عليها بالثواب ، وأمثال ذلك. والملائكة بالعلم والقدرة والذوات المجرّدة منهم بالتجرّد عن المادة والوجوب أيضا مع ذلك كله فهم مع كونهم مسّبحين إيّاه ، مقدّسون له (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لقلة النظر والفكر في ملكوت الأشياء وعدم الإصغاء إليهم وإنما يفقه (كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (١).

(إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) لا يعاجلكم بترك التسبيح في طلب كمالاتكم وإظهار خواصكم ، فإن من خواصكم تفقه تسبيحهم وتوحيده كما وحدوه (غَفُوراً) يغفر لكم غفلاتكم وإهمالاتكم (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) لقصور نظرهم عن إدراك الروحانيات وقصر هممهم على الجسمانيات (حِجاباً مَسْتُوراً) من الجهل وعمى القلب فلا يرون حقيقة القارئ وإلا آمنوا وإنما لا يبصرونك لأنهم لا يحسبونك إلا هذه الصورة البشرية لكونهم بدنيين منغمسين في بحر الهيولى محجوبين بالغواشي الطبيعية وملابس الصفات النفسانية عن الحق وصفاته وأفعاله إذ لو عرفوا الحق لعرفوك ولو عرفوا صفاته لعرفوا كلامه ، ولم يكن على قلوبهم أكنة من الغشاوات الطبيعية والهيئات البدنية (أَنْ يَفْقَهُوهُ) ولو عرفوا أفعاله لعلموا القراءة ولم يكن في آذانهم وقر لرسوخ أوساخ التعلقات (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) لتشتت أهوائهم وتفرّق هممهم في عبادة متعبداتهم من أصنام الجسمانيات والشهوات ، فلا يناسب بواطنهم معنى الوحدة لتألفها بالكثرة واحتجابها بها.

[٥٢ ـ ٦٣] (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣))

__________________

(١) سورة ق ، الآية : ٣٧.