• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • تفسير سورة الفاتحة

  • تفسير سورة البقرة

  • __________________

    ـ الدليل الرابع أن التصديق يجامع الشرك بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) وإذا كان التصديق يجامع الشرك فلا يكون إيمانا.

    والجواب أن الإيمان فى الآية المقصود به التصديق ببعض ما جاء به النبى لا بكل ما جاء به الذى هو الإيمان حقيقة ، وعلى ذلك فالإيمان فى الآية لغوى لا شرعى ثم إن هذه الآية ـ إذا سلمنا بما ذكرتموه من أن الإيمان المذكور فيها يقصد به الإيمان الشرعى ـ لا تلزمنا وحدنا ، وإنما تلزمنا جميعا نحن وأنتم ؛ لأن الإيمان لو كان منه العمل لجامع الشرك أيضا والله أعلم.

    هذا مما يبطل مذهب المعتزلة ويؤيد ما سبق أن اخترناه من أن الإيمان هو التصديق ، وأما الإقرار باللسان فهو شرط لإجراء الأحكام فى الدنيا لأمور منها :

    الأول : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وغيره مما ورد فيه عطف العمل على الإيمان ، وهو كثير فى القرآن الكريم ، ووجه الدلالة من ذلك أنه قد عطف الأعمال على الإيمان. والعطف يقتضى المغايرة وعدم دخول المعطوف فى المعطوف عليه ؛ فلا يكون المعطوف عين المعطوف عليه ولا جزءا منه ، فإن قيل : إن ما ذكرتموه ينتقض بقوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) فإن ظاهر هذه الآية يدل على أن الروح هو جبريل وهو جزء من مجموع الملائكة ، وقد عطف عليها. فالجواب أن هذا العطف بتأويل أن يكون الروح عظيما جدّا حتى كأنه ليس منهم. أو يقال : إن الروح ليس جبريل بل هو خلق آخر أعظم من خلق الملائكة.

    الثاني : أن الإيمان جعل شرطا للأعمال فى قوله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ) الآية مع القطع بأن المشروط لا يدخل فى الشرط ، إذ لو دخل فيه لكان فى ذلك اشتراط الشىء بنفسه ؛ وبيان ذلك أن الأعمال لو كانت من الإيمان وقد جعل شرطا لها لكانت مشروطة بنفسها لأنها جزء الشرط وجزء الشرط شرط.

    ونكتفى بما أوردناه هاهنا دون أن نتعرض لبقية المذاهب الثمانية المذكورة آنفا لأنها لا تزيد عن كونها خزعبلات لا دليل عليها ؛ ومن ثم ، لا نضيع جهدنا فى عرضها.

    وأما الخلاف فى زيادة الإيمان ونقصانه :

    فقد اختلف العلماء فى هذه المسألة على قولين :

    القول الأول : وبه قال الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان وإمام الحرمين من الشافعية : أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

    القول الثانى : أن الإيمان يزيد وينقص.

    وقيل : إن الخلاف لفظى مبنى على تفسير الإيمان ؛ فإن كان معناه التصديق فهو لا يزيد ولا ينقص لأن التصديق البالغ حد الجزم والإذعان لا يتصور فيه تفاوت بالزيادة والنقصان ، وإن كان الإيمان معناه التصديق والعمل والإقرار أو العمل مطلقا فهو يقبل الزيادة والنقصان.

    وقد استدل كل فريق لما ذهب إليه بأدلة إليك بيانها :

    أولا : استدل القائلون بزيادة الإيمان ونقصانه بآيات كثيرة من القرآن الكريم ، منها : قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً).

    وقد أول أبو حنيفة ـ رحمه‌الله ـ هذه الآية بأن الصحابة كانوا آمنوا فى الجملة ، ثم يأتى فرض بعد فرض فكانوا يؤمنون بكل فرض عند حصوله فزاد الإيمان بحسب زيادة ما يجب الإيمان به من الفروض.

    والظاهر من هذا التأويل الذى ذكره الإمام أبو حنيفة أنه إنما يظهر فى عصر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأما بعد عصره فالفروض كلها قد تمت وحصلت فلا يتصور الإيمان بكل فرض إلا أن بعض العلماء قد أجاب ـ