كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

اثنتين وخمسين وثلاثمائة وكان ثقة وذكر الحافظ أسعد بن عبد القاهر في كتاب رشح الولاء في شرح الدعاء ـ في إسناد الحديث المتضمن لوصف مولانا أمير المؤمنين علیهما السلام أنه إمام المتقين عن أبي بكر بن مردويه أنه الإمام الحافظ النافذ ملك الحفاظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.

وذكر أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتاب المناقب في الفصل التاسع في فضائل شتى في جملة إسناده إلى أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ما هذا لفظه الإمام الحافظ طراز المحدثين أحمد بن مردويه وهذا لفظ حديثه من كتاب مناقب مولانا علي علیهما السلام عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :

قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي بَيْتِهِ عَلِيلاً فَغَدَا إِلَيْهِ عَلِيٌّ علیهما السلام وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ أَحَدٌ فَدَخَلَ فَإِذَا النَّبِيُّ فِي صَحْنِ الدَّارِ وَإِذَا رَأْسُهُ فِي حَجْرِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ فَدَخَلَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ بِخَيْرٍ قَالَ لَهُ دِحْيَةُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَإِنَّ لَكَ مِدْحَةً أَزُفُّهَا إِلَيْكَ أَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ أَنْتَ سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ مَا خَلَا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُزَفُّ أَنْتَ وَشِيعَتُكَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَحِزْبِهِ إِلَى الْجِنَانِ زَفّاً قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَوَلَّاكَ وَخَسِرَ مَنْ تَخَلَّاكَ (١) مُحِبُّو مُحَمَّدٍ مُحِبُّوكَ وَمُبْغِضُو مُحَمَّدٍ مُبْغِضُوكَ لَنْ تَنَالَهُمْ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم ادْنُ مِنِّي يَا صَفْوَةَ اللهِ فَأَخَذَ رَأْسَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ فَانْتَبَهَ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ مَا هَذِهِ الْهَمْهَمَةُ فَأَخْبَرَهُ الْحَدِيثَ قَالَ لَمْ يَكُنْ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ كَانَ جَبْرَئِيلَ علیهما السلام سَمَّاكَ بِاسْمٍ سَمَّاكَ اللهُ بِهِ وَهُوَ الَّذِي أَلْقَى مَحَبَّتَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَهْبَتَكَ (٢) فِي صُدُورِ الْكَافِرِينَ.

قال رضي الدين رحمه‌الله إن من ينقل هذا عن الله جل جلاله برسالة جبرئيل علیهما السلام وعن محمد صلی الله علیه وسلم لمحجوج يوم القيامة بنقله إذا حضر بين يدي رسول الله صلی الله علیه وسلم وسأله يوم القيامة عن مخالفته

________________

(١) تخلاه : تركه.

(٢) الرهبة ـ بفتح الراء ـ : الخوف.

٣٤١

لما نقله واعتمد عليه.

وَعَنْهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَا أَنَسُ اسْكُبْ لِي وَضُوءً وَمَاءً فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَنَسُ ـ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيَّ الْيَوْمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَخَاتَمُ الْوَصِيِّينَ وَإِمَامُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ فَجَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى ضَرَبَ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَا أَنَسُ قُلْتُ هَذَا عَلِيٌّ قَالَ افْتَحْ لَهُ فَدَخَلَ.

وَعَنِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ يَرْفَعُهُ إِلَى بُرَيْدَةَ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى عَلِيٍّ بِيَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى عَلِيٍّ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ فِي أَرْضٍ لَهُ وَهُوَ يَحْرُثُهَا حَتَّى جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالا سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقِيلَ كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ هُوَ أَمَرَنَا. وَمِنْ مَنَاقِبِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَجَلَسَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ وَبَيْنَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ مَا كَانَ لَكَ مَجْلِسٌ غَيْرُ فَخِذِي فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَلَى ظَهْرِهَا فَقَالَ مَهْ لَا تُؤْذِينِي فِي أَخِي فَإِنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقْعُدُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهُ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلُ أَعْدَاءَهُ النَّارَ.

وَمِنْهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ يَا أُمَّ حَبِيبَةَ اعْتَزِلِينَا فَإِنَّا عَلَى حَاجَةٍ ثُمَّ دَعَا صلی الله علیه وسلم بِوَضُوءٍ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْعَرَبِ وَخَيْرُ الْوَصِيِّينَ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَقُولُ اللهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ فَدَخَلَ عَلِيٌّ فَجَاءَ يَمْشِي حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ عَلِيٌّ وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ إِنَّكَ تُبَلِّغُ رِسَالَتِي مِنْ بَعْدِي وَتُؤَدِّي عَنِّي وَتُسْمِعُ النَّاسَ صَوْتِي وَتُعَلِّمُ النَّاسَ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ.

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنْتُ خَادِماً لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَبَيْنَا أَنَا يَوْماً أُوَضِّيهُ إِذْ قَالَ يَدْخُلُ رَجُلٌ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ قَالَ أَنَسٌ اللهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام

٣٤٢

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ أَيْضاً عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِذْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْآنَ يَدْخُلُ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَيْرُ الْوَصِيِّينَ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّبِيِّينَ إِذْ طَلَعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم اللهُمَّ وَإِلَيَّ وَإِلَيَّ قَالَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَمْسَحُ الْعَرَقَ مِنْ جَبْهَتِهِ وَوَجْهِهِ وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَيَمْسَحُ الْعَرَقَ مِنْ وَجْهِ عَلِيٍّ وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللهِ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ قَالَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي أَنْتَ أَخِي وَوَزِيرِي وَخَيْرُ مَنْ أُخَلِّفُ بَعْدِي تَقْضِي دَيْنِي وَتُنْجِزُ وَعْدِي (١) وَتُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِي وَتُعَلِّمُهُمْ مِنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَعْلَمُوا وَتُجَاهِدُهُمْ عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا جَاهَدْتُهُمْ عَلَى التَّنْزِيلِ.

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ كُنْتُ غُلَاماً أَخْدُمُهَا فَكُنْتُ إِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم عِنْدَهَا أَكُونُ قَرِيباً أُعَاطِيهَا قَالَ فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَهَا إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَدَقَّ الْبَابَ قَالَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا جَارِيَةٌ مَعَهَا إِنَاءٌ مُغَطًّى قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا فَقَالَتْ أَدْخِلْهَا فَدَخَلَتْ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيِ عَائِشَةَ فَوَضَعَتْهُ عَائِشَةُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَخَرَجَتِ الْجَارِيَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَيْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ عِنْدِي يَأْكُلُ مَعِي فَجَاءَ جَاءٍ فَدَقَّ الْبَابَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ هَذَا عَلِيٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَدْخِلْهُ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم مَرْحَباً وَأَهْلاً لَقَدْ تَمَنَّيْتُكَ مَرَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ أَبْطَأْتَ عَلَيَّ لَسَأَلْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَأْتِيَ بِكَ اجْلِسْ فَكُلْ مَعِي.

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم إِذْ قَالَ يَطْلُعُ الْآنَ قُلْتُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَنْ ذَا قَالَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَيْرُ الْوَصِيِّينَ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّبِيِّينَ قَالَ فَطَلَعَ عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى.

________________

(١) وفي بعض النسخ «وتنجز موعدي».

٣٤٣

" وَعَنِ الْحَافِظِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ اللَّيْثِيُّ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ لَمْ يَخْتَلِطْ قُلْتُ بَلَى قَالَ مَرِضَ أَبُو ذَرٍّ فَأَوْصَى إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَقَالَ بَعْضٌ يَعُودُهُ لَوْ أَوْصَيْتَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ لَكَانَ أَجْمَلَ لِوَصِيَّتِكَ مِنْ عَلِيٍّ فَقَالَ وَاللهِ لَقَدْ أَوْصَيْتُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَقَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَاللهِ إِنَّهُ لَلرَّبِيعُ الَّذِي يُسَكَّنُ إِلَيْهِ وَلَوْ قَدْ فَارَقَكُمْ لَقَدْ أَنْكَرْتُمُ النَّاسَ وَأَنْكَرْتُمُ الْأَرْضَ قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ أَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَحَبَّهُمْ إِلَيْكَ قَالَ أَجَلْ قُلْنَا فَأَيُّهُمْ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ هَذَا الشَّيْخُ الْمُضْطَهَدُ الْمَظْلُومُ حَقُّهُ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع.

" وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ اللَّيْثِيُ مَرِضَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرَضاً شَدِيداً حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَأَوْصَى إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَقِيلَ لَهُ لَوْ أَوْصَيْتَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ أَجْمَلَ لِوَصِيَّتِكَ مِنْ عَلِيٍّ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ أَوْصَيْتُ وَاللهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً وَإِنَّهُ لَرِبِّيُّ الْأَرْضِ الَّذِي يُسَكَّنُ إِلَيْهَا وَيُسَكَّنُ إِلَيْهِ وَلَوْ قَدْ فَارَقْتُمُوهُ أَنْكَرْتُمُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.

ربي من قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) وهم الجماعة الكثيرون.

وَعَنِ الْحَافِظِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أُمَّتِي فَهِبْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ مَنْ هُمْ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم قَالَ إِنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أُمَّتِي فَسَلْهُ مَنْ هُمْ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ مِنْهُمْ فَيُعَيِّرُنِي [بِهِ] بَنُو تَيْمٍ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَخَافُ أَلَّا أَكُونَ مِنْهُمْ فَيُعَيِّرُنِي [بِهِ] بَنُو عَدِيٍّ فَأَتَيْتُ عُثْمَانَ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَخَافُ أَلَّا أَكُونَ مِنْهُمْ فَيُعَيِّرُنِي بَنُو أُمَيَّةَ فَأَتَيْتُ عَلِيّاً وَهُوَ فِي نَاضِحٍ لَهُ (١) فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم قَالَ إِنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أُمَّتِي فَسَلْهُ مَنْ هُمْ فَقَالَ وَاللهِ لَأَسْأَلَنَّهُمْ (٢) فَإِنْ كُنْتُ مِنْهُمْ لَأَحْمَدَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ لَمْ أَكُنْ مِنْهُمْ لَأَسْأَلَنَّ اللهَ أَنْ

________________

(١) الناضح : البعير يستقى عليه ثمّ استعمل في كل بعير وان لم يحمل الماء.

(٢) وفي بعض النسخ «لاسئلنه».

٣٤٤

يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ وَأَوَدَّهُمْ.

فَجَاءَ وَجِئْتُ مَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ فَلَمَّا رَآهُ دِحْيَةُ قَامَ إِلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ خُذْ رَأْسَ ابْنِ عَمِّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ (١) مَا جِئْتَنَا إِلَّا فِي حَاجَةٍ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ دَخَلْتُ وَرَأْسُكَ فِي حَجْرِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ فَقَامَ إِلَيَّ وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ خُذْ بِرَأْسِ ابْنِ عَمِّكَ إِلَيْكَ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَهَلْ عَرَفْتَهُ فَقَالَ هُوَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ أَعْلَمَنِي أَنَسٌ أَنَّكَ قُلْتَ إِنَّ الْجَنَّةَ مُشْتَاقَةٌ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أُمَّتِي فَمَنْ هُمْ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَقَالَ أَنْتَ وَاللهِ أَوَّلُهُمْ أَنْتَ وَاللهِ أَوَّلُهُمْ ثَلَاثاً فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَمَنِ الثَّلَاثَةُ فَقَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ وَسَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ.

قال علي بن عيسى عفا الله عنه وعلى هذا فقد رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ مَرْفُوعاً إِلَى بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ وَأَمَرَنِي أَنْ أُحِبَّهُمْ قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ إِنَّ عَلِيّاً مِنْهُمْ وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُ.

قَالَ السَّيِّدُ رَضِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَمِمَّا نَقَلْتُ مِنْ تَارِيخِ الْخَطِيبِ مَرْفُوعاً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَيْسَ فِي الْقِيَامَةِ رَاكِبٌ غَيْرُنَا وَنَحْنُ أَرْبَعَةٌ قَالَ فَقَامَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أَنْتَ وَمَنْ قَالَ أَمَّا أَنَا فَعَلَى دَابَّةِ اللهِ الْبُرَاقِ وَأَمَّا أَخِي صَالِحٌ فَعَلَى نَاقَةِ اللهِ الَّتِي عُقِرَتْ وَعَمِّي حَمْزَةُ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ عَلَى نَاقَتِي الْعَضْبَاءِ وَأَخِي وَابْنُ عَمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ مُدَبَّجَةُ الظَّهْرِ (٢) وَرَحْلُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ مُضَبَّبٌ (٣) بِالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ رَأْسُهَا

________________

(١) وفي بعض النسخ «يا أبا الحسن».

(٢) اى مزينة بالديباج.

(٣) ضيب الشيء بالشيء : البسه به.

٣٤٥

مِنَ الْكَافُورِ الْأَبْيَضِ وَذَنَبُهَا مِنَ الْعَنْبَرِ الْأَشْهَبِ وَقَوَائِمُهَا مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ وَعُنُقُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ عَلَيْهَا قُبَّةٌ مِنْ نُورٍ وَبَاطِنُهَا عَفْوُ اللهِ وَظَاهِرُهَا رَحْمَةُ اللهِ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْحَمْدِ فَلَا يَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا هَذَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ حَامِلُ عَرْشِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ لَدُنِ الْعَرْشِ أَوْ قَالَ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ لَيْسَ هَذَا مَلَكاً مُقَرَّباً وَلَا نَبِيّاً مُرْسَلاً وَلَا حَامِلَ عَرْشِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ إِلَى جَنَّاتِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَهُ وَخَابَ مَنْ كَذَّبَهُ وَلَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اللهَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ أَلْفَ عَامٍ وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى يَكُونَ كَالشِّنِّ الْبَالِي وَلَقِيَ اللهَ مُبْغِضاً لِآلِ مُحَمَّدٍ أَكَبَّهُ اللهُ عَلَى مَنْخِرَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

وَمِنْ مَنَاقِبِ مُوَفَّقِ بْنِ أَحْمَدَ الْخُوَارِزْمِيِّ مَرْفُوعاً إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ قَدْ بَلَوْتُ خَلْقِي فَأَيُّهُمْ رَأَيْتَ أَطْوَعَ لَكَ قَالَ قُلْتُ رَبِّي عَلِيّاً قَالَ صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ فَهَلِ اتَّخَذْتَ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً يُؤَدِّي عَنْكَ وَيَعْلَمُ عِبَادِي مِنْ كِتَابِي مَا لَا يَعْلَمُونَ قَالَ قُلْتُ فَاخْتَرْ لِي فَإِنَّ خِيَرَتَكَ خِيَرَتِي قَالَ قَدِ اخْتَرْتُ لَكَ عَلِيّاً فَاتَّخِذْهُ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً وَوَصِيّاً وَنَحَلْتُهُ عِلْمِي وَحِلْمِي وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً لَمْ يَنَلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ يَا مُحَمَّدُ عَلِيٌّ رَايَةُ الْهُدَى وَإِمَامُ مَنْ أَطَاعَنِي وَنُورُ أَوْلِيَائِي وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَلْزَمْتُهَا الْمُتَّقِينَ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي فَبَشِّرْهُ بِذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم قُلْتُ رَبِّي قَدْ بَشَّرْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَفِي قَبَضْتِهِ إِنْ يُعَاقِبَنِي فَبِذُنُوبِي لَمْ يَظْلِمْنِي شَيْئاً وَإِنْ تَمَّمَ لِي وَعْدِي فَاللهُ مَوْلَايَ قَالَ أَجَلْ وَاجْعَلْ رَبِيعَهُ الْإِيمَانَ بِهِ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ غَيْرَ أَنِّي مُخْتَصُّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَلَاءِ لَمْ أَخُصَّ بِهِ أَحَداً مِنْ أَوْلِيَائِي قَالَ قُلْتُ رَبِّ أَخِي وَصَاحِبِي قَالَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنَّهُ مُبْتَلًى لَوْ لَا عَلِيٌّ لَمْ يُعْرَفْ حِزْبِي وَلَا أَوْلِيَائِي وَلَا أَوْلِيَاءُ رُسُلِي

٣٤٦

وَمِنْ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَحْمُهُ مِنْ لَحْمِي وَدَمُهُ مِنْ دَمِي وَهُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.

وَقَدْ قَالَ صلی الله علیه وسلم يَا أُمَّ سَلَمَةَ اشْهَدِي وَاسْمَعِي هَذَا عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَعَيْبَةُ عِلْمِي وَبَابِيَ الَّذِي أُوتَى مِنْهُ أَخِي فِي الدِّينِ وَخَدْنِي (١) فِي الْآخِرَةِ وَمَعِي فِي السَّنَامِ الْأَعْلَى.

وَمِنْ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي بَيْتِهِ فَغَدَا عَلَيْهِ عَلِيٌّ الْغَدَاةَ وَكَانَ لَا يُحِبُّ أَنْ يَسْبِقَهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ فَدَخَلَ فَإِذَا النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فِي صَحْنِ الدَّارِ وَإِذَا رَأْسُهُ فِي حَجْرِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَكَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ بِخَيْرٍ يَا أَخَا رَسُولِ اللهِ قَالَ فَقَالَ عَلِيٌّ جَزَاكَ اللهُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ خَيْراً.

قَالَ لَهُ دِحْيَةُ إِنِّي أُحِبُّكَ وَإِنَّ لَكَ عِنْدِي مِدْحَةً أَزُفُّهَا إِلَيْكَ (٢) أَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ أَنْتَ سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ مَا خَلَا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُزَفُّ أَنْتَ وَشِيعَتُكَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَحِزْبِهِ إِلَى الْجِنَانِ زَفّاً قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَوَلَّاكَ وَخَسِرَ مَنْ تَخَلَّاكَ مُحِبُّو مُحَمَّدٍ مُحِبُّوكَ وَمُبْغِضُو مُحَمَّدٍ مُبْغِضُوكَ لَنْ تَنَالَهُمْ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم ادْنُ مِنِّي يَا صَفْوَةَ اللهِ فَأَخَذَ رَأْسَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ مَا هَذِهِ الْهَمْهَمَةُ فَأَخْبَرَهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ لَمْ يَكُنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ كَانَ جَبْرَئِيلَ سَمَّاكَ بِاسْمٍ سَمَّاكَ اللهُ بِهِ وَهُوَ الَّذِي أَلْقَى مَحَبَّتَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَهَيْبَتَكَ فِي صُدُورِ الْكَافِرِينَ.

قال علي بن عيسى عفا الله عنه قد أورد السيد السعيد رضي الدين علي بن طاوس قدس الله روحه وألحقه بسلفه هذه الأحاديث من ثلاثمائة طريق وزيادة اقتصرت

________________

(١) الخدن ـ بالكسر ـ : الصاحب والرفيق ، وقد مر أيضا.

(٢) أي اهديها إليك.

(٣) تخلاه : تركه. وقد مر أيضا.

٣٤٧

منها على ما أوردته في هذا الكتاب المختصر فاكتفيت بما ذكرته منها فلم أذكر كلما ذكر وعلمت أنه يمكن أن يستدل بما أثبته على ما لم أثبته كما تدل الثمرة الواحدة على الشجر وما أدعي حصر مناقبه ومآثره وليس ذلك في قوة البشر.

في ذكر تزويجه علیهما السلام فاطمة سيدة نساء العالمين علیهما السلام

مِنْ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ خَطَبْتُ فَاطِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَتْ لِي مَوْلَاةٌ لِي هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ فَاطِمَةَ قَدْ خُطِبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قُلْتُ لَا قَالَتْ فَقَدْ خُطِبَتْ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ فَيُزَوِّجُكَ فَقُلْتُ وَعِنْدِي شَيْءٌ أَتَزَوَّجُ بِهِ قَالَتْ إِنَّكَ إِنْ جِئْتَ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم زَوَّجَكَ فَوَ اللهِ مَا زَالَتْ تُرْجِينِي حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَكَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم جَلَالَةٌ وَهَيْبَةٌ.

فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَفْحَمْتُ (١) فَوَ اللهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا جَاءَ بِكَ أَلَكَ حَاجَةٌ فَسَكَتُّ فَقَالَ لَعَلَّكَ جِئْتَ تَخْطُبُ فَاطِمَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ فَتَسْتَحِلُّهَا بِهِ فَقُلْتُ لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ مَا فَعَلَتْ دِرْعٌ سَلَّحْتُكَهَا (٢) فَوَ الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ إِنَّهَا لَحُطَمِيَّةٌ مَا ثَمَنُهَا إِلَّا أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ عِنْدِي فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَابْعَثْ إِلَيْهَا بِهَا فَاسْتَحِلَّهَا بِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لَصَدَاقَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم.

وَعَنْهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَغَشِيَهُ الْوَحْيُ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لِي يَا أَنَسُ أَتَدْرِي مَا جَاءَنِي بِهِ جَبْرَئِيلُ مِنْ عِنْدَ صَاحِبِ الْعَرْشِ قَالَ قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ فَانْطَلِقْ فَادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيّاً وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَبِعَدَدِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ فَانْطَلَقْتُ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَلَمَّا أَنْ أَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ بِنِعْمَتِهِ الْمَعْبُودِ بِقُدْرَتِهِ

________________

(١) قال الطريحي : كلمته حتّى افحمته إذا اسكنه في الخصومة أو غيرها ، ومنه الدعاء : رب أفحمتني ذنوبي اي أسكنتني عن سؤالك والطلب منك.

(٢) سلحه بالسيف وغيره : جعله سلاحه.

٣٤٨

الْمُطَاعِ بِسُلْطَانِهِ الْمَرْهُوبِ مِنْ عَذَابِهِ الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ وَمَيَّزَهُمْ بِأَحْكَامِهِ وَأَعَزَّهُمْ بِدِينِهِ وَأَكْرَمَهُمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم.

ثُمَّ إِنَّ اللهَ جَعَلَ الْمُصَاهَرَةَ نَسَباً لَاحِقاً وَأَمْراً مُفْتَرَضاً وَشَبَحَ بِهَا الْأَرْحَامَ وَأَلْزَمَهَا الْأَنَامَ فَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) فَأَمَرَ اللهُ يَجْرِي إِلَى قَضَائِهِ وَقَضَاؤُهُ يَجْرِي إِلَى قَدَرِهِ فَلِكُلِّ قَضَاءٍ قَدَرٌ وَلِكُلِّ قَدَرٍ أَجَلٌ وَ (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).

ثُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ إِنْ رَضِيَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ وَكَانَ غَائِباً قَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي حَاجَةٍ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِطَبَقٍ فِيهِ بُسْرٍ فَوَضَعَ بَيْنَ أَيْدِينَا ثُمَّ قَالَ انْتَهِبُوا (٢).

فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَلِيٌّ فَتَبَسَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ فَاطِمَةَ وَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ أَرَضِيتَ قَالَ رَضِيتُ يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِداً فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم جَعَلَ اللهُ فِيكُمَا الْكَثِيرَ الطَّيِّبَ وَبَارَكَ فِيكُمَا قَالَ أَنَسٌ وَاللهِ لَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُمَا الْكَثِيرَ الطَّيِّبَ

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَا فَاطِمَةُ زَوَّجْتُكِ سَيِّداً (فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) إِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ أُمْلِكَكِ مِنْ عَلِيٍّ أَمَرَ اللهُ جَبْرَئِيلَ فَقَامَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَصُفَّ الْمَلَائِكَةُ صُفُوفاً ثُمَّ خَطَبَ عَلَيْهِمْ فَزَوَّجَكِ مِنْ عَلِيٍّ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ شَجَرَ الْجِنَانِ فَحَمَلَتِ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ ثُمَّ أَمَرَهَا فَنَثَرَتْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئاً أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ غَيْرُهُ افْتَخَرَ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

________________

(١) من قولهم : شبح الشراب بالماء : مزجه وخلطه.

(٢) الانتهاب بمعنى الاخذ والتناول.

٣٤٩

وَعَنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتْ فَاطِمَةُ تُذْكَرُ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَلَا يَذْكُرُهَا أَحَدٌ إِلَّا صَدَّ عَنْهُ حَتَّى يَيْئِسُوا مِنْهَا فَلَقِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عَلِيّاً فَقَالَ إِنِّي وَاللهِ مَا أَرَى رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَحْبِسُهَا إِلَّا عَلَيْكَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ فَلَمْ تَرَى ذَلِكَ فَوَ اللهِ مَا أَنَا بِوَاحِدِ الرَّجُلَيْنِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ دُنْيَا يَلْتَمِسُ مَا عِنْدِي وَقَدْ عَلِمَ مَا لِي صَفْرَاءُ وَلَا بَيْضَاءُ وَمَا أَنَا بِالْكَافِرِ الَّذِي يَتَرَفَّقُ بِهَا عَنْ دِينِهِ يَعْنِي يَتَأَلَّفُهُ وَإِنِّي لَأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ قَالَ سَعْدٌ فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ لِتُفَرِّجَهَا عَنِّي فَإِنَّ لِي فِي ذَلِكَ فَرَجاً قَالَ فَأَقُولُ مَا ذَا قَالَ تَقُولُ جِئْتُ خَاطِباً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ.

قَالَ فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ ثَقِيلٌ حَصِرٌ (١) فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم كَانَ لَكَ حَاجَةٌ يَا عَلِيُّ قَالَ أَجَلْ جِئْتُكَ خَاطِباً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم مَرْحَباً كَلِمَةً ضَعِيفَةً فَعَادَ إِلَى سَعْدٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنْكَحَكَ فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَا خُلْفَ الْآنَ وَلَا كَذِبَ عِنْدَهُ أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَتَأْتِيَنَّهُ غَداً وَلَتَقُولَنَّ يَا نَبِيَّ اللهِ مَتَى تُبَيِّنُ لِي قَالَ عَلِيٌّ هَذَا أَشَدُّ عَلَيَّ مِنَ الْأَوَّلِ أَوَلَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ حَاجَتِي قَالَ قُلْ كَمَا أَمَرْتُكَ فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى تُبَيِّنُ لِي قَالَ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللهُ.

ثُمَّ دَعَا بِلَالاً فَقَالَ يَا بِلَالُ إِنِّي قَدْ زَوَّجْتُ ابْنَتِي مِنِ ابْنِ عَمِّي وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِنْ سُنَّةِ أُمَّتِي الطَّعَامُ عِنْدَ النِّكَاحِ فَأْتِ الْغَنَمَ فَخُذْ شَاةً مِنْهَا وَأَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ أَوْ خَمْسَةً فَاجْعَلْ لِي قَصْعَةً (٢) لِعَلِيٍّ أَجْمَعُ عَلَيْهَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا فَأَذِّنِي بِهَا فَانْطَلَقَ فَفَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بِقَصْعَةٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَطَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي رَأْسِهَا ثُمَّ قَالَ أَدْخِلْ عَلَيَّ النَّاسَ زُفَّةً زُفَّةً (٣) وَلَا تُغَادِرْ زُفَّةً

________________

(١) الحصر ـ ككتف ـ : الضيق الصدر والكلام. يقال حصر الرجل إذا عيى ولم يقدر على النطق.

(٢) القصعة : اناء كبير منبسط تشبع العشرة.

(٣) أي طائفة بعد طائفة سميت به لزفيفها في مشيها واقبالها بسرعة. والرفيف :السرعة في المشي.

٣٥٠

إِلَى غَيْرِهَا يَعْنِي إِذَا فَرَغَتْ زُفَّةٌ لَمْ تَعُدْ ثَانِيَةً.

قَالَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَزِفُّونَ كُلَّمَا فَرَغَتْ زُفَّةٌ وَرَدَتْ أُخْرَى حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ ثُمَّ عَمَدَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِلَى فَضْلِ مَا فِيهَا فَتَفَلَ فِيهِ وَبَارَكَ وَقَالَ يَا بِلَالُ احْمِلْهَا إِلَى أُمَّهَاتِكَ وَقُلْ لَهُنَّ كُلْنَ وَأَطْعِمْنَ مَنْ غَشِيَكُنَّ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم قَامَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ إِنِّي زَوَّجْتُ ابْنَتِي ابْنَ عَمِّي وَقَدْ عَلِمْتُنَّ مَنْزِلَتَهَا مِنِّي وَإِنِّي لَدَافِعُهَا إِلَيْهِ أَلَا فَدُونَكُنَّ ابْنَتَكُنَّ فَقَامَ النِّسَاءُ فَغَلَقْنَهَا (١) مِنْ طِيبِهِنَّ وَحُلِيِّهِنَّ وَجَعَلْنَ فِي بَيْتِهَا فِرَاشاً حَشْوُهُ لِيفٌ وَوِسَادَةً وَكِسَاءً خَيْبَرِيّاً وَمِخْضَباً (٢) وَاتَّخَذَتْ أُمَّ أَيْمَنَ بَوَّابَةً ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم دَخَلَ فَلَمَّا رَآهُ النِّسَاءُ وَثَبْنَ وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم سُتْرَةٌ وَتَخَلَّفَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم كَمَا أَنْتَ عَلَى رِسْلِكِ مَنْ أَنْتِ قَالَتْ أَنَا الَّتِي أَحْرُسُ ابْنَتَكَ إِنَّ الْفَتَاةَ لَيْلَةَ يُبْنَى بِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنِ امْرَأَةٍ تَكُونُ قَرِيبَةً مِنْهَا إِنْ عَرَضَتْ لَهَا حَاجَةٌ أَوْ أَرَادَتْ شَيْئاً أَفْضَتْ بِذَلِكَ إِلَيْهَا قَالَ فَإِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْرُسَكِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكِ وَمِنْ خَلْفِكِ وَعَنْ يَمِينِكِ وَعَنْ شِمَالِكِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

ثُمَّ صَرَخَ بِفَاطِمَةَ فَأَقْبَلَتْ فَلَمَّا رَأَتْ عَلِيّاً جَالِساً إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم حَصِرَتْ وَبَكَتْ فَأَشْفَقَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَنْ يَكُونَ بُكَاؤُهَا لِأَنَّ عَلِيّاً لَا مَالَ لَهُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم مَا يُبْكِيكِ فَوَ اللهِ مَا أَلَوْتُكِ فِي نَفْسِي (٤) وَلَقَدْ أُصِيبَ بِكِ الْقَدَرُ فَقَدْ أَصَبْتُ لَكِ خَيْرَ أَهْلِي (٥) وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّداً (فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) فَلَانَ مِنْهَا وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ كَفِّهَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم يَا أَسْمَاءُ ائْتِينِي بِالْمِخْضَبِ فَمَلَأَتْهُ مَاءً فَمَجَّ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم

________________

(١) أي لطخنها.

(٢) المخضب : المركن تغسل فيه الثياب.

(٣) الرسل ـ بالفتح ـ : السهل من السير.

(٤) الا في الامر ألوا : قصر وأبطا.

(٥) وفي بعض النسخ «زوجتك خير أهلي».

٣٥١

فِيهِ وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ وَوَجْهَهُ ثُمَّ دَعَا بِفَاطِمَةَ فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهَا وَكَفّاً بَيْنَ يَدَيْهَا ثُمَّ رَشَّ جِلْدَهُ وَجِلْدَهَا ثُمَّ الْتَزَمَهَا فَقَالَ اللهُمَّ إِنَّهَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهَا اللهُمَّ كَمَا أُذْهِبَ عَنِّي الرِّجْسُ وَطَهَّرْتَنِي فَطَهِّرْهَا ثُمَّ دَعَا بِمِخْضَبٍ آخَرَ ثُمَّ دَعَا عَلِيّاً فَصَنَعَ بِهِ كَمَا صَنَعَ بِهَا ثُمَّ دَعَا لَهُ كَمَا دَعَا لَهَا ثُمَّ قَالَ لَهُمَا قُومَا إِلَى بَيْتِكُمَا جَمَعَ اللهُ بَيْنَكُمَا وَبَارَكَ فِي نَسْلِكُمَا وَأَصْلَحَ بَالَكُمَا ثُمَّ قَامَ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ أَنَّهَا رَمَقَتْ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم (١) فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو لَهُمَا خَاصَّةً لَا يُشْرِكُهُمَا فِي دُعَائِهِ أَحَداً حَتَّى تَوَارَى فِي حُجْرَتِهِ.

قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ وَأَنْبَأَنِي أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ الْهَمْدَانِيُّ يَرْفَعُهُ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ إِذْ هَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكٌ لَهُ عِشْرُونَ رَأْساً فِي كُلِّ رَأْسٍ أَلْفُ لِسَانٍ يُسَبِّحُ اللهَ وَيُقَدِّسُهُ بِلُغَةٍ لَا تُشْبِهُ الْأُخْرَى رَاحَتُهُ أَوْسَعُ مِنْ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَسَبْعِ أَرَضِينَ فَحَسِبَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَنَّهُ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ لَمْ تَأْتِنِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَطُّ قَالَ مَا أَنَا جَبْرَئِيلُ أَنَا صَرْصَائِيلُ بَعَثَنِي اللهُ إِلَيْكَ لِتُزَوِّجَ النُّورَ مِنَ النُّورِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم مَنْ مِنْ مَنْ قَالَ ابْنَتَكَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ بِشَهَادَةِ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَصَرْصَائِيلَ قَالَ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَإِذَا بَيْنَ كَتِفَيْ صَرْصَائِيلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مُقِيمُ الْحُجَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم يَا صَرْصَائِيلُ مُنْذُ كَمْ هَذَا كُتِبَ بَيْنَ كَتِفَيْكَ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ الدُّنْيَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ.

وَمِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ عَنْ بِلَالِ بْنِ حَمَامَةَ قَالَ طَلَعَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَوَجْهُهُ مُشْرِقٌ كَدَارَةِ الْقَمَرِ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا النُّورُ قَالَ بِشَارَةٌ أَتَتْنِي مِنْ رَبِّي فِي أَخِي وَابْنِ عَمِّي وَابْنَتِي وَأَنَّ اللهَ زَوَّجَ عَلِيّاً مِنْ فَاطِمَةَ وَأَمَرَ رِضْوَانَ خَازِنَ الْجِنَانِ فَهَزَّ شَجَرَةَ طُوبَى فَحَمَلَتْ وقاقا [رِقَاعاً] يَعْنِي صِكَاكاً (٢) بِعَدَدِ محبتي [مُحِبِّي] أَهْلِ بَيْتِي وَأَنْشَأَ مِنْ تَحْتِهَا مَلَائِكَةً مِنْ نُورٍ

________________

(١) رمقه : أطال النظر إليه.

(٢) الصك : الكتاب والجمع : صكاك.

٣٥٢

فِي النَّاسِ فَلَا يَبْقَى مُحِبٌّ لِأَهْلِ الْبَيْتِ إِلَّا دَفَعْتُ إِلَيْهِ صَكّاً فِيهِ فَكَاكُهُ مِنَ النَّارِ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ مَلَكٍ صَكّاً فَإِذَا اسْتَوَتِ الْقِيَامَةُ بِأَهْلِهَا نَادَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَخِي وَابْنِ عَمِّي وَابْنَتِي فَكَاكَ رِقَابِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ مِنْ أُمَّتِي مِنَ النَّارِ.

" وَمِنَ الْمَنَاقِبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا أَنْ كَانَتْ لَيْلَةُ زُفَّتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام كَانَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم قُدَّامَهَا وَجَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهَا وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهَا وَسَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مِنْ وَرَائِهَا يُسَبِّحُونَ اللهَ وَيُقَدِّسُونَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ.

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ عَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَتَانِي مَلَكٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ قَدْ زَوَّجْتُ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ فَزَوِّجْهَا مِنْهُ وَقَدْ أَمَرْتُ شَجَرَةَ طُوبَى أَنْ تَحْمِلَ الدُّرَّ وَالْيَاقُوتَ وَالْمَرْجَانَ وَإِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ قَدْ فَرِحُوا لِذَلِكَ وَسَيُولَدُ مِنْهُمَا وَلَدَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَبِهِمَا تُزَيَّنُ الْجَنَّةُ فَأَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ خَيْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام وَكُلٌّ قَالُوا إِنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مُدْرِكَ النِّسَاءِ خَطَبَهَا أَكَابِرُ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالسَّابِقَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالشَّرَفِ وَالْمَالِ وَكَانَ كُلَّمَا ذَكَرَهَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِوَجْهِهِ حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَظُنُّ فِي نَفْسِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم سَاخِطٌ عَلَيْهِ أَوْ قَدْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِيهِ وَحْيٌ مِنَ السَّمَاءِ.

وَلَقَدْ خَطَبَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَمْرُهَا إِلَى رَبِّهَا وَخَطَبَهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم كَمَقَالَتِهِ لِأَبِي بَكْرٍ قَالَ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَا ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَمَعَهُمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْأَوْسِيُّ فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ فَاطِمَةَ علیهما السلام بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ خَطَبَهَا الْأَشْرَافُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ إِنَّ أَمْرَهَا إِلَى رَبِّهَا إِنْ شَاءَ أَنْ يُزَوِّجَهَا زَوَّجَهَا وَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يَخْطُبْهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْهَا لَهُ وَلَا أَرَاهُ يَمْنَعُهُ

٣٥٣

مِنْ ذَلِكَ إِلَّا قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّهُ لَيَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ صلی الله علیه وسلم إِنَّمَا يَحْبِسَانِهَا عَلَيْهِ.

قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَقَالَ هَلْ لَكُمَا فِي الْقِيَامِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام حَتَّى نَذْكُرَ لَهُ هَذَا فَإِنْ مَنَعَهُ قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ وَاسَيْنَاهُ وَأَسْعَفْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَفَّقَكَ اللهُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَمَا زِلْتُ مُوَفَّقاً قُومُوا بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ وَبِمَنِّهِ.

قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَخَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْتَمَسُوا عَلِيّاً فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ وَكَانَ يَنْضِحُ بِبَعِيرٍ كَانَ لَهُ الْمَاءُ عَلَى نَخْلِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِأُجْرَةٍ فَانْطَلَقُوا نَحْوَهُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ علیهما السلام قَالَ مَا وَرَاءَكُمْ وَمَا الَّذِي جِئْتُمْ لَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلَّا وَلَكَ فِيهَا سَابِقَةٌ وَفَضْلٌ وَأَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِالْمَكَانِ الَّذِي قَدْ عَرَفْتَ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالصُّحْبَةِ وَالسَّابِقَةِ وَقَدْ خَطَبَ الْأَشْرَافُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ابْنَتَهُ ـ فَاطِمَةَ علیهما السلام فَرَدَّهُمْ وَقَالَ إِنَّ أَمْرَهَا إِلَى رَبِّهَا إِنْ شَاءَ أَنْ يُزَوِّجَهَا زَوَّجَهَا فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَذْكُرَهَا لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَتَخْطُبَهَا مِنْهُ فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صلی الله علیه وسلم إِنَّمَا يَحْبِسَانِهَا عَلَيْكَ.

قَالَ فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَا عَلِيٍّ علیهما السلام بِالدُّمُوعِ وَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ هَيَّجْتَ مِنِّي سَاكِناً وَأَيْقَظْتَنِي لِأَمْرٍ كُنْتُ عَنْهُ غَافِلاً وَاللهِ إِنَّ فَاطِمَةَ لَمَوْضِعُ رَغْبَةٍ وَمَا مِثْلِي قَعَدَ عَنْ مِثْلِهَا غَيْرُ أَنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَعِنْدَ رَسُولِهِ صلی الله علیه وسلم كَهَبَاءٍ مَنْثُورٍ.

قَالَ ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام حَلَّ عَنْ نَاضِحِهِ (٢) وَأَقْبَلَ يَقُودُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَشَدَّهُ فِيهِ وَلَبِسَ نَعْلَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي مَنْزِلِ زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ فَدَقَّ عَلِيٌّ علیهما السلام الْبَابَ فَقَالَتْ

________________

(١) تغرغرت عينه بالدمع : تردد فيها الدمع وأصله من تغرغر فلان بالماء والدواء إذا رددهما في حلقه فلا يمجهما ولا يسيغهما.

(٢) الناضح : البعير يستقى عليه.

٣٥٤

أُمُّ سَلَمَةَ مَنْ فِي الْبَابِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُولَ عَلِيٌّ أَنَا عَلِيٌّ قُومِي يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَافْتَحِي لَهُ الْبَابَ وَمُرِيهِ بِالدُّخُولِ فَهَذَا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّهُمَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي وَمَنْ هَذَا الَّذِي تَذْكُرُ فِيهِ هَذَا وَأَنْتَ لَمْ تَرَهُ فَقَالَ مَهْ يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَهَذَا رَجُلٌ لَيْسَ بِالْخَرِقِ وَلَا بِالنَّزِقِ (١) هَذَا أَخِي وَابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقُمْتُ مُبَادِرَةً أَكَادُ أَنْ أَعْثُرَ بِمِرْطِي (٢) فَفَتَحْتُ الْبَابَ فَإِذَا أَنَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام وَوَ اللهِ مَا دَخَلَ حِينَ فَتَحْتُ حَتَّى عَلِمَ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ إِلَى خِدْرِي.

ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا الْحَسَنِ اجْلِسْ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَجَلَسَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ كَأَنَّهُ قَصَدَ لِحَاجَةٍ وَهُوَ يَسْتَحْيِي أَنْ يُبْدِيَهَا فَهُوَ مُطْرِقٌ إِلَى الْأَرْضِ حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَانَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم عَلِمَ مَا فِي نَفْسِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنِّي أَرَى أَنَّكَ أَتَيْتَ لِحَاجَةٍ فَقُلْ مَا حَاجَتُكَ وَأَبْدِ مَا فِي نَفْسِكَ فَكُلُّ حَاجَةٍ لَكَ عِنْدِي مَقْضِيَّةٌ.

قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَقُلْتُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ أَخَذْتَنِي مِنْ عَمِّكَ أَبِي طَالِبٍ وَمِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَأَنَا صَبِيٌّ لَا عَقْلَ لِي فَغَذَّيْتَنِي بِغَذَائِكَ وَأَدَّبْتَنِي بِأَدَبِكَ فَكُنْتَ لِي أَفْضَلَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ وَمِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ فِي الْبَرِّ وَالشَّفَقَةِ وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى هَدَانِي بِكَ وَعَلَى يَدَيْكَ وَاسْتَنْقَذَنِي مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ آبَائِي وَأَعْمَامِي مِنَ الْحَيْرَةِ وَالشِّرْكِ وَأَنَّكَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ذُخْرِي وَذَخِيرَتِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْ أَحْبَبْتُ

________________

(١) خرق ـ بكسر الراء ـ خرقا فهو خرق ـ : ككتف ـ دهش ، وخرق الرجل في البيت : أقام فلم يبرح ولازق بالأرض. والنزق : خفة في كل امر وعجلة في جهل وحمق فلعل المعنى ـ واللّه أعلم ـ : هذا رجل ليس متكاسلا مبطئا في الأمور كمن لزق بالأرض وتحير ، ولا بعجول ووارد فيه من غير بصيرة.

(٢) المرط : كساء من صوف أو خز أو كتان يؤترز به وربما تلقيه المرأة على رأسها وتتلفع به.

٣٥٥

مَعَ مَا [قَدْ] شَدَّ اللهُ مِنْ عَضُدِي بِكَ [أَنْ يَكُونَ لِي بَيْتٌ وَ] أَنْ تَكُونَ لِي زَوْجَةٌ أَسْكُنُ إِلَيْهَا وَقَدْ أَتَيْتُكَ خَاطِباً رَاغِباً أَخْطُبُ إِلَيْكَ ابْنَتَكَ فَاطِمَةَ فَهَلْ أَنْتَ مُزَوِّجِي يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَتَهَلَّلُ فَرَحاً وَسُرُوراً ثُمَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَهَلْ مَعَكَ شَيْءٌ أُزَوِّجْكَ بِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي وَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِي شَيْءٌ أَمْلَكُ سَيْفِي وَدِرْعِي وَنَاضِحِي وَمَا أَمْلَكُ شَيْئاً غَيْرَ هَذَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَا عَلِيُّ أَمَّا سَيْفُكَ فَلَا غِنًى بِكَ عَنْهُ تُجَاهِدُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَتُقَاتِلُ بِهِ أَعْدَاءَ اللهِ وَنَاضِحُكَ تَنْضَحُ بِهِ عَلَى نَخْلِكَ وَأَهْلِكَ وَتَحْمِلُ عَلَيْهِ رَحْلَكَ فِي سَفَرِكَ وَلَكِنِّي قَدْ زَوَّجْتُكَ بِالدِّرْعِ وَرَضِيتُ بِهَا مِنْكَ.

يَا أَبَا الْحَسَنِ أُبَشِّرُكَ قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَقُلْتُ نَعَمْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي بَشِّرْنِي فَإِنَّكَ لَمْ تَزَلْ مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ مُبَارَكَ الطَّائِرِ (٢) رَشِيدَ الْأَمْرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَبْشِرْ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ زَوَّجَكَهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُزَوِّجُكَهَا مِنَ الْأَرْضِ (٣) وَلَقَدْ هَبَطَ عَلَيَّ فِي مَوْضِعِي مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنِي مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ لَهُ وُجُوهٌ شَتَّى وَأَجْنِحَةٌ شَتَّى لَمْ أَرَ قَبْلَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِثْلَهُ فَقَالَ لِي السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ بِاجْتِمَاعِ الشَّمْلِ وَطَهَارَةِ النَّسْلِ فَقُلْتُ وَمَا ذَاكَ أَيُّهَا الْمَلَكُ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ أَنَا سَيْطَائِيلُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِإِحْدَى قَوَائِمِ الْعَرْشِ

________________

(١) تهلل الوجه : / تلالا.

(٢) قال الجزريّ وفي الحديث انه ميمون النقيبة اي منجح الفعال مظفر الغالب والنقية النفس ، وقيل الطبيعة والخليقة «انتهى» وقال غيره : النقيبة : العقل والمشورة ونفاذا لرأى وفلان ميمون النقيبة اي محمود المختبر. وقال أيضا : وطائر الإنسان : ما حصل له في علم اللّه ممّا قدر له ومنه الحديث : بالميمون طائره اي بالمبارك حظه ويجوز أن يكون أصله من الطير السانح والبارح.

(٣) وفي نسخة «في الأرض».

٣٥٦

سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَأْذَنَ لِي فِي بِشَارَتِكَ وَهَذَا جَبْرَئِيلُ عَلَى أَثَرِي يُخْبِرُكَ عَنْ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ بِكَرَامَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامُهُ حَتَّى هَبَطَ عَلَيَّ جَبْرَئِيلُ [الْأَمِينُ] علیهما السلام فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا مُحَمَّدُ. (١)

ثُمَّ إِنَّهُ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيَّ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ مِنْ حَرِيرِ الْجَنَّةِ وَفِيهَا سَطْرَانِ مَكْتُوبَانِ بِالنُّورِ فَقُلْتُ حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ مَا هَذِهِ الْحَرِيرَةُ وَمَا هَذِهِ الْخُطُوطُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً فَاخْتَارَكَ مِنْ خَلْقِهِ فَانْبَعَثَكَ بِرِسَالاتِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ إِلَى الْأَرْضِ ثَانِيَةً فَاخْتَارَ لَكَ مِنْهَا أَخاً وَوَزِيراً وَصَاحِباً وَخَتَناً فَزَوَّجَهُ ابْنَتَكَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقُلْتُ يَا حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَابْنُ عَمِّكَ فِي النَّسَبِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَى الْجِنَانِ أَنْ تُزَخْرِفِي فَتَزَخْرَفَتِ الْجِنَانُ وَإِلَى شَجَرَةِ طُوبَى أَنِ احْمِلِي الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ وَتَزَيَّنَتِ الْحُورُ الْعِينُ وَأَمَرَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ عِنْدَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فَهَبَطَ مِنْ فَوْقِهَا إِلَيْهَا وَصَعِدَ مِنْ تَحْتِهَا إِلَيْهَا وَأَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رِضْوَانَ فَنَصَبَ مِنْبَرَ الْكَرَامَةِ عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَعْمُورِ وَهُوَ الَّذِي خَطَبَ عَلَيْهِ آدَمُ يَوْمَ عَرَضَ الْأَسْمَاءَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ مِنْبَرٌ مِنْ نُورٍ فَأَوْحَى إِلَى مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ حُجُبِهِ يُقَالُ لَهُ رَاحِيلُ أَنْ (٢) يَعْلُوَ ذَلِكَ الْمِنْبَرَ وَأَنْ يَحْمَدَهُ بِمَحَامِدِهِ وَيُمَجِّدَهُ بِتَمْجِيدِهِ وَأَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْمَلَائِكَةِ أَحْسَنُ مَنْطِقاً مِنْهُ وَلَا أَحْلَى لُغَةً مِنْ رَاحِيلَ الْمَلِكِ فَعَلَا الْمِنْبَرَ وَحَمِدَ رَبَّهُ وَمَجَّدَهُ وَقَدَّسَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ فَارْتَجَّتِ السَّمَاوَاتُ فَرَحاً وَسُرُوراً.

قَالَ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام ثُمَّ أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ أَنْ أَعْقِدَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ فَإِنِّي قَدْ زَوَّجْتُ أَمَتِي فَاطِمَةَ بِنْتَ حَبِيبِي مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَعَقَدْتُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ وَأَشْهَدْتُ عَلَى ذَلِكَ الْمَلَائِكَةَ أَجْمَعِينَ وَكَتَبْتُ شَهَادَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَرِيرَةِ وَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي

________________

(١) وفي نسخة «يا نبي اللّه».

(٢) وفي بعض النسخ «زاجيل».

٣٥٧

عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَعْرِضَهَا عَلَيْكَ وَأَنْ أَخْتِمَهَا بِخَاتَمِ مِسْكٍ وَأَنْ أَدْفَعَهَا إِلَى رِضْوَانَ وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَشْهَدَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى تَزْوِيجِ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةَ أَمَرَ شَجَرَةَ طُوبَى أَنْ تَنْثُرَ حَمْلَهَا مِنَ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ فَنَثَرَتِ مَا فِيهَا وَالْتَقَطَهُ الْمَلَائِكَةُ وَالْحُورُ الْعِينُ وَإِنَّ الْحُورَ لَيَتَهَادَيْنَهُ وَيَفْخَرْنَ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُزَوِّجَ عَلِيّاً فِي الْأَرْضِ فَاطِمَةَ علیهما السلام وَتُبَشِّرَهُمَا بِغُلَامَيْنِ زَكِيَّيْنِ نَجِيبَيْنِ طَاهِرَيْنِ طَيِّبَيْنِ خَيِّرَيْنِ فَاضِلَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَوَ اللهِ مَا عُرِجَ الْمَلَكُ مِنْ عِنْدِي حَتَّى دَقَقْتُ الْبَابَ أَلَا وَإِنِّي مُنْفِذٌ فِيكَ أَمْرَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ امْضِ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَمَامِي فَإِنِّي خَارِجٌ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمُزَوِّجُكَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ وَذَاكِرٌ مِنْ فَضْلِكَ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ وَأَعْيُنُ مُحِبِّيكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ عَلِيٌّ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مُسْرِعاً وَأَنَا لَا أَعْقِلُ فَرَحاً وَسُرُوراً فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالا مَا وَرَاءَكَ فَقُلْتُ زَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ زَوَّجَنِيهَا مِنَ السَّمَاءِ وَهَذَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم خَارِجٌ فِي أَثَرِي لِيُظْهِرَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَفَرِحَا بِذَلِكَ فَرَحاً شَدِيداً وَرَجَعَا مَعِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَا تَوَسَّطْنَاهُ حَتَّى لَحِقَ بِنَا رَسُولُ اللهِ وَإِنَّ وَجْهَهُ لَيَتَهَلَّلُ سُرُوراً وَفَرَحاً فَقَالَ يَا بِلَالُ فَأَجَابَهُ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ اجْمَعْ إِلَيَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ رَقَى دَرَجَةً مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي آنِفاً فَأَخْبَرَنِي عَنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ جَمَعَ مَلَائِكَةً عِنْدَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَأَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ جَمِيعاً أَنَّهُ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَاطِمَةَ ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ مِنْ عَبْدِهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَهُ فِي الْأَرْضِ وَأُشْهِدَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَلَسَ وَقَالَ لِعَلِيٍّ علیهما السلام قُمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَاخْطُبْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ.

قَالَ فَقَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْراً لِأَنْعُمِهِ وَأَيَادِيهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ شَهَادَةً تَبْلُغُهُ وَتُرْضِيهِ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَاةً تُزْلِفُهُ وَتُحْظِيهِ وَالنِّكَاحُ مِمَّا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَرَضِيَهُ وَمَجْلِسُنَا هَذَا مِمَّا قَضَاهُ اللهُ وَأَذِنَ فِيهِ وَقَدْ زَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ وَجَعَلَ صَدَاقَهَا دِرْعِي هَذَا وَقَدْ رَضِيتُ بِذَلِكَ فَاسْأَلُوهُ

٣٥٨

وَاشْهَدُوا فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم زَوَّجْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالُوا بَارَكَ اللهُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا وَجَمَعَ شَمْلَهُمَا وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِلَى أَزْوَاجِهِ فَأَمَرَهُنَّ أَنْ يُدَفِّفْنَ لِفَاطِمَةَ فَضَرَبْنَ بِالدُّفُوفِ.

قَالَ عَلِيٌّ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ انْطَلِقْ الْآنَ فَبِعْ دِرْعَكَ وَائْتِنِي بِثَمَنِهِ حَتَّى أُهَيِّئَ لَكَ وَلِابْنَتِي فَاطِمَةَ مَا يُصْلِحُكُمَا قَالَ عَلِيٌّ فَانْطَلَقْتُ وَبِعْتُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ سُودٍ هَجَرِيَّةٍ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَلَمَّا قَبَضْتُ الدَّرَاهِمَ مِنْهُ وَقَبَضَ الدِّرْعَ مِنِّي قَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالدِّرْعِ مِنْكَ وَأَنْتَ أَوْلَى بِالدَّرَاهِمِ مِنِّي فَقُلْتُ بَلَى قَالَ فَإِنَّ الدِّرْعَ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَيْكَ فَأَخَذْتُ الدِّرْعَ وَالدَّرَاهِمَ وَأَقْبَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَطَرَحْتُ الدِّرْعَ وَالدَّرَاهِمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ فَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ وَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَبْضَةً مِنَ الدَّرَاهِمِ وَدَعَا بِأَبِي بَكْرٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ وَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِابْنَتِي مَا يُصْلِحُ لَهَا فِي بَيْتِهَا وَبَعَثَ مَعَهُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ وَبِلَالاً لِيُعِينَاهُ عَلَى حَمْلِ مَا يَشْتَرِيهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَعْطَانِيهَا ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ دِرْهَماً فَانْطَلَقْتُ وَاشْتَرَيْتُ فِرَاشاً مِنْ خَيْشِ مِصْرَ (١) مَحْشُوّاً بِالصُّوفِ وَنَطْعاً مِنْ أَدَمٍ وَوِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا مِنْ لِيفِ النَّخْلِ وَعَبَاءَةً خَيْبَرِيَّةً وَقِرْبَةً لِلْمَاءِ وَكِيزَاناً وَجِرَاراً (٢) وَمَطْهَرَةً لِلْمَاءِ وَسِتْرَ صُوفٍ رَقِيقاً وَحَمَلْنَاهُ جَمِيعاً حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ بَكَى وَجَرَتْ دُمُوعُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ اللهُمَّ بَارِكْ لِقَوْمٍ جُلُّ آنِيَتِهِمُ الْخَزَفُ قَالَ عَلِيٌّ وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَاقِيَ ثَمَنِ الدِّرْعِ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ اتْرُكِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عِنْدَكَ وَمَكَثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْراً لَا أُعَاوِدُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي أَمْرِ فَاطِمَةَ علیهما السلام بِشَيْءٍ اسْتِحْيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم غَيْرُ أَنِّي كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ بِرَسُولِ اللهِ ـ يَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ

________________

(١) الخيش : نسيج خشن من الكتان.

(٢) الجرار جمع الجرة ـ بالفتح ـ : اناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.

٣٥٩

مَا أَحْسَنَ زَوْجَتَكَ وَأَجْمَلَهَا أَبْشِرْ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَقَدْ زَوَّجْتُكَ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.

قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ شَهْرٍ دَخَلَ عَلَيَّ أَخِي عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ يَا أَخِي مَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ كَفَرَحِي بَتَزْوِيجِكَ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم يَا أَخِي فَمَا بَالُكَ لَا تَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَدْخُلُهَا عَلَيْكَ فَنَقَرُّ عَيْناً بِاجْتِمَاعِ شَمْلِكُمَا قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام وَاللهِ يَا أَخِي إِنِّي لَأُحِبُّ ذَلِكَ وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ مَسْأَلَتِهِ إِلَّا الْحَيَاءُ مِنْهُ علیهما السلام فَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا قُمْتَ مَعِي فَقُمْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ فَلَقِينَا فِي طَرِيقِنَا أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاةَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ لَا تَفْعَلْ وَدَعْنَا نَحْنُ نُكَلِّمْهُ فَإِنَّ كَلَامَ النِّسَاءِ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَحْسَنُ وَأَوْقَعُ بِقُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ انْثَنَتْ رَاجِعَةً فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَعْلَمَتْهَا بِذَلِكَ وَأَعْلَمَتْ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَاجْتَمَعْنَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ وَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَحْدَقْنَ بِهِ وَقُلْنَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللهِ قَدِ اجْتَمَعْنَا لِأَمْرٍ لَوْ أَنَّ خَدِيجَةَ فِي الْأَحْيَاءِ لَقَرَّتْ بِذَلِكَ عَيْنُهَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَكَرْنَا خَدِيجَةَ بَكَى رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ قَالَ خَدِيجَةُ وَأَيْنَ مِثْلُ خَدِيجَةَ صَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَآزَرَتْنِي عَلَى دِينِ اللهِ وَأَعَانَتْنِي عَلَيْهِ بِمَالِهَا إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبِ الزُّمُرُّدِ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقُلْنَا فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللهِ ـ إِنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ مِنْ خَدِيجَةَ أَمْراً إِلَّا وَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهَا قَدْ مَضَتْ إِلَى رَبِّهَا فَهَنَّأَهَا اللهُ بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا فِي دَرَجَاتِ جَنَّتِهِ وَرِضْوَانِهِ وَرَحْمَتِهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَهَذَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَابْنُ عَمِّكَ فِي النَّسَبِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام يُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ علیهما السلام وَتَجْمَعَ بِهَا شَمْلَهُ فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَمَا بَالُ عَلِيٍّ لَا يَسْأَلُنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ مِنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم انْطَلِقِي إِلَى عَلِيٍّ فَأْتِينِي بِهِ.

فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَإِذَا عَلِيٌّ يَنْتَظِرُنِي لِيَسْأَلَنِي عَنْ جَوَابِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَلَمَّا رَآنِي قَالَ مَا وَرَاءَكَ يَا أُمَّ أَيْمَنَ قُلْتُ أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ

٣٦٠