وقام فضلاء الشيعة من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام وسائر الأئمّة المعصومين بهذا النمط من التفسير ، وقد أخذوا علوم القرآن وتبيين مفاهيمها عن أئمّتهم ، فأوّل من دوّن أقواله في التفسير منهم هو عبد الله بن العباس ( المتوفّى سنة ٦٨ ه ) ، وأوّل من كتب تفسيراً تلميذه سعيد بن جبير ( المتوفّى عام ٩٥ ه ) ١ ، واستمرّ الأمر إلى عصرنا هذا ، بل لم يكتف كثير منهم بتأليف تفسير واحد حتى ضمّ إليه آخر ، بل كثير منهم عزّزهما بثالث ورابع ، وقد استخرج أسماء هؤلاء المعزّزين شيخ الباحثين « آغا بزرگ الطهراني » في معجمه. ٢
والغالب على التفاسير المدوّنة في القرون الأُولى هو تفسير القرآن بالأثر ، ومن نماذجه تفسير « فرات بن إبراهيم الكوفي » الراوي عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي ( المتوفّى حوالي ٣٠٠ ه ) ، والمعلّم لأبي غالب الزراي ( المولود ٢٨٥ ه ) ، وتفسير « علي بن إبراهيم القمي » ( حياً عام ٣٠٧ ه ) ، و« تفسير العياشي » محمد بن مسعود أُستاذ الشيخ الكليني ( المتوفّى عام ٣٢٩ ه ) ، إلى غير ذلك من التفاسير المؤلّفة في العصور الأُولى ، فانّ الجلّ لولا الكلّ تفاسير روائية ، وكأنّهم كانوا يجتنبون تفسير القرآن تفسيراً فكرياً تحليليّاً علمياً تحرّزاً من وصمة التفسير بالرأي ، وقد كان هذا النمط سائداً إلى أواخر القرن الرابع بين الشيعة ، حتى أحسّ العلماء بالحاجة الشديدة إلى التفسير العلمي والتحليلي ، منضمّاً إلى ما روي عن النبيّ والأئمّة عليهمالسلام ، وأوّل ٣ من فتح هذا الباب الشريف الرضي ( المتوفّى ٤٠٦ ه ) فألّف كتاب « حقائق التأويل » ، في عشرين جزءاً ، ثمّ أخوه الشريف المرتضى ( المتوفّى ٤٣٦ ه ) في أماليه المسمّى ب « الغرر والدرر » ، ثمّ تلميذه
__________________
١. فهرست ابن النديم : ٥٧.
٢. الذريعة إلى تصانيف الشيعة : ٤ / ٢٣٣ ـ ٣٤٦.
٣. نذكر ذلك على وجه التقريب ، لأنّه لم يصل إلينا ممّن تقدّم عليه ، تفسير عليه ذاك الطابع.