(لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) عاجلا ولميز السعيد من الشقي ، والحق من الباطل من أديانهم ومللهم ولكن حكمة الله اقتضت أن يبلغ كل منهم وجهته التي ولى وجهه إليها بأعماله التي يزاولها هو وإظهار ما خفي في نفسه.

[٢١ ـ ٢٤] (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤))

(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) قد مرّ أن أنواع البلاء من الضراء والبأساء وصنوف اللأواء تكسر شرّة النفس ، وتلطف القلب بكشف حجب صفات النفس وترقيق كثافات الطبع ورفع غشاوات الهوى ، فلذا تنزع قلوبهم بالطبع إلى مبدئها في تلك الحالة لرجوعها إلى مقتضى فطرتها حينئذ وعودها إلى نوريتها الأصلية وقوتها الفطرية وميلها إلى العروج الذي هو في سنخها لزوال المانع بل الميل إلى الجهة العلوية والمبادئ النورية مفطور في طباع القوى الملكوتية كلها. حتى النفس الحيوانية لو تزكّت عن الهيئات البدنية الظلمانية فإن التسفل من العوارض الجسمانية حتى أن البهائم والوحوش إذا اشتدت الحال عليها في أوقات المحل وأيام الجدب اجتمعت رافعة رؤوسها إلى السماء كأن ملكوتها يشعر بنزول الفيض من الجهة العلوية فتستمدّ منها فكذا إذا توافرت على الناس النعم الظاهرة وتكاملت عليهم الأمداد الطبيعية والمرادات الجسمانية قويت النفس من مدد الجهة السفلية واستطالت قواها بالترفع على القلب وتكاثف الحجاب وغلظ وتسلط الهوى وغلب ، وصارت السلطنة للطبيعة الجسمانية ، وارتكمت الهيئات البدنية الظلمانية فتشكل القلب بهيئة النفس وقسا وغلظ وطغى ، وأبطرته النعمة فكفر وعمى ومال إلى الجهة السفلية لبعده عن الهيئة النورية حينئذ. وبقدر استيلاء النفس على القلب يستولي الوهم على العقل ، فتستولي الشيطنة لكون القوة العاقلة أسيرة في قيد الوهم مأمورة له يستعملها في مطالبه ويستسعيها في مآربه من تحصيل لذات النفس وإمدادها من عالم الرجس وتقوية صفاتها بأهب عالم الطبع وعدد مواد الحظ