أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

(الحاصل في ضمن الصلاة المعينة وذلك) اي ايجاد الكون الكلي بالجزئي (يقتضي تعلق الامر به) اي بالجزئي حقيقة وعلى هذا(فيجتمع فيه) اي في الكون الشخصي (الامر) من جهة الصلاة(والنهي) من جهة الغصب (وهو شيء واحد) شخصي (قطعا) وذلك باطل (فقوله) اي قول الخصم (وذلك) اي اختيار المكلف اتيان الصلاة في المغصوب (لا يخرجهما عن حقيقتهما الخ ان اراد به) اي من قوله لا يخرجهما عدم (خروجهما عن الوصف بالصلاة والغصب) يعنى إن اراد ان الغصب والصلاة مع اجتماعها في محل واحد لا يزول عنها وصف الصلاة والغصب بل الجهتان باقيتان فيها(فمسلم) ولكن (لا يجديه) اي لا يفيد الخصم (نفعا اذ لا نزاع في اجتماع الجهتين) في الصلاة(وتحقق الاعتبارين وان اراد) الخصم (به) اي بعدم الخروج (انهما باقيان على المغايرة والتعدد بحسب الواقع والحقيقة فهو غلط ظاهر ومكابرة) اي قول بلا دليل (محضة لا يرتاب فيها) اي لا يشك في مكابرية هذا القول (ذو مسكة) اي ذو عقل (والحكم) بعدم جواز اجتماع الامر والنهي (هنا) اي في هذا الباب (واضح لا يكاد يلتبس على من راجع وجدانه ولم يطلق في ميدان الجدال) والنزاع (والعصبية عنانه) هذا والتحقيق عدم كون الوجود الخارجي متعلقا للاحكام لان الوجود الخارجي ظرف لسقوط الامر فلا يمكن البعث اليه للزوم تحصيل الحاصل وكذا يمتنع الزجر عن الوجود الخارجي للتصرف في مال الغير لانه ما لم يوجد التصرف لم يوجد متعلق النهي وبعد وجوده لا معنى للزجر عما وجد وانعدم ومن المعلوم ايضا عدم كون الوجود الذهني ايضا بما هو وجود ذهني متعلقا للطلب

٢٤١

والزجر لعدم امكان انطباقه بهذا القيد على الخارج فلا يبقى ما يصلح ان يكون متعلقا للاحكام الا الماهيات فتعلق البعث مثلا نحوها ولازم امتثاله ايجادها في الخارج فالمولى لما راى ان اتيان الصلاة بوجودها الخارجي محصل لغرضه فلا محالة يتوسل اليه بالتشبث بالامر الى الطبيعة ليبعث المكلف الى ايجادها بحكم العقل به وقس على ذلك الزجر بالماهيات ومن المعلوم ايضا ان تمام الموضوع للامر هو طبيعة الصلاة لا بشرط على ما هو معنى الاطلاق من غير لحاظ الخصوصيات المتحدة معها في الخارج وكذا في جانب النهي حيث لم يلاحظ ما يتحد مع طبيعة الغصب في الخارج من الخصوصيات في مقام تعلق الحكم والنهي ولم يتعلق الامر والنهي اليها ولا يمكن ان يكون الحكم المتعلق بالطبيعة ساريا الى هذه الخصوصيات ويتجاوز عن متعلقها وان اتحدت الطبيعة معها في الخارج فعلى هذا يتبين لك جواز تعلق الامر والنهي على عنوانين متصادقين على شيء واحد لما يظهر لك من بياننا ان ظرف الاتحاد في الوجود الخارجي غير ظرف تعلق الامر والنهي والمفروض عدم اتحاد المتعلقين في ظرف المتعلق بوجه من الوجوه فلا يلزم اجتماع الامر والنهي في شيء واحد وان اتحد المتعلقان في الوجود خارجا واما لزوم اجتماع الحب والبغض وكذا الصلاح والفساد والمقربية والمبعدية في شيء واحد بالوجود الخارجي المنطبق عليه عنوان الصلاة والغصب مثلا فلا محذور فيه لعدم كونهما من قبيل الاعراض الحقيقة العارضة للوجود الخارجي بل هو من قبيل الاضافات المختلفة بالوجوه والاعتبار ولم يقم دليل على وجوب كونها

٢٤٢

من الاعراض كالسواد والبياض العارضين للجسم ولا يلزم محذور في مرحلة تعلق الارادة ايضا لعدم تنافي ارادة البعث الى الصلاة مع ارادة الزجر عن الغصب وان قد يتفق اتحاد الصلاة والغصب خارجا إلّا أنّك قد عرفت ان تمام الموضوع هو الطبيعة والخصوصيات خارجة عنها وقد ذكرنا ما هو التحقيق في المقام في غاية الاجمال لعدم سعة المقام للشرح وبسط المراد لخروجه عن وضع الكتاب وللتوضيح مقام آخر فتامل جيدا والله الهادي.

٢٤٣

(اصل اختلفوا في دلالة النهي على فساد المنهي عنه على اقوال) اعلم انه لا بد اولا من تمهيد امور الاول في بيان الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة فنقول الفرق بينهما هو ان المسئول عنه في السابقة جواز بقاء الامر والنهي فيما كان موردهما متحدا بحسب المصداق ومتعددا بالمفهوم وعدمه وفي هذه المسألة ملازمة النهي المتعلق بالشيء مع فساده هذا وقد فرّق بينهما ايضا بفروق متعددة ولا ارى وجها لذكرها والجواب عنها والاعراض عنها اجدر الثاني في بيان الفرق بين العبادات والمعاملات هو ان الاولى على قسمين احدهما اخص وثانيهما اعم اما الاول فهو كل ما يتوقف صحته على قصد القربة سواء كان فعلا كالطهارة والصلاة والزكاة والحج وهكذا او تركا كالصوم واما الثاني فهو كل ما يمكن ان يقع على وجه التعبدية سواء كان امرا مخترعا في الشرع كالمذكورات او لا كدفن الاموات والزيارة والمعاملات الراجحة اذا قصد بها القربة وبعبارة اخرى كل ما يصح التقرب به وان لم يعتبر فيه قصد القربة والثانية اي المعاملات ايضا على قسمين اخص واعم اما الاول فهو العقود المفتقرة الى ايجاب وقبول وهي التي لا يقع صيغها الّا من شخصين ولو بالقوة كالبيع والنكاح والاجارة وهكذا واما الثاني فهو اعم من الاول وهو يشمل الايقاعات ايضا وهي التي تقع صيغها من شخص واحد كالطلاق

٢٤٤

والعتق وكيف كان المراد من العبادات في المقام هو ما يتوقف سقوط امره على تقدير تعلقه به على اتيانه بقصد القربة او كان له عبادية ذاتا والمراد من المعاملات هو مطلق ما يقع متصفا بالصحة تارة وبالفساد اخرى الثالث ان الصحة والفساد الذين اخذا في عنوان البحث وصفان متقابلان يوصف بهما العبادات تارة والمعاملات اخرى وصحة العبادة عند المتكلمين عبارة من موافقتها لامر الشارع والمراد من الامر هو الاعم من الوجوبي والندبي واما عند الفقهاء فهي عبارة عن كونها مسقطة للقضاء والمراد من الاسقاط منعها من تعلق الخطاب بالقضاء بمعنى انها لولاها لتعلق الامر بالقضاء واما فسادها فعلى الاول مخالفتها لامر الشارع وعلى الثاني عدم اسقاطها للقضاء وثمرة النزاع بينهما تظهر فيما لو نذر ان يعطي من صلى صلاة صحيحة درهما فعلى الاول يحصل الوفاء بالنذر لو اعطى الدرهم لمن صلى بظن الطهارة ثم ظهر له كونه فاقدا لها في نفس الامر لانه موافق للشريعة ومطابق لامتثال بما امر به الشارع في هذا الحال بخلاف الثاني لانه غير مسقط للقضاء في خارج الوقت والاداء في الداخل بناء على عدم الاجزاء عن الواقع في الاوامر الظاهرية وصحة المعاملات عبارة عن ترتب الاثر المقصود من جعلها شرعا كتملك العين في البيع والمنفعة في الاجارة والبضع في النكاح والبينونة في الطلاق الى غير ذلك والفساد مقابلها اي عدم ترتب الاثر هذا والظاهر ان اختلاف الفقيه والمتكلم في صحة العبادة ليس راجعا الى اختلاف في المفهوم بل الى الاختلاف في التعبير عن المعنى الواحد المسلم عند الفريقين بما هو اثره المرغوب عندهما

٢٤٥

كما ان اختلاف الصحة والفساد في العبادة والمعاملة مصداقي لا مفهومي الرابع لا فرق بين النهي النفسي والغيري والاصلي والتبعي لوجود الملاك في الجميع نعم يختص النزاع بالنواهي التحريمية لعدم قابلية النهي التنزيهي الوارد على الخصوصية لاسقاط الامر بالطبيعة والوجه في ذلك ان الكراهة لعدم منعها من النقيض لا يمنع الوجوب المانع عنه فاذا اجتمعت جهة الوجوب مع الكراهة كالصلاة في الحمام مثلا فلا بد من صيرورة الوجوب فعليا والكراهة شأنيا فيكون الفرد المشتمل على الخصوصية الموجبة للكراهة مجزيا عن الواجب ولكنه اقل ثوابا من باقي الافراد نعم لو فرض تعلق النهي التنزيهي الى نفس العبادة لا الى الخصوصية يدخل في محل النزاع الخامس النزاع انما هو في غير النواهي المستفاد منها الفساد ابتداء كالنهي المتعلق بالصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه وامثال ذلك لان تلك النواهي تنشأ عن عدم المصلحة في العمل الخاص فلا يتطرق عليه احتمال الصحة بعد ذلك وليس الفساد مرتبا على النهي بل النهي جاء من قبل الفساد فمورد النزاع النواهي التكليفية بعد احراز كونها لانشاء الزجر فلو استفيد من ظاهر النهي الارشاد كما مر فلا اشكال في الفساد اذا عرفت ذلك فاعلم ان الاقوال في المسألة تزيد على العشرة لكن المذكور هنا ثلاثة احدها يدل في العبادات والمعاملات وثانيها لا يدل مطلقا(ثالثها) التفصيل بمعنى انه (يدل في العبادات لا في المعاملات فهو مختار جماعة منهم المحقق والعلامة واختلف القائلون بالدلالة) اي بدلالة النهي على الفساد اما مطلقا او في العبادات فقط لا في المعاملات (فقال جمع منهم

٢٤٦

المرتضى) وابن الحاجب (ان ذلك) اي الدلالة على الفساد(بالشرع لا باللغة وقال الآخرون بدلالة اللغة عليه) اي على الفساد(ايضا) يعني ان النهي يدل على الفساد في العبادات مطلقا شرعا ولغة دون المعاملات مطلقا(والاقوى عندي انه) اي النهي (يدل) على الفساد(في العبادات) مطلقا اي (بحسب اللغة والشرع) مثل لا تصلي الحائض ولا تصلي في الدار المغصوبة فان الصلاة حينئذ على المختار فاسدة(دون غيرها مطلقا) اي لا يدل النهي على الفساد في غير العبادات يعني في المعاملات مطلقا شرعا ولغة وحينئذ فالبيع المنهي عنه صحيح (فهاهنا دعويان) إحداهما انه يدل على الفساد في العبادات مطلقا وثانيتهما لا تدل عليه في المعاملات مطلقا والدليل (لنا على اوليهما ان النهي يقتضي) شرعا ولغة(كون ما يتعلق) اي الذي تعلق به النهي يعني الصلاة مثلا في قوله لا تصل في الدار المغصوبة(مفسدة غير مراد للمكلّف) بكسر اللام اي للمولى (والامر يقتضي) شرعا ولغة(كونه) اي كون ما يتعلق به الامر(مصلحة مرادا) للمولى (وهما) اي المفسدة والمصلحة(متضادان) ولا يجتمعان لاستحالة اجتماع المتضادين فاذا تعلق الامر بشيء اولا لا يتعلق به النهى فاذا تعلق النهي به لزال الامر منه قطعا واذا كان كذلك فالشخص (الآتي بالمنهي عنه) كمن اتى الصلاة في مكان مغصوب (لا يكون آتيا بالمأمور به) لما ذكرنا من استحالة اجتماع المتضادين (ولازم ذلك) اي لازم عدم اتيان المأمور به في الواقع ولو اتى ظاهرا في المحل المغصوب (عدم حصول الامتثال) للمولى (و) اذا لم يكن ممتثلا فلازمه عدم (الخروج عن العهدة ولا نعني

٢٤٧

بالفساد) في قولنا ان النهي يدل على الفساد(الا هذا) اي عدم حصول الامتثال وعدم الخروج عن العهدة وبعبارة اخصر ان النهي التحريمي يقتضي الفساد في العبادات ويلازم فساد ما تعلق به وتوضيحه ان العبادة كما عرفت ما يتوقف صحتها على القربة ومع الحرمة يمتنع التقرب بها واذا امتنع التقرب بها كان المأتي به فاسدا(ولنا على الثانية) اي على عدم الدلالة على الفساد في المعاملات مطلقا(انه لو دل) النهي على الفساد في المعاملات (لكانت) دلالته (باحدى) الدلالات (الثالث) المطابقة والتضمن والالتزام (و) من المعلوم ان (كلها منتفية اما الاولى) اي المطابقة(والثانية) اي التضمن (فظاهر) لأن معنى قوله لا تبع يوم الجمعة مثلا ليس معناه هو فساد البيع (واما) انتفاء دلالة(الالتزام فلأنه) اي الالتزام (مشروط باللزوم العقلي) كالبصر بالنسبة الى العمى (و) باللزوم (العرفي) كالجود بالنسبة الى حاتم (كما هو معلوم وكلاهما) اي اللزوم العقلي والعرفي (مفقودان) ومنفيان (يدل على ذلك) اي على فقدان اللزومين (انه يجوز عند العقل وفي العرف ان يصرح) المولى (بالنهي عنها) اي عن المعاملات بقوله لا تبع وقت صلاة الجمعة مثلا(و) يصرح ايضا(انها لا تفسد بالمخالفة) وحاصله انه لو نهى المولى عن شيء مثل قوله لا تبع وقت صلاة الجمعة مثلا ثم قال وانك لو فعلت وبعت لكان صحيحا فلا يكون بين قوله لا تبع وبين قوله لو بعت لكان صحيحا متناقضة واليه اشار بقوله (من دون حصول تناف بين الكلامين) المذكورين قطعا(وذلك) اي التصريح بالصحة بعد النهي (دليل على عدم اللزوم) بين النهي في المعاملات والفساد(بيّن)

٢٤٨

صفة للدليل يعني ان التصريح بالصحة بعد النهي بقوله لا تبع دليل بيّن وواضح على عدم اللزوم بين النهي في المعاملات والفساد هذا والتحقيق انه لا يقتضي الفساد مطلقا اما في العبادات فلأن ما يتوهم كونه مانعا عن الصحة كما افاد المصنف «قدس‌سره» كون العمل مبغوضا في تلك الحالة فلا يحصل القرب المعتبر في العبادات به وفيه انه من الممكن ان يكون العمل المشتمل على الخصوصية موجبا للقرب من حيث ذات العمل وان كان ايجاده في تلك الخصوصية مبغوضا للمولى وبعبارة اخرى ان المدعى امكان ان يتحد العنوان المبغوض مع العنوان المقرب فان اصل الصلاة شيء وخصوصية ايقاعها في مكان مغصوب مثلا شيء آخر مفهوما وان كانا متحدين في الخارج نعم لو تعلق النهي بنفس المقيد وهي الصلاة المخصوصة فلازمه الفساد من جهة عدم امكان كون الطبيعة من دون تقييد ذات مصلحة توجب المطلوبية والطبيعة المقيدة بقيد خاص ذات مفسدة توجب المبغوضية والحاصل انه كلما تعلق النهي بشيء آخر يتحد مع الطبيعة المأمور بها في الخارج فالصحة والفساد فيه تبنيان على كفاية تعدد الجهة في تعدد الامر والنهي ولوازمهما في القرب والبعد وحينئذ فالحق في المقام الصحة وكلما تعلق النهي بنفس المقيد لا يمكن كون العمل صحيحا ولو تعددت الجهة فان الجهة الموجبة للمبغوضية ليست مباينة لاصل الطبيعة حتى في عالم الذهن فلا يمكن ان تكون مبغوضية ويكون اصل الطبيعة محبوبة من دون تقييد هذا في غير العقود والايقاعات واما فيها فعدم الدلالة واضح ويظهر وجهه من مطاوي ما

٢٤٩

حققناه كما لا يخفى هذا ولكن لا يخفى ان الكلام في المقام بعد فرض تعلق النهي بالعبادة نفسها وانه اذا تعلق النهي بنفس العبادة هل يقتضي الفساد اولا وما ذكرنا من تعلق النهي بالخصوصية لو فرض كون الدليل ظاهرا فيه خروج عن فرض البحث فافهم والله الهادي (حجة القائلين بالدلالة) اي بدلالة النهي عن الفساد(مطلقا) اي في العبادات والمعاملات لكن (بحسب الشرع لا اللغة) هو (ان علماء الامصار) اي علماء جميع البلاد(في جميع الاعصار) والازمان (لم يزالوا) اي كانوا ثابتين (يستدلون على الفساد بالنهي) اي بنهي الشارع (في ابوابه) اي في ابواب الفقه (كالانكحة) مثل قوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) (والبيوع) مثل قوله لا تبع بيع الملاقيح جمع الملقحة او الملقوح وهو عبارة عما في بطون الامهات من الاولاد فاذا قيل لا تبع الملاقيح يكون البيع منهيا عنه اذ من شرائطه القدرة على تسليمه وقت البيع وهو هنا مفقود(وغيرها) مثل قوله لا تبع المضامين اي ما في اصلاب الفحول وغير ذلك (و) استدلوا(ايضا) بدلالته على الفساد بانه (لو لم يفسد) المنهي عنه حينئذ(لزم من نفيه) اي من نفي العمل المنهي عنه يعني من عدم فعله (حكمة يدل عليها) اي على الحكمة التي في عدم الفعل (النهي) يعني ان النهي من المولى بقوله لا تبع وقت صلاة الجمعة ولا تصل في مكان مغصوب يدل على وجود المصلحة في عدم الفعل (و) لزم ايضا(من ثبوته) اي من فعله (حكمة يدل عليها الصحة) كقوله مثلا ولو فعلت لكان صحيحا(واللازم) اي وجود الحكمة في الفعل وعدمه (باطل لان الحكمتين) اي حكمة الصحة والفساد اما

٢٥٠

متساويتان او مصلحة الصحة زائدة دون الاخرى او بالعكس بان يكون مصحلة الفساد زائدة عن مصلحة الصحة و (ان كانتا) اي المصلحتان (متساويتين فتعارضتا) اي المصلحتان (فتساقطتا و) حينئذ(كان الفعل وعدمه متساويين فيمتنع) حينئذ(النهي عنه) اي عن الفعل (لخلوه) اي خلو النهي (عن الحكمة) لما قلنا بتعارضهما وتساقطهما والحال ان النهي عن بيع الفلاني مثلا موجود(وان كانت حكمة النهي مرجوحة) بان تكون مصلحة الصحة زائدة عن مصلحة الفساد(فهو) اي النهي يكون حينئذ(اولى بالامتناع) من المولى يعني له ان يتحرز من النهي حينئذ(لانه مفوت للزائد من مصلحة الصحة) لان وجود النهي عن الفعل حينئذ مانع عن فعله مع وجود المصلحة الزائدة فى طرف الفعل (وهو) اي الزائد(مصلحة خالصة اذ لا تعارض لها) اي للمصلحة الزائدة(من جانب الفساد) اي من جانب النهي (كما هو المفروض) يعني ان المفروض عدم المعارضة من حيث زيادة المصلحة في طرف الصحة بالفرض مع ان النهي موجود ايضا(وان كانت) حكمة النهي (راجحة فالصحة ممتنعة لخلوها عن المصلحة) وفيه نظر ولذا استدركه المصنف بقوله (بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهي وهو) اي قدر الرجحان من مصلحة النهي (مصلحة خالصة لا يعارضها) اي المصلحة الخالصة(شيء من مصلحة الصحة) واذا كانت الصحة ممتنعة فثبت الفساد اذ يلزم مع عدم فرض الفساد ان لا يكون صحيحا ولا فاسدا وهو محال لاستحالة ارتفاع النقيضين كاجتماعهما فحيث بطل اللازم بطل الملزوم فيثبت المطلوب وهو فساد المنهي عنه هذا بالنسبة الى اثبات

٢٥١

الدلالة شرعا(واما) الدليل على (انتفاء الدلالة لغة فلأن فساد الشيء عبارة عن سلب احكامه) والمراد من الاحكام الاجزاء في العبادات وترتب الاثر اعني انتقال الملك من البائع الى المشتري والانتقال الى البائع مثلا في المعاملات (و) من الواضحات انه (ليس في لفظ النهي) ولا يخفى ما فيه من التسامح والمراد صيغة النهي كما لا يخفى (ما يدل عليه) اى على الفساد بكلا المعنيين (لغة قطعا) بوجه من الوجوه وبحال من الاحوال (والجواب عن الاول) اي عن قوله ان علماء الامصار الخ (انه لا حجة في قول العلماء) بان النهي يدل على الفساد(بمجرده ما لم يبلغ حد الاجماع) يعني ان قول العلماء من حيث هو ليس بحجة إلّا ان يبلغ مرتبة الاجماع (ومعلوم انتفائه) اي انتفاء الاجماع (في محل النزاع اذ الخلاف والتشاجر) هذا عطف تفسيري للخلاف (فيه) اي في هذا الباب (ظاهر جلي) وواضح فالخلاف والتشاجر في هذا الباب كاشفان عن عدم كون المسألة اجماعيا(و) الجواب (عن الثاني) اي عن قوله لو لم يفسد لزم من نفيه حكمته الخ هو القول بان النهي في المعاملات يقتضي الصحة ولا يدل على الفساد ولكن (بالمنع من دلالة الصحة بمعنى ترتب الاثر على وجود الحكمة) المطلوبة من الشارع (في الثبوت) اي في وجود البيع مثلا ولا يخفى ان اضافة الدلالة الى الصحة مغن عن هذا القيد فلاحظ فتدبر(اذ من الجائز عقلا انتفاء الحكمة) وعدم وجودها(في ايقاع عقد البيع وقت النداء) الى صلاة الجمعة بقوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الآية(مثلا) يعني انه من الجائز والممكن ان يقع البيع وقت النداء ولم يكن

٢٥٢

فيه حكمة لكن (مع ترتب اثره) اي اثر هذا العقد(اعني انتقال الملك عليه) اي على العقد(نعم هذا) اي هذا الاستدلال الثاني (في العبادات معقول فان الصحة فيها) اي في العبادات (باعتبار كونها عبارة عن حصول الامتثال) بامر المولى عند المتكلمين (تدل على وجود الحكمة المطلوبة) للشارع (وإلّا) اي وان لم تدل الصحة بذلك المعنى على وجود الحكمة لم يكن امر من المولى نحو الفعل واذا لم يكن هذا(لم يحصل) الامتثال واذا اثبتنا ان الصحة في العبادات تدل على وجود الحكمة فلازمه عدم تعلق النهي بهذا الفعل لان في النهي ايضا حكمة ومصلحة وعلى هذا يتعارض المصلحتان ويلزم المحذور الذي ادعاه الخصم فلم يبق لنا حينئذ الا القول بان النهي يقتضي الفساد فلا وجه فيه للحكم بالصحة بنحو هذا ولكن الفرق بين العبادات والمعاملات بوجود الحكمة في الاول دون الثانية تحكم فتدبر جيدا(وبما قدمناه في الاحتجاج على دلالة النهي على الفساد في العبادات) شرعا ولغة اعني من توقف صحة العبادة على قصد القربة ومع الحرمة التي تستفاد من النهي يمتنع التقرب بها واذا امتنع التقرب كان المأتي به فاسدا على ما اوضحناه سابقا(يظهر جواب الاستدلال على انتفاء الدلالة) اي دلالة النهي على الفساد في العبادات بقوله وليس في لفظ النهي ما يدل عليه لغة قطعا والوجه في ذلك ما قررنا في دلالته على الفساد في العبادات لغة ايضا(نعم هو) اي عدم الدلالة على الفساد لغة(في غير العبادات) اي في المعاملات (متوجه) ومستحسن (واحتج مثبتوها) اي مثبت الدلالة على الفساد(كذلك) اي في العبادات والمعاملات شرعا و (لغة ايضا

٢٥٣

بوجهين) ولا يخفى ان هذه الحجة مخالفة للقول المختار في المعاملات خاصة ومخالفة للقول المذكور آنفا من جهة الدلالة عليه لغة ايضا(احدهما ما استدل) اي استدل الفرقة الاولى (به على دلالته) اي دلالة النهي على الفساد مطلقا(شرعا) فقط لا لغة(من انه لم يزل العلماء) اي كانوا ثابتين (يستدلون بالنهي على الفساد) شرعا واذا ثبت دلالته شرعا على الفساد ثبت لغة ايضا لما مر مرارا من انه يتمسك باصالة عدم النقل في مورد الشك ولكن هنا ايضا(واجاب عنه) اي عن هذا الاحتجاج (اولئك) اي الفرقة الاولى المستدلون بهذا الدليل (بانه) اشتباه بل (انما يقتضي) هذا الدليل (دلالته على الفساد) شرعا فقط(واما أن تلك الدلالة) اي دلالة النهي على الفساد(بحسب اللغة) ايضا(فلا) يقتضيه استدلال العلماء(بل الظاهر ان استدلالهم) اي استدلال العلماء(به) اي بالنهي (على الفساد) اي فساد العبادات والمعاملات (انما هو) اي هذا الاستدلال (لفهمهم دلالته) اي دلالة النهي (عليه) اي على الفساد(شرعا) واما قولكم في آخر الاحتجاج اذا ثبت الدلالة شرعا ثبت لغة بضميمة الاصل فدفعه واضح لان الاصل انما يعتبر اذا لم يعارضه دليل اقوى منه وهو هنا موجود(لما ذكر) في آخر الاحتجاج على المختار(من الدليل على عدم دلالته لغة) وحاصله ان فساد الشيء عبارة عن سلب الاحكام ولا دلالة للنهي عليه بوجه من الوجوه هذا ولما كان هذا الجواب غير مرضي عند المصنف «ره» باعتبار نفي الدلالة لغة في العبادات ايضا مع ان الدلالة فيها ايضا مختاره «قدس‌سره» فاجاب بقوله (والحق) في الجواب (ما قدمناه من عدم الحجة في ذلك)

٢٥٤

اي في قول العلماء ما لم يبلغ حد الاجماع والتنازع والتشاجر كاشفان عن عدمه (وهم) اي المثبتون مطلقا(وأن اصابوا) الى الحق (فى القول بدلالته في العبادات لغة) ايضا(لكنهم مخطئون في) الامرين احدهما(هذا الدليل) اي التمسك بقول العلماء والثاني القول بدلالته على الفساد في المعاملات ايضا(والتحقيق) في مقام الاحتجاج (ما استدللنا) عند بيان المختار(سابقا) فراجع فتأمل (الوجه الثاني لهم) اي للمثبتين مطلقا(ان الأمر يقتضي الصحة) لغة وشرعا في العبادات و (غيرها لما هو الحق) والمحقق في محله (من دلالته) اي من دلالة الامر(على الاجزاء) اي اتيان المأمور به على وجهه واتيان المأمور به على وجهه معناه الصحة(بكلا تفسيريه) اي بكلا معنيي الصحة الذين ذكرنا في مقدمات المسألة مفصلا فراجع (والنهي نقيضه) اي نقيض الامر(والنقيضان) هما الامر والنهي (مقتضاهما) ومدلولاهما(نقيضان) والامر يقتضي الصحة كما مر(فيكون) النهي (مقتضيا لنقيض الصحة وهو الفساد واجاب الاولون) اي القائلون بالفساد في العبادات والمعاملات شرعا لا لغة(بان) ما ذكرتم من ان (الامر يقتضي الصحة) صحيح لكن لا مطلقا بل (شرعا) فقط(لا لغة ونقول بمثله) اي بمثل الامر(في النهي) اي بدلالة النهى على الفساد شرعا لا لغة(وانتم تدعونه دلالته) اي دلالة النهي على الفساد(لغة) ايضا متمسكين بدلالة الامر على الصحة لغة(و) الحال ان (مثله) اي مثل النهي في الدلالة لغة كما انتم تدعون (ممنوع في الامر) كما انكم قلتم به ولما كان الجواب المذكور باطلا عند المصنف «ره» لما فيه من نفي الدلالة على الفساد

٢٥٥

لغة في العبادات ومن اختصاص الصحة بالشرع فقط مع ان المحقق في محله الاثبات في اللغة ايضا اجاب بجواب وهو الحق عنده فقال (والحق ان يقال) ان قولكم ان النهي نقيض الامر مسلم لكن قولكم ان مقتضى النقيضين ايضا متناقضان باطل اذ(لا نسلم وجوب اختلاف احكام المتقابلات) يعني ان الحكم بانه لا بد من كون احكام المتقابلات ومقتضياتها مختلفة مردود(لجواز اشتراكها) اي المتقابلات بانفسها(في لازم واحد) كالحرارة والبرودة المفرطتين اللتين تشتركان في لازم واحد وهو الاهلاك ففيما نحن فيه ايضا يمكن دلالة الامر والنهي على الصحة كما هو عند ابي حنيفة والشيباني (فضلا عن تناقض احكامها) اي أحكام المتقابلات سلمنا وجوب اختلاف احكام المتقابلات (لكن نقيض قولنا) الامر(يقتضي الصحة) ليس هو الفساد كما ذكرتم بل نقيض الصحة هو (انه لا يقتضي الصحة) لا انه يقتضي عدم الصحة الذي هو الفساد فحينئذ(ولا يلزم منه) اي من عدم الاقتضاء بالصحة(ان يقتضي) النهي (الفساد نعم يلزم) بمقتضى ان النهي يقتضي نقيض الصحة(ان لا يقتضي الحصة ونحن نقول به) اي بان النهي لا يقتضي الصحة ان قلت ان القول بانه لا يلزم منه ان يقتضي الفساد مناف لما ذكرتم سابقا في بيان القول المختار بان النهي يدل على الفساد في العبادات مطلقا قلت هذا فاسد لان نفي الاقتضاء من هذه الجهة اي من جهة التي ادعاها الخصم ليس منافيا للاثبات من جهة اخرى اي من جهة الدليل الذي ذكرنا في بيان اثبات المختار مفصلا هذا ويرد على المصنف «قدس‌سره» ان تسليم كون الامر والنهي من

٢٥٦

قبيل المتناقضين باطل اذ التناقض في الاصطلاح عبارة عن تقابل الايجاب والسلب بمعنى كون احدهما وجوديا والآخر عدميا كالسواد واللاسواد والامر والنهي ليسا كذلك لكون البعث والزجر امرين وجوديين هذا واجاب صاحب الفصول «ره» عن شبهة الخصم ثم نقل ما اجاب به المصنف «قدس‌سره» وتنظر فيه وقال في وجه النظر ان ذلك نفي للاقتضاء لا اثبات للتناقض في المقتضي كما هو مقتضي تسليم الحجة انتهى وهذا الجواب لا معدل عنه وهو جواب متين فتدبر جيدا(حجة النافين للدلالة) اي دلالة النهي على الفساد(مطلقا) في العبادات والمعاملات (لغة وشرعا انه لو دل) النهي على الفساد(لكان) هذا النهي (مناقضا للتصريح بصحة المنهي عنه) لان ظاهر النهي يدل على الفساد والتصريح يدل على عدمه (و) الحال ان (اللازم) اي كونه مناقضا للتصريح (منتف لانه يصح) لغة وشرعا مطلقا(ان يقول) المولى لعبده (نهيتك عن البيع الفلاني) اي بيع العنب مثلا(و) يقول ايضا(لو فعلت لعاقبتك) ثم بعد هذا النهي يقول (لكنه) ان بعت العنب مثلا(يحصل به الملك) اي يكون العنب للمشتري وثمنه للبائع (واجيب) عن هذا الاحتجاج (بمنع الملازمة) وهو انه لو دل لكان مناقضا بل يدل النهي على الفساد ولكن التصريح ليس مناقضا له (فان قيام الدليل الظاهر) مثل قولك رأيت اسدا(على معنى) اي على الحيوان المفترس (لا يمنع التصريح بخلافه) اي بخلاف هذا المعنى (و) لا يمنع التصريح على (ان الظاهر) اي ظاهر قولك رأيت اسدا اعني الحيوان المفترس (غير مراد ويكون التصريح) بالخلاف اعني قولك اردت منه

٢٥٧

الرجل الشجاع (قرينة صارفة عما) اي عن المعنى الظاهر الذي (يجب الحمل) اي حمل لفظ الاسد مثلا(عليه) اي على الحيوان المفترس (عند التجرد عنها) اي عن القرينة وحاصله انه لا منافاة بين ظهور اللفظ في معنى وبين التصريح بخلاف ظاهر اللفظ غاية ما فى الباب يكون التصريح بالخلاف قرينة على عدم ارادة الظاهر كما في مثال الاسد وما نحن فيه ايضا كذلك فان ظهور النهي في الفساد لا يمنع التصريح بالخلاف وقولك لكنه يحصل به الملك قرينة على ان ليس المراد من قولك نهيتك عن البيع الفلاني هو الفساد(وفيه) اي في هذا الجواب (نظر فان التصريح بالنقض) كما ذكرت في مثال الاسد(يدفع ذلك الظاهر) اي ظاهر لفظ الاسد(وينافيه قطعا) لان التصريح بالخلاف قرينة معاندة لارادة الحقيقة(و) ليس كذلك فيما نحن فيه لانه (ليس بين قوله في المثال) المذكور(ولو فعلت لعاقبتك الخ) وهو قوله ولكنه يحصل به الملك (وبين قوله نهيتك عنه مناقضة ولا منافاة) لعدم دلالة النهي على الفساد في المعاملات حتى يكون التصريح قرينة على خلافه كما في مثال الاسد و (يشهد بذلك) اي بعدم التنافي (الذوق السليم فالحق ان الكلام) اي كلام النافين (متجه في غير العبادات) اي في المعاملات فقط لا مطلقا(وهو الذي مثل) النافي للدلالة(به) وهو قولهم نهيتك عن البيع الفلاني الخ (واما فيها) اي في العبادات (فالحكم بانتفاء اللازم) اي بانتفاء المناقضة بين النهي والتصريح بالخلاف كما حكم به النافون (غلط بيّن اذ المناقضة بين قوله لا تصل في المكان المغصوب و) بين قوله (لو فعلت) وصليت (لكانت صحيحة مقبولة في

٢٥٨

غاية الظهور) والوضوح لان الصحة عبارة عن الامتثال بالمأمور به والحال ان المأتي به هاهنا منهي عنه لا مأمور به كما لا يخفى و (لا ينكرها) اي لا ينكر المناقضة بين القولين (الا مكابر) فتدبر والله الهادي.

٢٥٩
٢٦٠