(لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) لأن المتوكل على الله ، الصابر على بلائه ، المستعين به لا بغيره ، ظافر في طلبته ، غالب على خصمه ، محفوظ بحسن كلاءة ربه ، والمستعين بغيره مخذول موكول إلى نفسه ، محروم عن نصرة ربه. كما قال الشاعر :

من استعان بغير الله في طلب

فإن ناصره عجز وخذلان

(إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) من المكايد (مُحِيطٌ) فيبطلها ويهلكها ، وقد قيل : إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك. فالصبر والتقوى من أجمل الفضائل إن لزمتموهما تظفروا على عدوّكم.

[١٢٥ ـ ١٢٦] (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦))

(بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ) الآية ... الصبر على مضض الجهاد وبذل النفس في طاعة الله ، وتحمل المكروه طلبا لرضا الله لا يكون إلا عند التقوى بتأييد الحق وتنوّره بنور اليقين ، وثباته بنزول السكينة والطمأنينة عليه ، والتقوى في مخالفة أمر الحق والميل إلى النفع والغنيمة ، وخوف تلف النفس لا تكون إلا عند انكسار النفس تحت قهر سلطان القلب والروح ، إذ الثبات والوقار صفة الروح والطيش ، والاضطراب صفة النفس ، فإذا استولى سلطان الروح على القلب وأخذ مملكته عصمه من استيلاء صفات النفس وجنودها عليه ، فيعشقه القلب ويسكن إليه لنورانيته المحبوبة لذاتها ويتقوّى به على النفس وقواها فيهزمها ويكسرها ويدفع غلبتها وظلمتها عن نفسه ، ويجعلها ذلولا مطيعة مطمئنة إليه فيزول عنها الاضطراب وتتنوّر بنوره وعند ذلك تنزل الرحمة ، ويناسب القلب ملكوت السماء في نورانيتها وقهرها لما تحتها ، ومحبتها وشوقها لما فوقها. وبذلك المناسب يصل بها ويستنزل قواها وأوصافها في أفعاله خصوصا عند اهتياجه وانقلاعه عن الجهة السفلية ، وانقطاعه بقوة اليقين والتوكل إلى الجهة العلوية. ويستمد من قوى قهرها على من يغضب عليه فذلك نزول الملائكة ، وإذا جزع وهلع وتغير وخاف أو مال إلى الدنيا غلبته النفس وقهرته واستولت عليه وحجبته بظلمة صفاتها عن النور ، فلم تبق تلك المناسبة ، فانقطع المدد ولم تنزل الملائكة (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) أي : ما جعل الإمداد بالملائكة إلا لتستبشروا به فتزداد قوة قلوبكم وشجاعتكم ونجدتكم ونشاطكم في التوجه إلى الحق والتجريد للسلوك (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) فتتحقق الفيض بقدر التصفية والخلف بقدر الترك.

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا من الملائكة ولا من غيرهم ، فلا تحتجبوا بالكثرة عن