سورة التوبة

[١] (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١))

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) الآية ، لما لم يتمكن الرسول في الاستقامة لمكان تلوينه بظهور صفاته تارة وبوجود البقية تارة أخرى ، على ما دلّ عليه القرآن في مواضع العتاب والتثبيت كقوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)) (١) ، وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤)) (٢) ، (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (٣) ، (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) (٤) ، ولم يصل أصحابه من المؤمنين إلى مقام الوحدة الذاتية لاحتجابهم تارة بالأفعال وتارة بالصفات كان بينهم وبين المشركين مناسبة وقرابة جنسية وآل فبتلك الجنسية عاهدوهم لوجود الاتصال بينهم. ثم لما امتثل النبيّ عليه الصلاة والسلام والمؤمنون قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) (٥) وبلغ غاية التمكين وارتفعت الحجب الأفعالية والصفاتية والذاتية عن وجه السالكين من أصحابه حتى بلغوا مقام التوحيد الذاتي. ارتفعت المناسبة بينهم وبين المشركين ولم تبق بينهم جنسية بوجه ما وتحققت الضديّة والمخالفة وحقّت الفرقة والعداوة فنزلت براءة من الله ورسوله (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : هذه الحالة حالة الفرقة والمباينة الكلية بيننا والتبرّي الحقيقيّ من الله باعتبار الجمع ورسوله باعتبار التفصيل إليهم فتبرّأوا منهم ظاهرا كما تبرأوا منهم باطنا ، ونبذوا عهدهم في الصورة كما نبذوا عهدهم في الحقيقة.

[٢] (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢))

(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) على عدد مواقفهم في الدنيا والآخرة تنبيها لهم فإنهم لما وقفوا في الدنيا مع الغير بالشرك حجبوا عن الدين والأفعال والصفات والذات في برزخ

__________________

(١) سورة عبس ، الآية : ١.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٧٤.

(٣) سورة التوبة ، الآية : ٤٣.

(٤) سورة الأنفال ، الآية : ٦٧.

(٥) سورة هود ، الآية : ١١٢.