الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢
فصل : مما روي في الأرزاق (١)
روي عن سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنه قال : « أكثروا الإستغفار فإنه يجلب الرزق ».
وقال عليهالسلام : « من رضي باليسير من الرزق (٢) ، رضي الله منه باليسيرمن العمل ».
وروي ان الله ـ جل اسمه ـ أوحى إلى عيسى بن مريم عليهالسلام : « ليحذر الذي يستبطئني في الرزق ، أن أغضب فافتح عليه باباً من الدنيا ».
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك ».
وروي عن أحد الأئمة عليهالسلام ، أنه قال في الرزق المقسوم بالحركة : « إن من طلبه من غير حلّه فوصل إليه ، حوسب به من حله وبقي عليه وزره » فالواجب أن لايطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور.
وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنه قال : « من حسنت نيته زيد في رزقه ».
واعلم أن الدليل على جواز الزيادة في الأرزاق ، هوالدليل على جواز الزيادة في الأعمار ، لأن الله تعالى إذا زاد في عمرعبده ، وجب أن يرزقه ما يغتذي به.
ذكروا إن إبراهيم بن هرمة إنقطع إلى جعفر بن سليمان الهاشمي ، فكان يجريله رزقاً فقطعه ، فكتب إليه إبن هرمة :
إن الذي شق فمي ضامن |
|
للرزق حتى يتوفاني |
حرمتني شيئاً قليلاً فما |
|
ان زاد في مالك حرماني (٣) |
فرد عليه رزقه وأحسن إليه ، فأنشد لبعضهم :
التمس الأرزاق عند الذي |
|
مادونه إن سيل من حاجب |
من يبغض التارك تسآله |
|
جوداً؟ ومن يرضى عن آل طالب!؟ |
__________________
١ ـ كنز الفوائد : ٢٩٠ ـ ٢٩٢ ، وفيه تمام الفضل.
٢ ـ في الأصل : بالرزق ، وما اثبتناه من المصدر.
٣ ـ في الأصل : وما أثبتناه من المصدر.
حرمتني شيئاً
قليلاً نلته |
|
مازاد في مالك
حرماني |
ومن [ إذا ] (١) قال جرى قوله |
|
بغير توقيع إلى كاتب |
ورويَ عن الصادق صلوات الله عليه ، أنه قال : « ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم : رجل جلس عن طلب الرزق ، ثم يقول : اللهم ارزقنى ، يقول الله تعالى : ألم أجعل لك طريقاً إلى الطلب! ورجل له امرأة سوء يقول : اللهم خلصني منها ، يقول الله تعالى : أليس قد جعلت أمرها بيدك! ورجل سلم ماله إلى رجل [ و ] (٢) لم يشهد [ عليه ] (٣) به ، فجحده إياه ، فهو يدعو (٤) عليه ، يقول الله تعالى : قد أمرتك بالاشهاد فلم تفعل ».
لابن وكيع التنيسي :
لا تحيلن على سعدك في الرزق ونحسك |
|
وإذا أغفلك الدهر فذكّره بنفسك |
لا تعجّل بلزوم البيت رمساً قبل رمسك |
|
إنما يحمد حسن الرزق في حمده حسك |
وروي في بعض الكتب : إن الله عز وجل يقول : « يابن آدم ، حرك يدك أبسطلك في الرزق ، وأطعني فيما آمرك فما اعلمني بما يصلحك ».
قيل لبعضهم : لو تعرضت لفلان لوصلك ، فقال : ما تلهفت على (أحد بشيء) (٥) من أمر الدنيا ، منذ حفظت هذه الأربع الآيات من كتاب الله عز وجل : قوله : (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مسمك لها) (٦) [ وقوله سبحانه : ] (٧) (وان يردك بخير فلا رادّ لفضله) (٨) وقوله سبحانه : (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (٩) وقوله جل اسمه : (وفي السماء رزقكم وما توعدون) (١٠).
فروي أن صلة الرجل الذي قيل له : لوتعرضت له ، أتت الى منزله من غيرطلب
__________________
١ ـ أثبتناه من المصدر.
٢ ـ أثبتناه من المصدر.
٣ ـ أثبتناه من المصدر.
٤ ـ في ألاصل : فيدعو ، وما أثبتناه من المصدر.
٥ ـ في المصدر : شيء.
٦ ـ فاطر٣٥ : ٢.
٧ ـ أثبتناه ليستقيم السياق.
٨ ـ يونس ١٠٧ : ١٠
٩ ـ هود ١١ : ٦.
١٠ ـ الذاريات ٥١ : ٢٢.
وانشد لابن أصبغ :
لو كان في صخرة في البحر راسية |
|
صماء ملمومة ملس نواحيها |
رزق لنفس براها الله لانفلقت |
|
عنه فأدّت إليها كل مافيها |
أو كان بين طباق السبع مطلبها |
|
لسهل الله في المرقى مراقيها |
حتى يلاقي الذي في اللوح خط له |
|
إن هي أتته [ و ] (١) ألاسوف يأتيها |
وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنه قال : « مامن مؤمن إلأ وله باب يصعد منه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه ، وذلك قول الله عز وجل : ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (٢).
* * *
__________________
١ ـ أثبتناه من المصدر.
٢ ـ الدخان ٤٤ : ٢٩.
قصيدة في الآداب والأمثال لابن دريد (١)
ما طاب فرع لايطيب أصله |
|
حمى مؤاخاة اللئيم فعله |
وكل من آخا لئيماً مثله
من يشتكي الدهر يطل في الشكوى |
|
والدهر ماليس عليه عدوى |
مستشعر الحرص عظيم البلوى
من أمن الدهر اُتي من مأمنه |
|
لاتستثر ذا لبد من مكمنه |
وكل شيء يُبتغى من معدنه
لكل ناع ذات يوم ناعي |
|
وانما السعي بقدر الساعي |
قد يُهلك المرعيَّ عنف الراعي
من ترك القصد تضق مذاهبه |
|
دل على فعل امرىء مصاحبه |
لا تركب الأمر وأنت عائبه
من لزم التقوى استبان عدله |
|
من ملك الصبر عليه عقله |
نجا من العثر وبان فضله
يجلو اليقين كدر الظنون |
|
والمرء في تقلّب الشؤون |
حتى توفاه يد المنون
يارب حُلوٍ سيعود سمّا |
|
ورب حمد سيحور ذَمّا |
ورب روح سيصير همّا
من لم يصل فارض إذا جفاكا |
|
وأوله حمداً إذا قلاكا |
أو أوله منك الذي أولاكا
مالك إلا ما عليك مثله |
|
لاتحمدّن المرء مالم تبله |
والمرء كالصورة لولا فعله
ياربما أورثت اللجاجة |
|
ماليس بالمرء إليه حاجة |
وضيق أمر يتبع انفراجه
__________________
١ ـ كنز الفوائد : ١١ ، تمام القصيدة
ليس يقي من لم يق الله الحذر |
|
وليس يفتات امرؤ على القدر |
والقلب يعمى مثل ما يعمى البصر
كم من وعيد يخرق الاذانا |
|
كأنما يعني به سوانا |
أصمّنا الامهال بل أعمانا
ما أفسد الخرق اساهُ الرفق |
|
وخير ما أنبأ عنك الصدق |
كم صعقة دلّ عليها البرق
لكل ما يؤذي وإن قل ألم |
|
ما أطول الليل على من لم ينم |
وسقم عقل المرء من شر السقم
أعداءُ غيب إخوة التلاقي |
|
ياسوءتا لهذه (١) الأخلاق |
كأنما اشتقت من النفاق
أنف الفتى وهو صريم (٢) أجدع (٣) |
|
من وجهه وهو قبيح أشنع |
هل يستوى المحفوظ (٤) والمضيَّع
ما منك من لم يقبل المعاتبة |
|
وشر أخلاق الفتى المواربة |
ينجيك مما تكره المجانبة
متى تصيب الصاحب المهذبا |
|
هيهات ما أعسر هذا مطلبا |
وشرّ ما طالبته ما استصعبا
آفة عقل الأشمط التصابي |
|
رب مَعيب فعله عيّاب |
زم الكلام حذر الجواب
لكل ما مجري جواد كبوه |
|
مالك إلاّ ما قبلت عَدْوَه |
من ذا الذي يسقيك عفواً صفوه
لا يسلك الشر سبيل الخير |
|
والله يقضي ليس زجر الطير |
كم قمرعاد إلى قمير
__________________
١ ـ في الأصل : ياسوء مالهذه ، وما أثبتناه من المصدر.
٢ ـ يقال : صَرَمْت الشيء صرماً من باب ضرب : قطعته « مجمع البحرين ـ صرم ـ ٦ : ١٠١ ».
٣ ـ الجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد « مجمع ألبحرين ـ جدع ـ ٤ : ٣١٠ ».
٤ ـ في المصدر : المحظوظ.
لايجتمع جمع لغير بين |
|
لفرقة كل اجتماع اثنين |
يعمى الفتى وهو بصيرالعين
الصمت إن ضاق الكلام أوسع |
|
لكل جنب ذات يوم مصرع |
كم جارع لغيره ما يجمع
مالك إلا ما بذلت مال |
|
في طرفة العين يحول الحال |
ودون آمال الفتى الآجال
كم قد بكت عين وليس تضحك |
|
وضاق من بعد اتساع مسلك |
لاتُبرَ مَنْ أمراً عليك يُملك
خير الاُمور ما حمدت غبه |
|
لايرهب المذنب إلاذنبه |
والمرء (١) مقرون بمن أحبه
كل مقام فله مقال |
|
كل زمان فله رجال |
وللعقول تضرب الأمثال
دع كل أمر منه يوماً تعتذر |
|
عف كل ورد غير محمود الصدر |
لاتنفع الحيلة في ماضي القدر
نوم امرىء خير له من يقظه |
|
لم ترضه فيه الكرام الحفظه |
وفي صروف الدهر للمرء عظه
مسألة الناس لباس ذل |
|
من عف لم يسأم ولم يمل |
فارضَ من الاستر بالأقل
جواب سوء المنطق السكوت |
|
قد أفلح المُتَّئدُ (٢) الصموت |
ماحم من رزقك لايفوت
في كل شيء عبرة لمن عقل |
|
قد يسعدالمرء إذا المرء اعتدل |
يرجو غداً ودون ما يرجو الأجل (٣)
من لك بالمحض وليس محض |
|
يخبث بعض ويطيب بعض |
وربّ أمر قد نهاه النقض
__________________
١ ـ في الأصل : والأمر ، وما أثبتناه من المصدر.
٢ ـ التؤده : التأني والرزانة ضد التسرع « مجمع البحرين ـ تأتد ـ ١٨ : ٣ ».
٣ ـ في ألأصل : ألأمل ، وما أثبتناه من المصدر.
كم زاد في ذنب جهول عذره |
|
دع أمر من يعنى عليك (١) أمره |
يخشى امرؤ شيئاً ولا يضره
يارب إحسان يعود ذنبا |
|
ورب سلم سيعود حربا |
وذو الحجى يجهل إن أحبّا
قد يدرك المعسر في إعساره |
|
ما يبلغ الموسر في إيساره |
وينتهى الهاوي إلى قراره
الشيء في نقص إذا تنهاها |
|
والنفس تنقاد إلى رداها |
مذعنة تجيب سائقاها
الناس في فطرتهم سواء |
|
وإن تساوت بهم الأهواء |
كل بقاء بعده فناء
لم يغل شيء وهو موجود الثمن |
|
مال الفتى ما فضه لا ما احتجن |
إذا حوى جثمانه يرى الحبن (٢)
المال يحكى الفيء بانتقاله |
|
وإنما المنفق من أمواله |
ما عمر الخلة من سؤاله (٣)
من لاح في عارضه القتير (٤) |
|
فقد أتاه بالبلى النذير |
ثم إلى ذي العزة المصير
رأيت غب الصبر مما تحمد |
|
وإنما النفس (٥) كما تعود |
وشر ما يطلب مالا يوجد
إن أتباع المرء كل شهوة |
|
ليلبس القلب لباس قسوة |
وكبوة العجب أشد كبوة
من يزرع المعروف ما رضي |
|
لكل شيء غاية ستنقضي |
والشر موقوف لذي التعرض
__________________
١ ـ في الأصل : يغني عليكم ، وما أثبتناه من المصدر.
٢ ـ الحبن : عظم البطن « النهاية ـ حبن ـ ٣٣٥ : ١ ».
٣ ـ في الاصل : نسأله ، وما أثبتناه من المصدر.
٤ ـ القتبر : الشيب « النهاية ـ قتر ـ ٤ : ١٢ ».
٥ ـ في الاصل : المنفق ، وما أثبتناه من المصدر.
لا يأكل الانسان إلا ما رزق |
|
ما كل أخلاق الرجال تتفق |
هان على النائم ما يلقى الأرق
من يلذع الناس يجد من يلذعه |
|
لسان ذى الجهل وشيكاً يوقعه |
لا يعدم الباطل حقاً يدمغه
كل زمان فله توابع |
|
والحق للباطل ضد دافع |
يغصك المشروب وهو سائغ
رب رجاء مض (١) من مخافة |
|
ورب أمن سيعود آفة |
ذو النجح لايستبعد المسافة
كم من عزيز قد رأيت ذلاً |
|
وكم سرور مقبل تولّى |
وكم وضيع شال فاستقلا
لا خير في صحبة من لا ينصف |
|
والدهر يجفو أمره ويلطف |
والموت يفني كل عين تطرف
رب صباح لامريء لم يمسه |
|
حتف الفتى موكّل بنفسه |
حتى يحل في ضريح رمسه
إني أرى كل جديد بالي |
|
وكل شيء فإلى زوال |
فاستشف من جهلك بالسؤال
إن رحيلاً فأعدّ الزادا |
|
إن معاداً فاحذر المعادا |
لايلهك العمر وإن تمادا
إنك مربوب مدين تُسأل |
|
والدهرعن ذي غفلة لا يغفل |
وكل ما قدمته محصّل |
|
حتى يجيء يومك المؤجل |
* * *
__________________
١ ـ في الاصل : فص ، وما أثبتناه من المصدر.
[ فصل ] (١)
روي عن أحد الائمة عليهمالسلام انه قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة : كتم رضاه في طاعته ، حتى لايستصغر أحداً شيئاً من الطاعات ، فلعل فيه رضاه. وكتم سخطه في معصيته ، حتى لايستصغر أحد سيئة ، فلعل فيها سخطه. وكتم وليه في خلقه ، فلا يستخفن أحدكم أخاه ، فإنه لايدري لعله ولي لله » (٢).
وأيضاً أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، ليحافظ الإنسان على ، الصلوات الخمس فيحصل الوسطى ، وأخفى ليلة القدر في ليالي رمضان ليحافظ الرجل على ليالي رمضان ، فيحصل له ليلة القدر ، وأخفى ساعة الإجابة في الليل والنهار ، ليحافظ على ، الدعاء في الليل والنهار.
ومن كلامه صلىاللهعليهوآله : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن ».
لاخير في العيش إلاّ لرجلين : عالم مطاع ، ومستمع واع.
وكفى بالقناعة غنى ، وبالعبادة شغلاً.
لا تنظروا إلى صغير الذنب ، ولكن انظروا إلى من اجترأتم عليه.
وقال عليهالسلام : آفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف.
لاحسب إلا بتواضع ، ولاكرم إلا بتقوى ، ولا عمل إلا بنية ، ولا عبادة إلابيقين.
إن العاقل من أطاع الله وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر ، وإن الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر.
أفضل الناس أعقل الناس ، إن الله تعالى قسم العقل ثلاثة أجزاء ، فمن كانت
__________________
١ ـ أثبتناه من كنز الفوائد.
٢ ـ كنزالفوائد : ١٣ باختلاف يسير.
فيه كمل عقله ، ومن لم تكن فيه فلا عقل له : المعرفة بالله تعالى ، وحسن الطاعة ، وحسن الصبر.
إن لكل شيء آلة وعدة ، وآلة المؤمن وعدته العقل ، ولكل شيء مطية ، ومطية المرء العقل ، ولكل شيء دعامة ، ودعامة الدين العقل ، ولكل شيء غاية ، وغاية العبادة العقل ، ولكل قوم راع ، وراعي العابدين العقل ، ولكل تاجر بضاعة ، وبضاعة المجتهدين العقل ، ولكل خراب عمارة ، وعمارة الآخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجأون اليه ، وفسطاط المسلمين العقل (١).
* * *
__________________
١ ـ كنزالفوائد : ١٣ ، وفيه من كلامه صلىاللهعليهوآله من سرته حسنته ...
فصل
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال : « العقل ولادة ، والعلم إفادة ، ومجالسة العلماء زيادة » (١).
وروي عنه عليهالسلام أنه قال : « هبط جبريل عليهالسلام على آدم صلوات الله عليه فقال له : يا آدم ، اُمرت أن أخيّرك بين ثلاث ، فاختر منهن واحدة ودع اثنتين.
فقال له آدم عليهالسلام : وما الثلاث؟
قال : العقل ، والحياء ، والدين.
فقال آدم صلى الله عليه : فاني قد اخترت العقل.
فقال جبريل للحياء والدين : انصرفا ، فقالا يا جبريل : انا اُمرنا أن نكون مع العقل (٢) ».
روي أن طاووس اليماني قال : رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول :
ألا أيها المأمول في كلّ حاجة |
|
شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي |
ألا يارجائي أنت كاشف كربتي |
|
فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي |
زادي قليل ما أراه مبلّغي |
|
أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي |
أتيت بأعمال قباح رديّة |
|
فما في الورى خلق جنى كجنايتي |
أتحرقني في النار ياغاية المنى |
|
فأين رجائي منك أين مخافتي |
قال فتأملته فإذا هوعلي بن الحسين عليهالسلام فقلت : يا ابن رسول الله ، ما هذا الجزع وأنت ابن رسول الله! ولك أربع خصال : رحمة الله ، وشفاعة جدك رسول الله ، وأنتابنه ، وأنت طفل صغير (٣).
__________________
١ ـ كنز الفوائد ١٣.
٢ ـ كنز الفوائد ١٣ ، وفيه زيادة : حيث كان قال : فشأنكما ، وعرج
٣ ـ لايخفى تعارض هذه القطعة من الحديث ، وما يأتي من قوله عليهالسلام : « وأنما كوني طفلاً » مع ماتقدم في بدايته من قول طاووس اليماني : « رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة » ، كما أن المشهور في هذه الواقعة التأريخية ان طاووس قال : رايت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي فيدعائه ، فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسين عليهالسلام فقلت له يا أبن رسول الله رأيتك على
فقال له : « يا طاووس ، إنني نظرت في كتاب الله فلم أرلي من ذلك شيئاً فإن الله تعالى يقول : (ولايشفعون إلالمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) (١) وأما كوني ابن رسول الله ، فإن الله تعالى يقول : (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، فن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) (٢) وأما كوني طفلاً ، فإني رأيت الحطب الكبار لايشتعل إلا بالصغار » ثم بكى عليهالسلام حتى غشي عليه (٣).
خبر اخر في العقل ، وهو المشتهر بين الخاصة والعامة ، من أن أول شيء خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ، ما خلقت خلقاً أحب الي منك ، بك اُعطي وبك أمنع ، وبك اُثيب وبك اُعاقب ، وعزتي وجلالي ، ما أكملتك إلاّ فيمن أحببت.
* * *
__________________
حاله كذا ، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف ، أحدها : أنك ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله والثاني شفاعة جدك ، والثالث : رحمة الله ، فقال : يا طاووس أمّا اني ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول : « فلا أنساب بينهم يومئذ » وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول : « ولايشفعون إلا لمن ارتضى » وامّا رحمة الله فإن الله تعالى يقول انها قريبة من المحسنين ، ولا علم اني محسن ، اُنظر « كشف الغمة ٢ : ١٠٨ ، وعنه في البحار ٤٦ : ١٠١ / ٨٩ ».
١ ـ الأنبياء ٢١ : ٢٨.
٢ ـ المؤمنون ٢٣ : ١٠١ ـ ١٠٣.
٣ ـ أخرجه المجلسي في بحار الانوار ٩٩ : ١٩٨ / ١٥ عن اعلام الدين.
فصل : في ذم الدنيا (١)
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من أحب دنياه أضرّ بآخرته ».
وقال أمير المؤمنين صلىاللهعليهوآله : « الدنيا دول ، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب ».
وقال عليهالسلام : « من أمن الزمان خانه ، ومن غالبه أهانه ».
وقال : « الدهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك ، فإن كان لك فلاَ تبطر ، وإن كان عليك فاصبر ، فكلاهما عنك سينحسر ».
لبعض الشعراء :
وإن امرءاً دنياه أكبر همّه |
|
لمستمسك منها بحبل غرور |
وقال بعضهم : إياك والاغترار بالدنيا والركون إليها ، فإن أمانيها كاذبة ومالها خائبة ، وعيشها نكد وصفوها كدر ، وأنت منهاعلى خطر ، اما نعمة زائلة واما بلية نازلة ، واما مصيبة موجعة واما منية مفجعة.
وقال اخر : صاحب الدنيا في حرب ، يكابد الأهوال لتنقدع (٢) ، والجهالة لتنقمع ، والأدواء لتندفع ، والآمال لتنال ، والمكروه ليزال ، وبعض ذلك عن بعض شاغل ، والمشتغل عنه ضائع ، فلما رأى الحكماء أنه لاسبيل إلى إحكام ذلك ، تركوا مايفنى ليحرزوا ما يبقى.
* * *
__________________
١ ـ تمام الفصل في كنزالفوائد : ١٦ ، وفيه (ذكر) بدل (ذم).
٢ ـ قدعت فرسي : كففته. « مجمع البحرين ـ قدع ـ ٤ : ٣٧٦ ».
فصل : في ذكر الأمل (١)
روي ان الله تعالى قال : يابن آدم ، في كل يوم تؤتى رزقك وأنت تحزن ، وعمرك ينقص وأنت لاتحزن ، تطلب ما يطغيك ، وعندك ما يكفيك.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من كان يأمل أن يعيش غداً ، فإنه يأمل أن يعيش أبداً ».
وقال بعضهم : الآمال لاتنتهي ، والحي لايكتفي.
وقيل : ما أطاع عبد أمله ، إلاّ قصرعمله.
وقال اخر : لايلهك الأمل الطويل عن الأجل القصير.
وقال اخر : من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
وقال اخر : إنك إن أدركت أملك قرّبك من أجلك ، وإذا أدركك أجلك لم تبلغ أملك.
ابن الرومي :
خمسون عاماً كنت أمّلتها |
|
كانت أمامي ثم خلفتها |
كنز حياة لي أنفقته |
|
على تصاريف تصرفتها |
لو كان عمري مئة هدّني |
|
يذكرني اني تنصفتها |
* * *
__________________
١ ـ كنز الفوائد : ١٦ ، وفيه تمام الفضل.
فصل : في ذكر الموت (١)
روي أنه كان في التوراة مكتوباً : يا ابن آدم ، أنت لاتشتهي تموت حتى تتوب ، وأنت لاتتوب حتى تموت.
وقال أمير المؤمنين صلى الله عليه : « من أكثر ذكرالموت رضي من الدنيا باليسير ».
وقال بعضهم : لو رأيتم الأجل ومسيره ، لأبغضتم الأمل وغروره ، وأنشد :
نُراعُ لذكر الموت ساعة ذكره |
|
وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب |
وقيل : إن أمراً اخره الموت لحقيق أن يخاف مابعده.
وروي أن أمير المؤمنين عليهالسلام سمع إنساناً يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال : « قولنا : إنا لله إقراراً له منا بالملك ، وقولنا : إنا إليه راجعون إقراراً على أنفسنا بالهلك ».
وقيل : من عجائب الدنيا أنك تبكي على ، من تدفنه ، وتترك (٢) التراب على وجه من تكرمه.
وقال ابو نؤاس :
غرّ جهولاً أمله |
|
يموت من جا أجله |
ومن دنا من يومه |
|
لم تغن عنه حيله |
وكيف يبقى آخر |
|
قد غاب عنه أوله |
لا يصحب الانسان من |
|
دنياه إلا عمله (٣) |
أبو ذؤيب :
وإذا المنية أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كل تميمة لا تنفع |
غيره :
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها |
|
فقد حذّرتناها لعمري خطوبها |
ومانحسب الساعات تقطع مدة |
|
على انها فينا سريع دبيبها |
__________________
١ ـ كنز الفوائد : ١٦ ـ ١٨ ، وفيه تمام الفصل.
٢ ـ في المصدر : وتطرح.
٣ ـ في الأصل : أمله ، وما أثبتناه من المصدر.
كأني برهطي يحملون جنازتي |
|
إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها |
وباكية حرى تنوح وإنني |
|
على غفلة عن صوتها لا اُجيبها |
أيا هادم اللذات ما منك مهرب |
|
تحاذر نفسي منك ماسيصيبها |
رأيت المنايا قسمت بين أنفس |
|
ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها |
لأبي إسحاق الصابي من قطعة كتبها إلى الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي :
وإني على عيث الردى في جوانبي |
|
وماكف من خطوى (١) وبطش بناني |
وإن لم يدع إلا فؤاداً مروعا |
|
به غُبر باق من الخفقان |
تلوم تحت الحجب ينفث حكمة |
|
إلى اُذن تصغي لنطق لساني |
لأعلم أني ميت عاق دفنه |
|
ذماء قليل في غد هو فاني |
وان فما للأرض غرثان حائماً |
|
يراصد من أكلي حضور اؤان |
به شرهُ عم الورى بفجائع |
|
تركن فلاناً ثاكلاً لفلان |
غدا فاغراً يشكو الطوى وهو راتع |
|
فماتلتقي يوماً له شفتان |
وكيف وحدّ الفوت منه فناؤنا |
|
وما دون ذاك الحدِ رَدّ عنان |
إذا غاضنا بالنسل ممن نعوله |
|
تلا أولاً منه بمهلك ثاني |
إلى ذات يوم لاترى الأرض وارثاً |
|
سوى الله من انس براه وجان (٢) |
لغيره :
فكم من صحيح بات للموت آمنا |
|
أتته المنايا رقدة بعدما هجع |
فلم يستطع اذجاءه الموت بغتةً |
|
فراراً ولامنه بحيلته انتفع |
فأصبح تبكيه النساء مكفّناً |
|
ولايسمع الداعي إذا صوته ارتفع (٣) |
وقُرّب من لحدٍ فصار مقيله |
|
وفارق ماقد كان بالأمس قد جمع |
__________________
١ ـ في الأصل : خطوبي ، وما أثبتناه من المصدر.
٢ ـ رسائل الصابي والشريف الرضي : ١٦.
٣ ـ في المصدر : رفع.
فصل في ذكرالموت والقتل وما
بينهما والفرق بينهما (١)
إعلم ، أن الموت غير القتل ، والذي يدل على أنهما غير ان قول الله عز وجل : (أفان مات أوقتل) (٢) وقوله تعالى : (ولئن متم أوقتلتم) (٣) وقوله سبحانه : (ما ماتوا وما قتلوا) (٤) وليس يجوز أن يكون التأكيد والتكرير في لفظين يرجعان إلى معنى واحد.
ويدل على ذلك أيضاً العلم بأن الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف أنفه ، ولو قال قائل في ميت : إن الله قتله ، لعاب العقلاء عليه ، والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين.
وقد قال شيخنا المفيد رضياللهعنه : إن القتل متولد عن الأسباب ، ومحله محل حياة الأجسام ، والموت معنى يضاد حياة الفاعل المخلوق ولايصح حلوله في الأجسام ، قال : وهذا مذهب يختص بي.
والقتل عند جميع أهل العدل من مقدورات العباد ، والموت لايقدر عليه أحد إلاّ الله عز وجل.
ولو كان القتل هو الموت لكان من ذبح فرس غيره وإبله وغنمه قد أحسن إليه ، لأن لولا ذبحه لماتت ـ على رأي من يقول : إن القتل هو الموت ـ ومعلوم خلاف ذلك ، وذاك أن القتل سبب لزوال الحياة ، لأن المقتول لو تعداه القتل لجاز من الله تعالى أن يبقيه أويميته ، ولا دليل على أحد الأمرين.
* * *
__________________
١ ـ كنز الفوائد : ١٨ ، وفيه إلى قول : ولو كان القتل هو الموت.
٢ ـ آل عمران ٣ : ١٤٤.
٣ ـ آل عمران ٣ : ١٥٨.
٤ ـ آل عمران ٣ : ١٥٦.
فصل من كلام أمير المؤمنين
صلوات الله عليه
في الأخوان واداب الأخوة
في الإيمان (١)
« الناس إخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهي عداوة ، وذلك قوله عز وجل : (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين) (٢).
من قلب الاخوان عرف جواهر الرجال.
امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة ، ساعده على كل حال وزل معه حيث مازال ، فلا تطلبن منه المجازاة ، فإنها من شيم الدناة.
ابذل لصديقك كل المودة ، ولا تبذل له كل الطمأنينة ، واعطه كل المواساة ، ولا تفضي إليه بكل الأسرار ، توفي الحكمة حقها ، والصديق واجبه.
لايكوننّ أخوك أقوى منك على مودتك.
البشاشة فخ المودة ، والمودة قرابة مستفادة.
لايفسدك الظن على صديق أصلحه لك اليقين.
كفى بك أدباً لنفسك ماكرهته لغيرك.
لأخيك عليك مثل الذي لك عليه.
لاتضيعنّ حق أخيك إتكالاً على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه.
ولا يكن أهلك أشق الناس بك.
إقبل عذر أخيك ، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً.
لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته.
لا ترغبن فيمن زهد فيك ، ولا تزهدن فيمن رغب فيك.
__________________
١ ـ كنز الفوائد : ٣٤ : وفيه تمام الفصل.
٢ ـ الزخرف ٤٣ : ٦٧.
إذا كان للمحافظة موضعاً لاتكثرن العتاب ، فإنه يرث الضغينة ويجرالى البغضة ، وكثرته من سوء الأدب.
إرحم أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك.
إحفظ (١) زلة وليك لوقت وثبة عدوك.
من وعظ أخاه سراً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه.
من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه ، وحنينه إلى أوطانه ، وحفظ قديم إخوانه.
* * *
__________________
١ ـ في المصدر : احتمل.
فصل مما جاء نظماَ في الإخوان (١)
روي أن الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام كان يتمثل كثيراً بهذين البيتين :
أخوك الذي لوجئت بالسيف عامداً |
|
لتضربه لم يستَغِشَّك في الود |
ولوجئتَهُ تدعوه للموت لم يكن |
|
يردك إبقاءاً عليك من الرد (٢) |
وقال سالم (٣) بن وابصة :
احب الفتى ينفي الفواحشَ سمعه |
|
كأن به من كل فاحشة وقرا |
سليم دواعي الصدرلاباسطاً أذى |
|
ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا |
إذا ما أتت من صاحب لك زلة |
|
فكن أنت محتالاً لزلته عذرا |
غنى النفس ما يكفيك من سدّ خِلة |
|
فإن زاد شيئاًعاد ذاك الغنى فقرا |
لغيره :
إذاجمع الفتى حسبا ودينا |
|
فلا تعدل به أبدا قرينا |
ولاتسمح بحظك منه بل كن |
|
بحظك من (٤) مودته ضنينا (٥) |
وقال آخر :
وكنت إذا الصديق أرادغيظي |
|
وأشرقني على حنق بريقي |
غفرت ذنوبه وصفحت عنه |
|
مخافة أن أعيش بلاصديق |
لآخر :
ومن لم يغمض عينه عن صديقه |
|
وعن بعض مافيه يعيش وهو عاتب |
ومن يتتبع جاهداً كل عثرة |
|
يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب |
وقال إياس بن القائف :
يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم |
|
ترمي النوى بالمقترين المراميا |
فاكرم أخاك الدهرمادمتما معاً |
|
كفى بالممات فرقة وتنائيا |
__________________
١ ـ كنزالفوائد : ٣٤ وفيه تمام الفصل.
٢ ـ في المصدر : الود.
٣ ـ في المصدر : مسلم.
٤ ـ في الأصل : في ، وما أثبتناه من المصدر.
٥ ـ الضنين : البخيل « الصحاح ـ ضنن ـ ٦ : ٢١٥٦ ».