فمع قرب ابن حنبل من المتوكل وبعده عن أهل البيت عليهمالسلام لكن موجة الغضب العامة على المتوكل لهدمه قبر الحسين عليهالسلام تجعله يشك في أقرب الناس اليه !
٣. أبوهاشم الجعفري هو : داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم . وهو من كبار أصحاب الأئمة المعصومين عليهمالسلام ، ولم يكن من خطهم الثورة كالزيديين ، لكنهم كانوا يتضامنون مع الثائرين منهم إذا نُكبوا ، ويدافعون عنهم . قال السيد الخوئي « ٨ / ١٢٢ » : « أبوهاشم الجعفري رحمهالله : كان عظيم المنزلة عند الأئمة عليهمالسلام ، شريف القدر ، ثقة ، روى أبوه عن أبي عبد الله عليهالسلام . وقال الشيخ : داود بن القاسم الجعفري ، يكنى أبا هاشم ، من أهل بغداد ، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة عليهالسلام ، وقد شاهد جماعة منهم : الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر ، وقد روى عنهم كلهم عليهمالسلام . وله أخبار ومسائل ، وله شعر جيد فيهم ، وكان مقدماً عند السلطان وله كتاب ، أخبرنا به عدة من أصحابنا .. » .
٤. بنوطاهر وآل طاهر : هم أولاد طاهر بن الحسين وأقاربه ، وهو قائد جيش المأمون في حربه مع أخيه الأمين ، وهو الذي احتل بغداد وقتل الأمين . وقد أطلق المأمون يده في خراسان حتى عرفت بالدولة الطاهرية ، كما أطلق يد آل طاهر في العراق ، فكانت بغداد بيد إسحاق بن إبراهيم .
قال
ابن الأثير في الكامل «
٧ / ٢٣٦ »
: « وفيها «
٢٣٥ » توفي إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب المصعبي وهو ابن أخي طاهر بن الحسين ، وكان صاحب
الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل . ولما مرض أرسل إليه المتوكل ابنه المعتز مع جماعة من القواد يعودونه ، وجزع المتوكل لموته » .
وقال اليعقوبي « ٢ / ٤٨٨ » : « وقدم محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد من خراسان سنة ٢٣٧ ، فصيَّر إليه ما كان إلى إسحاق بن إبراهيم » .
وبنوطاهر ليسوا خزاعيين ، بل من موالي خزاعة ، وأصلهم من أمراء فارس . قال العمري في أنساب الطالبين / ٣٨٣ : « وأما ابن طاهر فهو محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان ، أسلم جده رزيق على يد عبيد الله بن طلحة الطلحات الخزاعي ، والي سجستان فنسب إليه ولقب بالخزاعي لهذا السبب ، لا لانتمائه الى قبيلة خزاعة من جهة النسب .
وآل طاهر أسرة قديمة تنتسب الى أمراء الفرس الأولين ، ويذكر منها في عالم الحرب والأدب والنجدة أفرادٌ كثيرون ، وكان مصعب يتولى أعمال مَرْو مع أعمال هراة . وأول من نبغ من هذه الأسرة واشتهر في عهد بني العباس ، طاهر بن الحسين بن مصعب ، أبلى في خدمة المأمون أحسن بلاء وأخلص له ونصح في ولائه وتوطيد ملكه ، فولاه خراسان وأطلق يده فيها ، فأصبحت دولة طاهرية مستقلة في حكومتها ، لا تربطها ببغداد الا خطبة المنبر .
وكان محمد بن عبد الله بن طاهر عظيم النفوذ في الدولة ، تميل الخلافة حيث يميل .. ومات محمد في ذي الحجة من سنة ٢٥٣ ، وهو الذي أنفذ جيشاً الى يحيى » .
ويظهر أن بني طاهر كانوا كأسيادهم العباسيين يعتقدون بصدق النبي صلىاللهعليهوآله ، وبأنهم غصبوا سلطانه من أهل بيته عليهمالسلام وظلموهم وقتلوهم بغير حق .
فقد روى أبوالفرج أن محمد بن طاهر والي بغداد تشاءم من قتله يحيى بن عمر العلوي ، فأرسل عائلته الى خراسان ، لأنه كان يعتقد أن قتله لبني علي عليهالسلام سيسبب زوال ملكه ! « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان ، وقال : إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة ، وزالت عنه الدولة ، فتجهزن للخروج » ! « مقاتل الطالبيين / ٤٢٣ » .
وبالفعل جاءهم الشؤم في الصراعات الداخلية بين خلفاء بني عباس ، ومات محمد بن عبد الله بن طاهر في حرب المعتز في أواخر سنة ٢٥٣ : فـ « اشتد وجد المعتز عليه ، وكان يرى أن الأتراك يهابونه من أجله » . « الأعلام : ٦ / ٢٢٢ » .
وانتهت دولة آل طاهر بعد قتلهم يحيى فما انتعشوا بعد ذلك ! « نثر الدرر : ١ / ٢٦٥ » .
ويؤكد ما ذكرنا من اعتقاد بني طاهر بأهل البيت عليهمالسلام ما رواه الصدوق في الخصال / ٥٣ : « عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال : كنت واقفاً على أبي وعنده أبوالصلت الهروي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن محمد بن حنبل ، فقال أبي : ليحدثني كل رجل منكم بحديث ، فقال أبوالصلت الهروي : حدثني علي بن موسى الرضا ، وكان والله رضاً كما سمي ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الايمان قولٌ وعملٌ فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل : ما هذا الإسناد ؟ فقال له أبي : هذا سُعُوطُ المجانين ، إذا سُعِطَ به المجنون أفاق » .
٥. تدل قصيدة ابن الرومي على أنه كان شيعياً رحمهالله . وشعره ملئ بالصنعة وفيه تكلف ، وهو لايرقى الى شعر الطبقة الأولى من شعراء العصر العباسي .
كما تدل قصيدته على أن الأبنة والشذوذ كان منتشراً في شخصيات العباسيين ، وأن العلويين كانوا طاهرين من هذا الرجس ، لاحظ قوله :
أروني امرأ منهم يُزَنُّ بأُبنة |
|
ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج |
وقوله : يُزَنُّ بأبنةٍ : فعل زَنَّ بتشديد النون بمعنى : اتَّهم .
قال ابن فارس « ٣ / ٥ » : « يقال أزننت فلاناً بكذا ، إذا اتهمته به . وهو يُزَنُّ به » .
دور قم المميز في زمن الإمام الهادي عليهالسلام
١. تميزت قم بموقعها الجغرافي ، في طريق خراسان ، فكل قاصد من العراق أو الحجاز الى خراسان وما وراء النهر ، يمر بها .
٢. وتميزت ثانياً بمركزها التجاري ، فقد كانت ضريبتها السنوية مليوني درهم !
قال الطبري « ٧ / ١٨٣ » : « وفي هذه السنة « ٢١٠ » خلع أهل قم السلطان ومنعوا الخراج . ذُكر أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج وكان خراجهم ألفي ألف درهم .. » . وتقدم ذلك في سيرة الإمام الجواد عليهالسلام .
٣. وتميزت ثالثاً بشجاعة أهلها وثوراتهم ، فقد احتاج المأمون في مهاجمتها الى ثلاث فرق ، وكان عمدة أهلها الأشعريون .
قال البلاذري في فتوحه « ٢ / ٣٨٦ » : « وقد نقضوا في خلافة أبي عبد الله المعتز بالله بن المتوكل على الله ، فوجه إليهم موسى بن بغا عامله على الجبل ، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان ، ففتحت عنوةً وقتل من أهلها خلق كثير » .
وقال البلاذري في فتوحه « ٢ / ٣٩٨ » : « ولما كانت سنة ٢٥٣ ، وجه أمير المؤمنين المعتز بالله ، موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان . وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي فغزا الديلم وأوغل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم ، وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته » .
وفي رجال الطوسي / ٤٤٣ : « إبراهيم بن عبد الله بن سعيد ، قال : لما توجه موسى بن بغا إلى قم فوطأها وطأة خشنة ، وعظم بها ما كان فعل بأهلها ، فكتبوا بذلك إلى أبي محمد صاحب العسكر عليهالسلام يسألونه الدعاء لهم ، فكتب إليهم أن ادعوا بهذا الدعاء في وتركم ، وهو .. وذكر الدعاء » . « محمد بن الحسين بن سعيد بن عبد الله بن سعيد الطبري ، يكنى أبا جعفر ، خاصي ، روى عنه التلعكبري وقال : سمعت منه سنة ثلاثين وثلاث مائة وفيما بعدها ، وله منه إجازة . وسمع منه الدعاء الذي كتب به إلى أهل قم ، وروى حديث ابن بغا لما توجه إلى قم » .
وكانت حملة موسى بن بغا على الثوار العلويين في آذربيجان وطبرستان سنة ٢٥٣ قبل وفاة الهادي عليهالسلام بسنة ، وقبل قتل المعتز بسنتين . « ثقات ابن حبان : ٢ / ٣٣١ » . وسيأتي ذكرها إن شاء الله في سيرة الإمام العسكري عليهالسلام .
وتميزت قم بأنها مصدر نصرة للأئمة عليهمالسلام « وكان قد سعيَ بأبي الحسن إلى المتوكل ، وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم » . « تاريخ الذهبي : ١٨ / ١٩٩ » .
وكان القميون يحملون أخماسهم وهداياهم الى الإمام عليهالسلام في سامراء ، وكانت الدولة تحاول كشف ذلك ومعاقبة القميين .
وتميزت قم خامساً ، بأنها العاصمة الدينية لأهل البيت عليهمالسلام في إيران ، فقد كانت مركزاً علمياً فيها فقهاء كبار ووكلاء للأئمة عليهمالسلام ، وكان الشيعة يأخذون منهم فتاواهم ومعالم دينهم ، ويدفعون اليهم أخماسهم ليوصلوها الى الإمام عليهالسلام .
« وعن الصادق عليهالسلام : إن لله حرماً وهو مكة ، وإن للرسول حرماً وهو المدينة ، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ». « البحار : ٥٧ / ٢١٦ » .
هذا ، وكان لقم صلة بمصر لأن المأمون نفى عدداً من زعمائها الى مصر ، ونبغ منهم قادة عسكريون كالقائد المعروف : محمد بن عبد الله القمي الذي ولاه المتوكل أمر قبائل البجة في السودان الذين منعوا المسلمين مناجم الذهب ، فوضع لهم خطة وانتصر عليهم ، وأسر ملكهم علي بابا ، وجاء به أسيراً الى سامراء سنة ٢٤١ .
وقد روى الطبري تفصيل ذلك في تاريخه « ٧ / ٣٧٩ » .
* *
الفصل التاسع :
مرسوم إمامة ابن حنبل بعد هدم قبر الحسين عليهالسلام
كان ابن حنبل غير مرضي عند المأمون والمعتصم والواثق
قال الخليل في العين « ٣ / ٣٣٨ » : « الحنبل : الضخم البطن في قصر . ويقال : هو الخُف أو الفرو الخلق . والحِنبال والحِنبالة : القصير الكثير الكلام » .
وأضاف ابن منظور « ١١ / ١٨٢ » : « الحَنْبَل والحِنْبَال والحِنْبَالة : القصير الكثير اللحم . والحُنْبُل : طَلْعُ أُمّ غَيْلان » . وهي شجرة العُضَاه ، وثمرها كاللوبياء لايؤكل .
وكان أحمد بن محمد بن حنبل من العلماء العاديين في بغداد ، ولم يشتهر حتى أحضره المأمون ليمتحنه في خلق القرآن في سنة ٢١٢ ، فقد كان المأمون يُحضر العلماء ويحذرهم من القول بأن القرآن غير مخلوق ، لأنها تعني أنه قديمٌ مع الله تعالى ، وأن الله مركبٌ وكلامه جزءٌ منه ، وهذا شرك !
فإذا أصرَّ أحدٌ منهم على أن القرآن قديم ، كان يُعَزَّره ويحرمه من تولي القضاء . وفي سنة ٢١٨ ، أرسلوا الى المأمون أربعة علماء الى طرطوس ليمتحنهم وكان منهم أحمد بن حنبل ، وقبل أن يصلوا جاءهم خبر موت المأمون ، فأرجعوهم الى السجن ببغداد ، وواصل المعتصم سياسة أخيه المأمون في امتحانهم .
قال
السبكي في طبقات الشافعية «
٢ / ٥٣ »
: « سمعت أبا العباس بن سعد يقول : لم يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مَرْوٍ : أحمد بن حنبل أبوعبد الله ، وأحمد
بن نصر بن مالك الخزاعي ، ومحمد بن نوح بن ميمون ، المضروب ، ونعيم بن حماد ، وقد مات في السجن مقيداً . فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه ، وهذه نسخة الرقعة المعلقة في أذن أحمد بن نصر بن مالك : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك ، دعاه عبد الله الإمام هارون وهو الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة ، فجعله الله إلى ناره . وكتب محمد بن عبد الملك .
ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون . والمعتصم ضرب أحمد بن حنبل . والواثق قتل أحمد بن نصر بن مالك . وكذلك نعيم بن حماد » .
اتهموا ابن حنبل بالخيانة وفتشوا بيته !
اتهموه بأنه آوى ثائراً علوياً ، وهي تهمة عقوبتها القتل ! قال الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٨٤ » : « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ » علوياً في منزله ، وأنه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم . فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف سمعنا الجلَبة ، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله ، فأسرعنا وإذا أبوعبد الله قاعد في إزار ، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر وجماعة معهم ، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل : وَرَدَ على أمير المؤمنين أن عندكم علوياً ربصته لتبايع عليه وتُظهره . في كلام طويل . ثم قال له مظفر : ما تقول ؟
قال : ما أعرف من هذا شيئاً ، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي ، وآثره لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار . في كلام كثير غير هذا . وقال ابن الكلبي : قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ .
قال : فأحْلَفَهُ بالطلاق ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين .
قال : وفتشوا منزل أبي عبد الله والسِّرْب والغرف والسطوح ، وفتشوا تابوت الكتب ، وفتشوا النساء والمنازل ، فلم يروا شيئاً ولم يحسوا بشئ » !
أقول : يدل اتهامهم على الشعبية الواسعة للعلويين ورُعب السلطة منهم ! وكان المتوكل يعرف أن أحمد ليس في خط العلويين ، لكنه من خوفه احتمل أن يكونوا أغروه ! كما تفاجأ ابن حنبل فسارع بالقول : « إني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي ، وأوثره عليَّ ، وأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار » . فقبل منه المتوكل وسُرَّ به واستقدمه الى سامراء وأكرمه ، واتفق معه .
أحضر المتوكل أحمد الى سامراء عدة مرات
قال الآلوسي في جلاء العينين « ١ / ٢٤٢ » : « بعث المتوكل بعد مضي خمس سنين من ولايته لتسيير أحمد بن حنبل ، فقد نقل غير واحد أنه وجه المتوكل إلى إسحق بن إبراهيم يأمره بحمله إليه ، فوجه إسحق إليه وقال له : إن أمير المؤمنين قد كتب إلي يأمرني بإشخاصك إليه فتأهب لذلك » .
وأحضره المتوكل في أواخر عمره ، وكان أحمد يومها في الثالثة والسبعين ، وعاش بعدها ثلاث سنوات ونصفاً .
ففي تاريخ الذهبي « ١٨ / ١١٩ » : « ولي بغداد عبد الله بن إسحاق ، فجاء رسوله إلى أبي عبد الله فذهب إليه فقرأ عليه كتاب المتوكل فقال له : يأمرك بالخروج . فقال : أنا شيخ ضعيف عليل . فكتب عبد الله بما رد عليه ، فورد جواب الكتاب بأن أمير المؤمنين يأمره بالخروج . فوجه عبد الله جنوده ، فباتوا على بابنا أياماً حتى تهيأ أبوعبد الله للخروج ، فخرج ، وخرج صالح ، وعبد الله ، وأبو رميلة .
قال صالح : كان حَمْلُ أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين ، ثم عاش إلى سنة إحدى وأربعين ، فكان قَلَّ يومٌ يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ...
لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل ، فلما حاذى بنا قالوا : هذا وصيف ، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد : الأمير وصيف يقرؤك السلام ، ويقول لك : إن الله قد أمكنك من عدوك ، يعني ابن أبي دؤاد ، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به ، فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً ، وجعلت أنا أدعو لأمير المؤمنين ، ودعوت لوصيف . ومضينا فأنزلنا في دار إيتاخ ولم يعلم أبوعبد الله ، فسأل بعد ذلك : لمن هذه الدار قالوا : هذه دار إيتاخ . فقال : حولوني ، إكتروا لي . فلم نزل حتى اكترينا له داراً .
وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والفاكهة والثلج وغير ذلك . فما نظر إليها أبوعبد الله ، ولا ذاق منها شيئاً .
وكانت نفقة المائدة كل يوم مائة وعشرين درهماً . وكان يحيى بن خاقان وابنه عبيد الله وعلي بن الجهم ، يأتون أبا عبد الله ويختلفون إليه برسالة المتوكل .
ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفاً شديداً ، وكان يواصل ، فمكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب ، فلما كان في اليوم الثامن دخلت عليه وقد كاد أن يطفأ فقلت : يا أبا عبد الله ، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام ، وهذا لك اليوم ثمانية أيام . قال : إني مطيق . قلت : بحقي عليك . قال : فإني أفعل ، فأتيته بسويق فشرب . ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده ، فقال له عبيد الله بن يحيى : فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك . قال : هم مستعفون فردها عليه ، فأخذها عبيد الله فقسمها على ولده وأهله .
ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر ، فبعث إليه أبوعبد الله : إنهم في كفاية وليست بهم حاجة . فبعث إليه المتوكل : إنما هذا لولدك ، ما لك ولهذا ؟ فأمسك أبوعبد الله . فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل .
قال حنبل : فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج ، ودخل المطبب على المتوكل فقال : يا أمير المؤمنين أحمد ليست به علة في بدنه ، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة .
وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله فقالت لابنها : أشتهي أن أرى هذا الرجل . فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم عليه ويدعو له ويجعله في حجره . فامتنع أبوعبد الله من ذلك ، ثم أجاب رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد ، فوجه إليه المتوكل خلعة ، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز فامتنع ، وكانت عليها مَيْثَرَةُ نُمُور ، فقدم إليه بغل لرجل من التجار فركبه .
وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان ، وعلى المجلس ستر رقيق ، فدخل أبوعبد الله على المعتز ، ونظر إليه المتوكل وأمه ، فلما رأته قالت : يا بني ، الله الله في هذا الرجل فليس هذا ممن يريد ما عندكم ، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله فَأْذَنْ له فليذهب . فدخل أبوعبد الله على المعتز فقال : السلام عليكم وجلس ، ولم يسلم عليه بالإمرة . قال : فسمعت أبا عبد الله بعد ذلك ببغداد يقول : لما دخلت عليه وجلست قال مؤدب الصبي : أصلح الله الأمير ، هذا الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك . فرد عليه الغلام وقال : إن علمني شيئاً تعلمته . قال أبوعبد الله : فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره . وكان صغيراً .
فأذن له بالإنصراف ، فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر فقال : إن أمير المؤمنين قد أذن لك ، وأمر أن تفرش لك حَرَّاقَة تنحدر فيها . فقال أبوعبد الله : أطلبوا لي زورقاً فأنحدر فيه الساعة ، فطلبوا له زورقاً فانحدر فيه من ساعته ..
وجاء عن لسان ولده الآخر صالح : فلما كان من الغد جاء يعقوب فقال : البشرى يا أبا عبد الله ، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول : قد أعفيتك عن لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار . فإن شئت فالبس القطن ، وإن شئت فالبس الصوف . فجعل يحمد الله على ذلك » .
أقول : توجد عدة روايات عن إحضار أحمد الى سامراء . وقد حاول أحمد ومحبوه أن يقولوا إنه كان زاهداً في الدنيا ، ولم يكن راغباً في تكريم المتوكل ، ولا بالمناصب والأموال ، لأن المتوكل عند المسلمين ظالم لا يجوز الركون اليه !
وفي كلام أحمد وأبنائه نقاط ضعف ، ومنها كلام أحمد عن صغر سن المعتز ، بينما كان عمره لما زاره أحمد نحو سبع عشرة سنة . فقد خلع نفسه سنة ٢٥٥ ، وعمره أربع وعشرون سنة . « مروج الذهب : ٤ / ٨١ » .
اتفق المتوكل مع أحمد وجعله مرجعاً للدولة !
في النهاية لابن كثير « ١٠ / ٣٧٣ » : « وكان مسير أحمد إلى المتوكل في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، ثم مكث إلى سنة وفاته ، وما من يوم إلا ويسأل عنه المتوكل ويوفد إليه في أمور يشاوره فيها ، ويستشيره في أشياء تقع له . ولما قدم المتوكل بغداد بعث إليه ابن خاقان ومعه ألف دينار ليفرقها على من يرى فامتنع من قبولها وتفرقتها ، وقال : إن أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره ، فردها » .
وفي تاريخ الذهبي « ٢٠ / ٢٠٣ » : « قال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان : أمر المتوكل بمساءلة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء » .
أي أمر أن يأخذوا برأيه في تعيين القضاة في الدولة ، فلايعينوا إلا من وافق عليه . وفي المقابل تبنى أحمد طاعة المتوكل ، ونشر أحاديث التشبيه والتجسيم !
قال المَلَطي العسقلاني في : التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع / ٧ : « وقال أمير المؤمنين المتوكل لأحمد بن حنبل : يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة فأظهرني على السنة والجماعة . وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين ، مما كتبوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحدثه » .
وقال تلميذه أبو بكر المروذي : « سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردُّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش ، فصححها وقال : قد تلقتها الأمة بالقبول ، وتُمَرُّ الأخبار كما جاءت » . « طبقات الحنابلة لأبي يعلى : ١ / ٥٦ » .
وهذه هي أحاديث صفات الله تعالى ورؤيته بالعين ، التي رفضها الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام ومالك بن أنس صاحب المذهب ، ويريدها المتوكل !
مرجعية ابن حنبل لمواجهة مرجعية الإمام الهادي عليهالسلام
بدأ حكم المتوكل أواخر سنة ٢٣٢ . وفي سنة ٢٣٣ ، أحضرالإمام الهادي عليهالسلام الى سامراء وفرض عليه الإقامة الجبرية ، وحاول قتله بتهمة أنه ينوي الخروج عليه فظهرت للإمام عليهالسلام كرامات ومعجزات ، فهابه وزراء المتوكل والقادة وأحبوه ، وكانت أم المتوكل تعتقد أنه ولي الله تعالى وتنذر له النذور في المهمات !
وفي السنة التالية استقدم المتوكل المحدثين المجسمين ، الذين يقولون إن الله يُرى بالعين ، والقرآن غير مخلوق ، وقرَّبهم وأعطاهم جوائز ومناصب .
وكان المتوكل يريد تغيير خط الخلافة فيتبنى المجسمة ، لكن نفوذ ابن دؤاد كان قوياً ، فهو الذي دبَّر خلافة أبيه المعتصم ورتَّبَ قتل العباس بن المأمون . وهو الذي رتب بيعة أخيه الواثق . وهو الذي خلع ابن الواثق ودبَّر بيعة المتوكل وأخرجه من السجن وجاء به الى كرسي الخلافة .
قال
في تاريخ بغداد « ١ / ٣١٤ » :
« كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد ، ويستحي أن ينكبه ، وإن كان يكره مذهبه ، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق ، وعقد
الأمر له والقيام به من بين الناس . فلما فلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادي الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، أول ما وليَ المتوكل الخلافة ، ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه ، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين ، ووكل بضياعه وضياع أبيه .
ثم صولح على ألف ألف دينار ، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم وَحَدَّرَهُم إلى بغداد ، وولي يحيى بن أكثم ما كان إلى ابن أبي دؤاد » .
فكان المتوكل يمهد تمهيدات لضرب ابن دؤاد ، الى أن تم عزله في سنة ٢٣٧ ، وجاء بابن حنبل الى سامراء ، واتخذه مرجعاً .
قال ابن أحمد بن حنبل : « لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل ، فلما حاذى بنا قالوا : هذا وصيف ، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد : الأمير وصيف يقرؤك السلام ويقول لك : إن الله قد أمكنك من عدوك ، يعني ابن أبي دؤاد ، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به » . « تاريخ الذهبي : ١٨ / ١١٩ » .
وهذا يدل على أن وصيفاً اتفق مع المتوكل ، وكان مهتماً بأن تكثر الشكاية من ابن أبي دؤاد لتبرير عزله ، وإعلان مرجعية أعدائه القائلين بقدم القرآن والتشبيه .
احتفل المتوكل بمرجعية أحمد وإنزال رأس ابن نصر !
وكان عزل ابن دؤاد وتولية خصمه ابن أكثم ، وإنزال جثة ابن نصر ، ودعوة أحمد الى سامراء وإعلان مرجعيته . كل ذلك حول شهر رمضان سنة ٢٣٧ .
قال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٠٦ » : « ولم يزل رأسه منصوباً من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة ، أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية رحمهالله . وذلك بأمر المتوكل على الله الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق » .
وقال في النهاية « ١٠ / ٣٤٨ » : « وفي عيد الفطر منها « سنة ٢٣٧ » أمر المتوكل بإنزال جثة أحمد بن نصر الخزاعي ، والجمع بين رأسه وجسده وأن يسلم إلى أوليائه ، ففرح الناس بذلك فرحاً شديداً ، واجتمع في جنازته خلق كثير جداً ، وجعلوا يتمسحون بها وبأعواد نعشه ، وكان يوماً مشهوداً . ثم أتوا إلى الجذع الذي صلب عليه فجعلوا يتمسحون به ، وأرهج العامة بذلك فرحاً وسروراً ، فكتب المتوكل إلى نائبه يأمره بردعهم عن تعاطي مثل هذا ، وعن المغالاة في البشر .
ثم كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام في مسألة الكلام ، والكف عن القول بخلق القرآن ، وأن من تعلم علم الكلام لو تكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت . وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير .
ثم أظهر إكرام الإمام أحمد بن حنبل واستدعاه من بغداد إليه ، فاجتمع به فأكرمه وأمر له بجائزة سنية فلم يقبلها ، وخلع عليه خلعة سنية من ملابسه فاستحيا منه أحمد كثيراً ، فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلاً فيه ، ثم نزعها نزعاً عنيفاً وهو يبكي رحمه الله تعالى .
وارتفعت السُّنَّة جداً في أيام المتوكل عفا الله عنه ، وكان لا يولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد ، وكان ولاية يحيى بن أكثم قضاء القضاة موضع ابن أبي دؤاد عن مشورته ، وقد كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السنة وعلماء الناس ، ومن المعظمين للفقه والحديث واتباع الأثر » .
أهم إنجازات مرجعية أحمد بن حنبل
كانت مدة مرجعية أحمد للدولة ثلاث سنوات ونصفاً ، لأن مجيئه الى سامراء في شهر رمضان سنة ٣٣٧ ، ووفاته في ربيع الثاني سنة ٣٤١ .
لكنها كانت مرجعية مؤثرة ، حيث حققت إنجازين كبيرين عند أصحابهما :
الأول : ترسيخ حزب المجسمة النواصب ، الذين كان يقودهم ابن صاعد ، وعرفوا بإسم الصاعدية . وكانوا في زمن المتوكل وبعده تياراً متطرفاً .
ويظهر أنهم صاروا بعد ذلك مذهباً لهم آراؤهم التي تخالف المسلمين !
قال المقدسي في البدء والتاريخ « ٥ / ١٤٩ » : « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا « ص » لأنه رويَ : لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله » !
وهم مجسمة الحنابلة الذين يشكو منهم أهل بغداد وأئمة الحنابلة المعتدلون كابن الجوزي . وهم الأجداد الحقيقيون لابن تيمية وأتباعه الوهابية .
والإنجاز
الثاني : تأليف صحيح البخاري
، فقد كان البريد يصل من المتوكل في سامراء الى أحمد بن حنبل في بغداد كل يوم ، وكان البخاري مشغولاً بتأليف
كتابه ، وقد زار أحمد بن حنبل ثمان مرات ، وكان يسانده ويمدحه ، وكان تعيين جميع القضاة ومساعدات جميع المحدثين عن طريق أحمد بن حنبل .
وعندما أكمل البخاري صحيحه عرضه على أحمد فارتضاه ، وطلب منه أن يسكن بغداد ، فكان البخاري يتأسف لأنه لم يسمع كلامه ، ولم يأت الى بغداد .
قال الخطيب في تاريخ بغداد « ٢ / ٢٢ » : « محمد بن يوسف يقول : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : دخلت بغداد آخر ثمان مرات ، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل . فقال لي في آخر ماودعته : يا أبا عبد الله ، تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان ؟ قال أبوعبد الله : فأنا الآن أذكر قوله » .
وفي تغليق التعليق لابن حجر « ٥ / ٤٢٣ » : « قال العقيلي : لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهم ، فاستحسنوه ، وشهدوا له بالصحة » .
محنة أحمد بن حنبل كذبة حنبلية !
١. لن تستطيع أن تفهم نظرية عمر بن الخطاب بأن الله تعالى أنزل القرآن على سبعة أحرف ، فقد قال بعض محبيه إنه حاول فهمها ثلاثين سنة وتوصل الى بضعة ثلاثين وجهاً ، لكن ليس منها وجهٌ معقول !
ولن تستطيع حتى لو كنت حنبلياً أن تفهم محنة ابن حنبل التي أحيت الدين ! وهي أنه سجن سنتين ، وضربوه ثمانية وثلاثين سوطاً ، فأحيا بذلك الدين !
قالوا : حبس هو وثلاثة ، فمات أحدهم في الطريق ، ومات الثاني في السجن بعد عشر سنين ، وقتل الثالث بعد سجنه بأكثر من عشر سنين ، وعفوا عن أحمد ، فأحيا الله الدين بمن أطلقوه ، وليس بمن قتلوه ، ولا بمن مات في السجن !
ولن تستطيع معرفة كيف صار ابن حنبل أعظم شخص في الأمة بعد النبي صلىاللهعليهوآله !
قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة « ١ / ١٣ و ٢٢٧ » : « قال علي بن المديني : أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما : أبوبكر الصديق يوم الردة ، وأحمد بن حنبل في يوم المحنة ! ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل . قال قلت له : يا أبا الحسن ولا أبوبكر الصديق ؟ قال : ولا أبوبكر الصديق ، لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب ، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب » !
وقال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٦٩ » : « قال البخاري : لما ضُرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة ، فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول : لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان أحدوثة . وقال إسماعيل بن الخليل : لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان نبياً » .
وصادروا لأحمد صفات أئمة الشيعة فقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : « أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه » ! « تاريخ بغداد : ٥ / ١٨٣ » .
٢.
قصة المحنة كما يسمونها :
أن المأمون أمر بإرسال المحدثين الذين لم يقبلوا أن القرآن مخلوق ، اليه الى طرسوس ، فأرسلوا اليه من بغداد أربعة : أحمد بن حنبل ،
وأحمد بن نصر ، ومحمد بن نوح بن ميمون ، ونُعَيْم بن حماد . فمات المأمون وهم في الطريق فأرجعوهم الى بغداد . ومات محمد بن ميمون في الطريق .
وأحضر المعتصم أحمد بن حنبل وناظره وأطلق سراحه ، لأنه قال لهم : أنا أقول بقول أمير المؤمنين ! كما شهد بذلك المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي .
وبقي نُعيم بن حماد في السجن عشر سنوات حتى مات . وبقي أحمد بن نصر في السجن ثلاث عشرة سنة ، فأحضره الواثق ابن المعتصم وقتله .
٣. ولكل واحد من هؤلاء الأربعة ، قصةٌ ومحاكمةٌ ومناظرةٌ ، وأعظمهم بلاءً أحمد بن نصر ، حيث أصر على رأيه بأن القرآن غير مخلوق حتى قتله الواثق بيده ! لكنهم أهملوه وبالغوا في محنة ابن حنبل ، وبالغَ هو في الحديث عن « بطولته » في السجن وصموده تحت سياط الخليفة ، وتفوقه في مناظرته لقاضي قضاة المعتصم والواثق . وروى لنفسه ورووا له الكرامات والمعجزات في المحنة !
قال
المروزي في مسائل الإمام أحمد /
١٠٩
، وابن كثير في النهاية ، ملخصاً «
١٠ / ٣٦٥ »
: « وفي عام مائتين واثني عشر أعلن المأمون القول بخلق القرآن ، وفي عام ثماني عشرة ومائتين رأى المأمون حمل الناس والعلماء والقضاة والمفتين على القول بخلق القرآن الكريم ، وكان آنذاك منشغلاً بغزو الروم ، فكتب إلى نائبه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن ، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا ، فهددهم بالضرب وقطع الأرزاق ، فأجاب أكثرهم مكرهين ، واستمر على الإمتناع من