لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً . قال : فجعلت الدراهم في كاغدة وجعلتها في كمي ، وركبت فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء ، إلى أن صرت إلى باب دار ، فوقف الحمار ، فجهدت أن يزول فلم يزل ، فقلت للغلام : سل لمن هذه الدار ؟ فقيل : هذه دار ابن الرضا عليهالسلام فقلت : الله أكبر ، دلالة والله مقنعة !
قال : فإذا خادمٌ أسودُ قد خرج فقال : أنت يوسف بن يعقوب ؟ قلت : نعم . قال : إنزل فنزلت ، فأقعدني في الدهليز ودخل ، فقلت في نفسي : وهذه دلالةٌ أخرى ! من أين يعرف هذا الخادم إسمي وليس في هذا البلد أحدٌ يعرفني ولادخلته قط !
قال : فخرج الخادم وقال : المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها . فناولته إياها وقلت : هذه ثالثة ، ثم رجع إليَّ وقال : أدخل ، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده ، فقال : يا يوسف أما بَانَ لك ؟ فقلت : يا مولاي ، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى . فقال : هيهات هيهات ، أما إنك لا تسلم ، ولكن سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا . يا يوسف ، إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك . كذبوا والله ، إنها لتنفع أمثالك ، إمض فيما وافيت فإنك سترى ما تحب !
قال : فمضيت إلى باب المتوكل ، فنِلت كلما أردت ، وانصرفت .
قال هبة الله : فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع ، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية ، وأنه أسلم بعد موت والده وكان يقول : أنا بشارة مولاي عليهالسلام » .
ملاحظات
١. هذا المسيحي من الموصل من كفرتوثا ، وهي قرب رأس عين على الحدود العراقية السورية . وكان شخصية لأن المتوكل طلب حضوره للتحقق من قضية أو لتكليفه بأمر مهم . وكان يعرف إمامة أهل البيت وخصائص الإمام عليهالسلام وينذر له ، ويعتقد أنه بنذره يؤمِّن نفسه من خطر المتوكل . وهذا من مؤشرات انتشار التشيع في بقاع العالم الإسلامي ، وقد ورد أن أحد العمال الشيعة هناك دعا شخصاً الى التشيع ، وأرسله ليرى الإمام الهادي عليهالسلام فرآه واستبصر .
٢. لاحظ أن المتوكل كان منع الإمام الهادي عليهالسلام من الركوب ، أي الخروج من سامراء والمشاركة في مناسباتها الإجتماعية ، فهو يخاف أن « يفتن » به الناس !
٣. يظهر أن يعقوب بن يوسف كان يخاف من المتوكل إن هو أسلم وأعلن تشيعه . ومع ذلك بشره الإمام عليهالسلام بأن إيمانه به نوع من الولاية وأنه ينفعه : إنها لتنفع أمثالك . ثم بشره بأنه يرزق ولداً يكون مؤمناً ، فكان كما أخبر عليهالسلام .
وفي الحديث دليل على أن ولاية أهل البيت عليهمالسلام قد توجد بدرجة ما في غير المسلم وأنها تنفعهم في الآخرة .
١٠. طبيب نصراني يسلم على يد الإمام عليهالسلام :
قال
الطبري الشيعي في دلائل الإمامة /
٤١٩
: « وحدثني أبوعبد الله القمي ، قال : حدثني ابن عياش ، قال : حدثني أبوالحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي
الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة ، قال : حدثني أبي قال : كنت بسر من رأى أسير في درب الحصاء فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغا ، فسايرني وأفضى بنا الحديث إلى أن قال لي : أترى هذا الجدار ، تدري من صاحبه ؟ قلت : ومن صاحبه ؟ قال : هذا الفتى العلوي الحجازي ، يعني علي بن محمد بن الرضا عليهالسلام وكنا نسير في فناء داره ، قلت ليزداد : نعم ، فما شأنه ؟ قال : إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو !
قلت : وكيف ذلك ؟ قال : أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبداً ، ولا غيرك من الناس ، ولكن لي الله عليك كفيلٌ وراعٍ أنك لا تحدث به عني أحداً ، فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان ، وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه ، لئلا ينصرف إليه وجوه الناس ، فيخرج هذا الأمر عنهم ، يعني بني العباس .
قلت : لك علي ذلك ، فحدثني به وليس عليك بأس ، إنما أنت رجل نصراني ، لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم ، وقد ضمنت لك الكتمان .
قال : نعم ، أعلمك أني لقيته منذ أيام
وهو على فرس أدهم ، وعليه ثياب سود ، وعمامة سوداء ، وهو أسود اللون ، فلما بصرت به وقفت إعظاماً له ، لا وحق المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس وقلت في نفسي : ثياب سودٌ ، ودابةٌ سوداء ورجلٌ أسود « كان عليهالسلام شديد السمرة »
سواد في سواد في سواد ! فلما بلغ إلي وأحدَّ النظر قال : قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد ! قال
أبي رحمهالله : قلت له : أجل فلا تحدث به أحداً ، فما صنعتَ وما قلت له ؟ قال : سقط في يدي فلم أجد جواباً . قلت له : أفما ابيض قلبك لما شاهدت ؟
قال : الله أعلم . قال أبي : فلما اعتل يزداد بعث إليَّ فحضرت عنده فقال : إن قلبي قد ابيض بعد سواده ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعظم ، ثم مات في مرضه ذلك ، وحضرت الصلاة عليه رحمهالله » .
١١. عزم المتوكل على قتل علي بن جعفر :
روى الكشي « ١ / ٦٠٧ » : « عن علي بن جعفر قال : عُرض أمري على المتوكل ، فأقبل على عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقال له : لا تُتعبن نفسك بعرض قصة هذا وأشباهه ، فإن عمه أخبرني أنه رافضي ، وأنه وكيل علي بن محمد ! وحلف أن لا يخرج من الحبس إلا بعد موته ! فكتبت إلى مولانا : أن نفسي قد ضاقت ، وأني أخاف الزيغ ! فكتب إلي : أما إذا بلغ الأمر منك ما أرى فسأقصد الله فيك ! فما عادت الجمعة حتى أخرجت من السجن .
وفي رواية ثانية : كان عليّ بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن عليهالسلام فسعيَ به إلى المتوكل فحبسه فطال حبسه ، واحتال من قبل عبيد الله بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار ، وكلمه عبيد الله فعرض جامعهُ على المتوكل فقال : يا عبيد الله لو شككت فيك لقلت إنك رافضي ، هذا وكيل فلان وأنا على قتله .
قال : فتأدّى الخبر إلى علي بن جعفر ، فكتب إلى أبي الحسن عليهالسلام : يا سيدي اللهَ اللهَ فيَّ فقد والله خفتُ أن أرتاب ، فوقَّع عليهالسلام في رقعته : أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك . وكان هذا في ليلة الجمعة ، فأصبح المتوكل محموماً فازدادت علته حتى صُرخ عليه يوم الإثنين ، فأمر بتخلية كل محبوس عُرض عليه إسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر فقال لعبيد الله : لِمَ لم تعرض عليَّ أمره ؟فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً . قال : خل سبيله الساعة ، وسله أن يجعلني في حل ، فخلى سبيله وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن عليهالسلام فجاور بها ، وبرأ المتوكل من علته » .
١٢. قصة زينب الكذابة :
روى في الخرائج « ١ / ٤٠٤ » عن أبي هاشم الجعفري قال : « ظهرت في أيام المتوكل امرأة تدعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ! فقال لها المتوكل : أنت امرأة شابة ، وقد مضى من وقت وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ما مضى من السنين . فقالت : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله مسح على رأسي وسأل الله أن يرد علي شبابي في كل أربعين سنة ، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية ، فلحقتني الحاجة فصرت إليهم .
فدعا المتوكل كل مشايخ آل أبي طالب ، وولد العباس وقريش فعرفهم حالها . فروى جماعة وفاة زينب في سنة كذا ، فقال لها : ما تقولين في هذه الرواية ؟ فقالت : كذب وزور ، فإن أمري كان مستوراً عن الناس ، فلم يعرف لي حياة ولا موت . فقال لهم المتوكل : هل عندكم حجة على هذه المرأة غير هذه الرواية ؟ قالوا : لا . قال : أنا برئ من العباس إن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها . قالوا : فأحضر ابن الرضا فلعل عنده شيئاً من الحجة غير ما عندنا .
فبعث إليه فحضر فأخبره خبر المرأة فقال : كذبت فإن زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا . قال : فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية وقد حلفت أن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها . قال : ولا عليك فهاهنا حجة تلزمها وتلزم غيرها . قال : وما هي ؟ قال : لحوم ولد فاطمة عليهاالسلام محرمة على السباع ، فأنزلها إلى السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرها .
فقال لها : ما تقولين ؟ قالت : إنه يريد قتلي . قال : فهاهنا جماعة من ولد الحسن والحسين فأنزل من شئت منهم .
قال : فوالله لقد تغيرت وجوه الجميع ! فقال بعض المتعصبين : هو يحيل على غيره لم لا يكون هو ؟ فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع . فقال : يا أبا الحسن لم لا يكون أنت ذلك ؟ قال : ذاك إليك .
قال : فافعل ، قال : أفعل إن شاء الله . فأتى بسلم وفتح عن السباع وكانت ستة من الأسد . فنزل أبوالحسن عليهالسلام إليها ، فلما دخل وجلس صارت إليه ، ورمت بأنفسها بين يديه ، ومدت بأيديها ، ووضعت رؤوسها بين يديه !
فجعل يمسح على رأس كل واحد منها بيده ، ثم يشير له بيده إلى الإعتزال فيعتزل ناحية ، حتى اعتزلت كلها وقامت بإزائه .
فقال له الوزير : ما كان هذا صواباً ، فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره . فقال له : أبا الحسن ما أردنا بك سوءً ، وإنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت ، فأحب أن تصعد . فقام وصار إلى السلم وهي حوله تتمسح بثيابه ، فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها وأشار بيده أن ترجع . فرجعت وصعد فقال : كل من زعم أنه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس .
فقال لها المتوكل : إنزلي . قالت : اللهَ الله ادعيتُ الباطل ، وأنا بنت فلان ، حملني الضر على ما قلت ! فقال المتوكل : ألقوها إلى السباع ، فبعثت والدته واستوهبتها منه ، وأحسنت إليها » .
١٣. بستان الآس :
كان المتوكل يسمي ابنه المنتصر الرافضي لأنه يتشيع ويسخر منه ! قال المنتصر : « زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه ، فلما استوى الآس كُلُّهُ وحَسُن ، أمَرَ الفرَّاشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان ، وأنا قائم على رأسه ، فرفع رأسه إليَّ وقال : يا رافضي سل ربك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ماله من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرَّ ، فإنك تزعم أنه يعلم الغيب ! فقلت : يا أمير المؤمنين إنه ليس يعلم الغيب ، فأصبحت إلى أبي الحسن من الغد وأخبرته بالأمر فقال : يا بني ، إمض أنت واحفر الأصل الأصفر ، فإن تحته جمجمة نخرة ، واصفراره لبخارها ونتنها ! قال ففعلت ذلك فوجدته كما قال ، ثم قال لي : يا بني لاتخبرن أحداً بهذا الأمر إلا لمن يحدثك بمثله » . « الثاقب في المناقب / ٥٣٨ » .
فقد وصفه المتوكل بالرافضي ، واتهمه بأنه يعبد إمامه عليهالسلام ووصف سمرة الإمام عليهالسلام بالسواد سخريةً منه . أما الجمجمة فقد تكون لأحد ندمائه الذين قتلهم !
١٤. معرفة الإمام عليهالسلام باللغات :
« عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت
بالمدينة حين مرَّ بنا بَغَا أيام الواثق ، في طلب الأعراب ، فقال أبوالحسن : أخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي ،
فخرجنا فوقفنا ، فمرت بنا تعبئته فمر بنا تركي ، فكلمه أبوالحسن عليهالسلام بالتركي فنزل عن فرسه فقبل حافر فرس الإمام عليهالسلام ! فَحَلَّفْتُ التركي فقلت له : ما قال لك الرجل ؟ قال : هذا نبي ؟! قلت : ليس هو بنبي . قال : دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة » . « الثاقب في المناقب لابن حمزة / ٥٣٩ » .
« عن علي بن مهزيار قال : أرسلت إلى أبي الحسن الثالث عليهالسلام غلامي وكان صقلابياً فرجع الغلام إلي متعجباً ، فقلت له : ما لك يا بني ؟ قال : وكيف لا أتعجب ! ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا » ! « الإختصاص للمفيد / ٢٨٩ » .
١٥. لسنا في خان الصعاليك :
« عن صالح بن سعيد ، قال : دخلت على أبي الحسن عليهالسلام فقلت : جعلت فداك ، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك ، فقال : هاهنا أنت يا ابن سعيد ، ثم أومأ بيده فقال : أنظر ، فنظرت ، فإذا بروضات آنفات ، وروضات ناظرات ، فيهن خيرات عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، وأطيار وظباء ، وأنهار تفور ، فحار بصري وحسرت عيني ، فقال : حيث كنا فهذا لنا عتيد ، ولسنا في خان الصعاليك » .
١٦. برذون أبي هاشم الجعفري :
«
عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي ، قال : إن أبا هاشم الجعفري شكا
إلى مولانا أبي الحسن عليهالسلام ما يلقى من الشوق
إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد ، فقال له : ادع الله تعالى يا سيدي ، فإني لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد والإبطاء عنك ،
فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك على وجه الأرض ، فقال : قواك الله يا أبا هاشم وقوى برذونك . قال : فكان أبوهاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على البرذون ، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون ، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت » .
أقول : المسافة بين بغدا وسامرء نحو مئة كيلو متر ، ومعناه أن بغل أبي هاشم كان يقطعها في أربع ساعات أو خمس ، وأن الله تعالى استجاب دعاء الإمام عليهالسلام بتقوية البغل ، أو طيِّ الأرض إذا ركبه أبو هاشم . فكان يتحرك من بغداد صباحاً ويزور الإمام عليهالسلام ويبقى الى العصر ، ويعود الى بغداد في نفس اليوم .
١٧. المتوكل يستعين بمشعوذ :
« عن زرافة حاجب المتوكل ، قال : وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة ولم ير مثله ، وكان المتوكل لعاباً ، فأراد أن يُخجل علي بن محمد الرضا عليهالسلام ، فقال لذلك الرجل : إن أخجلته أعطيتك ألف دينار .
قال : تقدم بأن يخبز رقاقاً خفافاً
واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه ، فقعدوا وأحضر علي بن محمد عليهماالسلام
للطعام ، وجعل له مسورة عن يساره ، وكان عليها صورة أسد ، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة ، فمد علي بن محمد عليهالسلام يده إلى رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء ومد يده إلى أخرى ، فطيرها ذلك الرجل ، ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع ، فضرب علي بن محمد عليهماالسلام يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال : خذيه . فابتلعت الرجل
وعادت كما كانت إلى المسورة . فتحير الجميع ونهض أبوالحسن علي بن محمد ، فقال له المتوكل : سألتك إلا جلست ورددته . فقال : والله لا تراه بعدها ، أتسلط أعداء الله على أولياء الله ! وخرج من عنده ، فلم يُرَ الرجل بعد ذلك » . « الثاقب ٤٩٩ » .
وفي رواية أنه قال للمتوكل : « إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم ، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل » !
ويظهر أن هذا النوع من الشعبذة كان معروفاً في الهند والعراق مما ورثه البابليون عن هاروت وماروت ، فقد استعمله المنصور مع الصادق عليهالسلام والرشيد مع الكاظم عليهالسلام . راجع : الإمام الكاظم سيد بغداد / ٢١٢ .
١٨. وعُلِّمْنَا منطقَ الطير :
في الخرائج « ١ / ٤٠٤ » : « قال أبوهاشم الجعفري : إنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور الشمس في حيطانه ، قد جعل فيها الطيور التي تصوت ، فإذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس فلا يَسمع ما يقال له ، ولا يُسمع ما يقول من اختلاف أصوات تلك الطيور ، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا عليهالسلام سكتت الطيور فلا يُسمع منها صوتٌ واحد إلى أن يخرج من عنده ، فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها .
قال : وكان عنده عدة من القوابج في الحيطان ، وكان يجلس في مجلس له عالٍ ويرسل تلك القوابج تقتتل وهو ينظر إليها ويضحك منها ، فإذا وافى علي بن محمد عليهماالسلام إليه في ذلك المجلس ، لصقت تلك القوابج بالحيطان ، فلا تتحرك من مواضعها حتى ينصرف ، فإذا انصرف عادت في القتال » .
١٩. إخباره عليهالسلام بأجله :
في الهداية الكبرى / ٣٤٢ : « عن أحمد بن داود القمي ، ومحمد بن عبد الله الطلحي ، قالا : حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبر من غير ورق وحلي وجوهر وثياب من بلاد قم وما يليها ، وخرجنا نريد سيدنا أبا محمد الحسن عليهالسلام فلما وصلنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجلٌ راكبٌ على جمل ، ونحن في قافلة عظيمة فقصد إلينا وقال : يا أحمد الطلحي معي رسالة إليكم ، فقلنا من أين يرحمك الله ، فقال : من سيدكم أبي محمد الحسن عليهالسلام يقول لكم : أنا راحل إلى الله مولاي في هذه الليلة فأقيموا مكانكم حتى يأتيكم أمر ابني محمد ، فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وقرحت أجفاننا لذلك ، ولم نظهره . وتركنا المسير .
واستأجرنا بدسكرة الملك منزلاً وأخذنا ما حملنا إليه ، وأصبحنا والخبر شائع بالدسكرة بوفاة مولانا أبي محمد الحسن عليهالسلام ، فقلنا لا إله إلا الله ترى الرسول الذي أتانا بالرسالة أشاع الخبر في الناس ، فلما تعالى النهار رأينا قوماً من الشيعة على أشد قلق لما نحن فيه ، فأخفينا أمر الرسالة ولم نظهره ، فلما جَن علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزناً على سيدنا الحسن عليهالسلام ، نبكي ونشكي إلى فقده ، فإذا نحن بيدٍ قد دخلت علينا من الباب فضاءت كما يضئ المصباح وهي تقول : يا أحمد هذا التوقيع إعمل به وبما فيه ، فقمنا على أقدامنا وأخذنا التوقيع فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم : من الحسن
المسكين لله رب العالمين ، إلى شيعته المساكين : أما بعد ، فالحمد لله على ما نزل منه ونشكره إليكم جميل الصبر عليه ،
وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم ، ونعم الوكيل ، ردوا ما معكم ليس هذا أوان وصوله إلينا ، فإن هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا ، ولو شئنا ما ضركم ، وأمرنا يرد عليكم ، ومعكم صرة فيها سبعة عشر ديناراً في خرقة حمراء ، إلى أيوب بن سليمان ، الآن فردوها فإنه حملها ممتحناً لنا بها بما فعله ، وهو ممن وقف عند جدي موسى بن جعفر عليهالسلام فردوا صرته عليه ، ولا تخبروه !
فرجعنا إلى قم ، فأقمنا بها سبع ليال ، ثم جاءنا أمر ابنه : قد بعثنا إليكم إبلاً غير إبلكم ، إحملا ما قِبَلَكُما عليها واخليا لها السبيل ، فإنها واصلةٌ إليَّ ! وكانت الإبل بغير قائد ولا سائق ، على وجه الأول منها بهذا الشرح ، وهو مثل الخط الذي بالتوقيع التي أوصلته إلى الدسكرة ، فحملنا ما عندنا واستودعناه وأطلقناهم ، فلما كان من قابل خرجنا نريده عليهالسلام فلما وصلنا إلى سامرا دخلنا عليه فقال لنا : يا أحمد ومحمد ، أدخلا من الباب الذي بجانب الدار ، وانظرا ما حملتماه على الإبل ، فلا تفقدا منه شيئاً . فدخلنا من الباب فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير ، فحللناه كما أمرنا وعرضنا جمعه ، فما فقدنا منه شيئاً ، فوجدنا الصرة الحمراء والدنانير فيها بختمها ، وكنا قد رددناها على أيوب ، فقلنا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقلنا : إنها من سيدنا ، فصاح بنا من مجلسه : فما لكما بدت لكما سؤاتكما ! فسمعنا الصوت فأتينا إليه فقال : من أيوب ، وقتَ وردت الصرة عليه فقبل الله إيمانه وقبل هديته ، فحمدنا الله وشكرناه على ذلك ، فكان هذا من دلائله عليهالسلام » .
الفصل الخامس عشر :
شخصيات من تلاميذ الإمام الهادي عليهالسلام وأصحابه
روى عن الإمام الهادي عليهالسلام مئات الرواة
عَدَّ الشيخ الطوسي والبرقي قدس الله روحيهما ، أسماء خمس مئة وستة عشر راوياً رووا عنه عليهالسلام . وعَدَّ السيد القزويني في موسوعة الإمام الهادي عليهالسلام ثلاث مئة وسبعة وتسعين راوياً .
وترجم الباحث عبد الحسين الشبستري في كتابه : النور الهادي الى أصحاب الإمام الهادي عليهالسلام ، لمئة وثلاثة وتسعين من أصحابه عليهالسلام .
ويتسع المجال لأن نذكر نماذج من أصحابه وتلاميذه ، صلوات الله عليه .
١. الصقر بن أبي دلف :
١. لما أحضر المتوكل الإمام الهادي عليهالسلام الى سامراء ، خاطر الصقر بنفسه وذهب الى زيارته ، وكان يعرف حاجب المتوكل فأدخله الى السجن ، وزار الإمام عليهالسلام ، فرآهم حفروا له قبراً بجانبه ! وأمره الإمام أن يودع ويذهب ، لئلا يبطشوا به !
وروى الصقر عدة أحاديث في تنزيه الله تعالى ، منها أن الإمام الهادي عليهالسلام قال له : « إنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه بَراءٌ في الدنيا والآخرة . يا ابن أبي دلف : إن الجسم محُدث والله محدثه ومجسمه » . « التوحيد للصدوق / ١٠٤ » .
٢. ذكرنا في فصل إحضار الإمام الى سامراء ، أنه لا يبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف ، الذي خرج على هارون الرشيد ، ثم تصالح معه وصار والياً من قبله على بلاد الجبل من إيران ، وأسس مدينة كرج قرب طهران . وكتبنا عنه في القبائل العراقية ، في قبيلة عجل بن لُجَيْم .
وكان أبو دلف شيعياً متشدداً ، وسكن بعض أولاده بغداد ، وبعضهم الحلة ، وبقي بعضهم في إيران ، وكان منهم ولاةٌ في زمن الواثق والمتوكل .
وقد ترجم المؤرخون لشعراء وعلماء من ذرية أبي دلف ، ومنهم ابن إدريس الحلي الفقيه الشيعي المشهور ، ومنهم الأمير أبو نصر بن ماكولا صاحب كتاب الإكمال في تراجم الرجال . « وفيات الأعيان : ٣ / ٣٠٦ » .
وقال ابن الأثير في الكامل « ٧ / ٤٧٩ » : « ذكر الحرب بين عسكر المعتضد وأولاد أبي دلف . وفيها سار عبيد الله بن سليمان إلى عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بالجبل فسار عمر إليه بالإمان في شعبان ، فأذعن بالطاعة ، فخلع عليه وعلى أهل بيته » .
٢ ـ ٣. شخصيتان من أولاد المنصور الدوانيقي :
١. وهما : أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، وعم أبيه : أبو موسى : عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور .
ونلاحظ أن محمداً يروي كثيراً عن عم
أبيه عيسى ، وأن رواياته ذات أهمية خاصة ودلالات كبيرة ، فموضوعاتها علاقة الإمام الهادي عليهالسلام بالنظام أو مكانة
أمير المؤمنين علي عليهالسلام والعترة عند الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله . فهي سياسية أو عقائدية من الدرجة الأولى ، وقد تبلغ أربعين رواية .
ويروي العم عن الزبير بن بكار « دلائل الإمامة / ٤٧٥ » ويقول إنه من حواريِّي الإمام الهادي عليهالسلام . وكان يسكن سامراء من سنة ٢٣٩ ، كما نسبه النجاشي ، وروى عنه الجوهري في سامراء ، في مقتضب الأثر / ١١ .
٢. روى عنه الطوسي في أماليه / ٢٧٥ ، روايات عديدة ، وسنده : الفحام ، أي عمير بن يحيى الفحام ، عن المنصوري الصغير ، عن عم أبيه .
ومنها الرواية المتقدمة المليئة بالدلالة : « الفحام ، قال : حدثني المنصوري ، قال : حدثني عم أبي ، قال : دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب ، فدعاني إلى الشرب فقلت : يا سيدي ما شربته قط . فقال : أنت تشرب مع علي بن محمد ! فقلت له : ليس تعرف من في يدك ، إنما يضرك ولا تضره ، ولم أُعِد ذلك عليه .
قال : فلما كان يوماً من الأيام ، قال
لي الفتح بن خاقان : قد ذَكر الرجل يعني المتوكل ، خبر مال يجئ من قم ، وقد أمرني أن أرصده لأخبره به ، فقل لي : من أي طريق يجئ حتى أجتنبه ! فجئت إلى الإمام علي بن محمد عليهماالسلام
فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي : لايكون إلا خيرٌ يا أبا موسى ، لمَ لمَ تُعِد الرسالة
الأوَّلَة ؟ فقلت : أجللتك يا سيدي . فقال لي : المال يجئ الليلة وليس يصلون إليه ، فبِتْ عندي ، فلما كان من الليل وقام إلى ورده قطع الركوع بالسلام ، وقال لي : قد جاء الرجل ومعه المال ، وقد منعه الخادم الوصول إليَّ فاخرج وخذ ما معه ، فخرجت
فإذا معه الزنفيلجة فيها المال ، فأخذته ودخلت به إليه فقال : قل له : هات المخنقة التي قالت لك القُمِّيَّة : إنها ذخيرة جدتها ! فخرجتُ إليه فأعطانيها فدخلت بها إليه فقال لي : قل له : الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا ، فخرجت إليه فقلت له ذلك ، فقال : نعم ، كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة ، وأنا أمضي فأجئ بها . فقال : أخرج فقل له : إن الله تعالى يحفظ ما لنا وعلينا ، هاتها من كتفك ، فخرجت إلى الرجل فأخرجها من كتفه فغشي عليه ، فخرج إليه عليهالسلام فقال له : قد كنتُ شاكاً فتيقنتُ » !
٣. تدل الرواية على أن عيسى المذكور كان من شخصيات بني العباس ، ومن المحترمين عند المتوكل ، بحيث يدخل عليه وهو يشرب الخمر .
وكان المتوكل يعرف علاقته بالإمام عليهالسلام وتشيعه له ، فدعاه ليشرب الخمر معه ، ثم استثنى وقال له أنت لاتشرب معي ، بل تشرب مع إمامك علي بن محمد !
وهذه خباثة من المتوكل ، لأنه يعرف أن الإمام عليهالسلام لا يشرب ، وقد أجابه عيسى بجواب وقال إنه لم يُعده عليه ، حتى لايغضبه !
قال له : « ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا تضره . ولم أعد ذلك عليه » .
ومعناه : أنك لاتعرف علي بن محمد عليهالسلام من هو ، وإنك بحبسك إياه وكلامك عليه تضر نفسك ، ولا تضره !
٤. يظهر أن عيسى هذا كان لا يقبل الولاية ، أو كان المتوكل لا يوليه بلداً بسبب ولائه للعلويين ! وقد ولى على المدينة ومكة عمه وابن عمه : محمد بن عيسى ، وابن عمه : علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور . « صبح الأعشى : ٤ / ٢٧١ » .
٥. وكان عيسى رحمهالله يعيش في سامراء ، وله مخصصات من المتوكل كبقية شخصيات العباسيين ، فقد قال رحمهالله كما في أمالي الطوسي / ٢٨٥ : « قصدتُ الإمام عليهالسلام يوماً فقلت : يا سيدي ، إن هذا الرجل قد اطَّرَحني وقطع رزقي ومَلَّني ، وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك ، فإذا سألتَهُ شيئاً منه يلزمُهُ القبول منك ، فينبغي أن تتفضل علي بمسألته . فقال : تكفى إن شاء الله .
فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل ، رسولٌ يتلو رسولاً ، فجئت والفتح على الباب قائم فقال : يا رجل ، ماتأوي في منزلك بالليل ؟ كَدَّ هذا الرجل مما يطلبك ! فدخلتُ وإذا المتوكل جالس في فراشه ، فقال : يا أبا موسى نشغل عنك وتنسينا نفسك ، أيُّ شئ لك عندي ؟ فقلت : الصلة الفلانية ، والرزق الفلاني ، وذكرت أشياء ، فأمر لي بها وبضعفها .
فقلت للفتح : وافى عليُّ بن محمد إلى هاهنا ؟فقال : لا . فقلت : كتب رقعة ؟ فقال : لا . فوليت منصرفاً فتبعني ، فقال لي : لست أشكُّ أنك سألته دعاءً لك ، فالتمس لي منه دعاء ! فلما دخلت إليه عليهالسلام قال لي : يا أبا موسى هذا وجهُ الرضا . فقلت : ببركتك يا سيدي ، ولكن قالوا لي : إنك ما مضيت إليه ولا سألته . فقال : إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه ، ولا نتوكل في الملمات إلا عليه وعودنا إذا سألنا الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا .
قلت : إن الفتح قال لي كيت وكيت . قال : إنه يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ، الدعاء لمن يدعو به . إذا أخلصتَ في طاعة الله ، واعترفتَ برسول الله صلىاللهعليهوآله وبحقنا أهل البيت ، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك .
قلت : يا سيدي فتعلمني دعاء أختص به من الأدعية . قال : هذا الدعاء كثيراً ما أدعو الله به ، وقد سألت الله أن لا يُخيب من دعا به في مشهدي بعدي ، وهو :
يا عُدَّتي عند العُدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد ويا قل هو الله أحد ، أسالك اللهم بحق من خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً ، أن تصلي عليهم ، وتفعل بي كيت وكيت » .
٦. العجيب أن الفتح بن خاقان وزير المتوكل أخبر عيسى أن المتوكل أمره أن يراقب مجئ أموال الى الإمام عليهالسلام من قم ، وطلب منه أن يخبره بطريق مجيئها ، ليبتعد عن مراقبة ذلك الطريق ! وطبيعي أن يراجع عيسى إمامه الهادي عليهالسلام فراجعه ، وكان المعجز الذي حكاه عيسى رحمهالله ويظهر منه أن عيسى تعود أن يرى من الإمام عليهالسلام الآيات والكرامات !
٧. كان عيسى ملازماً للإمام الهادي عليهالسلام ، وقد استفاد منه أنه ألَّفَ كتاباً مما رواه عنه ، ويروي كتابه ابن أخيه أحمد ، ولم يصل الينا مع الأسف .
قال
النجاشي في فهرس أسماء مصنفي الشيعة / ٢٩٧ :
« عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور أبو موسى السر من رائي ، روى عن أبي الحسن علي بن محمد عليهالسلام. أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام قال : حدثنا أبو الحسن
محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى قال : حدثنا عم أبو موسى عيسى بن أحمد ، عن أبي الحسن عليهالسلام بالنسخة » .
٨. ويظهر من الرواية حسن فهم الفتح بن خاقان وزير المتوكل ، فقد فهم أن الإمام الهادي عليهالسلام دعا لعيسى فليَّن الله له قلب المتوكل ، فأوصى عيسى أن يطلب من الإمام عليهالسلام أن يدعو له ، وأجاب الإمام عليهالسلام عن طلبه بقوله : الدعاء لمن يدعو به . إذا أخلصت في طاعة الله ، واعترفت برسول الله صلىاللهعليهوآله وبحقنا أهل البيت ، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك .
ومعناه : أن استجابة الدعاء متوقفة على نوعية الشخص الذي يدعو ، وكل مسلم يطيع الله ويوالي النبي وعترته الطاهرين عليهمالسلام ، إذا دعا ، لايحرمه الله تعالى .
وتعبيره عليهالسلام عن الفتح : يوالينا بظاهره ويجانبنا بباطنه ، تعبير دقيقٌ ، وهو حالة أقل من العداء الصريح .
٩. نلاحظ أن عيسى يستعمل كلمة الإمام مطلقة بدون قيد للإمام الهادي عليهالسلام فيقول دخلت على الإمام ، قلت للإمام .. الخ . وهذا يدل على أنها في القرن الثالث صارت كالعلم لإمام العترة من أهل البيت عليهمالسلام .
١٠. في الختام لا بد أن نسجل تعجبنا من
إهمال علماء العامة للمنصورييْن ، وعدم رواياتهم عنهما ، وعدم ترجمتهما في مصادر الجرح والتعديل ، مع أنهما عباسيان من أولاد المنصور مؤسس التسنن الجديد . ولعل السبب في ذلك أن رواياتهما رحمهما الله صريحة في التشيع ، لا يحتملها حتى بعض الشيعة ، كالذي
رواه الرضي في خصائص الأئمة عليهمالسلام / ٧٨ : « حدثني أبو محمد هارون بن موسى ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور قال : حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهمالسلام قال : حدثني أبي علي قال : حدثني أبي محمد قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي موسى ، قال : حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي محمد ، قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين عليهمالسلام ، والصلاة ، قال ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي ، مَثَلُكُم في الناس مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق فمن أحبكم يا علي نجا ، ومن أبغضكم ورفض محبتكم هوى في النار .
ومَثَلُكُم يا علي مثل بيت الله الحرام ، من دخله كان آمناً ، فمن أحبكم ووالاكم كان آمناً من عذاب النار ، ومن أبغضكم ألقي في النار . يا علي : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا . ومن كان له عذرٌ فله عذرُهُ ، ومن كان فقيراً فله عذره ، ومن كان مريضاً فله عذره ، وإن الله لا يعذر غنياً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا صحيحاً ولا أعمى ولا بصيراً ، في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم » !
فهذا الحديث ثقيل عليهم ، لأنه يجعل ولاية علي والعترة عليهمالسلام ، من أصول الدين .
٤. خيران الأسباطي :
جعل
السيد الخوئي في رجاله «
٨ / ٨٧ » خيران الأسباطي ، وخيران الخادم ،
وخيران بن إسحاق الزاكاني واحداً ، وهو الظاهر . وقال : ثقةٌ من أصحاب الهادي عليهالسلام .. وقال الكشي : وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه : حدثني