الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢
وروي عن بعض الصالحين أنه قال : نمت ليلة فسمعت هاتفاً يقول : أتنام عن حضرة الرحمان؟ وهو يقسم جوائز الرضوان ، بين الأحبة والخلان! فمن أراد منا المزيد ، فلا ينامن من ليله الطويل ، ولا يقنع من نفسه بالقليل.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يجيء يوم القيامة أطفال ألمؤمنين ، عند عرض الخلائق للحساب ، فيقول الله تعالى لجبرئيل عليهالسلام : إذهب بهؤلاء إلى الجنة ، فيقفون على أبواب الجنة ويسألون عن آبائهم وأمهاتهم ، فيقول لهم الخزنة : آباؤكموأمهاتكم ليسوا كأمثالكم ، لهم ذنوب وسيئات يطالبون بها ، فيصيحون صيحهّ باكين ، فيقول الله تعالى : ياجبرئيل ، ما هذه الصيحة؟ فيقول اللهم أنت أعلم ، هؤلاء أطفال المؤمنين يقولون : لا ندخل الجنة حتى يدخل آباؤنا واُمهاتنا ، فقول الله سبحانه وتعالى : يا جبرئيل ، تخلل الجمع وخذ بيد آبائهم واُمهاتهم فأدخلهم معهم الجنة برحمتي » (١).
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه : « ينادي مناد يوم القيامة تحت العرش : يا اُمة محمد ، ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم ، وقد بقيت التبعات بينكم ، فتواهبوا وادخلوا الجنة برحمتي ».
وقال بعض الصالحين : إذا لقيت الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبينه ، كان أهون من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا تزال هذه الاُمة بخير تحت يد الله وفي كفه (٢) ، ما لم يمالئ (٣) قراؤها أمراءها ، ولم يزل صلحاؤها فجارها ، ولم يمالئ أخيارها أشرارها ، فإذا فعلوا ذلك رفع الله تعالى يده عنهم ، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب ، وضربهم بالفاقة والفقر ، وملأ قلوبكم رعباً ».
قال ابن شهاب (٤) : بعث سليمان بن داود عليهالسلام بعض عفاريته ، وبعث
__________________
١ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٨٢ : ٢٣ / ١٥ عن أعلام الدين.
٢ ـ كذا في الأصل ، والظاهر أنه تصحيف ، صحته : كنفه ، يقال كنفت الشيء : حطُته وصنته ، والكنف : الجانب « الصحاح ـ كنف ـ ٤ : ١٤٢٤ ».
٣ ـ ما لأه : ساعده وعاونه وشايعه « الصحاح ـ ملأ ـ ١ : ٧٣ ».
٤ ـ هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب بن عبد الله الزهري ، أحد الفقهاء والمحدثين والاعلام التابعين بالمدينة ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب السجاد والصادق عليهماالسلام ، ولد سنة ٥٢ هـ وتوفي سنة ١٢٤ ، وقيل : ١٢٣ أو ١٢٥. اُنظر « رجال الشيخ : ١٠١ / ٥ و ٢٩٩ / ٣١٦ ، وفيات
معه نفراً من أصحابه فقال : إذهبوا معه فانظروا ماذا يقول ، فمرّوا به في السوق ، فرفع رأسه إلى السماء ، ونظر إلى الناس فهز رأسه ، ومرّوا به على بيت يبكون على ميت لهم فضحك ومروا به على الثوم يكال كيلاً وعلى الفلفل يوزن وزناً فضحك ، ومروا به على قوم يذكرون الله تعالى وآخرين في باطل فهز رأسه.
ثم ردوه إلى سليمان فأخبروه بما رأوا منه ، فسأله سليمان : أرأيت إذ مروا بك في السوق ، لم رفعت رأسك إلى السماء ونظرت إلى الأرض والناس؟ قال : عجبت من الملائكة على رؤوس الناس ، ما أسرع ما يكتبون! ومن الناس ما أسرع ما يملون!
قال : ومررت على أهل بيت يبكون على ميت لهم ، وقد أدخله الله الجنة ، فضحكت.
قال : ومررت على الثوم يكال كيلاً ومنه الترياق ، وعلى الفلفلِ يوزن وزناً وهو الداء ، فتعجبت. ونظرت إلى قوم يذكرون الله ، وآخرين في باطل ، فتعجبت وضحكت (١).
وروي أن عمر بن عبد العزيز كان يوماً في المسجد ، فدخل عليه رجل فأسمعه مكروهاً ونال منه ، فقيل له : ما يمنعك من الانتصار منه؟ قال : التقيُّ مُلْجَم.
ودخل على امرأته فقال لها : عندك درهم نشتري به عنباً ، فقالت : لا ، فقال : فثمنه من الفلوس نشتري به ، قالت : لا ، أنت خليفة المسلمين ، يجبى إليك فيؤها ، ولاتقدر على درهم! فقال : هذا أهون علينا من معالجة أغلال نار جهنم.
وقال بعضهم لآخر : لا تطلبن حاجتك عند من لا يحب نجاحها ، ولا تتهاون بالخلق فيهلكك الله ، ولا تصحبنّ فاجراً فتتعلم من فجوره ، واعتزل عدوك ، واحذر صديقك ، ولا تأمن إلاّ من خشي الله ، واخشع عند القبور ، وذل عند المعصية ، واعتصم بالله منها ، وسارع في الطاعات ، واستشر في أمرك النصيح ، وآخ في الله أهل التقوى ، ولا تجعل كلامك في غير الله ، ولا تقله إلا عند من يشتهيه ويتخذه غنيمة.
وكان قيس بن سعد يقول : اللهم ارزقني حمداً ومجداً ، فإنه لا حمد إلا بفعل ، ولا مجد إلا بمال.
__________________
الأعيان ٤ : ١٧٧ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٤٤٥ ، معجم رجال الحديث ١٦ : ١٨١ و ١٧ : ٢٥٧ ».
١ ـ أخرجه المجلسي في بحارالأنوار ١٤ : ٢٢ / ٧٩ عن أعلام الدين.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « من سره أن ينفس الله كربته فَلْيُيَسِّر على مؤمن معسر وليدعُ له ، فإن الله تعالى يحب إغاثة الملهوف ».
وقال صلىاللهعليهوآله : « استكثروا من الشيء الذي لاتسمه النار ، قالوا : وما هو؟ يا نبي الله ، قال : المعروف ».
وتقول العرب : كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل إذا كثر غلا.
وقيل لتميم الداري (١) : ما السؤود؟ قال : العقل ، وقد سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : « سألت جبرئيل عليهالسلام : ما السؤود في الناس؟ فقال : العقل ».
وروى وهب بن منبه أن موسى عليهالسلام قال : يا رب ، أخبرني عن آية رضاك عن عبدك. فأوحى الله تعالى إليه : إذا رأيتني اُهيئ عبدي لطاعتي ، وأصرفه عن معصيتي فذلك آية رضاي.
وفي رواية أخرى : إذا رأيت نفسك تحب المساكين ، وتبغض الجبارين ، فذلك آية رضاي (٣).
وقال المفضل بن عمرو للصادق عليهالسلام : أحب أن أعرف علامة قبولي عند الله ، فقال له : « علامه قبول العبد عند الله أن يصيب بمعروفه مواضعه ، فإن لم يكن كذلك فليس كذلك ».
وروي أن حرقة ابنة النعمان استدعاها سعد بن أبي وقاص لما كان أميراً في العراق ، فحضرت في لمة من نسائها كلهن عليهن زيّها فقال : أيتكن حرقة ابنة النعمان؟فقالت : وما استنكارك إياي يا سعد ، والله لقد أمسينا دواءً فأصبحنا داءً ، ولقد كنا نملك هذا المصر ، يطيعنا أهله ، ويجبى إلينا دخله.
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا |
|
إذا نحن فيهم سوقة نتنصف |
__________________
١ ـ في الأصل : الدارمي ، وهو تصحيف ، صحته ما أثبتناه في المتن ، وهو تميم بن أوس بن خارجة بنسود بن خزيمة بن ذراع بن عدي بن الدار ، المكنى أبو رقية الداري ، مشهور في الصحابة ، كان نصرانياً وقدم المدينة فأسلم سنة تسع ، وهو أول من قصّ ، وكان كثير التهجد ، وهو أول من أسرج السراج في المسجد ، إنتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان ، ونزل بالبيت المقدس ، توفي بالشام وقبره ببيت جبرين من بلاد فلسطين ، قيل : وجد على قبره انه مات سنة ٤٠ هـ ، اُنظر « رجال الشيخ : ١٠ / ٢ ، اسد الغابة ١ : ٢١٥ ، الإصابة ١ : ١٨٣ ، الاستيعاب ١ : ١٨٤ ، تهذيب التهذيب ١ : ٥١١ ، الأنساب ٥ : ٢٥٢ ، تنقيح المقال ١ : ١٨٦ ».
٢ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٧٠ : ٢٦ / ٢٩.
فافٍّ لدنياً لا يدوم نعيمها |
|
تقلب بنا تاراتها (١) وتصرف |
ثم بكت ، فبكى لبكائها وقال :
إن للدهر دولة فاحذرنّها |
|
لا تبيتين قد أمنت الدهورا |
قد يبيت الفتى معافىً فيودي (٢) |
|
ولقد كان امناً مسروراً |
ثم قال : اذكري حاجتك يا سيدة العرب.
فقالت : بنو النعمان وأهله أجرهم على عوائدهم.
فقال لها : اذكري حاجتك لنفسك.
فقالت : خدم النعمان وعبيده وجواريه أجرِهم على عوائدهم.
فقال لها : اذكري حاجتك لنفسك خاصة.
فقالت له : يد الأمير بالعطية أطلق من لساني بالمسألة.
فأعطاها وأجزل ، فقالت له : شكرتك يد افتقرت بعد غنى ، ولا ملكتك يداستغنت بعد فقر ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، وأصاب الله بمعروفك مواضعه ، ولا أخذ الله من كريم نعمة إلا وجعلك السبب في ردّها إليه.
فقال : اكتبوها في ديوان الحكمة.
فقالت : اكتبوها في ديوان الحكمة ، فإني رأيت قطع الأواخر يمنع شكر الأوائل.
وقال الصادق عليهالسلام : « ما توسل أحد اليّ بوسيلة ، أحب إليّ من إذكاري بنعمة سلفت مني إليه أعيدها إليه ».
ولقد صدق عليهالسلام ، فإن من أحسن خصال المعروف تربيته بإعادة الإفضال به ، وأعلم بأن أهل الفضل والشرف والرئاسة ، يرون أن معروفهم ديناً عليهم ، تتقاضاهم أبداً نفوسهم الشريفة الزكية بإعادته. وأهل الرذالة والنذالة والخساسة ، يرون معروفهم ديناً لهم ، تتقاضاهم نفوسهم الخبيثة بإعادته. وذاك أن أفعال الناس على قدر جواهرهم ، ولقد أحسن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في قوله :
إذا شئت تعلم خير الفتى |
|
أدر لحظ طرفك في منظره |
فإن لم يبن لك في ذا وذا |
|
فلا تطلبن سوى محضره |
بيان الرجال بأفواهها |
|
بها يعرف النذل من خيره |
__________________
١ ـ التارات : جمع تارة وهي المرة ( الصحاح ـ تير ـ ٢ : ٦٠٣).
٢ ـ يودي : يهلك (الصحاح ـ ودى ـ ٦ : ٢٥٢١).
وتحظى الرجال بطيب الكلام |
|
وكل يعود إلى عنصره |
وفي قوله تعالى : ( كل يعمل على شاكلته ) (١) كفاية.
وروي أنه لما نزل قوله تعالى : ( كل يعمل على شاكلته ) (٢) بان السرور بين عينيأبي الدرداء ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ما هذا السرور يا أبا الدرداء؟ » فقال : نجونا ورب العزة يا رسول الله. قال : « وكيف ذلك يا أبا الدرداء؟ » قال : إذا كان كل يعمل على شاكلته ، فشاكلتنا الذنب والعصيان ، وشاكلته العفوِ والغفران ، فسر المسلمون حينئذ سروراً عظيماً.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : « يأتي على أمتي زمان ، يكون أمراؤهم على الجور ، وعلماؤهم على الطمع وقلة الورع ، وعبّادهم على الرياء ، وتجّارهم على أكل الربا وكتمان العيب في البيع والشرا ، ونساؤهم على زينة الدنيا ، فعند ذلك يسلّط عليهم أشرارهم ، فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم » (٣).
وقال الصادق صلى الله عليه : عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « إن الله تعالى يبتلي عباده عند ظهور الأعمال السيئة ، بنقص الثمرات ، وحبس البركات ، وإغلاق خزائن الخيرات ، ليتوب تائب ، ويقلع مقلع ، ويتذكر متذكر ، ويزدجر مزدجر ، وقدجعل الله تعالى الاستغفار سبباً لدرور الرزق ، ورحمة الخلق ، فقال سبحانه : ( استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ) (٤).
فرحم الله عبداً قدّم توبته ، واستقال عثرته ، وذكر خطيئته ، وحذر منيّته ، فإن أجله مستور عنه ، وأمله خادع له ، والشيطان موكّل به يزيّن له المعصية ليركبها ، ويمنيهالتوبة ليسوفها (٥) ، حتى تهجم عليه منيّته أغفل ما يكون عنها ، فيالها حسرة على ذي غفلة ، أن يكون عمره عليه حجة ، وأن تؤدّيه أيامه إلى شقوة ، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممن لا تبطره نعمة ، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا نقمة » (٦).
__________________
١ ، ٢ ـ الإسراء ١٧ : ٨٤.
٣ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ١٠٣ : ٨٢ / ١٠ عن اُعلام الدين.
٤ ـ نوح ٧١ : ١٠ ـ ١٢.
٥ ـ في الأمل : ليوسفها ، وما أثبتناه من البحار. وقال الشيخ المجلسي « قده » في بيانه حول الحديث : « والتسويف أن يقول في نفسه سوف أفعل ، واكثر ما يستعمل في الوعد الذي لا انجاز له ».
٦ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٩١ : ٣٣٦ / ٢٠ عن أعلام الدين.
وقال عليهالسلام في وصيته لابنه الحسن عليهالسلام : « واحذر أن يدركك الموت وأنت على (١) حال سيئة ، قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة ، فيحول بينك وبين ذلك فإذا (٢) أنت قد أهلكت نفسك.
يا بني ، أكثر من ذكر الموت ، وما تهجم عليه وتصير إليه بعد الموت ، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك ، وشددت له أزرك ، ولا يأتيك بغتة فيبهرك ، وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها ، وتكالبهم عليها ، فقد نبأك الله عنها ، ونعت هي نفسها لك ، وتكشفت على مساوئها ، فإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية ، يهرّ بعضها على بعض ، يأكل عزيزها ذليلها ، ويقهر كبيرها صغيرها ، نعم مُعقَّلَة (٣) وأُخرى مهملة ، قد أضلّت عقولها ، وركبت مجهولها ، ليس لها راع يقيمها ، ولا مسيم يسيمها ، ركبت بهم سبيل العمى ، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى ، فتاهوا في حيرتها ، وغرقوا في نعمتها ، واتخذوها رباً ، فلعبت بهم ولعبوا بها ، رويداً يسفر الظلام فكأن قد وردت الأظعان ، يوشك من أسرع أن يَلْحق.
واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار ، فإنه يُسار به وإن كان واقفاً ، ويقطع المسافة وإن كان مقيماً وادعاً.
واعلم يقيناً أنك لن تبلغ أملك ، ولن تعدو أجلك ، وأنك في سبيل من كان قبلك ، فَخَفِّض في الطلب ، وأجمل في المكتسب ، فرب طلب قد جرّ إلى حَرَب (٤) ، فما كل طالب بمرزوق ، ولا كل مجمل بمحروم ، فأكرم نفسك عن كل دنية ، وإن ساقتك إلى الرغائب ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً ، وما خيرُ خير لا يوجد إلا بشرّ ، ويسر لا ينال إلا بعسر.
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع ، فتوردك موارد الهلكة ، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ، فإنك مدرك قسمك ، وآخذ سهمك ، وإن اليسير من الله ، أكبر وأعظم من الكثير من خلقه ، وإن كان كل منه.
وتلافيك ما فرط من صمتك ، أيسرمن إدراكك ما فات من منطقك ، وحِفْظ
__________________
١ ـ في الأصل زيادة : كل.
٢ ـ في الأصل زيادة : إذن.
٣ ـ معقلة : من عقلت البعير بالعقال إذا شددته به ، وهو رباطه. « الصحاح ـ عقل ـ ٥ : ١٧٦٩ ».
٤ ـ الحَرَب : سلب المال « القاموس المحيط ـ حرب ـ ١ : ٥٣ »
ما في الوعاء بشد الوكاء ، وحفظ ما في يديك أحب إليّ من طلب ما في يد غيرك ، ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس ، والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور ، والمرءأحفظ لسرّه ، ورب ساع فيما يضره ، من أكثر أهجر ، ومن تفكر أبصر ، قارِب أهل الخيرتكن منهم ، وباين أهل الشرِ تبنْ عنهم ، بئس الطعام الحرام ، وظلم الضعيف أفحش الظلم. إذا كان الرفق خرقاً كَان الخرق رفقاً. وربما كان الدواء داءً والداء دواءً ، وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح.
وإياك والإتكال على المنى ، فإنها بضائع النوكى (١). والعقل حفظ التجارب. وخير ما جربت ما وعضك. بادر الفرصة قبل أن تكون غصة. ليس كل طالب يصيب ، ولا كل غائب يؤوب ، ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد ، ولكل أمر عاقبة ، سوف يأتيك ما قُدّر لك ، التاجر مخاطر ، ورب يسير أنمى من كثير ، لا خير في معين مهين ، ولا في صديق ظنين. ساهل الدهر ما ذل لك قعوده (٢) ، ولا تخاطر بشيء رجاءَ اكثر منه ، وإياكأن تجمح بك مطية اللجاج.
احمل نفسك من أخيك عند صرمه على (٣) الصلة ، وعند صدوده على اللطف والمقاربة ، وعند جموده على البذل ، وعند تباعده على الدنو ، وعند شدته على اللين ، وعند جرمه على العذر ، حتى كأنك له عبد وكأنه ذو نعمة عليك ، وإياك أن تضع ذلك في غيرموضعه ، أو أن تفعله بغير أهله. لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك ، وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة ، وتجرّع الغيظ ، فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذّ مغبّة ، ولنْ لمن غالظك ، فإنه يوشك أن يلين لك ، وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين ، وإن أردت قطيعة أخيك ، فاستبق له من نفسك بقيةً يرجع اليها إن بدا له ذلك يوماً ما ، ومن ظنّ بك خيراً فصدّق ظنه ، ولا تضيعنّ حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخ من (٤) أضعت حقه ، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ، ولا ترغبنّ فيمن زهد فيك ، ولا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته ، ولا يكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان ، ولا يكبرنّ عليك ظلم من
__________________
١ ـ النوكى : جمع أنوك ، وهو الأحمق « الصحاح ـ نوك ـ ٤ : ١٦١٢ ».
٢ ـ القَعود من الإبل : البكر حين يمكن ظهره من الركوب. « الصحاح ـ قعد ـ ٢ : ٥٢٥ ».
٣ ـ في الأصل : عن ، وما أثبتناه من نهج البلاغة.
٤ ـ في الأصل زيادة : لك.
ظلمك ، فإنّه يسعى في مضرّته ونفعك ، وليس جزاء من سرّك أن تسوءه.
واعلم ـ يا بني ـ « أنّ الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى! إنما لك من دنياك ، ما أصلحت به مثواك ، وإن جزعت على ما تفلّت من يدك ، فاجزع [ على ] (١) كل مالم يصل إليك. استدل على مالم يكن بما قد كان ، فإن الامور أشباه ، ولا تكونن ممن لا تنفعه (٢) العظة ، إلا إذا بالغت في إيلامه ، فإن العاقل يتعظ بالأدب ، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب. إطرح عنك واردات الأُمور (٣) بعزائم الصبر وحسن اليقين. من ترك ألقصد جار. الصاحب مناسب ، والصديق من صدق غيبه ، والهوى شريك العمى. ربّ بعيد أقرب من قريب ، وقريب أبعد من بعيد ، والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدى الحق ضاق مذهبه ، ومن أقتصر على قدره كان أبقى له ، وأوثق سبب أخذت به سبببينك وبين الله سبحانه ، ومن لم يبالك فهو عدوك. قد يكون اليأس إدراكاً ، إذا كان الطمع هلاكاً. ليس كل عورة تظهر ، ولا كل فرصة تصاب ، وربما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده.
أخِّر الشر ، فإنك إذا شئت تعجّلته. وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن الزمان خانه ، ومن أعظمه أهانه. ليس كل من رمى أصاب. إذا تغير السلطان تغير الزمان. سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار. إياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكاً ، وإن حكيت ذلك عن غيرك.
وإياك ومشاورة النساء ، فإن رأيهن إلى أفن ، وعزمهن إلى وهن ، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن ، فإنّ شدة الحجاب أبقى عليهن ، وليس خروجهن أشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن ، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل ، ولاتُملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، ولا تعد بكرامتها نفسها ، ولا تطمعها أن تشفع لغيرها ، وإياك والتغاير في غير موضع غيرة ، فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم ، والبريئة إلى الريب.
__________________
١ ـ أثبتناه من نهج البلاغة.
٢ ـ في الأصل زيادة : في.
٣ ـ في نهج البلاغة : الهموم.
واجعل لكل إنسان من خدمك عملاً تأخذه به ، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك ، وأكرم عشيرتك ، فإنهم جناحك الذي به تطير ، وأصلك الذي إليه تصير ، ويدك التي (١) بها تصول.
أستودع الله دينك ودنياك ، وأسئله خير القضاء لك ، في الآجلة والعاجلة والدنيا والاخرة » (٢).
وروي عن الحسن بن يقطين (٣) ، عن أبيه ، عن جده قال : ولي علينا الأهواز رجل من كتاب يحيى بن خالد ، وكان عليَّ من بقايا خراج كان فيها زوال نعمتي وخروج من ملكي ، فقيل لي : إنه ينتحل هذا الأمر ، فخشيت أن ألقاه مخافة ألا يكون ما بلغني حقاً ، فيكون فيه خروجي من ملكي وزوال نعمتي ، فهربت منه إلى الله تعالى ، وأتيت الصادق (٤) عليهالسلام مستجيراً ، فكتب إليه رقعة صغيرة فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم : إن لله في ظلّ عرشه ظلاً لا يسكنه إلا من نفّس عن أخيه كربة ، أو أعانه بنفسه ، أو صنع إليه معروفاً ، ولو بشق تمرة. وهذا أخوك والسلام.
ثم ختمها ودفعها إليَّ وأمرني أن اُوصلها إليه ، فلما رجعت إلى بلدي ، صرت إلى منزله فاستأذنت عليه ، وقلت : رسول الصادق عليهالسلام بالباب ، فإذا أنا به وقد خرج إليَّ حافياً ، فأبصرني وسلّم عليَّ وقبّل ما بين عينيّ ، ثم قال لي : يا سيدي أنت رسول مولاي؟ فقلت : نعم ، فقال : قد أعتقتني من النار إن كنت صادقاً ، فأخذ بيدي وأدخلني منزله ، وأجلسني في مجلسه ، وقعد بين يديَّ ، ثم قال : يا سيدي كيف خلّفت مولاي؟ فقلت : بخير ، فقال : الله الله؟ قلت : الله ، حتى أعادها ثلاثاً ، ثم ناولته الرقعة فقرأها وقبّلها ووضعها على عينيه ، ثم قال : يا أخي مُر بأمرك ، فقلت : في جريدتك عليَّ كذا وكذا ألف ألف درهم ، وفيه عطبي وهلاكي ، فدعا الجريدة فمحا عنّي كل ما
__________________
١ ـ في الأصل : الذي ، وما أثبتناه من نهج البلاغة.
٢ ـ نهج البلاغة ٣ : ٥٥.
٣ ـ في البحار ٤٧ : ٢٠٧ / ٤٩ : الحسن بن علي بن يقطين.
٤ ـ في قضاء حقوق المؤمنين : الصابر عليهالسلام أي موسى بن جعفر ، وقال المجلسي بعد ذكر الحديث عن كتاب قضاء الحقوق : رواه في عدة الداعي عن الحسن بن يقطين عن أبيه ، عن جده وذكر فيه الصادق مكان الكاظم وما هنا أظهر.
كان فيها ، وأعطاني براءة منها ، ثم دعا بصناديق ماله فناصفني عليها ، ثم دعا بدوابه فجعل يأخذ دابة ويعطيني دابة ، ثم دعا بغلمان ، فجعل يعطيني غلاماً ويأخذ غلاماً ، ثم دعا بكسوته فجعل يأخذ ثوباً ويعطيني ثوباً ، حتى شاطرني جميع ملكه ويقول : هل سررتك؟ فأقول : إي والله وزدت على السرور.
فلما كان في الموسم قلت : والله لا كان [ جزاء ] (١) هذا الفرح بشيء أحب الى الله ورسوله ، من الخروج إلى الحج ، والدعاء له ، والمصير إلى مولاي وسيدي الصادق عليهالسلام وشكره عنده ، وأسأله الدعاء له ، فخرجت إلى مكة وجعلت طريقي إلى مولاي عليهالسلام ، فلما دخلت عليه رأيته والسرور في وجهه ، وقال لي : « يا فلان ، ما كان من خبرك مع الرجل؟ » فجعلت أورد عليه خبري ، وجعل يتهلل وجهه ويسر السرور ، فقلت : يا سيدي ، هل سررت بما كان منه إليّ؟ سرّه الله تعالى في جميع اُموره ، فقال : « إي والله سرني ، والله لقد سرّ آبائي ، والله لقد سر أمير المؤمنين ، والله لقد سرّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والله لقد سرّ الله في عرشه » (٢).
تم الحديث والحمد لله رب العالمين.
روي أن رجلاً كتب إلى رجل من ولاة العراق ، يشفع في الفرزدق وقد طلبه فهرب منه :
أما بعد ، فإن هذا البطن من قريش ، قد غرسوا شجرة الحلم فتفرعت أغصانها عن الكرم والعلم والصدق والوفاء ، ثم اجتنى كل منهم من ذلك على عظم قدر وعلو همته ، وإنك أطولهم باعاً ، وأحسنهم عموداً ، وأجزلهم وفوداً ، ولو قلت : ان لك ثلثي ذلك الفضل لكان ، بل لك ذلك كله ، لأنك أهله ومعدنه ، وفيه غرس أصلك ، وعليه تفرع فرعك ، وعليه تهدلت غصونه.
وبعد ، فلولا عظم جرم الفرزدق لم يضق عنه حلمك على عظمه ، وسعة صدرك ، وكبر صبرك ، وكظم غيظك ، لكنّي حسبك أردت بإخافته تأديب رعيتك ، كيما لا يجتروا على ارتكاب ذنب طمعاً في العفو ، ولنعم مؤدب ألرعية وسائسها أنت ، وإنما يذهب الغيظ الظفر ، والحقد الحلم ، ويطيب النفس الرغبة في ثواب ذلك ، وقد
__________________
١ ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار ٤٧ : ٢٠٧ / ٤٩ ٤.
٢ ـ رواه ابن فهد في عدة الداعي : ١٧٩ والصوري في قضاء حقوق المؤمنين : ح ٢٤. وعنهما في البحار ٤٨ : ١٧٤ / ١٦ و ٧٤ : / ٣١٣ ، وأخرجه المجلسي في البحار ٤٧ : ٢٠٧ / ٤٩ عن أعلام الدين أيضاً.
قال الله سبحانه : ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) (١) وقال سبحانه : ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) (٢) وقد ظفرت به ، وذل لك مطلبه ، وأستخذى (٣) إليك طمعاً في عفوك ، ورجاءً لحلمك ، والحلم والكرم والعفو والصفح خلق قرشي ، وسجال هاشمي ، وحلة يلبسها البر الكريم جميلة ، وقد أوطأته ربعك الفسيح ، وجنابك السميح ، وضمنت له عليك الوفاء ، حتى يرد كتابك بذلك إن شاء الله تعالى.
فلما قرأه كتب إليه : أما ما ذكرت حسن وخير وجميل ، ووصفت من كرم ، فأنعث ألمقدم فيه والسابق إليه ، بل أنت أصله ، وبك يصح معناه ، وما ذكرت من أمر الرعية ، فإنه كذلك لأنّ الليث لا يفرق إن لم يفترس ، وبالمهابة يمكّن الجموح من عنانه ، ولقد أحسن لنفسه الصنيعة إذ لجأ إليك ، وإنما هرب ليعلم أنه خطر بالبال ، وقد أردت أن يبين طريداً شريداً ، لا يطعم الغمض ، ولا يأمن من الخوف ، حتى ورد كتابك شافعاً فيه ، فأمانك أماني ، وعفوك عفوي ، وأمرك أمري ، فإني لا اُخيف من آمنته ، ولا أرهب من أجرته منتك في الطلب ألينا ألعفو عنه ، أفضل وأعظم من منّتنا بإسعافك بالإجابة إلى ما سألت ، أدام الله نعمتك وسلامتك.
وروي عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال : يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه ، فإذا لقيته خير من أن تجربه ، ولو جربته أظهر لك أحوالاً ، دينهم دراهمهم ، وهمتهم بطونهم ، وقبلتهم نساؤهم ، يركعون للرغيف ، ويسجدون للدرهم ، حيارى سكارى لا مسلمين ولا نصارى » (٤).
من كلام العباس بن عبد المطلب رحمهالله وقد جاءه أبو سفيان والزبير ، فعرضا عليه النصرة بعد موت النبي صلىاللهعليهوآله فقال لهما : قد سمعنا مقالتكما ، فلا لقلة نستعين بكما ، ولا لظنة نترك رأيكما ، لكن لالتماس الحق ، فامهلانا نراجع الفكر ، فإن
__________________
١ ـ النور ٢٤ : ٢٢.
٢ ـ آل عمران ٣ : ١٣٤.
٣ ـ استخذى : خضع. « الصحاح ـ خذا ـ ٦ : ٢٣٢٦ ».
٤ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٧٤ : ١٦٦ / ٣١ عن أعلام الدين.
يكن لنا من الأثم مخرج ، يصّر بنا وبهم الأمر صرير الجندب (١) ، ونمد أكفاً إلى المجد لا نقبضها أو تبلغ المدى ، وإن تكن الاُخرى ، فلا لقلة في العدد ، ولا لوهن في العضد ، والله لولا أن الإسلام قيد الفتك ، لتدكدكت منا أليكم جنادل صخر يسمع اصطكاكها من محل الاُثيل (٢).
من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام : « الكلمة أسيرة في وثاق صاحبها ، فإذا تكلم بها صار أسيراً في وثاقها »
وقال عليهالسلام : « من كمال المرء تركه ما لا يجمل به ، ومن حيائه أن لا يلقي أحداً بما يكره ، ومن عقله حسن رفقه ، ومن أدبه علمه بما لا بدّله منه ، ومن ورعه عفة بصره وعفة بطنه ، ومن حسن خلقه كف أذاه ، ومن سخائه بره بمن يجب حقه ، ومن كرمه إيثاره على نفسه ، ومن صبره قلة شكواه ، ومن عدله إنصافه من نفسه ، وتركه الغضب عند مخالفته ، وقبوله للحق إذا بان له ، ومن نصحه نهيه له عن غيبتك ، ومن حفظه جواره ستره لعيوب جيرانه ، وتركه توبيخهم عند إساءتهم إليه ، ومن رفقه تركه المواقفة على الذنب بين يدي من يكبر المذنب وقوفه عليه ، ومن حسن صحبته إسقاطه عن صاحبه مؤونة أذاه ، ومن صداقته كثرة موافقته ، ومن صلاحه شدة خوفه ، ومن شكره معرفته بإحسان من أحسن إليه ، ومن تواضعه معرفته بقدره ، ومن حكمته معرفته بذاته ، ومن مخافته ذكره الاخرة بقلبه ولسانه ، ومن سلامته قلة تحفظه لعيوب غيره ، وعنايته بإصلاح نفسه من عيوبه ».
قال الصادق عليهالسلام : « لا تتبع أخاك بعد القطيعة وقيعة فيه ، فتسد عليه طريق الرجوع إليك ، فلعل التجارب ترده عليك » (٣).
من كلام الحسن بن علي عليهماالسلام لأصحابه بعد وفاة أبيه ، وقد خطب عليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه [ ثم قال ] (٤) :
« أما والله ماثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة ، ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيبت السلامة بالعداوة ، والصبر بالجزع ، وكنتم تتوجهون معنا
__________________
١ ـ الجندب : ضرب من الجراد ، وقيل : ذكر الجراد ، والجمع جنادب « حياة الحيوان ١ : ٢٠٣ ».
٢ ـ الاُثيل : موضع قرب المدينة. « معجم البلدان ١ : ٩٤ ».
٣ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٧٤ : ١٦٦ عن أعلام الدين.
٤ ـ أثبتناه من البحار.
ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم ألآن ودنياكم أمام دينكَم ، فكنا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا ، ثم أصبحتم تعدون قتيلين : قتيلاً بصفين تبكون عليه ، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأره ، فأما الباكي فخاذل ، وأما الطالب فثائر.
وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة ، فإن أردتم ألحياة قبلناه منه ، واغضضنا على القذى ، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه [ إلى ] (١) الله ».
فنادى ألقوم بأجمعهم : بل البقية والحياة (٢).
وقال صلىاللهعليهوآله : « المجالس ثلاثة : غانم ، وسالم ، وشاحب ، فأما الغانم فالذي يذكر الله تعالى فيه ، وأما السالم فالساكت ، وأما الشاحب فالذي يخوض في الباطل ».
وقال صلىاللهعليهوآله : « الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء ».
وقال عليهالسلام : « أن الله تعالى يحب النظر النافذ عند مجيء الشبهات ».
وقال عليهالسلام : « المهاجر من هجر الخطايا والذنوب ».
وقال عليهالسلام : « من أخرجه الله تعالى من ذل المعاصي إلى عز التقوى ، أغناه الله بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة ، آنسه بلا شرف ، ومن زهد في الدنيا أنبت الله تعالى الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصره داءها ودواءها وعيوبها ».
وقال صلىاللهعليهوآله : « لا تلتمسوا الرزق ممن أكتسبه من ألسنة الموازين ورؤوس المكاييل ، ولكن من عند من فتحت عليه الدنيا » (٣).
وقال عليهالسلام : « لا عيش إلا لرجلين : عالم ناطق ، ومتعلم واع ».
وقال عليهالسلام : « أن للقلوب صدءاً كصدأ النحاس ، فاجلوها بالاستغفار ، وتلاوة القرآن ».
وقال عليهالسلام : « الزهد ليس بتحريم الحلال ، ولكن أن يكون بما في يدي الله أوثق منه بما في يديه ».
__________________
١ ـ أثبتناه من البحار.
٢ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٤٤ : ٢١ / ٥ عن أعلام الدين.
٣ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ١٠٣ : ٨٦ / ٢٢ عن أعلام الدين.
وقال : « خلتان (١) لا تجتمعان في مؤمن : البخل ، وسوء الظن بالرزق ».
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من أكثر الاستغفار ، جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب ».
وقال عليهالسلام : « كلمة الحكمة يسمعها المؤمن ، خير من عبادة سنة » (٢).
وقال : « خمس من أتى الله بهن ـ أو بواحدة منهن ـ وجبت له الجنة : من سقى هامة صادية ، أو حمل قدماً حافية ، أو أطعم كبداً جائعة ، أو كسا جلدة عارية ، أو أعتق رقبة عانية » (٣).
وقال : « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر ، وتدفع ميتة السوء ، وتنفي الفقر ، وتزيد في العمر ، ومن كفّ غضبه ، وبسط رضاه ، وبذل معروفه ، ووصل رحمه ، وأدّى أمانته ، أدخله الله تعالى في النور الأعظم ، ومن لم يتعزّ بعزاء الله ، تقطعت نفسه حسرات ، ومن لم ير أن لله عنده نعمة إلا في مطعم ومشرب ، قلّ علمه وكثر (٤) جهله ، ومن نظر إلى ما في أيدي ألناس ، طال حزنه ودام أسفه ».
وقال : « حسن الخلق ، وصلة الأرحام ، وبرّ القرابة ، تزيد في الأعمار ، وتعمر الديار ، ولو كان القوم فجاراً ».
وقال : « إن الله يحب الأتقياء الأخفياء ، الذين إذا حضروا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفقدوا قلوبهم مصابيح الهدى ، ينجون (٥) من كل غبراء مظلمة ».
وقال : الوحدة خير من قرين السوء ، والحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره ».
وقال : « جاملوا الأشرار بأخلاقكم تسلموا من غوائلهم ، وباينوهم بأعمالكم كيلا تكونوا منهم ».
وقال : « ولو أن المؤمن أقوم من قدح ، لكان له من الناس غامز ، واعلموا أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ».
__________________
١ ـ في البحار : خصلتان.
٢ ـ البحار ٧٧ : ١٨٢ / ٨ عن أعلام الدين ، من قوله (ص) : « لا عيش إلا لرجلين ... ».
٣ ـ نقله المجلسي في البحار ٧٤ : ٣٦٩ / ٥٩ و ١٠٤ : ١٩٥ / ١٦.
٤ ـ في البحار : وكبر.
٥ ـ في البحار : منجون.
وقال : « ما من أحد ولي شيئاً من أمور المسلمين ، فأراد الله به خيراً ، إلا جعل الله له وزيراً صالحاً ، إن نسي ذكّره ، وإن ذكر أعانه ، وإن همَّ بشر كفّه وزجره ».
وقال : « إن الله يبغض البخيل في حياته ، والسخي بعد وفاته ».
وقال : « ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يقبل دعاءً من قلب غافل ».
وقال : « الأمل رحمة لأمتي ، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجراً ».
وقال : « إذا أشار عليك العاقل (١) الناصح فاقبل ، وإياك والخلاف عليهم فإنّ فيه الهلاك ».
وعاد صلىاللهعليهوآله رجلاً من الأنصار فقال : « جعل الله ما مضى كفارة وأجراً ، وما بقي عافية وشكراً ».
وقال : « خلتان لا تجتمعان (٢) في مؤمن : الشح ، وسوء الخلق ».
وقال : « ويل للذين يجتلبون الدنيا بالدين ، يلبسون للناس جلود الضأن من لين ألسنتهم ، كلامهم أحلى من العسل ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله تعالى : أبي يغترّون! أم علي يجترون! فوعزتي وجلالي ، لأبعثن عليهم فتنة تذر الحليم منهم حيران ».
وكتب صلىاللهعليهوآله إلى بعض أصحابه يعزيه : « أما بعد ، فعظم الله ـ جل اسمه ـ لك الأجر ، وألهمك الصبر ، ورزقنا وإياك الشكر ، إن أنفسنا وأموالنا وأهلينا مواهب الله ألهنيئة وعواريه المستردّة ، نمتع بها إلى أجل معدود ، ويقبضها لوقت معلوم ، وقد جعل الله تعالى علينا الشكر إذا أعطى ، والصبر إذا ابتلى ، وقد كان ابنك من مواهب الله تعالى ، متعك به في غبطة وسرور ، وقبضه منك بأجر مذخور ، إن صبرت واحتسبت ، فلا تجمعن (٣) أن يحبط جزعك أجرك ، وأن تندم غداً على ثواب مصيبتك ، وإنك لو قدمت على ثوابها علمت أن المصيبة قد قصرت عنها ، واعلم أن الجزع لا يرد فائتاً
__________________
١ ـ في الأصل : الغافل ، وما أثبتناه من البحار.
٢ ـ في البحار : خلقان لا يجتمعان.
٣ ـ في البحار : فلا تجزعن.
ولا يدفع الحزن قضاءً ، فليذهب أسفك ما هو نازل بك مكان ابنك ، والسلام » (١)
وقال عليهالسلام : « الشهوة داء ، وعصيانها دواء ».
وقال عليهالسلام : « من أحسن عبادة الله في شبيبته ، لقاه الله الحكمة عند شيبته ، قال الله تعالى : ( ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما ) ثم قال تعالى : ( وكذلك نجزي المحسنين ) (٢) ».
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام يعزي قوماً : « عليكم بالصبر ، فإن به يأخذ الحازم ، وإليه يرجع الجازع ».
وقال عليهالسلام : « أفضل رداء تردى به الحلم ، فإن لم تكن حليماً فتحلم ، فإنه من تشبّه بقوم أوشك أن يكون منهم ».
وقال عليهالسلام : « الناس في الدنيا عاملان : عامل في الدنيا للدنيا ، قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلف الفقر ، ويأمنه على نفسه ، فيفني عمره في منفعة غيره. وآخر عمل في الدنيا لما بعدها ، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمله ، فأصبح ملكاً لا يسأل الله تعالى شيئاً فيمنعه ».
وقال عليهالسلام : « عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب ، وفاته الغنى الذي إياه طلب ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.
وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة وهو غداً جيفة ، وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله ، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت ، وعجبت لمن أنكر النشأة الاخرة وهو يرى النشأة الأولى ، وعجبت لعامر الدنيا ـ دار الفناء ـ وهو نازل دار البقاء ».
وقال عليهالسلام : « الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ، ولا يؤمنهم من مكر الله ، ولا يؤيسهم من روح الله ، ولا يرخص لهم في معاصي الله ».
__________________
١ ـ البحار ٧٧ : ١٧٢ عن أعلام الدين ، من : وقال صلىاللهعليهوآله : « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ».
٢ ـ القصص ٢٨ : ١٤.
من كلام الامام الزكيّ أبي محمد الحسن علي عليهمالسلام
قال : « المصائب مفاتيح الأجر ».
وقال عليهالسلام : « تجهل النعم ما أقامت ، فإذا ولّت عرفت ».
وقال : « إذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس ، فاجهد أن لا يعرفك ، فإن أشق الناس به معارفه ».
وقال : « عليكم بالفكر ، فإنه حياة قلب البصير ، ومفاتيح أبواب الحكمة ».
وقال : « أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة ».
وقيل له عليهالسلام : فيك عظمة ، قال : « لا ، بل فيَّ عزة ، قال الله تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) (١) ».
وقال : « صاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به ».
وكان يقول : « ابن آدم ، إنّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمك ، فخذ ممّا في يديك لما بين يديك ، فإن المؤمن يتزود ، والكافر يتمتع ، وكان يتلو (٢) مع هذه الموعظة : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) » (٣) (٤).
* * *
__________________
١ ـ المنافقون ٦٣ : ٨.
٢ ـ في البحار : ينادي.
٣ ـ البقرة ٢ : ١٩٧.
٤ ـ البحار ٧٨ : ١١٥ / ١٢ عن أعلام الدين وفيه من قوله عليهالسلام : « المصائب مفاتيح الأجر ».
ومن كلام الحسين عليه السلام
قال عليهالسلام : « اعلموا أن حوائج الناس إليكم ، من نعم الله عليكم ، فلا تملّوا النعم فتتحول إلى غيركم ، واعلموا أن المعروف مكسب حمداً ، ومعقب أجراً ، فلو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً ، يسر الناظرين ويفوق العالمين ، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجاً (١) قبيحاً مشوماً (٢) ، تنفر منه القلوب ، وتغضّ دونه الأبصار ، ومن نفس كربة مؤمن فرّج الله تعالى عنه كرب الدنيا والاخرة ، ومن أحسن أحسن الله إليه ، والله يحب المحسنين ».
وتذاكروا العقل عند معاوية ، فقال الحسين عليهالسلام : « لا يكل العقل إلا باتباع الحق ».
فقال معاوية : ما في صدوركم إلا شيء واحد.
وقال عليهالسلام : « لاتصفنّ لملك دواءً ، فإن نفعه لم يحمدك ، وإن ضره اتهمك ».
وقال عليهالسلام : « ربَّ ذنب أحسن من الاعتذار منه ».
وقال : « مالك إن يكن لك كنت له منفقاً ، فلا تبقه بعدك فيكن ذخيرة لغيرك ، وتكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه واعلم أنك لا تبقى له ، ولا يبقى عليك ، فكله قبل أن يأكلك ».
وكان عليهالسلام يرتجز يوم قُتل ويقول :
الموتُ خير من ركوب العارِ |
|
والعارُ خيرٌ من دخولِ النارِ |
وَالله ما هذا وهذا جاري
وقال : « العلم لقاح المعرفة ، وطول التجارب زيادة في العقل ، والشرف التقوى ، والقنوع راحة اللأبدان ، ومن أحبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك ».
وقال : « من أحجم عن الرأي وعييت به الحيل ، كان الرفق مفتاحه » (٣).
__________________
١ ـ في الأصل : شمخاً ، وما أثبتناه من البحار ، وسمج الشي سماجة : قبح « مجمع البحرين ـ سمج ـ ٢ : ٣١٠ ».
٢ ـ في البحار : مشوهاً.
٣ ـ البحار ٧٨ : ١٢٧ / ١١ عن أعلام الدين ، من قوله عليهالسلام : « أعلموا أن حوائج الناس .... ».
من كلام علي بن الحسين عليه السلام
« لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال : شهادة ألاّ إله إلا الله وحده لا شْريك له ، وِشفاعة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وسعة رحمة الله ».
وقال عليهالسلام : « خف الله تعالى لقدرته عليك ، واستحي منه لقربه منك »
وقال عليهالسلام : « لا تعادين أحداً وإن ظننت بأنه لا يضرك ، ولا تزهدن في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ينفعك ، فإنه لا تدري متى تخاف عدوك ، ومتى ترجو صديقك ».
« وإذا صليت فصلّ صلاة مودع ».
وقال عليهالسلام [ في ] (١) جواب من قال : إن معاوية يسكته الحلم وينطقه العلم ، فقال : « بل كان يسكته الحصر (٢) وينطقه البطر ».
وقال عليهالسلام : « لكل شيء فاكهة ، وفاكهة السمع الكلاَم الحسن ».
وقال عليهالسلام : « من رمى الناس بما فيهم ، رموه بما ليس فيه ، ومن لم يعرف دأءه أفسده دواءه ».
وقال عليهالسلام : « سبب الرفعة التواضع ».
وقد قيل : التواضع مصائد الشرف.
وقال عليهالسلام لولده محمد الباقر عليهالسلام : « كفّ الأذى ، وافض الندى (٣) ، واستعن على الكلام بالسكوت ، فإنّ للقول حالات تضر ، فاحذر الأحمق ».
وقال : « لا تمتنع من ترك القبيح وإن كنت قد عرفت به ، ولا تزهد في مراجعة الجميل (٤) وإن كنت قد شهرت بخلافه ، وإياك والرضا بالذنب ، فإنه أعظم من ركوبه ، والشرف في التواضع ، والغنى في القناعة ».
__________________
١ ـ أثبتناه من البحار.
٢ ـ الحصر : العي عن الكلام « الصحاح ـ حصر ـ ٢ : ٦٣١ ».
٣ ـ في البحار : رفض البذاء.
٤ ـ في البحار : الجهل.
وقال : « ما استغنى أحد بالله ، إلا أفتقر الناس إليه ».
وقال : « خير مفاتيح الاُمور الصدق ، وخير خواتيمها الوفاء ».
وقال : « كُل عين ساهرة يوم القيامة ، ثلاث عيون : عين سهرت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين فاضت من خشية الله ».
وقال صلىاللهعليهوآله : « الكريم يبتهج بفضله ، واللئيم يفخر بملكه ».
وقال عليهالسلام : « إياك والغيبة ، فإنها إدام كلاب النار ».
وقال عليهالسلام : « من اتّكل على حسن اختيار الله عز وجل له ، لم يتمنّ أنه في حال غير الحال التي اختارها الله له ».
قيل : تشاجر هو وبعض الناس في مسألة من الفقه ، فقال عليهالسلام : « يا هذا ، إنك لو صرت إلى منازلنا لأريناك آثار جبرئيل عليهالسلام في رحالنا ، أفيكون أحد أعلم بالسنة منّا!؟ ».
وكان عليهالسلام إذا صلى تبرز إلى مكان خشن ، يتخفى ويصلي فيه ، وكان كثير البكاء.
قال : فخرج يوماً في حر شديد إلى الجبان (١) ليصلي فيه ، فتبعه مولى له ، وهو ساجد على الحجارة ـ وهي خشنة حارة ـ وهو يبكي ، فجلس مولاه حتى فرغ ، فرفع رأسه وكأنه قد غمس رأسه ووجهه في الماء من كثرة الدموع ، فقال له مولاه : يا مولايَ ، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال : « ويحك ، إن يعقوب نبي ابن نبي كان له اثنا عشر ولداً ، فغيب عنه واحد منهم ، فبكى حتى ذهب بصره ، واحدودب ظهره ، وشاب رأسه من الغم ، وكان ابنه حياً يرجو لقاءه ، وأنا رأيت أبي وأخي وأعمامي وبني عمي ـ ثمانية عشر ـ مقتلين صرعى تسفي عليهم الريح ، فكيف ينقضي حزني وترقأ عبرتي!؟ » (٢).
__________________
١ ـ في البحار : الجبال.
٢ ـ البحار ٧٨ : ١٦٠ / ٢١ عن أعلام الدين من قوله عليهالسلام : « لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال ... ».