وقال عليهالسلام وآله : « إن الله يمهل الظالم حتى يقول : قد أهملني ، ثم يأخذه أخذة رابية ، إن الله حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين ) (١) ».
* * *
__________________
١ ـ الأنعام ٦ : ٤٥.
ومن كلام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام
جاء في الحديث أن الحسن البصري كتب إلى الحسن عليهالسلام : أما بعد ، فإنكم ـ معاشر بني هاشم ـ الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، والعروة الوثقى ، والأئمة القادة ، الذين من تبعهم نجا ، ومن تخلف عنهمهوى ، والسفينة التي بركوبها ينجو المؤمنون ، ويعتصم بها المستمسكون.
أما بعد : فقد كثر ـ يا ابن رسول الله ـ عندنا الكلام في القضاء والقدر ، واختلافنا في الاستطاعة ، فتعلمنا ما ترى عليه رأيك ورأي آبائك ، فإنكم ذرية بعضها من بعض ، من علم الله علمتم ، وهو الشاهد عليكم ، وأنتم الشهداء على الناس ، والسلام.
فأجابه الحسن عليهالسلام : « أما بعد ، فقد انتهى إليَّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من اُمتنا ، وكيف ترجعون إلينا وأنتم بالقول دون الفعل! واعلم أنه لولا ما انتهى إليّ من حيرتك وحيرة الاُمة قبلك ، لأمسكت عن الجواب ، ولكني الناصح ابن الناصح الأمين.
واعلم أن الذي أنا عليه ، أنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله عز وجل فقد فجر ، إن الله سبحانه لا يطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة ، ولا أهمل العباد من الملكة ، ولكنه عز وجل المالك لما ملكهم ، والقادر على ما عليه أقدرهم ، فإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل ، فإنلم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها إجباراً ولا ألزمهم بها إكراهاً ، بل الحجة له عليهم أن عَرَّفهم ، وجعل لهم السبل إلى فعل ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه ، ولله الحجة البالغة على جميع خلقه ».
وروي أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج : تكتب إلى علماء أهل البصرة ، يكتبون إليك بما عندهم في القضاء والقدر ، فجاءته منهم أربعة أجوبة : الجواب الأول من الحسن البصري : ليس عندي في ذلك شيء أبلغ من قول علي عليهالسلام : « أيأمر بالعدل ويخالفه! وينهى عن المنكر ويؤالفه! أفلا افْترى عليه من هو بهذا وأصفه!؟ »
الجواب الثاني من واصل بن عطاء : لا أجد في ذلك كلاماً خيراً ممّا قاله علي بن أبي طالب : « أدلّك على الطريق ، ولزم عليك المضيق! إن هذا بالحكمة لايليق ».
الجواب الثالث من عمرو بن عبيد قال : ليس عندي شيء في ذلك أتم حكمة من قول علي بن أبي طالب : « إذا كان الوزر في الأصل محتوماً ، كان الوازر في القصاص مظلوماً ».
الجواب ألرابع من عامر الشعبي قال : ليس عندي شيء في ذلك أصوب منقول علي عليهالسلام : « ما استغفرته عليه فهو منك ، وما حمدته عليه فهو منه ، وما بكم من نعمة فمن الله ، وما بكم من خيانة فبما كسبت أيديكم ، وما الله بظلام للعبيد ».
ويقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، الحسن بن أبي الحسن ـ مملي ماذكرناه ـ أعانه الله على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته : إن الله تعالى قال : ( ادخلوا في السلم كافة ) (١) فهذا أمر منه بالدخول في باب الطاعة ، فكيف يجوز في العدل والحكمة ، أن يأمرهم بدخولها وقد أغلقها عنهم؟ وما هذا إلا كمن أمر العميان أن ينظروا إلى ألهلال ، والزّمن (٢) أن يعدو ، والأصم أن يسمع خفي القول ، والله تعالى يقول انه لا يظلم العباد شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون (٣). وقال سبحانه : ( وما ربك بظلام للعبيد ) (٤)
وروي أن طاووس اليماني دخل على جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام ، وكان يعلمأنه يقول بالقدر ، فقال له : « يا طاووس ، من أقبلُ للعذر من الله ممن اعتذر وهو صادق في اعتذاره؟ »
فقال : لا أحد أقبل للعذر منه.
فقال له : « من أصدق ممن قال : لا أقدر وهو لا يقدر؟ »
فقال طاووس : لا أحد أصدق منه.
فقال له الصادق : « يا طاووس ، فما بال من هو أقبل للعذر ، لا يقبل عذر منقال : لا أقدر ، وهو لا يقدر؟ »
فقام طاووس وهو يقول : ليس بيني وبين الحق عداوة ، والله أعلم حيث يجعل
__________________
١ ـ البقرة ٢ : ٢٠٨.
٢ ـ الزمن : المريض الدائم المرض ، الذي لا يرجى شفاؤه « لسان العرب ـ زمن ـ ١٣ : ١٩٩ ».
٣ ـ أقتباس من آية ٤٤ من سورة يونس : ١٠.
٤ ـ فصلت ٤١ : ٤٦.
رسالاته ، فقد قبلت نصيحتك (١).
وقال الصادق عليهالسلام لهشام بن الحكم : « ألا أعطيك جملة في العدل والتوحيد؟
قال : بلى ، جعلت فداك.
قال : « من العدل أن لا تتّهمه ، ومن التوحيد أن لا تتوهمه » (٢)
وروي عن أبي حنيفة أنه قال : أتيت الصادق عليهالسلام لأسأله عن مسائل فقيل لي : إنه نائم ، فجلست أنتظر انتباهه ، فرأيت غلاماً ـ خماسياً أوسداسياً ـ جميل المنظر ، ذا هيبة وحسن سمت ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا موسى بن جعفر ، فسلّمت عليه وقلت له : يا ابن رسول الله ، ما تقول في أفعال العباد ، ممن هي؟
فجلس ثم تربّع وجعل كمه الأيمن على الأيسر وقال : « يا نعمان ، قد سألت فاسمع ، وإذا سمعت فعه ، وإذا وعيت فاعمل : إن أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال :
إمّا من الله على انفراده ، أو من الله والعبد شركة ، أو من العبد بانفراده ، فإن كانت من الله على انفراده ، فما باله ـ سبحانه ـ يعذب عبده على ما لم يفعله ، مع عدله ورحمته وحكمته! وإن كانت من الله والعبد شركة ، فما بال الشريك القوي يعذّب شريكه على ما قد شركه فيه وأعانه عليه؟ » ثم قال : « استحال الوجهان ، يا نعمان » فقال (٣) : نعم
فقال له (٤) : « فلم يبق إلا أن يكون من العبد على انفراده ، ثم أنشأ يقول :
لم تخل أفعالنا اللاتي نُذم بها |
|
إحدى ثلاث خصال حين نبديها |
إما تفرّد بارينا بصنعتها |
|
فيسقط اللوم عنا حين نأتيها |
أو كان يشركنا فيها فيلحقه |
|
ما كان يلحقنا من لائم فيها |
أولم يكن لإلهي في جنايتها |
|
ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها » (٥) |
__________________
١ ـ أخرجه المجلسي في البحاره : ٥٨ / ١٠٥ عن أعلام الدين.
٢ ـ أخرجه ألمجلسي في البحار٥ : ٥٨ / ١٠٦ عن أعلام الدين.
٣ ـ كذا في الأصل والبحار ، ولعل المناسب للسياق : فقلت.
٤ ـ كذا في الأصل والبحار ، ولعل المناسب للسياق : فقال.
٥ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٤٨ : ١٧٥ / ١٨ عن أعلام الدين.
وروي أن ابا الهذيل (١) حضر عند أمير من أمراء البصرة ـ وكان قدرياً ـ وقد أوتي بطرار (٢) أسود أعور ، فقال له : كم يجب على هذا الطرار من سوط على طرارته؟قال له : ستون سوطاً.
فقال الأمير : إنما يقول الفقهاء عشرون سوطاً.
فقال : نعم ، عشرون سوطاً على طرارته ، وعشرون سوطاً على عوره ، وعشرون على سواده.
فقال الأمير : كيف تضربه على سواده وعوره؟ وقد خلقهما الله فيه ، وليسا من جنايته!
فقال له أبو الهذيل : وكذلك طرارته ، مخلوقة فيه على مذهبك ، إذا ضربته عليها وهي من خلق الله فيه ، فكذلك تضربه على سواده وعوره.
فقال الأمير : ما بيني وبين الحق عداوة. ثم رجع عن القول بالجبر على القبيح ودان بالعدل.
وروي أن شخصاً من أهل الإيمان والعلم وشى به رجل قدري إلى أمير من أمراء البصرة أيضا ـ وكان قدرياً ـ فقال له : إن هذا لا يرى ما يراه أهل العلى من أن أفعال العباد من الحسن والقبح من الله ، فأحضره الأمير وقال : إن هذا يقول فيك انك لا ترى أن العبد مجبور على فعل الحسن والقبيح.
فقال له المؤمن : أيها الأمير ، قد جعلتك بيني وبينه حكماً ، ثم التفت إلى القدري فقال له : ما تقول في كلمة العدل والإخلاص والتوحيد ، من قالها في الموحد؟ فقال : الله فقال : أصادق هو أم لا؟
فقال : بل صادق.
فقال له : فما تقول في كلمهّ الكفر والإلحاد ، من قالها في الملحد؟
قال : الله على مذهبه.
__________________
١ ـ هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، أبو الهذيل العبدي ، أبو الهذيل العلاف مولى عبد القيس شيخ ألمعتزلة ، وكان شيخ البصريين في الإعتزال. ومن أكبر علمائهم ، وهو صاحب مقالات في مذهبهم ومجالس ومناظرات ، ولد سنة ١٣١ وقيل : ١٣٤ وقيل : ١٣٥ هـ ، وتوفي سنة ٢٣٥ هـ ، اُنظر « تاريخ بغداد ٣ : ٣٦٦ ، وفيات ألأعيان ٤ : ٢٦٥ ، ٥ : ٤١٣ ».
٢ ـ الطرار : السارق الذي يخالس الناس « الصحاح ـ طرر ـ ٢ : ٧٢٥ ».
فقال : أصادق هو أم كاذب؟
فالتفت الإمير إلى القدري فقال له : ويلك إن قلت : صادق ، قتلتك ، وإنقلت : كاذب ، قتلتك. فخزي وانقطع ، ورجع الأمير عما كان يعتقده ، وقال بالعدل.
وروي أنه كان رجل معتوه في بني عابد ، وكان صبيانهم يرجمونه ليلاً ، فشكا ذلك إلى آبائهم ، فقالوا له : إنهم لم يرجموك وإنما يرجمك الله ، فقال : كذبتم ، فإنهم يرجموني فيصيبوني تارة ، ويخطئوني أخرى ، ولو رجمني الله ما أخطأني.
وكان رجل يجادل في القضاء والقدر أهله فيقول : إن الله تعالى يقول : ( كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ) (١) فلو كان هو الموقد لما احتاج أن يطفئ وكان لا يوقد ، وقد أخبر سبحانه بأنهم هم الموقدون ، فلا بد من تصديقه بذلك ، وبأنهم يوقدون وهو المطفئ.
* * *
__________________
١ ـ المائدة ٥ : ٦٤.