محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
الراجحين بعلم أو تقوىٰ أو صلاح . ومن عبّر من الاصحاب بالأشرف (١) يدخل في كلامه جميع هذا ، ولا بأس به . ومن ثم يرجّح أولاد المهاجرين علىٰ غيرهم لشرف آبائهم .
الشرط الثاني من شروط الاقتداء : نيّة الاقتداء ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « وانما لكل امرئ ما نوىٰ » (٢) ، وعلىٰ ذلك انعقد الاجماع .
ولو نوىٰ الجماعة مطلقاً لم يكف ، لانها مشتركة بين الامام والمأموم ، فلا تتخصص بأحدهما الا بنيّة . فلو ترك نيّة الاقتداء فهو منفرد ، فان ترك القراءة عمداً أو جهلا بطلت ، وكذا لو قرأ لا بنيّة الوجوب .
وان قرأ بنيّة الوجوب ، وتساوقت أفعاله وأفعال الامام بحيث لا تؤدي الىٰ انتظار للامام ، صحت صلاته ، ولم يفز بثواب الجماعة وان تابع الامام في أذكاره وافعاله .
وان تقدّم عليه الامام ، فترك بعض الواجب من الأذكار متابعة له ، بطلت صلاته ، لتعمّده الاخلال بأبعاضها الواجبة .
وان تقدّم هو علىٰ الامام ـ كإن فرغ من القراءة قبله ، والتسبيح في الركوع والسجود ـ وبقىٰ منتظراً ، فان طال الانتظار بحيث يخرج به عن كونه مصلياً بالنسبة الىٰ صلاته ، قيل : تبطل ، لانّ ذلك يعدّ مبطلاً . ويمكن ان يقال باستبعاد الفرض ، فان المصلي امامه محكوم بصحة صلاته مع هذا
__________________
(١) راجع : المبسوط ١ : ١٥٧ .
(٢) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، مسند احمد ١ : ٢٥ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ ح ١٩٠٧ ، سنن ابي داود ٢ : ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٠٧٩ ح ٢١٤٧ ، السنن الكبرىٰ ٧ : ٣٤١ .
التطويل ، واشتغاله بالأعمال لا يكون فارقاً بينهما بحيث تصح صلاة أحدهما وتبطل في الآخر . هذا ان اشتغل المأموم بذكر أو تسبيح ، وان سكت اتجه البطلان .
وان لم يطل الانتظار ، فالأقرب الصحة إذ ليس فيه إلّا انّه قرن فعله بفعل غيره ، ولم يثبت كون ذلك قادحاً في الصلاة .
وبعض العامة حكم ببطلان صلاته ، لانه وقف صلاته علىٰ صلاة غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة ، وفيه ما يشغل القلب ويسلب الخشوع ، فيمنع منه (١) .
وجوابه بمنع الشغل والسلب ، ولو سلما فذلك نقص في ثواب الصلاة لا في حقيقتها ، وإلّا لبطلت صلاة من اشتغل قلبه وسلب خشوعه ، ولم يقل به أحد .
فروع :
الاول : لو شك في نيّة الاقتداء ، قال في التذكرة : هو كالشك في أصل النية ، فتبطل مع بقاء المحل ، ولا يلتفت مع انتقاله (٢) . ويمكن بناؤه علىٰ ما قام اليه ، فان لم يعلم شيئا بنىٰ علىٰ الانفراد ، لاصالة عدم نيّة الائتمام .
الثاني : لا فرق بين الجمعة وغيرها في اعتبار نيّة الائتمام ، بل الجمعة آكد ، لوجوب الائتمام فيها . وتخيّل ان الجمعة لا تنعقد إلّا جماعة فيستغني
__________________
(١) المجموع ٤ : ٢٣٥ .
(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٤ .
عن نيته فاسد ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « الاعمال بالنيّات » (١) .
الثالث : يشترط القصد الىٰ امام معيّن . فلو كان بين يديه اثنان ، ونوىٰ الائتمام بأحدهما لا بعينه بطل ، وكذا لو نوىٰ الاقتداء بهما ، لتعذر المتابعة أو تعسّرها .
ولو عيّن فاخطأ تعيينه ، بطلت وان كان الثاني اهلاً للامامة .
ولو نوىٰ الاقتداء بالحاضر علىٰ انه زيد فبان عمرا ، ففي ترجيح الاشارة علىٰ الاسم فيصح ، أو بالعكس فبطل ، نظر . ونظيره ان يقول المطلّق لزوجة اسمها عمرة : هذه زينب طالق ، أو يشير البائع الىٰ حمار فيقول : بعتك هذا الفرس .
الرابع : لا يشترط في صحة القدوة نيّة الامام للامامة وان أمّ النساء ، لما روىٰ أنس انّه رأىٰ النبي صلىاللهعليهوآله يصلّي فصلىٰ خلفه ، ثم جاء آخر حتىٰ صاروا رهطاً ، فلما احسّ بهم النبي صلىاللهعليهوآله أوجز في صلاته ، وقال : « انما فعلت هذا لكم » (٢) .
نعم ، يستحب له نيّة الامامة ، ليقطع بنيل الثواب . فلو لم ينوها احتمل نيله ، لتأدىٰ شعار الجماعة بما وقع وان لم ينوه ، والاقرب المنع للخبر . وحينئذ لو اُقتدي به وهو لا يشعر حتىٰ فرغ من الصلاة ، أمكن أن ينال الثواب ، لانه لم يقع منه اهمال النيّة ، وانما نالها الجماعة بسببه ، فيبعد في
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، مسند احمد ١ : ٢٥ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ ح ١٩٠٧ ، سنن ابي داود ٢ : ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٠٧٩ ح ٢١٤٧ ، السنن الكبرىٰ ٧ : ٣٤١ .
(٢) السنن الكبرىٰ ٣ : ١١٠ .
كرم الله وفضله حرمانه .
اما الجمعة والجماعة الواجبة ، فالظاهر وجوب نيّة الامامة فيها ، لوجوب نيّة الواجب .
ولو نوىٰ الامامة بقوم فظهر غيرهم ، لم يضر ونال ثواب الامامة ، لقصدها اجمالاً .
الخامس : لو نوىٰ الاقتداء بالمأموم لم يصح اجماعاً ، للتنافي بين الامامة والائتمام . ولو ظنه إماماً فبان مأموماً فكذلك . وكذا لو جهل الحكم لم يعذر ايضا .
السادس : لو نوىٰ كل من الاثنين امامة صاحبه ، صحّت صلاتهما وان لم ينالا فضيلة الجماعة ، لاتيانهما بما يجب عليهما . وهو مروي عن أمير المؤمنين علیهالسلام (١) .
ولو نوىٰ كل منهما الائتمام بصاحبه بطلت ، للرواية عنه علیهالسلام (٢) ولانه لم يقرأ بنيّة الوجوب .
ولو شكا فيما اضمراه بطلت صلاتهما ، قاله جماعة (٣) .
وفصّل الفاضل ، فقطع بالبطلان إن كان في الاثناء ، لأنّه لا يمكنهما المضي في الصلاة علىٰ الانفراد ولا علىٰ الاجتماع . وتردّد فيما إذا شكا بعد الفراغ ، لانه شك بعد الانتقال ، ومن عدم اليقين بالاتيان بافعال الصلاة (٤) .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ ح ١١٢٣ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٦ .
(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ ح ١١٢٣ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٦ .
(٣) راجع : المبسوط ١ : ١٥٣ ، المعتبر ٢ : ٤٢٤ .
(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٤ .
قلت : يمكن ان يقال : ان كان الشك في الاثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه اخلال بالصحة ، فينوي الانفراد وصحت الصلاة ، لانه إن كان قد نوىٰ الامامة فهي نيّة الانفراد ، وان كان قد نوىٰ الائتمام فالعدول عنه جائز . وان كان بعد مضي محل القراءة ، فان علم انه قرأ بنيّة الوجوب ، أو علم القراءة ولم يعلم نيّة الندب ، انفرد ايضاً ، لحصول الواجب عليه . وان علم ترك القراءة ، أو القراءة بنيّة الندب ، أمكن البطلان ، للاخلال بالواجب .
وينسحب البحث في الشك بعد التسليم ، ويحتمل قوياً البناء علىٰ ما قام اليه ، فان لم يعلم ما قام اليه فهو منفرد كما سبق .
السابع : جوّز الشيخ ـ رحمهالله ـ عدول المنفرد الىٰ الائتمام في أثناء الصلاة ، محتجاً بالاجماع والاخبار ، واصالة صحة الاقتداء ، وعدم المانع (١) .
ومنع منه بعض الاصحاب (٢) لما رُوي عن النبي صلىاللهعليهوآله من قوله : « اذا كبّر الامام فكبّروا » (٣) . ولان هذا كان في ابتداء الاسلام ، فكان المسبوق يصلي ما فاته ثم يدخل مع الامام فنسخ (٤) . ولورود النقل بانّ المنفرد يقطع صلاته مع امام الأصل أو مطلقاً (٥) أو ينقل الىٰ النفل (٦) فلو ساغ العدول لم يكن ذلك .
__________________
(١) الخلاف ١ : ١٢٣ المسألة ١٥ .
(٢) كالعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٥ ، وقواعد الاحكام : ٤٦ .
(٣) تقدم صدره في ص ٣٢٤ الهامش ١ .
(٤) مسند أحمد ٥ : ٢٤٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٨ ح ٥٠٦ ، السنن الكبرىٰ ٢ : ٢٩٦ ، ٣ : ٩٣ ، تلخيص الحبير ٤ : ٤٢١ ، الدر المنثور ١ : ١٧٦ في تفسير آية ١٨٣ من سورة البقرة ، تفسير ابن كثير ١ : ٢٢٠ في نفس الآية .
(٥) ادعاه في تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٥ .
(٦) الكافي ٣ : ٣٧٩ ح ٣ ، ٣٨٠ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ ح ٧٩٢ ، ٥١ ح ١٧٧ .
وجوابه : ان الخبر مخصوص بمن لم يكن قد سبق منه التكبير ، ويعارض بقوله تعالىٰ : ( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (١) وبالاخبار الباعثة علىٰ الاقتداء . والمنسوخ غير صورة النزاع . وقطع الصلاة ليحصّل كمال الفضيلة حينئذ .
ولا فرق بين ان يدخل معه في الركعة الاُولىٰ من صلاتهما أو في غيرها ، ويراعي نظم صلاته ، ويتابع الامام في التشهد والقنوت علىٰ انهما ذكر إذا لم يكونا فرضه . فاذا قام الامام الىٰ تمام صلاته وقد انتهت صلاة المأموم تخيّر بين التسليم ، وبين انتظاره ذاكراً لله تعالىٰ ليسلّم معه ، وهو أفضل .
الثامن : يجوز ان يصير المأموم اماماً ، وان ينقل المؤتمّ من إمام الىٰ آخر ، وكلاهما في الاستخلاف ، سواء كان لعذر الامام ، أو لانقطاع صلاته وبقاء صلاة المسبوقين ، فيقتدي بعضهم ببعض .
التاسع : يجوز نقل النيّة من الائتمام الىٰ الانفراد حيث لا تجب الجماعة ، لما مر في صلاة ذات الرقاع . ولأن معاذاً قرأ سورة البقرة فانفرد بعضهم ، فقال له : نافقت ، فأتىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال له : « افتان انت يا معاذ ! مرتين ، اقرأ سورة ذات البروج ، والليل اذا يغشىٰ ، والسماء والطارق ، وهل أتاك حديث الغاشية » (٢) . وقد روي عن الصادق علیهالسلام
__________________
(١) سورة البقرة : ٤٣ .
(٢) ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٠٤ ح ٣٠٥ ، المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٨ ح ٢٢٦٥ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٣٩ ح ٤٦٥ ، سنن ابي داود ١ : ١٦٣ ح ٥٩٩ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٠٩ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٨٦ ، باختلاف في اسماء السور .
والرضا علیهالسلام التسليم قبل الامام لعذر (١) .
فعلىٰ هذا ، لو نوىٰ الانفراد قبل قراءة الامام قرأ لنفسه .
وان كان قد قرأ الامام قيل : يجتزئ بقراءته ثم يركع (٢) . ولو كان في الاثناء اجتزأ بما مضىٰ . والاستئناف في الموضعين متجه ، لانّه في محل القراءة وقد نوىٰ الانفراد .
العاشر : لو اقتدىٰ بامام فحضر آخر ، فهل له العدول اليه ؟ جوّزه الفاضل ، بناءً علىٰ جواز نيّة الانفراد ، وعلىٰ تجدّد الائتمام للمنفرد (٣) .
ويمكن المنع ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « انما جعل الامام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه » (٤) ، ولأنّ نقل المنفرد لتحصيل فضيلة الجماعة وهي حاصلة هنا ، فلا معنىٰ للنقل .
ويمكن ان يفرق بين العدول الىٰ الافضل وغيره .
نعم ، لو استخلف امامه رجلاً نقل اليه ، والوجه هنا تجديد نيّة النقل . وربما احتمل عدمه ، لان الخليفة نائبه فكانّه المصلّي .
وعلىٰ جواز النقل لا باستخلاف ، هل يجوز دور النقل وتراميه ؟ فيه ما فيه ، ويردّ هذا ايضا في الاستخلاف .
__________________
(١) رواية الصادق علیهالسلام في التهذيب ٣ : ٥٥ ح ١٨٩ .
ورواية الرضا علیهالسلام في المعتبر ٢ : ٤٤٨ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ١٧٥ . ومثلها عن الامام الكاظم علیهالسلام في التهذيب ٣ : ٢٨٣ ح ٨٤٢ .
(٢) قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء ١ : ٧٥ ، ونهاية الاحكام ٢ : ١٢٨ .
(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٥ .
(٤) صحيح البخاري ١ : ١٨٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٧ ، مسند احمد ٢ : ٣١٤ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٧٩ .
الشرط الثالث : العدد ، واقلّه اثنان في غير الجمعة والعيدين ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « الاثنان فما فوقهما جماعة » (١) .
وسأل الحسين الصيقل الصادق علیهالسلام عن أقل ما تكون الجماعة ، قال : « رجل وامرأة » (٢) .
وفي حديث الجهني عن النبي صلىاللهعليهوآله : « المؤمن وحده جماعة » (٣) والمراد به ادراك فضيلة الجماعة عند تعذر الجماعة .
وتنعقد الجماعة بالصبي المميز ، لان ابن عباس ائتم بالنبي صلىاللهعليهوآله وكان اذ ذاك غير بالغ (٤) . وكذا بامرأة وصبي ان جوزنا الاقتداء به ، وإلّا امتنع . وكلما كثر الجمع كان افضل .
الشرط الرابع : اعتبار الموقف ، وفيه مسائل :
الاُولىٰ : يجب ان لا يتقدم المأموم علىٰ الامام في الابتداء والاستدامة عند علمائنا اجمع ، فلو تقدم بطلت ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « انما جعل الامام اماماً ليؤتمّ به » (٥) وللتأسي به صلىاللهعليهوآله وبالائمة بعده .
__________________
(١) عيون اخبار الرضا علیهالسلام ٢ : ٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٢ ح ٩٧٢ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٨٠ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٤ : ٣٣٤ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٦٩ .
(٢) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٥ ، المقنع : ٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ح ٩١ .
(٣) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ح ٧٤٩ .
(٤) صحيح البخاري ١ : ٤٧ ، ١٧٩ ، ٢١٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ ح ٦١٠ ، ٦١١ ، مسند احمد ١ : ٣٤١ ، ٣٤٣ ، ٣٤٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٢ ح ٩٧٣ ، سنن النسائي ٢ : ٨٧ .
(٥) تقدم في ص ٣٢٤ الهامش ١ .
وتجوز مساواة المأموم للامام في الموقف .
واوجب ابن ادريس ـ في ظاهر كلامه ـ تقدم الامام بقليل ، عملاً بظاهر الخبر (١) .
ويدفعه ظاهر صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام : « الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه » (٢) وكذا في حسن زرارة عن الصادق علیهالسلام (٣) ولو وجب التأخّر لذكره ، والّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة .
قال الفاضل ـ رحمهالله ـ : ولأنّه لو كان شرطاً لما أمكن تصور اختلاف اثنين في الامامة ، لان التقدم ان حصل فهو الامام وإلّا بطلت الصلاة (٤) . ويشكل بانه لا اقتداء هنا حتىٰ يتأخّر المأموم ، ولان تأخّر المأموم شرط في صحة صلاته لا في صحة صلاة الامام .
والمعتبر بالاعقاب . فلو تساوىٰ العقبان ، لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه . ولو تقدم بعقبه علىٰ الامام ، لم ينفعه تأخّره عنه بأصابعه أو رأسه .
وللفاضل احتمال اشتراط التقدّم بالعقب والأصابع معاً (٥) وهو احوط .
الثانية : لا يجوز تباعد المأموم عن الامام بما لم تجر به العادة .
وقال الشيخ ـ رحمهالله ـ في المبسوط : ومتىٰ ما بعد ما بينهما لم تصح صلاته ، وان علم بصلاة الامام . وحدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً ،
__________________
(١) السرائر : ٦٠ .
(٢) التهذيب ٣ : ٢٦ ح ٨٩ .
(٣) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٢ .
(٤) مختلف الشيعة : ١٥٢ .
(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٠ .
وحدّ قوم ذلك بثلاثمائة ذراع ، وقالوا علىٰ هذا ان وقف وبينه وبين الامام ثلاثمائة ذراع ، ثم وقف آخر بينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ، ثم علىٰ هذا الحساب والتقدير بالغاً ما بلغوا ، صحت صلاتهم .
قالوا : وكذلك اذا اتصلت الصفوف في المسجد ، ثم اتصلت بالاسواق والدروب والدور ، بعد ان يشاهد بعضهم بعضاً ويرىٰ الأولون الامام ، صحت صلاة الكل .
وهذا قريب علىٰ مذهبنا ايضاً (١) .
فيمكن ان يشير الىٰ جميع ما تقدم ، فيكون رضي بالثلاثمائة . ويمكن ان يشير بالقرب الىٰ الفرض الأخير خاصة ، فلا يكون راجعاً في التقدير بثلاثمائة ذراع ، وهو الانسب بقوله : وحدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً .
وقال ابو الصلاح ـ رحمهالله ـ وابن زهرة ـ قدس الله روحه ـ : لا يجوز ان يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى (٢) لحسن زرارة عن الباقر علیهالسلام قال : « إن صلّىٰ قوم ، وبينهم وبين الامام ما لا يتخطىٰ ، فليس ذلك الامام لهم بامام . وأي صف كان اهله يصلون بصلاة الامام ، وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطىٰ ، ليس لهم تلك بصلاة » (٣) .
وحمل علىٰ الاستحباب ، أو علىٰ ان المراد بـ « ما لا يتخطىٰ » الحائل . ذكر ذلك في المختلف (٤) ، وفيه بعد ، من ان الحائل لا يتعذّر بذلك ، إذ
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٥٦ .
(٢) الكافي في الفقه : ١٤٤ ، الغنية : ٥٦٠ .
(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ح ١١٤٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ح ١٨٢ .
(٤) مختلف الشيعة : ١٥٩ .
يمكن المشاهدة معه في حال القيام .
الثالثة : لا تجوز الحيلولة بين الامام والمأموم بما يمنع المشاهدة ، وكذا بين الصفوف عند علمائنا ، لحسن زرارة عن الباقر علیهالسلام : « وان كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة ، وهذه المقاصير انما أحدثها الجبارون ، ليس لمن صلّىٰ خلفها مقتدياً صلاة » (١) .
فروع :
الاول : لا يكون الشارع حائلاً بين الصفوف ، ولا النهر ، ولا الحائط القصير المانع حالة الجلوس خاصة ، ولا الشبابيك .
والمقصورة المانعة من الرؤية في جميع الاحوال مبطلة للائتمام . ولو ولجها الامام وشاهده الجناحان ، أو انتهت مشاهدتهما الىٰ من يشاهده ، صح الائتمام وإلّا فلا . اما الذين يقابلون الامام فصلاتهم صحيحة ، لانتهاء مشاهدتهم اليه .
ومنع ابو الصلاح وابن زهرة من حيلولة النهر (٢) لرواية زرارة السالفة ، وقد بيّنا حملها علىٰ الاستحباب .
ولو كانت المقصورة مخرّمة صحت كالشباك . ويظهر من المبسوط وكلام ابي الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك (٣) لرواية زرارة ، مع اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرّمة (٤) ، ولا فرق بينهما .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٨٥ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ح ١١٤٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ح ١٨٢ .
(٢) الكافي في الفقه : ١٤٤ ، الغنية : ٥٦٠ .
(٣) المبسوط ١ : ١٥٦ ، الكافي في الفقه : ١٤٤ .
(٤) المبسوط ١ : ١٥٦ .
الثاني : تجوز الجماعة في السفينة الواحدة والسفن المتعددة ، بشرط عدم التباعد المفرط وعدم الحائل ، سواء كانت مشدودة بعضها ببعض أم لا ، وكذا لو كان الامام علىٰ الشط والمأمومون في السفينة أو بالعكس ، للاصل ، وما روي من جواز الصلاة في السفينة (١) ، وقد سبق .
الثالث : لو صلّىٰ في داره خلف إمام المسجد ، وهو يشاهد الصفوف ، صحت قدوته . واطلق الشيخ ذلك ، والأولىٰ تقييده بعدم البعد المفرط .
قال : وان كان باب الدار بحذاء باب المسجد ( أو باب المسجد عن يمينه أو عن يساره ) واتصلت الصفوف من المسجد الىٰ داره ، صحت صلاتهم . فان كان قدام هذا الصفّ في داره صفّ لم تصح صلاة من كان قدامه ، ومن صلىٰ خلفهم صحت صلاتهم ، سواء كان علىٰ الارض أو في غرفة منها ، لانهم يشاهدون الصفّ المتصل بالامام ، والصفّ الذي قدامه لا يشاهدون الصفّ المتصل بالامام (٢) .
وقد روي ان أنساً كان يصلي في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الامام ، وبينه وبين المسجد طريق (٣) . وفيه ايضاً دلالة علىٰ انّ الشارع ليس بحائل .
فان قلت : قد رُوي عن النبي صلىاللهعليهوآله : « من كان بينه وبين الامام حائل فليس مع الامام » (٤) .
__________________
(١) راجع : التهذيب ٣ : ٢٩٧ ح ٩٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ ح ١٦٩٦ .
(٢) المبسوط ١ : ١٥٦ ـ ١٥٧ . . وما بين القوسين ليس في المصدر .
(٣) مسند ترتيب الشافعي ١ : ١٠٧ ح ٣١٧ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١١١ .
(٤) المجموع ٤ : ٣٠٩ ، المبسوط ( للسرخسي ) ١ : ١٩٣ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٣ وفي الجميع : « طريق » بدل « حائل » .
قلت : يحمل علىٰ البعد المفرط ، أو علىٰ الكراهة .
الرابع : الحائل انما يمنع اذا كان المأموم رجلاً ، أو خنثىٰ علىٰ الاقرب لجواز الذكورية ، أو اُنثىٰ باُنثىٰ . اما لو اقتدت المرأة بالرجل وبينهما حائل فانه جائز ، لرواية عمار عن أبي عبد الله علیهالسلام ، حيث قال له : وان كان بينه وبينهنّ حائط أو طريق ؟ قال : « لا بأس » (١) .
وقال ابن ادريس : وقد وردت رخصة للنساء ان يصلّين وبينهن وبين الامام حائط ، والاول الاظهر والاصح (٢) وعنىٰ به مساواتهنّ للرجال .
الخامس : تجوز الصلاة بين الاساطين مع المشاهدة واتصال الصفوف ، لقوله علیهالسلام : « لا أرىٰ بالصفوف بين الأساطين بأساً » (٣) .
الرابعة : يشترط ان يكون موقف الامام مساوياً لموقف المأموم أو اخفض منه ، فلا يجوز العلو بما يعتدّ به ، لما روي : ان عماراً ـ رضياللهعنه ـ تقدم للصلاة علىٰ دكان والناس اسفل منه ، فتقدم حذيفة ـ رضياللهعنه ـ فأخذ بيده حتىٰ انزله ، فلما فرغ من صلاة قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « اذا أمّ الرجل القوم ، فلا يقومنّ في مكان أرفع من مقامهم » ؟ قال عمار : فلذلك اتبعتك حين اخذت علىٰ يدي (٤) .
وروي ايضاً : انّ حذيفة أمّ علىٰ دكان بالمدائن ، فاخذ عبد الله بن مسعود بقميصه فجذبه ، فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم انهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ ! قال : بلىٰ ، ذكرت حين جذبتني (٥) .
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٥٣ ح ١٨٣ .
(٢) السرائر : ٦١ .
(٣) الكافي ٣ : ٣٨٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ح ١١٤١ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ح ١٨٠ .
(٤) سنن ابي داود ١ : ١٦٣ ح ٥٩٨ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٠٩ .
(٥)
سنن ابي داود ١ : ١٦٣ ح ٥٩٧ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٩٠
=
وروىٰ عمار الساباطي عن الصادق علیهالسلام في الرجل يصلّي بقوم وهم في موضع اسفل من موضعه الذي يصلي فيه ، فقال : « ان كان الامام علىٰ شبه الدكان ، أو علىٰ موضع أرفع من موضعهم ، لم تجز صلاتهم » (١) .
وقال الشيخ ـ في الخلاف ـ : يكره ان يكون الامام علىٰ مثل سطح ، ودكان ، وما اشبه ذلك (٢) .
وقال ابن الجنيد : لا يكون الامام اعلىٰ بحيث لا يرىٰ المأموم فعله ، إلّا ان يكون المأمومون اضرّاء ، فان فرض البصراء الاقتداء بالنظر ، وفرض الاضرّاء الاقتداء بالسماع اذا صحّ لهم التوجه (٣) .
وقال المحقق ـ في المعتبر ـ : للشيخ قولان :
احدهما : التحريم ، ذكره في النهاية والمبسوط .
والثاني : الكراهية ، ذكره في الخلاف ، لرواية سهل قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله علىٰ المنبر فكبّر وكبّر الناس وراءه ، ثم ركع وهو علىٰ المنبر ، ثم رجع فنزل القهقري حتىٰ سجد في أصل المنبر ، ثم عاد حتىٰ فرغ ، ثم اقبل علىٰ الناس فقال : « ايها الناس فعلت كذا لتأتموا [ بي ] ولتعلموا صلاتي » (٤) .
__________________
= ح ٢١٤٠ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢١٠ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٠٨ .
(١) الكافي ٣ : ٣٨٦ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ح ١١٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ح ١٨٥ .
(٢) الخلاف ١ : ١٢٤ المسألة ٢٣ .
(٣) مختلف الشيعة : ١٦٠ .
(٤) المعتبر ٢ : ٤١٩ .
وراجع : المبسوط ١ : ١٥٦ ، النهاية : ١١٧ ، الخلاف ١ : ٢٤ المسالة ٢٣ . والرواية في : مسند احمد ٥ : ٣٣٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨٦ ح ٥٤٤ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٠٨ .
واجاب في المعتبر بمنع الرواية أولاً ، وبالحمل علىٰ علو لا يعتدّ به ـ كالمرقاة السفلىٰ ـ ثانياً ، وبجواز كونه من خواصه علیهالسلام ثالثاً (١) .
قال الفاضل : ولانّه لم يتم الصلاة علىٰ المنبر ، فان سجوده وجلوسه انما كان علىٰ الأرض بخلاف ما وقع فيه الخلاف ، أو لانه علیهالسلام علّمهم الصلاة ولم يقتدوا به (٢) .
وفي المختلف حمل كلام الشيخ ـ رحمهالله ـ في الخلاف علىٰ انّه أراد بالكراهة التحريم (٣) ، وهو خلاف ما عقله عنه المحقق ـ رحمهالله ـ حتىٰ انه تردّد فيه في غير المعتبر (٤) لامكان حمل روايات المنع علىٰ الكراهية .
فروع :
الاول : لو كان الإمام أسفل من المأموم بالمعتد كان الاقتداء جائزاً ، سواء كان المأموم علىٰ سطح أم لا . وقد روىٰ عمار : وان كان الامام اسفل من موضع المأموم فلا بأس ، وقال : « لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك ، والامام علىٰ الارض ، جاز ان يصلّي خلفه ويقتدي به » (٥) .
الثاني : لا تقدير للعلوّ الا بالعرف وفي رواية عمار : ولو كان أرفع منهم بقدر اصبع الىٰ شبر ، فان كان ارضاً مبسوطة وكان في موضع فيه ارتفاع ، فقام الامام في المرتفع وقام من خلفه اسفل منه إلّا أنّهم في موضع
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٤١٩ .
(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٣ .
(٣) مختلف الشيعة : ١٦٠ .
(٤) شرائع الاسلام ١ : ١٢٣ .
(٥) الكافي ٣ : ٣٨٦ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ح ١١٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ح ١٨٥ .
منحدر ، فلا بأس (١) . وهي تدل بمفهومها علىٰ انّ الزائد علىٰ شبر ممنوع ، واما الشبر فيبنىٰ علىٰ دخول الغاية في المغيا وعدمه .
وقدّره الفاضل بما لا يتخطى (٢) ولعلّه اخذ من رواية زرارة السالفة ؛ ولانه قضية العرف .
الثالث : لو وقف الامام علىٰ الاعلىٰ ، بطلت صلاة المأموم الذي أسفل منه ولا تبطل صلاة الامام . والنهي عن قيامه في مكان أعلىٰ لاجل صحة صلاة المأموم ، لا لاجل صحة صلاة الامام .
الخامسة : في سنّة الموقف ، وهي في صور .
احداها : ان يقتدي الرجل بالرجل ، فيستحب قيامه عن يمينه ، ويقدّم الامام بيسير ، لانّ النبي صلىاللهعليهوآله جذب ابن عباس من ورائه فاداره الىٰ يمينه وكان قد وقف علىٰ يساره (٣) ، ولروايتي محمد بن مسلم وزرارة السابقتين (٤) .
وثانيتها : ان تقتدي المرأة بالمرأة ، فتقف ايضاً موقف الرجل بالرجل .
وثالثتها : ان تقتدي المرأة بالرجل ، فتقف خلفه ، فلو وقفت عن جانبيه بنىٰ علىٰ المحاذاة ، وقد سبقت .
ورابعتها : ان يقتدي الخنثىٰ بالرجل ، والأولىٰ وقوفه خلفه ، لجواز
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٨٦ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ح ١١٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ح ١٨٥ .
(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٣ ، نهاية الاحكام ٢ : ١٢٤ .
(٣) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ٣٦ ح ٤٧٠٦ ، مسند احمد ١ : ٢٥٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٩ ، صحيح مسلم ١ : ٥٢٨ ح ٧٦٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٤٥ ح ١٣٥٧ ، سنن النسائي ٢ : ٨٧ ، مسند ابي يعلىٰ ٤ : ٣٥ ح ٢٤٦٥ .
(٤) تقدمتا في ص ٤٢٩ الهامش ٥ ، ٦ .
الأنوثة .
وخامستها : ان يقتدي الرجال بالرجل ، والافضل صلاتهم خلفه بأجمعهم ، وهو منصوص عنهم عليهمالسلام (١) .
وكونه في وسط الصف ، فلو صلّىٰ لا في وسطه جاز ، وقد روىٰ من فعل بعضهم عليهمالسلام (٢) ، ولعلّه للضرورة لانّ الامام لا يترك الافضل . هذا في غير العراة ، واما العراة فلا يبرز عنهم إلّا بركبتيه .
ويستحب اختصاص اهل الفضل بالصف الاول ، ثم الثاني بمن دونهم ، وهكذا ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « ليليني اُولو الاحلام ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم » (٣) ثم الصبيان ، ثم النساء .
وعن الباقر علیهالسلام : « ليكن الذين يلون الامام اُولي الاحلام منكم والنهي ، فان نسىٰ الامام أو تعايا قوّموه ، وافضل الصفوف أولها ، وافضل أولها ما دنا من الامام » (٤) .
وقد روىٰ الكليني في خبر مرفوع : انّ الصادق علیهالسلام صلّىٰ الىٰ زاوية والقوم كلهم عن أحد جانبيه (٥) .
وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الاول ، لما رُوي ان الرحمة تنتقل من الامام اليهم ، ثم الىٰ يسار الصف ، ثم الىٰ الباقي (٦) ، والافضل للافضل .
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٦ ح ٨٩ .
(٢) الكافي ٣ : ٣٨٦ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ح ١٨٤ .
(٣) سنن الدارمي ١ : ٢٩٠ ، صحيح مسلم ١ : ٣٢٣ ح ٤٣٢ ، سنن ابي داود ١ : ١٨٠ ح ٦٧٤ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٤٠ ح ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ : ٨٧ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٩٧ .
(٤) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ح ٧٥١ .
(٥) الكافي ٣ : ٣٨٦ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ح ١٨٤ ، وفيهما : ( كلهم عن يمينه ) .
(٦) نقلها في مسالك الأفهام ١ : ٣١٢ .
وسادستها : ان تقتدي النساء بالمرأة ، فيقمن صفاً . ولو احتيج الىٰ صفوف فعل ، وتقف التي تؤم بهنّ وسط الصف الاول غير بارزة . وروىٰ عبد الله بن بكير مرسلاً عن الصادق علیهالسلام في الرجل يؤمّ بالمرأة ، قال : « نعم ، تكون خلفه » ، وفي المرأة تؤمّ النساء ، قال : « نعم ، تقوم وسطاً بينهنّ ولا تتقدّمهن » (١) .
وسابعتها : ان يقتدي الصبيان بالصبي ، وحكمهم حكم الرجال في جميع ما ذُكر .
وثامنتها : ان يقتدي اصناف بالرجل ـ كالاحرار ، والعبيد ، والرجال ، والنساء ، والخناثىٰ ، والصبيان ـ فيقف الاحرار من كل صنف امام العبيد من ذلك الصنف ، والرجال أمام الصبيان ، والصبيان أمام الخناثىٰ ، والخناثىٰ أمام النساء .
وقال ابن الجنيد ـ رحمهالله ـ : يقوم الرجال أولاً ، ثم الخصيان ، ثم الخناثىٰ ، ثم الصبيان ثم النساء ، ثم الصبيات . ويقدم الاحرار علىٰ العبيد والاماء ، والاشراف علىٰ غيرهم ، والعلماء من الاشراف علىٰ من لا علم له . والأحق بقرب الامام من يصلح للنيابة عند احتياج الامام اليها .
فالخلاف بينه وبين الشيخ في تقديم الصبيان علىٰ الخناثىٰ (٢) ، فالشيخ نظر الىٰ تحقق الذكورية في الصبيان ، ونظر ابن الجنيد الىٰ تحقق الوجوب في الخناثىٰ دون الصبيان ، وهو حسن ، واختاره ابن ادريس والفاضل (٣) .
والافضل وقوف الامام في وسط الصف .
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ح ١٦٤٥ .
(٢) المبسوط ١ : ١٥٥ .
(٣) السرائر : ٦٠ ، مختلف الشيعة : ١٥٨ .
ويكره تمكين الصبيان من الصف الاول ، ووقوف المأموم وحده اختياراً ، لرواية السكوني عن الصادق علیهالسلام عن آبائه عليهمالسلام : « قال أمير المؤمنين علیهالسلام : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا تكونن في العثكل . قلت : وما العثكل ؟ قال : ان تصلي خلف الصفوف وحدك ، فان لم يمكن الدخول في الصف وقام حذاء الامام أجزأه ، فان هو عاند الصف فسد عليه صلاته » (١) .
وقال ابن الجنيد : إن أمكنه الدخول في الصف من غير أذية غيره ، لم يجز قيامه وحده .
وقال : ان دخل رجل الىٰ المسجد ، فلم ير في الصفوف موضعاً يقف فيه ، أجزأه ان يقوم وحده محاذياً مقامه ولو كان نائباً للإمام ، وان خالف ذلك الموضع لم تجز صلاته اذا ترك ما علىٰ المنفرد أن يأتي به .
ويدفع قوله صحيح ابي الصباح عن الصادق علیهالسلام في الرجل يقوم في الصف وحده ، فقال : « لا بأس ، انما يبدو واحد بعد واحد » (٢) .
فان احتج بما رُوي انّ النبي صلىاللهعليهوآله ابصر رجلاً خلف الصفوف وحده فأمره ان يعيد الصلاة (٣) ، وبرواية السكوني المذكورة .
قلنا : الخبر من طرق العامة ، ولو سلم حمل علىٰ الاستحباب .
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ح ٨٣٨ وفيه : « العيكل » في الموضعين .
قال المجلسي في بحار الانوار ٨٨ : ١١٧ : لم ار العيكل بهذا المعنىٰ في كتب اللغة ، وفي بعض النسخ بالثاء المثلثة وهو كذلك ليس له معنىٰ مناسب . . . ولا يبعد ان يكون « الفسكل » بالفاء والسين المهملة ، وهو بالضم والكسر : الفرس الذي يجيئ في الحلبة آخر الخيل .
(٢) علل الشرائع : ٣٦١ ، التهذيب ٣ : ٢٨٠ ح ٨٢٨ .
(٣) مسند احمد ٤ : ٢٢٨ ، سنن ابي داود ١ : ١٨٢ ح ٦٨٢ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٤٥ ح ٢٣٠ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٠٤ .
ويعارضهما ما رُوي ان ابا بكرة جاء والنبي صلىاللهعليهوآله راكع ، فركع دون الصف ثم مشىٰ الىٰ الصف ، فلما قضىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « أيكم ركع دون الصف ثم مشىٰ الىٰ الصف ؟ » .
فقال أبو بكرة : انا . فقال : « زادك الله حرصاً ولا تعد » (١) ، أي : لا تعد الىٰ التأخير أو نهي كراهة عن فعل مثل هذا ، لانه لم يأمره باعادة الصلاة .
فروع :
الاول : لا كراهة في وقوف المرأة وحدها اذا لم تكن نساء ، وكذا مع تعذر المكان علىٰ الرجل الواحد .
الثاني : لو وجد فرجة في صف ، فله السعي اليها وان كانت في غير الصف الاخير ، ولا كراهة هنا في اختراق الصفوف ، لانهم قصروا حيث تركوا تلك الفرجة . نعم ، لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولىٰ .
الثالث : لو لم يجد فرجة فوقف وحده ، لم يستحب له جذب رجل ليصلي معه ، لما فيه من حرمانه الفضيلة بالتقدم ، واحداث الخلل في الصف . ولو جذبه لم يستحب اجابته .
الرابع : لو تقدّم المأموم في اثناء الصلاة متعمداً علىٰ الامام ، فالظاهر انه يصير منفرداً ، لإخلاله بالشرط . ويحتمل ان يراعىٰ باستمراره أو عوده الىٰ موقفه ، فان عاد أعاد نيّة الاقتداء .
ولو تقدم غلطاً أو سهواً ، ثم عاد الىٰ موقفه . فالظاهر بقاء القدوة ، للحرج . ولو جدّد نيّة الاقتداء هنا كان حسنا . وكذا الحكم لو تقدمت سفينة
__________________
(١) صحيح البخاري ١ : ١٩٩ ، سنن ابي داود ١ : ١٨٢ ح ٦٨٤ ، سنن النسائي ٢ : ١١٨ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٠٦ .