أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

لا مثل ما ذكره المجيب من انه خارج عن المبحث فيقال انه (يتلقى) الاحتجاج المذكور(بالقبول على الاول) اي على كون الاحتجاج في كيفية الاقتضاء لكن (مع حمل الاستلزام) في الاحتجاج (على التضمن) حتى يكون موافقا لمذهب المصنف «قدس‌سره» (ويرد) هذا الاحتجاج (بما ذكر في هذا الجواب) من مسلمية دلالة الامر بالشيء على النهي عن الضد العام من غير احتياجه الى الاستدلال (على الثاني) اي على كون الاحتجاج في اصل الاقتضاء وقد بين معنى عبارة المصنف في المقام بنحو آخر لكنه خارج عن ظاهر كلامه «قدس‌سره» والصواب هو ما ذكرناه فتدبر جيدا(الوجه الثاني) من الوجهين (ان الامر الايجاب) اي الامر الايجابي الذي يفيد الوجوب (طلب فعل يذم على تركه اتفاقا ولا ذم الا على فعل لانه) اي الفعل هو (المقدور) وان العدم غير مقدور لانه امر عدمي والقدرة لا تتعلق بالعدميات (وما هو) اي الفعل (هاهنا إلّا الكف عنه) اي الكف عن الفعل المأمور به وهذا الكف هو عبارة عن الضد العام للمامور به (او فعل ضده) الخاص (وكلاهما) اي الكف وفعل الضد(ضد للفعل) المأمور به واطلاق الترك عليهما حينئذ وقع بالتسامح كما لا يخفى (والذم بايّهما) اي باي من الضد العام والخاص (كان يستلزم) هذا الذم (النهي عنه) اي عما كان الذم عنه عاما او خاصا(اذ لا ذم بما لم ينه عنه لانه) اي الذم (معناه) اي معنى النهي وفيه مسامحة فان الذم من لوازم النهي لا معنى النهي (والجواب) اولا بتغاير الدليلين فان الاول يفيد التضمن بناء على التوجيه السابق من حمل الاستلزام على التضمن والثاني يفيد الاستلزام

١٤١

وثانيا (المنع من انه لا ذم الا على فعل بل يذم على) عدم الفعل والترك و (انه لم يفعل) ان قلت ان عدم الفعل غير مقدور وكيف يتعلق الذم عليه قلت ان عدم الفعل يدخل تحت قدرة المكلف من حيث امكان قطع استمراره وتبديله الى الوجود(سلمنا) تعلق الذم بالفعل (لكن نمنع تعلق الذم بفعل الضد) اي الضد الخاص (بل نقول هو) اي الذم (متعلق بالكف) الذي هو الضد العام (ولا نزاع لنا في النهي عنه) اي عن الضد العام وفيه نظر اما اولا فلورود ما اورده سابقا على من ادعى انه لا نزاع في الضد العام بان النزاع في كيفية الاقتضاء لا في اصل الاقتضاء وثانيا ان تسلم الاستلزام يغاير على مذهبه من التضمن كما لا يخفى فتأمل هذا وقد علمت في اول الاصل ان مراد المطلق ايضا هو الاستلزام اللفظي البين بالمعنى الاخص إلّا انه توهم بعض منه الاستلزام المعنوي اي اللازم البين بالمعنى الاعم وبعبارة اخرى اللزوم العقلي في مقابل الشرعي ولما كان هذا بمكان من الضعف اراد المصنف «ره» نقله وردّه فقال «ره» (واعلم ان بعض اهل العصر) والمراد منه مولانا ملا ميرزا جان «ره» ذكر ذلك في حاشيته على المختصر(حاول) اي طلب وقصد(جعل القول) المطلق (بالاستلزام منحصرا في المعنوي فقال «ره» التحقيق ان من قال) بان الامر بالشيء يستلزم (النهي عن ضده لا يقول بانه) اي النهي عن الضد(لازم عقلي له) اي للامر بالشيء(بمعنى انه لا بد عند الامر من تعقله) اي من تعقل النهي عند الضد(وتصوره) يعني انه ليس المراد اللزوم العقلي بان يستحيل الانفكاك بينهما بحسب الذهن ليكون لازما بينا بالمعنى الاخص (بل المراد باللزوم العقلي مقابل

١٤٢

الشرعي يعنى ان العقل يحكم بذلك اللزوم لا الشرع قال) بعض اهل العصر(والحاصل انه اذا امر الآمر بفعل فبصدور ذلك الامر منه) اي من الامر(يلزم ان يحرم ضده) مثلا لو قال المولى والآمر صل فلازمه حرمة الضد اعني الاكل والشرب مثلا(والقاضي بذلك) اي بحرمة الضد(هو العقل فالنهي عن الضد لازم له) اي للامر(بهذا المعنى) اي بحكم العقل لا الشرع ان قلت عدم تصور النهي عن الضد ممنوع باعتبار كونه من الخطابات الاصلية ولا بد فيها من التصور قلت (وهذا النهي ليس خطابا اصليا حتى يلزم تعقله) وتصوره مثل الخطاب المطابقي والتضمني والالتزامي البيّن بالمعنى الاخص (بل انما هو) اي النهي عن الضد(خطاب تبعي كالامر بمقدمة الواجب) مثل الامر بالوضوء مثلا(اللازم من الامر الواجب) مثل الامر بالصلاة مثلا فان الامر بالصلاة خطاب اصلي ولا بد فيه من التصور بخلاف الامر بمقدمتها فان الامر بها تبعي (اذ لا يلزم ان يتصوره الامر هذا كلامه «ره») اي كلام بعض اهل العصر(وانت اذا تأملت كلام القوم رأيت ان هذا التوجيه) منه «ره» (انما يتمشى) ويصح (في قليل من العبارات التي اطلق فيها الاستلزام) ولم يصرحوا بكون الاستلزام لفظيا او معنويا وقد ذكرنا ان المستفاد من حججهم ايضا هو الدلالة اللفظية(واما الاكثرون فكلامهم صريح في ارادة اللزوم باعتبار الدلالة اللفظية و) اذا عرفت هذا فاعلم ان (حكمه) اي حكم البعض ونسبته (على الكل) اي من قال بان الامر بالشيء الخ (بارادة المعنى الذي ذكره) وهو كون المراد اللزوم المعنوي في مقابل الشرعي لا اللفظي (تعسف بحت) بفتح الباء اي عدول عن الحق صرفا وخالصا

١٤٣

(بل فرية بيّنة) اي كذب واضح (واحتج المفصلون) اي القائلون بانه لا دلالة للامر على الضد الخاص دلالة لفظية مطلقا بل يدل عليه باللزوم المعنوي على الدعوى الاولى اي (على انتفاء الاقتضاء لفظا بمثل ما ذكرناه في برهان) ودليل (ما اخترناه) وهو انه لو دل لكانت بواحدة من الثلث وكلها منتفية(و) على الدعوى الثانية اي (على ثبوته) أي ثبوت الاقتضاء(معنى بوجهين احدهما ان فعل الواجب الذى هو المأمور به لا يتم إلّا بترك ضده وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب وحينئذ) اي حين كون مقدمة الواجب واجبة(فيجب ترك فعل الضد الخاص) مقدمة للفعل المأمور به (وهو) اي وجوب الترك (معنى النهي عنه) اي عن الضد(وجوابه يعلم مما سبق آنفا) وسابقا في مسئلة مقدمة الواجب وهو انه (فانا نمنع وجوب ما لا يتم الواجب الا به مطلقا) سببا او شرطا(بل يختص ذلك) اي الوجوب (بالسبب) وبعبارة اخرى ان الواجب من المقدمات هو السببي لا غير وما نحن فيه اعني ترك الضد من المقدمات الشرطية(وقد تقدم) ولا يخفى ان هذا الاستدلال يتوقف على اثبات امور احدها مقدمية ترك الضد لفعل الضد الآخر ثانيها وجوب مقدمة الواجب ثالثها وجوب ترك الضد للمأمور به وحرمة فعل الضد للمأمور به والمصنف «ره» رد وجوب مقدمة الواجب فيظهر منه تسليم الامر الاول والثالث ولكن منع الامر الاول ايضا اي اصل مقدمية ترك الضد جماعة والتفصيل موكول الى محله وقد مر ايضا ما هو التحقيق من عدم الوجوب المولوي للمقدمة شرطا كان او سببا من غير فرق بينهما فراجع (و) الوجه (الثاني ان فعل الضد الخاص مستلزم لترك المأمور به

١٤٤

وهو) اي ترك المأمور به (محرم قطعا فيحرم الضد ايضا لان مستلزم المحرم محرم) وهذا الاستدلال الثاني يتوقف ايضا على امور ثلاثة احدها استلزام الامر بالشيء النهي عن الضد العام قطعا فلذلك حكم بحرمة ترك المأمور به قطعا ثانيها كون فعل الضد الخاص مستلزما للحرام اي ترك المأمور به ثالثها كون مستلزم الحرام حراما(والجواب انكم ان اردتم بالاستلزام) في قولكم مستلزم لترك المأمور به (الاقتضاء والعلية منعنا المقدمة الاولى) وهو قوله ان فعل الضد الخاص مستلزم لترك المأمور لانه ليس علة له بل العلة لترك المأمور به هي وجود الصارف عنه (وان اردتم به مجرد عدم الانفكاك في الوجود الخارجي) اي ان اردتم ان وجود فعل الضد مع ترك المأمور به من المقارنات الاتفاقية مثل نطق زيد وضحك عمرو (على سبيل التجوز) لا على الحقيقة فان حقيقة الاستلزام هي العلية(منعنا الاخيرة) وهي قوله ان مستلزم المحرم محرم لانه مسلم في صورة العلية لا غير(وتنقيح المبحث) ان الملزوم قد يكون علة للازم وقد يكون كلاهما اي اللازم والملزوم معلولين لعلة واحدة وقد لا يكون كذلك بل يكون بينها مجرد عدم الانفكاك في الوجود الخارجي اذا عرفت هذا فاعلم (ان الملزوم اذا كان علة للازم لم يبعد كون تحريم اللازم مقتضيا لتحريم الملزوم) فانه لو حرم مثلا ايجاد الحرارة المعلولة للنار يحرم ايجاد النار ايضا وقد مثل ايضا بنحو آخر لكنه لا يخلو عن خدشة وفيما نحن فيه لو كان فعل الضد الخاص الذي هو الملزوم علة لترك المأمور به الذي هو اللازم لم يبعد كون تحريم اللازم مقتضيا لتحريم الملزوم وبعبارة اخرى لم يبعد كون الامر بالشيء

١٤٥

مقتضيا للنهي عن الضد الخاص (لنحو ما ذكرنا في توجيه اقتضاء المسبب ايجاب السبب فان العقل) في المثال المذكور(يستبعد تحريم المعلول من دون تحريم العلة وكذا) اي يستبعد العقل انفكاكهما في الحكم فيما(اذا كانا) اي اللازم والملزوم (معلولين لعلة واحدة) كالحرارة والضوء بالنسبة الى النار(فان انتفاء التحريم في احد المعلولين) اي في الحرارة مثلا(يستدعي) ويقتضي (انتفائه) أي انتفاء التحريم (في العلة) أي في النار مثلا وحينئذ(فيختص المعلول الآخر) أعني الضوء مثلا(الذي هو المحرم بالتحريم من دون علة) وهو باطل على مختاره «قدس‌سره» هذا وقد مرّ عدم وجوب المقدمة سببا كان أو شرطا والتحقيق عدم كون مقدمة الحرام بما هي مقدمة له محرم ويظهر وجهه مما مرّ في وجه عدم وجوب مقدمة الواجب فراجع (واما) الصورة الثالثة وهو ما(اذا انتفت العلية بينهما) اي بين اللازم والملزوم (او الاشتراك في العلة) كما في الصورة الثانية(فلا وجه حينئذ) اي حين انتفاء العلية(لاقتضاء تحريم اللازم تحريم الملزوم) كما في نطق زيد وضحك عمرو في قولنا ان كان زيد ناطقا فعمر وضاحك (اذ لا ينكر العقل تحريم احد امرين متلازمين اتفاقا) لا دائما كما في المثال (مع عدم تحريم الآخر وقصارى) ومنتهى (ما يتخيل ان تضاد الأحكام) الخمسة المشهورة اعني من الوجوب والندب والاباحة والكراهة والحرمة(بأسرها) وبتمامها(مانعة من اجتماع حكمين منها) أي من الاحكام الخمسة(في أمرين متلازمين) وليس بينهما علية ولا مشاركة كأن يكون ضحك عمرو حراما من دون أن يكون نطق زيد حراما بل مباحا أو بالعكس (ويدفعه) أي التخيل (ان المستحيل)

١٤٦

والمحال (انما هو اجتماع الضدين في موضوع واحد) لا في الموضوعين وما نحن فيه من الثاني فانّ اللازم غير الملزوم وكذا العكس ولا مانع حينئذ من كون ضحك عمرو حراما والأخر مباحا(على ان ذلك) أي امتناع اجتماع الحكمين في المتلازمين (لو اثر) وصح (لثبت قول الكعبي) وهو ابو القاسم البلخى وهو من قدماء المعتزلة(بانتفاء المباح لما هو مقرر) والمقرر عنده والمنقول عنه في ذلك امران احدهما انه (من) المعلوم (ان ترك الحرام) مثل ترك القتل والزنا(لا بد من ان يتحقق في ضمن فعل من الافعال) الوجودية كالاكل والشرب وغيرهما(ولا ريب في وجوب ذلك الترك فلا يجوز أن يكون الفعل المتحقق في ضمنه) اي في ضمن الترك مثل الأكل والشرب (مباحا لانه لازم للترك ويمتنع اختلاف المتلازمين في الحكم) بأن يكون ترك الحرام واجبا ولا يكون فعل اللازم له وجبا وثانيهما ان لا يتم ترك الحرام إلّا باتيان فعل من الأفعال وهو واجب فذلك الفعل ايضا واجب من باب المقدمة لان ما لا يتم الواجب الّا به فهو واجب (و) على أي حال (بشاعة) وكراهة وبطلان (هذا القول أي قول الكعبي غير خفية ولهم) أي للاصوليين (في رده) أي في رد الكعبي (وجوه) منها أن هذا لا يختص بالمباح وقد يتم بالواجب ومنها انه يلزم كون الحرام واجبا اذا كان مقدمة لترك الحرام والواجب حراما فيما اذا كان مقدمة لترك الواجب ومنها القول بان مقدمة الواجب ليست واجبة مطلقا ومنها غير ذلك الّا أن (في بعضها تكلف) عند بعض الاصوليين من (حيث) انه (ضايقهم القول بوجوب ما لا يتم الواجب الا به مطلقا) سببا أو شرطا أو غيرهما

١٤٧

(لظنهم ان الترك الواجب) صفة للترك (لا يتم إلّا في ضمن فعل من الافعال) الوجودية وبعبارة اخرى انهم ظنوا ان فعلا من الافعال مقدمة وعلة لترك الواجب فقالوا ان الترك الواجب واجب ومقدمته ايضا واجبة باعتبار كونه مما لا يتم الواجب الّا به (فيكون) فعل شيء من الافعال (واجبا تخييريا) هذا وقد مرّ الجواب عن الوجه الأول في دفع التخيل من عدم الاستحالة في اختلاف المتلازمين على الوجه الاتفاق في الحكم.

فبقي الجواب عن الوجه الثاني وقد بينه المصنف «ره» بقوله (والتحقيق في رده) اي في رد الكعبي القول بان مقدمة الواجب ليست واجبة مطلقا بل يختص ذلك بالسبب والاضداد الوجودية من الاكل والشرب من قبيل المقدمات الشرطية و (انه مع وجود الصارف) وعدم الارادة(عن الحرام لا يحتاج الترك) اي ترك الحرام (الى شيء من الافعال) والاضداد الوجودية(وانما هي) اي الاضداد والافعال (من لوازم الوجود) واللازم عوض عن المضاف اليه اي من لوازم وجود المكلف وليست علة ومقدمة سببية للترك وتوضيح ذلك ان هاهنا بحثين كلاميين احدهما انهم بعد اتفاقهم على ان الجسم لا يمكن خلوه عن الكونين من الأكوان الاربعة وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق اختلفوا فى ان الأكوان الاربعة هل هي باقية بعد وجودها اولا بمعنى ان السكون الطويل مثلا الغير المتخلل بالحركة هل هو سكونات عديدة لا بد أن يوجد السكون في كل آن من ذلك الزمان الطويل ايجادا بعد ايجاد ام هو سكون واحد يبقى بعد ايجاده اولا

١٤٨

ولا يحتاج الى الايجاد ثانيا وثانيهما انه على القول الثاني اي القول بالبقاء هل يحتاج الموجود في البقاء الى مؤثر ومبق في كل آن من ذلك الزمان فيحصل في كل آن تأثير ام الموجود بعد ايجاده لا يحتاج الى العلة المبقية في كل زمان كما لا يحتاج الى العلة الموجدة بل يكون العلة الموحدة اولا هي المبقية ولا يحتاج الى تعدد العلة ايجادا وبقاء اذا عرفت ذلك فاعلم انه على القولين الاولين لا يخلو الجسم عن الفعل في كل آن من الآنات بل هو في كل آن اما موجد للشىء كما على القول الاول او مبق له كما على الثاني واما على القول الاخير فيمكن خلوه عن كل فعل بحيث ترك كل فعل ولا يحتاج في الترك الى فعل آخر اذا عرفت ذلك فاعلم انه اشار «قدس‌سره» الى الاول بقوله (حيث نقول بعدم بقاء الاكوان) الاربعة مثلا عدم بقاء السكون الحاصل في الآن الاول بل يتجدد آناً فآنا والى الثاني بقوله (واحتياج الباقي الى المؤثر) الواو بمعنى او وحاصله انا نقول ببقاء الأكوان وعدم تجددها آناً فآنا ولكنها في البقاء محتاجة الى المؤثر والى الثالث بقوله (وان قلنا بالبقاء) اي ببقاء الاكوان وعدم تجددها(والاستغناء) اي الاستغناء عن المؤثر وعدم الاحتياج اليه فيكون الباقي فى الآن الثاني هو الموجود في الآن الاول وحينئذ(جاز خلو المكلف من كل فعل) من الاضداد الوجودية(فلا يكون هناك الا الترك) وبهذا يبطل قول الكعبي من ان الافعال مقدمة للترك حيث علمت ان المكلف يمكن خلوه عن كل فعل مع وجود الصارف عن الحرام هذا في صورة وجود الصارف في البين (واما انتفاء الصارف) عن المكلف بان يكون له ميل واردة الى

١٤٩

فعل الحرام (وتوقف الامتثال) اي ترك الحرام (على فعل منها) اي من الافعال والاضداد الوجودية كتوقف ترك الزنا على الاكل والشرب مثلا(للعلم بانه لا يتحقق الترك) اي ترك الزنا(ولا يحصل) هو (الا مع فعل) اي فعل من الافعال والاضداد باعتبار عدم الصارف عنه وحينئذ(فمن يقول بوجوب ما لا يتم الواجب الّا به مطلقا) اي بوجوب المقدمة مطلقا سببا أو شرطا أو غيرهما(يلتزم بالوجوب) اي بوجوب المقدمة اعني وجوب فعل من الافعال (في هذا الفرض) اي في صورة عدم الصارف (ولا ضير) وضرر(فيه) اي في التزام الوجوب اذ لا يلزم نفي المباح مطلقا اي في صورة وجود الصارف وعدمه كما نفاه الكعبي بل يلزم في صورة عدم الصارف وقد قلنا انه لا ضير فيه (كما اشار اليه) اي الى عدم الضير(بعضهم) اي بعض من الاصوليين (ومن لا يقول به) اي لا يقول بوجوب المقدمة مطلقا بل في السبب وحده كما هو مذهب المصنف «قدس‌سره» (فهو في سعة) ووسعة(من هذا) اي في صورة انتفاء الصارف (وغيره) اي في صورة وجود الصارف اما في صورة وجود الصارف فواضح واما عند عدمه فالافعال ليست من المقدمات السببية حتى يقال بوجوبها بل من جملة المقدمات لانه وان لم يكن الصارف معه طولا ما دام لم يشتغل بالافعال لكنه يوجد حين الاشتغال بالافعال عرضا وسيشير «قدس‌سره» الى هذا القول بعد اسطر بقوله فلا يتصور صدورها مع انتفاء الصارف الا على سبيل الالجاء وقد انقدح مما ذكرناه فساد ايراد ملا صالح «ره» فتامل (اذا تمهد هذا) اي اذا تمهّد تنقيح المبحث (فاعلم انه ان كان المراد) من قولهم (باستلزام الضد

١٥٠

الخاص لترك المأمور به انه) اي فعل الضد الخاص (لا ينفك عنه) اي عن ترك المأمور به مثلا فعل الصلاة لا ينفك عن ترك ازالة النجاسة المأمور بها وبعبارة اخرى انه من المقارنات الاتفاقية(وليس بينهما علّية ولا مشاركة في علة فقد عرفت) في تنقيح المبحث (ان القول بتحريم الملزوم) اي بتحريم فعل الضد الخاص كالصلاة مثلا(حينئذ) اي حين عدم العلية مطلقا(لتحريم اللازم) أي لاجل كون اللازم اعني ترك ازالة النجاسة مثلا حراما(لا وجه وان كان المراد) من قولهم باستلزام الضد الخاص لترك المأمور به (انه) اي فعل الضد الخاص (علة فيه) اي في ترك المأمور به (ومقتض له) اي لترك المأمور به (فهو ممنوع لما هو بيّن) وواضح (من ان العلة في الترك المذكور) اي في ترك المأمور به (انما هي وجود الصارف عن فعل المأمور به وعدم الداعي اليه) هذا عطف تفسيري (وذلك) اي الصارف وعدم الداعي (مستمر) اي موجود(مع فعل الاضداد الخاصة فلا يتصور صدورها) اي صدور الاضداد(ممن جمع شرائط التكليف) من البلوغ والعلم والعقل والقدرة(مع انتفاء الصارف) يعني ان المكلف اذا اشتغل بفعل الاضداد يوجد معه الصارف عن الفعل المأمور به قهرا ويكون العلة في الترك هي الصارف ومع انتفاء الصارف فيه لا يمكن تعقل وتصور فعل الضد(الا على سبيل الالجاء) والاضطرار والاجبار وحينئذ يخرج عن محل النزاع (والتكليف معه) اي مع الالجاء والاضطرار(ساقط وهكذا القول) اي مثل ما ذكر في البطلان الكلام (بتقدير ان يراد بالاستلزام) في عبارة الخصم (اشتراكهما) اي اشتراك فعل الضد الخاص وترك المأمور به

١٥١

(في العلة) يعني انه ان قيل سلمنا ان فعل الضد الخاص ليس علة لترك المأمور به لكنهما معلولان لعلة واحدة وهي الصارف فان الصارف علة لفعل الصلاة وترك الازالة مثلا قلنا(فانه ممنوع ايضا لظهور) ووضوح (ان الصارف الذي هو العلة في الترك) اي في ترك المأمور به (ليس علة لفعل الضد) اي فعل الصلاة مثلا لان فعل الصلاة موقوف على الامرين احدهما الصارف عن فعل المأمور به اعني الازالة مثلا ثانيهما ارادتها فانها لو لم تكن مرادة يكون الموجود هو الصارف وترك الازالة فقط وتحققها موقوف على ارادتها وحينئذ يكون الصارف من جملة مقدمات فعل الضد لا علة تامة له واليه اشار بقوله (نعم هو) اي الصارف (مع ارادة الضد من جملة ما يتوقف عليه فعل الضد) الخاص ان قيل يلزم حينئذ اي حين كون الصارف مقدمة لفعل الضد مع فرضه واجبا وحين كونه علة تامة لترك المأمور به اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد شخصي وهو الصارف اما الوجوب باعتبار كونه مقدمة للواجب ومقدمة الواجب واجبة واما الحرمة فباعتبار كونه علة للترك وهو حرام وعلة الحرام حرام قلت سلمنا فانه (اذا كان) فعل الضد(واجبا) مثل الصلاة(كانا) اي الصارف والارادة(مما لا يتم الواجب) اعني الصلاة مثلا(الا به) اي بكل من الصارف والارادة لكن لا نسلم ان مقدمة الواجب مطلقا واجبة بل (واذ قد اثبتنا سابقا) في بحث مقدمة الواجب (عدم وجوب غير السبب من مقدمة الواجب) والحال ان كل واحد من الصارف والارادة من المقدمات الشرطية وعلى هذا(فلا حكم) اي لا حكم بالوجوب (فيهما) اي في كل واحد منهما وإلّا فكلاهما معا من

١٥٢

المقدمات السببية(بواسطة) متعلق للمنفي دون النفي (ما) اي بواسطة فعل الضد الذي (هما) اي الصارف والارادة(مقدمة له) اي لفعل الضد ملخصه انه لا وجوب في الصارف حتى يلزم المحذور السابق نعم و (لكن الصارف) فقط(باعتبار اقتضائه ترك المأمور به يكون منهيا عنه كما عرفت) في اول تنقيح المبحث (فاذا اتى به) اي الصارف (المكلف) فقط(عوقب عليه من تلك الجهة وذلك) اي العقاب من تلك الجهة(لا ينافي التوصل به) اي بسبب الصارف (الى الواجب فيحصل و) على هذا(يصح) فيما نحن فيه الاتيان بالواجب الذي هو احد الاضداد الخاصة اعني الصلاة مثلا(ويكون النهي متعلقا بتلك المقدمة) أي الصارف (ومعلولها) أعني ترك الازالة(لا بالضد المصاحب للمعلول) كالصلاة مثلا لعدم (كونها معلولة للصّارف) حتى تكون متعلقا للنهي ووجه المصاحبة هو ما تقدم ان فعل الضد لا ينفك عن ترك المأمور به (وحيث رجع البحث) نظره «قدس‌سره» من هذه العبارة الى تفصيل الاشكال والجواب الذى نقلناه سابقا لكن مع زيادة في الجواب (هاهنا الى البناء على وجوب ما لا يتم الواجب إلّا به وعدمه فلو رام) أي قصد(الخصم التعلق) والتمسك (بما نبهناه عليه) أي على الخصم في قولنا لكن الصارف باعتبار اقتضائه الخ (بعد تقريبه بنوع من التوجيه كأن يقول) الخصم (لو لم يكن الضد منهيا عنه) كما قلتم (لصح فعله) أي فعل الضد(وان كان) الضد(واجبا موسعا) و (لكنه لا يصح في الواجب الموسع لأن فعل الضد) كالصلاة مثلا(يتوقف على وجود الصارف من الفعل المأمور به) كالازالة(وهو محرم) أي الصارف عن الفعل المأمور

١٥٣

به حرام (قطعا فلو صح مع ذلك) أي مع كون الصارف حراما(فعل الواجب الموسع) وهو الصلاة(لكان هذا الصارف واجبا باعتبار كونه مما لا يتم الواجب إلا به فيلزم) ح (اجتماع الوجوب والتحريم في امر واحد شخصي) وهو الصارف (ولا ريب في بطلانه) أي في بطلان الاجتماع فعلى هذا يثبت القول بان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده الخاص ومعه لا يصح الحكم بالصحة فافهم (لدفعناه) جواب لو رام الخصم واجبناه بجوابين أولا(بان صحة البناء على وجوب ما لا يتم الواجب إلّا به) كما انتم تقولون به (يقتضي تمامية الوجه الأول من الحجة) أي من حجة الخصم في أول الاحتجاج وهو ان الفعل الواجب لا يتم إلّا بترك ضده فهو واجب وترك الضد واجب (فلا يحتاج الى هذا الوجه الطويل) أي الى تطويل الجواب وثانيا التحقيق (على أن الوجه الذي يقتضيه التدبر في وجوب ما لا يتم الواجب الّا به مطلقا) أي في وجوب المقدمة مطلقا(على القول به) أي بالوجوب مطلقا(انه) أي وجوب المقدمة(ليس على حد غيره) أي مثل غيره (من الواجبات) بان يكون المطلوب حصول نفسها بل التوصل بها الى الغير فمتى حصل التوصل يحصل المطلوب ويسقط وجوب غيرها(وإلّا) اي وان لم يحصل المطلوب (لكان اللازم في نحو ما اذا وجب الحج على النائي) اي على الشخص البعيد من المكة زادها الله شرفا(فقطع المسافة) اي ذهب تمام المسافة(او بعضها) اي بعض المسافة(على وجه منهي عنه) كما لو سار الى الحج على دابة غصبية(ان لا يحصل الامتثال) خبر لكان (ح) اي حين سافر بالدابة الغصبية(فيجب عليه اعادة السعي بوجه سائغ) اي جائز

١٥٤

يعني انه يجب عليه العود الى الحج على طريق شرعي (لعدم صلاحية الفعل المنهي عنه للامتثال كما سيأتي بيانه وهم) اي والحال ان الفقهاء لا يقولون بوجوب الاعادة قطعا فعلم ان الوجوب (فيها) اي في المقدمة(انما هو للتوصل بها الى الواجب) الذي هو ذو المقدمة(ولا ريب انه بعد الاتيان بالفعل المنهي عنه يحصل التوصل فيسقط الوجوب) اي وجوب المقدمة(لانتفاء غايته) اي غاية وجوب المقدمة فان غايتها التوصل الى ذيها فقد حصل وفيه انه لا ينهض بدفع الاشكال الذي اوردناه وحاصله امتناع التكليف بالشيء حال تحريم مقدّمته المنحصرة اذ غاية ما يتحصل من قولهم وقوع التوصل الى الواجب بالمقدمة المحرمة وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في وجوب الواجب على تقدير حرمة مقدمته المنحصرة(اذا عرفت ذلك) اي عرفت ان وجوب المقدمة للتوصل مراده «ره» تكرير شبهة الخصم والجواب حتى يتضح المقام غاية الوضوح (فنقول) في تقرير شبهة الخصم (الواجب الموسع كالصلاة مثلا يتوقف حصوله) اي حصول الواجب (بحيث يتحقق به الامتثال) بامر المولى (على ارادته) اي ارادة الواجب اعني الصلاة(وكراهة ضده) والمراد من الكراهة هو الصارف وعدم الارادة اي يتحقق بالصارف عن الضد وهو الازالة مثلا وحينئذ(فاذا قلنا بوجوب ما يتوقف عليه الواجب) مطلقا(كانت تلك الارادة وهاتيك الكراهة واجبتين) باعتبار كونهما مقدمة لفعل الضد(فلا يجوز تعلق الكراهة بالضد الواجب) اي بالازالة(لان كراهته محرمة فيجتمع حينئذ) اي حين وجوب المقدمة وكراهة الضد الواجب (الوجوب والتحريم في شيء

١٥٥

واحد شخصي وهو باطل كما سيجيء) انتهى شبهة الخصم و (لكن) الجواب عنها هو انه (قد عرفت) قبيل هذا(ان الوجوب في مثله انما هو للتوصل الى ما لا يتم الواجب الا به) هذا وقد اشتهر ان في هذه العبارة تسامحا وحق العبارة للتوصل الى الواجب ولكن يمكن توجيه العبارة على سبيل الاستخدام بان يراد من الموصول الذي هو مرجع الضمير ذو المقدمة ومن الضمير العائد اليه المقدمة ويقال ان وجوب المقدمة للتوصل الى ما اي الى ذي المقدمة الذي لا يتم الواجب الذي هو ذو المقدمة الا به اي إلّا بالمقدمة وعلى هذا(فاذا فرض ان المكلف عصى وكره ضدا واجبا) اي الازالة مثلا(حصل له التوصل الى المطلوب) ولو على وجه غير شرعي ولو لم يكن وجوب المقدمة للتوصل فيلزم عليه الاعادة حينئذ ومن المعلوم انه (يسقط ذلك الوجوب) اي وجوب الضدّ اي الصلاة مثلا(لفوات الغرض منه) اي من وجوب المقدمة فان الغرض التوصل الى المطلوب فقد حصل (كما علم من مثال الحج) ولا يخفى ضعف جوابه «ره» لما مر آنفا فمقتضى القاعدة في المقدمة بناء على وجوبها هو تعلق الوجوب المقدمي بالمقدمة الغير المحرمة لو كان للشيء مقدمات يمكن التوصل لواحد منها وبعبارة اخرى لو كانت المقدمة غير منحصرة يختص الوجوب بالمقدمة الغير المحرمة واما لو انحصرت المقدمة بالمقدمة المحرمة كأن لم يتيسّر الى الحج الا بالدابة المغصوبة فحينئذ فلا بد من رعاية الاهم من جانب التحريم والوجوب ويؤخذ ويسقط الآخر فافهم (ومن هنا يتجه ان يقال) اي مما ذكرنا من ان وجوب المقدمة انما هو للتوصل وليس على حد غيره انه لا بد من

١٥٦

القول (بعدم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن الضد الخاص) حين الاشتغال بالاضداد الوجودية(وان قلنا بوجوب ما لا يتم الواجب الا به) مطلقا(اذ) من المعلوم ان (كون وجوبه) اي وجوب المقدمة(للتوصل يقتضي اختصاصه) اي اختصاص الوجوب لا المقدمة كما لا يخفى (بحالة امكانه) اي امكان التوصل (ولا ريب انه مع وجود الصارف عن الفعل الواجب) المأمور به وهو الازالة(وعدم الداعي اليه) اي الى الفعل الواجب (لا يمكن التوصل) الى المأمور به بترك الضد(فلا معنى لوجوب المقدمة) اعني ترك الضد(حينئذ) اي حين وجود الصارف (وقد علمت) بما لا مزيد عليه (ان وجود الصارف وعدم الداعي مستمر ان مع) الاشتغال بفعل (الاضداد الخاصة) وحينئذ لا يصح القول بكون فعل الضد منهيا عنه وتركه مطلوبا وفيه ان وجود الصارف لا يرفع تمكن المكلف من الفعل المأمور به كيف وهو مكلف بالفعل في تلك الحالة فيكون مكلفا بمقدمته ايضا كما لا يخفى (وايضا فحجة القول بوجوب المقدمة) في الاصل السابق من انه لو جاز ترك المقدمة فيلزم حينئذ تكليف ما لا يطاق او خروج الواجب عن كونه واجبا مطلقا(على تقدير تسليمها) اي على تقدير تسليم الحجة تعطي ما ذكرناه و (انما تنهض) اي تقوم (دليلا على الوجوب) اي وجوب المقدمة(في حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها) اي على المقدمة(كما لا يخفى على من اعطاها) اي بذلها(حق النظر وحينئذ) اي حين كون الوجوب حال الارادة(فاللازم عدم وجوب ترك الضد الخاص) من الصلاة وغيرها(في حال عدم ارادة الفعل المتوقف عليه) اي على ترك الضد وعدم وجوبه

١٥٧

(من حيث كونه) اي ترك الضد(مقدمة له) اي مقدمة للفعل المأمور به وانما قيد بها لجواز ان يكون ترك الضد واجبا من جهة اخرى كما اذا كان فعل الضد حراما في نفسه وعلى هذا(فلا يتم الاستناد) اي استناد الخصم (في الحكم بالاقتضاء) اي باقتضاء الامر بالشيء للنهي عن الضد(اليه) اي الى كون ترك الضد مقدمة له هذا ويرد عليه عين ما اوردناه قبيل هذا وهو ان الادلة التي سبقت على وجوب المقدمة تنهض دليلا على وجوبها مع الصارف وبدونه وبعبارة اخرى لا مانع من وجوب المقدمة لإيصالها الى الواجب ولو لم يكن مريدا للفعل الواجب اذ عدم ارادة الواجب لا يقتضي سقوطه فلا يسقط وجوب مقدمته فيجب عليه في حال عدم ارادة الواجب ان يأتي به ويأتي مقدمته من حيث ايصالها اليه فافهم (وعليك بامعان النظر) اي ازدياد النظر(في هذه المباحث فاني لا اعلم احدا حام حولها) اي دار اطرافها هذا والتحقيق عدم اقتضاء الامر بالشيء النهي عن الضد العام ايضا لا بالمطابقة لوضوح ان الامر بالشيء ليس عين الزجر عن تركه لا مفهوما ولا مصداقا ولا بالتضمن لوضوح كون الوجوب امرا بسيطا وعبارة عن الالزام المخصوص وليس مركبا ليكون المنع من الترك جزء له فيبقى احتمال دلالة الامر بالشيء على النهي عن ضده العام بالالتزام ولكنه من المعلوم ان الحكم الواحد وهو وجوب المتعلق بالفعل والبعث نحوه لا ينحل الى حكمين ليكون ترك الواجب مخالفة لخطابين الخطاب الوجوبي المتعلق بالفعل والخطاب التحريمي المتعلق بالترك بداهة ان الوجوب ناش عن مصلحة تقتضيه فترك الواجب ترك ما فيه المصلحة لا فعل ما فيه المفسدة مضافا الى

١٥٨

تفويت المصلحة ومن المعلوم ايضا عدم وجوب ارادتين في نفس المولى بحيث يتعلق إحداهما بالفعل والاخرى بترك ترك الفعل ليكون للمولى تكليفات بعث نحو الفعل ناش عن ارادة الفعل وزجر عن الترك ناش عن ارادة ترك الفعل ليكون ترك الفعل محرما وقد مرّ في مبحث مقدمة الواجب ايضا ما ينفع المقام فراجع والله الهادي.

تذنيب فاعلم ان ثمرة النزاع تظهر فيما اذا وقعت المزاحمة بين الواجب الموسع والمضيق وكذا في مضيقين احدهما اهم من الآخر فعلى القول باقتضاء الامر بالشيء النهي عن الضد يكون الواجب الموسع او المضيق الغير الاهم منهيا عنه فيقع فاسدا اذا كان عبادة كالصلاة مع ترك ازالة النجاسة عن المسجد مثلا وهذا بخلاف القول بعدم الاقتضاء فانه لا موجب لفسادها كما لا يخفى وتظهر في النذر واخويه وغير ذلك ايضا فلو علق احدى هذه على فعل الواجب فصلى في سعة الوقت تاركا لازالة النجاسة فان قلنا بان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده مع القول باقتضاء النهي فساد العبادة لم يكن هذا الشخص آتيا بالواجب وان قلنا بعدم الاقتضاء كان آتيا بالواجب

١٥٩

(اصل) اذا تعلق الامر بازيد من شيء على وجه التخيير كقوله تعالى في كفارة اليمين (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) الخ او كسوتهم او تحرير رقبة مؤمنة ففي ان الواجب كل واحد منها على التخيير بمعنى انه واجب جاز تركه الى بدله او الواجب فيه واحد لا بعينه او الواجب الجميع ويسقط بفعل البعض كما عن البعض او الواجب واحد معين يسقط بفعله او فعل الآخر كما عن الآخر او الواجب واحد معين عند الله وهو ما يفعله المكلف اقوال خمسة(المشهور بين اصحابنا) هو القول الاول وتفصيله (ان الامر بالشيئين او الاشياء على وجه التخيير) كالمثال المذكور(يقتضي ايجاب الجميع لكن تخييرا) اي ان الواجب كل واحد منها على البدل (بمعنى انه لا يجب الجميع) والمراد بعدم وجوب الجميع عدم وجوب كل واحد منها على سبيل التعيين (ولا يجوز الاخلال بالجميع) اي عدم جواز ترك الجميع على سبيل السلب الكلي (وايها) اي اي فرد من الافراد(فعل) المكلف (كان) ما فعل (واجبا بالاصالة وهو) اي هذا القول (اختيار جمهور المعتزلة وقالت الاشاعرة) بالثاني وهو ان (الواجب واحد لا بعينه) مرادهم من الواجب الواحد المفهوم الكلي المنتزع من الامر بالشيئين او الاشياء(ويتعين بفعل المكلف قال العلامة «ره» ونعم ما قال الظاهر انه لا خلاف بين القولين) اي قول المشهور وقول الاشاعرة(في المعنى) يعني ان

١٦٠